اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > مسك الكلام فى الاسلام > التاريخ والحضارة الإسلامية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 23-03-2013, 06:41 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New صلة بن أشيم


الزاهد، العابد، القدوة، أبو الصهباء العدوي البصري، زوج العالمة معاذة العدوية.
نسبه وقبيلته

هو صلة بن أشيم العدوي من عدي الرباب وهو عدي بن عبد مناة بن أد بن طابخة أورده سعيد القرشي. ويكنى أبا الصهباء.
صحابة تعلم على أيديهم صلة بن أشيم

نال صلة بن أشيم شرف صحبة أصحاب رسول الله فقد تربى على أيديهم وتعلم منهم، وأخذ عنهم، وقد تعلم على يد حبر الأمة، وابن عم النبي عبد الله بن عباس ، وكان طاووس يقول: إن رجلا يقال له: أبو الصهباء كان كثير السؤال لابن عباس، وأخذ أيضًا عن قارئ القرآن على النبي عبد الله بن مسعود .
أثر صلة بن أشيم في الآخرين

كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبانة فيتعبد فيها فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفرًا فحادوا النهار عن الطريق وناموا بالليل متى يقطعون سفرهم؟ قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم فمر بهم ذات يوم فقال لهم: هذه المقالة فانتبه شاب منهم فقال: يا قوم، إنه لا يعني بهذا غيرنا نحن بالنهار نلهو وبالليل ننام ثم اتبع صلة فلم يزل يختلف معه إلى الجبانة فيتعبد معه حتى مات.
جهاد صلة بن أشيم

لم يكن صلة بن أشيم عابدًا فحسب، بل جرد سيفه حاملاً إياه مجاهدًا في سبيل الله، وكان كثير الغزو، وكان أهلاً لنيل الشهادة في سبيل الله، وتقدم صلة بن أشيم هو وابن له ليجاهدا في سبيل الله فقال لابنه: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك عند الله فحمل فقاتل حتى قُتِل، ثم تقدم فقُتِل فاجتمعت النساء عند امرأته معاذة فقالت: مرحبا إن كنتن جئتن لتهنيني فمرحبا بكن وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.
ملامح شخصية صلة بن أشيم

الرفق واللين
عن ثابت أن صلة بن أشيم وأصحابه: أبصروا رجلاً قد أسبل إزاره فأراد أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم فقال صلة: دعوني أكفيكموه قال: يا ابن أخي إن لي إليك حاجة قال: وما ذاك يا عم؟ قال: ترفع إزارك قال: نعم ونعمة عين فقال لأصحابه: هذا كان أمثل، لو أخذتموه قال: لا أفعل وفعل.
وقد رأى صلة بن أشيم رجلاً يكلم امرأة فقال: إن الله يراكما سترنا الله وإياكما.
اليقين التام في الله وحسن التوكل عليه
يقول حماد بن جعفر بن زيد العبدي: عن أبيه قال: خرجنا غزاة إلى - كابل - وفي الجيش صلة بن أشيم فلما دنونا من أرض العدو قال الأمير: لا يشذن من العسكر أحد، فذهبت بغلة صلة بثقلها فأخذ يصلي فقيل: إن الناس قد ذهبوا فقال: إنما هما خفيفتان قال: فدعا ثم قال: اللهم إني أقسم عليك أن ترد علي بغلتي وثقلها قال: فجاءت حتى وقفت بين يديه.
وجاء في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية."أن صلة بن أشيم مات فرسه وهو في الغزو فقال: اللهم لا تجعل لمخلوق على منة ودعا الله فأحيا له فرسه فلما وصل إلى بيته قال: يا بني خذ سرج الفرس فإنه عارية فأخذ سرجه فمات الفرس".
كثرة العبادة و التذلل إلى الله
وكان صلة قد أدرك أن هذه الحياة ما هي إلا دار عمل، فعمل على أن يتزود منها للدار الآخرة، فكان يجاهد نهارًا ويتعبد ليلاً، استحق بأن يوصف فارس بالنهار، راهب بالليل، يقول حماد بن جعفر بن زيد أن أباه قال له: خرجنا في غزوة إلى كابل وفي الجيش صلة بن أشيم فنزل الناس عند العتمة و صلوا فصلى ثم اضطجع، فقلت: لأرمقن عمله فالتمس غفلة الناس، حتى إذا قلت هدأت العيون وثب فدخل غيضة قريبا منا ودخلت على إثره فتوضأ، ثم قام يصلي وجاء أسد حتى دنا منه، فصعدت شجرة،أفتراه التفت إليه حتى سجد؟ فقلت: الآن يفترسه فلا شيء، فجلس ثم سلم ثم قال:يا سبع، اطلب الرزق في مكان أخر، فولى وإن له لزئيرًا أقول تصدع الجبال منه قال: فما زال كذلك يصلي حتى لما كان عند الصبح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها إلا ما شاء الله ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة قال: ثم رجع فأصبح كأنه بات على الحشايا وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم.
وتصف زوجته عبادته فتقول: كان أبو الصهباء يصلي حتى يأتي فراشه زحفًا، أو ما يأتي فراشه إلا زحفًا.
ويقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين: "كان صلة بن أشيم يصلي الليل كله فإذا كان في السحر قال إلهي ليس مثلي يطلب الجنة ولكن أجرني برحمتك من النار".
من كلماته

