اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > محمد نبينا .. للخير ينادينا

محمد نبينا .. للخير ينادينا سيرة الحبيب المصطفى بكل لغات العالم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-04-2014, 01:48 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي




تفسير خواطر محمد متولي الشعراوي

(قل) أي: في الرد عليهم { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ.. } [فصلت: 6] يعني: لماذا تقفون مني ومن دعوتي هذا الموقف المعاند؟ لماذا تجعلون بيني وبينكم الحُجُب، وأنا واحد منكم عربي مثلكم تعرفون صِدْقي وتاريخي قبل ذلك بين ظهرانيكم.

ومن رحمة الله بكم أنْ أرسلني إليكم بشراً منكم، ولم يرسل إليكم مَلكاً:
{ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }
[الأنعام: 9]، وتعلمون سوابقه في الصدق والأمانة والعفة. ثم لو جاءكم مَلَكٌ، أكنتم تقتدون به على مَلَكيته؟ إن الأسوة لا تكون من المَلَك للبشر.

وتأمل الأدب والتواضع من رسول الله في قوله: { إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ.. } [فصلت: 6] يعتني: لا كبرياء ولا تعالٍ، لكن فضلني الله عنكم بأنه { يُوحَىٰ إِلَيَّ.. } [فصلت: 6] ومضمون هذا الوحي { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ.. } [فصلت: 6] وما دام يُوحى إليَّ فأنا مُبلَّغ لا ذنبَ لي تؤاخذونني عليه، أنا بشر مثلكم ومن أنفسكم لا أمتاز عليكم إلا بما ميًّزني الله به من الوحي.

لذلك نجد الحق سبحانه كثيراً ما يصحح لرسول الله ويُعدِّل له الحكم ويعاتبه، ورسول الله هو نفسه الذي يخبرنا بذلك، وهذا دليلٌ على أنه أمين في البلاغ عن ربه، لذلك يقول تعالى:
{ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ * لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ }
[الحاقة: 44-46].

وقال: { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ.. } [فصلت: 6] ولم يقل ربكم لأنهم يؤمنون بوجود الله الخالق الرازق، المشكلة عندهم في الإله المعبود، فالإله المعبود له أوامر ومطلوبات الإله يقتضي الطاعة في الأمر وفي النهي، فهم مسلمون بالربوبية مشركون في الألوهية، فأراد أنْ يبين لهم: { أَنَّمَآ إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ.. } [فصلت: 6] ليس متعدداً، مرة يقول { إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ.. } [فصلت: 6] وفي سورة الإخلاص قال:
{ قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ }
[الإخلاص: 1] واحد يعني ليس له ثانٍ، وأحد يعني أحد في ذاته غير مركّب من أشياء فهي تنفي التجزؤ.

وقد اتخذ الكفارُ آلهةً متعددة ليُرضوا ما في أنفسهم من عاطفة التديُّن، وليكون لهم إله معبود بلا منهج وبلا تكاليف، لذلك قلنا: إن من الوسطية في ديننا أنه يؤمن بإله واحد، في حين يوجد مَنْ يؤمن بآلهة متعددة، ويوجد مَنْ ينكر الإله بالمرة، فجاء الدين الإسلامي وبيَّن أن الإله واحد.

وما دام هو إله واحد { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ وَٱسْتَغْفِرُوهُ.. } [فصلت: 6] استقم يعني: سِرْ على حدّ الاستقامة لا تميل هنا ولا هناك. قالوا: كان رجل من طيء، اسمه ابن بندر رأى شاباً بيته هنا، لكن لا يذهب إليه من الطريق المعتاد المستقيم، إنما يدور في طرقات القرية ليذهب إلى بيته.

فعرف من ذلك أن الشاب يقصد بدورانه في الطرقات شيئاً مريباً، فقال له: يا هذا استقم إلى بيتك يعني: اذهب إليه من الطريق المستقيم، عندها عرف الشاب أن الرجل (فقسه) وعرف قصده غير الشريف فارتدع.كذلك قوله تعالى: { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ.. } [فصلت: 6] يعني: اقصدوه من طريق الاستقامة، وسمَّى طريقه الصراط المستقيم، وقد أثبت العلم أن الطريق المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، ثم إن الطريق المستقيم قد يكون ضيقاً يجبرك على الاستقامة عليه، وقد يكون واسعاً يسمح بالميل يميناً ويساراً (أوتوستراد).

فإنْ كان واسعاً فاستقم فيه أيضاً لتقصر على نفسك مسافة الوصول، لأنك حين تميل تزيد المسافة، لذلك قال:
{ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }
[البقرة: 108] يعني: في وسطه دون ميل، بحيث يكون ما على يمينك مثل ما على شمالك، فمرة قال
{ ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ }
[الفاتحة: 6] ومرة قال
{ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ }
[البقرة: 108].

فقوله تعالى: { فَٱسْتَقِيمُوۤاْ إِلَيْهِ.. } [فصلت: 6] أي: بدايةً، فإنْ أصابتكم غفلة عن المنهج واقترفتم شيئاً { وَٱسْتَغْفِرُوهُ.. } [فصلت: 6] أي: اطلبوا منه المغفرة.

{ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [فصلت: 6-7] لأن الاستغفار طلب مَحْو الشيء السابق، والقاعدة الشرعية تقول: إن درء المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة. ومثَّلنا لذلك بواحد يريد أنْ يرمي لك تفاحة، وواحد يريد أن يرميك بحجر فأيهما أَوْلى، الأَوْلَى دَفْع الحجر، فقال { وَٱسْتَغْفِرُوهُ.. } [فصلت: 6] ليتم لكم مسْح الذنوب، ولُتنشئوا مع الله علاقة جديدة قائمة على الطاعة والاستقامة.

كلمة { وَوَيْلٌ.. } [فصلت: 6] يعني: هلاك { لِّلْمُشْرِكِينَ * ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ.. } [فصلت: 6-7] وهل فُرضَتْ الزكاةُ على مشرك؟ الزكاة لم تكُنْ فُرضت حتى على المؤمنين في هذا الوقت. قالوا: المراد بالزكاة هنا تطهير المال في حالة نموه، وكان المشركون يفعلون ذلك بالفعل، لكن يفعلونه من منطق الكرم والسمعة الطيبة، ولم يكُنْ الله في بالهم.

لذلك حُكِي أن المطعم بن عدي كان له قِدْرٌ يطعم فيه كذا وكذا، حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كنت أستظل من وهج الشمس بظل قِدْر المطعم بن عدي ".

ومثله حاتم الطائي وغيرهم من كرماء العرب، لكنه قال: { ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ } [فصلت: 7] لأن الإنسان عادة يحب ماله، والحق سبحانه يقول:
{ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }
[الحشر: 9] لأن للإنسان مطالبَ كثيرة في الحياة.

كان البيع والشراء تبادلاً عينياً. يعني: تعطيني سلعة، وأعطلك مقابلها سلعة أخرى، وقت لم يوجد النقد بَعْد تعطيني قمحاً، وأعطيك تمراً مثلاً، فكل شيء من هذه الأشياء ثمن وسلعة، فالقمح عندك سلعة، والتمر عندي ثمن. فكل واحد منا بائع ومُشْتَرٍ.

لذلك قال تعالى في قصة سيدنا يوسف:
{ وَقَالَ ٱلَّذِي ٱشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ.. }
[يوسف: 21] فقال: اشتراه يعني أخذه وقال عن الآخرين:
{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ.. }
[يوسف: 20] يعني: باعوه. إذن هذه مبادلة، كل واحد منهم بائع ومشتر في نفس الوقت.{ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [فصلت: 7] أم أن هذه كلمة عامة، فبإِشراكهم لم يأخذوا حكم الله في الزكاة، فلم يَعُدْ فيهم خير لبيئاتهم ولا لمواطنيهم، لأن الله تعالى يريد من الإيمان أنْ ينشر الاستطراق العبودي في البشر، بأن يعين القوي الضعيف، والصحيح يعين المريض، والغني يعين الفقير، والعالِم يعين الجاهل.

ولكن أهم زاوية من زوايا الحياة هي زاوية استبقاء الحياة بالقوت، والقوت يحتاج إلى المال، لذلك الحق سبحانه وتعالى حين يتكلم في هذه المسألة عن المؤلَّفة قلوبهم، وهم قوم نريد أن نُرقق قلوبهم ناحية دين الله، ونجذبهم إليه ليحسنوا التمعن والاختيار، لا أن نشتريهم للدين كما يدعي البعض.

ومن الطرق إلى هذه الغاية أنْ نحسن إليهم، لذلك جعلهم الله تعالى مصرفاً من مصارف الزكاة، وأعطاهم من مال الله لانتْ قلوبهم.

وحين تُحسن إلى شخص ماذا فعلتَ به؟ أولاً نفضت عنه البغض، وما دُمْتَ نفضتَ عنه البغض، فلا ينظر إليك وهو كاره لك ولا حاقد عليك، وعلى الأقل يسمع منك، وهذا ما حدث للمؤلَّفة قلوبهم.

لذلك لما انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد جماعة من العرب عن دين الله، لماذا؟ أول شيء ارتدوا من أجله فريضة الزكاة، ومن أجلها كانت حروب الردة، لذلك سمعنا أن سجاح مدعية النبوة ومسيلمة أول ما قالوا في دعواهم قالوا: نسقط عنكم الزكاة. لينالوا بذلك الرضا عن نبوتهم المزعومة، يريدون بذلك تخفيف التكاليف التي تشق على النفس.

وبعضهم قال: نسقط عنكم نصف الصلاة، وكل مُخفف لشرع الله باطل وفيه إيذاء، لأنه ينزل من منهج الله إلى منهج التخفيف، والله سبحانه حين يريد التخفيف والتيسير يأتي بالتيسير من عنده سبحانه، ومنهج الله لا يُستدرك عليه.

وفي شرع الله أحكام كثيرة تدل على هذا التخفيف، كصيام المريض والمسافر، وصلاة المريض والمسافر، وغير ذلك كثير في الشرع، فالله المشرِّع لك هو الذي يحدد لك التخفيف، لا أنت، وهو سبحانه أعلم بمدى المشقة التي تحتاج إلى تخفيف الحكم.

لذلك نسمع مَنْ يقول: نريد أنْ نُجدد الإسلام، نقول: سبحان الله، يا قوم اتقوا الله كيف نُجدد الإسلام؟ وكيف نستدرك على أحكام الله، ونقول: يا شيخ جدِّد ما شئتَ فلن يلبس مسلم جديدك، والعلة أن لباسَ التقوى من الخالق لا يَخْلَقُ حتى يُجدده مخلوق، أريحوا أنفسكم.

