اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > الاقسام المميزة > مصر بين الماضى و الحاضر

مصر بين الماضى و الحاضر قسم يختص بالحضارة و التاريخ المصرى و الاسلامى

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 30-04-2015, 06:57 PM
الصورة الرمزية ابو وليد البحيرى
ابو وليد البحيرى ابو وليد البحيرى غير متواجد حالياً
عضو لامع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2015
المشاركات: 4,135
معدل تقييم المستوى: 14
ابو وليد البحيرى will become famous soon enough
افتراضي سقوط بغداد وكثرة اللدغات


سقوط بغداد وكثرة اللدغات
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: [ لَا يُلْدَغ الْمُؤْمِن مِنْ جُحْر وَاحِد مَرَّتَيْنِ].
يُرْوَى الحديث عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدهمَا بِضَمِّ الْغَيْن على "الْخَبَر"، وَمَعْنَاهُ الْمُؤْمِن الْمَمْدُوح، وَهُوَ الْكَيِّسُ الْحَازِم الَّذِي لَا يُسْتَغْفَل فَيُخْدَع مَرَّة بَعْد أُخْرَى..وَالْوَجْه الثَّانِي بِكَسْرِ الْغَيْن عَلَى النَّهْي أَنْ يُؤْتَى مِنْ جِهَة الْغَفْلَة..
إذاً في كلتا الحالتين ينبغي أن يتصف المؤمن بصفة الانتباه واليقظة والفطنة والكياسة؛ لأن ذلك يأتي في مصلحة دينه ومصلحة أمته ومصلحته أيضاً..
والفطنة والكياسة من متممات القوة التي يحبها الله في المؤمن؛ لأنه بذلك سيكون أكثر قدرة على تحقيق مقاصد الشرع.
وقوة الأمة من قوة الفرد، والعكس صحيح، وكلما زاد زادت صفات القوة في الأفراد زادت قوة الأمة..
وقد مرت الأمة الإسلامية بهاتين الحالتين: بدأت قوية متماسكة؛ وذلك عندما كان أبناؤها – بمجموعهم – متمسكين بدينهم وملتزمين تعاليمه، متحدين حوله، متكاتفين فيما بينهم.
ولكن عندما دب الضعف والخلاف وأطماع الدنيا في حياة المسلمين غابت الفطنة والكياسة والعزيمة والهمة في الدفاع عن الإسلام فتعرضت الأمة لشتى أنواع الاضطهاد والذل والهوان.. وأصبحت تُلدغ من نفس الجحر المرة تلو المرة في ظل ظروف وأسباب متشابهة سجلها التاريخ؛ لتكون دروساً وعبرة للأجيال.
وأقوى مثال على ذلك ما حل ببغداد والعراق عموماً منذ عصر التتار.. وهذا ما سيحاول التقرير لفت الأنظار إليه وإعادة التذكير به. فقراءة التاريخ واستنتاج الدروس منه واستغلال ذلك في إنجاح مسار الحياة العملية هي وسيلة من وسائل تطبيق المقاصد التي جاء به الحديث السابق.
الوضع في بغداد قبل غزو التتار
كانت بغداد في ذلك الوقت من أشد مدن الأرض حصانة.. وكانت أسوارها من أقوى الأسوار.. فهي عاصمة الخلافة الإسلامية لأكثر من خمسة قرون، وأنفق على تحصينها مبالغ طائلة وجهود هائلة.
كانت الخلافة العباسية في بغداد تعاني من الضعف الشديد على مختلف الجوانب السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية،وهي حالة كانت تعانيها الخلافة الإسلامية عموماً.
أما من حيث الجانب السياسي: فقد أقفل الخلفاء العباسيون على أنفسهم أبواب القصور، وأحاطوها بالحرس، وأصبحت مقابلة الخليفة أمراً بالغ الصعوبة للخاصة قبل عامة الناس، وكان الخليفة يعيش في عزلة عن الناس، حتى إن المستنصر والد المستعصم لما مات لم يدر أحد من الناس ولا أهلِ بيته بموته يومين كاملين سوى الحاشية الذين نصبوا ولده المستعصم.
