انتحار الشعوب أم ثورة الشعوب؟

[osama_mma14]

انتحار الشعوب أم ثورة الشعوب؟.. بقلم ميساء نعامة

بالأمس سارعت أميركا لمساندة الشعب التونسي، تماماً كما شاركت الشعب المصري رغبته في التغيير واليوم تهدد بل هي على وشك التدخل في ليبيا لنصرة الثورة، هناك أمر غريب فعلاً، من يرفض نظرية المؤامرة هو يعلم في قرارة نفسه أن الولايات المتحدة لا يهمها سوى بسط سيطرتها على العالم وخاصة الغني بالخيرات النفطية منه، ولا يهمها في سبيل غايتها أن تقضي على أصدقائها وأعدائها من أجل نشر الفوضى التي تساعدها على التدخل الذي يستمد شرعيته من غباء الشعوب العربية ومن جبروت أميركا التي نصبت نفسها وبدكتاتورية مخيفة الحاكم على العالم.
نعود إلى العنوان وأسارع بالقول إنني مع كل ثورة عربية تدعو للتحرر من التخلف والجهل والاستعمار وذيوله وكل ثورة تدعو للإصلاح وليس للفوضى، كل ثورة تكون مدفوعة لأغراض نبيلة تقودها طليعة ثورية تعرف تماماً ماذا تريد ولماذا قامت أصلاً بالثورة.
أما الفرق بين الانتحار والثورة فهو شاسع، لأن الانتحار بالحكم الشرعي والفقهي والقانوني محرم، ثم إن عملية الانتحار تدل على الضعف وعدم قدرة العقل على استنباط الحلول للمشكلة التي أدت إلى الانتحار هذا على مستوى الأفراد. ماذا على مستوى الشعوب؟ الأمر واحد لأن قيام الشعوب بثورات دون أن تحدد أي مطالب حقيقية ودون أن تكون الحلول لما بعد الثورات مدروسة ومعدة سلفاً تسقط الثورة وتدخلها في متاهة الانتحار، لقد باركنا الثورة التونسية لكننا لم نبارك الفوضى التي تعم تونس حتى الآن، باركنا ثورة مصر وقد يكون التعاطف مع الثورة المصرية امتد من الماء إلى الماء في وطننا العربي لأننا باركنا عودة مصر إلى عروبتها، لكن ماذا بعد الثورة هل أُغلقت السفارة الإسرائيلية؛ بل هل طالب أحد المتظاهرين بإلغاء كامب ديفيد التي كسرت ظهر العرب وشوكتهم؟ ماذا عن تحكم الجيش وهو تحت القبضة الأميركية بشؤون البلاد؟
وفيما يتعلق بليبيا الشقيقة فقد انتفضت أميركا وعقدت مجالس في هيئاتها الدولية من أجل جرّ العالم للموافقة على الدخول الأميركي العسكري الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى إلى ليبيا، هل ستدخل أميركا من أجل سُمرة شباب ليبيا أم من أجل جاذبية سمرة الأرض الليبية وما تحتويه من كنوز نفطية وآثارية وغيرها.
لمن يستبعد نظرية المؤامرة على وطننا العربية الذي يغرق في فوبيا الثورات أقول إن التكلفة الباهظة الثمن سواء بالأموال أو الأرواح التي دفعتها أميركا في غزوها العراق الشقيق وفشل أكذوبتها في تحقيق الديمقراطية التي نتج عنها الاقتتال الطائفي الذي أغرق العراق في بحر من الدماء بينما تنعمت أميركا في بحر النفط العراقي، جعلها تفكر في إغراق وطننا بالفوضى ومن ثم سهولة التدخل فيها بدون كلفة مادية أو بشرية وبدون أن تثير الرأي العام ضدها لتعيد بسط سيطرتها على المنطقة وفق ما يناسب إحكام السيطرة على الخيرات العربية.
فتش عن إسرائيل وأميركا.. هذه المقولة استبعدها العرب المتطور والمقلد للغرب تماماً كما استبعد نظرية المؤامرة المتخلفة بنظرهم.. في مقابلة للإعلامية التونسية كوثر البشراوي قالت إن الساحة الثقافية خالية من المثقفين.. وهذا أمر واقع لأن المثقف على مر السنين هو أول من يستشعر بالخطر المبيّت لأمته، لكن كم من تحليل سياسي أو ثقافي حلل بموضوعية بعيدة عن العاطفة ما يجري اليوم على الساحة العربية.. الجميع اندفع لينفي حالة وجود الأصابع الأميركية الخفية، والجميع استبعد نظرية التخلف المؤامراتية، هذا الضعف والتسطيح في تحليل فعل الثورات الانتحارية التي تقوم في البلدان العربية يقود إلى القول إن الساحة الثقافية باتت خالية وخاوية إلاّ بما نذر من مثقفيها.
نقولها اليوم.. نعم هناك مؤامرة تحاك وخيوطها محبوكة وأهدافها باتت محددة وما نشاهده اليوم من فوضى تعمّ البلدان العربية ما هو إلا خدمة لأميركا وإسرائيل.
ترى ما هو الثمن الذي تبتغيه أميركا من خلف مساندة الشعوب العربية هل هي حقاً الحمل الوديع الذي يريد للشعوب العربية الخير والرخاء والديمقراطية أم أنها الذئب الجشع الذي يريد السيطرة على خيرات هذه الشعوب وفي مقدمتها النفط؟ من يتابع المشهد العربي اليوم يدرك الإجابة الصحيحة؟.
وبعد هل يمكن أن نقول بأن ما يشهده الوطن العربي من حالة غليان هو حالة انتحارية أم ثورية؟
ميساء نعامة