|
أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل |
|
أدوات الموضوع | ابحث في الموضوع | انواع عرض الموضوع |
|
#1
|
|||
|
|||
![]()
بقلم د. عمرو الشوبكى ١١/ ١١/ ٢٠١٠
حسمت طريقة اختيار الحزب الوطنى لمرشحيه شكل الانتخابات المقبلة ومصيرها، تماما مثلما عبرت عن نمط فى إدارة البلاد تعمق فى السنوات الأخيرة حتى أصبح يخصم كل يوم من رصيد الدولة والمجتمع، ويكرس ثقافة نادرة من العشوائية والفوضى وغياب الالتزام. والحقيقة أن المجمع الانتخابى الذى اختار، أمس الأول، مرشحى الحزب الوطنى للانتخابات المقبلة، ابتدع نمطا فريدا واستثنائيا فى تاريخ الحياة الحزبية فى مصر والعالم، تمثل فى السماح لمرشحى الحزب بالترشح ضد بعضهم البعض فى حوالى ٤٠ دائرة تضم ما يقرب من ٨٠٠ مرشح، وصلت فى بعض الدوائر إلى ٥ مرشحين (مثل دائرة إدفو) يتصارع فيها مرشحو الحزب ضد بعضهم البعض. والحقيقة أن طريقة اختيار مرشحى الحزب الوطنى هى نفس طريقة إدارته للبلد، فهناك مشكلات جوهرية معروفة فى النظام السياسى المصرى وفى الأداء العام للدولة، كان يمكن للحزب الوطنى أن يبدأ فى إصلاحها ولو تدريجيا، ولكنه لم يفعل وذهب نحو أمور شكلية أبعدته كثيرا عن أى مضمون. والحقيقة أن مشكلة الحزب الوطنى التاريخية أنه وُلد وفى «فمه ملعقة ذهب» نتيجة ارتباطه العضوى بالدولة، فهو حزب السلطة الذى نشأ فى أحضانها منذ عام ١٩٧٨ وبقى فيها ٣٢ عاما دون أن يتحرك، الأمر الذى جعل أمراض الأحزاب السلطوية تنتقل إليه منذ نشأته دون أن يبذل أى جهد فى تجاوزها. وقد تعمقت مشكلات الحزب فى الفترة الأخيرة بعد أن غابت السياسة عن تكوين كثير من أعضائه، وتغير المناخ السياسى بغياب الرئيس السادات الذى كان على قمة نظام سلطوى لديه رؤية سياسية، وأصبحنا أمام نظام سلطوى لا تعنيه الرؤية السياسية، إنما التفنن فى إدارة بلد بحجم مصر باليوم والقطعة، ويحرص على إجهاض أى مشروع جاد فى السياسة أو العلم أو الابتكار سواء جاء من داخل النظام أو خارجه. وحتى مشروع جمال مبارك فقد نجح النظام فى أن يضعه فى معادلة التضاد بين القديم والجديد لتجعل كل ما يخرج منه باهتا وغير إصلاحى حتى لو ضم بعض الأفراد الإصلاحيين وبعض النوايا الإصلاحية. ولعل تحدى بناء حزب سياسى ولد فى أحضان السلطة ليس بالتحدى السهل، وكان يمكن أن يحاول الحزب الوطنى بقليل من الجهد والخيال أن يخرج من هذه الولادة المشوهة، وهو ما لم يحدث. فمن المعروف أن حزب الحكومة أو السلطة قادر على جذب مئات الآلاف من العضوية الوهمية لمصلحة أو لحصانة، وهذا ما جرى مع الحزب الوطنى الذى ضم تشكيلة متنوعة من كل ألوان الطيف السياسى وغير السياسى حتى أصبح غير قادر على مواجهة رغبات الآلاف من العضوية المتكالبة عليه، وبدلا من أن يحاول أن يربيهم سياسيا ولو قليلا، ويعلمهم قيم الدولة المدنية، ويفهمهم «شوية» ما يجرى فى العالم، لم يقم بأى شىء وترك عضويته المليونية تعيش وسط حالة من الفوضى والعشوائية والتخبط، رغم أنه يضم عقولاً لامعة، استسلم كثير منها للأمر الواقع، ونسيت أو تناست أفكارها الإصلاحية أمام الرغبة الجامحة فى البقاء فى السلطة. وتعامل المتكالبون مع الحزب الوطنى «كمعبر حدودى» الهدف منه تحقيق مصلحة سريعة والسلام، فتقدم الآلاف بطلبات للمجمع الانتخابى للحزب من أجل الترشح على قوائمه. ولأن هذا العدد يستلزم تدخلاً جراحياً من قبل قادة الحزب برفض الغالبية العظمى من هؤلاء، واختيار