وشهدت هذه الفترة تسلطاً من الحاشية ورجال البلاط، لدرجة أنهم هم الذين اختاروا الخليفة المستعصم لما مات أبوه ونصبوه في الخلافة، ولما اختير للخلافة اعترض بعض أقاربه لعلمهم بضعفه وعدم كفاءته، لكن الوزراء والحاشية أجبروهم على البيعة وسجنوا من امتنع منهم وحبسوا منهم الطعام والشراب حتى بايعوه مكرهين.
وكان الخليفة المستعصم ضعيفاً قليل الخبرة بأمور الملك، وكان يقضي وقته بسماع الأغاني والتفرج على الأمور التافهة؛ لدرجة أن التتار عندما سيطروا على بغداد وأحاطوا بدار الخلافة وبدؤوا بقصفها من كل جانب، كانت هناك جارية ترقص بين يدي الخليفة وكانت من جملة حظاياه، وكانت تسمى "عرفة"، فجاءها سهم من بعض الشبابيك ف***ها وهي ترقص بين يدي الخليفة، فانزعج الخليفة من ذلك، وفزع فزعاً شديداً، وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه، فإذا عليه مكتوب: "إذا أراد الله إنفاذ قضائه وقدره، أذهب من ذوي العقول عقولهم"، فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الاحتراز، وكثرت الستائر على دار الخلافة.
وكان الشعب في بغداد آنذاك يبلغ ثلاثة ملايين نسمة على الأقل، وبذلك تعد بغداد أكثر مدن العالم ازدحاماً في ذلك الوقت، هذا إلى جانب السكان في المدن والقرى المحيطة.. فلم تكن تنقصهم الطاقة البشرية، ولكنهم كانوا شعباً مترفاً ألِف حياة الدعة والهدوء والراحة.
أما الجانب العسكري: فقد كان للوزير الرافضي ابن العلقمي دور كبير في تقليص عدد الجيش وإهماله بحجة توفير الأموال لخزينة الدولة، حتى صار الجيش في عهد المستعصم عشرة آلاف، بعد أن بلغ المائة ألف في عهد والده المستنصر.
أما من حيث الجانب الاجتماعي: فقد شهد المجتمع العديد من الثورات والنزاعات الطائفية الداخلية، وصل بعضها إلى القتال المسلح وسفك الدماء بسبب وجود الرافضة في بغداد وممالأة الوزير ابن العلقمي لهم؛ مما أضعف بنية المجتمع، وأدى إلى وقوع خيانات مختلفة ضد الخليفة.
أما الجانب الاقتصادي: فقد شهد عصر المستعصم أ*** الكوارث الطبيعية التي لم تشهد مثلها الخلافة العباسية، فكثرت الفيضانات التي أتلفت المحاصيل، وارتفعت الأسعار وتعذرت الأقوات؛ مما أدى إلى ضعف الحكم في البلاد.
الحصار ثم الدمار
بعد انهيار الدولة الخوارزمية اتسعت حدود دولة التتار غرباً.. وفي عام 651هـ تحركت قوات التتار نحو الغرب. وكانت هذه الحملة العسكرية بقيادة (هولاكو بن جنكيز خان)، فعبروا الأرضي التركستانية ثم ساروا إلى بلاد ما وراء النهر.
ا
وبعد سنتين أي في عام 653هـ وصل هولاكو وجيشه إلى بلاد ما وراء النهر، وهناك أرسل هولاكو إلى الخليفة المستعصم ببغداد يدعو فيها الخليفة إلى الاستسلام دون قيد أو شرط، فإن أجاب واستسلم فعليه أن يرسل قوات بغدادية لتنظم إلى التتار لقتال الحكومة الإسماعيلية في إيران.
ومما جاء في نص الرسالة من التهديد أنه قال: "فإذا فعلت ذلك فإن موافقتَكم ستحمد، وخدماتِكم سوف تقدر جيداً، ولسوف تبقى لكم أراضيكم وأسلحتكم، ولكنكم إذا تهاونتم في امتثال الأوامر، ولم تبدِ احتراماً للغرض الذي طالبَتْكم به هذه الرسالة فإننا عندما نفرغ من أمر الملاحدة (يعني الإسماعيلية) سنعود ونتوجه إليكم، وسيقع عليكم وعلى أراضيكم ومساكنكم ما سبق وجرى عليهم".
