#1
|
||||
|
||||
![]()
النار هي الدار التي أعدها الله للكافرين به ، المتمردين على شرعه ، المكذبين لرسله ، وهي عذابه الذي يعذب فيه أعداءه ، وسجنه الذي يسحن فيه المجرمين .
وهي الخزي الأكبر، والخسران العظيم ، الذي لا خزي فوقه، ولا خسران أعظم منه ، ) ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظلمين من أنصار( [ آل عمران : 192] ، ) ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له ، نار جهنم خلداً فيها ذلك الخزى العظيم( [التوبة: 63]، وقال: ) إن الخاسرين الذي خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين( [ الزمر : 15]. وكيف لا تكون النار كما وصفنا وفيها من العذاب والآلام والأحزان ما تعجز عن تسطيره أقلامنا ، وعن وصفه ألسنتنا، وهي مع ذلك خالدة وأهلها فيها خالدون، ولذلك فإن الحق أطال في ذم مقام أهل النار في النار ) إنها سآءت مستقراً ومقاماً ) [ الفرقان : 66] ، (هذا وإن للطغين لشر مئاب * جهنم يصلونها فبئس المهاد )[ص: 55 – 56]. |
#2
|
||||
|
||||
![]() الجنة والنار مخلوقتان وقال محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية في شرحه لهذا النص : " أما قوله : "إن الجنة والنار مخلوقتان"، فاتفق أهل السنة على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، ولم يزل أهل السنة على ذلك، حتى نبغت نابغة من المعتزلة والقدرية، فأنكرت ذلك، وقالت: بل ينشئهما الله يوم القيامة. وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا، ولا ينبغي له أن يفعل كذا. وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال، ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة. وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث، لأنها تصير معطلة مدداً متطاولة . فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها، وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم". ثم ساق الأدلة من الكتاب والسنة التي تدل على أنهما مخلوقتان، "فمن نصوص الكتاب: قوله تعالى عن الجنة : ) أعدت للمتقين ( [آل عمران: 133]، ) أعدت للذين ءامنوا بالله ورسله ( [الحديد: 21]، وعن النار ) أعدت للكافرين ) [ آل عمران : 131]، ( إن جهنم كانت مرصاداً * للطغين مئاباً ) [ النبأ: 21 – 22]. وقال تعالى: ( ولقد رءاه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى ) [ النجم: 13– 15] . وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - سدرة المنتهي، ورأى عندها جنة المأوى. كما في "الصحيحين"، من حديث أنس رضي الله عنه، في قصة الإسراء، وفي آخره: " ثم انطلق بي جبرائيل، حتى أتى سدرة المنتهى، فغشيها ألوان لا أدري ما هي، قال : ثم دخلت الجنة، فإذا هي جنابذ اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك ". وفي "الصحيحين" من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة ". (1) وحديث البراء بن عازب وفيه : " ينادي مناد من السماء : أن صدق عبدي ، فأفرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة ، قال: فيأتيه من روحها وطيبها ". وفي "صحيح مسلم" ، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: خسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكرت الحديث، وفيه: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأيت في مقامي هذا كل شيء وعدتم، حتى لقد رأيتني أريد أن آخذ قطفاً من الجنة حين رأيتموني جعلت أقدم. ولقد رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً حين رأيتموني تأخرت ". (2) وفي " الصحيحين " واللفظ للبخاري، عن عبد الله بن عباس، قال: انخسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر الحديث ، وفيه : فقالوا : يا رسول الله رأيناك تناولت شيئاً في مقامك ، ثم رأيناك كعكعت ؟ فقال: " أني رأيت الجنة، فتناولت عنقوداً ، ولو أصبته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، فلم أر منظراً كاليوم قط أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء " ، قالوا: بم ، يا رسول الله ؟ قال : "بكفرهن" قيل : يكفرن بالله ؟ قال: " يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئاً، قالت: ما رأيت خيراً قط " . (3) وفي "صحيح مسلم" من حديث عائشة السابق أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبته بعد الصلاة: " لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ، ولضحكتم قليلاً ". (4) وفي "الموطأ والسنن" ، من حديث كعب بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إنما نسمة المؤمن طيرٌ تعلق في شجر الجنة، حتى يرجعها الله إلى جسده يوم القيامة " . (5) وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة. وفي "صحيح مسلم والسنن والمسند" ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله الجنة والنار، أرسل جبرائيل إلى الجنة، فقال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها وإلى ما أعد الله لأهلها فيها، فرجع فقال: وعزتك، لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فأمر بالجنة، فحفت بالمكاره، فقال: ارجع فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها. قال: فنظر إليها، ثم رجع فقال :وعزتك، لقد خشيت أن لا يدخلها أحد . قال: ثم أرسله إلى النار، قال: اذهب فانظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، قال: فنظر إليها، فإذا هي يركب بعضها بعضاً ، ثم رجع فقال: وعزتك، لا يدخلها أحد سمع بها، فأمر بها فحفت بالشهوات، ثم قال: اذهب فانظر إلى ما أعددت لأهلها فيها، فذهب فنظر إليها، فرجع فقال: وعزتك، لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها ". ونظائر ذلك في السنة كثيرة . (6) وقد عقد البخاري في صحيحه باباً قال فيه : "باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة (7) وساق في هذا الباب أحاديث كثيرة تدل على أن الجنة مخلوقة، منها الحديث الذي ينص على أن الله يُري الميت عندما يوضع في قبره مقعده من الجنة والنار، وحديث إطلاع الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الجنة والنار، وحديث