عن ثابت أن صلة بن أشيم كان يقول: ما أدري بأي يومي أنا أشد فرحًا يوما باكرت فيه ذكر الله ، أو يومًا غدوت فيه لبعض حاجتي فيعرض لي ذكر الله.
وجاء في حلية الأولياء "قال أبو الصهباء صلة بن أشيم: طلبت الدنيا من مظان حلالها فجعلت لا أصيب منها إلا قوتًا، أما أنا فلا أعي فيه، وأما هو فلا يجاوزني، فلما رأيت ذلك قلت: أي نفسي جعل رزقك كفافًا فاربعي فربعت ولم تكد".
قال صلة بن أشيم على قبر أخ له:
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة... وإلا فإني لا أخالك ناجيا.
وفاة صلة بن أشيم

مات شهيدًا في أول ولاية الحجاج بن يوسف على العراق سنة خمس وسبعين وقيل في خلافة يزيد بن معاوية وذكر أبو موسى أنه قُتِل بسجستان سنة خمس وثلاثين وهو بن مائة وثلاثين سنة.
وجاء في الطبقات لابن سعد "كان صلة *** شهيدًا في بعض المغازي في أول إمرة الحجاج بن يوسف على العراق".
المصادر

أسد الغابة - الدر المنثور - إغاثة اللهفان - حلية الأولياء الثبات عند الممات - التواضع والخمول - مجابو الدعوة - محاسبة النفس - يقظة أولي الاعتبار - الإصابة في تمييز الصحابة - الطبقات الكبرى - سير أعلام النبلاء.

__________________
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 23-03-2013, 06:44 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New البداية والنهاية/الجزء التاسع/صلة بن أشيم العدوي