وصلت الرسالة إلى بغداد، فرد عليها الخليفة برسالة اعتذار عن عدم إرسال الجنود وبعث إلى هولاكو بعض الهدايا.
يقول سامي بن خالد الحمود – في بحثه (الانتصار على التتار.. دراسة تربط ماضي الأمة بحاضرها) – إن هذه الرسالة تدل على أمرين:
1) الأول: الضعف والهوان الكبير الذي حل بالخلافة العباسية.
2) الثاني: أن غزو التتار للبلاد الإسلامية لم يكن مفاجئاً بل كانت إرهاصاته ومؤشراته واضحة المعالم كما في هذه الرسالة التي وصلت إلى الخليفة قبل سقوط بغداد بأكثر من سنتين، ومع هذا لم تكن استعدادات بغداد الهزيلة خلال السنتين بحجم هذا الخطر العظيم.
وبعد وصول هولاكو إلى شرق إيران أرسل حاكم كَرمان المسلم قطب الدين محمد قواتٍ كبيرة للمشاركة تحت راية هولاكو.
وواصل هولاكو سيره إلى الإسماعيلية، فهاجم بلادهم، وحاصر قلاعهم، حتى قرر زعيم الإسماعيلية خورشاه الاستسلام فجاء بين يدي هولاكو وأعلن استسلامه في أواخر عام 654هـ.
وبعد أن قضى هولاكو على الإسماعيلية اتجه غرباً إلى الأراضي العراقية، وعندما وصل إلى همذان أرسل رسالة ثانية إلى الخليفة، مليئة بالكبرياء والتعجرف، يذكره فيها بعصيانه وعدم إرساله الجنود، وأن أعذاره جوفاء.
وأمر الخليفةَ أن يسلم البلاد لابنه ويحضر بنفسه بين يديه أو يبعث أحد وزرائه، وأمره بهدم الحصون وردم الخنادق المحفورة حول بغداد (وهذا على طريقة نزع أسلحة الدمار الشامل عند التتار الجدد.. هولاكو يريد أن ينزع أسلحة العراقيين، وهو قادم ل***هم، واستباحة بلادهم).
رد الخليفة المستعصم على هولاكو برسالة جوابية متناقضة جمعت بين الكبرياء والتحدي والضعف والخور، ذكر المستعصم أن قوة المسلمين لا تقهر وأن جميع المسلمين مستعدون ليقاتلوا معه ضد التتار، لكنه لا يريد أن يعلن الحرب لئلا يزعج المواطنين..ثم نصح المستعصم هولاكو بأن يصغي إلى صوت السلام، وأن يقنع بالأراضي الذي تنازل له عنها، وأن يضيفها إلى دولة التتار - (نفس ثقافة الاستسلام والخوف والعجز تكررت ففي زماننا كما حصل مع فلسطين) - فإن لم يصغ إلى صوت السلام فليتجهز للحرب، وأرسل مع الرسالة بعض الهدايا القليلة.
وصلت الرسالة إلى هولاكو فطرد الرسل، ورفض الهدايا، وبعث برسالة ثالثة عنّف فيها الخليفة، وتوعده بجيش يفوق النمل والجراد.
وبعد استنفاذ الطرق الدبلوماسية وفشل المراسلات المتكررة بين هولاكو والمستعصم اجتمع هولاكو مع كبار مستشاريه في مجلس حرب يعد من أهم مجالس الحرب في تاريخ التتار، وأخذ القرار بغزو العاصمة بغداد، وكان هولاكو قلقاً من أي مفاجآت، وبالذات من الأمراء المسلمين الذين انضموا إلى جيشه، ولذلك وضع على الفرق الإسلامية التي معه مراقبة شديدة، ولكن مخاوفه لم تمنعه من التقدم، كما أنها لم تكن حقيقية؛ لأن الأمراء المسلمين الذين انضموا إليه – كما يقول الدكتور السرجاني - لم يكن في نيتهم أبداً الغدر بهولاكو، إنما كان العزم كل العزم أن يغدروا ببغداد..
وكان مجلس الحرب معقوداً في مدينة همذان الفارسية (في إيران حالياً) وهي تقع على مسافة حوالي450 كيلو متراً من بغداد إلى الشمال الشرقي..وتذكر بعض الروايات أن جيش التتار كان حوالي 120 ألف مقاتل، و40 ألفاً من جيش المشاة الأرمني، و12 ألفاً من سلاح الفرسان الأرمن مع ترك وجورجيين.. وفي روايات أخرى كان عدد الجيش مائتا ألف مقاتل.