رؤية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لقصر عمر بن الخطاب في الجنة، وغير ذلك من الأحاديث، وقد كان ابن حجر مصيباً عندما قال: " وأصرح مما ذكره البخاري في ذلك ما أخرجه أحمد وأبو داود بإسناد قوي عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله الجنة، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها ". (8) شبهة من قال النار لم تخلق بعد : وقد ناقش شارح الطحاوية شبهة الذين قالوا : لم تخلق النار بعد ، ورد عليها فقال: "وأما شبهة من قال: إنها لم تخلق بعد، وهي: أنها لو كانت مخلوقة الآن لوجب اضطراراً أن تفنى يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت، لقوله تعالى: ( كل شيء هالك إلا وجهه( [ القصص : 88] ، و ( كل نفس ذائقة الموت ) [ آل عمران:185]، وقد روى الترمذي في جامعه، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد، أقرئ أمتك مني السلام، وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر " (9) . قال : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود. وفيه أيضاً من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أنه قال: " من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة " (10) ، قال فيه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. قالوا: فلو كانت مخلوقة مفروغاً منها لم تكن قيعاناً، ولم يكن لهذا الغراس معنى . قالوا: وكذا قوله تعالى عن امرأة فرعون أنها قالت: ( رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ) [ التحريم : 11]. فالجواب : إنكم إن أردتم بقولكم إنها الآن معدومة بمنزلة النفخ في الصور وقيام الناس من القبور، فهذا باطل، يرده ما تقدم من الأدلة وأمثالها مما لم يذكر، وإن أردتم أنها لم يكمل خلق جميع ما أعد الله فيها لأهلها، وأنها لا يزال الله يُحدث فيها شيئاً يعد شيء ، وإذا دخلها المؤمنون أحدث فيها عند دخولهم أموراً أخر – فهذا حق لا يمكن رده، وأدلتكم هذه إنما تدل على هذا القدر. وأما احتجاجكم بقوله تعالى: ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88] ، فأتيتم من سوء فهمكم معنى الآية، واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن – نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما!! فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام. فمن كلامهم : أن المراد ( كل شيء ) مما كتب الله عليه الفناء والهلاك ( هالك ) ، والجنة والنار خُلِقتا للبقاء لا للفناء، وكذلك العرش، فإنه سقف الجنة. وقيل : المراد إلا مُلْكَه. وقيل : إلا ما أريد به وجهه. وقيل : إن الله تعالى أنزل: ( كل من عليها فان ) [ الرحمن : 26]، فقالت الملائكة : هلك أهل الأرض ، وطمعوا في البقاء، فأخبر تعالى عن أهل السماء والأرض أنهم يموتون، فقال: ( كل شيء هالك إلا وجهه ) [ القصص : 88] لأنه حي لا يموت، فأيقنت الملائكة عند ذلك بالموت. وإنما قالوا ذلك توفيقاً بينها وبين النصوص المحكمة، الدالة على بقاء الجنة، وعلى بقاء النار أيضاً، على ما يُذْكَر عن قريب، إن شاء الله تعالى" . (11) -------------------------------- (1) صحيح البخاري 1379. وصحيح مسلم : 2866. (2) صحيح مسلم : 901. (3) صحيح البخاري: 1052، 5197. وصحيح مسلم : 907. (4) صحيح مسلم : 901 (5) قال الألباني في تحقيقه للطحاوية: صحيح . (6) شرح الطحاوية : 476 – 478 . (7) في كتاب بدء الخلق، انظر فتح الباري : (6/317) (8) فتح الباري ![]() (9) سنن الترمذي : 3462. وقال الشيخ ناصر في تعليقه على شرح الطحاوية ص : 106 وهو مخرج في الصحيحة. (10) وقال أيضاً في هذا الحديث: صحيح، وهو مخرج في المصدر السابق : 64. وهو في سنن الترمذي برقم : 3464. (11) شرح الطحاوية: ص 479/ وراجع في هذه الموضوع: (بقظة أولى الاعتبار لصديق حسن خان ص : 37، وعقيدة السفاريني : (2/230). |
#3
|
||||
|
||||
![]() خزنة النار وعدتهم تسعة عشر ملكاً ، كما قال تعالى: ( سأصليه سقر*وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر*لواحةٌ للبشر*عليها تسعة عشر ) [ المدثر: 26 - 30] وقد فتن الكفار بهذا العدد، فقد ظنوا أنه يمكن التغلب على هذا العدد القليل، وغاب عنهم أن الواحد من هؤلاء يملك من القوة ما يواجه به البشر جميعاً، ولذلك عقب الحق على ما سبق بقوله: ( وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ) [ المدثر: 31]. قال ابن رجب: " والمشهور بين السلف والخلف أن الفتنة إنما جاءت من حيث ذكر عدد الملائكة الذين اغتر الكفار بقلتهم، وظنوا أنهم يمكنهم مدافعتهم وممانعتهم، ولم يعلموا أن كل واحد من الملائكة لا يمكن البشر كلهم مقاومته" (1) . وهؤلاء الملائكة هم الذين سماهم الله "بخزنة جهنم" في قوله: ( وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب ) [ غافر: 49]. -------------------------------- (1) التخويف من النار: ص 174. |
#4
|
||||
|
||||
![]() مكان النار وقال الشيخ ولي الله الدهلوي في عقيدته : "ولم يصرح نص في تعيين مكانهما (أي الجنة والنار)، بل حيث شاء الله تعالى، إذ لا إحاطة لنا بخلق الله وعوالمه " (2) ، وقال صديق حسن خان عقب إيراده لقول الدهلوي هذا: " أقول : وهذا القول أرجح الأقوال وأحوطها إن شاء الله تعالى " . (3) -------------------------------- (1) يقظة أولي الاعتبار، لصديق حسن خان: ص 47 . (2) المصدر السابق: ص 47. (3) المصدر السابق. |
#5
|
||||
|
||||
