اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26-09-2008, 08:43 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وفاءً يا رسول الله
الكبار يستشعرون- بصدق- فضلَ الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم؛ فهو النعمة المهداة، والرحمة المسداة، والسراج المنير الذي أضاء لهم الطريق، وأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم؛ إنه الرسول الكريم الذي بانت معالم حبه لهم، وحرصه عليهم، وظهرت أشدَّ ما يكون الظهور، ووضحت أقوى ما يكون الوضوح عندما عبَّر- صلى الله عليه وسلم- عن هذا في الحديث الذي رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- عندما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَجَعَلَتْ الدَّوَابُّ وَالْفَرَاشُ يَقَعْنَ فِيهِ، فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهِ"

الكبار فقط هم الذين يعرفون قدر هذا النبي العظيم وحرصه ورأفته بهم ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (التوبة: 128).
والكبار هم الذي يُثمِّنون ذلك الموقف العظيم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- عندما جاءه جبريل عليه السلام ومعه ملك الجبال، بعد أن أذاه أهل الطائف وأدموه قائلاً له: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَحْدَهُ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا"


بيد أن هذه المشاعر قد تمكَّنت من قلوبهم ففاضت شوقًا وهيامًا وحبًّا ووفاءً لرسول الإنسانية، فلا يُقدِّمون أمرًا على أمره، ولا يفعلون شيئًا إلا وفق ما جاء به، بل ضبطوا هواهم ومرادهم على مراده صلى الله عليه وسلم، فصار حكمه وقضاؤه أحبَّ إليهم من أي شيء ولو خالف هواهم، بل ويُسلِّموا تسليمًا ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ (النساء: 65)، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
__________________
  #2  
قديم 26-09-2008, 08:45 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وللوالدين وفاءً
أكثر الناس رفقًا بوالديهم ووفاءً لهما هم الكبار أصحاب النفوس الكبيرة، الذين لا ينسون فضل آبائهم خاصةً عندما يكبر بهم العمر، ويزدادون ضعفًا ووهنًا، ويحتاجون إلى الرعاية والاهتمام.

فالكبار هم الذين يعرفون قدر المنزلة التي منحهما الله إياها؛ حيث جعل البرَّ بهما في مرتبة بعد الإيمان به﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ (النساء: من الآية 36).

ومن الوفاء للوالدين "الشكر لهما":
البعض من أصحاب النفوس الصغيرة التي ليس لهم قدرة على حفظ الحقوق ومراعاة احتياجات الوالدين، ينسون فضلهما، وبخاصةٍ عندما تُقبل الدنيا عليهم- أي الأبناء- وتُدر عليهم الربح الوفير، وتمتلئ البطون بأشهى الطعام، والخزائن بالكثير من المال، أو حينما ينشغلون بزوجاتهم أو مشاريعهم وأعمالهم، فينسون آباءهم في وقتٍ هم أحوج ما يكونون فيه إلى الرعاية وحسن المصاحبة، فينسى هؤلاء سهر الأم في لحظات المرض والتعب، وجِدَّ الأب ونصبه لتوفير المأكل والمشرب وكافة الاحتياجات والمتطلبات.

أما الكبار فيعلمون أن ذلك من فرائض هذا الدين، بل إن حُسن المصاحبة وجميل المعاشرة تصل إلى منزلة الجهاد في سبيل الله، جاء رجل فاستأذن الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، فقال: "أحيٌّ والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد".

والكبار لا ينسون أبدًا فضل والديهما عليهم في الصغر وأوقات الضعف منذ الطفولة؛ فهم يستجيبون للنداء الإلهي ﴿أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ (لقمان: من الآية 14).
بيد أن الكبار قلوبهم متصلة بالقرآن والسنة؛ فهم يقدِّمونهما على ما سواهما، وبيد أن النداء الحاني والتوجيه السامي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد استقرَّ في سويداء قلوبهم عندما استمعوا هتاف الرسول- صلى الله عليه وسلم- : "أنت ومالك لأبيك"، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ.. إِنَّ لِي مَالاً وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي، فَقَالَ: "أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيك"


وبيد أن قلوبهم قد تفتحت لهذا الهتاف، واطمأنت نفوسهم لهذا النداء، فاهتزَّ كيانهم لهذه النداءات الإلهية والتوجيهات النبوية، فإذا كل هذا ينعكس على سلوكهم فيفيض حنانًا ورعايةً، وحبًّا وعطاءً لوالديهم.

