|
#1
|
|||
|
|||
![]() الآية : 187 {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : {أُحِلَّ لَكُمْ} لفظ "أحل" يقتضي أنه كان محرما قبل ذلك ثم نسخ. روى البخاري عن البراء قال : كان أصحاب محمد صلى اللّه عليه وسلم إذا كان الرجل صائما فحضر الإفطار فنام قبل أن يفطر لم يأكل ليلته ولا يومه حتى يمسي ، وأن قيس بن صرمة الأنصاري كان صائما - وفي رواية : كان يعمل في النخيل بالنهار وكان صائما - فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها : أعندك طعام ؟ قالت لا ، ولكن أنطلق فأطلب لك ، وكان يومه يعمل ، فغلبته عيناه ، فجاءته امرأته فلما رأته قالت : خيبة لك فلما انتصف النهار غشي عليه ، فذكر ذلك للنبي صلى اللّه عليه وسلم فنزلت هذه الآية : {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} ففرحوا فرحا شديدا ، ونزلت : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} . يقال : خان واختان بمعنى من الخيانة ، أي تخونون أنفسكم بالمباشرة في ليالي الصوم. ومن عصى اللّه فقد خان نفسه إذ جلب إليها العقاب و : أصل الخيانة أن يؤتمن الرجل على شيء فلا يؤدي الأمانة فيه. والرفث : كناية عن الجماع لأن اللّه عز وجل كريم يكني و : الرفث كلمة جامعة لكل ما يريد الرجل من امرأته وقيل : الرفث ههنا الجماع. والرفث : التصريح بذكر الجماع والإعراب به. الرابعة : قوله تعالى : {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ} يستأمر بعضكم بعضا في مواقعة المحظور من الجماع والأكل بعد النوم في ليالي الصوم ، . ويحتمل أن يريد به كل واحد منهم في نفسه بأنه يخونها ، وسماه خائنا لنفسه من حيث كان ضرره عائدا عليه ، : {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} يحتمل معنيين : أحدهما - قبول التوبة من خيانتهم لأنفسهم. والآخر - التخفيف عنهم بالرخصة والإباحة ، فمعنى {عَلِمَ اللَّهُ} أي علم وقوع هذا منكم مشاهدة {فَتَابَ عَلَيْكُمْ} بعد ما وقع ، أي خفف عنكم {وَعَفَا} أي سهل. و {تَخْتَانُونَ} من الخيانة ، كناية عن الجماع ، أي قد أحل لكم ما حرم عليكم. وسمي الوقاع مباشرة لتلاصق البشرتين فيه. قال ابن العربي : وهذا يدل على أن سبب الآية جماع عمر رضي اللّه عنه لا جوع قيس ، لأنه لو كان السبب جوع قيس لقال : فالآن كلوا ، ابتدأ به لأنه المهم الذي نزلت الآية لأجله. : أي ابتغوا القرآن بما أبيح لكم فيه وأمرتم به السابعة : قوله تعالى : {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} "حتى" غاية للتبيين ، ولا يصح أن يقع التبيين لأحد ويحرم عليه الأكل إلا وقد مضى لطلوع الفجر قدر. واختلف في الحد الذي بتبينه يجب الإمساك ، 1-فقال الجمهور : ذلك الفجر المعترض في الأفق يمنه ويسرة ، وبهذا جاءت الأخبار ومضت عليه الأمصار. -وروى الدارقطني عن عبدالرحمن بن عباس أنه بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال : "هما فجران فأما الذي كأنه ذنب السرحان فإنه لا يحل شيئا ولا يحرمه وأما المستطيل الذي عارض الأفق ففيه تحل الصلاة ويحرم الطعام" الصحيحة - وروى النسائي عن عاصم عن زر قال قلنا لحذيفة : أي ساعة تسحرت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ؟ قال : "هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع" . - وروى الدارقطني عن طلق بن علي أن نبي اللّه قال : "كلوا وأشربوا ولا يغرنكم الساطع المصعد وكلوا واشربوا حتى يعرض لكم الأحمر" حسنة الالبانى . وتفسير رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ذلك بقوله : "إنما هو سواد الليل وبياض النهار" الفيصل في ذلك ، وقوله "أياما معدودات". - وروى الدارقطني عن عائشة رضي اللّه عنها عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : "من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له" .