لكن لماذا جعل الله تعالى من الناس الغنيِّ والفقير المحتاج؟ لماذا لم يجعلهم جميعاً في سَعَة ولا داعي للزكاة إذن؟ قالوا: لأن الله تعالى يريد أنْ يُشيع بين خَلْقه التراحم والتوادّ، وحين يجد الفقير الغني لا يتكبر عليه بغناه، بل يأتي إليه ويطرق عليه بابه، ويعطيه حقه في مال الله، ساعتها يحبه ويحب له الخير والمزيد ولا يحقد عليه، ولا يتمنى زوال النعمة من بين يديه.إذن: حين تعطي إنما تستل الغضب والحقد من النفوس، فتجعل مالك عُرْضة للمزيد. والحق سبحانه قادر على أن يجعل الناس جميعاً أغنياء، إنما الحكمة في أن يوجد الغني الفقير، وأن تتداول هذه المسألة، فقد لا يدوم للغني غناه، ولا يدوم للفقير فقره، فالأحوال تتقلب، بحيث يرتبط كُل بكُلٍّ ارتباطَ محبة ومودة، والارتباط هنا ليس ارتباطَ تفضل، إنما حاجة.

إننا لو تخرَّجنا جميعاً في الجامعة، فمَنْ يكنس الشارع، ومَنْ يقود السيارة، ومَنْ يصنع لنا كذا وكذا؟ تقول: يمكن أنْ نتفق على أن يقوم كلٌّ منا بعمل في يوم محدد.

نقول: نعم لكن يكون العمل هنا تفضُّلاً، والتفضل لا يلزم أحداً إنما تلزمه الحاجة، والله يريد أن ترتبط مصالح الناس بالحاجة، ولذلك تجد الرجل يعمل العمل الشاقّ، وربما فيه أذى، قد لا تتحمله أنت، وقد ترى هذا العمل حقيراً، فما الذي حمله عليه؟ حملته الحاجة، وألجأته إليه ضروريات الحياة، وأكْل العيش ومسئولية الأسرة والأولاد، وإلا ما أهان نفسه هكذا.

ووالله لقد شاهدنا في بيت واحد رجلاً يعمل (صرماتي)، وأخاه يبيع العطور، وتأمل ماذا يشم كل واحد منهما.

وكان سيدنا الشيخ موسى رضي الله عنه كثيراً ما يدعو ويقول: اللهم أفقر الصنَّاع وأغْنِ العلماء، وكنا نغضب من هذا الدعاء ونقول له: ماذا تقول يا سيدنا؟ كيف ذلك؟ فيقول: والله لو افتقر العلماء لزلُّوا في الفتوى، ولو اغتنى الصناع لما انتفعنا منهم بشيء.

نعم رأينا فعلاً العامل إنْ كان في جيبه عشرة جنيهات قعد عن العمل حتى يصرفها. إذن: لا بدَّ من الحاجة لتُقضَى مصالح الخَلْق.

الحق سبحانه وتعالى جعل استطراق المال في المجتمع أهمَّ قضية في الإسلام، لذلك جعلها من أركان الإسلام، فالحق سبحانه لم يعْفِ أحداً من أن يمدَّ يد الاستطراق الاقتصادي للغير، إنْ كان واجداً يبذل، وإنْ كان غير واجد مالاً فليجد مقالاً ينصح به مَنْ يجد.

قال تعالى:
{ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ.. }
[التوبة: 91].

فإذا لم يكُنْ لديه المال ولا المقال الذي يُرقِّق به القلوب، فلا أقلَّ من أنْ يفعل ذلك في ذاته:
{ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ.. }
[التوبة: 92] أي في الجهاد
{ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ }
[التوبة: 92].

وهذه هي المرحلة الثالثة: إنْ كان واجداً فليبذل، وإنْ كان غير واجد فليبذل المقال الذي يُرقِّق به قلوب الواجدين، وأخيراً إذا لم يجد هذا ولا هذا يحزن في نفسه أنه لا يجد، فنفسه تتوق للبذل لكنه لا يجد، ويصل به الوَجْد في هذه المسـألة إلى أنه يبكي ألماً وحزناً لشوقه إلى العطاء.

هذا كله لاستطراق المال والاقتصاد في المجتمع الإسلامي لأنه عَصَبُ الحياة وبه تُسْتبقى الحياة، وبه يكون القوت.

وقوله سبحانه: { وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } [فصلت: 7] يعني: كفروا في البداية حين أشركوا بالإله الواحد، وكفروا في النهاية بالآخرة، كفروا في المنبع والمصب.





__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-04-2014, 02:01 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

(قُلْ إنَّمَا أَنَا بَشَر مّثْلُكُمْ)
من المهم جداً أن نعلم أن الله تعالى جعل نبيه صلى الله عليه وسلم بشراً لحكم كثيرة منها:


أ- حتى تقام الحجة على الكفار إذ لو كان مختلفاً عنهم لقالوا لا نستطيع أن نفهم عنه، قال تعالى (وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9)) (الأنعام 9).


ب- جعل الله تعالى نبيه من *** قومه حتى يعقلوا عنه ولا يشككوا فيه فكان ذلك من منّة الله تعالى على عباده، قال تعالى (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)) [آل عمران-164]، فبيّن سبحانه أنه (من أنفسهم).


