اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > مصر بين الماضى و الحاضر

مصر بين الماضى و الحاضر قسم يختص بالحضارة و التاريخ المصرى و الاسلامى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 03-05-2015, 10:07 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي العطاء الحضاري للإسلام في الجانب السياسي


العطاء الحضاري للإسلام في الجانب السياسي1/2
د. محمد مورو






ضرورة النظام الإسلامي:
ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية وتسعد به، ويحقق لها حياة مستقرة هانئة.... وبديهي أن إجابة السؤال بالنسبة للمؤمنين بالله... هي أن الله هو الذي خلق الإنسان، ويعلم ما يصلحه وما يفسده، ومن ثم فإن القواعد التي وضحها الله تعالى وأرشد بها الإنسان، هي التي تحقق ذلك الهدف. وبما أن الإسلام هو دين الله الحق، وبما أن الرسول صلى الله علية وسلم هو النبي الخاتم، فإن النظام الإسلامي وحده هو الذي يحقق ذلك، ولكن هذا في حد ذاته ليس حلا نهائيا، فالنظام الإسلامي يطبقه بشر، وثم فإن مستوى ارتفاع هذا البشر إلى مستوى النظرية هو شرط تحقيق ذلك، وهذا الشرط بدوره موجود في كل النظم، فالنظم كلها يطبقها بشر، ومن ثم فإن من الممكن أن يحسنوا التطبيق أو لا يحسنوه، سواء أكان النظام المطبق ربانيا أم وضعيا. ونخلص من هذا إلى أن النظام الوضعي والنظام الرباني يتساويان في شرط التطبيق، ولكن للنظام الرباني فضلاً لا شك فيه بالنسبة للنظرية.....

من زاوية أخرى فإن الخبرات البشرية ذاتها ومن خلال تجارب وقعت في التاريخ القديم والحديث والمعاصر تقول إن النظم الوضعية فشلت في الأمرين معاً، في النظرية والتطبيق على حد سواء، بل لقد عانت البشرية معاناة هائلة بسبب تطبيق النظم الكسروية والهرقلية، بل والديمقراطية والاشتراكية والفاشية والنازية والشيوعية، بل إن مستوى المعاناة كان بشعا، ففي ظل تلك الأنظمة وبالذات الديمقراطية منها حدثت إبادة لشعوب الأمريكتين وأستراليا وحدثت مذابح في معظم أرجاء العالم نفذها الرجل الأبيض، ونشأت الصهيونية ثم دولة إسرائيل، وهي حاله تجسيم للظلم على مستوى ****** حقوق شعب وأرض وعلى مستوى انتهاك حقوق الإنسان بصورة يومية وعلى مدار الساعة لعشرات السنين تحت سمع العالم وبصره، والديمقراطية هي التي استخدمت القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية وهي التي مارست نهب العالم، ولا تزال قوات الدول الديمقراطية تنتهك سيادة الشعوب في العراق وأفغانستان وفلسطين....الخ أضف إلى ذلك إفساد البيئة واستنزاف ثروات الأرض....الخ

والمحصلة أن هناك شقاء لا شك فيه ترتب على تطبيق تلك النظم،وهو شقاء جماعي... أما في التطبيق الإسلامي فإن المسألة مختلفة، صحيح أنه قد تقع هناك تجاوزات، ولكنها تجاوزات فردية لا ترقى إلى تشكيل ظاهرة، وهي مرفوضة طبعاً، أي أننا لو قارنا بين مستوى السعادة في ظل الحضارة الإسلامية ومستواها في الحضارات الأخرى وبخاصة الغربية نجد النتيجة لصالح الحضارة الإسلامية بامتياز، ونحن هنا نتكلم عن الظاهرة في مجراها الرئيسي، أو في المحصلة النهائية، ونكرر أن هناك استثناءات ولكنها لا تخرق القاعدة، هناك استثناءات إيجابية في الحضارات الأخرى، وهناك استثناءات سلبية في التطبيق الحضاري الإسلامي ولكن تظل القاعدة هي نفسها وبديهي أن النظام الإسلامي به من الاتساع والمرونة ما يسمح بالاستفادة أيضا من الخبرات الإيجابية للتجارب الأخرى، وهذا لا يخالف الشرع الحنيف، بل هو فريضة أوجبتها الشريعة الإسلامية ذاتها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