صحيح . وروي عن حفصة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" .صحيح . ففي هذين الحديثين دليل على ما قاله الجمهور في الفجر ، ومنع من الصيام دون نية قبل الفجر ، خلافا لقول أبي حنيفة ، وهي : الثامنة : وذلك أن الصيام من جملة العبادات فلا يصح إلا بنية ، وقد وقتها الشارع قبل الفجر ، فكيف يقال : إن الأكل والشرب بعد الفجر جائز -وعن عدي بن حاتم قال قلت : يا رسول اللّه ، ما الخيط الأبيض من الخيط الأسود أهما الخيطان ؟ قال : "إنك لعريض القفا إن أبصرت الخيطين - ثم قال - لا بل هو سواد الليل وبياض النهار" . أخرجه البخاري. وسمي الفجر خيطا لأن ما يبدو من البياض يرى ممتدا كالخيط والخيط في كلامهم عبارة عن اللون. والفجر مصدر فجرت الماء أفجره فجرا إذا جرى وانبعث ، وأصله الشق جعل اللّه جل ذكره الليل ظرفا للأكل والشرب والجماع ، والنهار ظرفا للصيام ، فبين أحكام الزمانين وغاير بينهما. فلا يجوز في اليوم شيء مما أباحه بالليل إلا لمسافر أو مريض ، كما تقدم بيانه. فمن أفطر في رمضان من غير من ذكر فلا يخلو إما أن يكون عامدا أو ناسيا ، فإن كان الأول وقعت على امرأتي في رمضان..." صحيح . -ويلزم الشافعي القول به فإنه يقول : ترك الاستفصال مع تعارض الأحوال يدل على هموم الحكم. وأوجب الشافعي عليه مع القضاء العقوبة لانتهاك حرمة الشهر. - فقال مالك : عليها مثل ما على الزوج. وقال الشافعي : ليس عليها إلا كفارة واحدة ، وسواء طاوعته أو أكرهها ، لأن النبي صلى اللّه عليه وسلم أجاب السائل بكفارة واحدة ولم يفصل.- وروي عن أبي حنيفة : إن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة ، وإن أكرهها فعليه كفارة واحدة لا غير. . وقال مالك : عليه كفارتان ، وهو تحصيل مذهبه عند جماعة أصحابه. الحاديةعشرة : واختلفوا أيضا فيمن جامع ناسيا لصومه أو أكل فقال الشافعي وأبو حنيفة : ليس عليه في الوجهين شيء ، لا قضاء ولا كفارة. وقال مالك : عليه القضاء ولا كفارة . . وقال قوم من أهل الظاهر : سواء وطئ ناسيا أو عامدا فعليه القضاء والكفارة ، ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل ، لأن الحديث الموجب للكفارة لم يفرق فيه بين الناسي والعامد. قال ابن المنذر : لا شيء عليه. الثانية عشرة : قال مالك والشافعي : إذا أكل ناسيا فظن أن ذلك قد فطّره فجامع عامدا أن عليه القضاء ولا كفارة عليه. . قلت : وهو الصحيح ، وبه قال الجمهور : إن من أكل أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه وإن صومه تام ، لحديث أبي هريرة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : "إذا أكل الصائم ناسيا أو شرب ناسيا فإنما هو رزق ساقه اللّه تعالى إليه ولا قضاء عليه - في رواية - وليتم صومه فإن اللّه أطعمه وسقاه" . صحيح الارواء فلم يذكر قضاء ولا تعرض له ، بل الذي تعرض له سقوط المؤاخذة والأمر بمضيه على صومه وإتمامه ، هذا إن كان واجبا فدل على ما ذكرناه من القضاء. وأما صوم التطوع فلا قضاء فيه لمن أكل ناسيا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا قضاء عليه" . قلت : هذا ما احتج به علماؤنا وهو صحيح ، لولا ما صح عن الشارع ما ذكرناه ، وقد جاء بالنص الصريح الصحيح وهو ما رواه أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال : "من أفطر في شهر رمضان ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة" حسنة الالبانى الثالثة عشرة : ما بين سبحانه محظورات الصيام وهي الأكل والشرب والجماع ، ولم يذكر المباشرة التي هي اتصال البشرة بالبشرة كالقبلة والجسة وغيرها ، دل ذلك على صحة صوم من قبل وباشر ، لأن فحوى الكلام إنما يدل على تحريم ما أباحه الليل وهو الأشياء الثلاثة ، ولا دلالة فيه على غيرها بل هو موقوف على الدليل ، ولذلك