|
قضايا سياسية وأخبار مصرية وعربية وعالمية منتدى يختص بعرض كافة الأخبار السياسية والإقتصادية والرياضية في جميع أنحاء العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
ثقافة الصفوة :
نعني بالصفوة كل أولئك الذين تشكلت ثقافتهم بطريقة واعية ، ونالوا حظاً من المعرفة الراقية التي تمكنهم من قيادة مجموعات ممن حولهم ، والتأثير فيهم . وكلمة (الصفوة) كلمة فضفاضة في دلالتها ؛ فالصفوة متفاوتون في ثقافتهم وتأثيرهم ؛ لكن يجمعهم جميعاً أنهم ليسوا من الشرائح الشعبية التي تتكون ثقافتها عن طريق تلقين المجتمع لهم وبطريقة لا شعورية . ولعلنا ـ على منهجنا ـ نوجز نقاطاً مهمة في ثقافة الإقلاع الحضاري لدى الصفوة في المفردات التالية : · إن الصفوة دائماً قلة ، وكلما قست شروط الجودة وجدنا أنفسنا نتلفت يميناً ويسرة نبحث عن خلاصة الصفوة وقد نجد ، وقد لا نجد إلا أناساً من الدرجة الثانية! . إن سمة كل مجتمع في النهاية هي سمة الصفوة التي تتولى قيادته الفكرية والاجتماعية ؛ وهذه المرحلة بحاجة ماسّة إلى صنفين : دعاة المثقفين ومثقفي الدعاة ، أي أولئك الذين يجمعون بين استنارة الفكر والفهم العميق إلى جانب لوعة وحرقة على واقع الأمة ، تشبه لوعة الأمهات! وإذا كنا ننهى أنفسنا عن التعصب للفكرة فإننا نرى أن الصفوة التي لا تتمتع بالحد الأدنى من الرجولة للدفاع عن الأفكار والمبادىء التي تؤمن بها ـ هي صفوة منحطّة ـ ؛ وستظل جاهزة لخدمة مصالحها الخاصة ، وتوظيف ثقافتها في بناء مجدها الذاتي ، ولو كان الثمن هو عناء أمة بأكملها! . إن قيمة الصفوة بل طبيعة وجودها لا تنبع من القدر المعرفي الذي تحمله ، وإنما من مقدار تحملها للهمّ العام ومشاركتها في إصلاح الشأن العام ؛ أي على قدر تعدي نفعها للأمة ، وعلى قدر تجاوزها لمصالحها الشخصية . وإن الإحباط الذي تعاني منه الأمة ينصبُّ أولاً على نخبها وقادة الرأي ـ ولا سيما المثاليين منهم ـ فيها ؛ ومن ثم فإن كثيرين منهم يركنون إلى اليأس ، ويسود كتاباتهم التشاؤم ؛ وهم بذلك يدفعون بأنفسهم دفعاً نحو العزلة وأخذ إجازة مفتوحة! . ولذا فإن الحاجة ماسة اليوم إلى أقوام لا ييئسون من إمكان تحسن الأحوال مهما ساءت الظروف . · إننا بحاجة اليوم إلى منح مجتمعاتنا رؤية واضحة ومتَّسقة عن واقع الأمة وتحديد مواطن العطب فيها إلى جانب توضيح مسيرتها الحالية واستشراف شيء من مستقبلها . ولا تستطيع الصفوة منح ذلك ما لم تمتلكه هي ؛ وفي هذا الإطار نجد أن المثقفين الذين يجمعون رؤية منهجية شاملة للواقع الذي نعيشه وللصورة التي ينبغي أن يكون عليها ـ ما زالوا لدينا قلة قليلة ؛ لكننا نشعر أن الوضع يتحسن ، وأن مزيداً من الرشد الفكري بدأ يطرق الأبواب ، ويغزو الساحات الثقافية . إن تحديد أسباب الانهيار قد لا يكون بالأمر الصعب في كل الأحيان ، لكن استخراج العناصر الخيرة والإيجابية من حياة مجتمع مريض متقهقر يظل أمراً مهماً ؛ حتى لا تظل جهودنا تعود إلى نقطة الصفر في كل مرة . كما أن من واجبنا أيضاً ألا نطرح الأفكار التي تؤدي إلى الإقلاع الحضاري فحسب ، وإنما أن نتعلم كيف نطرح سياسات الإقلاع والانطلاق ؛ فالسياسات دائماً هي التي تكشف عن مدى إمكانية تحويل الأفكار إلى حقائق على الأرض . وهذا ما كان ينقص الأفكار الإصلاحية التي طرحت منذ أكثر من قرن من الزمان . · إن ثمة موازنة ضرورية ودقيقة بين المحافظة على الثقافة الوطنية الإسلامية وبين الانفتاح على الثقافات الأجنبية، وهذه الموازنة من مهمات الصفوة الذين يدركون وحدهم طاقة ثقافتنا الأهلية على استيعاب دفق الثقافات الأجنبية المغايرة لها في كثير من أصولها ومنطقها . وثقافتنا الإسلامية