المنظومة الإسلامية:
المنظومة الإسلامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية منظومة كلها خير، ذلك أنها من عند الله تعالى الذي يعلم ما يصلح الإنسان والجماعة الإنسانية وما يفسدهما{ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14، وهي تحتوي على مساحات محددة فيها تشريع واضح ومحدد ومساحات أخرى متروكة للاجتهاد البشرى في إطار المنهج الإسلامي ومن خلال النصوص ذاتها والتصورات الإسلامية.ومن خلال التطبيق ثبت أنها أفضل منظومة عرفتها البشرية في كل تاريخها الاجتماعي، وهي صالحة إن شاء الله للتطبيق في كل زمان ومكان، وهي القادرة في عالمنا المعاصر على إنقاذ البشرية من التخبط والتيه والشقاء والمعاناة.

المنظومة السياسية:
يقوم النظام السياسي الإسلامي على عدد من المحاور كالتالي:
(1)- المسئولية الفردية:
{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }الأنعام164، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38
وكل إنسان مسؤول في حدود ميدانه: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" "حديث صحيح – تحقيق الألباني تخريح السيوطي في الجامع الصغير".

(2)- تساوي الناس في الحقوق وعموم تلك الحقوق:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13، وفي الحديث الشريف «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لقرشي على حبشي إلا بالتقوى»، «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني مناف اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية بنت عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا» حديث صحيح – صحيح الجامع الصغير للسيوطي – تحقيق الألباني.
والدعوة الإسلامية ذاتها تتجه لكل الناس: القوي والضعيف، الغني والفقير السيد والعبد، العربي والعجمي والرومي والحبشي (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28

(3)- التضامن بين الرعية والتعاون على البر والتقوى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2

(4)- الشورى:
وإذا كان النظام الإسلامي في كل تفصيلاته يقود إلى حرية التعبير فإن الشورى تحديدا أكثر التصاقا بتلك المهمة، ذلك أنها تجعل حرية التعبير فريضة على الإمام أن يطلبها من الرعية، وعلى الرعية أن تؤديها إلى الإمام، وإلى غير الإمام، فالنصيحة لله وللرسول وللإمام وللعامة والخاصة على حد سواء، والدين النصيحة كما هو معروف {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159

وهذا يعني أن الشورى فريضة بنص القرآن الكريم، وكذلك في الآية إرشاد إلى الحاكمين بألا يكونوا غليظي القلوب أو مخيفين مرعبين، وذلك حتى تستطيع الرعية أداء النصيحة إليهم بدون خوف، وفي تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" "أن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا لا خلاف فيه {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة233.

والله تعالى هنا يزكي الشورى بين الأزواج حتى في أشد حالات الخلاف، ومن ثم فالشورى سياسة عامة بين الراعي والرعية، وسياسة خاصة بين الإنسان وزوجته، والفرد وأسرته والآخرين والأصدقاء على حد سواء، والأثر الإسلامي يقول "ما خاب من أستشار بل إذا استشارك أحد ولم تحسن له المشورة كنت خائنا للأمانة" كما قرر الشرع الإسلامي وهناك سورة كاملة من القرآن الكريم تسمى الشورى وجاء فيها قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ{37} وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{38} وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ{39}} الشورى، وهذه الآيات تجعل الشورى من صفات المؤمنين وتقرنها بالصلاة وترك الآثام وغيرهما من صفات الإيمان.
وفي إطار المدح فإن الله تعالي ذكر في القرآن في إطار سرده لقصة بلقيس ملكة سبأ أنها {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ }النمل32.

