اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > حي على الفلاح

حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 25-08-2014, 07:28 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 29
abomokhtar is just really nice
New

صورة الإسلام في الفكر الغربي بين القديم والحديث


يذهب كثير من الباحثين إلى أن تاريخ العداء يبدأ من العصور الوسطى الأوروبية، إلا أن هذه الفرضية تدحضها وقائعُ كثيرة، بل وتصريحات عديدة لغربيين.

يقول الكاتب والقائد الإنجليزي "جلوب" (1897م - 1986م):
"إن تاريخ مُشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد"[1]؛ أي: إلى تاريخ ظهور الإسلام وبزوغ فجره على المعمورة؛ حيث أزال النور الإسلامي ظلماتِ عشرة قرون، تطاوَل فيها الغرب الإغريقي والروماني والنصراني على الشرق، فاحتلَّ أرضَه، ونهب ثروته، وقهر ثقافته، فكان الفتح الإسلامي تحريرًا للإنسان من الفتنة في الدين، وتحرُّرًا للأوطان من ذلك العدوان.

ولقد رأى الغرب في هذه الديانة الوليدة عدوًّا عقائديًّا وحضاريًّا، يقدِّم محبة الله تعالى على محبة الإنسان، ويجعل التوحيد فكرة يتمحور حولها الإنسان، وذلك في مقابلة فِكرة تقديس الإنسان وعبادته، والتي قامت عليها أديانهم المحرفة، فلم تكن قضية الإسلام مُنازَعةً على ثروات، أو منافَسة على زعامات.

عمل الغربيون من قديم وبمختلف فئاتهم على اعتبار الإسلام عدوًّا أيديولوجيًّا وحضاريًّا يجب القضاء عليه، يشرح هذه الفكرة المفكر الغربي "مونتغمري وات" قائلاً: "إن الإسلام من وجهة نظر المسيحية الغربية يتَّسم بخلفية إشكالية لاهوتية عميقة، لقد ظهر في أوائل القرن السابع للميلاد في محيط تميَّز بتأثُّره الروحي بالتقاليد اليهودية - المسيحية، مؤكدًا من ناحية وعبر التوحيدية الإبراهيمية صلته المبدئية بتلك التقاليد الشرقية اليهودية - المسيحية؛ ولكنه وضع نفسه من ناحية أخرى في خندق مضاد مُتعارض تمامًا مع التقاليد الدينية المذكورة.

فمن خلال تعميم مطلق غير محدود للتوحيد، ألغى الإسلام في حقيقة الأمر أي إمكان لتجسيد الطبيعة الإلهية، مع نفي تام لفكرة الثالوث المسيحية، وبذلك التوجه العقائدي حطم الإسلام النظام البنيوي - اللاهوتي، الذي كان مُهيمنًا في التصورات المسيحية - لاسيما في العصر الوسيط - حول التكوين الإلهي للتاريخ، وحول التقديس، وتجسيد الإله ذاته، وهكذا كان ظهور الإسلام بالنسبة للديانتين اليهودية والمسيحية نوعًا من التحدي الديني - التاريخي"[2].

وتقول د. كارين آرمسترونج:
"علينا أن نتذكَّر أن الاتجاه العدائي ضد الإسلام في الغرب هو جزء من منظومة القِيَم الغربية، التي بدأت في التشكُّل مع عصر النهضة والحملات الصليبية، وهي بداية استعادة الغرب لذاته الخاصة مرة أخرى، والقرن الحادي عشر كان بداية لأوروبا الجديدة، وكانت الحملات الصليبية بمثابة أول رد فعل جماعي تقوم به أوروبا الجديدة"[3].

وهنا يتعيَّن التنبيه إلى أن تصوُّر البعض اليوم أن خوف الغرب من الإسلام إنما باعِثُه ظاهرة "ال***" أو "التشدُّد" - عند بعض الجماعات الإسلامية - هو تصور لا يخلو من سذاجة أو سطحية.

ولا شك أن موقف العداء متجذر لدى مؤسسات الغرب قبل عصر اليقظة الإسلامية بقرون متطاولة.

فمارتن لوثر (1483م - 1546م) زعيم الإصلاح الديني، ورأس الكنيسة البروتستانتية، وهو الذي قرأ ترجمة معاني القرآن وما ذُكر فيه عن التوراة والإنجيل من التعظيم والتبجيل...