ج- وجعل الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بشراً حتى يمكن الاقتداء به، وقد أمرنا الله تعالى بذلك فقال (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)) [الأحزاب-21]، فلو لم يكن بشراً مخلوقاً كسائر البشر لتعذر الاقتداء به، ولقال الناس يا رب أرسلت لنا رسولاً من غير طبيعتنا فلا يمكننا الاقتداء به، فلله حكمة بالغة في ذلك.
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 25-04-2014, 02:15 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

موسوعة الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
الباب الأول: تحدثت فيه عن أسباب قيام الأمة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وذكرت فيه نسبه الطاهر وتربيته وأهم صفاته قبل النبوة وبعد النبوة ومواقفه من المشركين المعاندين لرسالته من احتمال الأذى وعدم خضوعه لمغرياتهم، وإكمال الدين على يديه.
وفي الباب الثاني: وهو أهم الأبواب فقد تحدثت فيه عن أنواع الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد قسّمتها إلى ثلاثة أنواع:
النوع الأول: الأدب القلبي ـ وهو ما كان محله القلب كالإيمان بنبوته ـ صلى الله عليه وسلم ومحبته.
النوع الثاني: الأدب القولي ـ وهو ما كان محله اللسان ـ مثل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع الثالث: الأدب العملي ـ وهو ما كان محله الجوارح غير اللسان ـ مثل اتباعه صلى الله عليه وسلم وتنفيذ أمره.
وفي الباب الثالث: فقد تحدثت فيه عمّا ينافي التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وإن كان يقصد فاعله التأدب بعينه عن جهل أو تأويل أو غير ذلك مثل الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إلى قبره صلى الله عليه وسلم دون مسجده وغيرها من البدع الأخرى التي تصحب ذلك أو تفعل في مسجده صلى الله عليه وسلم.
وفي الخاتمة: فقد ذكرت أهم النتائج التي توصلت إليها أثناء البحث.
ولا شك أنّ عملاً كهذا يتطلب جهدًا كبيرًا لإنجازه حتى يخرج إلى حيز الوجود في أكمل صورته.
وقد بذلت جهدًا متواصلاً تجاه هذا البحث مع أنّي لاقيت صعوبات كثيرة وأهمها ما هو متعلق بمراجع الموضوع من بحث وتنقيب في الكتب المطبوعة وغير المطبوعة ومن تنسيق وترتيب واستنباط وغير ذلك. وأخيرًا: أسجل هنا أهم الصعوبات التي واجهتني:
(أ) لم أجد من تكلم عن هذا الموضوع في مؤلف واحد مما كلفني مراجعة بطون الكتب التي لها صلة بهذا الموضوع من قريب ومن بعيد ككتب التفسير وكتب الحديث وشروحها وكتب السيرة والمغازي وكتب الشمائل وغير ذلك من مطبوع ومخطوط.
(ب) الذين تطرقوا إلى موضوع من مواضيع هذه الرسالة ينقسمون إلى فئتين:
الفئة الأولى: تذكر النصوص الواردة في المسألة من القرآن والسنة سردًا دون تعليق.
وأما الفئة الثانية: فهي على نقيض ذلك إذ تخصص كتابًا كاملاً لموضوع من مواضيع رسالتي وتتكلم عنه بالتفصيل، وحينئذٍ أجد صعوبة في استخلاص المعلومات التي تتمشى مع حجم رسالتي وخاصة المبحث الذي خصصت لتلك المسألة إذ أنّ كتابًا واحدًا من تلك المؤلفات يوازي ما في هذه الرسالة أو أكثر، فما بال المبحث الذي هو جزء من فصل ضمن باب من رسالة مكونة من عدة أبواب.
(ج) بعض المراجع لهذا الموضوع ما زالت مخطوطة ولم أتمكن من الوصول إليها، ولذلك اضطررت إلى اقتباس بعض النصوص المعزوة إلى تلك المخطوطات من مراجع فرعية.
(د) بعض المراجع التي رجعت إليها واقتبست منها يعزو أصحابها بعض النصوص التي لها علاقة وثيقة بالموضوع إلى شخص غير مشهور ويذكرون كنيته أو نسبته إلى قبيلة، أو بلد دون المؤلف أو الاسم الكامل للشخص والقرن الذي عاش فيه مع أنّ هذه النسبة أو الكنية مشتركة بين عدة أشخاص عاشوا قبل صاحب ذلك المرجع أو من أقرانه، وحينئذ أجد صعوبة في الوصول إلى الشخص المقصود منهم.
التمهيد
يحتاج موضوع بحثي هذا (التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم) إلى بيان بعض المسائل التي تبيّن المراد منه حتى تكون الدراسة محددة من ناحية الموضوع ومن ناحية الهدف معًا.
وهذه المسائل هي:
1 بيان المراد بالتأدّب مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
2 ضرورة الالتزام في التأدّب معه صلى الله عليه وسلم بما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية.
وسوف أتناول بحث هاتين النقطتين فيما يلي:
1 بيان المراد بالتأدّب مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
التأدب مصدر من الفعل الخماسي (تأدّب) بتشديد الدال، وله معان متعددة يشترك فيها مع كلمة الأدب مع الزيادة بسبب ما فيه من تضعيف. ولذا حسن أن أبدأ ببيان معنى الأدب أولاً، وبعدها أبيّن معنى التأدّب مع ملاحظة الفرق بين الصيغتين.
أ الأدب في اللغة:
يقول ابن فارس[4]: (الهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرع مسائله وترجع إليه، فالأدْب أن تجمع الناس إلى طعامك، ومن هذا القياس، الأدب أيضًا لأنّه مجمع على استحسانه...)[5].
ولهذا قال ابن منظور[6]: (أصل الأدب الدعاء)[7].
هذا أصل كلمة الأدب، وأمّا عن اشتقاقها، فيقول الجواليقي[8]: (واشتقاقه من شيئين يجوز أن يكون من الأدب وهو العجب، ومن الأدب مصدر قولك: أدب فلان القوم يؤدبهم أدبًا بالكسر إذا دعاهم... ثم قال: فإذا كانت من الأدب الذي هو العجب فكأنّه الشيء الذي يعجب منه لحسنه ولأنّ صاحبه هو الرجل الذي يعجب منه لفضله، وإذا كان من الأدب الذي هو العجب فكأنه الشيء الذي يدعو الناس إلى المحامد والفضل وينهاهم عن المقابح والجهل)[9].