وفي الحديث الشريف:
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لكل من أبي بكر وعمر «لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما» رواه ابن حنبل، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله رواه الترمذي
وقول الرسول الكريم«إذا استشار أحدكم المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه». رواه البخاري وأبن حنبل
وفي الأحداث التي حدثت في حياه الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير الذي يؤكد على وجوب الشورى فقبل معركة بدر عقد الرسول صلى الله عليه وسلم مجلسا استشاريا لتبادل الرأي مع أصحابه، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ثم قال عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمر فقال "يا رسول الله، إمض لما أراك الله، فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسي "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال رسول الله خيرا ودعا له، ولم تقتصر استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر على هؤلاء الصحابة الذين هم من المهاجرين، بل أحب أن يستشير الأنصار أيضا فقال "أشيروا علي أيها الناس"وكان يقصد الأنصار وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ، فقال والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال أجل. قال "فقد آمنا بك فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله.
فسُرّ رسول الله بقول سعد، ثم قال «سيروا وأبشروا،فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، والله فكأني أرى مصارع القوم»(1)
وسار الجيش المسلم إلى بدر، وهناك نزل في مكان معين فاعترض على ذلك الصحابي الحباب بن المنذر، وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم هل هذا المنزل بأمر من الله أم أنه الرأي والمشورة، فأفهمه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه الرأي والمشورة، فأشار الحباب بن المنذر بأن ينزل الجيش المسلم على البئر فيمنع الكفار من الماء ويستفيد به الجيش المسلم وحده، فقَبِل الرسول تلك المشورة وأمر بتنفيذها.(2)
وهكذا فإن الشورى كانت سلوكا نبويا منهجيا، في كل الحالات بل في حالات الحرب والطوارئ.

وفي غزوة أحد، تم عقد مجلس استشاري لتبادل الرأي بين المسلمين وكان من رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يخرج المسلمون من المدينة وأن يتحصنوا بها، وأشار آخرون بالخروج من المدينة وألحوا في ذلك، وتنازل الرسول صلى الله عليه وسلم عن رأيه واستجاب لمشورة هؤلاء،(3) ورغم أن رأيه كان هو الصحيح .

ولم يكن أمر الشورى بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم قاصرا على أمور السياسة والحرب فقط، بل كان يستشير في شؤونه الأسرية أيضا، فقبل أن ينزل الوحي ببراءة السيدة عائشة من حديث الإفك دعا الرسول صلى الله عليه وسلم كل من علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد يستشيرهما في فراق أهله.

وفي طريقة التنبيه إلى وقت الصلاة، استشار الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك فأشار البعض باستخدام البوق وآخرون باستخدام الناقوس، فأشار عليه عبد الله بن زيد "من الأنصار"، وعمر بن الخطاب "من المهاجرين" بالأذان المعروف الآن فأمر رسول الله بلالا به فأذّن، رواه ابن ماجة.

وفي دولة الخلفاء الراشدين كان الأمر على نفس الطريقة، فكل خليفة من الخلفاء الراشدين كانت له مجموعة من كبار الصحابة يستشيرهم ولا يقطع أمرا دونهم، سواء في أمور الحرب والسياسية، أو أمور الاجتهاد في الفقه أو القضايا والمنازعات أو حتى في شؤون الصحة والمرض، فالخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه استشار في أمور كثيرة منها المواريث، والقضاء، وكان دائم السؤال عن الأمور التي تواجهه، فإذا وجد إجابة في كتاب الله أو سنة النبي أخذ بها، وإن لم يجد خرج فسأل المسلمين، أما عمر بن الخطاب فقد استشار في أمور منها تشديد الحد على شارب الخمر، والأخذ بنظام الدواوين. وتطوير جهاز الدولة وإنشاء جيش نظامي، وكذلك في الموقف من الوباء الذي وقع في الشام.
ومن مأثورات عمر بن الخطاب في هذا الصدد "من بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له، ولا بيعة للذي بايعه" رواه البخاري وأبن حنبل.
وكان الصحابة أيضا يفعلون ذلك يروي عياض الأشعري فيقول "شهدت اليرموك، وعلينا خمسة أمراء، فأصبنا أموالا فتشاوروا" رواه ابن حنبل.
________________
(1) صفي الرحمن المبار كفوري – الرحيق المختوم – دار النشر والتوزيع الإسلامية القاهرة – ط 2005
(2) ابن عبد البر – "الدرر في اختصار المغازي والسير – طبعة القاهرة 1966.
(3) صفي الرحمن المبار كفوري – مرجع سبق ذكره.