ولم تكن الكاثوليكية بأحسن حالاً من البروتستانتية في صناعة هذه الأكاذيب.

إن هذه الصورة لا يَشترك في رسمها دهاقنة النصرانية أو ساسة أوروبا وقادتها فحسب، بل يُشاركهم فيها أدباؤهم ومثقَّفوهم وفنَّانوهم.

لقد ذهبت "ملحمة رولاند" (1100م) إلى إسقاط التثليث على المسلمين وعقيدة التوحيد، فتزعم أن المسلمين يعبدون ثالوثًا وثنيًّا، وأنهم إنما يُعظِّمون يوم الجمعة؛ لأنه يوم إلهة الحب فينوس، بينما يُعظِّم النصارى يوم الأحد؛ لأنه يوم الله!

كل هذا الشحن المزيف للحقيقة؛ حتى يلتهب حماس عوامِّهم بالحقد على أهل الإسلام؛ لتُقام المجازر والمذابح باسم الله؛ ففي هذه الملحمة يُنادي الإمبراطور جنوده كي ي***وا المسلمين، فيقول: "انظروا إلى هذا الشعب... سوف يُمحى اسمهم من فوق الأرض الزاخرة بالحياة؛ لأنهم يعبدون الأصنام، لا يمكن أن يكون لهم خلاص، لقد حكم عليهم، فلنبدأ إذًا تنفيذ الحكم، باسم الله"، ثم تبدأ الم***ة[4].

تلك باختصار صورة الإسلام القديمة كما عبَّر عنها ساسة وقادة ورهبان وفنانون، فهل تغيَّرت تلك الصورة في العصر الحديث؟!

لعل في أنشودة الجندي الإيطالي لأمه جوابًا حين يقول لها: أماه.. أتمِّي صلاتك.. لا تبكي، بل اضحكي وتأملي، أنا ذاهب إلى طرابلس فرِحًا مسرورًا... سأُحاسب الديانة الإسلامية، سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن[5].

وكتبَت جريدة فرنسية عام 1926م تقول:
"لقد استسلم عبدالكريم الخطابي من غير شروط، وخضع لحماية فرنسا، ذلك ما كنا نبغي، فالحادث مُهمٌّ؛ فهو يضرب الإسلام في الصميم، وبوسعنا الآن أن نَفتِك بهذا الدين الفتك الذريع"[6].

ولإنسانٍ أن يقارن بين هذا الكلام وبين كلام الأب أربان الثاني مفجِّر الحروب الصليبية في مجمع "كلير مونت" عام 1095م حين يقول: "أيها الجنود المسيحيون، اذهبوا وخلِّصوا البلاد المقدَّسة من أيدي الأشرار، اذهبوا واغسلوا أيديكم بدماء أولئك المسلمين..."[7].

وتتبين الإجابة مجددًا من قول "أيوحين روستو" - رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية، ومُستشار الرئيس جونسون لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م - حيث قال: "يجب أن نُدرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليسَت خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحيَّة، لقد كان الصراع محتدمًا بين المسيحية والإسلام منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة، ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي، إن الظروف التاريخية تؤكِّد أن أمريكا إنما هي جزء مكمِّل للعالم الغربي؛ فلسفته وعقيدته ونظامه، وذلك يجعلها تقف معاديةً للعالم الشرقي الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي، ولا تستطيع أمريكا إلا أن تقف هذا الموقف في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية..."[8].

وفي أعقاب حرب رمضان 1393ﻫ أكتوبر 1973م أجرت صحيفة "لفيجارو" الفرنسية استفتاء للرأي العام الفرنسي، فأسفر الاستفتاء عن أن 45 % مع إسرائيل مؤيدون لها، و17 % يؤيدون العرب، و8 % مع الطرفين، و30 % لا رأي لهم، وأجرى المعهد الوطني استفتاءً للرأي العام في لندن، فأسفر عن أن 47.5 % من البريطانيين الذين شملهم الاستفتاء يؤيدون إسرائيل، في مقابل 5 % يؤيدون الدول العربية، وأجرى معهد "جالوب" الأمريكي استفتاءً للرأي عن النِّزاع في الشرق الأوسط يوم 6 أكتوبر، فأسفر عن أن 47 % من الأمريكيين يُؤيدون إسرائيل، في مقابل 6 % فقط يؤيدون الدول العربية[9].