من كبار التابعين من أهل البصرة، وكان ذا فضل وورع وعبادة وزهد، كنيته أبو الصبهاء، كان يصلي حتى ما يستطيع أن يأتي الفراش إلا حبوا، وله مناقب كثيرة جدا، منها أنه كان يمر عليه شباب يلهون ويلعبون فيقول: أخبروني عن قوم أرادوا سفرا فحادوا في النهار عن الطريق وناموا الليل فمتى يقطعون سفرهم؟ فقال لهم يوما هذه المقالة، فقال شاب منهم: والله يا قوم إنه ما يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلهو، وبالليل ننام.
ثم تبع صلة فلم يزل يتعبد معه حتى مات.
ومر عليه فتى يجر ثوبه فهمَّ أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم فقال: دعوني أكفكم أمره، ثم دعاه فقال: يا ابن أخي لي إليك حاجة، قال: وما حاجتك؟ قال: أن ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمت عين، فرفع إزاره، فقال صلة: هذا أمثل مما أردتم، لو شتمتوه لشتمكم.
ومنها ما حكاه جعفر بن زيد قال: خرجنا في غزاة وفي الجيش صلة بن أشيم، فنزل الناس عند العتمة فقلت: لأرمقن عمله الليلة، فدخل غيضة ودخلت في أثره فقام يصلي وجاء الأسد حتى دنا منه وصعدت أنا في شجرة، قال: فتراه التفت أو عدَّه جروا حتى سجد فقلت: الآن يفترسه، فجلس ثم سلم فقال: أيها السبع إن كنت أمرت بشيء فافعل وإلا فاطلب الرزق من مكان آخر، فولى الأسد وإن له لزئيرا تصدع منه الجبال، فلما كان عند الصباح جلس فحمد الله بمحامد لم أسمع بمثلها ثم قال: اللهم إني أسألك أن تجيرني من النار، أو مثلي يجترئ أن يسألك الجنة. ثم رجع إلى الجيش فأصبح كأنه بات على الحشا، وأصبحت وبي من الفترة شيء الله به عليم. قال: وذهبت بغلته بثقلها فقال: اللهم إني أسألك أن ترد علي بغلتي بثقلها، فجاءت حتى قامت بين يديه، قال: فلما التقينا العدو حمل هو وهشام بن عامر فصنعا بهم طعنا وضربا، فقال العدو: رجلان من العرب صنعا بنا هذا فكيف لو قاتلونا كلهم؟ أعطوا المسلمين حاجتهم - يعني انزلوا على حكمهم - وقال صلة: جعت مرة في غزاة جوعا شديدا فبينما أنا أسير أدعو ربي وأستطعمه، إذ سمعت وجبة من خلفي، فالتفت فإذا أنا بمنديل أبيض فإذا فيه دوخلة ملآنة رطبا فأكلت منه حتى شبعت، وأدر كنى المساء فملت إلى دير راهب فحدثته الحديث فاستطعمني من الرطب فأطعمته، ثم إني مررت على ذلك الراهب بعد زمان فإذا نخلات حسان فقال: إنهن لمن الرطبات التي أطعمتني، وجاء بذلك المنديل إلى امرأته فكانت تريه للناس، ولما أهديت معاذة إلى صلة أدخله ابن أخيه الحمام ثم أدخله بيت العروس بيتا مطيبا فقام يصلي فقامت تصلي معه، فلم يزالا يصليان حتى برق الصبح، قال: فأتيته فقلت له: أي عمْ أُهديت إليك ابنة عمك الليلة فقمت تصلي وتركتها؟ قال: إنك أدخلتني بيتا أول النهار أذكرتني به النار، وأدخلتني بيتا آخر النهار أذكرتني به الجنة، فلم تزل فكرتي فيهما حتى أصبحت، البيت الذي أذكره به النار هو الحمام، والبيت الذي أذكره به الجنة هو بيت العروس.
وقال له رجل: أدعو الله لي. فقال: رغَّبك الله فيما يبقى، وزهَّدك فيما يفنى، ورزقك اليقين الذي لا يُركن إلا إليه، ولا يعوَّل في الدين إلا عليه.
وكان صلة في غزاة ومعه ابنه فقال له: أي بنيّ تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل حتى ***، ثم تقدم صلة فقاتل حتى ***، فاجتمع النساء عند امرأته معاذة العدوية فقالت: إن كنتن جئتن لتهنيني فمرحبا بكن، وإن كنتن جئتن لتعزينني فارجعن.
توفي صلة في غزاة هو وابنه نحو بلاد فارس في هذه السنة.
__________________
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 23-03-2013, 06:44 PM
abomokhtar abomokhtar غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 11,687
معدل تقييم المستوى: 28
abomokhtar is just really nice
New من روائع الاحتساب.. قصة (صلة بن أشيم) مع مجموعة من الشباب

إن ما يشعر به الشاب من القوة والفتوة، وأنه من مقتبل عمره قد يدفعه إلى اقتحام بعض المحرمات، وعدم قبول نصيحة الناصحين، بل قد يتجرأ على من يحتسب عليه من المحتسبين، فكان من المهم أن يُعلم أن الاحتساب على الشباب قد يتميز بعض الشيء عن الاحتساب على غيرهم، فلابد حينها على من أراد أن يحتسب على الشباب أن يراعي ما هم فيه من الفترة العمرية، ويتعامل معها بما يناسبها، وهذا ما فعله صلة بن أشيم رحمه الله مع مجموعة من الشباب كانوا في لهوهم وغيهم، وكانت النتيجة ما سنعلمها من خلال قراءتنا للقصة التي ذكرها ابن قدامة رحمه الله تعالى في كتابه التوابين حيث روى بسنده إلى ثابت البناني أنه قال: "كان صلة بن أشيم يخرج إلى الجبان فيتعبد فيها، فكان يمر على شباب يلهون ويلعبون، قال: فيقول لهم: أخبروني عن قوم أرادوا سفراً، فجازوا النهار عن الطريق، وناموا الليل! متى يقطعون سفرهم؟! قال: فكان كذلك يمر بهم ويعظهم، قال: فمر بهم ذات يوم، فقال لهم: هذه المقالة، فقال شاب منهم: يا قوم، إنه والله ما يعني بهذا غيرنا، نحن بالنهار نلهو، وبالليل ننام، ثم اتبع صلة، فلم يزل يختلف معه إلى الجبان، ويتعبد معه حتى مات رحمهما الله" [التوابين لابن قدامة (1/244-245)].