وللوالدين وفاءً بعد الممات:
الكبار دائمًا يعطوننا الدروس العملية، ويُفضلون أن تكون رسائلهم لمَن حولهم رسائلَ عمليةً واقعيةً، لا رسائلَ خطب ومواعظ لا تَمتُّ للواقع بِصِلة؛ فلا عجبَ أن يمتد أثرها لمئات السنين، وتبقى هذه الرسائل يحفظها التاريخ، وتتناقلها الأجيال، ويتدارسها طلاب العلم.

إن الكبار لا يتركون فرصةً لمعرفة المزيد من البِرِّ والوفاء لحقوق الوالدين إلا وسألوا عنها وطبَّقوها؛ فهذا رجل يسأل النبي- صلى الله عليه وسلم- فيقول: يا رسول الله.. هل بقي لي من بر أبوي شيء بعد موتهما أبرهما؟ قال: "نعم.. خصال أربع: الدعاء لهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا رحم لك إلا من قِبَلِهما" .

يا لها من مرتبة عالية ومكانة عظيمة؛ أن تكون النفوس بهذا المستوى الأخلاقي الراقي في الأدب مع الآباء، والمبالغة المطلوبة في الوفاء لهما حتى ولو بعد الممات.

صادف عبد الله بن عمر رضي الله عنه صديقًا لوالده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فبالغ في بِرِّه وإكرامه، فقال له بعض مَن معه: أما يكفيه أن تتصدق عليه بدرهمين؟، فقال ابن عمر: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "احفظ ود أبيك، لا تقطعه فيُطفئ الله نورك" .

حُقَّ لنا أن نقف اليوم مرفوعي الرأس بهذه التربية الإسلامية العظيمة على الوفاء للآباء، في الوقت الذي تجمَّدت قلوب الغربيين حين نجد أن أحدهم ينفصل عن والديه متى وصل لسن الرشد، وما أن ينفصل عنهما إلا وانقطع السؤال والاطمئنان؛ فلا نظرة تآلف أو رحمة أو رأفة للوالدين اللذين أفنيا عمرهما في تربيته حتى اشتدَّ عوده وقوي ساعده.

بيد أن هؤلاء قد نُزعت من قلوبهم الرحمة، وتربَّعت في نفوسهم القسوة، فلم يعد فيها ذرة حياة تُشعرهم بلحظة وفاء واجبة في حق والديهم، حتى امتلأت دور المسنين بالعجائز وكبار السن الذين تنكَّر لهم ذووهم، ولم يعودوا يتحمَّلوا وجودهم بجوارهم رغم أنهم في أشد لحظات الاحتياج والرعاية.
__________________
  #3  
قديم 26-09-2008, 08:46 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وفاء متبادل في الحياة الزوجية
البيت المسلم الذي يسكنه الكبار بيت تحيط أكنافَه جوٌّ من البهجة والسعادة والسرور؛ يعرف الزوج واجباته فيقوم بها أفضل قيام، وتعرف الزوجة واجباتها فتؤديها أحسن ما يكون الأداء.

وفي البيت المسلم الذي يعيش فيه الكبار يسعى كل طرف إلى الوفاء باحتياجات الآخر، لا ينتظر حتى يُطلب منه، بل هناك سباق محمود في أن يُرضيَ كل طرف الآخر.

الكبار ينظرون إلى الزواج على أنه رباط مقدَّس، وأن الأصل في هذا الرباط هو الاستقرار والاستمرار ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾ (لنساء: من الآية 19).

والكبار لا يتسرَّعون في فض عرى الزوجية متى حدث الخلاف، بل يحرصون على رأب الصدع ولَمِّ الشمل، ويستجيبون للنصح من أجل ذلك ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا﴾ (النساء: 35).