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 03-05-2015, 10:14 AM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي

العطاء الحضاري للإسلام في الجانب السياسي2/2
د. محمد مورو






الديمقراطية الغربية:
الحضارة الغربية حضارة إغريقية وثنية ذات مسحة أو قشرة مسيحية مزيفة، وهي حضارة تقوم على القهر وال*** والنهب والعنصرية وبديهي أنها تختلف عن الحضارة الإسلامية التي تقوم على التوحيد والعدالة والحرية وعدم العنصرية(1)..... ومن ثم فإن كل ما تفرزه الحضارة الغربية من إفرازات أو نظم سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية سوف يحمل بالضرورة السمات الثابتة لتلك الحضارة وإذا نظرنا إلى إفرازات الحضارة الغربية نجد أنها كلها عنصرية بلا استثناء مثل الفاشية والنازية والشيوعية والاشتراكية والصهيونية والرأسمالية والديمقراطية واللبرالية ..... الخ (2) وكذا فإن كل تلك المنظومات أو الحكومات والدول التي قامت على أساسها سواء أكانت ملكية أمجمهورية، يسارية أم يمينية كلها مارست الاستعمار والنهب والمذابح ..... بل إن ما كان منها يساريا كان أشد قسوة، فأكبر المذابح التي مارستها فرنسا في الجزائر تمت على يد حكوماتها الاشتراكية.

ومن المفيد هنا أن نقرر حقيقة أخرى، أنه ربما تكون هناك مناطق تتشابه فيها بعض المنظومات الغربية مع المنظومات الإسلامية ولكن هذا لا يعني أن هناك تطابقا أو هناك صلة عضوية بين الطرفين(3) فهي على غرار تقاطع دائرتين في قوس ولكن لكل دائرة مركز مختلف وقطر مختلف ومن ثم تنتهيان بمحيط ومساحة مختلفين ، وهكذا فإن هؤلاء الذين يتحدثون عما يسمى باشتراكية الإسلام أو الديمقراطية الإسلامية(4) أو غيرهما يقعون في خطأ منهجي كبير، ونحن نرفض هذا بالطبع، من باب أنه خطأ علمي، ومن باب ضرورة تحرير المصطلح وعدم الوقوع في إرهاب هذا المصطلح، ولأننا ندرك أن هناك خلاف جوهري في المناهج والغابات، وفي الوسائل والأهداف بين المنظومة الإسلامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها من المنظومات.

من البديهي الآن. وبعد خبرات طويلة تراكمت سياسياً وثقافياً أن أحدا في الشرق أو الغرب لم يعد يتحدث عن إمكان وجود حرية في المنظومة الفاشية أو النازية، أو الشيوعية، رغم وجود تنظير فلسفي حول مزاعم وجود تلك الحرية في تلك المشروعات، ولكن النقد النظري والتجربة الحية أطاحت بذلك الآن... لم يعد هناك إذن إدعاء وجود حرية من أي نوع كان إلا في الديمقراطية والليبرالية، ومن ناحيتنا وناحية كل مفكر منصف فهي موجودة في النظام الإسلامي أيضا ، على أننا أمام محاولة لحسم المعركة قبل أن تبدأ بنوع من المغالطة، فالبعض يحاول أن يتحدث عن الحضارة الغربية وكأنها هي وحدها الحضارة، ومن ثم فأما أن تقبل قيم الحضارة الغربية وإما فأنت معادي للحضارة والتقدم وبربري وأحيانا إرهابي، وكذا فإن الحديث نفسه يدور حول أن الديمقراطية تعني الحرية،وهذا غير صحيح بالمرة، نحن نؤمن أن الحضارة الغربية حضارة فاسدة وقيمها فاسدة ولا يمنع هذا أن يكون فيها بعض الإيجابيات ولا يمنع أن تتشابه في بعض دعواتها مع النظام الإسلامي غير أن هذا يشبه اتفاق شجرتين في لون الورق ولكن البذور مختلفة والثمار مختلفة وأشياء أخرى كثيرة مختلفة، ربما كالاختلاف بين شجرتي الزقوم والزيتون. وكذلك لا يمنع وجود أفراد وجماعات داخل المجتمع الغربي ربما تكون أكثرية أو أقلية تتصف بالاتصاف والعدل. ولكن هذا شذوذا يؤكد القاعدة، وهم أنفسهم يرفضون بشكل ما المنظومة الغربية والمهم أنهم ليسوا أصحاب القرار، الغربي، أو ما يسمى الظاهرة في مجراها الرئيسي كلها تقود إلى العنصرية والقهر وال***، فدعم الصهيونية مثلا مستمر منذ قرن على الأقل بعد وقبل إنشاء إسرائيل برغم ممارساتها العلنية اليومية وكلها قمع هائل للإنسان الفلسطيني والعربي، وكذا العدوان على العراق وأفغانستان...الخ.