انتهت القصة لكن الفوائد منها قد لا تنتهي حيث إنها قصة تحوي الكثير من الدروس والعبر، والتي منها:

- عدم انطواء المسلم على نفسه، واكتفائه بإصلاحها، بل لابد من المشاركة في الاحتساب، والسعي إلى تخفيف المنكرات، والدعوة الدائمة للعمل بالمعروف، فالانطواء على النفس مع ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يجعل صاحب الكبائر أفضل ممن ترك الاحتساب، وإن تَرَك المنكرات، وفَعَلَ المعروف، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "وليس الدين بمجرد ترك المحرمات الظاهرة، بل بالقيام مع ذلك بالأوامر المحبوبة لله، وأكثر الديانين لا يعبؤون منها إلا بما شاركهم فيه عموم الناس، وأما الجهاد والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والنصيحة لله ورسوله وعباده، ونصرة الله ورسوله، ودينه وكتابه، فهذه الواجبات لا تخطر ببالهم فضلاً عن أن يريدوا فعلها، وفضلا عن أن يفعلوها، وأقل الناس ديناً، وأمقتهم إلى الله من ترك هذه الواجبات، وإن زهد في الدنيا جميعها، وقل أن ترى منهم من يحمر وجهه، ويمعره لله، ويغضب لحرماته، ويبذل عرضه في نصرة دينه، وأصحاب الكبائر أحسن حالاً عند الله من هؤلاء، وقد ذكر أبو عمر وغيره أن الله تعالى أمر ملكاً من الملائكة أن يخسف بقرية، فقال: يا رب إن فيهم فلاناً العابد الزاهد، قال: به فابدأ، وأسمعني صوته؛ إنه لم يتمعّر وجهه في يوم قط" [عدة الصابرين (1/121)].

فنعلم من هذا خطورة ترك الاحتساب خاصة على من ظن أن الدين عبارة عن ركعات يؤديها، أو تسبيحات يتلفظ بها، وغفل عن أن الاحتساب، والأمر بالمعروف عن المنكر قدمه الله تعالى في الذكر قبل أمور عظيمة، يقول تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيرحمهم الله إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة التوبة: 71]، فقبل أن يذكر الصلاة والزكاة، وطاعة الله ورسوله ذكر الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وليس أمر الحسبة خاصة بالصالحين، وأهل العبادة، بل قد يقوم به العاصي وصاحب المنكرات، يقول النووي رحمه الله تعالى: "قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلاً ما يأمر به مجتنباً ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مُخلاً بما يأمر به، والنهى وإن كان متلبساً بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخل بأحدهما كيف يباح له الإخلال بالآخر" [شرح النووي على صحيح مسلم (2/23)]، ويؤيد هذا الكلام حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر» [رواه البخاري برقم (6606)، واللفظ له، ومسلم (111)].

- ومما نستفيده من هذه القصة تجديد أساليب الاحتساب، فقد يظن ظان أن الاحتساب لا يكون إلا بالقوة، وبالتهديد والوعيد، وليس هذا بصحيح بل لكل مقام مقال، فالأسلوب الذي سار عليه صلة بن أشيم في نصيحة هؤلاء الشباب كان بالكلمة الطيبة الغير مباشرة، وفيها الموعظة الحسنة، والتذكير الراقي، وضرب الأمثال، وهذا ما نحتاجه خاصة في هذه الأزمنة التي كثرت فيه المغريات، وكثرت فيه سبل الشرّ، وطرائق الخطيئة، بل وتعدد أساليب ترويج المنكرات، فمن قنوات فضائية إلى مواقع إلكترونية إلى مجلات هابطة منمقة إلى أقراص مشبوهة، وكل هذه التقنيات تحتاج في مقابلتها تجديد في أساليب الاحتساب، وتنويع في طرق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- ومما نستفيده من قصتنا أهمية الاستمرار وبذل الجهد الدائم في الاحتساب، وعدم اليأس والقنوط، فقد كان صلة بن أشيم لا يبرح يمر على هؤلاء الشباب إلا ويذكرهم بالله، ويعظهم؛ فقد يكتب الله الخير على يد المحتسب بعد فترة من الزمن، ففي قصة الغلام والملك والراهب الساحر التي رواها مسلم في صحيحه أسلم الناس بعد موت الغلام، وقالوا جميعاً: (آمنَّا برب الغلام، آمنَّا برب الغلام) [رواه مسلم برقم (3005)]، فلا يأس ولا قنوط، فنوح عليه السلام استمر في قومه يدعوهم، ويحتسب عليهم تسعمائة وخمسين عاماً، كما قال الله تعالى في كتابه: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [سورة العنكبوت: 14]، فما على المحتسب إلا البلاغ: {مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ} [سورة المائدة: من الآية 99]، وأما النتائج فعلى الله سبحانه وتعالى هو الذي يكتب الهداية لمن يشاء، ويضل من يشاء، فقد يبعث النبي يوم القيامة وليس معه أحد، مع أنه نبي، ومع أنه لم يترك الاحتساب إلا أنه لم يؤمن به أحد، جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «عُرضت علي الأمم؛ فرأيتُ النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي ليس معه أحد» [رواه مسلم برقم (220)]، فعلى المحتسب أن يعلم أنه لا انتهاء لزمن الحسبة، بل يسعى دائماً محتسباً يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، حتى يكتب الله الخير على يديه أو على يد غيره ممن يحتسب على أمر قد تم تمهيده، وقد تكرر الاحتساب عليه فيسهل بإذن الله سبحانه وتعالى.