الكبار في حياتهم الزوجية ليس لديهم دفاتر قديمة، يُسجِّلون فيها حقوقهم الضائعة ليخرجوها متى حدث الخلاف ليُسجِّل بذلك موقف يُحسب له ويزيده قوةً في حُجَّته.

الكبار يفهمون الزواج فهمًا حقيقيًّا؛ فهو ليس عقد انتفاع بجسد أو امتلاك بضع بثمن، بل الزواج يعني عندهم المودة والسكن، والسعادة والبهجة، البناء والتعمير.

والكُبريات من الزوجات يعرفن قدْر أزواجهم ومكانتهم، فهن يُطعن أزواجهن في كل ما يُطلَب ما لم يُؤمرن بمعصية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لو كنت آمراً أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها" .

وكذلك الزوج؛ يعمل بوصية سيد الأنبياء- صلى الله عليه وسلم- "استوصوا بالنساء" وقوله: "خيركم خيركم لأهله" .

الكبار هم الذين لا يُشعرون زوجاتهم أو أزواجهن بمهانة، بل التعزيز والتكريم، والثناء المتبادل.
الكبار هم الذين يستمعون لزوجاتهم أو أزواجهن عندما يكون لدى أحدهما مشكلة، بل ويُساعدان بعضهما البعض بالرأي والمشورة في جوٍّ من الألفة والسعادة.


الكبار ليس بينهم الذي يتخوَّن أهله ويرتاب فيهم، أو يتتبع عوراتهم "نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يتخوَّنهم أو يلتمس عثراتهم" .



الكبار ليس بينهم الرجل العنتري الذي تبنَّى العنف وسيلةً للإقناع، واتخذ "التكشيرة" سمتًا داخل البيت، وجعل منها رمزًا لرجولته وقوامته داخل المنزل، فيكون فرحًا بشوشًا خارج المنزل، عابسَ الوجه كئيبَ الطبع داخله.
__________________
  #4  
قديم 26-09-2008, 08:48 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الوفاء بالوعد
الكبار يقهرون الأعذار ليوفوا بوعودهم؛ فهم لا يلتمسونها إلا عندما تكون حقيقيةً وقهريةً، ولا يستطيعون التغلب عليها، بل أحيانًا ما يتحاملون على أنفسهم ويتنازلون عن الرُّخَص بنفسٍ راضيةٍ، متكبدين المشقَّة من أجل إنفاذ الوعد والوفاء به.

فالكبار ينأون بأنفسهم أن يتصفوا بصفاتِ أهل النفاق؛ لذا فالدافع في ضميرهم يَقِظٌ حَيٌّ يدفعهم باستمرار إلى الوفاء بالعهد، عنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ" .
__________________
  #5  
قديم 26-09-2008, 08:49 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

مع الأهل وذوي الرحم
الكبار لا ينسون أهليهم وذوي أرحامهم، ولا يقتصر الوفاء عندهم عند مجموعة مُحدَّدة دون غيرها؛ فالوفاء عندهم كلٌّ لا يتجزَّأ؛ فمع وفائهم مع والديهم وأصدقائهم وأعدائهم فهم لا ينسون أبدًا الوفاء لأهليهم وذوي أرحامهم، فيشملونهم جميعًا بالبِرِّ لهم والإحسان إليهم.

فالكبار قد استقرَّ في وجدانهم ومشاعرهم أهمية ومنزلة ذوي القربى، والذين استمدوا هذه المنزلة الكريمة من التوجيهات القرآنية التي انطلقت لتوصي بهم وتأمر بالإحسان إليهم، كما أوصت بالوالدين قال تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ (النساء: من الآية 36).

الكبار يعتبرون وفاءهم لأقربائهم واجبًا عليهم لا اختيار لهم فيه؛ إذ إن ذلك جاء منصوصًا عليه في كتاب الله: ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾ (الإسراء: 26).

الكبار مشاعرهم حية، وقلوبهم يقظة، وعقولهم متفتحة؛ تهزُّهم مثل هذا النداءات الإيمانية، فتلهب الحماسة في قلوبهم، فيكونون أكثر من غيرهم استجابةً لها وعملاً على تنفيذها.