إن استخدام مصطلح الديمقراطية الإسلامية خطأ علمي وسياسي أيضا وهو نوع من الاستلاب الحضاري، ونحن نري أنه لا حرية إلا في الإسلام لأنه فطرة الله الناس عليها وبديهي أن الله يصنع للإنسان ما يصلحه لأنه الذي خلقة ويعلمه حقيقته وما يصلحه وما يفسده "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير"وأن الديمقراطية لم ولن تحقق الحرية، ربما تكون أفضل أو أسواً من الشيوعية أو الفاشية أو النازية ولكنها في النهاية تظل إفرازا غريبا يحمل نفس مساوئ الأرضية الحضارية التي أفرزتها، الحضارة الغربية في صورتها الديمقراطية أو تحت حكومات ديمقراطية مارست الاستعمار، وهو نوع من قهر حرية الآخرين، ومن ثم فهي ديمقراطية مزيفة، وهي نفسها التي مارست نهب المستعمرات ومن ثم فهي ديمقراطية ناهبه، وهي نفسها التي أنشأت إسرائيل وسلحتها ومولتها وإسرائيل تمارس الديكتاتورية والقهر على مدار اليوم والساعة منذ أكثر من ستين عاما ومن ثم فهي ديمقراطية عنصرية وأصولية، لأنها تدعم دولة يقوم قانون ال***ية فيها على أساس الدين اليهودي، فكل يهودي متي وطأت قدمه أرض إسرائيل فهو يحصل على ال***ية فورا، وهي ديمقراطية مارست إبادة الهنود الحمر في الأمريكتين، والأبورجيين في أستراليا "بعشرات الملايين"فهي ديمقراطية عنصرية بامتياز وهي فوق هذا وذاك مستمرة في تلك الأمور منذ أكثر من قرنين على الأقل ولم ولن تكف عن ذلك لأنها سمة أصلية في تلك الحضارة، آخرها "العدوان على العراق وأفغانستان".

الديمقراطية مشتقة من كلمة يونانية (5)، ومن ثم فإن تعريبها صعب شديد الصعوبة، لأنها تعبر عن سياق اجتماعي وحضارة معينة مختلفة عن السياق الحضاري العربي، وفي الحقيقة فإن تلك الصعوبة تظهر في شيوع مجموعة من الأخطاء العلمية، فالذي يقومون بتطبيق قواعد علم الاجتماع الغربي الذي ظهر في سياق حضاري وثقافي واجتماعي معين على ظواهر عربية وإسلامية نشأت في سياق اجتماعي آخر يقعون في أخطار فادحة، فالأصولية مثلا، والدين والدولة وغيرها من المصطلحات تعني هناك غير ما تعني في المشروع الإسلامي تماما، ويجب التعامل مع أي ظاهرة بقواعد علم الاجتماع الذي ينبع من نفس الأرضية الحضارية، ولا يعني هذا أن علم الاجتماع العربي أو الإسلامي أفضل من علم الاجتماع الغربي، ولكن من العلمية والموضوعية استخدام كل علم فيما يصلح له من ظواهر ليقوم بتفسيرها وهذا معروف في العلوم الطبيعية ذاتها، فقانون نيوتن مثلا يصلح لتفسير الحركة في السر عات العادية، إما السر عات التي تصل إلى سرعة الضوء مثلا فلا يصلح معها قوانين نيوتن، بل قانون النسبية لأينشتين مثلا ...... المهم أن الديمقراطية نظام يوناني أخذته أوروبا في إطار بعث الثقافة الإغريقية والرومانية في بداية عصر النهضة، نظام الديمقراطية اليوناني نشأ في القرن الثامن قبل الميلاد على يد ليكرغ، وكان يقوم على انتخاب عدد من الزعماء عن طريق وضع الناس في مكان معين، ويوضع عدد من المراقبين في مكان قريب بحيث يسمعون الصوت ولا يرون المنظر، ثم يتقدم المرشحون واحدا واحدا، فكلما تقدم واحد منهم سجل المراقبون نصيبه من جلبة الأصوات الخارجية، ولعل هذا نفسه ما تطور في نظام التصويت فيما بعد ... ونلاحظ هنا أن الذين كان يسمح لهم بالتصويت هم الناس الذين يملكون سلاحا، ثم بعد ذلك من كان له نصاب مالي معين، مع حرمان الآخرين من التصويت، وفي روما القديمة كان يتم التصويت بواسطة الوجهاء فقط مالا أو سلاحا أما السكان غير الرومان عموما فلا حقوق سياسية لهم، أي أنها ديمقراطية عنصرية في أصلها، وحتى بعد أن أخذت أوروبا هذا النظام فإن الجوهر لم يتغير كثيرا، فالعمال في إنجلترا لم يأخذوا حق الانتخاب ألا في سنة 1867، وذلك لأنهم أصبحوا قوة لازمة للدولة في المصانع، ولم يحصل عمال الريف على هذا الحق ألا بعد 18 سنة من هذا التاريخ، والمرأة الإنجليزية لم تحصل على حق التصويت ألا بعد الحرب العالمية الأولي لأنها اشتغلت بأعمال المصانع أثناء غياب الجند في ميادين القتال.

