|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
||||
|
||||
![]() حول ذكرى مولد النبي الشيخ محمود شلتوت في شهر ربيع الأول من كل عام يقيم المسلمون حفلات الذكرى لميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فينصبون السرادقات، ويرفعون الإعلام، ويلقون الخطب، ويذيعون الأحاديث، ويكتبون الفصول، يشرحون للناس فيما يخطبون ويذيعون ويكتبون سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أو ناحية من نواحي سيرته، ويذكرون تشريعه وأحكامه، وطريقته في التأديب، وإنهاض النفوس وتهذيب الأخلاق. يذكرون أطواره التي مر بها في حياته قبل البعثة وهو طفل رضيع في صحراء بني سعد، وهو غلام يرعى الغنم بمكة، وهو شاب قوي جلد يتجر ويسافر، ويحضر حرب الفجار وحلف الفضول. ثم يذكرون دعوته وكيف بدأت سرية ثم كانت جهرية. ويذكرون ما ناله من أذى قومه، واضطهادهم له، وتضييقهم عليه حتى أخرجوه من دياره وأمواله إلى المدينة، فكانت الهجرة، وكانت الحروب، وكان التشريع والأحكام إلى أن نزل قوله تعالى بعد ثلاث وعشرين سنة من مبعثه: ﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِيناً ﴾ [المائدة: 3]. يحتفلون على هذا النحو في يوم أو أيام، ويقولون: إنها ذكرى، ﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[الذاريات: 55]، ولقد كان المسلمون في عصورهم الأولى لا يعرفون احتفالاً خاصاً يقام في مثل هذه الأيام بقصد إحياء ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم كانوا يرون أن عظمته ليست من *** هذه العظمات التي يألفها الناس في أفذاذهم ورجالهم، والتي يخلعها الزمن على بعض الناس في بعض نواحي الحياة. لم تكن عظمته صلى الله عليه وسلم من *** هذه العظمات المحدودة في نوعها، والمحدودة في أمدها. لم تكن من *** هذه العظمات التي يخشى عليها من الضياع والتلاشي في بطون الأزمان والأيام؛ فيحتاج بقاؤها في أذهان الناس إلى مذكر. كانوا يعرفون أن عظمته صلى الله عليه وسلم ليست من *** هذه العظمات، وإنما هي العظمة الخالدة التي ينبغي أن تكون دائماً قارّة في النفوس، ماثلة في القلوب، ممتزجة بالدماء، مؤاخية للعقيدة. لذلك كانت هذه العظمة المحمدية ظاهرة في قولهم إذا نطقوا، في حركتهم إذا تحركوا، في سكونهم إذا سكنوا، في جميع شئونهم الفردية والاجتماعية، السرية والعلنية، الدنيوية والأخروية، فهي عظمة قد رسمت لهم باطن الحياة وظاهرها، وحدودها ودوائرها، لم تقف عند ناحية من نواحي الحياة، بل لم تفق عند حدود هذه الحياة الفانية، فشملت جميع نواحي الحياة وامتدت إلى الحياة الآخرة فكشفت لهم عن حجب غيبها، وصورت لهم ما يكون للمحسن فيها من نعيم، وما يكون للمسيء فيها من شقاء. لم تكن عظمته عندهم بانتصار في معركة، ولا برأي في علم، ولا باختراع في صلاح، ولا بنظرية في أرض ولا سماء، وإنما كانت عظمة عامة وشاملة، ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [الإسراء: 9- 10]. بهذا آمَن المسلمون في عصورهم الأولى يوم كان الإيمان قوياً في النفوس، تشتعل جذوته فتلتهب الجوارح، وتُبذل الأنفس، ويضحى بالأرواح في ترسّم خُطى تلك العظمة والجد في معرفتها، ونشرها على العالم مهذبة نقية حتى تحيا بها النفوس وتطمئن إليها القلوب، وبذلك كانت جميع أيامهم وجميع أوقاتهم ذكرى عملية لهذه العظمة، ذكرى عملية يتمثلون فيها مبادئه وأحكامه وإرشاداته الحكيمة ويسيرون على نهجها، فكانت حالتهم مثالاً صادقاً ومرآة صافية تُرى منها عظمة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن الأمر بحاجة إلى مذكر بعظمة هم فيها سابحون، وبنورها مهتدون. كانوا يرون النبي صلى الله عليه وسلم أعظم قدراً وأجل شأناً من أن يكرَّم كما يكرَّم آحاد الناس بخطبة تلقى أو حديث يذاع، أو فصل يكتب. كرمه الله وليس بعد تكريم الله تكريم، وخلد اسمه في كتابه الخالد، فذكر اسمه الصريح، وذكره بوصف الرسالة مبعث العظمة، وذكره بوصف العبودية لله الواحد، وذكره بعظمة خُلقه، وذكره برحمته للمؤمنين، وبرحمته للناس أجمعين، وذكره بأنه المزكي للنفوس، والمعلم للكتاب والحكمة. ذكره بكل هذا كما ذكره بالتبشير والإنذار، وبأنه شهيد على أمته، وبأنه صاحب المقام المحمود، وجعل محبته من محبته، وطاعته من طاعته، وذكره في كتابه الخالد بهذا وبغيره من أوصاف التكريم بل من الأوصاف التي طبعه عليها وصاغه بها؛ بياناً لحقيقته، ورسماً لوظيفته. لم يقف التكريم الإلهي لمحمد صلى الله عليه وسلم عند هذا الحد، بل جعل له ذكراً في الأولين إذ كتبه في التوراة والإنجيل، وبشر به على لسان عيسى بن مريم، وجعل له ذكراً في الآخرين إذ قرن بينه و بين اسمه الكريم في كلمه