![]() سعة النار وبعد قعرها الأول : الذين يدخلون النار أعداد لا تحصى، ومع كثرة عددهم فإن خلق الواحد فيهم يضخم حتى يكون ضرسه في النار مثل جبل أحد، وما بين منكبيه مسيرة ثلاثة أيام، ومع ذلك فإنها تستوعب هذه الأعداد الهائلة التي وجدت على امتداد الحياة الدنيا من الكفرة المجرمين على عظم خلقهم، ويبقى فيها متسع لغيرهم وقد أخبرنا الله بهذه الحقيقة في سورة ق فقال: ( ويوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد ) [ ق: 30]. إن النار تشبه الطاحونة التي ينحدر إليها ألوف وألوف من أطنان الحبوب فتدور بذلك كله لا تكل ولا تمل ، وينتهي الحب والطاحونة تدور انتظاراً للمزيد. وقد جاء في حديث احتجاج الجنة والنار أن الله يقول للنار: " إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار، فلا تمتلئ حتى يضع رجله – وفي رواية حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله – فتقول : قط قط قط ، فهنالك تمتلئ ، ويُزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً " رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة . (1) وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد، حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعض ، وتقول: قط ، قط ، بعزتك وكرمك " متفق عليه . (2) الثاني : يدل على بعد قعرها أيضاً أن الحجر إذا ألقي من أعلاها احتاج إلى آماد طويلة حتى يبلغ قعرها، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، إذ سمع وَجْبَة (3) ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " تدرون ما هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم . قال: هذا حجر رمي به في النار منذ سبعين خريفاً، فهو يهوي في النار إلى الآن " . (4) وروى الحاكم عن أبي هريرة، والطبراني عن معاذ وأبي أمامة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لو أن حجراً مثل سبع خلفات، ألقي من شفير جهنم هوى فيها سبعين خريفاً لا يبلغ قعرها " . (5) الثالث : كثرة العدد الذي يأتي بالنار من الملائكة في يوم القيامة، فقد وصف الرسول - صلى الله عليه وسلم - مجيء النار في يوم القيامة، الذي يقول الله فيه: ( وجاىء يومئذ بجهنم ) [ الفجر: 23]، فقال: " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك " رواه مسلم عن عبد الله ابن مسعود (6) . ولك أن تتخيل عظم هذا المخلوق الرهيب الذي احتاج إلى هذا العدد الهائل من الملائكة الأشداء الأقوياء الذين لا يعلم مدى قوتهم إلا الله تبارك وتعالى . الرابع : ومما يدل على هول النار وكبرها أن مخلوقين عظيمين كالشمس والقمر يكونان ثورين مكورين في النار، ففي "مشكل الآثار" للطحاوي عن سلمة بن عبد الرحمن قال: حدثنا أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الشمس والقمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة ". ورواه البيهقي في كتاب "البعث والنشور" وكذا البزار والإسماعيلي والخطابي، بإسناد صحيح، على شرط البخاري، وقد أخرجه في صحيحه مختصراً بلفظ: " الشمس والقمر مكوران في النار " . (7) -------------------------------- (1) جامع الأصول : (10/544) وهو في البخاري يرقم : 4850 . وفي مسلم : 2846. (2) مشكاة المصابيح : (3/109) وهو في البخاري برقم : 6661. وفي مسلم : 2848. واللفظ لمسلم. (3) أي سقطة. (4) رواه مسلم ، كتاب الجنة ، باب في شدة حر النار، (4/2184)، ورقمه (2844). (5) صحيح الجامع الصغير: (5/58)، ورقمه (5214)، وإسناده صحيح. (6) صحيح مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيم أهلها، باب في شدة حر جهنم (4/2184)، ورقم الحديث: (2842) . (7) أورده الشيخ ناصر الحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/32)، ورقم الحديث : 124، وقد نقلنا تحقيقه للحديث مختصراً. |
#6
|
||||
|
||||
![]() دركات النار وقد تسمى النار درجات أيضاً، ففي سورة الأنعام ذكر الله أهل الجنة والنار، ثم قال: ( ولكلٍ درجاتٌ مما عملوا ) [ الأنعام: 132]، وقال: ( أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير* هم درجاتٌ عند الله..) [ آل عمران : 162 - 163]، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: " درجات الجنة تذهب علواً، ودرجات النار تذهب سفلاً " (2) . وقد ورد عن بعض السلف أن عصاة الموحدين ممن يدخلون النار يكونون في الدرك الأعلى ، ويكون في الدرك الثاني اليهود ، وفي الدرك الثالث النصارى ، وفي الدرك الرابع الصائبون ، وفي الخامس المجوس ، وفي السادس مشركوا العرب ، وفي السابع المنافقون (3) . ووقع في بعض الكتب تسمية هذه الدركات: فالأول جهنم، والثاني لظى، والثالث الحطمة، والرابع السعير، والخامس سقر، والسادس الجحيم ، والسابع الهاوية . ولم يصح تقسيم الناس في النار وفق هذا التقسيم، كما لم يصح تسمية دركات النار على النحو الذي ذكروه ، والصحيح أن كل واحد من هذه الأسماء التي ذكروها : جهنم، لظى ، الحطمة ... إلخ اسم علم للنار كلها، وليس لجزء من النار دون جزء ، وصح أن الناس متفاوتون على قدر كفرهم وذنوبهم . -------------------------------- (1) راجع تذكرة القرطبي: ص 382، والتخويف من النار ، لابن رجب : ص 50 . (2) التخويف من النار ، لابن رجب : ص 50 . (3) إذا كان هذا التقسيم اجتهادي بحسب فقهنا للنصوص الدالة على شدة جرم الفرق المختلفة ، فإن هذا الترتيب الذي ذكروه يحتاج إلى إعادة نظر ، فالمجوس عباد النيران ليسوا بأقل جرماً من مشركي العرب ، والأولى أن نسكت فيما سكتت عنه النصوص . |
#7
|
||||
|
||||
![]() أبواب النار وعندما يردُ الكفار النار تفتح أبوابها، ثم يدخلونها خالدين ( وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين ) [ الزمر: 71]، وبعد هذا الإقرار يقال لهم: ( ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ) [ الزمر: 72] ، وهذه الأبواب تغلق على المجرمين، فلا مطمع لهم في الخروج منها بعد ذلك، كما قال تعالى: ( والذين كفروا بئاياتنا هم أصحاب المشئمة*عليهم نار مؤصدة ) [ البلد : 19 - 20]. قال ابن عباس: ( مؤصدة ) مغلقة الأبواب، وقال مجاهد: أصد الباب بلغة قريش، أي أغلقه . (2) وقال الحق في سورة الهمزة: ( ويل لكل همزة لمزة*الذي جمع مالاً وعدده*يحسب أن ماله أخلده* كلا لينبذن في الحطمة* وما أدراك ما الحطمة* نار الله الموقدة*التي تطلع على الأفئدة* إنها عليهم مؤصدة* في عمد ممدة ) [الهمزة : 1 - 9] . فأخبر الحق أن أبوابها مغلقة عليهم، وقال ابن عباس: ( في عمد ممدده ) يعني الأبواب هي الممددة ، وقال قتادة في قراءة ابن مسعود: إنها عليهم مؤصدة بعمد ممددة (3) ، وقال عطية العوفي : هي عمد من حديد ، وقال مقاتل : أطبقت الأبواب عليهم، ثم شدت بأوتاد من حديد، حتى يرجع عليهم غمها وحرها، وعلى هذا فقوله: ( ممددة ) صفة للعمد، يعني أن العمد التي أوثقت بها الأبواب ممددة مطولة، والممدود الطويل أرسخ وأثبت من القصير . (4) وقد تفتح أبواب النار وتغلق قبل يوم القيامة، فقد أخبر المصطفى أن أبواب النار تغلق في شهر رمضان، فعن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين ومردة الجن " . (5) وخرّج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب " . (6) -------------------------------- (1) تفسير ابن كثير : ( 4/164). (2) تفسير ابن كثير : ( 7/ 298) . (3) تفسير ابن كثير : (7/368). (4) التخويف من النار، لابن رجب ، ص 61. (5) صحيح البخاري: 1898، 1899 ومسلم : 1079 واللفظ لمسلم. (6) سنن الترمذي : 682، وأورده الألباني في صحيح سنن الترمذي : 549. |