اليوم تمر بمرحلة التعرف على الذات من جديد ، وإعادة تفسير بعض الرموز ، ومنح بعض الأحداث والمفاصل التاريخية معنى جديداً ، وهذا يعني أنها لا تقوى على الكثير من الأعباء الإضافية التي يجب أن تتحملها من جرّاء استيعاب وهضم ثقافات أخرى . وإذا تجاهلنا هذا الموضوع فقد نكون كالطبيب الذي قرر إجراء عملية جراحية كبرى لجسد منهَك! . والطريق الأسلم ـ وربما الأحكم ـ أن نحاول استنطاق الرموز الثقافية الإسلامية على نحو يجعلها أكثر وضوحاً وشمولاً وقابلية لفهم معاصر وذلك عبر فاعلية حضارية عالية الوتيرة . إنه لا يجوز لأفكارنا التجديدية أن تبتعد كثيراً عن قدرة مجتمعاتنا على الاستجابة والتمثل ؛ حتى لا نكون كالطائر الذي يبيض في غير عشِّه! · إن جهود المثقفين والدعاة ينبغي أن تتمحور حول أهداف رئيسة معينة تجعلها الأمة نصب عينيها ، وهي تستأنف مسيرتها الحضارية . ولا تقل الموازنة بين هذه الأهداف وإعطاء كل منها حقه أهمية عن التحقيق . هذه الأهداف يمكن ضغطها في ثلاثة ، هي : العبادة ، وتعني الطاعة المطلقة للمعبود المتضمنة كمال الحب مع كمال التعظيم . ثم الخلافة عن الله ـ تعالى ـ في الأرض ، وهي تعني إقامة الحق والعدل والتخلق بأخلاق الله ـ تعالى ـ على قدر الطاعة والوسع . ثم عمارة الأرض ، كما قال ـ سبحانه ـ (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)2 ، أي : طلب منكم عمارتها . · هذه الأهداف العليا ينبغي أن تجتذب كل أنشطتنا ، كما أن جهودنا وأفكارنا الصغرى ينبغي أن تستبطن هذه المعاني وتستلهمها على مستوى من المستويات . وكل فكرة أو خطة لا تستهدف هذه الأهداف ، ولو بصورة غير مباشرة ينبغي أن نتلقاها بحذر ونقف منها موقف المتأمل ، وإلا فإن الانزلاق نحو الدنيوية والمادية أمر سهل ميسور . الثقافة الشعبية : إذا كانت ثقافة الصفوة تتكون عن طريق إرادي متعمد ومختار ، فإن أكبر خصيصة للثقافة الشعبية أنها تتكون عن طريق لا إرادية وبأدوات غير ملموسة ولا محددة ، وهي تتشكل خارج الوعي ويتشبع بها الفرد العادي على النحو الذي يستنشق به الهواء ، وفي هذا كله يكمن سر صلابتها واستعصائها على الغزو الأجنبي أكثر من الثقافة العالية . إذا كان الأمر على هذه الصورة فإن تحسين الثقافة الشعبية وتوجيهها ورفع مستوى اهتمامتها ـ يظل إحدى مسؤوليات مثقفي النخبة الذين في إمكانهم تسليط الوعي على الثقافة الشعبية ، وإدراك ما تتطلبه مرحلة الانطلاق والإقلاع من أخلاق واستعدادات وتوجهات ... وإذا لم يقم الصفوة بمهمتهم هذه فإنهم لا يقضون على إمكانية انطلاقة حضارية راشدة وإنما يعرضون أنفسهم للنبذ والتهميش من قبل الطبقات الدنيا . ولعلنا نذكر في النقاط التالية أهم ما نرى ضرورة غرسه وإشاعته في الثقافة الشعبية من أجل تأمين ثقافة واسعة تدفع بالأمة نحو الانطلاق المامول : · إشاعة ثقافة المشاركة ؛ فالقاعدة الشعبية تشعر باستمرار أنها معزولة عن توجيه الحياة ومواقع اتخاذ القرار ، ففي المعامل مثلاً قلما يستشار العمال في مشكلة إنتاجية ، ومن ثم فإن العامل يعوض عن ذلك بمحاولة بلورة موقعه في المصنع ... كأن يكون رئيساً على العمال أو صاحب حظوة عند رب العمل أو مهندس المصنع ، وهذا بالإضافة إلى أنه يخلق توترات داخل المصنع يجعل العمال لا يشعرون بالانتماء إلى عملهم ، ولا يشعرون بأية مسؤولية تجاه واقعه أو مستقبله . والذي سيبادر إلى تنشيط روح المشاركة وآلياتها هم المثقفون ، ومهما قيل إن القاعدة ليست أهلاً لإبداء الرأي والمشورة فإن الصحيح أن الطريق الوحيد لرفع سوية تفكيرها وصقل خبرتها هو زجها في خضم المشاركة وإعطاء الاهتمام لكل ما تقوله . وقد نجح اليابانيون نجاحاً منقطع