وأرجعَت بعض الجهات هذه النتائج إلى ما تفعله الدعاية الصِّهْيَوْنية في الرأي العام في العالم الغربي ومدى عمق جذورها فيه، إلا أن هذا ليس راجعًا إلى الدعاية الصهيونية وحدَها، بل إن ما تفعله هذه الدعاية هو تنشيط للرواسب القديمة التي خلَّفتها الحروب الصليبية من بُغضٍ وكراهية للمسلمين، تلك الأحقاد التي لا تزال وستظلُّ مُنطلَق التخطيط للعالم الغربي في علاقاته بالعالم الإسلامي في مختلف المجالات.

والمفكِّر الإستراتيجي الأمريكي - الرئيس الأسبق - ريتشارد نيكسون يذكر في كتابه: "الفرصة السانحة":
"إن العداء للمسلمين هو الأمر الأكثر شيوعًا، والأسوأ صورة لدى جمهور الأمريكيين"، "فكثير من الأمريكيِّين يتصورون أن المسلمين هم شعوب غير متحضِّرة، ودمويون، وغير منطقيِّين، ويعتقدون أن سيوف محمد وأتباعه هي السبب في انتشار الدين الإسلامي في آسيا وإفريقيا، وحتى أوروبا؛ ولذلك فإن الكثيرين من الأمريكيِّين قد أصبَحوا ينظرون إلى كل المسلمين كأعداء، وليس هناك صورة أسوأ في ذهن وضمير المُواطن الأمريكي من صورة العالم الإسلامي"، "ويحذِّر بعض المراقبين من أن الإسلام والغرب متضادان، وأن الإسلام سوف يُصبح قوة جيوبوليتيكية متطرفة، وأنه مع التزايُد السكاني والإمكانات المادية المتاحة سوف يؤلف المسلمون مخاطر كبيرة، وأنهم يوحدون صفوفهم للقيام بثورة ضد الغرب، وسوف يُضطر الغرب إلى أن يتَّحد مع موسكو ليواجه الخطر العدواني للعالم الإسلامي"[10].

وإذا كان ريتشارد نيكسون قد أعلن: "أنه ليست هناك صورة في ذهن وضمير المواطن الأمريكي أسوأ من صورة العالم الإسلامي"، فإن "صناعة هذه الصورة" - في الثقافة الغربية والضمير الغربي - سابقة على قيام إسرائيل، وحقبة النفط، وحركات الجهاد الإسلامي بلا شك؛ يقول د. محمد عمارة: فـ "الشهادات الألمانية" تُحدِّثنا عن أن "الإفرنج منذ الحروب الصليبية - أي: قبل نحو ألف عام - كانوا يُطلقون على العرب والمسلمين صفات ال*** الحيواني الحقير، والكلاب والخنازير"! وهي الصفات التي لا تزال شائعة في صحافة الغرب المعاصر، وفي أفلام هوليوود[11].

كما أن تنامي الأصولية الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية - والتي أصبحت تشكِّل جماعات ضغط سياسي لها الدور الفعَّال في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية - يمثِّل بقية أجزاء الصورة القبيحة لصور التطاول في العصر الحديث، فهذه العقيدة الأصولية الإنجيلية يُؤمن بها تسعة من رؤساء أمريكا، وعاشِرهم الرئيس الأمريكي بوش الابن[12].

واعتقاد[13] هؤلاء الإنجيليين يفسِّر للمسلمين وللعالم كله الموقِف غير الأخلاقي لسياسة الولايات المتحدة المُنحازة والتي تكيل بمكيالين، فعلاقتهم بالدولة الصهيونية - وكما يقول كارتر في كتابه - علاقة متجذِّرة في ضمير وأخلاق ودين ومُعتقَدات الشعب الأمريكي.

كما يفسِّر أيضًا هذا الاعتقاد المُنحرفُ الموقفَ المضاد الذي تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، وبالأخص تجاه بيت المقدس، الذي يتعرَّض للتعديات الصهيونية والحفريات المزعومة بهدف هدمه لإقامة الهيكل المزعوم وفقًا لتصوراتهم الصهيومسيحية المشتركة.

وقد تزايد تحكم هذه الحركة الأصولية الإنجيلية في جميع سياسات الإدارة الأمريكية، وبالأخص في العقدين الأخيرين؛ بحيث صارت منطلقًا ودافعًا لتطاول الغرب بقيادة الولايات المتحدة على كثير من حرمات وثوابت الدين الإسلامي الحنيف، مستغلة النفوذ الاقتصادي والعسكري والسياسي في فرض ما تراه من مخططات وأهداف على دول العالم الإسلامي، دون اعتبار لسيادتها على أوطانها ومقدراتها!