- إن ما صار إليه حال ذلك الشاب الذي تاب بعد النصيحة المستمرة من صلة بن أشيم لباعث لكل محتسب على رحمة الناس، وترك الحكم المسبق على عدم استجابتهم، وعدم قبولهم للحق، فكم أصلح الله من أناس قال الناس فيهم: "لا يمكن لهذا أن يتوب، لكن أمر الله فوق كل شيء، وقد قيل مثل هذا في أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقالوا عنه أنه لا يسلم حتى يسلم حمار الخطاب" [السيرة النبوية لابن هشام (2/187)]، فقد أحيا الله تعالى بصلة بن أشيم ذلك الشاب، فهداه الله، وأبعده عما كان فيه من المنكرات، والرفقة السيئة، وهنا لابد أن يعلم كل محتسب أنه لابد أن يوجد في كل مجموعة من الذين يجتمعون على المنكرات من يحب الخير، ومن له قلب حي يسمع الموعظة، ويستجيب للنصيحة، فلا نخشى تلك الشلة، أو تلك العصابة، أو أولئك النفر؛ ففيهم بإذن الله من سيستجيب ويعمل بما يرضي الله، بل وقد يصبح من أعوان الخير، والداعين إليه، والمحتسبين على الأمة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، فمع الحذر من شر تلك التجمعات المشبوهة لابد أن نُجدِّد الاحتساب على أصحابها، ونأتيهم من كل طريق نستطيعه، فكما أنهم قد يفرون من المحتسبين لكنهم في قرارة أنفسهم يقولون: تعالوا أنقذونا من النار.

- إن ما فعله صلة بن أشيم رحمه الله لم يقصر في الاحتساب على أولئك النفر من الشباب، بل إنه بعد توبة الشاب قام بمتابعة هذا الشاب، فما تركه حتى الموت، وهذا أمر مهم، فلا يكفي أن يحتسب أحدنا على فلان من الناس حتى إذا انتهى عن المنكر تركه، ولم يدر في أي واد يسير، بل لابد من المتابعة، ولابد من الاهتمام بالمحتسب عليه بقدر المستطاع؛ لأنك عندما تهتم به، فإنك تحسب عليه في حياته كلها، فيترك ذلك المنكر الذي كان عليه، وغيره من المنكرات، ويكون في ذلك خير كبير بإذن الله تعالى، وكم علمنا ممن كان الاحتساب عليه في منكر معين سبباً في صلاحه واستقامته، وهو مع هذه الاستقامة يحتاج إلى ربط بالصالحين، وتواصل مع العلماء والدعاة والمصلحين ممن يحملون هم هذا الدين، وقد يحتاج -وهو أمر مهم جداً- إلى رفقة صالحة تدعوه إلى الخير وتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وتغطي عنده الفراغ الذي قد يجده من ترك الرفقة السيئة، فهذا سبب عظيم من أسباب الثبات على الدين، وعدم العودة إلى المنكرات، يقول الله جل في علاه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [سورة الكهف: 28].

فلا ينسى من يقوم بالاحتساب أن يكون عنده أرقام المشايخ والدعاة، ومعرفة المراكز الدعوية والمخيمات الاحتسابية، ومراكز الدعوة والإرشاد، وأن يصحب معه مجموعة من الأشرطة النافعة والكتيبات المفيدة، فيوطن نفسه أنه مع الاحتساب يدعو المحتسب عليه إلى الله علَّ الله أن يكتب حياة جديدة للمحتسب عليه تتغير فيها سلوكه، وتتهذب فيها أخلاقه، ويزداد فيها إيمانه، ويحيا بها قلبه، ويصلح بها حاله، فيتواصل معه، ويتابعه، والله لا يضيع أجر المحسنين.




عادل محمد هزاع الشميري

__________________
رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 12:02 AM.