__________________
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 25-04-2014, 02:17 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وأمّا عن استعمالاتها فيقول الشيخ أحمد رضا: (الأدب: ملكة تقصى من قامت به عن كل ما يشينه، ويقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان من فضيلة من الفضائل: حسن الخلق، فعل المكارم، الظرف، حسن التناول، وهذا كله أدب النفس. والأدب: درس العلوم العربية مولد، وهذا أدب الدرس)[10].
ولهذا قال الجوهري[11]: (الأدب: أدب النفس والدرس، تقول منه: أدب الرجل بالضم فهو أديب وأدّبته فتأدّب)[12].
ومعنى ذلك أنّ لكلمة الأدب استعمالين: حسن الخلق ودرس العلوم العربية.
وهذا ما عبّر عنه ابن هذيل [13] بالأدب الطبيعي والأدب الكسبي، حيث قال:
فالطبيعي: ما يفطر عليه الإنسان من الأخلاق الحسنة السنية والاتصاف بالصفات المرضية مثل الحلم والكرم وحسن الخلق والحياء والتواضع والصدق وغير ذلك من الصفات الحميدة.
والكسبي: فهو ما يكتسبه الإنسان بالدرس والقراءة والحفظ والنظر، وهو عبارة عن ستة أشياء: الكتاب والسنة والنحو، واللغة والشعر، وأيام الناس)[14].
والاستعمال الأول هو الشائع ولهذا قال الجواليقي: (والأدب الذي كانت العرب تعرفه هو ما يحسن من الأخلاق وفعل المكارم مثل ترك السفه، وبذل المجهود وحسن اللقاء)[15].
وأمّا الاستعمال الثاني: فهو اصطلاح مولد جاء بعد الإسلام.
يقول الجواليقي: (واصطلح الناس بعد الإسلام بمدة طويلة على أنّ يسمّوا العالم بالنحو والشعر وعلوم العربية أديبًا، ويسمون هذه العلوم أدبًا. وذلك كلام مولد، لأنّ هذه العلوم حدثت في الإسلام).
وخلاصة القول أنّ كلمة الأدب كانت تطلق عند العرب على الأخلاق الحسنة، وأمّا بعد الإسلام فقد أطلق بجانب ذلك على الكلام الحسن والجيد من الأقوال سواء كان نثرًا أو شعرًا.
والاستعمال الأول هو الذي يتمشى مع مقامنا هذا.
ولهذا نقول: إنّ كلمة الأدب في بحثي هذا تعني الأخلاق الحسنة والاتصاف بالصفات الحميدة.
وعلى ضوء معنى الأدب المذكور يمكن فهم المراد من التأدّب لأنّهما من أصل واحد، ويشتركان في معانٍ كثيرة مع ملاحظة ما بين الصيغتين تركيبًا ومعنى؛ لأنّ الأولى من المجرد، والثانية من المزيد. لأنّه يقال: إنّ الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى غالبًا.
وكلمة تأدّب وزنها تفعّل، في الميزان الصرفي، وهي تأتي لعدة معان ولكن المعنى الذي يتمشى مع مقامنا هذا هو أنّها مطاوع أدّب على وزن (فعّل) لأنّه يقال: أدّبته فتأدّب أي تلقى الأدب، والتأدّب مصدرها. وعلى هذا فمعنى التأدّب: المبالغة في التخلق بالصفات الحسنة والمكارم الجميلة.
ب الأدب في اصطلاح الشرع:
وكلمة الأدب في اصطلاح الشرع لا تخرج عن المعنى اللغوي الذي أشرنا إليه آنفًا.
ولهذا قال الجرجاني[16]: (الأدب عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ، وأدب القاضي، وهو ما ندب إليه الشرع من بسط العدل ورفع الظلم وترك الميل)[17].
ويقول صاحب البحر الرائق[18]: (كتاب أدب القاضي: أي ما ينبغي للقاضي أن يفعله وما ينبغي أن ينتهي عنه، والأولى التعبير بالملكة؛ لأنها الصفة الراسخة للنفس فما لم يكن كذلك لا يكون أدبًا كما لا يخفى)[19].
وكلمة الأدب في التعريفين السابقين تعني الاتصاف بالأخلاق الجميلة، والاحتراز عما يقابلها من سفاسف الأمور.
وهذا هو المعنى المتبادر من إطلاقها إلاّ أنّها قد تطلق على المظهر الخارجي للخلق.
يقول محمد جمال الدين رفعت في التفريق بين الأدب والخلق: (فكلمة الآداب تعني السلوك كما تعني الأسلوب الذي يسير عليه الإنسان في تصرفاته الشخصية أو حين يتعامل مع الناس.. أمّا كلمة الأخلاق فتطلق لغة على الطبع والسجية والعادة بل وعلى غريزة الإنسان العاقلة)[20].
وخلاصة القول، أنّ كلمة الأدب تعني المظهر الخارجي للأخلاق الجميلة أو السلوك الذي ينبغي أن يراعي الشخص مع غيره.
ولهذا قال ابن القيم رحمه الله تعالى: (وحقيقة الأدب استعمال الخلق الجميل)[21].
وأما كلمة التأدّب في عنوان رسالتنا فنقصد بها ـ استنتاجًا مما سبق من معنى كلمة الأدب ـ ما ينبني أن يفعله المسلم تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلبًا وإيجابًا مما يدخل في حقوقه على الأمة من احترام وتقدير وطاعة وأتباع وغير ذلك والاحتراز مما يخالف ذلك من مخالفة ورفع الصوت وغيرها.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (فرأس الأدب معه صلى الله عليه وسلم كمال التسليم له والانقياد لأمره وتلقي خبره بالقبول والتصديق دون أن يحمله معارضة خيال باطل يسميه معقولاً أو يحمله شبهة أو شكًا، أو يقدم عليه آراء الرجال وزبالات أذهانهم، فيوحده بالتحكيم والتسليم والانقياد والإذعان، كما وحد المرسل سبحانه وتعالى بالعبادة والخضوع والذل والإنابة والتوكل، فهما توحيدان لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بهما توحيد المرسل وتوحيد متابعة الرسول فلا يحاكم إلى غيره ولا يرضى بحكم غيره ولا يقف تنفيذ أمره وتصديق خبره على عرضه على قول شيخه وإمامه وذوي مذهبه وطائفته ومن يعظمه)[22].