وهذه الحكومة الإنجيلية المُحافِظة الحاكمة في الولايات المتحدة لم تكن في حاجة إلى أحداث الحادي عشر من سبتمبر لإلصاق دعوى الإرهاب بجميع المنظمات والجمعيات والدول الإسلامية، وكل ما هنالك أن هذه الأحداث عجَّلت من تفعيل ثوابت عقائدية ودينية متلازمة لدى هؤلاء الأصوليين الجدد،؛ يقول القس (فرانكلين جراهام): "إن الإسلام دين شرِّير سيئ جدًّا"، ويقول: "إن الإرهاب جزء لا يتجزأ من تعاليم الإسلام"[14].

وقد بلغ الاستكبار الأمريكي الأُصولي في التدخل في ثقافات الدول العربية والإسلامية حتى إنه طبَع ونشَر ما يُسمى بالفرقان الأمريكي في بعض الدول العربية (بعدما حذف جميع الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود والنصارى والجهاد في سبيل الله)!

وفي مجال التطاول على الرموز والثوابت أيَّدت الأصولية المسيحية في أمريكا ما قام به أهل الدانمرك من تطاول على الرسول صلى الله عليه وسلم، وتناولت بعض الفضائيات ما قام به أحد زعاماتهم من تمويل لرسام الكاريكاتير الملعون!

أما موقفهم من أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد الأقصى المبارك، فكما سبق وذكرنا؛ فهم يؤيدون ويُهلِّلون لكل الممارسات المعتدية على كيان المسجد؛ بزعم انسجام ذلك مع معتقدهم الخاص بهرمجيدون، الذي لا بد أن يسبقه هدم المسجد الأقصى المبارك وبناء الهيكل المزعوم.

وبخصوص المظاهر الأخرى للعداء الصهيومسيحي للإسلام وثوابته - والمتعلِّق بالجانب السياسي والعسكري - فقد كان للحركة الأصولية المسيحية الدور الأعظم في التأثير على القرار السياسي الأمريكي وما نتَج عنه من قرارات عُدوانية اتخذتها الإدارة الأمريكية على مدى السنوات الأخيرة!

ولأن الحديث عن ذلك له مجالات أخرى فنَكتفي بالقول إجمالاً: إن الحركة الأصولية المسيحية كانت وراء ما حاق بالإسلام والمسلمين من نوازل ومآسٍ؛ كغزو بلدَين مسلمين، هما: العراق وأفغانستان، والبطش بملايين المسلمين من شعبيهما، وما نتج عن سياسات أمريكا المنحازة للكيان الصهيوني، وما تبعها من حصار خانق لحكومة حماس الإسلامية، وللشعب الفلسطيني.

وهكذا، فعداء المشروع الغربي للإسلام هو موقف مُعلَن من كثيرين في دوائر ومؤسسات صُنعِ القرار، وليس وهمًا صنعته "ذهنية المؤامرة"؛ إنما يُمثل مشكلةً أسبق وأعمق من الوقائع الطارئة والآنية التي أثمرتها حركات النهضة الإسلامية المعاصرة، أو بعض نظُم الاستبداد الحاكمة، أو بعض الحركات الجهادية هنا أو هناك.

ولا يمنع وجود هذا التوجه العام من رصد شيء من التوجه الإيجابي في موقف الكنيسة أو موقف عدد من الأفراد؛ فمن ذلك أن الكنيسة الكاثوليكية ناقشت في مجمعها الفاتيكاني الثاني (1962م - 1965م) العلاقة بين الكنيسة والأديان غير المسيحية، ثم أصدرت بيانًا إيجابيًّا جاء فيه:
"إن الكنيسة تنظر بعين الاعتبار أيضًا إلى المسلمين الذين يَعبدون الإله الواحد الحي القيوم الرحيم القادر على كل شيء، خالق السماء والأرض، الذين - أي: المسلمين - يجتهدون في أن يَخضعوا بكُليَّتهم حتى لأوامر الله غير المُعلَنة، كما خضع له إبراهيم، الذي يسند إليه بطيبة خاطر الإيمان الإسلامي، إنهم يُجلُّون يسوع كنبي وإن لم يعترفوا به كإله، ويُكرمون أمه مريم العذراء؛ بل إنهم بتقوى يتضرعون إليها أحيانًا! علاوةً على ذلك فإنهم ينتظرون يوم الدين عندما يُثيب الله كل البشر القائمين من الموت، ويعظِّمون الحياة الأخلاقية أيضًا، ويؤدون العبادة لله لا سيما بالصلاة والزكاة والصوم، وإذا كانت قد نشأت على مرِّ القرون مُنازعات وعداوات كثيرة بين المسيحيين والمسلمين، فالمجمع المقدَّس يحضُّ الجميع على أن يتناسوا الماضي ويَنصرفوا بإخلاص إلى التفاهُم المتبادَل، ويصونوا ويُعزِّزوا معًا العدالة الاجتماعية والخيارات الأخلاقية، والسلام والحرية، لفائدة الناس جميعًا"[15].