النظير في جعل المصانع اليابانية أشبه بمحاضن لأسرة واحدة يتكلم فيها الصغير والكبير دون تكلف أو غضاضة ، ويشعر الجميع بالانتماء إليها على قدم المساواة . · إن الوضعية العقلية لدى كثير من الشعوب الإسلامية تحتاج إلى نوع من التعديل والتحسين ، وهذه الوضعية هي ـ ولا شك ـ نتيجة التراجع الثقافي حيث الأمية ضاربة جذورها ، وحيث العناية بقضايا الفكر والمعرفة ما زالت ضامرة ومحدودة ؛ وإن مما تحتاج إليه الثقافة الشعبية حاجة ماسة تأسيس عقلية الكف عن الكلام والمسارعة إلى المواقف الحادة دون وجود معلومات حسنة صالحة لقول شيء أو عمل شيء . ومن الملاحظ أن العربي ـ بصورة خاصة ـ سريع الاندفاع خلف العواطف وبريق الأمنيات ، كما أنه حسن النية إلى حد بعيد ، وقدرته على محاكمة الأمور أيضاً محدودة . ومع أن القرآن الكريم أمرنا ألا نتبع الظنون ، وألا نقول بغير علم في مواضع كثيرة إلا أن واقع الحال على النحو الذي وصفنا . والمدهش في هذا أن موقف كثير من المثقفين في هذا الموضوع لا يختلف عن موقف العوام ؛ مع أننا نعول في علاج هذا الداء عليهم! . إن هناك الكثير مما ينبغي عمله من أجل تأسيس عقلية منهجية لا تقول بغير علم ، ولا تجادل من فراغ ، ولا ترى في كلمة ((لا أدري)) أو كلمة ((دعونا ننظر)) أو ((دعونا نلمس)) ـ أية غضاضة . إن ملفات هذه القضية ينبغي أن تظل مفتوحة مع محاولة التجديد في المعالجة والطرح حتى نشعر أننا تقدمنا نحو العافية . · يلاحظ أن عقلية (المستحيل) تسيطر على أكثر العامة لدينا ، ولهم في ذلك عذر ؛ فمعطيات تاريخنا القريب لا تدل على أن مساحات الحركة وإمكانات التقدم أمامنا فسيحة أو كبيرة ؛ لكن مهمة المثقفين أن ينشروا أشعة الأمل عند استحكام اليأس ، وهذا هو شأن الربانيين الذين لا يقطعون حبال الرجاء من كرم الله مهما ادلهمت الظلمات! إن كثيرين منا ينظرون إلى ما ينبغي عمله حتى نصبح أمة محترمة وقوية ، فيجدون أمامهم جبالاً من المهمات ، ثم ينظرون إلى ما بين أيدينا من وسائل وإمكانات ؛ فتعصف بهم رياح الإحباط والانحسار! ولم تكن أبداً مشاعرهم كاذبة ولا مصطنعة ، لكن طريقة النظر هي الخاطئة ، ولو أننا عملنا وفق طريقة أخرى لكان المردود مختلفاً . · إن القاعدة العملية في معالجة الأمور الجسام يمكن تجسيدها في القول : ((إذا عملنا ما هو ممكن اليوم صار ما هو مستحيل اليوم ممكناً غداً)) ، وهذا مبني على أن كثيراً من المستحيل ليس مستحيلاً في ذاته ، وإنما هو مستحيل إضافي لفقد مقدماته وأسبابه عند بعض الناس ؛ فإذا باشرنا الممكن من مقدماته تحوّل المستحيل نفسه إلى ممكن . إن علينا أن نؤسس عقلية ((شيء خير من لا شيء)) بدل عقلية ((كل شيء ، أو لا شيء)) . · في عصرنا الحاضر تضخمت الخصوصيات بصورة مَرَضية ، وزادت الحضارة الحديثة العوازل بين الناس مما أدى إلى ضعف التضامن بينهم ، وسادت ثقافة ((نفسي)) مع أن نبينا صلى الله عليه وسلم يقول وحده دون باقي الأنبياء في يوم الكرب الأعظم : ((اللهم أمتي أمتي)) : ومن ثم فقد ضعف بيننا التواصي بالحق والتواصي بالصبر ، وكثر منع ((الماعون)) وبذل الخير ، بل صرنا في زمان ينظر فيه إلى من يبادر إلى الخير والإحسان نظرة استغراب1 إن لم ينظر نظرة شك وريبة ؛ ومن هنا فإن ثقافتنا الشعبية بحاجة إلى أن تستعيد هذه الخلال الكريمة حتى نخفف من قسوة العيش ، ونحفظ على مجتمعاتنا نسيجها الاجتماعي المتميز . ولا بد للصفوة ـ والدعاة منهم خاصة ـ أن يعطوا المثل والقدوة من أنفسهم في هذا الأمر خاصة ؛ حيث غلب على كثير منهم شيء من الانفصال عن هموم الناس ، أو شيء من التعالي على الانشغال بمثل هذا! . د/ عبد الكريم بكار
|
العلامات المرجعية |
|
|