فقط ٤٤٤ مرشحا بجانب ٦٤ لمقاعد المرأة، ولأن الحزب لا يعرف إلا العلاج بالمسكنات والمواءمات مهما كانت الأسباب، ومهما كانت طبيعة المرض، فقرر أن يرشح كثيراً منهم فى مواجهة بعضهم البعض حتى لا تتحمل القيادة السياسية وزرهم، ويتحول الصراع من صراع مع قيادة الحزب واختيارات أمين تنظيمه إلى صراع بين المرشحين بعضهم البعض، تماما كما يجرى كل يوم فى الشارع وفى أماكن العمل وداخل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، فالكل يصارع الكل، مما يجعل الوصول إلى رأس النظام أمراً شديد الصعوبة لأنهم جميعا منهكون فى آلف عائق وألف صراع ومائه خطأ. وقد نجحت هذه الطريقة بامتياز فى تسكين الأوضاع السياسية فى مصر، ولكن ثمنها كان باهظا لأنه خصم من رصيد الدولة المصرية والنظام السياسى، فلا يهم أن تنتهك كل القواعد والقوانين، وليس مهما أن تصبح البلطجة وشراء الأصوات هى طريق الوصول إلى مجلس الشعب، وليست مشكلة أن تموت السياسة والأحزاب، وأن يكون صوت المعارضة الأكثر شعبية هو الإخوان المسلمين، وأن تفرغ الحزب الوطنى من أى قدرة على بناء كادر سياسى فى سبيل هدف واحد هو البقاء الطويل فى السلطة دون حتى بذل أى مجهود لتبرير أو إضفاء شرعية على هذا البقاء. ومع ذلك مازال هناك قطاع واسع من الشعب يرى الحزب الحاكم ملجأه لحل مشاكله لأنه حزب الدولة، فى حين أن الأول يبذل جهدا لا نشكره عليه من أجل إضعاف هذه الدولة وتفكيكها نتيجة فشله السياسى، بل يخصم من رصيد مؤسساتها كل يوم. ولأن الحزب الوطنى لم يقم بالحدود الدنيا من عمله كحزب سياسى، وفشل فى أن يضم أناساً مقتنعين حقا بتوجهاته (إن كان له أصلا توجهات)، وغابت الوسائل السياسية وحتى المصلحية التى تجعل الناس تتمسك بحزبها ولا تبيعه فى ثانية لمجرد أنه لم يخترهم فى انتخابات، فكان نتيجة هذا الفشل السياسى هيمنة البلطجة وشراء الأصوات وتدخل الأمن فى مسار العملية الانتخابية بهذا الشكل الفج. إن غياب الرؤية السياسية عن الحزب الوطنى جعلته عاجزا عن تقديم أى قيمة سياسية تذكر لمرشحيه، وصار يحسب حسابات صغيرة جعلته لا يرشح إلا ٥ أقباط على قوائمه رغم أنه يتغنى كل يوم بالمواطنة، وضم من هم أكثر طائفية من بعض الإسلاميين، وحافظ على نواب الرصاص وكثير من المشبوهين. والسؤال: أين ذهب الفكر الجديد، وأين هى قدرته على ضم عضوية مقتنعة بتوجهات الحزب السياسية؟ إن فشل الحزب فى بناء عضويته بشكل سياسى ومصلحى جعلته يبتكر هذا المشهد العشوائى فى ترشيح أعضاء الحزب ضد بعضهم البعض، وهو امتداد لعشوائية الشارع والمرور والصحة والمواصلات، وكل مناحى الحياة فى مصر. إن كثيراً من المصريين ضد دولة الإخوان الدينية، وضد تصورات كثير من القوى اليسارية والقومية التى تطالب بإلغاء كامب ديفيد ومحاربة إسرائيل، وكان من الطبيعى أن يكونوا حلفاء النظام ولكن نتيجة تدهور أداء الحزب الوطنى اختاروا أن يكونوا فى المعارضة. إن مصر الحالية على خلاف مصر الليبرالية والناصرية (التى كان معارضوها يختلفون مع التوجه السياسى للنظام)، أصبحت تعيش عصر «السمك لبن تمر هندى»، فأصبح كثير من المعارضين، ممن يحترمون أنفسهم، مفزوعين من هذا التدنى فى إدارة الصراع السياسى، وهذه الطريقة فى اختيارات المرشحين، ومن المشاهد الانتخابية المرعبة التى تنتظرنا من بلطجة وعنف وشراء أصوات. http://www.almasry-alyoum.com/articl...1&IssueID=1951 |
العلامات المرجعية |
|
|