__________________
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 25-04-2014, 02:20 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

2 ضرورة الالتزام في التأدب بما جاء في القرآن والسنة:
إن هذا الدين الذي لا يقبل عند الله سواه له أصلان هما الكتاب والسنة النبوية الثابتة.
يقول الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران:85].
وهذان المصدران هما القرآن الكريم والسنة النبوية.
يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:59].
والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى رسوله هو الرد إليه في حال حياته وإلى سنته في حال وفاته كما قال المفسرون.
كما أنّهما المصدران اللذان تركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بالتمسك بهما لئلا نضل بقوله صلى الله عليه وسلم:
(تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي)[23].
وعلى هذا الأساس فهذا الدين غني عن الزيادة والإضافة أيًا كان نوعها، بعدما أكمله الله سبحانه وتعالى كما تشير آية المائدة وهي قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
وقد لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى بعد نزول هذه الآية بأشهر.
وبناء على هذا، عندما نتعامل أو نتأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب أن نلتزم بما جاء في القرآن وفي السنة النبوية الثابتة دون أن نختلق من تلقاء أنفسنا أمورًا لم تثبت عن الشارع بقصد حسن النية ثم التقرب بها إلى الله راجيًا منه الثواب والمغفرة؛ لأنّ الأمور التي يتقرب بها المسلم إلى الله لا بد أن تجتمع فيها أربعة شروط:
1 أن تكون مشروعة بنص من الكتاب أو السنة الثابتة أو باجتهاد معتمد عليه.
2 أن تقع في الحدود المقرر لها من الزمان والمكان.
3 أن تقع بالكيفية التي أمر بها الشارع.
4 الإخلاص في القربى إلى الله تعالى.
وإذا انتفى شرط من هذه الشروط فلا تعتبر قربة بل تكون بدعة حينئذ.
ونحن نرى اليوم أناسًا يغالون في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالمدح يرفعونه إلى مرتبة الألوهية أو يصفونه بصفات لا تليق إلا بالله أو يطلبون طلبات لا دخل له في حصولها أثناء حياته فضلاً عن بعد مماته صلى الله عليه وسلم.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الغلو بقوله: (لا تطروني [24] كما أطرت النصارى ابن مريم فإنّما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله)[25].
وعندما نرفض الغلو في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعني بالضرورة أن نقصر في توقيره وتعظيمه وحبه ولكن نعني أن نلتزم بما هو مشروع في حقه صلى الله عليه وسلم دون إفراط أو تفريط بعيدين عن الغلو والتقصير لنتصف بالوسطية التي أشار إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143].
ومعنى الوسطية هنا الخيار والأجود ومنه الصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات[26].
ومع هذا فلا نضطر بالضرورة عندما نرد على المغالين إلى أن نصف الرسول صلى الله عليه وسلم بصفات قد وصفه بها الشارع دون أن نبيّن معناها من جميع الجهات.
مثال ذلك: أن نقول أن الرسول بشر ونجتهد في إثباتها مستدلين بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف:110].
والمثلية يقصد بها هنا أنه يعتريه ما يعتري الإنسان من جوع وظمأ ومرض غير منفر وغير ذلك ولكن هو بشر يوحى إليه كما تدل عليه بقية الآية.
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ...} [الكهف:110].
لأنّ المثلية قد يفهم منها أنّه كآحاد الناس إذا لم نبيّن القصد من ذلك...
وغالبًا عندما يريد شخص أن يصحّح انحرافاَ معينًا ويجتهد في تصحيحه قد يقع في انحراف آخر مضاد للأول دون أن يشعر بذلك.