#8
|
||||
|
||||
![]() وقود النار والمراد بالناس الذين توقد النار بهم الكفرة المشركون، وأما نوع الحجارة التي تكون للنار وقوداً فالله أعلم بحقيقتها، وقد ذهب بعض السلف إلى أن هذه الحجارة من كبريت، قال عبد الله بن مسعود : هي حجارة من كبريت، خلقها الله يوم خلق السماوات والأرض في السماء الدنيا يعدها للكافرين ، رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والحاكم في المستدرك . وقال بهذا القول ابن عباس ومجاهد وابن جريج . (1) وإذا كان القول هذا مأخوذاً من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فنأخذ به، ولا نجادل فيه ، وإن كان أمراً اجتهادياً مبنياً على العلم بطبائع الحجارة وخصائصها فهذا قول غير مسلّم ، فإن من الحجارة ما يفوق حجارة الكبريت قوة واشتعالاً . والأوائل رأوا أن حجارة الكبريت لها خصائص ليست لغيرها من الحجارة فقالوا إنها مادة وقود النار ، يقول ابن رجب : " وأكثر المفسرين على أن المراد بالحجارة حجارة الكبريت توقد بها النار . ويقال : إن فيها خمسة أنواع من العذاب ليس في غيرها : سرعة الإيقاد ، ونتن الرائحة ، وكثرة الدخان ، وشدة الالتصاق بالأبدان ، قوة حرها إذا حميت " (2) . وقد يوجد الله من أنواع الحجارة ما يفوق ما في الكبريت من خصائص، ونحن نجزم أن ما في الآخرة مغاير لما في الدنيا. ومما توقد به النار الآلهة التي كانت تعبد من دون الله ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون* لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكلٌ فيها خالدون ) [الأنبياء : 98 – 99 ]. وحصبها : وقودها وحطبها ، وقال الجوهري : " كل ما أوقدت به النار أو هيجتها فقد حصبتها " ، وقال أبو عبيدة: " كل ما قذفته في النار فقد حصبتها به " . (3) -------------------------------- (1) تفسير ابن كثير : ( 1/107). (2) التخويف من النار ، لابن رجب : ص 107. (3) يقظة أو لي الاعتبار : ص 61. |
#9
|
||||
|
||||
![]() شدة حرها وعظم دخانها وشرارها وكما هوّل في هذه الآية أمر أصحاب الشمال أهل النار ، هوّل في آية أخرى أمر النار فقال: ( وأما من خفت موازينه* فأمه هاوية* وما أدراك ما هيه * نار حامية ) [القارعة : 8 - 11 ]. والظل الذي أشارت إليه الآية ( وظل من يحموم ) [الواقعة : 43 ] ، هو ظل دخان النار ، والظل يشعر عادة بالنداوة والبرودة ، كما أن النفس تحبه وتستريح إليه، أما هذا الظل فإنه ليس ببارد المدخل ولا بكريم المنظر، إنه ظل من يحموم . وقد حدثنا القرآن عن هذا الظل الذي هو دخان جهنم الذي يعلو النار، فقال: ( انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب* لا ظليل ولا يغني من اللهب* إنها ترمي بشرر كالقصر *كأنه جملت صفر ) [ المرسلات: 30-33 ]. فالآية تقرر أن الدخان الذي يتصاعد من هذه النار لضخامته ينقسم إلى ثلاثة أقسام، وهو يلقي ظلالاً ولكنها غير ظليلة، ولا تقي من اللهب المشتعل، أما شرار هذه النار المتطاير منها فإنه يشبه الحصون الضخمة، كما يشبه هذا الشرار الجمالة الصفر، أي الإبل السود. وقال الحق مبيناً قوة هذه النار، ومدى تأثيرها في المعذبين : ( سأصليه سقر*وما أدراك ما سقر*لا تبقي ولا تذر*لواحة للبشر ) [المدثر: 26-29 ] ، إنها تأكل كل شيء ، وتدمر كل شيء ، لا تبقي ولا تذر ، تحرق الجلود ، وتصل إلى العظام ، وتصهر ما في البطون ، وتطلع على الأفئدة . وقد أخبرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن " نارنا جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم "، قيل : يا رسول الله إن كانت لكافية، قال: " فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً، كلهن مثل حرها " . رواه البخاري ومسلم ، واللفظ للبخاري ، وفي لفظ مسلم: " ناركم التي يوقد ابن آدم.." . (2) وهذه النار لا يخبو أوارها مع تطاول الزمان، ومرور الأيام ( فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً ) [النبأ: 30 ]، ( كلما خبت زدناهم سعيرا ) [الإسراء : 97 ]، ولذلك لا يجد الكفار طعم الراحة، ولا يخفف عنهم العذاب مهما طال العذاب : ( فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون ) [البقرة: 86 ]. والنار تسعر كل يوم كما في الحديث عند مسلم عن عمرو ابن عبسة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة، حتى تطلع الشمس، حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة فإن حينئذ تسجر جهنم ، فإذا أقبل الفيء فصلِّ " . (3) وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة ، فإن شدة الحر من فيح جهنم " . (4) وتُسعرُ النار في يوم القيامة عندما تستقبل أهلها ( وإذا الجحيم سعرت *وإذا الجنة أزلفت ( [التكوير: 12-13 ]، ومعنى سُعِّرت : أوقدت، وأحميت . -------------------------------- (1) التخويف من النار: ص 85 . (2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار ، فتح الباري: (6/330)، ورواه مسلم في كتاب الجنة، باب شدة حر النار : ( 4/2184). (3) صحيح مسلم : 832 . (4) صحيح البخاري: 536. ومسلم : 615. |
#10
|
||||
|
||||