التوحيد التي بها يكون المرء مسلماً، والتي هي الحد الفاصل بين الإيمان والكفر، وإذ جعل المناداة باسمه جزءاً من الأذان الذي يكرر في كل يوم خمس مرات بصوت مسموع؛ إيذاناً بالصلوات المفروضة، وجمعاً للمسلمين على عبادة الله، وفي التشهد كلما صلى مسلم فرضاً أو نقلاً. فكم إذاً من ملايين تفتر شفاهم، وتنطق ألسنتهم بذكر محمد صلى الله عليه وسلم في كل يوم و ليلة كلما أذن مؤذن أو أجاب مجيب، أو صلى مصلٍّ أو آمن مؤمن، أو تلا قارئ أو حدّث محدث. لم يكن بعد هذا كله ما يُلتمس أن يكون لمحمد صلى الله عليه وسلم، ومتى كانت هذه العظمة تنسى حتى تُذكر؟! ومتى كان هذا التكريم يخفى حتى يظهر؟! تلك روح خص الله بها نبيه ومصطفاه، لم تكن لتخفى على قلب يؤمن بالله وبرسوله الله. آمن الأولون بهذا كله، آمنوا بأن تمجيد رسولهم وتكريمه إنما يكون عن طريق اتباعه وإحياء سنته والتحلي بأخلاقه، وإقامة شرعه ودينه. آمنوا بهذا واعلموا أن الإيمان الحق يثمر المحبة الصادقة؟ وللمحبة الصادقة حقوق وعليها تبعات، فمن حقوقها: المتابعة لمن تحب، والرضا بما يرضيه، والغضب لما يغضبه. ومن تبعاتها تحمل المشاق والتضحية بالنفس في سبيل رضا المحبوب. ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 31]، ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾ [التوبة: 24]، ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه ممن سواهما)). ظل المسلمون كذلك حتى ضعفوا واستكانوا، فانطفأ نور تلك العظمة من قلوبهم، وأقفرت بصائرهم من أسرارها، ولم يبق لهم منها إلا صور مرسومة بحروف في الصحف والكتب يرجعون إليها كلما عاودتهم ذكرى تلك العظمة، وكلما تذكروها في شهر ربيع. طال عليهم الأمد فقست قلوبهم، وأعرضوا عن تعاليم تلك العظمة، وصاروا لا يذكرونها إلا إذا ذكروا ميلاد صاحبها، فوضعوها في مستوى العظمات الأخرى التي يألفها الناس في أفذاذهم، وجاروا الناس في تكريم عظمائهم بأساليبهم: بالأناشيد، والأزجال، والأنغام، وبالصور والزينات، وبالخطب والإذاعات، وتفننوا في المحاكاة حتى صاغوا عظمة محمد في أسلوب روائي قصصي، وقالوا: تلك قصة المولد الشريف. وما كان لعظمة محمد صلى الله عليه وسلم أن تكون قصة وهي الحقيقة الخالدة، وما كان لها أن تنسى وهي التهذيب الإنساني الدائم. ولكن هكذا ابتدع المسلمون هذا الأسلوب من التكريم، وصار لهم ليالٍ معدودة كليالي شم النسيم وليالي عيد الفصح ووفاء النيل. وهكذا ابتدع هذا الأسلوب كأثر من آثار الضعف حينما ابتلي المسلمون بالقول دون العمل، وحينما انقطعت الصلة العملية بين المسلمين وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم. ابتدع هذا الأسلوب من التكريم بعد أن لم يكن، فهل بحث الناس عن سبب ابتداعه؟ وهل تساءلوا عن السر في أنه لم يكن ثم كان؟ هل انصرفوا إلى هذا الجانب الذي كان يرجى أن يعرفوا منه أسباب ضعفهم؟ كلا؛ ولكنهم انصرفوا إلى البحث في كونه بدعة أو ليس بدعة؟ وإذا كانت بدعة فهل هي بدعة حسنة أو بدعة غير حسنة؟ وهكذا اختلفت بهم المذاهب، وتعددت الآراء، وظلوا إلى يومنا هذا بين محبِّذ ومنكر؛ شأنهم في كل شيء تناولوه بروح الجدل الذي صرفهم عن العمل، وما ابتليت أمة في حياتها بشر من كثرة القول وقلة العمل، وقد ابتلى الله المسلمين بالجدل في كل شيء فصرفهم عن العمل بمقدار ما جادلوا، جادلوا في العقائد، وجادلوا في الأحكام، وجادلوا فيما ليس من العقائد ولا من الأحكام، وجادلوا في كلماتهم وألفاظهم، وجادلوا حتى في القواعد التي وضعوها للجدل!! وهكذا صار الجدل شغلهم الشاغل، فتلهوا به عن فهم الإسلام، وعظمة الإسلام وسرد دعوة الإسلام، تلهوا به عن فهم كلام الله، وعن إدراك مقومات الحياة التي لا تستطيع أمة أن ترفع رأسها إلا بها، واكتفوا بذكر محمد صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع، وأنه على خلق عظيم وأن شريعته صالحة لكل زمان ومكان، فانخفضت رؤوسهم، والتوت أعناقهم، وضعف سلطانهم، وتفرق شملهم، وتناثرت عزتهم، وشغلوا بالقول ونسوا دينهم، ومنبع عظمة نبيهم أساسه العمل، ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ﴾ [التوبة: 105]. أيها السادة: لا نعلم في القرآن ولا في تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم آية واحدة أو حديثاً واحداً يجعل سبيل السعادة مجرد القول، بل نراهما يُنيطان النجاح دائماً بالعمل، وينعيان على القوّالين الذين يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الصف: 2-3 ]. نعم قد نجد القول في شيء من الآيات والأحاديث ولكن مقروناً بطلب العمل، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ [فصلت: 30]، ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ [الزمر: 18]، ((قل: آمنت بالله، ثم استقم)). وهكذا كان صاحب الرسالة صلوات الله عليه فعالاً لا قوالاً، كان فعله أكثر من قوله، ذلك أن القول إذا لم يتبعه العمل كان الإيمان بالقائل ضعيفاً، وربما عُدَّ القائل الذي لا يعمل منافقاً أو مخادعاً، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴾ [البقرة: 8 - 9]. ولقد كثر في أيامنا الدعاة إلى الخير وإلى الفضيلة وإلى الإصلاح وإلى الإنقاذ ولم تتجاوز دعواتهم حناجرهم، فعادت عليهم بالخسران والوبال، وسيخرجهم الزمن طوعاً أو كرهاً من صفوف المصلحين، وسيعلم الناس أنهم فيما يدعون كاذبون، وأنهم فيما يقولون مخادعون، وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. كان النبي صلى الله عليه وسلم معلماً بالعمل لا بالقول، وكان داعياً للفضيلة بالفضيلة تفيض من نفسه، وكان قدوة في أعماله، وأسوة بأفعاله، يتوضأ ويقول لأصحابه: ((هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي)) لم يشرح لهم فرضاً ولا سنة ولا مستحباً، كان يصلي ويقول لأصحابه: ((صلوا كما رأيتموني أصلي»، كان يحج ويقول: ((خذوا عني مناسككم))، لذلك كان عظيماً، وعظيماً فوق العظماء. ولنذكر لكم بعض المثل العملية في ناحيتين من نواحي تلك العظمة العملية، ناحية تربيته للنفوس على الفضائل، وناحية إصلاحه للمجتمع إصلاحاً منظماً ثابتَ الأركان، مدعّم الجوانب. 1- طريقة الرسول في التهذيب: يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164]. ولنقف في هذه الآية عند قوله تعالى: {وَيُزَكِّيهِمْ}. التزكية تطهير النفوس، وتقويم الأخلاق. ولذلك طريقان: أحدهما: شرح للأخلاق الطيبة من مزايا وآثار تعود على المرء وعلى المجتمع بالخير والسعادة، وهي الطريقة الوحيدة التي يعتمد عليها دعاة الإسلام ورؤساؤه اليوم. والثاني: ضرب المثل العملية في هذه الأخلاق الفاضلة، ليرى الناس آثارها بأعينهم، وتنفعل بها نفوسهم فيتسابقون إلى التحلي بها، والانتفاع بآثارها. وهذا الطريق الحكيم هو الذي سلكه محمد صلى الله عليه وسلم في تزكية النفوس، وتقويم الأخلاق، وكان قليلاً ما يكتفي بالطريق الأول. 1- كان يدعو إلى الرحمة، ويضرب المثل العملية في جميع تصرفاته، وليس أدل على هذا من موقفه من قومه، وقد كادوا ما كادوا، فجاءه جبريل يقول له: إن الله قد علم ما رد به قومك عليك، وقد أمر ملك الجبال أن يصنع ما شئت بهم، فناداه ملك الجبال: مرني يا محمد بما شئت؛ إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين فعلت. فماذا كان جوابه؟ ماذا كان جوابه وقد أتته القوة التي لا تبقي ولا تذر؟ ماذا كان جوابه وقد مُكِّن له من الذين نكلوا به وبأصحابه وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم؟ كان جوابه: لا. بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله! وجاءه عمر بن الخطاب بعد غزوة أحد وقال له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد دعا نوح على قومه فقال: ﴿ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً ﴾ [نوح: 26]، ولو دعوت علينا بمثلها لهلكنا عن آخرنا، فلقد وُطِئَ ظهرك، وأُدمي وجهك، وكسرت رَباعيتك، فأبيت أن تقول إلا خيراً، فقلت: ((اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)). لذلك يقول الله عز وجل: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]، ويقول: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، ﴿ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: من 128]. 2- كان يعلمهم العفو عند المقدرة: تجلى ذلك منه عملياً يوم الفتح، يوم أن دخل مكة ظافراً منتصراً يكاد رأسه يمس سرج فرسه من الخضوع، يوم أن دخلها في خضوع المؤمنين لا في صلف الجبارين و المتعنتين، وقد اجتمع حوله أقطاب قريش وصناديدهم ينظرون ما هو فاعل بهم، تصطك مفاصلهم، وترتجف قلوبهم من هول ما ينظرون؛ جرياً على عادة الفاتحين المتغلبين. يومئذ قال لهم: ((يا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء)). وقد قصده غورث بن الحارث ليفتك به وهو نائم في حر الظهيرة تحت شجرة بعيداً عن أصحابه وهم جميعاً نائمون، فأحس صلى الله عليه وسلم بحركة فانتبه فإذا رجل قائم على رأسه والسيف مصلت في يده قائلاً: ((ما يمنعك مني يا محمد؟ فقال: الله يمنعني منك ويعصمني. فسقط السيف من يد الرجل، فتناوله النبي صلى الله عليه وسلم وقال للرجل: ما يمنعك مني يا أخا العرب؟! فقال حلمُك وعفوك. فتركه النبي وعفا عنه. فرجع الرجل إلى قومه مسلماً يقول لهم: جئتكم من عند خير الناس)). وجاءه رجل لم يسلم وكان له دَين عليه: جاءه يتقاضاه دَينه، فجذب ثوبه عن منكبيه، وأخذ بمجامع ثيابه وأغلظ، ثم قال: ((إنكم يا بني عبد المطلب مُطْل، فانتهره عمر وشدد له في القول، والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا وهو كنا إلى غير هذا منك أحوج يا عمر، تأمرني بحسن القضاء، وتأمره بحسن التقاضي))، ثم قال: ((لقد بقي من أجله ثلاث، وأمر عمر بأن يقضيه ماله، ويزيده عشرين صاعاً؛ لما روعه))، فكان سبب إسلامه. ولقد كان رسول الله عليه وسلم شجاعاً كأتمّ ما تكون الشجاعة، لم يكن شجاعاً بالقول فقط، وإنما كان شجاعاً بالفعل، وفي ذلك يقول علي رضي الله عنه: ((لقد كنا إذا حمى البأس، واحمرت الحدق؛ اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه. ولقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذ بأساً))، وكان الشجاع هو الذي يقرب منه صلى الله عليه وسلم إذا دنا العدو؛ لقربه منه. وليس يعرف التاريخ قائداً بطلاً كمحمد صلى الله عليه وسلم، فرّ أصحابه من موقفهم يوم أحد متلهين بالغنائم، مخالفين عن أمره: ألا يبرحوا الشعب ولو رأوه وأصحابه يُ***ون، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي بنفسه عن قوسه حتى اندقت سِيَتُها، وأحاط به نفر من المسلمين يدفعون عنه ويحمونه، وترّس أبو دجانة بنفسه دون رسول الله، فنحى ظهره والنبل يقع فيه. ووقف سعد بن وقاص إلى جانبه يرمي بالنيل دونه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناوله النيل ويقول له: ارْم فداك أبي وأمي. وأصيب النبي صلى الله عليه وسلم فوقع لشقّه، وكسرت رباعيته، وشج وجهه، وكُلمت شفته، ودخلت حلقتان من المغفر - الذي يستر به وجهه - وفي وجنتيه، ولكنه مع هذا تمالك نفسه وأخذ ينادي المسلمين: ((إلي عباد الله.. إلي عباد الله))، فإذا به يقع في حفرة حفرها المشركون ليقع فيها المسلمون، فيأخذ علي بيده، ويرفعه طلحة بن عبيد الله حتى يستوي. موقف من مواقف البطولة لا يعهد لقائد غير رسول الله، وفي هذا الموقف العلمي يقول الله في كتابه العزيز: ﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ * إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آل عمران: 152- 153]. ولقد كان محمد صلى الله عليه وسلم يشترك مع أصحابه فيما يفعلون من شئون الحرب كأنه جندي من جنوده، وكان يحمل التراب في غزوة الخندق على كاهله، وهو يعلم أن فيهم من يكفيه ذلك راضياً مسروراً، ولكنه يضرب لهم الأمثال بما يفعل، ويثير في قلوبهم حماسة الإيمان. 3- إصلاحه لنواحي المجتمع: كان له صلى الله عليه وسلم طرق عملية في تأديب الذين ينحرفون عن واجب الإيمان، وسبيل المؤمنين المخلصين، فقد تخلف بعض أصحابه عن الخروج إلى غزوة من الغزوات، ولم يقدموا عذراً يشفع لهم في هذا التخلف، ولما رجع الرسول وصحبه إلى المدينة جاءه أولئك المتخلفون وصدقوه الحديث، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم مقاطعتهم حتى عن رد السلام وإلقائه، وفي هذا التأديب الذي أقره الله عليه يقول الله تعالى: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ [التوبة: 117- 119]. هكذا كان تأديب النبي لأصحابه وتربيته لأخلاقهم. كان الإصلاح الإلهي للأمم أنجع الأدوية يقدرها الحكيم العليم الخبير بناء على علمه بحالة المريض وبما تحتمله صحته وجسمه. وقد وزع الإصلاح على الرسل كما وزعت الرسل على الأمم، فلما كمل استعداد الإنسانية لتلقي جميع أنواع الإصلاح أرسل خاتم الأنبياء إلى جميع العالم، مذكراً بما مضى من إصلاح إخوانه المرسلين، متماً لرسالة الله معمماً الناس أجمعين، فجاءت رسالته إصلاحاً عاماً شاملاً، ولم يترك سبيلاً للسعادة إلا شرعه، ودعا إليه، ولا آخر للشقاء إلا منعه ونفر منه، ولم يعرف العالم هذا الإصلاح الشامل العام قبل رسالة محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. 1- أصلح العقيدة، وكانت من قبل بين الإفراط، كانت بين عقل ينكر الله، ولا يعترف بوجوده، ويقول: ﴿ مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ﴾ [الجاثـية: 24]، وبين داع يدعو مع الله إلهاً آخر، ويشرك به ما لا ينفعه ولا يضره فجاء بالعقيدة القويمة: أنباهم بأن ربهم واحد، وأنه هو القادر العليم الحكيم المستحق وحده للعبادة، وأن تتوجه القلوب إليه، فكرم بذلك الإنسان، وأزال وصمة الشرك والعبودية لغير الله. ثم أمد هذه العقيدة بمدد دائم روحي لا ينقطع، يذكر بها ويعين عليها؛ أمدها بالصلوات التي تصل بين العبد وربه، وتذكره كل يوم خمس مرات بخالقة ومنشئه، وتنهاه عن الفحشاء و المنكر، وأمدها بالصوم تمريناً على الصبر، وتعويداً على الطاعة، ومراقبة لله في السر والعلن. أمدها بالزكاة، تمريناً على العطف والبر والرحمة، والرفق بالمحتاجين، وشكراً لله تعالى الذي منح الأغنياء ما في أيديهم من الأموال، وبارك لهم فيها. 2- وكما أصلح العقيدة وأمدها بهذا وأمثاله من ألوان المدد؛ أصلح المجتمع، والإصلاح في الأمم إنما يعتمد على عُمُد، ويقوم على أسس لا ينهض بدونها، ولا يثمر ثمراته إلا بها: إنه يعتمد على العلم والمال والأسرة ونظام الدولة، والصحة العامة والقوة والعدل. وفي هذه الدوائر يرسم الإسلام برنامج إصلاحه الشامل: 1- حث على العلم، وسوّى فيه بين الرجال والنساء. 