ولكن الأمر لم يَدُم طويلاً؛ ففي أكبر وأخطر مؤتمرات الكنائس الغربية - الذي انعقد في كولورادو بأمريكا سنة 1978م - قد أرجع هذا العداء الغربي المحموم للإسلام إلى ما رآه وأسماه بـ "الطبيعة الإسلامية المُناقضة للنصرانية" كما فهمتها الكنائس الغربية، فقالت مقررات هذا المؤتمر: "إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي تُناقِض مصادره الأصلية أسس النصرانية، وإن النظام الإسلامي هو أكثر النظم الدينية المتناسِقة اجتماعيًّا وسياسيًّا، إنه حركة دينية معادية للنصرانية، مُخططة تخطيطًا يفوق قدرة البشر، ولا بد من مئات المراكز التي تؤسس حول العالم بواسطة النصارى؛ للتركيز على الإسلام لفهمِه، والتعامل معه، واختراقه في صدقٍ ودهاء"[16].

ثم ها هو البابا الكاثوليكي بينديكت السادس عشر يَنسحِب من هذه المواقِف إلى مواقع مُتراجعة، فيُغيِّر ما أسموه بلجنة "حوار الأديان" إلى لجنة "حوار الثقافات.."، الأمر الذي يعد انقلابًا على نتائج المجمع الفاتيكاني التي تضمَّنت اعترافًا بالديانات الإبراهيمية[17].

وبالمثل، فكما رصدت تصريحات وكلمات إيجابية حول الإسلام من عشرات المثقفين والأكاديميين والسياسيين الغربيين، إلا أن الصوت الأعلى والكثرة الكاثرة لغير المُنصِفين!

من كتاب: التطاول الغربي على الثوابت الإسلامية
لفضيلة الدكتور: محمد يسري إبراهيم
دار اليسر بالقاهرة


[1] مقال بجريدة الشرق الأوسط، لجمال شاهين، عدد (9913) في 18 ذي الحجة 1426ﻫ، نقلاً عن كتاب للكاتب بعنوان "محمد".

[2] تأثير الإسلام على أوروبا في القرون الوسطى؛ مونتغمرى وات، موسكو، 1976م، (ص: 8 - 10).

[3] مقال لجمال شاهين، بجريدة الشرق الأوسط.

[4] صورة الإسلام في التراث الغربي؛ هوبرت هيركومر، وجيرنوت روتر، ترجمة: ثابت عيد، وتقديم: د. محمد عمارة، (ص: 18، 21، 23، 24، 43)، طبعة دار نهضة مصر، القاهرة 1999م.

[5] القومية والغزو الأمريكي؛ لمحمد جلال كشك، نقلاً عن: "الرسول صلى الله عليه وسلم في عيون غربية منصفة"؛ الحسيني معدّى، دار الكتاب العربي، ط: 1، 2006، (ص: 57).

[6] da acpechede constasntine (28 / 5 / 1926).

[7] الحروب الصليبية؛ د. سيد عاشور، مكتبة الأنجلو المصرية.

[8] قادة الغرب يقولون: دمروا الإسلام أبيدوا أهله؛ جلال العالم، مكتبة الصحابة، (ص: 31).

[9] الإسلام قوة الغد العالمية،؛ باول شمتز، ترجمة: د. محمد شامة، طبعة مكتبة وهبة، القاهرة، (ص: 4).

[10] الفرصة السانحة؛ لريتشارد نيكسون، ترجمة: أحمد صدقي مراد، طبعة القاهرة 1992م، (ص: 28، 138، 141، 152، 153).