تحرك هولاكو بجيشه وكان بصحبته جمع ممن ينتسب إلى الإسلام منهم نصير الدين الطوسي الفيلسوف والذي كان أحد مستشاري هولاكو، ومنهم أمير شيراز. ووصل الجيش التتري بغداد في محرم سنة 656هـ.
ويستمر مسلسل الخيانة، فيأتي أمير الموصل (بدرالدين لؤلؤ) بالمدد والطعام والهدايا للتتار، وينضم هو وجيشه للتتار يقاتلون إخوانهم المسلمين خوفاً على أنفسهم..ويستمر المسلسل فينضم قائدان عسكريان من جيش الخلافة إلى التتار وهما (أيبك الحلبي)، و(سيف الدين قيليج)، فهجرا الخدمة العسكرية، وهربا إلى جيش التتار، ثم انضم إلى التتار قائد مسلم ثالث هو (سلطان تشق).. (نفس الأمر تكرر قبل وأثناء احتلال العراق اليوم)..
أكرم هولاكو هؤلاء الخونة المسلمين. وقسم الجيش إلى ثلاثة أقسام: الميمنة بقيادة (بايجو نويان) ومعه خونة المسلمين، والميسرة بقيادة النصراني (كد بوقا نويان)، والقلب بقيادة هولاكو.
وخرجت فرقة هزيلة من الجيش العباسي يقودها مجاهد الدين أيبك لمواجهة جيش هولاكو المهول. وفي ظل ضعف الجانب الديني يأتي تأثير العدد والعدة كبيراً ودوره حاسماً..وبمجرد خروج الجيش العباسي واستعداده لملاقاة هولاكو جاءت الأخبار إلى مجاهد الدين أيبك أن هناك جيشاً تترياً آخر يأتي من جهة الشمال، وهو جيش بيجو القادم من أوروبا عبر أراضي تركيا وشمال العراق.
وكان ذلك الجيش قد عبر الأراضي العراقية شرق نهر دجلة، حتى إذا وصل إلى الموصل عبر نهر دجلة إلى الناحية الغربية منه، وسار في الأراضي المحصورة بين نهري دجلة والفرات حتى اقترب من بغداد، وأصبح على بعد خمسين كيلومتراً فقط منها، وعند هذه المنطقة في شمال بغداد وصلت الأخبار إلى مجاهد الدين أيبك..
ويوضح الدكتور راغب السرجاني أن سبب اختراق بيجو للأراضي الإسلامية يحمل معه مصيبتين عظيمتين:
المصيبة الأولى: غياب المخابرات الإسلامية عن الساحة تماماً، وواضح أن الجيش العباسي كان لا علم له ولا دراية بإدارة الحروب أو فنونها..
أما المصيبة الثانية والأعظم: فهي أن هناك خيانة كبرى من أمراء الأناضول والموصل المسلمين.. هذه الخيانة فتحت الأبواب لجيش التتار، ولم يحدث أي نوع من المقاومة، وسار الجيش التتري في هدوء وكأنه في نزهة، وبالطبع لم يرتكب في طريقه مذابح لكي لا يلفت أنظار الخلافة في بغداد، ورضي الناس منه بتجنب شره، وخافوا أن يدلوا عليه لكي لا ينتقم منهم بعد ذلك..فبدر الدين لؤلؤ - أمير الموصل - لم يكتف بتسهيل مهمة التتار، وبالسماح لهم باستخدام أراضيه للانتقال والعبور، بل أرسل مع التتار فرقة مساعدة تعينهم على عملية تحرير العراق من حكم الخلافة العباسية.
أدرك مجاهد الدين أيبك أن هذا الجيش لو وصل إلى بغداد فسوف يطوقها من الناحية الشمالية والغربية، وبذلك سيطبق الحصار تماماً على العاصمة الإسلامية، ومن هنا فكر مجاهد الدين أيبك بسرعة أن يتجه بجيشه شمالاً بين نهري دجلة والفرات لمقابلة جيش بيجو، والتقى فعلاً بجيش التتار عند منطقة الأنبار، وهي المنطقة التي شهدت انتصاراً خالداً قبل ذلك بأكثر من ستمائة سنة على يد الصحابي المجاهد خالد بن الوليد رضي الله عنه، ولكن في هذه المرة لم يكن الانتصار حليف المسلمين..