والكبار أحاسيسهم مرهفةً؛ لأنهم يتطلَّعون إلى رضوان الله، فتهتز قلوبهم من الأعماق اهتزازًا من التحذيرات التي جاءت على لسان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من قطيعة الرحم وهجر الأقارب.

جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أعمال بني آدم تُعرض على الله- تبارك وتعالى- عشية كل يوم خميس ليلة الجمعة، فلا يُقبل عمل قاطع رحم" ، وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة قاطع رحم" .

إن الكبار متى سمعوا هذا التحذيرات النبوية انتفضوا وقاموا مسرعين لمراجعة أنفسهم والوفاء لذوي القربى بحقوقهم والعمل على أدائها قبل فوات الأوان.

أما الصغار قاطعو رحمهم، فقلوبهم قد تحجَّرت فلم تعد لهم عقول يفكرون بها، أو آذان يسمعون بها كل هذا النداءات الإلهية والتوجيهات النبوية، وكأنها قد صُمَّت، فهجروا أهل القرابة وقطعوا الصلة بهم إن لم يكونوا قد ظلموهم أو نالوا من حقوقهم، فأخذوا منها بغير حق.
__________________
  #6  
قديم 26-09-2008, 08:50 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وللأصدقاء وفاءً
والكبار أوفياء مع أصدقائهم؛ يحفظون غيبتهم، ويغفرون ذلتهم، ويصونون حقوقهم، ولا ينسون فضلهم؛ بجوارهم في الأزمات يخففون عنهم آلامهم، ويواسونهم في مصابهم.

الكبار لا يعرفون الانتقام أو التشفي ممن صادقوهم وإن أخطئوا؛ فالتسامح والتغافر هو الأصل بينهم، مقتدين بذلك بسيد البشر محمد- صلى الله عليه وسلم- مع الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة الذي أفشى سرَّه للكفار، وبين دعوات القتل أو القصاص أو المحاكمة تأتي رسالة الوفاء من سيد البشر الذي طالب بالعفو عنه عرفانًا ووفاءً لصنيعه يوم بدر، فقال قولته العظيمة: "إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" .
__________________
  #7  
قديم 26-09-2008, 08:52 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ومع الأعداء أوفياء
الكبار لا يغدرون حتى مع أعدائهم أو ينقضون عهدهم، بل الوفاء ما لم يغدروا، والخوف منهم أو الاحتراس من أذاهم لا يعني خيانتهم إطلاقًا أو النيل منهم غيلةً وغدرًا، بل بالمكاشفة والمصارحة وإخبارهم بالرغبة في إلغاء الاتفاق أو إنهاء العقد ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ﴾ (الأنفال: 58).

وإن تعجب فاعجب لهذا الوفاء الذي كان يربِّي النبي- صلى الله عليه وسلم عليه أصحابه- عن حذيفة بن اليمان قال: ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أنِّي خرجت أنا وأبي حسيل، فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمدًا، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة، ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبرناه الخبر، فقال: "انصرفا.. نفي لهم بعهدهم، ونستعين بالله عليهم" .

ومن أشكال وفاء الكبار وأصحاب النفوس الكبيرة مع الأعداء في عهودهم ما جاء في صلح الحديبية؛ حيث كان ملتزمًا بالشروط، وفيًّا مع قريش، فعن أنس- رضي الله عنه- أن قريشًا صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- لعلي: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم"، قال سهيل: أما باسم الله فما ندري ما بسم الله الرحمن الرحيم، ولكن اكتب ما نعرف: باسمك اللهم، فقال: "اكتب: من محمد رسول الله"، قال: لو علمنا أنك رسول الله لاتبعناك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "اكتب: من محمد بن عبد الله"، فاشترطوا على النبي صلى الله عليه وسلم أن من جاء منكم لم نرده عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا، فقالوا: يا رسول الله.. أنكتب هذا، قال: "نعم.. إنه من ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا"، وتم إرجاع أبي بصير مع مجيئه مسلمًا؛ وفاءً بالعهد.
__________________
  #8  
قديم 16-10-2008, 10:20 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

__________________
  #9  
قديم 17-10-2008, 12:01 AM
الصورة الرمزية wafa2y
wafa2y wafa2y غير متواجد حالياً
عضو قدوة
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 1,223
معدل تقييم المستوى: 19
wafa2y is on a distinguished road
افتراضي