[11] في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام؛ د. محمد عمارة، طبعة دار الشروق الدولية، القاهرة 2003م، (ص: 140).

[12] كتاب البُعد الديني للرئيس الأمريكي، بتصرف.

[13] تُعتبر هذه العقيدة امتدادًا لحركة الإصلاح الديني بزعامة مارتن لوثر التي بدأت كاحتجاج على البابا الكاثوليكي، ورفضت توسُّط رجال الكهنوت بينهم وبين الله، ودعت إلى التطبيق الحرفي للكتاب المقدَّس وتفسيره دون الرجوع إلى رجال الدين، وبسبب ما تعرَّضت له هذه الطائفة البروتستانتية من حروب طائفية بينها وبين الكاثوليك، اضطر البروتستانت إلى الهجرة إلى العالم الجديد، فتدفَّقوا على أمريكا بمجرد اكتشافها، وصاروا أكثر سكانها، وتأسَّس بذلك المجتمع الأمريكي على أساس بروتستانتي توراتي، وتبنى جميع العقائد التوراتية والأساطير المحرَّفة التي تتحدث عن نبوءات تتعلق بالأرض المقدسة وبالوعد المزعوم الذي بموجبه استحق اليهود الصهاينة استرجاع الأرض الموعودة من الفرات إلى النيل (فهم يعتبرون أرض كنعان كلها موعودة للساميين)، علمًا بأن العرب الفلسطينيين من الساميين من بني إسماعيل عليه السلام.
تقول التوراة المحرَّفة في سفر التكوين: "ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لأخويه، وقال: مبارك الرب إله سام، وقال: ليكن كنعان عبدًا لهم يَفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبدًا لهم" ا. هـ، ثم يستند إلى الإصحاح 12: "ظهَر الرب لإبرام وقال: لنَسلِكَ أُعطي هذه الأرض"، ويقول: "قال الرب لإبرام: اذهب من أرضك وعشيرتك، ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أُريك، فأُهلِك أمة عظيمة، وأباركك، وأعظِّم اسمك، ويكون نسلك كتراب الأرض، ويمتدُّ غربًا وشرقًا وشمالاً وجنوبًا، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض"؛ الإصحاح 28 من التوراة، متعامين عن انطباق هذه المواصفات على العرب المسلمين؛ فهم من الساميين من بني إسماعيل، وهم أكثر من المليار والربع كتراب الأرض، وموزَّعون في جميع أنحاء العالم.
ويَعتنق الأصوليون المسيحيون العقيدة الألفية التي تتحدث عن النزول الثاني للمسيح، وأنه لا بد من الإعداد والتمهيد لهذا النزول بحشد وتجميع اليهود في فلسطين، وإعانتهم بالمال والسلاح لخوض معركة هرمجيدون التي يزعمون انتصار اليهود والنصارى على الوثنيين - أي: المسلمين بزعمهم - وذلك بأن يرتفع النصارى فوق السحاب، وأما المسلمون فسيغرقون في بحيرة النار المتَّقدة بالكبريت (رؤيا يوحنا اللاهوتي بالعهد الجديد).

[14] انظر صحيفة الزيتونة الأمريكية في 30 أغسطس 2002.

[15] الإسلام والمسيحيين؛ د. إليسكي جورافيسكي، سلسلة أعلام المعرفة (215)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، نوفمبر 1996، (ص: 117).

[16] المصدر السابق.

[17] لماذا يكرهونه؟ الأصول الفكرية لعلاقة الغرب بنبي الإسلام؛ د. باسم خفاجي (ص: 49).






د. محمد يسري إبراهيم
__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 25-08-2014, 07:34 AM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 29
abomokhtar is just really nice
New

الإسلام في الفكر الغربي

بقلم / لواء مهندس أحمد عبد الوهاب - رحمه الله -
رئيس مجلس إدارة جمعية العزيز بالله سابقاً