![]() النار تتكلم وتبصر وروى ابن جرير عن ابن عباس قال : " إن الرجل ليجر إلى النار، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن: ما لك؟ فتقول: إنه يستجير مني، فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول: يا رب ما كان هذا الظن بك، فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك، فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل إلى النار، فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف " . (1) وقد خرج الإمام أحمد والترمذي من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يخرج يوم القيامة عنق من النار، لها عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق ، تقول: إني وُكّلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من دعا مع الله إلها آخر، وبالمصورين " وصححه الترمذي . (2) -------------------------------- (1) ساق ابن كثير هذا الحديث في (النهاية) (2/21) وقال: ( إسناده صحيح ) . وانظره في تفسير ابن جرير: 18/187. (2) التخويف من النار، ص 179، وانظر جامع الأصول: ( 10/518)، وقال المحقق: إسناده حسن ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح غريب . |
#11
|
||||
|
||||
![]() رؤيا ابن عمر للنار -------------------------------- (1) صحيح البخاري: 7028، 7029 . ومسلم : 2479. |
#12
|
||||
|
||||
![]() هل يرى أحد النار قبل يوم القيامة عياناً ؟ وفي صحيح البخاري عن أسماء أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: " قد دنت مني الجنة، حتى لو اجترأت عليها لجئتكم بقطاف من قطافها، ودنت مني النار حتى قلت: أي رب وأنا معهم ؟ فإذا امرأة – حسبت أنه قال – تخدشها هرة. قلت: ما شأن هذه ؟ قالوا: حبستها حتى ماتت جوعاً، لا هي أطعمتها، ولا أرسلتها تأكل – قال نافع: حسبت أنه قال: - من خشيش أو خشاش الأرض " . (2) وفي مسند أحمد عن المغيرة بن شعبة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " إن النار أدنيت منى حتى نفخت حرها عن وجهي، فرأيت فيها صاحب المحجن، والذي بحر البحيرة، وصاحب حمير، وصاحبة الهرة " . (3) وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عرضت عليّ الجنة، حتى لو تناولت منها قطفاً أخذته، ( أو قال: تناولت منها قطفاُ، فقصرت يدي عنه)، وعرضت عليّ النار فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تعذب في هرة لها، ربطتها فلم تطعمها، ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، ورأيت عمرو بن مالك يجرُّه قصبه في النار " . (4) وبعد أن يموت العباد تعرض عليهم في البرزخ مقاعدهم في الجنة إن كانوا مؤمنين ، ومقاعدهم في النار إن كانوا كافرين . -------------------------------- (1) مشكاة المصابيح : ( 1/ 407) ، وانظر البخاري : 1052. ومسلم : 907. (2) صحيح الجامع : ( 4/ 133)، ورقم الحديث : 4247. انظر صحيح البخاري : 745، 2364. (3) صحيح الجامع : ( 2/171)، ورقمه : 1968. (4) صحيح مسلم : 904. |
#13
|
||||
|
||||
![]() تأثير النار على الدنيا وأهلها وروى البخاري أيضاً عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم " . (1) -------------------------------- (1) انظر هذين الحديثين في صحيح البخاري ، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، فتح الباري: (6/330)، ورقمهما: 3258، 5259، 3260. وانظرهما في مسلم برقم : 616، 617. |
#14
|
||||
|
||||
![]() النار خالدة لا تبيد وجاء في كتابه " مراتب الإجماع" قوله: "...وأن النار حق، وأنها دار عذاب لا تفنى ، ولا يفنى أهلها بلا نهاية " (3) . والنصوص الدالة على خلود النار كثيرة ، وحسبك أن الله سماها " دار الخلد ". هذا مذهب أهل السنة والجماعة أن النار خالدة لا تبيد، وأهلها فيها خالدون، ولا يخرج منها إلا عصاة الموحدين، أما الكفرة والمشركون فهم فيها خالدون. القائلون بفناء النار والمخالفون لمذهب أهل الحق في هذه المسألة سبع فرق : 1- الجهمية : القائلون بفناء النار وفناء الجنة أيضاً، وقد حكى الإمام أحمد في آخر كتاب " الرد على الزنادقة " مذهب الجهمية بأن النار والجنة تفنيان ، ورد عليهم ذاكراً النصوص الدالة على عدم فنائهما . 2- الخوارج والمعتزلة :يقولون بخلود كل من يدخل النار، ولو كانوا من أهل التوحيد، وسر هذا القول أن الخوارج يكفرون المسلمين بالذنوب، فكل من ارتكب ذنباً، فإنه كافر خالد مخلد في نار جهنم، والمعتزلة يرون أن من ارتكب ذنباً في منزلة بين المنزلتين، فلا هو مؤمن ولا كافر، ويجرون عليه أحكام الإسلام في الدنيا، ولكنه في الآخرة مخلد في نار جهنم، وقد سقنا كثيراً من النصوص الدالة على أن أهل التوحيد يخرجون من النار . 3- اليهود : الذين يزعمون أنهم يعذبون في النار وقتاً محدوداً، ثم يخلفهم غيرهم فيها، وقد أكذبهم الله في زعمهم، ورد عليهم مقالتهم ( وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله مالا تعلمون * بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [البقرة: 80 - 81 ]. ( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون*ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون ) [آل عمران : 23 - 24 ] . ونقل ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال في تفسير آية البقرة: " قال أعداء الله اليهود: لن يدخلنا الله النار إلا تحلة القسم، الأيام التي أصبنا فيها العجل: أربعين يوماُ، فإذا انقضت عنا تلك الأيام، انقطع عنا العذاب " . وذكر ابن حرير عن السدي قوله: " قالت اليهود : إن الله يدخلنا النار أربعين ليلة، حتى إذا أكلت النار خطايانا، نادى مناد: أخرجوا كل مختون من ولد بني إسرائيل ، فلذلك أمرنا أن نختن ، قالوا : فلا يدعون منا في النار أحداً إلا أخرجوه " . (4) وذكر أيضاً ابن عباس قال: " ذكر أن اليهود وجدوا في التوراة مكتوياً : إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة إلى أن ينتهي إلى شجرة الزقوم ثابتة في أصل الجحيم، وكان ابن عباس يقول: إن الجحيم سقر، وفيها شجرة الزقوم، فزعم أعداء الله أنه خلا العدد الذي وجدوا في كتابهم أياماً معدودة ". قال ابن جرير: "وإنما يعني بذلك يعني بذلك المسير الذي ينتهي في أصل الجحيم، فقالوا: إذا خلا العدد انتهى الأجل ، فلا عذاب وتذهب جهنم وتهلك، فذلك قوله: ( لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ) [البقرة:80 ]. يعنون بذلك الأجل ، فقال ابن عباس : " لما اقتحموا من باب جهنم ساروا في العذاب، حتى انتهوا إلى شجرة الزقوم آخر يوم من الأيام المعدودة، قال لهم خزان سقر : زعمتم أنكم لن تمسكم النار إلا أياماً معدودة، فقد خلا العدد، وأنتم في الأبد، فأخذ بهم في الصعود في جهنم يرهقون " . (5) 4- قول إمام الاتحادية ابن عربي الطائي ، فإنه زعم أن أهلها يعذبون فيها مدة، ثم تنقلب طبائعهم نارية يتلذذون بالنار لموافقتها لطبائعهم، قال ابن حجر في الفتح: "وهذا قول بعض من ينسب إلى التصوف من الزنادقة " . (6) 5- قول من زعم أن أهلها يخرجون منها ، وتبقى على حالها خالدة لا تبيد . 