جزاكم الله خيرا
علي هذا الموضوع الرائع
__________________
Mahmoud Wafaay
Control - Engineer
Mansoura university


  #10  
قديم 17-10-2008, 01:42 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة sai مشاهدة المشاركة
جزاكم الله خيرا

علي هذا الموضوع الرائع
واياكم اخى الفاضل الكريم
ورضى عنا وعنكم وعن المسلمين اجمعين

__________________
  #11  
قديم 02-11-2008, 08:48 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

__________________
  #12  
قديم 03-11-2008, 07:26 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

__________________
  #13  
قديم 04-01-2009, 07:22 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي



الوفاء
الوفاء
لم يحضر أنس بن النضر غزوة بدر، فحزن لذلك، ثم قال: يا رسول الله، غبتُ عن أول قتال قاتلتَ المشركين فيه، ولئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم قتال المشركين ليرينَّ ما أصنع. وهكذا أخذ أنس بن النضر عهدًا على نفسه بأن يجاهد ويقاتل المشركين، ويستدرك ما فاته من الثواب في بدر، فلما جاءت غزوة أحد انكشف المسلمون، وحدث بين صفوفهم اضطراب، فقال أنس لسعد بن معاذ: يا سعد بن معاذ، الجنَّةَ ورَبَّ النَّضْر، إني لأجد ريحها من دون أحد، ثم اندفع أنس يقاتل قتالا شديدًا حتى استشهد في سبيل الله، ووجد الصحابة به بضعًا وثمانين موضعًا ما بين ضربة بالسيف أو طعنة بالرمح أو رمية بالسهم، ولم يعرف أحد أنه أنس بن النضر إلا أخته بعلامة في إصبعه.
[متفق عليه].
فكان الصحابة يرون أن الله قد أنزل فيه وفي إخوانه قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} [الأحزاب: 23].
***
كانت السيدة خديجة -رضي الله عنها- زوجة رحيمة تعطف على النبي صلى الله عليه وسلم، وتغمره بالحنان، وتقدم له العون، وقد تحملت معه الآلام والمحن في سبيل نشر دعوة الإسلام، ولما توفيت السيدة خديجة -رضي الله عنها- ظل النبي صلى الله عليه وسلم وفيَّا لها، ذاكرًا لعهدها، فكان يفرح إذا رأى أحدًا من أهلها، ويكرم صديقاتها.
وكانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- تغار منها وهي في قبرها، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم: هل كانت إلا عجوزًا قد أبدلكَ الله خيرًا منها؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، وقال لها: (والله ما أبدلني الله خيرًا منها؛ آمنتْ بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد دون غيرها من النساء) [أحمد]. وهكذا ظل النبي صلى الله عليه وسلم وفيَّا لزوجته خديجة -رضي الله عنها-.
***
ضرب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من الأنصار (وهم أهل المدينة) أروع الأمثلة في الوفاء بالعهد، فقد بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم على الدفاع عن الإسلام، ثم أوفوا بعهدهم، فاستضافوا إخوانهم المهاجرين واقتسموا معهم ما عندهم، حتى تم النصر لدين الله.
فعن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم تسعة أو ثمانية أو سبعة، فقال النبي: (ألا تبايعون رسول الله؟). فبسطنا أيدينا، وقلنا: قد بايعناك يا رسول الله، فعلامَ نبايعك؟ قال: (على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا، والصلوات الخمس، وتطيعوا) وأسرَّ كلمة خفية، قال: (ولا تسألوا الناس شيئًا). قال عوف بن مالك: فقد رأيتُ بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم (ما يقود به الدابة)، فما يسأل أحدًا أن يناوله إياه. [مسلم].
***
كان عرقوب رجلا يعيش في يثرب (المدينة المنورة) منذ زمن بعيد، وكان عنده نخل ينتج تمرًا كثيرًا. وذات يوم جاءه رجل فقير مسكين يسأله أن يعطيه بعض التمر، فقال عرقوب للرجل الفقير: لا يوجد عندي تمر الآن، اذهب ثم عد عندما يظهر طلع النخل (أول الثمار). فذهب الفقير، وحينما ظهر الطلع جاء إلى عرقوب، فقال له عرقوب: اذهب ثم عد عندما يصير الطلع بلحًا.
فذهب الرجل مرة ثانية، ولما صار الطلع بلحًا جاء إلى عرقوب، فقال له: اذهب ثم ارجع عندما يصير البلح رطبًا، وعندما صار البلح رطبًا حضر الرجل إلى عرقوب، فقال له عرقوب: اذهب ثم ارجع عندما يصير الرطب تمرًا، فذهب الرجل. ولما صار الرطب تمرًا صعد عرقوب إلى النخل ليلا، وأخذ منه التمر، وأخفاه حتى لا يعطي أحدًا شيئًا منه، فلما جاء الفقير لم يجد تمرًا في النخل، فحزن لأن عرقوب لم يفِ بوعده. وصار عرقوب مثلا في إخلاف الوعد، حتى ذم الناس مُخْلِف الوعد بقولهم: مواعيد عرقوب.
***
ما هو الوفاء؟
الوفاء أن يلتزم الإنسان بما عليه من عهود ووعود وواجبات، وقد أمر
الله -تعالى- بالوفاء بالعهد، فقال جل شأنه: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولاً} [الإسراء: 34]. وقال تعالى: {وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم }.
[النحل: 91].
أنواع الوفاء:
الوفاء له أنواع كثيرة، منها:

الوفاء مع الله: بين الإنسان وبين الله -سبحانه- عهد عظيم مقدس هو أن يعبده وحده لا يشرك به شيئًا، وأن يبتعد عن عبادة الشيطان واتباع سبيله، يقول الله عز وجل: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين. وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم} [يـس: 60-61].
فالإنسان يدرك بفطرته السليمة وعقله أن لهذا الكون إلهًا واحدًا مستحقًّا للعبادة هو الله -سبحانه-، وهذا هو العهد الذي بيننا وبين الله.
الوفاء بالعقود والعهود: الإسلام يوصي باحترام العقود وتنفيذ الشروط التي تم الاتفاق عليها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم) [البخاري]، وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع الكافرين، ووفَّى لهم بما تضمنه هذا العقد، دون أن يغدر بهم أو يخون، بل كانوا هم أهل الغدر والخيانة. والمسلم يفي بعهده ما دام هذا العهد فيه طاعة لله رب العالمين، أما إذا كان فيه معصية وضرر بالآخرين، فيجب عليه ألا يؤديه.
الوفاء بالكيل والميزان: فالمسلم يفي بالوزن، فلا ينقصه، لأن الله -تعالى- قال: {أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم} [هود: 85].
الوفاء بالنذر: والمسلم يفي بنذره ويؤدي ما عاهد الله على أدائه. والنذر: هو أن يلتزم الإنسان بفعل طاعة لله -سبحانه-. ومن صفات أهل الجنة أنهم يوفون بالنذر، يقول تعالى: {يوفون بالنذر ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا}.
[الإنسان: 7]. ويشترط أن يكون النذر في خير، أما إن كان غير ذلك فلا وفاء فيه.
الوفاء بالوعد: المسلم يفي بوعده ولا يخلفه، فإذا ما وعد أحدًا، وفي بوعده ولم يخلف؛ لأنه يعلم أن إخلاف الوعد من صفات المنافقين. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) [متفق عليه].
الغدر والخيانة:
الغدر خلق ذميم، والخيانة هي عدم الوفاء بالعهود، وهي الغش في الكيل والميزان.. وما شابه ذلك. يقول الله -تعالى-: {إن الله لا يحب الخائنين} [الأنفال: 58]. وقال تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون} [البقرة: 27].