ويلاحظ الأستاذ العقاد أن الحكومة الديمقراطية نشأت بين الاسبرطيين أصحاب النظم والإجراءات الإدارية ولم تنشأ بين الأثينيين أصحاب الفلسفات والبحوث النظرية، ويعلق الأستاذ عباس محمود العقاد على ذلك بقولة "فمن الواضح أن الديمقراطية قديمها وحديثها لم تقم على الحق الإنساني المعترف به لكل إنسان وأنها كانت إلى الضرورة العملية أقرب منها إلى المبادئ الفكرية والأصول الخلقية.
وهكذا فإن هناك فارق جوهري بين الحرية في المنظومة الإسلامية، القائمة على الحق الذي أعطاه الله للإنسان، وعلى وجوب ذلك في كل الظروف وليس استجابة لظروف وتوازنات.

الحرية في الإسلام غير الحرية في الديمقراطية، فالحرية بغير إيمان هي حركة آلية حيوانية أقرب إلى الفوضى والهياج فيها إلى الجهد الصالح ولأن الحرية في الديمقراطية لا تستند إلى قواعد أخلاقية إنسانية أو ذات طابع إيماني ديني، فإنها لا تحرم مثلا لعب القمار أو شرب الخمر أو الزنا أو الشذوذ، بل تعتبر هذه حريات شخصية وبديهي أن فيها من الفساد والإفساد وضياع الوقت والجهد، وغيبوبة العقل ماله أثر سلبي على المجتمع واستقراره ورخائه، ربما تؤدي إلى انهياره في النهاية.

يقوم النظام الديمقراطي، كما يقدم له فلاسفته على الإيمان بالفرد أيمانا لا حد له، وأنه إذا تركت له الحرية الكاملة، فأنه ينحو بصورة طبيعية إلى مصلحة المجتمع .... وبديهي أن هذا كلام نظري غير صحيح وهو أقرب إلى الميتافيزيقا التي يدعي فلاسفة النظام ذاته أنهم يرفضونها، إنه ينطلق من فكرة مسبقة هي فكرة أن الإنسان سيتصرف بصورة صحيحة دائما، وأنه مجبول على ذلك، وبديهي أن التجارب البشرية لا تقول بهذا، فالإنسان فيه خير وشر، وهو يختار الخير والشر، وبديهي أن البعض يختار الخير والآخر يختار الشر، والفرد نفسه لا يكون خيرا بالكامل أو شريرا بالكامل
{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا{7} فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا{8} قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا{9} وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا{10}} الشمس.