6- قول أبي هذيل العلاف من أئمة المعتزلة الذاهب إلى أن حياة أهل النار تفنى، ويصيرون جماداً لا يتحركون ، ولا يحسون بألم، قال بذلك لأنه يقول بامتناع حوادث لا نهاية لها، فخالف الأدلة الصريحة القطيعة الثبوت بمقاييس عقلية باطلة. 7- قول من قال: إن الله يخرج منها من يشاء ، كما ورد في الأحاديث ، ثم يبقيها شيئاً ، ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه . (7) والقول الأخير مال إليه البحر العلامة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وغفر له ، كما ذهب تلميذه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى. وقد تتابع العلماء في التأليف لبيان خطأ هذا المذهب، يقول ابن حجر العسقلاني بعد حكايته لهذا القول: "وقد مال بعض المتأخرين إلى هذا القول، ونصره بعدة أوجه من جهة النظر، وهو مذهب رديء مردود على قائله، وقد أطنب السبكي الكبير في بيان وهائه فأجاد " (8) ، وهذا الكتاب الذي أشار إليه هو "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" لتقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي المتوفى سنة 756. وقال صديق حسن خان: "وقد ألف العلامة الشيخ مرعي الكرمي الحنبلي رسالة سماها: " توفيق الفريقين على خلود أهل الدارين " ، وفي الباب رسالة للسيد الإمام محمد بن إسماعيل الأمير ، ورسالة للقاضي العلامة المجتهد محمد بن علي الشوكاني ، حاصلهما بقاء الجنة والنار وخلود أهلهما فيهما " . (9) وهنا أمور نحب بيانها : الأول : أن هذا القول قول باطل وإن ذهب إليه علمان من أعلام الإسلام، فقد علمنا شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم أن حب الحق ينبغي أن يكون مقدماً على حب الرجال. وأدلة بطلانه النصوص الكثيرة الدالة على خلود النار، وهي نصوص قطعية الثبوت قطعية الدلالة، وقد ذكرنا قول من نقل الإجماع على خلود النار . الثاني : أنه لا يجوز بحال من الأحوال ذم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بسبب هذه المقالة ، فقد كفرهما قوم ، وفسقهما قوم بسبب ذلك، وكل هذا ليس بصواب، فإنهما مجتهدان مأجوران مثابان، ولو علما الحق في خلاف قولهما لاتبعاه ، ودعوى أن المخالف في مثل هذا يكفر قائله يوصل القائلين بهذا إلى تكفير أئمة هذه الأمة الذين لا يُمارى في إمامتهم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يذهب إلى أن المسافر إذا لم يجد الماء لا يتيمم ولا يصلي، وقد اتفقت الأمة على خلاف هذا ، والإمام مالك كان يرى أن "بسم الله الرحمن الرحيم" ليست آية من كتاب الله ، وقد أجمعت الأمة على أن مابين الدفتين قرآن، وقال أقوام بعدم زيادة الإيمان ونقصانه مع كونه مثبت بالكتاب والسنة صريح فيهما، والإجماع منعقد عليه. الثالث : ينبغي أن ننبه أن لابن تيمية وابن القيم قولاً بعدم فناء النار، جاء في مجموع فتاوى شيخ الإسلام قوله في إجابة سؤال: " وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين، كالجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله، وسنة رسوله، وجماع سلف الأمة وأئمتها " . (10) وإذا كان الأمر كذلك، أي لهما قولان، فلا يجوز أن نجزم بأن القول بفناء النار هو قولهما ما لم يعلم أنه القول الأخير ، وإذا لم يعلم القول الأخير فالأولى التوقف في نسبة أحد المذهبين إليهما. الرابع :الأدلة التي احتج بها شيخ الإسلام وابن القيم على فناء النار، بعضها غير صحيح، والصحيح منها غير صريح، بل يمكن حمله على غير فناء النار، بل على فناء النار التي يكون فيها عصاة الموحدين. وقد ناقش الصنعاني في رسالته التي يرد فيها على ابن تيمية وابن القيم هذه الأدلة، وبين عدم نهوضها على ما ذهبا إليه. وهذه الرسالة هي المسماة " برفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار " . (11) ومن الذين تعرضوا لهذه المسألة القرطبي في " التذكرة "، فقد ساق النصوص الدالة على خلود الجنة والنار، والمخبرة بأن الموت يذبح بين الجنة والنار ثم يقال: "يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت" ثم قال: " هذه الأحاديث مع صحتها في خلود أهل الدارين فيها، لا إلى غاية ولا إلى أمد، مقيمين على الدوام والسرمد من غير موت ولا حياة ولا راحة ولا نجاة " . (12) ورد القرطبي على الذين قالوا بفناء النار، وبين أن الذي يفنى إنما هو النار التي يدخلها عصاة الموحدين، قال: " فمن قال : إنهم يخرجون منها، وأن النار تبقى خالية بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول، فهو خارج عن مقتضى المعقول، ومخالف لما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول .. وإنما تخلى جهنم وهي الطبقة العلية التي فيها العصاة من أهل التوحيد، وهي التي ينبت على شفيرها الجرجير " . (13) ونقل القرطبي عن فضل بن صالح المعافري قال: " كنا عند مالك بن أنس ذات يوم، فقال لنا: انصرفوا، فلما كان العشية رجعنا إليه، فقال: إنما قلت لكم انصرفوا، لأنه جاءني رجل يستأذن علي زعم أنه قدم من الشام في مسألة فقال: يا أبا عبد الله ما تقول في أكل الجرجير، فإنه يتحدث عنه أنه ينبت على شفير جهنم ؟ فقلت له : لا بأس به (14) . فقال: أستودعك الله ، وأقرأ عليك السلام، ذكره الخطيب أبو بكر أحمد رحمه الله ، وذكر أبو بكر البزار، عن عمرو بن ميمون، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: يأتي على النار زمان تخفق الرياح أبوابها، ليس فيها أحد، يعني من الموحدين ، هكذا رواه موقوفاً عن عبد الله بن عمرو، وليس فيه ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومثله لا يقال من جهة الرأي ، فهو مرفوع " . (15) -------------------------------- (1) شرح الطحاوية: ص 476 . (2) الملل والنحل : لابن حزم: ( 4/83). (3) مراتب الإجماع : 173. (4) تفسير ابن جرير : (1/381). (5) تفسير ابن جرير: (1/381) . (6) فتح الباري : (11/421). (7) راجع في هذا المبحث المصادر التالية: شرح الطحاوية : ص483، شرح عقيدة السفاريني ( 2/234)، بقظة أولي الاعتبار لصديق حسن خان: ص41، فتح الباري: (11/421) . (8) فتح الباري : (11/422) . (9) يقظة أولي الاعتبار، لصديق حسن خان: ص 42، ورسالة الصنعاني طبعها المكتب الإسلامي بييروت، وقد حققها وكتب لها مقدمة ضافية الشيخ ناصر الدين الألباني فأجاد . (10) مجموع فتاوى شيخ الإسلام : 18/307). (11) طبعها المكتب الإسلامي / بيروت . (12) التذكرة للقرطبي : ص 436. (13) هذا القول لا يصح فيه خبر ثابت، وكأن قائله أراد منه خمود النار التي يكون فيها عصاة الموحدين حتى ينبت النبات على حوافها . (14) هذه القصة إن كانت صحيحة فقد تكلف هذا السائل في سفره لتبين أمر هو في غاية الوضوح . (15) التذكرة للقرطبي : ص 437. |
#15
|
||||
|
||||
![]() أهلها المخلدون فيها المطلب الأول التعريف بهم وقال: ( ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فإن له نار جهنم خالداً فيها ذلك الخزي العظيم ) [التوبة : 63 ]، وقال : ( ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون ) [التوبة : 17]. ولما كانوا خالدين فيها فقد وصف الحق عذاب النار بأنه مقيم، أي لا ينقطع، كما أضافه إلى الخلد، قال تعالى : ( يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم ) [المائدة:37] وقال : ( ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ) [يونس: 52 ]. وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، خلود " (1) . وروي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود لا موت، ولأهل النار، يا أهل النار خلود لا موت " . (2) وهذا يقال بعد ذبح الموت كما في حديث ابن عمر عند البخاري، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادي: يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم " . (3) وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار،فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون:نعم هذا الموت. قال: ويقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح. قال: ثم قال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت". قال: ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون ) [مريم : 39 ] . (4) وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري يرفعه قال: " إذا كان يوم القيامة أتي بالموت كالكبش الأملح ، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة، ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار " قال: حديث حسن صحيح . (5) المطلب الثاني النار مسكن الكفرة المشركين وهي بئس المسكن والمثوى ، ( فحسبه جهنم ولبئس المهاد ) [البقرة: 206 ]، ( وإن للطاغين لشر مئاب*جهنم يصلونها فبئس المهاد ) [ص:55-56 ]. المطلب الثالث الدعاة إلى النار وهؤلاء الذين يدعون إلى النار في الدنيا يقودون أقوامهم وأتباعهم إلى النار في الآخرة ، ففرعون مثلاً: ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار ) [هود:98 ]. وكل قادة الشر الذين يدعون إلى عقائد ومبادئ مخالفة للإسلام هم دعاة إلى النار، لأن الطريق الوحيد الذي ينجي من النار ويدخل الجنة هو طريق الإيمان ( ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ) [غافر: 41 ]، كانوا يدعونه إلى فرعون وكفره وشركه، وهو يدعوهم إلى الله وتوحيده والإيمان به . ولما كان الكفار دعاة إلى النار حرم الله على المؤمنين الزواج من المشركات، كما حرم على المؤمنات الزواج من المشركين ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون ) [البقرة: 221 ]. المطلب الرابع أعظم جرائم الخالدين في النار 1- الكفر والشرك : فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الذين كفروا يُنادَون عندما يكونون في النار. فيقال لهم: إن مقت الله لكم أعظم من مقتكم أنفسكم بسبب كفركم بالإيمان، ثم بين أن خلودهم في النار إنما هو بسبب كفرهم وشركهم ( إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون*قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل*ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير ) [غافر: 10 ]. وحدثنا الحق تبارك وتعالى أن خزنة النار يسألون الكفار عند ورودهم النار قائلين: ( أولم تكُ تأتيكم رسلكم بالبينات ) [غافر: 50 ]، فيكون الجواب: أنهم استحقوا النار بسبب تكذيبهم المرسلين ، وما جاؤوا به ( قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير ) [الملك: 9 ]. وقال في المكذبين بالكتاب: ( وقد آتيناك من لدنا ذكرا*من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً خالدين فيها وساء لهم يوم القيامة حملا ) [طه:99-101 ]. وقال في المكذبين بالكتاب المشركين بالله : ( الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون*إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون* في الحميم ثم في النار يسجرون* ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون* من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً كذلك يضل الله الكافرين* ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون* ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين ) [غافر: 70-76 ]. وقال في الكفرة المشركين المسوين آلهتم برب العالمين ( فكبكبوا فيها هم والغاوون* وجنود إبليس أجمعون* قالوا وهم فيها يختصمون*تالله إن كنا لفي ضلال مبين* إذ نسويكم برب العالمين ) [الشعراء: 94-98 ]. وقال في حق المكذبين بيوم الدين: ( بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيرا ) [ الفرقان:11] ،( وإن تعجب فعجب قولهم أءذا كنا تراباً أءنا لفي خلق جديد أولئك الذين كفروا بربهم وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [الرعد: 5 ]. وقال: ( مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا*ذلك بأنهم كفروا بآياتنا وقالوا أءذا كنا عظاماً ورفاتاً أءنا لمبعوثون خلقاً جديدا )[الإسراء: 97-98 ]. 