شاع الاختلاف فيه ، واختلف علماء السلف فيه ، فمن ذلك المباشرة. قال علماؤنا : يكره لمن لا يأمن على نفسه ولا يملكها ، لئلا يكون سببا إلى ما يفسد الصوم. - روى مالك عن نافع أن عبدالله بن عمر رضي اللّه عنهما كان ينهي عن القبلة والمباشرة للصائم ، وهذا - واللّه أعلم - خوف ما يحدث عنهما ، فإن قبل وسلم فلا جناح عليه ، وكذلك إن باشر. - وروى البخاري عن عائشة قالت : كان النبي صلى اللّه عليه وسلم يقبل ويباشر وهو صائم. ، فإن قبل فأمنى فعليه القضاء ولا كفارة ، قال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن والشافعي ، . قال أبو عمر : ولو قبل فأمذى لم يكن عليه شيء عندهم. وقال أحمد : من قبل فأمذى أو أمنى فعليه القضاء ولا كفارة عليه ، إلا على من جامع فأولج عامدا أو ناسيا. -: واتفق جميعهم في الإنزال عن النظر أن لا كفارة عليه إلا أن يتابع. والأصل أنه لا تجب الكفارة إلا على من قصد الفطر وانتهاك حرمة الصوم ، فإذا كان ذلك وجب أن ينظر إلى عادة من نزل به ذلك ، فإذا كان ذلك شأنه أن ينزل عن قبلة أو مباشرة مرة ، أو كانت عادته مختلفة : مرة ينزل ومرة لا ينزل ، رأيت عليه الكفارة الرابعة عشرة : والجمهور من العلماء على صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب. وقال القاضي أبو بكر بن العربي : "وذلك جائز إجماعا ، وقد كان وقع فيه بين الصحابة كلام ثم استقر الأمر على أن من أصبح جنبا فإن صومه صحيح". والصحيح منها مذهب الجمهور ، لحديث عائشة رضي اللّه عنها وأم سلمة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصوم. وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جنب من غير احتلام فيغتسل ويصوم ، أخرجهما البخاري ومسلم. -. وقد قال الشافعي : ولو كان الذكر داخل المرأة فنزعه مع طلوع الفجر أنه لا قضاء عليه. وقال المزني : عليه القضاء لأنه من تمام الجماع ، والأول اصح لما ذكرنا ، وهو قول علمائنا. الخامسة عشرة : واختلفوا في الحائض تطهر قبل الفجر وتترك التطهر حتى تصبح ، فجمهورهم على وجوب الصوم عليها وإجزائه ، سواء تركته عمدا أو سهوا كالجنب ، وهو قول مالك. . السادسة عشرة- وإذا طهرت المرأة ليلا في رمضان فلم تدر أكان ذلك قبل الفجر أو بعده ، صامت وقضت ذلك اليوم احتياطا ، ولا كفارة عليها. السابعة عشرة- روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال : "أفطر الحاجم والمحجوم" بخارى وقال مالك والشافعي والثوري : لا قضاء عليه ، إلا أنه يكره له ذلك من أجل التغرير. وفي صحيح مسلم من حديث أنس أنه قيل له : أكنتم تكرهون الحجامة للصائم ؟ قال لا ، إلا من أجل الضعف. -وقال أبو عمر : حديث شداد ورافع وثوبان عندنا منسوخ بحديث ابن عباس "أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم احتجم صائما محرما" ضعيف لأن في حديث شداد بن أوس وغيره أنه صلى اللّه عليه وسلم مر عام الفتح على رجل يحتجم لثمان عشره ليلة خلت من رمضان فقال : "أفطر الحاجم والمحجوم" . واحتجم هو صلى اللّه عليه وسلم عام حجة الوداع وهو محرم صائم ، فإذا كانت حجته صلى اللّه عليه وسلم عام حجة الوداع فهي ناسخة لا محالة ، لأنه صلى اللّه عليه وسلم لم يدرك بعد ذلك رمضان ، لأنه توفي في ربيع الأول ، صلى اللّه عليه وسلم. الثامنة عشرة- قوله تعالى : {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} أمر يقتضي الوجوب من غير خلاف التاسعة عشرة - ومن تمام الصوم استصحاب النية دون رفعها ، فإن رفعها في بعض النهار ونوى الفطر إلا أنه لم يأكل ولم يشرب فجعله في المدونة مفطرا وعليه القضاء. الموفية عشرين - قوله تعالى : {إِلَى اللَّيْلِ} إذا تبين الليل سن الفطر شرعا ، أكل أو لم يأكل. الحادية والعشرون - فإن ظن أن الشمس قد غابت لغيم أو غيره فأفطر ثم ظهرت الشمس فعليه القضاء في قول أكثر العلماء. 