2- وضع نظاماً للتعامل بالبيع والشراء والإجارة والوصية والميراث، ونحو ذلك، من شأنه أن يبطل النزاع، ويزل الفساد ويقضي على أسباب الفتن. 3- وضع نظاماً للأسرة يقيها الانحلال ويربط برباط المحبة والتعاون، للزوج فيه الحقوق، وللزوجة حقوق، وللأبناء حقوق وللآباء والأمهات حقوق, وضع هذا النظام دقيقاً شاملاً لكل علاقة من علاقات الأسرة صغيرة أو كبيرة، موافقاً لما يقضي به العقل والعدل والرحمة وحسن الصلة. 4- جعل للدولة نظاماً في حكومتها، ومحكوميها، وفي علاقتها بغيرها من الدول، وفي سلمها وحربها ومعاهداتها. 5- أمر بالمحافظة على صحة الشعب العامة، وعلم الأفراد النظافة بالغسل والوضوء، ومنع الضرر الناشئ من العدوى والوباء. 6- حث على اتخاذ الحيطة، وإعداد القوة، لتكون الدولة قوية الجانب، مهيبة في عيون أعدائها. 7- أمر بالعدل في كل شيء، بين الحاكم والمحكوم، بين السادة والمسودين، وبين الأغنياء والفقراء، وبين المتقاضين بين المتعاملين، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المائدة: 8 ]. أيها السادة: ذلكم قل من كثر من شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وهديه، التي كان سلفنا بها عاملين، وعلى نهجها سائرين، والتي أصبحنا من بعدهم لها ذاكرين وبالذكرى مكتفين! قولوا ما شئتم ولكن لا تكتفوا بالقول: ﴿ وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 105]. ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97]. |
#2
|
||||
|
||||
![]() مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وإستراتيجية الدعوة الإسلامية السيد راشد الوصيفي قبل أن نكتب عن موضوع ميلاد الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم علينا أن نعرِّج على ديانات العرب قبل الإسلام، وكذلك بيان الصورة التي كان عليها المجتمع العربي الجاهلي من الناحية الأخلاقية. فلقد كان معظم العرب يتبعون دعوة إسماعيل - عليه السلام - حين دعاهم إلى اعتناق دين أبيهم إبراهيم - عليه السلام - فكانوا يعبدون الله وحده، ويَدينون بدِينه، حتى طال عليهم الأمد، ونسوا حظًّا مما ذكروا به، فعادوا إلى عبادة الأصنام حينما جاء عمرو بن لحي رئيس خزاعة، ووضع صنم هبل في جوف الكعبة، وقد دعا أهل مكة إلى الشرك بالله وعبادة الصنم، فاستجابوا له، وتبعهم أهل الحجاز؛ ذلك لأنهم ولاة البيت، وأهل الحرم. وتعددت الأصنام، وكثر العباد، فكان أقدمهم صنم مناة، واللات، والعزى، وهذه كانت أكبر أوثانهم، وكثرت الأصنام، وكثر الشرك، ويذكر أن عمرو بن لحي كان له رَئِيٌّ من الجن، فأخبره بأن أصنام قوم نوح، وهي: ود، وسواع، ويعوق، ونسر، مدفونة بجدة، فأتاها فاستثارها، ثم أوردها إلى تهامة، فلما جاء الحج دفعها إلى القبائل، فذهبت بها إلى أوطانها، حتى صار لكل قبيلة صنم، بل صار لكل بيتٍ صنم، وقد ملؤوا المسجد الحرام بالأصنام، ولما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة، وجد حول البيت ثلاثمائة وستين صنمًا، فجعل يطعُنُها حتى تساقطت، ثم أمر بها فأخرجت من المسجد وحُرِّقت. وقد كانت لهم تقاليد ومراسم في عبادة الأصنام؛ فقد كانوا يعكفون عليها ويلجؤون إليها، ويهتفون بها، ويستعينون بها في الشدائد، ويَدْعونها لحاجاتهم، معتقدين أنها تشفع عند الله، وتحقق لهم ما يريدون، بل كانوا يحجون إليه، ويطوفون حولها، ويتذللون عندها، ويسجدون لها، ويتقربون إليها بأنواع القرابين؛ فقد كانت العرب تفعل كل ذلك بأصنامهم، معتقدين أنها تقربهم إلى الله، وتوصلهم إليه، وتشفع لديهم؛ كما جاء ذكر ذلك في القرآن الكريم: ﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3]. وقد كانت العرب تستقسم بالأزلام، والزلم: هو القدح الذي لا ريش عليه، وكانت الأزلام ثلاثة أنواع، منها: نوع فيه (نعم)، و(لا)، وكانوا يستقسمون بها فيما يريدون من العمل، من نحو السفر والنكاح وأمثالهما، فإن خرج (نعم) عملوا به، وإن خرج (لا) أخروه عامَه، وذلك حتى يأتوا مرة أخرى، ونوع فيه (منكم) أو (من غيركم). وليس ذلك فحسب، بل كانوا يؤمنون بأخبار الكهنة والعرافين والمنجِّمين، وكانت فيهم