2- عدم القيام بالتكاليف الشرعية مع التكذيب بيوم الدين وترك الالتزام بالضوابط الشرعية ، فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن أهل الجنة يسألون أهل النار قائلين: ( ما سلككم في صقر ) [المدثر: 42 ]، فيجيبون قائلين: ( لم نك من المصلين*ولم نك نطعم المسكين* وكنا نخوض مع الخائضين*وكنا نكذب بيوم الدين*حتى أتانا اليقين )[المدثر: 43-47 ]. 3- طاعة رؤساء الضلال وزعماء الكفر فيما قرروه من مبادئ الضلال وخطوات الكفر التي تصد عن دين الله ومتابعة المرسلين . قال تعالى في هؤلاء: ( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين*وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون* فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ الذين كانوا يعملون* ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ) [فصلت: 25-28 ]. وعندما يحل الكفار في النار، وتقلب وجوههم فيها يتندمون لعدم طاعتهم الله ورسوله، وطاعتهم السادة الكبراء: ( إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً*خالدين فيها أبداً لا يجدون وليا ولا نصيرا* يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا* وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا ) [الأحزاب : 64-67 ]. 4- النفاق : وعد الله المنافقين النار، وهو وعد قطعه على نفسه لا يخلفه: ( وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم ) [التوبة: 68 ]، وأخبرنا أن موقع المنافقين في النار هو دركاتها السفلى، وهي أشدها حراً، وأكثرها إيلاماً ) إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) [النساء: 145 ]. 5- الكبر : وهذه صفة يتصف بها عامة أهل النار، قال تعالى: ( والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) [الأعراف: 36 ]. وقد عقد مسلم في صحيحه باباً عنون له يقوله: " باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء " وذكر فيه احتجاج الجنة والنار وما قالتا وما قال الله لهما، وساق فيه حديث أبي هريرة يرفعه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وفيه أن النار قالت : "يدخلني الجبارون والمتكبرون" وفي رواية قالت: " أوثرت بالمتكبرين والجبارين ". وقال الله لها: " أنت عذابي أعذب بك من أشاء " . (6) وفي صحيحي البخاري ومسلم وسنن الترمذي عن حارثة بن وهب، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر " (7) ، وفي رواية لمسلم: " كل جواظ زنيم متكبر " . (8) ومصداق هذا في كتاب الله تبارك وتعالى: ( أليس في جهنم مثوى للمتكبرين ) [الزمر:60 ]، وقوله : ( فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق ) [الأحقاف: 20 ]، وقولـه: ( فأما من طغى*وآثر الحياة الدنيا* فإن الجحيم هي المأوى ) [النازعات : 37 ]. المطلب الخامس جملة الجرائم التي تدخل النار وقد ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - جماع الذنوب التي تدخل النار، ففي صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال في خطبة له طويلة: " وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له (10) ، الذين هم فيكم تبعاً لا يبتغون أهلا ولا مالاً ، والخائن الذي لا يخفى له طمع (11) ، وإن دقّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك. وذكر البخل، والكذب ، والشنظير(12) ، الفحاش " . (13) المطلب السادس أشخاص بأعيانهم في النار ومنهم امرأة نوح وامرأة لوط ، ( ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين ) [التحريم : 10 ]. ومنهم أبو لهب وامرأته ( تبت يدا أبي لهب وتب*ما أغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى ناراً ذات لهب* وامرأته حمالة الحطب* في جيدها حبل من مسد )[المسد ] ومنهم عمرو بن عامر الخزاعي، فقد رآه الرسول يجر أمعاءه في النار (14) ، ومنهم الذي قتل عمار وسلبه، ففي معجم الطبراني بإسناد صحيح عن عمرو بن العاص وعن ابنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " قاتل عمار وسالبه في النار " . (15) المطلب السابع كفرة الجن في النار وفي يوم القيامة يحشر الجن والإنس على حد سواء: ( ويوم يحشرهم جميعاً يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس ) [الأنعام: 128 ]، ( فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا* ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا*ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا ) [مريم : 68-70 ] ثم يقال للكفرة منهم: ( ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار ) [الأعراف: 38 ]، وعند ذلك يكبكبون في النار: ( فكبكبوا فيها هم والغاوون*وجنود إبليس أجمعون ) [الشعراء: 94-95 ]، وبذلك تتم كلمة الله القاضية بملء النار من كفرة الجن والإنس ( وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين ) [هود : 119 ] ( وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس ) [فصلت : 25 ]. -------------------------------- (1) صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفاً بغير حساب، فتح الباري: (11/406). (2) المصدر السابق . (3) صحيح البخاري، كتاب الرقاق: باب صفة الجنة والنار ، فتح الباري: (11/415). (4) صحبح مسلم ، كتاب الجنة وصفة نعيمها: ( 4/2188). (5) سنن الترمذي : 2558. (6) صحيح مسلم : (4/2186) ورقم الحديث : 2846. (7) جامع الأصول : (10/547) ورقم الحديث : 8111 (8) انظر الحديث ورواياته في (صحيح مسلم) كتاب الجنة (باب النار يدخلها الجبارون): (4/2190) ورقمه 2853، والمتل: الغليظ الجافي الذي لا يتقاد للخير، والزنيم: الدعي الملصق بالقوم وليس منهم، أو هو اللثيم في أخلاق الناس، والجواظ: الذي جمع ومنع. (9) يقظة أولي الاعتبار ، ص 222. (10) أي لا عقل له يمنعه مما لا ينبغي، وقيل: هو الذي لا مال له . (11) أي لا يظهر له. (12) هو الفحاش كما هو مفسر في الحديث. (13) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار: (4/2197). ورقمه : 2865. (14) حديث صحيح رواه البخاري ومسلم وأحمد ، وقد ذكرنا نص الحديث في موضع آخر. (15) صحيح الجامع: (4/110) ورقمه : 4170. |
![]() |
العلامات المرجعية |
|
|