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد …
لقد دأب الغرب المسيحي - بوجه عام - على الطعن في الإسلام ونبيه ، وتعرضت سيرة خاتم النبيين إلى التشويه والمغالطات والمفتريات على أيدي رجال الكهنوت المسيحي وتلاميذهم من المستشرقين والمنصِّرين والكُتّاب ورجال الاستعمار .
وهذا المقال الذي بين يدي القارئ يعرض مقالات في الإسلام لبعض العلماء والمفكرين والمستشرقين في الغرب ، يمكن اعتبارها نماذج لتطور الفكر الغربي في الإسلام خلال القرنين الأخيرين .
فمن هؤلاء الغربيين من لا يزال - إلى اليوم - موثقًا بقيود الماضي إلا أن القوة الذاتية للحق أجبرته على أن يقول كلمة حق ، ومنهم من حطم تلك القيود تمامًا ، فاعتنق الإسلام وصار واحدًا من أفضل دعاته ، ومنهم من خلط في مفاهيمه بين هذا وذاك : ( عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) [ التوبة : 102] ، ومنهم من يصرح بانبهاره بالإسلام دينا وحضارة ومنقذًا للبشرية ، والله عليم بذات الصدور .
مرجليوث مستشرق إنجليزي شديد التعصب ضد الإسلام ونبيه ، ولد عام 1858 م ، وتوفي عام 1940 م ، كان أستاذًا للغة العربية في جامعة أكسفورد منذ عام 1889 م ، وعضوًا بعدة مجامع علمية كالمجمع اللغوي الإنجليزي ، والمجمع العلمي العربي بدمشق ، والجمعية الشرقية الألمانية كما كان مرجليوث من محرري ( دائرة المعارف الإسلامية ) ، له مؤلفات عديدة عن الإسلام والأدب العربي وتاريخه ، ومنها كتابه ( أصول الشعر العربي ) ، وهو المرجع الذي اعتمد عليه طه حسين في كتابه عن ( الشعر الجاهلي ) الذي صدر عام 1926 م .

يقول ( مرجليوث ) عن القرآن :
باعتراف الجميع ، يحتل القرآن مكانة هامة بين الكتب الدينية العظيمة في العالم ، وعلى الرغم من أنه قد جاء الأحدث في قائمة مثل هذا النوع من الأعمال التي تعتبر مطلع عهد جديد في الفكر والتاريخ ، فيكاد لا يضاهيه عمل آخر في تأثيره العجيب الذي أحدثه في جموع هائلة من البشر ، لقد خلق طورًا جديدًا في الفكر الإنساني ونوعًا حديثًا من الشخصية الإنسانية .
ففي بداية الأمر ، حوَّل القرآن عددًا من القبائل الصحراوية غير المتجانسة في شبه الجزيرة العربية إلى أمة من الأبطال ، ثم واصل ، على نحو مطرد ، خلق الهيئات الدينية السياسية الكبيرة في العالم الإسلامي ، والتي تعتبر إحدى القوى العظمى التي يجب على أوربا والشرق أن يحسبا لها حسابًا اليوم . اهـ .
مونتجمري واترئيس قسم الدراسات العربية في جامعة ( أدنبره ) ، له عدة كتب ودراسات منها : ( من تاريخ الجزيرة العربية ) 1927 م ، و ( عوامل انتشار الإسلام ) 1955م ، و ( محمد في مكة ) 1958م .

يقول ( مونتجمري وات ) في كتابه ( الإسلام والمسيحية اليوم ) :

( لست مسلمًا بالمعنى المألوف ، ومع ذلك فإني أرجو أن أكون مُسلمًا كإنسان استسلم لله ، بيد أني أعتقد أن القرآن وغيره من تعبيرات المنظور الإسلامي ، ينطوي على ذخيرة هائلة من الحق الإلهي ، الذي مازال يجب عليَّ أنا وآخرين من الغربيين أن نتعلم منه الكثير .
ومن المؤكد أن الإسلام منافس قوي في مجال إعطاء النظام الأساسي للدين الوحيد الذي يسود في المستقبل .
إدوارد مونتيه مستشرق من أصل سويسري ، ولد عام 1856 م ، ودرس في جامعات جنيف وبرلين وهايدلبرج ، حصل على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة باريس عام 1883م ، عيّن أستاذًا للعبرية والأرامية والعهد القديم في جامعة جنيف ، ثم أضيف إليه العربية وتاريخ الإسلام ، رأس جامعة جنيف ( 1910 - 1912 ) ، تُوفي عام 1927م .