وبديهي أيضا أن وضع عقوبات على السلوك ليس وحده كافيا لمنع تجاوز الإنسان، والذي يحدث عادة أن الأفراد لا يتصرفون بطريقة صحيحة، ومن ثم فإن المحصلة حدوث تفاوت طبقي رهيب، بل واستغلال الأغنياء أموالهم للاستبداد بالفقراء، والأقوياء بالضعفاء، ويصبح المجتمع جحيما كما حدث في التجربة الليبرالية الغربية، بل هذه المجتمعات ذاتها تذهب لتنهب الآخرين "الاستعمار" والمحصلة ضياع الحرية الحقيقية على مستوي الأفراد وعلى مستوى الدول بعضها ببعض بل القارات بعضها ببعض، وقد لجأت الكثير من تلك الدول إلي وضع ضوابط كثيرة ألغت بها مفهوم الحرية المطلقة للفرد، وأعطت الحكومات كثيراً من السلطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومن ثم نسفت الأساس النظري للديمقراطية والليبرالية ..... وبديهي أن نظام الحرية في الإسلام ينطلق من أنها حق أعطاه الله للإنسان، وأن هذه الحرية لا تحقق بإطلاق حرية الفرد وفق ضوابط سياسية وأخلاقية معينة ومن ثن فإن التجربة الإنسانية أثبتت حتى الآن أن المفهوم النظري والتطبيقي للحرية في الإسلام هي الوحيدة الصالحة حتى الآن.

فالنظام الليبرالي إذن يقوم على الحريات الأربع، وهي الحرية السياسية، والحرية الاقتصادية، والحرية الفكرية، والحرية الشخصية، وهذه الحريات ثبت في الواقع التطبيقي الأوروبي ذاته أنها مجرد أوهام، فالحرية السياسية يتم مصادرتها على طريق الأعلام والتوجيه والضغط على الناخبين، وشراء الأصوات والخداع ، وفي المحصلة فإن المجمع الصناعي العسكري في الدول الديمقراطية هو الذي يوجه السياسية ويحقق ما يريد في النهاية من فوز هذا أو ذاك من الأفراد أو الأحزاب في الانتخابات، ويعترف كبار منظري العلمانية والليبرالية والمؤمنين بالحضارة الغربية بذلك، فالدكتور فؤاد زكريا يقول في كتابه (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل): "إن النظام الديمقراطي مبني أساساً على قيم فردية على الرغم من المظهر البراق الذي يتخذه هذا النظام حين يؤكد أنه المدافع عن الحرية الفردية، وحقوق التعبير والكلام إلى آخر هذه الحريات الليبرالية المعروفة التي يتخذها الموافقون علي هذا النظام محورا لدعايتهم، وعلى الرغم من هذا كله فإن الحرية التي يدافع عنها هذا النظام هي في واقع الأمر حرية استغلال للضعيف، وكل ما عدا ذلك من حريات تظل ذات طابع شكلي"(6).

والحرية الاقتصادية تؤدي في النهاية إلى وجود تفاوت طبقي رهيب وتؤدي إلى شقاء الفقراء وزيادة اكتناز الثروة ،وأن ذلك يستمر بمتوالية هندسية، والمحصلة النهائية هو أن يصبح نسبة قليلة من سكان العالم في رخاء 20% يحتكرون 80% من الثروة في حين أن هناك آلاف الملايين من البشر تحت خط الفقر، وهذه النسبة مرشحة للأتساع طبعا، بل وحتى داخل مجتمعات ال20% تلك هناك نسبة 10% تسيطر على 90% من الثروة، وباستمرار المتوالية ستصبح الثروة في الدنيا عموما ، وفي كل بلد خصوصا مملوكة ل 1% والباقي فقراء، وبديهي أن ذلك أدي إلى الاستعمار أولا، ثم أدي إلى الشقاء الاجتماعي ثانياً، ويمكن أن يؤدي إلى انفجارات هائلة اجتماعية، بل وبيئية لأن الحرية الاقتصادية والتنافس تؤدي إلى استنزاف البيئة، والإنتاج علي حساب التوازن البيولوجي والمناخي ومن ثم حدوث كوارث من التلوث وغيرها والحرية الشخصية تؤدي إلى انتشار الدعارة والشذوذ والخمر والميسر، وكلها أمور تقود إلى تفكك المجتمعات وهكذا فإن الديمقراطية فاسدة في أصلها النظري، وفاسدة في تطبيقاتها الواقعية على حد سواء.

