|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() الشَّفَقَة في واحة الشِّعر قال الشَّاعر: وصاحبٌ كان لي وكنتُ له ---- أَشْفَقَ مِن والدٍ على ولدِ كنَّا كساقٍ تسعَى بها قَدَمٌ ---- أو كذراعٍ نِيطَت إلى عَضُدِ وقال الشاعر: قد كنت أُشْفِق مما قد فُجِعت به ---- إن كان يدفعُ عن ذي اللَّوعة الشَّفقُ وقال جرير: يُسِرُّ لك البَغْضَاءَ كلُّ مُنَافِقٍ ---- كما كلُّ ذِي دِينٍ عليك شَفِيقُ وقال ابن هرمة: وموعظةُ الشَّفِيقِ تكونُ داءً ---- إِذا خالفْتَ موعظةَ الشَّفِيقِ وقال الشَّاعر: رُبَّ رَحيمٍ مُشْفِقٍ مُتعطِّفٍ ---- لا يَنتَهي بالحَصْر ما أَعطاه كَمْ نعمةٍ أَولى وَكَمْ من كُرْبةٍ ---- أَجلى وَكَمْ من مُبتَلى عافاه وقال محمَّد الإخسيكائي: ارحمْ أخيَّ عبادَ اللهِ كلَّهم ---- وانظرْ إِليهمْ بعينِ اللُّطفِ والشَّفَقَه وَقِّرْ كبيرَهمُ وارحَمْ صغيرَهمُ ---- وراعِ في كلِّ خلقٍ وجْهَ مَن خَلَقَه وقال: أبو الحسن الربعي: الرِّفقُ ألطفُ ما اتَّخذْتَ رفيقَا ---- ويسوءُ ظنُّكَ أن تكون شَفِيقَا فخُذِ المجازَ من الزَّمانِ وأهلِه ---- ودعِ التَّعمُّقَ فيه والتَّحْقيقا
|
#2
|
||||
|
||||
![]() ![]() الشهامة معنى الشهامة لغةً واصطلاحًا معنى الشهامة لغةً:
الشهامة مصدر شهم، وهذه المادة تدلُّ على الذكاء. والشهم: الذكي الفؤاد المتوقد، الجلد، والجمع شهام... وقد شهم الرجل، بالضم، شهامة وشهومة إذا كان ذكيًّا، فهو شهم أي جلد. وقيل: الشهم معناه في كلام العرب: الحمول، الجيد القيام بما يحمل، الذي لا تلقاه إلا حمولًا، طيب النفس بما حمل . معنى الشهامة اصطلاحًا: قال ابن مسكويه: (الشهامة هي: الحرص على الأعمال العظام توقعًا للأحدوثة الجميلة) . وقيل الشهامة هي: (الحرص على الأمور العظام؛ توقعًا للذكر الجميل عند الحقِّ والخلق) . وقيل هي: (عزة النفس وحرصها على مباشرة أمور عظيمة، تستتبع الذكر الجميل) . |
#3
|
||||
|
||||
![]() أولًا: في القرآن الكريم - قال تعالى: وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 23- 24] قال ابن عطية: (استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب، أو مضطهد، أو من يشفق عليه، أو يأتي بمنكر من الأمر، فكأنه بالجملة في شر فأخبرتاه بخبرهما) . قال الحجازي: (فثار موسى، وتحركت فيه عوامل الشهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال حتى شربت ماشيتهما) . - وقال سبحانه: وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا [النساء: 104] قال السعدي: (ذكر سبحانه ما يقوِّي قلوب المؤمنين، فذكر شيئين: الأول: أن ما يصيبكم من الألم والتعب والجراح ونحو ذلك فإنه يصيب أعداءكم، فليس من المروءة الإنسانية والشهامة الإسلامية أن تكونوا أضعف منهم، وأنتم وإياهم قد تساويتم فيما يوجب ذلك؛ لأن العادة الجارية لا يضعف إلا من توالت عليه الآلام، وانتصر عليه الأعداء على الدوام، لا من يدال مرة، ويدال عليه أخرى) .
|
#4
|
||||
|
||||
![]() ثانيًا: في السنة النبوية - عن أنس رضي الله عنه، قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عُرْيٍ ، وهو متقلِّد سيفه، فقال: لم تراعوا ، لم تراعوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجدته بحرًا ، يعني الفرس)) .