__________________
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 25-04-2014, 02:23 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

يقول سيد قطب رحمه الله تعالى: (إن استحضار انحراف معين أو نقص معين والاستغراق في دفعه... منهج شديد الخطر، وله معقباته في إنشاء انحراف جديد لدفع انحراف قديم، والانحراف انحراف على كل حال[27]. ثم ضرب مثلاً لذلك قائلاً: (يتّعمد بعض الصليبيين والصهيونيين مثلاً أن يتهم الإسلام بأنّه دين السيف، وأنّه انتشر بحد السيف فيقوم منّا مدافعون عن الإسلام يدفعون عنه هذا الاتهام، وبينما هم مشتطون في حماسة (الدفاع) يسقطون قيمة (الجهاد) في الإسلام، ويضيقون نطاقه ويعتذرون عن كل حركة من حركاته بأنّها كانت لمجرد (الدفاع)! بمعناه الاصطلاحي الحاضر الضيق! وينسون أنّ للإسلام بوصفه المنهج الإلهي الأخير للبشرية حقه الأصيل في أن يقيم (نظامه) الخاص في الأرض لتستمتع البشرية كلها بخيرات هذا النظام بحرية العقيدة التي اختارها حيث (لا إكراه في الدين) من ناحية العقيدة أمّا إقامة (النظام الإسلامي) ليظلل البشرية كلها ممن يعتنقون عقيدة الإسلام وممن لا يعتنقوها فتقتضي الجهاد لإنشاء هذا النظام وصيانته، وترك الناس أحرارًا في عقائدهم الخاصة في نطاقه، ولا يتم ذلك إلاّ بإقامة سلطان خير وقانون خير ونظام يحسب حسابه كل من يفكر في الاعتداء على حرية الدعوة وحرية الاعتقاد في الأرض)[28].
وهكذا شأن بعض الذين يردون على المغالين في شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يصفونه بالبشرية دون أن يصفوه بالرسالة؛ ويجتهدون في إثبات ذلك الجانب دون قصد إلى تقليل قيمة الرسول صلى الله عليه وسلم بل إلى نفي غلو هؤلاء المغالين عنه إلا أن المغالين بدورهم يأخذون عبارات هؤلاء التي ظاهرها الجفاء ومن ثم يكيلون لهم شتائم عدة ويصفونهم بأنهم جفاة وأنّه نزع من قلوبهم حب الرسول صلى الله عليه وسلم بينما حبّه هو الاتباع لما جاء به صلى الله عليه وسلم.
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ...} [آل عمران:31].
وعلى هذا يجب على المسلم الغيور على دينه أن يلتزم بما شرعه الله سبحانه وتعالى حين يرد على غيره، وحين يصحح انحرافًا معينًا حق لا يقع في انحراف آخر مقابل تصحيح انحراف قديم.
ويجب على المسلم ـ أيضًا ـ أن يلتزم بصورة دقيقة بكل ما ثبتت مشروعيته في كل حياته بصورة عامة، وبما يتصل بالتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة لأنّ ذلك حق وهو الصراط المستقيم.
الباب الأول
أسباب قيام الأمة بالأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم
الرسول صلى الله عليه وسلم
صاحب فضل كبير على أمته لأنه صلى الله عليه وسلم بواسطته وصل إلينا الوحي بشقيه القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين هما مصدرا الشريعة الإسلامية وأساس الدين كله.
ووصول الوحي إلى الناس لم يتم بسهولة ويسر، وإنّما تم بجهود متواصلة وصبر كبير وتحمّل لمشقات متنوعة من صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
وقد تحمّل عليه الصلاة والسلام هذه كلها حتى تحقق منهج الله سبحانه وتعالى في الأرض وكمل الدين وتمّت النعمة.
يقول تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3].
وبتمام النعمة قامت الأمة وتحقق وعد الله سبحانه وتعالى للمؤمنين بالاستخلاف والتمكين في الأرض.
قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:55].
وتقديرًا لهذه النعمة التي أنعم الله بها على المؤمنين عليهم أن يشكروا الله ويعرفوا حق صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
ولا يتم الشكر والعرفان إلاّ بالتأدب معه صلى الله عليه وسلم حيًّا وميّتًا، سرًا وجهرًا، في المنشط والمكره.
وهناك من الأسباب الأخرى ما يدفع إلى ضرورة التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك ككرم محتذه، ورفعة نسبه، واتصافه بالأخلاق الكريمة وتمتعه بالصفات النبيلة طوال حياته عليه الصلاة والسلام. ومنها أيضًا ما اتصف به صلى الله عليه وسلم من صفات ساعدت على نشر الدين، وتبليغ الأمانة.
وفي هذا الباب سوف أتكلم عن الأسباب التي من أجلها كان التأدّب معه صلى الله عليه وسلم وهي في مجملها ترجع إلى أمرين:
أولهما: ما يرجع إلى ذاته صلى الله عليه وسلم من ناحية عراقة الأصل، وكرم الخلق في تبليغ الله تعالى.
ثانيهما: ما يرجع إلى عمله صلى الله عليه وسلم وحرصه على هداية الناس وإسعادهم بمنهج الله تعالى.
وقد عقدت لكل من الأمرين فصلاً مستقلاً: ولذلك اشتمل الباب على الفصلين التاليين:
الفصل الأول: نسبه وصفاته صلى الله عليه وسلم.