0-وفي البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي اللّه عنهما قالت : أفطرنا على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يوم غيم ثم طلعت الشمس ، قيل لهشام : فأمروا بالقضاء ، قال : لا بد من قضاء ؟ . الثانية والعشرون - فإن أفطر وهو شاك في غروبها كفر مع القضاء ، قال مالك إلا أن يكون الأغلب عليه غروبها. ومن شك عنده في طلوع الفجر لزمه الكف عن الأكل ، فإن أكل مع شكه فعليه القضاء كالناسي ، لم يختلف في ذلك قوله. الثالثة والعشرون - قوله تعالى : {إِلَى اللَّيْلِ} فيه ما يقتضي النهي عن الوصال ، إذ الليل غاية الصيام ، وقالته عائشة. وهذا موضع اختلف فيه ، فمن واصل عبدالله بن الزبير وإبراهيم التيمي وأبو الجوزاء وأبو الحسن الدينوري وغيرهم. كان ابن الزبير يواصل سبعا ، فإذا أفطر شرب السمن والصبر حتى يفتق أمعاءه ، قال : وكانت تيبس أمعاؤه. . وظاهر القرآن والسنة يقتضي المنع ، قال صلى اللّه عليه وسلم : " إذا غابت الشمس من ههنا وجاء الليل من ههنا فقد أفطر الصائم" . خرجه مسلم -. ونهى عن الوصال ، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم يوما ثم رأوا الهلال فقال : "لو تأخر الهلال لزدتكم" متفق علية تأكيدا في المنع لهم منه ، وأخرجه البخاري. وعلى كراهية الوصال - لما ذكرنا ولما فيه من ضعف القوى وإنهاك الأبدان - جمهور العلماء. وقد حرمه بعضهم لما فيه من مخالفة الظاهر والتشبه بأهل الكتاب -، قال صلى اللّه عليه وسلم : "إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر" . خرجه مسلم -. وفي البخاري عن أبي سعيد الخدري أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول : "لا تواصلوا فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السحر" قالوا : فإنك تواصل يا رسول اللّه ؟ قال : "لست كهيئتكم إني أبيت لي مطعم وساق يسقيني" - قالوا : وهذا إباحة لتأخير الفطر إلى السحر ، وهو الغاية في الوصال لمن أراده ، ومنع من اتصال يوم بيوم ، وبه قال أحمد -. واحتج من أجاز الوصال بأن قال : إنما كان النهي عن الوصال لأنهم كانوا حديثي عهد بالإسلام ، فخشي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يتكلفوا الوصال وأعلى المقامات فيفتروا أو يضعفوا عما كان أنفع منه من الجهاد والقوة على العدو ، ومع حاجتهم في ذلك الوقت. وكان هو يلتزم في خاصة نفسه الوصال وأعلى مقامات الطاعات ، فلما سألوه عن وصالهم أبدى لهم فارقا بينه وبينهم ، وأعلمهم أن حالته في ذلك غير حالاتهم فقال : "لست مثلكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" . فلما كمل الإيمان في قلوبهم واستحكم في صدورهم ورسخ ، وكثر المسلمون وظهروا على عدوهم ، واصل أولياء اللّه وألزموا أنفسهم أعلى المقامات واللّه أعلم. قلت : ترك الوصال مع ظهور الإسلام وقهر الأعداء أولى ، وذلك أرفع الدرجات وأعلى المنازل والمقامات ، والدليل على ذلك ما ذكرناه. الرابعة والعشرون : ويستحب للصائم إذا أفطر أن يفطر على رطبات أو تمرات أو حسوات من الماء ، لما رواه أبو داود عن أنس قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات ، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء. الصحيحة - . وعن ابن عمر قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إذا أفطر : "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء اللّه" . حستة الالبانى -. وروى ابن ماجة عن عبدالله بن الزبير قال : أفطر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقال : " أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة" .