العولمة:
بعد سقوط الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية، ظهرت أفكار من أمثال نهاية التاريخ، والانتصار النهائي للديمقراطية والرأسمالية، وبدأ نشر فكرة تقول أن النظام الصحيح، وأن الحضارة هي الديمقراطية والرأسمالية، وأنه يجب عدم الاعتراف بالحدود القومية والوطنية وإلغاء كل القيود الجمركية، واعتبار العالم قرية صغيرة وأن يصبح الإنتاج ذو طابع عالمي، وبعيدا عن الشعارات فإن المطلوب هو تحويل العالم إلى حلبة مصارعة بين قزم اقتصادي وعسكري وعملاق اقتصادي وعسكري وأن النتيجة معروفة سلفًا وهي جعل النهب والظلم والاستعمار أمرًا مشروعًا ومعترفًا به عالميًا.

والغريب هنا أن الدعوة إلى حرية المرور والتجارة وإلغاء الحواجز الجمركية واعتبار العالم قرية صغيرة اقتصرت على حرية رأسمال والبضائع فقط، في حين أن المفروض طالما أن العالم أصبح واحد ولا داعي للحديث عن السيادة الوطنية أن يفتح الباب أمام مرور الإنسان من هذا البلد إلى ذاك، ولكن الذي حدث مزيد من القيود على هجرة الإنسان وتنقله، بل ورصد ميزانيات وعمل شرطة وجيوش لمنع ما يسمى بالهجرة غير الشرعية، وكأن الإنسان في هذا النظام العالمي الجديد أقل قيمة من السلع المسموح بمرورها دون قيد أو شرط.

تزامن مع ذلك ظهور ما يسمى في بلادنا بالليبراليين الجدد (7) وهم من بقايا الماركسيين السابقين، أو المطبعين مع الكيان الصهيوني، وهم لا علاقة موضوعية بينهم وبين الليبرالية، فهم يفتقدون لأبسط قواعد الليبرالية وهي الاعتراف بالأخر فهم يرون حرمان الاتجاه الإسلامي من حق العمل العلني والقانوني، ويدعون إلى إلغاء فكرة السيادة الوطنية – مع أن الليبرالية ارتبطت في أوروبا بفكرة السيادة الوطنية وظهور الدول القومية – ويدعون إلى نبذ فكرة الانتماء الديني والقومي والوطني ومن ثم التعايش مع الإسرائيليين والتعامل معهم، وهؤلاء مجرد طابور خامس تستخدمه الولايات المتحدة للضغط على الحكومات وعلى كل حال فإن التبشير بالديمقراطية المزعومة الذي قامت به الولايات المتحدة – رغم إدراكنا منذ البداية أنه نوع من الكذب لا أكثر ولا أقل – إلا أن الولايات المتحدة ذاتها اتجهت في النهاية إلى تسوية الأمور مع أنظمة الحكم التي كانت تطالبها بالديمقراطية، وباعت من ثم ما يسمى بالليبراليين الجدد في سوق السياسة بثمن بخس.
________________
(1) المواجهة بين الإسلام والغرب. د/ محمد مورو – الدار المصرية للنشر والتوزيع – القاهرة – 1993م.
(2) ليس هنا محل تقصي مظاهر العنصرية في تلك الإفرازات في هذا البحث، وذلك موضوع طويل يمكن تتبعه في مصادر أخرى للمؤلف نفسه أو لغيره.
(3) الإسلام بين الشرق والغرب – علي عزت بيجوفيتش – ترجمة محمد يوسف عدس – مؤسسة بافاريا – 1997م.
(4) الأستاذ/ محمود عباس العقاد – وهو مفكر كبير جدًا ومدافع عن الإسلام دفاعًا مجيدًا، وقع في هذا الخطأ واستخدم مصطلح ديمقراطية الإسلام في أكثر من كتاب، بل إن له كتابًا بعنوان "الديمقراطية في الإسلام" صدر في طبعات كثيرة آخرها عن دار نهضة مصر – القاهرة 2005م.
(5) هي كلمة ديموس.
(6) الصحوة الإسلامية في ميزان العقل – د/ فؤاد زكريا – دار الثقافة الجديدة – القاهرة 1990م.
(7) مجلة البيان – العدد 219 – ذو القعدة 1426ﻫ - ديسمبر 2005م.
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 08:55 AM.