الطِّيَرة (بكسر ففتح)، وهي التشاؤم بالشيء، كان أهل الجاهلية على ذلك، وفيهم بقايا من دين إبراهيم (عليه السلام)، ولم يتركوه كله، مثل: تعظيم البيت، والطواف به، والحج، والعمرة، والوقوف بعرفة، والمزدلفة، وإهداء البُدْن، وقد ابتدعوا في ذلك بدعًا كثيرة، منها: أن قريشًا كانوا يقولون: نحن بنو إبراهيم، وأهل الحرم، وولاة البيت، وقاطنو مكة. كانت هذه الديانةُ، ديانةُ الشرك وعبادة الأوثان، والاعتقاد بالوهميات والخرافات، ديانةَ معظم العرب آنذاك، وقد وجَدت اليهودية، والمسيحية، والمجوسية، والصابئة، سبيلًا للدخول في ربوع العرب. تلك كانت الحالةَ الدينية عند العرب في الجاهلية قبل مجيء الإسلام، وقد أصاب هذه الدياناتِ الانحلال والبوار؛ فالمشركون الذين كانوا يدَّعون بأنهم على دين إبراهيم كانوا بعيدين عن أوامر ونواهي شريعة إبراهيم - عليه السلام، وقد كانت عندهم خرافات مذمومة قد أثَّرت في الحياة الاجتماعية والسياسية تأثيرًا كبيرًا. حالة العرب الأخلاقية: لا ينكر أحدٌ أن لأهل الجاهلية دنايا ورذائل وأمورًا سيئة لا يقبلها عقلٌ سليم، إلا أنه كان فيهم من الأخلاق الحميدة الفاضلة ما يشد انتباه الإنسان، وما يدعوه إلى الدهشة والعجب، فمن هذه الأخلاق الحميدة: 1 - الشجاعة والكرم: فقد كانوا يتبارون في ذلك، ويفتخرون به أيما افتخار. 2 - الوفاء بالعهد: فقد كان العهد فيهم دِينًا يتمسكون به. 3 - عزة النفس والإباء: وذلك لفَرْط الشجاعة، وشدة الغيرة والحمية، فإن شموا رائحة الذل والهوان، قاموا إلى السيف والسنان. 4 - السذاجة البدوية: وما تحمل من الصدق والأمانة، والنفور عن الخداع والغدر. فقد كانت أخلاقهم عالية، وشجاعتهم في الحق غالية، مع الصدق والوفاء بالعهد وعزة النفس؛ كل ذلك تميز به العرب في الجاهلية، مع ما هم فيه من موقع جغرافي متميز بالنسبة للعالم؛ كل ذلك كان سببًا في اختيارهم لحمل عبء الرسالة العامة، وقيادة الأمة قاطبة، وحمل رسالة ليست لهم وحدهم، وإنما هي للعالمين؛ ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، كان ميلاد خير البشرية محمد صلى الله عليه وسلم وإرساله رحمة وهداية ونورًا للعالمين. وُلِد الهدى فالكائناتُ ضياءُ ♦♦♦ وفم الزمان تبسُّـمٌ وثناء نسب النبي صلى الله عليه وسلم: هو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب - واسمه شيبة - بن هشام - واسمه عمرو - بن عبدمناف - واسمه المغيرة - بن قصي - واسمه زيد - بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر - وهو الملقب بقريش، وإليه تنتسب القبيلة - بن مالك بن النضر - واسمه قيس - بن كنانة بن خزيمة بن مدركة - واسمه عامر - بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان؛ (ابن هشام 1/ 21). مولد النبي صلى الله عليه وسلم وإستراتيجية الدعوة: ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بشِعب بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول عام حادثة الفيل، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني والعشرين من شهر إبريل سنة 571، وقد روى ابن سعد: أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لما ولدته خرج مني نورٌ أضاءت له قصور الشام، وقد روى أن إرهاصات البعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت. ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبدالمطلب تبشره بحفيده، فجاء مستبشرًا، ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له، واختار له اسم محمد، وهذا الاسم لم يكن معروفًا عند العرب آنذاك، وقد ختنه يوم سابعه، كما كانت تفعل العرب. وأول من أرضعته من المراضع - بعد أمه (عليه الصلاة والسلام) - ثويبة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها، يقال له: مسروح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبدالمطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبدالأسد المخزومي، وبعد ذلك أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب، وقد رأت حليمة من بركته صلى الله عليه وسلم ما قصت من العجب، وهكذا بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بني سعد، حتى إذا كانت السنة الرابعة أو الخامسة من مولده وقع حادث شق صدره؛ فقد روى مسلم عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لَأَمَه، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه - يعني ظِئْرَه - فقالوا: إن محمدًا قد ***، فاستقبلوه وهو منتقع اللون؛ (صحيح مسلم، باب الإسراء 1/ 29). وخَشِيَت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين، وقد رأت آمنة وفاءً لذكرى زوجها الراحل أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ خمسمائة كيلومتر، ومعها ولدها اليتيم -- محمد صلى الله عليه وسلم - وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبدالمطلب، فمكثت شهرًا، ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ يلاحقها المرض، ويلح عليها في أوائل الطريق، فماتت بالأبواء بين مكة والمدينة؛ (ابن هشام 1/ 168). وعاد به عبدالمطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم، الذي أصيب بمصاب جديد نكأ الجروح القديمة، فرقَّ عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل كان يؤثره على أولاده، ولثماني سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صلى الله عليه وسلم توفي جده عبدالمطلب بمكة، ورأى قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه. وقد نهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده، وقدَّمه عليهم، واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يقر جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله. إستراتيجية الدعوة والإعداد لها: لقد تربى صلى الله عليه وسلم على الفضائل ومكارم الأخلاق، وتعود في حياته على الكد والكدح، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم عمل معين في أول شبابه، إلا أن الروايات توالت بأنه كان يرعى غنمًا؛ فقد رعاها في بني سعد، وفي مكة لأهلها على قراريط، ثم خرج تاجرًا إلى الشام وهو في سن الخامسة والعشرين، في مال خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها وأرضاها). ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم ترَ قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه صلى الله عليه وسلم من خلالٍ عذبةٍ، وشمائلَ كريمة، وفكر راجحٍ، ومنطق صادق، ونهجٍ أمين - وجدت ضالتها المنشودة، وكان السادة والرؤساء يحرصون على زواجها، فتأبى عليهم ذلك، فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذٍ أفضل نساء قومها نسبًا وثروة وعقلًا، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت. وفي الخمس والثلاثين سنة من مولده صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة، ولما بلغ البنيان الحجر الأسود، اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه، واستمر النزاع أربع ليالٍ أو خمسًا، واشتد حتى كاد أن يتحول إلى حربٍ ضروس في أرض الحرم، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي، عرَض عليهم أن يحكِّموا فيما شجر بينهم أولَ داخل عليهم من باب المسجد، فارتضَوه، وشاء الله أن يكون ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فلما رأوه هتفوا: هذا الأمين، رضيناه، هذا محمد.. فلما انتهى إليهم، وأخبروه الخبر، طلب رداءً، فوضع الحجر وسطه، وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعًا بأطراف الرداء، وأمرهم أن يرفعوه، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه، أخذه بيده، فوضعه في مكانه، وهذا حلٌّ حصيفٌ رضي به القوم. فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز في قومه بأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة؛ فكان أفضل قومه مروءةً وحِلمًا، وأحسنهم خُلقًا، وأعزهم جوارًا، وأصدقهم حديثًا، وأعفَّهم نفسًا، وأبرهم عملًا، وأوفاهم عهدًا، وآمَنهم أمانةً، حتى سماه قومه "الأمين"؛ لما جمع فيه من الأحوال الصالحة، والخصال المَرْضِيَّة، وكان كما قالت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -: "يحمل الكَلَّ، ويَكسِبُ المعدوم، ويَقْرِي الضيف، ويُعين على نوائب الحق". تلك كانت رحلةَ ميلاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، التي هيَّأته لحمل الرسالة الخاتمة للعالمين، والقيام بإستراتيجية الدعوة في مراحلها المختلفة، ويمكن تقسيم هذه الإستراتيجية الدعوية المحمدية، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، إلى دورين هامين، وهما: 1 - الدور المكي، وكان على مدار ثلاث عشرة سنة تقريبًا. 2 - الدور المدني، وكان عشر سنوات كاملة. فلقد كان لإستراتيجية الدعوة في دورها الأول أهميتها وخِصالها التي تميزها، فقد كانت على ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: مرحلة الدعوة السرية، ثلاث سنين. المرحلة الثانية: مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى أواخر السنة العاشرة. المرحلة الثالثة: مرحلة الدعوة خارج مكة، وقد كانت من أواخر السنة العاشرة من النبوة إلى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة. وكانت إستراتيجية الهجرة وتأسيس أركان