لقد بدا بيجو وكأنه أعرف بالمنطقة من أهلها، فبدأ يُظهر الانسحاب، ويستدرج خلفه جيش المسلمين، حتى أتى به إلى منطقة مستنقعات قريبة من نهر الفرات، ثم أرسل المهندسين التتر لقطع السدود المقامة على نهر الفرات في هذه المنطقة، وذلك ليقطع خط الهروب على الجيش العباسي، ثم حاصر بيجو الجيش العراقي، وبدأ في عملية إبادة واسعة النطاق، واستطاع مجاهد الدين أيبك بفرقة صغيرة جداً من الجيش العباسي أن ينسحب بمحاذاة النهر جنوباً حتى عاد إلى بغداد، ولكن هلك معظم الجيش العباسي في منطقة الأنبار.
تمت هذه الموقعة الأليمة غير المتكافئة في التاسع عشر من المحرم، أي بعد أسبوع من ظهور هولاكو أمام الأسوار الشرقية لبغداد، وتقدم بيجو مباشرة ولم يضيع وقتاً حتى وصل إلى بغداد من ناحيتها الشمالية في اليوم التالي مباشرة، ثم التف حول بغداد ليضرب عليها الحصار من جهتها الغربية، وبذلك وضعت بغداد بين فكي كماشة: هولاكو من الشرق، وبيجو من الغرب.. وازدادت حراجة الموقف جداً، واستحكم الحصار حول عاصمة الخلافة.
وهكذا واصلت قوات الميمنة التترية سيرها باتجاه الجنوب الشرقي على الطريق بين الأنبار وبغداد حتى وصلت إلى ضواحي بغداد من جهة الغرب في منتصف شهر محرم سنة 656هـ...وأما قوات الميسرة فسارت إلى أراضي الخليفة الجنوبية الشرقية، ثم تقدمت من الجنوب باتجاه الشمال الغربي حتى وصلت أسوار بغداد من جهة الجنوب الشرقي شمال شرقي دجلة وكان ذلك أيضاً في منتصف شهر محرم...وأما قوات القلب فوصلت بغداد في الحادي عشر من محرم، وعسكرت في الجهة الشرقية لبغداد.
وكان معهم مجانيق تقذف كتل الصخور، وعربات ذات عجلات، وقاذفات نفط تقوم بقذف السهام الملتهبة على مسافات بعيدة المدى، وكان سكان بغداد أهدافاً سهلة لهذه القذائف ليلاً ونهاراً.
ومع بدء الضربات كانت هناك حرب إعلامية، أراد منها هولاكو تحطيم الروح المعنوية لدى المدافعين والسكان، فأمر بأن تكتب منشورات ويرمى بها مع السهام وكان مكتوب فيها "إن السادة والعلماء والقساوسة والمشايخ والأشخاص الذين لا يقاتلوننا، كل أولئك لهم الأمان من عندنا).. وهذا ما فعله الاحتلال الغربي أثناء اجتياح العراق.
ثم كثفت قوة القلب بقيادة هولاكو هجماتها بآلة الكبش على البرج العجمي في الجزء الشرقي من أسوار بغداد فانهار البرج العجمي، وهرب المدافعون واستولى التتار على الأسوار، وبدأت المقاومة البغدادية بالضعف شيئاً فشيئاً حتى انتهت تماماً.
وكان الوزير الخبيث ابن العلقمي أول من برز إلى التتار، فخرج بأهله وأصحابه إلى هولاكو واجتمع به، ثم عاد إلى الخليفة وقال له بلسان الناصح إن الملك يريد أن يبقيك في الخلافة ويزوج ابنته بابنك، وأنه يريد الصلح حقناً للدماء، وأشار عليه بالخروج لمقابلة هولاكو وقال: "فليجب مولانا إلى هذا فإن فيه حقن دماء المسلمين".
وكان من بين النقاط أو الوعود التي طرحها هولاكو:
- إنهاء حالة الحرب بين الدولتين وإقامة علاقة سلام دائم..
- يعطي الأمان لأهل بغداد جميعاً..