قال القرطبي: (في هذا الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع له من جودة ركوب الخيل، والشَّجَاعَة، والشهامة، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية وأهوالها، ما لم يكن عند أحد من الناس، ولذلك قال أصحابه عنه: إنه كان أشجع الناس، وأجرأ الناس في حال الباس، ولذلك قالوا: إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب، وناهيك به؛ فإنه ما ولَّى قطُّ منهزمًا، ولا تحدث أحد عنه قط بفرار) . - وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: ((إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارًا، قال: اللهم سبع كسبع يوسف ، فأخذتهم سنة حصت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيف ، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإنَّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم)) . قال ابن حجر: (قوله: فقيل: يا رسول الله استسق الله لمضر؛ فإنها قد هلكت. إنَّما قال لمضر؛ لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز، وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم، فحسن أن يطلب الدعاء لهم، ولعل السائل عدل عن التعبير بقريش؛ لئلا يذكرهم فيذكِّر بجرمهم، فقال: لمضر؛ ليندرجوا فيهم، ويشير أيضًا إلى أنَّ غير المدعو عليهم قد هلكوا بجريرتهم، وقد وقع في الرواية الأخيرة: وإن قومك هلكوا. ولا منافاة بينهما؛ لأنَّ مُضر أيضًا قومه وقد تقدم في المناقب أنه صلى الله عليه وسلم كان من مضر، قوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمضر: إنك لجريء، أي: أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك به؟!) . فالنبي صلى الله عليه وسلم رغم عداوة قريش وإيذائها للمؤمنين، لما جاءه أبو سفيان يطلب منه الاستسقاء لم يرفض لحسن خلقه، وشهامته، ورغبته في هدايتهم، فإنَّ الشهامة ومكارم الأخلاق مع الأعداء، لها أثر كبير في ذهاب العداوة، أو تخفيفها. |
#5
|
||||
|
||||
![]() فوائد الشهامة: |
#6
|
||||
|
||||
![]() موانع اكتساب صفة الشهامة
1- قسوة القلب. 2- الأنانية، وخذلان المسلمين، واللامبالاة بمعاناتهم: إنَّ خذلان المسلم لأخيه المسلم أمر تنكره الشريعة، وإن من حق المسلم على المسلم أن لا يخذله، (وهو إن حدث ذريعة لخذلان المسلمين جميعًا حيث تنتشر عدوى الأنانية وحب الذات، وإيثار الراحة والمصلحة الخاصة على مشاركة الغير آلامهم وآمالهم، فيكثر التَّنصل من المسؤولية بين المسلمين، حتى يقضي عليهم أعداؤهم واحدًا تلو الآخر، فتموت فيهم خلال الآباء، والشهامة، ونجدة الملهوف، وإغاثة المنكوب، وسوف يجنح المظلوم والضعيف إلى الأعداء طوعًا أو كرهًا، لما يقع به من ضيم وما يصيبه من خذلان من إخوانه ثم ينزوي بعيدًا عنهم، وتنقطع عرى الأخوة بينه وبين من خذلوه وأسلموه للأعداء) . 3- الجبن والبخل: فالشهامة إنما تقوم على الشَّجَاعَة لنجدة المحتاج، والكرم لإعانة أصحاب الحاجات، فمن فقدهما ضعفت شهامته، وماتت مروءته. 4- الذُّل، والهوان، وضعف النفس: فالإنسان الذليل والأمة الذليلة أبعد الناس عن النصرة، وتلبية نداء الإغاثة؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. 6- الحقد والعداوة والبغضاء. 7- تشبه الرجال بالنساء في اللباس، كلبس الذهب والحرير: قال ابن القيم: (حرم -الذهب- لما يورثه بملامسته للبدن من الأنوثة والتخنث، وضد الشهامة والرجولة) . |
#7
|
||||
|
||||
![]() الوسائل المعينة على اكتساب صفة الشهامة