__________________
  #14  
قديم 10-01-2009, 09:21 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

الأخلاق
الإسلام دين الأخلاق الحميدة، دعا إليها، وحرص على تربية نفوس المسلمين عليها. وقد مدح الله -تعالى- نبيه، فقال: {وإنك لعلى خلق عظيم}.
[القلم: 4].
وجعل الله -سبحانه- الأخلاق الفاضلة سببًا للوصول إلى درجات الجنة العالية، يقول الله -تعالى-: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين . الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: 133-134].
وأمرنا الله بمحاسن الأخلاق، فقال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا بالذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34]. وحثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، فقال: (اتق الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئةَ الحسنةَ تَمْحُها، وخالقِ الناسَ بخُلُق حَسَن) [الترمذي].
فعلى المسلم أن يتجمل بحسن الأخلاق، وأن يكون قدوته في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أحسن الناس خلقًا، وكان خلقه القرآن، وبحسن الخلق يبلغ المسلم أعلى الدرجات، وأرفع المنازل، ويكتسب محبة الله ورسوله والمؤمنين، ويفوز برضا الله -سبحانه- وبدخول الجنة.
وهذا الكتاب يتناول جملة من الأخلاق الرفيعة التي يجب على كل مسلم أن يتحلى بها، وأن يجعلها صفة لازمة له على الدوام.

__________________
  #15  
قديم 10-01-2009, 09:31 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 37
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

بر الوالدين
كان إسماعيل -عليه السلام- غلامًا صغيرًا، يحب والديه ويطيعهما ويبرهما. وفي يوم من الأيام جاءه أبوه إبراهيم -عليه السلام- وطلب منه طلبًا عجيبًا وصعبًا؛ حيث قال له: {يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات: 102] فرد عليه إسماعيل في ثقة المؤمن برحمة الله، والراضي بقضائه: {قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين}
[الصافات: 102].
وهكذا كان إسماعيل بارًّا بأبيه، مطيعًا له فيما أمره الله به، فلما أمسك إبراهيم -عليه السلام- السكين، وأراد أن يذبح ولده كما أمره الله، جاء الفرج من الله -سبحانه- فأنزل الله ملكًا من السماء، ومعه كبش عظيم فداءً لإسماعيل، قال تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107].
يحكي لنا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ثلاثة رجال اضطروا إلى أن يبيتوا ليلتهم في غارٍ، فانحدرت صخرة من الجبل؛ فسدت عليهم باب الغار، فأخذ كل واحد منهم يدعو الله ويتوسل إليه بأحسن الأعمال التي عملها في الدنيا؛ حتى يفرِّج الله عنهم ما هم فيه، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت أحضر لهما اللبن كل ليلة ليشربا قبل أن يشرب أحد من أولادي، وتأخرت عنهما ذات ليلة، فوجدتُهما نائمين، فكرهت أن أوقظهما أو أعطي أحدًا من أولادي قبلهما، فظللت واقفًا -وقدح اللبن في يدي- أنتظر استيقاظهما حتى طلع الفجر، وأولادي يبكون من شدة الجوع عند قدمي حتى استيقظ والدي وشربا اللبن، اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، وخرج الثلاثة من الغار.
[القصة مأخوذة من حديث متفق عليه].
ما هو بر الوالدين؟
بر الوالدين هو الإحسان إليهما، وطاعتهما، وفعل الخيرات لهما، وقد جعل الله للوالدين منزلة عظيمة لا تعدلها منزلة، فجعل برهما والإحسان إليهما والعمل على رضاهما فرض عظيم، وذكره بعد الأمر بعبادته، فقال جلَّ شأنه: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23].
وقال تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانًا}
[النساء: 36]. وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلى المصير} [لقمان: 14].
بر الوالدين بعد موتهما:
فالمسلم يبر والديه في حياتهما، ويبرهما بعد موتهما؛ بأن يدعو لهما بالرحمة والمغفرة، وينَفِّذَ عهدهما، ويكرمَ أصدقاءهما.
يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: (نعم. الصلاة عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) [ابن ماجه].
وحثَّ الله كلَّ مسلم على الإكثار من الدعاء لوالديه في معظم الأوقات، فقال: {ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41]، وقال: {رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنًا وللمؤمنين والمؤمنات}
[نوح: 28].