هذه هي الوعود مقابلها الشروط الآتية:
- تدمير الحصون العراقية.
- تسليم الأسلحة.
- الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية، (في زماننا تسمى وصاية دولية).
خرج الخليفة وأولاده الثلاثة ومعهم سبعمائة راكب من القضاة والعلماء والأعيان حتى يشهدوا الصلح، وعندما وصلوا إلى هولاكو احتُجزوا، وسُمح لسبعة عشر رجلاً منهم فقط بمرافقة الخليفة.
ولما وقف الخليفة أمام هولاكو هاله ما رأى من الجبروت والإهانة، فأراد أن يتكلم فاضطرب كلامه، ثم تم القبض على الخليفة، وأخذ الذين جاؤوا معه على مجموعات ليشهدوا العقد فكلما أخذت مجموعة ***ت حتى ***وا جميعاً.
ثم أُمر الخليفة أن يصدر أوامره للناس في بغداد بإلقاء السلاح، ثم سار التتار بالخليفة تحت الحراسة إلى دار الخلافة ليدلهم على أماكن الذهب والمجوهرات وكان معهم الوزير العلقمي الرافضي، ومستشار هولاكو نصير الدين الطوسي، وبعد أن نهبوا دار الخلافة عادوا بالخليفة إلى هولاكو، وعندما أراد هولاكو *** الخليفة نهاه مستشاروه عن إراقة دم الخليفة على الأرض، وهددوه بأنه إذا فعل ذلك سيثور بركان يدمره هو وجنوده، فأمر هولاكو بوضع الخليفة في كيس من الجلد، ثم رفسه الجنود حتى تهشمت عظامه ومات.
كما *** ولدان من أولاد الخليفة، وأسر ابنه الثالث وأرسل إلى منغوليا، وأسرت أخواته الثلاث، كما *** معظم وزرائه، وكل علماء بلده وخطباء مساجده وحملة القرآن في مدينته، ودمر جيشه بكامله، ونهبت أمواله وثرواته وكنوزه ومدخراته..وبهذا سقطت الخلافة العباسية في بغداد في الرابع عشر من صفر عام 656هـ.
ولم تنته المأساة ب*** الخليفة.. وإنما أمر هولاكو باستمرار عملية ال*** في بغداد.. فهذه أضخم مدينة على وجه الأرض في ذلك الزمان.. ولابد أن يجعلها التتار عبرة لمن بعدها.
واستمر ال*** في المدينة أربعين يوماً كاملة منذ سقوطها، حيث *** مليون مسلم.. ولم ينج من ال*** في بغداد إلا النصارى فقط، وقيل إن ذلك كان بسبب تدخل زوجة هولاكو النسطورية (دوكوز خاتون).
وامتلأت بغداد بالجثث حتى صارت كالتلال في الطرقات، وتعفنت الأشلاء، وتلوث الهواء فانتشر الطاعون في بغداد فمات منهم خلق كثير.. واضطر هولاكو إلى نقل مخيمه بعيداً وعكس اتجاه الرياح؛ بسبب رائحة الموت والدمار الذي ينبعث منها.
وكان كثير من الناس قد اختبؤوا في الآبار وقنوات الأوساخ والنجاسات، فلما نودي في بغداد بالأمان خرجوا كأنهم الموتى من قبورهم لا يعرف الوالد ولده، ثم أخذهم الطاعون فألحقهم بمن سبقهم.
كما قام التتار بتدمير مكتبة بغداد (بيت الحكمة)، وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن، وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام.. جمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون من علوم شرعية كتفسير القرآن والحديث والفقه والعقيدة والأخلاق، ومن علوم حياتية كالطب والفلك والهندسة والكيمياء والفيزياء والجغرافيا وعلوم الأرض، ومن علوم إنسانية كالسياسة والاقتصاد والاجتماع والأدب والتاريخ والفلسفة وغير ذلك.. هذا كله بالإضافة إلى ملايين الأبيات من الشعر، وعشرات الآلاف من القصص والنثر.. وكذلك الترجمات المختلفة لكل العلوم الأجنبية سواء اليونانية أو الفارسية أو الهندية.
ويقول المؤرخون إن نهر دجلة كان أسوداً من الحبر بسبب الكميات الهائلة من الكتب المرمية بالنهر.