1- الصبر. قال الراغب الأصفهاني: (الصبر يزيل الجزع، ويورث الشهامة المختصة بالرجولية) . 2- الشَّجَاعَة. 3- علو الهمة وشرف النفس. فــ(من سجايا الإسلام التحلي بكبر الهمة، مركز السالب والموجب في شخصك، الرقيب على جوارحك، كبر الهمة يجلب لك بإذن الله خيرًا غير مجذوذ؛ لترقى إلى درجات الكمال، فيجري في عروقك دم الشهامة، والركض في ميدان العلم والعمل، فلا يراك الناس واقفًا إلا على أبواب الفضائل، ولا باسطًا يديك إلا لمهمات الأمور) . 4- العدل والإنصاف. 5- مصاحبة ذوي الشهامة والنجدة. 6- الإيمان بالقضاء والقدر. فــ (من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر: أنه يدفع الإنسان إلى العمل والإنتاج والقوة والشهامة؛ فالمجاهد في سبيل الله يمضي في جهاده ولا يهاب الموت؛ لأنه يعلم أن الموت لا بد منه، وأنه إذا جاء لا يؤخر؛ لا يمنع منه حصون ولا جنود، أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ [النساء: 78] قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران: 154]، وهكذا حينما يستشعر المجاهد هذه الدفعات القوية من الإيمان بالقدر؛ يمضي في جهاده حتى يتحقق النصر على الأعداء، وتتوفر القوة للإسلام والمسلمين) . |
#8
|
||||
|
||||
![]() نماذج من حياة النبي صلى الله عليه وسلم
كان للنبي صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفى من هذه الصفة، فكان صلوات الله وسلامه عليه ((أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال: وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتًا، قال: فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عري، وهو متقلد سيفه، فقال: لم تراعوا، لم تراعوا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وجدته بحرًا. يعني الفرس)). - وعن أبي إسحاق قال سأل رجل البراء رضي الله عنه، فقال يا أبا عمارة أَوَلَّيتم يوم حنين؟ قال البراء وأنا أسمع: ((أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُوَلِّ يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذًا بعنان بغلته، فلما غشيه المشركون نزل، فجعل يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)) . وغيرها من الآثار التي تدل على شهامة المصطفى صلى الله عليه وسلم. |
#10
|
||||
|
||||
![]() أولًا: في القرآن الكريم
الصبر من أكثر الأخلاق التي اعتنى بها دين الإسلام؛ لذا تكرر ذكره في القرآن في مواضع كثيرة. قال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: (ذكر الله سبحانه الصبر في القرآن في تسعين موضعًا) . وقد سيق الصبر في القرآن في عدة أنواع ذكرها ابن القيم في كتابه (عدة الصابرين) ونحن نذكر بعضها: - أحدها: الأمر به، كقوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ [النحل: 127] وقال: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ [الطور: 48]. - الثاني: النهي عما يضاده، كقوله تعالى: وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ [الأحقاف: 35] وقوله: وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ [القلم: 48]. - الثالث: تعليق الفلاح به، كقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . [آل عمران: 200] فعلق الفلاح بمجموع هذه الأمور. - الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره، كقوله: أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [القصص: 54] وقوله: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]. - الخامس: تعليق الإمامة في الدين، به وباليقين، قال الله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] . |
#11
|
||||
|
||||
![]() ثانيًا: في السنة النبوية - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((أن ناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى نفد ما عنده، فقال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر)) . (قوله صلى الله عليه وسلم: ((ومن يتصبر)): أي يطلب توفيق الصبر من الله؛ لأنه قال تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ. [النحل: 127] أي يأمر نفسه بالصبر ويتكلف في التحمل عن مشاقه، وهو تعميم بعد تخصيص؛ لأن الصبر يشتمل على صبر الطاعة والمعصية