فضل بر الوالدين:
بر الوالدين له فضل عظيم، وأجر كبير عند الله -سبحانه-، فقد جعل الله بر الوالدين من أعظم الأعمال وأحبها إليه، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: (الصلاة على وقتها).
قال: ثم أي؟ قال: (ثم بر الوالدين). قال: ثم أي؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) _[متفق عليه]. ومن فضائل بر الوالدين:
رضا الوالدين من رضا الله: المسلم يسعى دائمًا إلى رضا والديه؛ حتى ينال رضا ربه، ويتجنب إغضابهما، حتى لا يغضب الله. قال صلى الله عليه وسلم: (رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد) [الترمذي]، وقال صلى الله عليه وسلم: (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) [البخاري].
الجنة تحت أقدام الأمهات: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يريد الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع ويبر أمه. وفي المرة الثالثة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ويحك! الزم رِجْلَهَا فثم الجنة) [ابن ماجه].
الفوز بمنزلة المجاهد: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أشتهي الجهاد، ولا أقدر عليه. فقال صلى الله عليه وسلم: (هل بقي من والديك أحد؟). قال: أمي. قال: (فاسأل الله في برها، فإذا فعلتَ ذلك فأنت حاجٌّ ومعتمر ومجاهد) [الطبراني].
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال صلى الله عليه وسلم: (أحي والداك؟). قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (ففيهما فجاهد) [مسلم].
وأقبل رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله، فقال صلى الله عليه وسلم: (فهل من والديك أحد حي؟). قال: نعم. بل كلاهما. فقال صلى الله عليه وسلم: (فتبتغي الأجر من الله؟). فقال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: (فارجع إلى والديك، فأَحْسِنْ صُحْبَتَهُما) [مسلم].
الفوز ببرِّ الأبناء: إذا كان المسلم بارًّا بوالديه محسنًا إليهما، فإن الله -تعالى- سوف يرزقه أولادًا يكونون بارين محسنين له، كما كان يفعل هو مع والديه، روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بِرُّوا آباءكم تَبرُّكم أبناؤكم، وعِفُّوا تَعِفُّ نساؤكم) [الطبراني والحاكم].
الوالدان المشركان:
كان سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بارًّا بأمه، فلما أسلم قالت له أمه: يا سعد، ما هذا الذي أراك؟ لتدعن دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتُعَير بي، فيقال: يا قاتل أمه. قال سعد: يا أمه، لا تفعلي، فإني لا أدع ديني هذا لشيء. ومكثت أم سعد يومًا وليلة لا تأكل ولا تشرب حتى اشتد بها الجوع، فقال لها سعد: تعلمين -والله- لو كان لك مائة نَفْس فخرجت نَفْسًا نَفْسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء، فإن شئتِ فكُلِي، وإن شئتِ فلا تأكلي.
فلما رأت إصراره على التمسك بالإسلام أكلت. ونزل يؤيده قول الله تعالى: {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا} [لقمان: 15]. وهكذا يأمرنا الإسلام بالبر بالوالدين حتى وإن كانا مشركين.
وتقول السيدة أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنها-: قدمت على أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قَدِمَتْ وهي راغبة (أي طامعة فيما عندي من بر)، أفَأَصِلُ أمي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (نعم، صلي أمَّكِ) [متفق عليه].
عقوق الوالدين:
حذَّر الله -تعالى- المسلم من عقوق الوالدين، وعدم طاعتهما، وإهمال حقهما، وفعل ما لا يرضيهما أو إيذائهما ولو بكلمة (أف) أو بنظرة، يقول تعالى: {فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا} [الإسراء: 23]. ولا يدخل عليهما الحزن ولو بأي سبب؛ لأن إدخال الحزن على الوالدين عقوق لهما، وقد قال الإمام علي -رضي الله عنه-: مَنْ أحزن والديه فقد عَقَّهُمَا.
جزاء العقوق:
عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين من كبائر الذنوب، بل من أكبر الكبائر، وجمع بينه وبين الشرك بالله، فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين...) [متفق عليه].
والله -تعالى- يعَجِّل عقوبة العاقِّ لوالديه في الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: (كل الذنوب يؤخِّر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الممات) [البخاري].1

__________________
 

العلامات المرجعية

الكلمات الدلالية (Tags)
العهد, الوفاء


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 02:56 AM.