__________________
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 25-04-2014, 02:27 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 35
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الفصل الثاني:
عمله صلى الله عليه وسلم في نشر الدعوة وحرصه على هداية الناس.
وسيأتي تفصيل ذلك فيما يلي بمشيئة الله تعالى.
الفصل الأول
نسبه صلى الله عليه وسلم ونشأته وصفاته
منذ أن خلق الله سبحانه وتعالى أبا البشر آدم عليه السلام وأهبطه هو وزوجه إلى الأرض لم يترك الناس سدى يتصرفون برؤية عقولهم واتجاهاتهم لأن عقل البشر مهما كانت قدرته قاصر عن إدراك الطريق المستقيم ومعرفة الحق بصورة تامة، وإن أدرك بعض الجوانب بالفطرة التي فطر الله الناس عليها.
ولكي تستقيم الفطرة وتكمل نحو الأفضل كانت تأتي هداية الله سبحانه وتعالى للناس متتابعة على ألسنة الرسل عليهم السلام فكلما انحرفت البشرية عن طريق الله القويم جاءها مبعوث من الله سبحانه وتعالى لهدايتها، ودعوتها.
يقول الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24].
فكل أمة جاءها رسول من بينها مبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا مضيئًا ينير الطريق. ويهدي للتي هي أقوم. وبذلك تقوم الحجةعلى الناس.
يقول تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لأَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165].
يقول ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: (أنّه تعالى أنزل كتبه وأرسل رسله بالبشارة والنذارة، وبين ما يحبه ويرضاه مما يكرهه ويأباه لئلا يبقى للمعتذر عذر)[29].
ومما يؤيد هذا المعنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل من أجل ذلك مدح نفسه، وليس أحد أغير من الله من أجل ذلك حرّم الفواحش، وليس أحد أحب إيه العذر من الله من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل)[30].
وكانت الرسل قبل رسولنا صلى الله عليه وسلم يأتون أقوامهم خاصة ليكون التبليغ مناسبًا للناس، وليدينوا الله بشريعة يستطيعون القيام بتكاليفها. وقد ختم الله سبحانه وتعالى الرسل عليهم الصلاة والسلام بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة رحمة لهم.
يقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ:28].
ويقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
وبذلك بعث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم للناس جميعًا وختم الله به الرسل وقضى باستمرار رسالته إلى يوم القيامة. وأصبح الرسول صلى الله عليه وسلم اللبنة الأخيرة في البناء العظيم الذي يمثل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لبناته. كما أخبر صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأجمله إلا موقع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)[31].
واختيار الرسول صلى الله عليه وسلم للرسالة كانت بمشيئة الله تعالى الذي خلق الناس جميعًا، وهو العليم بذواتهم وخصائص كل منهم يقول الله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ} [القصص:68] ويقول الله تعالى: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124].
يقول الآلوسي في تفسير هذه الآية: (إنّ منصب الرسالة ليس مما ينال مما يزعمون من كثرة المال والولد وتعاضد الأسباب وإنما ينال بفضائل نفسانية ونفس قدسية أفاضها الله تعالى بمحض الكرم والجود على من كمل استمداده. ونص بعضهم على أنه تابع للاستعداد الذاتي وهو لا يستلزم الإيجاب الذي يقول به الفلاسفة لأنه سبحانه إن شاء أعطى وإن شاء أمسك، وإن استعد المحل)[32]. ومن ثم اختار الله للدعوة الإسلامية التي ختم الله بها كل الرسالات المكان الملائم واختار لحملها خير أمة أخرجت للناس كما اختار رجلها المتميز وهو الرسول صلى الله عليه وسلم بصفات جعلته خير من يتلقى الوحي ويبلغه للناس ويتحمل في سبيل ذلك كل اضطهاد وعنت كما هي سنة الله مع كل رسالاته ورسله[33].
وقبل اختيار الرسول للتبليغ صنعه الله، وهيأه، وكفل الله له التنشئة السليمة حتى يكون أهلاً للرسالة والتبليغ، ومن المعلوم أن اصطفاء الله للرسل يتم على مرحلتين، مرحلة تهيئة، ومرحلة تكليف وإبلاغ. ولولا أن النبوة اصطفاء وإحسان لقلنا أن الرسل بصفاتهم يستحقونها كسبًا لكنّ جمهور المسلمين أجمعوا على أن الرسالة لا تكتسب فلا بد أن يخلق الله لها استعدادًا خاصًا عند صاحبها بحيث يجعله أهلاً لحملها وإبلاغها. وبعد ذلك يصطفيه للرسالة[34].
وفي هذا الفصل سوف أتحدث فيه عن مرحلة تهيئة الرسول صلى الله عليه وسلم لحمل الرسالة الخاتمة وإبلاغها إلى الناس كافة.
ولذا سيأتي مكونًا من ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: عراقة أصله.
المبحث الثاني: نشأته وتربيته.
المبحث الثالث: اتصافه بصفات طيبة وأخلاق فاضلة.
وذلك فيما يلي:
المبحث الأول
عراقة أصله

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 10:26 AM.