#1
|
||||
|
||||
![]() السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يذكر أن مريضاً نفسياً كان يتوهم أنه حَبَّةٌ؛ فإذا مرَّ به دجاجٌ فَرَّ منها؛ خشية أن تعدو عليه, وتأكله. فلما رأى حالَه بعضُ محبيه ذهب به إلى طبيب نفسي؛ فشرح هذا المريض للطبيب مشكلته, وبعد جُهْدٍ ولأْيٍ أقنعه الطبيب بأنه إنسان سوي. ولما هم المريضُ بالانصراف قال: أنا _أيها الطبيب_ اقتنعتُ بأنني إنسانٌ لا حَبَّةٌ, ولكن من يقنع الدجاج بذلك؟ هذه الحكاية تذكرك بأناس عقلاء أسوياء ذوي أخلاق كريمة, ونفوس مطمئنة؛ ولكنهم يُبْتَلون بأناس شرسين سيِّئي الظن؛ فإذا عاملهم العاقل السوي, المهذب الراقي بما تقتضيه طبيعته الطيبة ظنوا ذلك منه سذاجة أو بلاهة, وربما ظنوه تملقاً ومكراً, ومكايدة؛ فلهذا تراه يحار, ويقول: إنني على خطأ, وإن القوم ربما استضعفوني؛ فلا أريد أن يَشْمَتَ بي الأعداء, ويجعلوني سُبَّةً. فتقول له:أنت اليد العليا, وأنت المحسن, وأنت الكريم. فيقول لك: إذاً فمن يقنع هؤلاء بسلامة مقصدي, وطهارة سريرتي؛ فَدَعْنِي وشأني؛ فَسأُغَيِّرُ طباعي, وألبس لهم لَبُوسَهم متمثلاً بقول أبي العلاء: ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً تجاهلت حتى ظُنَّ أني جاهل وبَعْدُ فهذه الحالة تعتري كثيراً من النفوس؛ فتهبط بها عن عليائها, ويصبح الناس بسببها قطعاناً من الذئاب الضارية؛ فلا مروءة, ولا تذمم, ولا رعاية, ولا تكرم. فحق على الكريم العاقل أن يعتصم بالفضيلة, وألا يثنيه عنها جهل جاهل, أو تنكر حاسد. وإذا اعترضتك مثل هذه الأحوال فاحتفظ بألمعيتك, وطهارة قلبك ومنطقك. وإذا لم يُعْرَفْ قدْرُك فيكفيك عِلْمُ الله بك, ولن تعدم مَنْ يقدرون المكارم قدرها؛ فـ [خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ] واستحضر أنك بإِحسانك إلى الناس, وإساءتهم إليك _ أنك كَمَنْ يُسِفُّهم الملَّ, ولا يزال معك من الله ظهير . من كتاب ( خواطر ) للشيخ ( محمد بن ابراهيم الحمد )
__________________
![]() ![]() |
العلامات المرجعية |
|
|