والبلية، أو من يتصبر عن السؤال والتطلع إلى ما في أيدي الناس بأن يتجرع مرارة ذلك ولا يشكو حاله لغير ربه. ((يصبِّره الله)): بالتشديد أي: يسهل عليه الصبر، فتكون الجمل مؤكدات. ويؤيد إرادة معنى العموم قوله: ((وما أعطي أحد من عطاء)): أي معطى أو شيئًا، ((أوسع)): أي أشرح للصدر، ((من الصبر)): وذلك لأن مقام الصبر أعلى المقامات؛ لأنه جامع لمكارم الصفات والحالات) . - وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنَّ الصبر عند الصدمة الأولى، فعن أنس رضي الله عنه قال: ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتقي الله واصبري. قالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوَّابين ، فقالت: لم أعرفك، فقال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) . قال ابن القيم: (فإنَّ مفاجئات المصيبة بغتة لها روعة تزعزع القلب، وتزعجه بصدمها، فإن صبر الصدمة الأولى انكسر حدها، وضعفت قوتها، فهان عليه استدامة الصبر، وأيضًا فإنَّ المصيبة ترد على القلب وهو غير موطن لها فتزعجه، وهى الصدمة الأولى، وأما إذا وردت عليه بعد ذلك توطَّن لها، وعلم أنَّه لا بد له منها فيصير صبره شبيه الاضطرار، وهذه المرأة لما علمت أنَّ جزعها لا يجدي عليها شيئًا؛ جاءت تعتذر إلى النبي كأنها تقول له قد صبرت، فأخبرها أنَّ الصبر إنما هو عند الصدمة الأُولى) . - وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنه قال لعطاء: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: إن شئت صبرت؛ ولك الجنة. وإن شئت دعوت الله أن يعافيك. قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها)) . - وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ من صبر على فقد عينيه عوضه الله الجنة، فعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الله- عز وجل- قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه، فصبر عوضته منهما الجنة- يريد عينيه)) . قال ابن بطال: (في هذا الحديث حجة في أنَّ الصبر على البلاء ثوابه الجنة، ونعمة البصر على العبد، وإن كانت من أجلِّ نعم الله تعالى فعوض الله عليها الجنة أفضل من نعمتها في الدنيا؛ لنفاد مدة الالتذاذ بالبصر في الدنيا، وبقاء مدة الالتذاذ به في الجنة) . - وعن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء ![]() (قوله: ((عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله له خير)). أي: أن الرسول عليه الصلاة والسلام أظهر العجب على وجه الاستحسان لأمر المؤمن، أي: لشأنه، فإنَّ شأنه كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. ثم فصل الرسول عليه الصلاة والسلام هذا الأمر الخير فقال: ((إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له)). هذه حال المؤمن وكل إنسان، فإنه في قضاء الله وقدره بين أمرين: إما سراء وإما ضراء، والناس في هذه الإصابة ينقسمون إلى قسمين: مؤمن وغير مؤمن، فالمؤمن على كل حال ما قدر الله له فهو خير له، إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله فكان خيرًا له، فنال بهذا أجر الصابرين. وإن أصابته سراء من نعمة دينية كالعلم والعمل الصالح، ونعمة دنيوية كالمال والبنين والأهل شكر الله، وذلك بالقيام بطاعة الله عز وجل. فيشكر الله فيكون خيرًا له، ويكون عليه نعمتان: نعمة الدين ونعمة الدنيا، نعمة الدنيا بالسراء، ونعمة الدين بالشكر هذه حال المؤمن. وأما الكافر فهو على شرٍّ -والعياذ بالله- إن أصابته الضراء لم يصبر بل يضجر، ودعا بالويل والثبور، وسبَّ الدهر، وسبَّ الزمن... والحديث فيه الحث على الصبر على الضراء، وأن ذلك من خصال المؤمنين، فإذا رأيت نفسك عند إصابة الضراء صابرًا محتسبًا، تنتظر الفرج من الله سبحانه وتعالى، وتحتسب الأجر على الله فذلك عنوان الإيمان، وإن رأيت بالعكس فلُمْ نفسك، وعدِّل مسيرك، وتُبْ إلى الله) .