الدولة الإسلامية المترامية الأطراف، وانتشار الإسلام في أنحاء المعمورة، رحمةً لكل العالمين، وصدق الله العظيم حينما قال: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]. الرسول صلى الله عليه وسلم رحمةٌ مهداة: إن الرحمة نعمة كبرى من نعم الله، ورابطة إنسانية عظيمة، وإن الإسلام الحنيف يذكرنا دائمًا بالرحمة، ويرغبنا فيها؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة، فكان يقول: ((مَن لا يرحم الناس، لا يرحمه الله))؛ لذا كانت الرحمة عند رسولنا صلى الله عليه وسلم النبراس المضيء، والنور المبين، والهدي القويم، وهي من أجلِّ صفاته صلى الله عليه وسلم؛ ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159]. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم حليمًا عطوفًا، ورحمته فاقت كل وصف، وإن هذه الرحمة عند الرسول صلى الله عليه وسلم لا تنافي أو تناقض شجاعته، وليس أدل على ذلك من يوم أحد، في موقفه البطولي الرائع، ويوم حنين حين فر أصحابه وثبت صلى الله عليه وسلم في ميدان المعركة يقاتل الأعداء قائلًا: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبدالمطلب))، مما جعل أصحابه يشهدون بشجاعته، ويحتمون به. ورحمة الرسول صلى الله عليه وسلم للإنسانية جمعاء، وكانت رحمته واضحة جلية مضيئة مع أصحابه؛ فقد كان يذود عنهم ويحميهم إذا اشتد الخطر، وما أكثر المواقف التي تجلت فيها رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم وشملت المسلمين كافة، وغيرهم، وتناولت أصدقاءه، وكذلك الأعداء، واتسعت للأغنياء والفقراء، ووسعت البشر والحيوان! ومن صور رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين: أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى أحد أصحابه في حالة شدة وبأس يحزن لأجل ذلك حزنًا شديدًا، ويرق قلبه ويبكي متأثرًا من ذلك الموقف؛ فلقد زار سعد بن عبادة وهو مريض ومعه عبدالرحمن بن عوف وغيره، فلما بكى بكى معه الحاضرون، وقبَّل عليه الصلاة والسلام عثمان بن مظعون وهو ميت، وكان يبكي، حتى قالت عائشة: فرأيت دموع النبي صلى الله عليه وسلم تسيل على خد عثمان. وقدم عليه صلى الله عليه وسلم شابٌّ مسلمٌ من اليمن راغبًا في أن يشترك في الجهاد، فقال له رسول الله: ((هل أبواك في اليمن؟))، قال الرجل: نعم، قال: ((هل أَذِنَا لك؟))، قال الرجل: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ارجِعْ إليهما فاستأذنهما؛ فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبَرَّهما ما استطعت؛ فإن ذلك خير ما تلقى اللهَ به بعد التوحيد)). ومن رحمته صلى الله عليه وسلم: رِفقُه بأهله وخدَمِه؛ فقد كان سلوكه في بيته ومع خادمه نموذجًا ومثالًا رائعًا للرحمة، فكان عليه الصلاة والسلام يشتغل بخدمة أهله، ويَخيط ثيابه بنفسه، ويحمل الطعام إلى بيته. تلك هي أهم صفات الرسول صلى الله عليه وسلم في الرحمة بالضعفاء والمساكين والناس كافة، فكان رحمة مهداة، وليس أبلغ من رحمته صلى الله عليه وسلم باليتيم، فيقول: ((أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين))، وأشار بالسبَّابة والوسطى؛ رواه البخاري. ومن دلائل رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثلكم كمثل رجلٍ أوقد نارًا، فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبهم عنها، وأنا آخذٌ بحجزكم عن النار، وأنتم تفلتون من يدي))، وفي رواية: ((إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارًا، فلما أضاءت ما حوله جعل الفراش والدواب يقتحمون فيها، فأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها)). وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثلي ومثلكم كمثل رجلٍ أوقد نارًا، فجعلت الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذبهن عنها وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي))؛ (متفق عليه). قال تعالى: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]. لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفًا رحيمًا، وهذا مما يدل على مدى سماحة الإسلام ويُسره، وكان صلى الله عليه وسلم نموذجًا حيًّا للأخلاق السمحة الفاضلة، وذلك لِمَا قد وُصِفَ به من رحمة ورأفة، وحرصٍ على هداية الناس كافة إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة. |
#3
|
|||
|
|||
![]()
مشكور اخى الفاضل
__________________
وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ
|
#4
|
||||
|
||||
![]() الشكر لله أخى الفاضل
جزاك الله خيرا وبارك الله فيك |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|