يقول إدوارد مونتيه في كتابه : ( الدعاية المسيحية وأعداؤها المسلمون ) :

إن الإسلام في جوهره دين عقلاني وفق أوسع المعاني لهذا المصطلح من الوجهة الاشتقاقية والتاريخية ، إن تعريف العقلانية ؛ باعتبارها نظامًا يقيم المعتقدات الدينية على مبادئ يدعمها العقل ، إنما ينطبق تمامًا على الإسلام ، وعلى الرغم من التطور الخصب ، بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، لتعاليم النبي ، فقد احتفظ القرآن بمنزلته الثابتة ، كنقطة البداية الرئيسية لفهم الدين ، وصار يعلن دائمًا عن عقيدة توحيد الله في سمو وجلال وصفاء دائم مع اقتناع يقيني متميز ، من الصعب أن يوجد ما يفوقه خارج نطاق الإسلام ، إن هذا الإخلاص للمعتقد الأساسي للدين ، والبساطة الجوهرية للصيغة التي ينطق بها ، والبرهان الذي يكتسبه من الاقتناع الذي يلتهب حماسة لدعاته القائمين بنشره ، كل ذلك يقدم أسبابًا كثيرة تعلل نجاح مجهودات الدعاة المسلمين .
إن عقيدة بمثل هذه الدقة ، ومجردة من كل التعقيدات اللاهوتية ، وبالتالي يمكن للفهم العادي أن يتقبلها بسهولة ، فمن المتوقع أن تكون لها قدرة عجيبة - وهي في الواقع تمتلك هذه القدرة - على اكتساب طريقها إلى ضمائر البشر .
جورج برنارد شو كاتب ومفكر أيرلندي ، ولد عام 1856 م ، وتُوفي عام 1950 م ، اشتهر بنقده اللاذع للمجتمع البريطاني ، وخاصة في عصر الملكة ( فكتوريا ) ، ( توجت ملكة عام 1837 م وتوفيت عام 1901م ) ، وقد بلغت الإمبراطورية البريطانية أوجها في العصر الفكتوري ، كذلك اشتهر ( برنارد شو ) بنقده للغرب بوجه عام ، وقد حصل على جائزة نوبل في الأدب عام 1925م .

يقول ( جورج برنارد شو ) :
لقد كنت دائمًا احتفظ لدين محمد عندي بأعلى التقدير ، وذلك بسبب حيويته المدهشة ، إنه الدين الوحيد الذي يبدو لي أنه يمتلك القدرة على استيعاب تغير أطوار الحياة بما يجعله محل إعجاب لكل العصور .
لقد درست محمدًا - ذلك الرجل العجيب - وفي رأيي أنه أبعد ما يكون عمن يسمى ضد المسيح ، ويجب أن يسمى : منقذ الإنسانية .
إني أعتقد لو أن شخصًا مثله تولى الحكم المطلق للعالم المعاصر لنجح في حل مشاكله بطريقة تجلب له ما هو في أشد الحاجة إليهما من سلام وسعادة .
لقد تنبأت بأن دين محمد سيكون مقبولاً في أوربا الغد ، كما أنه بدأ يكون مقبولاً في أوربا اليوم .
هاملتون جب يعتبر واحدًا من أكبر المستشرقين الإنجليز في العصر الحديث ، عضو المجمع العلمي العربي في دمشق ومجمع اللغة العربية في القاهرة ، وهو أستاذ الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة هارفارد الأمريكية ، ومن كبار محرري وناشري دائرة المعارف الإسلامية .

يقول ( هاملتون جب ) في كتابه ( الإسلام إلى أين ؟ ) :

لا يزال لدى الإسلام فضل آخر يبذله من أجل قضية الإنسانية ، فهو يقف ، على كل حال أقرب إلى الشرق أكثر من موقف أوربا منه ، كما أنه يمتلك تقاليد رائعة فيما يتعلق بالتفاهم والتعاون بين أجناس البشر ، فلم يحرز أي مجتمع آخر - غير الإسلام - مثل هذا السجل من النجاح في التوحيد بين القدر الهائل والمتنوع من الأجناس البشرية بتحقيق المساواة أمام القانون ، وتكافؤ الفرص للجميع .
ولا يزال الإسلام قادرًا على تحقيق مصالحة بين عناصر ال*** البشري وتقاليدها التي تستعصى على التصالح .
وإذا قدر أن يحمل التعاون ، يومًا ما ، محل التعارض القائم بين المجتمعات الكبيرة في الشرق والغرب ، فإن وساطة الإسلام تصبح شرطًا لا غنى عنه ، إذ يكمن بين يديه ، إلى حد كبير ، حل المشكلة التي تواجه أوربا في علاقتها بالشرق
__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 04:51 PM.