|
#12
|
||||
|
||||
![]() أقوال السلف والعلماء في الصبر - قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أنَّ الصبر كان من الرجال كان كريمًا) . - وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له) . وقال: (الصبر مطية لا تكبو ، والقناعة سيف لا ينبو ) . - وقال عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزع منه، ثم قرأ: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر :10]) . - (وجاء رجل إلى يونس بن عبيد فشكا إليه ضيقًا من حاله ومعاشه، واغتمامًا بذلك، فقال: (أيسرك ببصرك مئة ألف؟ قال: لا. قال: فبسمعك؟ قال: لا. قال: فبلسانك؟ قال: لا. قال: فبعقلك؟ قال: لا... في خلال. وذكَّره نعم الله عليه، ثم قال يونس: أرى لك مئين ألوفًا وأنت تشكو الحاجة؟!) . - وعن إبراهيم التيمي، قال: (ما من عبد وهب الله له صبرًا على الأذى، وصبرًا على البلاء، وصبرًا على المصائب، إلا وقد أُوتي أفضل ما أوتيه أحد، بعد الإيمان بالله) . - وعن الشعبي، قال شريح: (إني لأصاب بالمصيبة، فأحمد الله عليها أربع مرات، أحمد إذ لم يكن أعظم منها، وأحمد إذ رزقني الصبر عليها، وأحمد إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب، وأحمد إذ لم يجعلها في ديني) . - وقال ميمون بن مهران: (الصبر صبران: الصبر على المصيبة حسن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي) . - وعن أبي ميمون ، قال: (إن للصبر شروطًا، قلت -الراوي-: ما هي يا أبا ميمون؟ قال: إن من شروط الصبر أن تعرف كيف تصبر؟ ولمن تصبر؟ وما تريد بصبرك؟ وتحتسب في ذلك وتحسن النية فيه، لعلك أن يخلص لك صبرك، وإلا فإنما أنت بمنزلة البهيمة نزل بها البلاء فاضطربت لذلك، ثم هدأ فهدأت، فلا هي عقلت ما نزل بها فاحتسبت وصبرت، ولا هي صبرت، ولا هي عرفت النعمة حين هدأ ما بها، فحمدت الله على ذلك وشكرت) . - وقال أبو حاتم: (الصبر على ضروب ثلاثة: فالصبر عن المعاصي، والصبر على الطاعات، والصبر عند الشدائد المصيبات، فأفضلها الصبر عن المعاصي، فالعاقل يدبر أحواله بالتثبت عند الأحوال الثلاثة التي ذكرناها بلزوم الصبر على المراتب التي وصفناها قبل، حتى يرتقي بها إلى درجة الرضا عن الله جل وعلا في حال العسر واليسر معًا) . - وقال زياد بن عمرو: (كلنا نكره الموت وألم الجراح، ولكنا نتفاضل بالصبر) . - وقال زهير بن نعيم: (إنَّ هذا الأمر لا يتمُّ إلا بشيئين: الصبر واليقين، فإن كان يقين ولم يكن معه صبر لم يتمَّ، وإن كان صبر ولم يكن معه يقين لم يتمَّ، وقد ضرب لهما أبو الدرداء مثلًا فقال: مثل اليقين والصبر مثل فَدادين يحفران الأرض، فإذا جلس واحد جلس الآخر) .- وقال أبو عبد الرحمن المغازلي: (دخلت على رجل مبتلى بالحجاز، فقلت: كيف تجدك؟ قال: أجد عافيته أكثر مما ابتلاني به، وأجد نِعَمه عليَّ أكثر من أن أحصيها، قلت: أتجد لما أنت فيه ألـمًا شديدًا؟ فبكى ثم قال: سلا بنفسي عن ألم ما بي ما وعد عليه سيدي أهل الصبر من كمال الأجور في شدة يوم عسير، قال: ثم غشي عليه فمكث مليًّا ،ثم أفاق، فقال: إني لأحسب أنَّ لأهل الصبر غدًا في القيامة مقامًا شريفًا لا يتقدمه من ثواب الأعمال شيء، إلا ما كان من الرضا عن الله تعالى) . - وعن عمرو بن قيس الملائيفَصَبْرٌ جَمِيلٌ قال: (الرضا بالمصيبة، والتسليم) . - وعن ميمون بن مهران قال (ما نال عبد شيئًا من جسم الخير من نبي أو غيره إلا بالصبر) . - وعن الحسن قال: (سبَّ رجل رجلًا من الصدر الأول، فقام الرجل وهو يمسح العرق عن وجهه، وهو يتلو: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى: 43] قال الحسن: عقلها والله وفهمها إذ ضيعها الجاهلون) . - وقال يحيى بن معاذ: (حُفَّت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها، وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها، فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية، وإن جزعت نفسه مما يلقى طالت به علة الضنا) . - وقال أبو حاتم: (الصبر جماع الأمر، ونظام الحزم، ودعامة العقل، وبذر الخير، وحيلة من لا حيلة له، وأول درجته الاهتمام، ثم التيقظ، ثم التثبت، ثم التصبر، ثم الصبر، ثم الرضا، وهو النهاية في الحالات) . - وقال عمر بن ذر: (من أجمع على |
#13
|
||||
|
||||
![]() فوائد الصبر
من فوائد الصبر أنه : 1- دليل على كمال الإيمان وحسن الإسلام. 2- يورث الهداية في القلب. 3- يثمر محبة الله ومحبة الناس. 4- سبب للتمكين في الأرض. 5- الفوز بالجنة والنجاة من النار. 6- معية الله للصابرين. 7- الأمن من الفزع الأكبر يوم القيامة. 8- مظهر من مظاهر الرجولة الحقة. 9- صلاة الله ورحمته وبركاته على الصابرين. |
#14
|
||||
|
||||
![]() أقسام الصبر ينقسم الصبر بعدة اعتبارات: - فباعتبار محله ينقسم إلى ضربين: (ضرب بدني وضرب نفساني، وكل منهما نوعان: اختياري واضطراري، فهذه أربعة أقسام: الأول: البدني الاختياري: كتعاطي الأعمال الشاقة على البدن اختيارًا وإرادة. الثاني: البدني الاضطراري: كالصبر على ألم الضرب والمرض والجراحات، والبرد والحر وغير ذلك. الثالث: النفساني الاختياري: كصبر النفس عن فعل ما لا يحسن فعله شرعًا ولا عقلًا. الرابع: النفساني الاضطراري: كصبر النفس عن محبوبها قهرًا إذا حيل بينها وبينه. فإذا عرفت هذه الأقسام فهي مختصة بنوع الإنسان دون البهائم، ومشاركة للبهائم في نوعين منها، وهما: صبر البدن والنفس الاضطراريين، وقد يكون بعضها أقوى صبرًا من الإنسان، وإنما يتميز الإنسان عنها بالنوعين الاختياريين، وكثير من الناس تكون قوة صبره في النوع الذي يشارك فيه البهائم، لا في النوع الذي يخص الإنسان فيعد صابرًا وليس من الصابرين... فالإنسان منا إذا غلب صبره باعث الهوى والشهوة التحق بالملائكة، وإن غلب باعث الهوى والشهوة صبره التحق بالشياطين، وإن غلب باعث طبعه من الأكل والشرب والجماع صبره التحق بالبهائم، قال قتادة: خلق الله سبحانه الملائكة عقولًا بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلًا وشهوة، فمن غلب عقله شهوته فهو من الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم، ولما خلق الإنسان في ابتداء أمره ناقصًا، لم يخلق فيه إلا شهوة الغذاء الذي هو محتاج إليه، فصبره في هذه الحال بمنزلة صبر البهائم، وليس له قبل تمييزه قوة الاختيار، فإذا ظهرت فيه شهوة اللعب، استعد لقوة الصبر الاختياري على ضعفها فيه، فإذا تعلقت به شهوة النكاح، ظهرت فيه قوة الصبر، وإذا تحرك سلطان العقل وقوي، استعان