الصحيحة الخامسة والعشرون : ويستحب له أن يصوم من شوال ستة أيام ، السادسة والعشرون : قوله تعالى : {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} بين جل تعالى أن الجماع يفسد الاعتكاف. - قال أبو عمر : وأجمعوا على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل. واختلفوا فيما عليه إن فعل ، فقال مالك والشافعي : إن فعل شيئا من ذلك فسد اعتكافه ، السابعة والعشرون : قوله تعالى : {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} . والاعتكاف في اللغة : الملازمة ، يقال عكف على الشيء إذا لازمه مقبلا عليه. ولما كان المعتكف ملازما للعمل بطاعة اللّه مدة اعتكافه لزمه هذا الاسم. الثامنة والعشرون : أجمع العلماء على أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد ، لقول اللّه تعالى : {فِي الْمَسَاجِدِ} واختلفوا في المراد بالمساجد ، فذهب قوم إلى أن الآية خرجت على نوع من المساجد ، وهو ما بناه نبي كالمسجد الحرام ومسجد النبي صلى اللّه عليه وسلم ومسجد إيلياء ، روي هذا عن حذيفة بن اليمان وسعيد بن المسيب ، فلا يجوز الاعتكاف عندهم في غيرها. -. وقال آخرون : الاعتكاف في كل مسجد جائز ، يروى هذا القول عن سعيد بن جبير وأبي قلابة وغيرهم ، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما. وحجتهم حمل الآية على عمومها في كل مسجد له إمام ومؤذن ، وهو أحد قولي مالك ، التاسعة والعشرون : وأقل الاعتكاف عند مالك وأبي حنيفة يوم وليلة . وقال بعض أصحاب أبي حنيفة : يصح الاعتكاف ساعة. وعلى هذا القول فليس من شرطه صوم ، وروي عن أحمد بن حنبل في أحد قوليه ، الموفية ثلاثين : وليس للمعتكف أن يخرج من معتكفه إلا لما لا بد له منه الحادية والثلاثون : واختلفوا في خروجه للجمعة ، فقالت طائفة : يخرج للجمعة ويرجع إذا سلم ، لأنه خرج إلى فرض ولا ينتقض اعتكافه . ومشهور مذهب مالك أن من أراد أن يعتكف عشرة أيام أو نذر ذلك لم يعتكف إلا في المسجد الجامع. وإذ ا اعتكف في غيره لزمه الخروج إلى الجمعة وبطل اعتكافه. وقال عبدالملك : يخرج إلى الجمعة فيشهدها ويرجع مكانه ويصح اعتكافه. قلت : وهو صحيح لقوله تعالى : {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فعم. وأجمع العلماء على أن الاعتكاف ليس بواجب وأنه سنة ، وأجمع الجمهور من الأئمة على أن الجمعة فرض على الأعيان ، ومتى اجتمع واجبان أحدهما آكد من الآخر قدم الآكد ، فكيف إذا اجتمع مندوب وواجب ، ولم يقل بترك الخروج إليها ، فكان الخروج إليها في معنى حاجة الإنسان. الثانية والثلاثون : المعتكف إذا أتى كبيرة فسد اعتكافه ، لأن الكبيرة ضد العبادة الثالثة والثلاثون : روى مسلم عن عائشة قالت : "كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه..." الرابعة والثلاثون : استحب مالك لمن اعتكف العشر الأواخر أن يبيت ليلة الفطر في المسجد حتى يغدو منه إلى المصلى ، وبه قال أحمد. وقال الشافعي والأوزاعي : يخرج إذا غابت الشمس الخامسة والثلاثون : قوله تعالى : {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ} أي هذه الأحكام حدود اللّه فلا تخالفوها ، "فتلك" إشارة إلى هذه الأوامر والنواهي. والحدود : الحواجز. والحد : المنع ، ومنه سمي الحديد حديدا ، لأنه يمنع من وصول السلاح إلى البدن. . وسميت حدود اللّه لأنها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها ، وأن يخرج منها ما هو منها ، ومنها سميت الحدود في المعاصي ، لأنها تمنع أصحابها من العود إلى أمثالها . السادسة والثلاثون : قوله تعالى : {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ} أي كما بين هذه الحدود يبين جميع الأحكام لتتقوا مجاوزتها. والآيات : العلامات الهادية إلى الحق. و {لَعَلَّهُمْ} ترج في حقهم ، فظاهر ذلك عموم ومعناه خصوص فيمن يسره اللّه للهدى ، بدلالة الآيات التي تتضمن أن اللّه يضل من يشاء. |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|