بجيش الصبر) . - وباعتبار متعَلَّقه ينقسم إلى ثلاثة أقسام: (صبر على الأوامر والطاعات حتى يؤديها، وصبر عن المناهي والمخالفات حتى لا يقع فيها، وصبر على الأقدار والأقضية حتى لا يتسخطها... فأما الذي من جهة الرب فهو أنَّ الله تعالى له على عبده حكمان: حكم شرعي ديني، وحكم كوني قدري، فالشرعي متعلِّق بأمره، والكوني متعلِّق بخلقه، وهو سبحانه له الخلق والأمر، وحكمه الديني الطلبي نوعان: بحسب المطلوب، فإنَّ المطلوب إن كان محبوبًا له فالمطلوب فعله إما واجبًا وإما مستحبًّا، ولا يتم ذلك إلا بالصبر، وإن كان مبغوضًا له فالمطلوب تركه إما تحريمًا وإما كراهة، وذلك أيضًا موقوف على الصبر، فهذا حكمه الديني الشرعي، وأما حكمه الكوني فهو ما يقضيه ويقدره على العبد من المصائب التي لا صنع له فيها، ففرضه الصبر عليها، وفي وجوب الرضا بها قولان للعلماء، وهما وجهان في مذهب أحمد، أصحهما أنه مستحب، فمرجع الدين كله إلى هذه القواعد الثلاث: فعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور، وأما الذي من جهة العبد فإنه لا ينفك عن هذه الثلاث ما دام مكلفًا، ولا تسقط عنه هذه الثلاث حتى يسقط عنه التكليف، فقيام عبودية الأمر والنهي والقدر على ساق الصبر، ولا تستوي إلا عليه كما لا تستوي السنبلة إلا على ساقها، فالصبر متعلق بالأمور والمحظور والمقدور بالخلق والأمر) . - وباعتبار تعلق الأحكام الخمسة به ينقسم إلى خمسة أقسام: (إلى واجب ومندوب ومحظور ومكروه ومباح. فالصبر الواجب ثلاثة أنواع: أحدها: الصبر عن المحرمات. والثاني: الصبر على أداء الواجبات. والثالث الصبر على المصائب التي لا صنع للعبد فيها، كالأمراض والفقر وغيرها. وأما الصبر المندوب: فهو الصبر عن المكروهات، والصبر على المستحبات، والصبر على مقابلة الجاني بمثل فعله. وأما المحظور فأنواع: أحدها الصبر عن الطعام والشراب حتى يموت، وكذلك الصبر عن الميتة والدم ولحم الخنزير عند المخمصة حرام، إذا خاف بتركه الموت، قال طاوس وبعده أحمد: من اضطر إلى أكل الميتة والدم فلم يأكل فمات دخل النار... ومن الصبر المحظور: صبر الإنسان على ما يقصد هلاكه من سبع أو حيات أو حريق أو ماء أو كافر يريد ***ه، بخلاف استسلامه وصبره في الفتنة وقتال المسلمين، فإنه مباح له، بل يستحب، كما دلت عليه النصوص الكثيرة. وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المسألة بعينها فقال: ((كن كخير ابني آدم)) . وفي لفظ: ((كن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل)) ... وأما الصبر المكروه فله أمثلة:
أحدها: أن يصبر عن الطعام والشراب واللبس وجماع أهله حتى يتضرر بذلك بدنه. الثاني: صبره عن جماع زوجته إذا احتاجت إلى ذلك ولم يتضرر به. الثالث: صبره على المكروه. الرابع: صبره عن فعل المستحب. وأما الصبر المباح: فهو الصبر عن كل فعل مستوى الطرفين، خُيِّر بين فعله وتركه والصبر عليه. وبالجملة فالصبر على الواجب واجب وعن الواجب حرام، والصبر عن الحرام واجب وعليه حرام. والصبر على المستحب مستحب وعنه مكروه، والصبر عن المكروه مستحب وعليه مكروه، والصبر عن المباح مباح) . |
العلامات المرجعية |
الكلمات الدلالية (Tags) |
موسوعة, الاخلاق, الاسلامية, الشاملة |
|
|