وهذا تكرار لما حدث في قرطبة عندما سقطت في يد نصارى الأندلس سنة 636 هجرية (قبل سقوط بغداد بعشرين سنة فقط) حيث قاموا بحرق مكتبة قرطبة تماماً.. وقام بذلك أحد قساوسة النصارى بنفسه.. وكان اسمه "كمبيس"، وحرق كل ما وقعت عليه يده من كتب بذلت فيها آلاف الأعمار وآلاف الأوقات، وأنفق في سبيل كتابتها الكثير من المال والعرق والجهد..
ونفس الأمر كرره الاحتلال الغربي في العراق، وسيأتي ذكر ذلك.. وفي هذا دلالة على وجود حقد أسود توارثه أعداء الأمة الإسلامية يسعى إلى القضاء على كل مقومات البناء والنهوض، وفي مقدماتها الجوانب الدينية والعلمية والثقافية.
يعتقد بعض المؤرخين بأن غزو المغول قد دمر الكثير من البنى الأساسية للري والتي كانت موجودة منذ حضارة ما بين النهرين قبل آلاف السنين. حيث قطعت قنوات الري، وكانت أعظم الأعمال التهديمية التي ارتكبها هولاكو هي تخريب السدود والأنهار ونواظم الإسقاء، ولم ترمم بعد ذلك؛ حيث تسبب *** أناس كثيرين وهروب غيرهم إلى عدم إصلاح نظام الري.
تدمير بغداد كان نوعاُ من التكتيك العسكري لكي يجعل المدن أو الولاة الآخرين يستسلمون دون قتال؛ وذلك أن سقوط ودمار أعظم وأقوى مدينة إسلامية سيبث الرعب في نفوس العامة والخاصة في شتى بقاع العالم الإسلامي، ويسهل مهمة سيطرة التتار على ما تبقى في طريقهم من المدن.
وبعد سقوط بغداد فوض الطاغية هولاكو أمرها إلى الأمير علي بهادر، وجعل معه الوزير ابن العلقمي الذي كان يطمع في الملك، ولما لم يحصل له الملك انقطع في داره فمات هماً وكمداً، ثم تولى الوزارة بعده ولده فأخذه الله سريعاً وألحقه بوالده.
ثم قرر هولاكو مغادرة بغداد بعد أن أصبحت خراباً فخرج إلى أذربيجان، وبدأت استعداداته للمرحلة الثالثة من الحملة، وهي غزو سوريا وفلسطين ومصر.
وتكررت اللدغة
نعم لقد تكررت اللدغة في الأمة الإسلامية وفي نفس المكان الذي لدغوا فيه.. وتكررت الظروف والعوامل التي أدت إلى سقوط بغداد والعراق عموماً..
وتكررت آليات الاحتلال في التدمير والبطش والأهداف في القضاء على كل مقومات النهوض والبناء..وبالتالي تكررت النتائج والآثار في بغداد وباقي أنحاء العالم الإسلامي.
وكما كانت بغداد في ذلك الزمان هي حاضرة العالم الإسلامي – على علاته - ومركز قوته السياسية والعلمية والعسكرية، كان عراق اليوم مركز قوة العالم الإسلامي وكان شعبه أكثر شعوب المسلمين ثقافة وتعلماً.. وجيشه أقوى جيوش العالم الإسلامي..
وكما كانت بغداد في ذلك الزمان تعاني الانحطاط والضعف والفساد وهو جزء من حال الأمة الإسلامية البائس، كان عراق اليوم كحال الأمة الإسلامية اليوم يعاني من عوامل الضعف. وسبّب الحصار الغربي - الذي استمر أكثر من عشرة أعوام – في زيادة ضعف وانهيار العراق في شتى الجوانب..
وكما كانت بغداد في ذلك الزمان ضحية للغدر والخيانة من الداخل والخارج، كان عراق اليوم ضحية أيضاً لهذا النوع من البلاء المدمر..
وكما دخل الخونة في ذلك اليوم على ظهور خيول الاحتلال المغولي، دخل خونة اليوم بغداد على ظهر دبابات الاحتلال الغربي..
وكما دمر المغول كل شيء في بغداد من البشر إلى الشجر والحجر، دمر الغرب اليوم كل شيء في العراق، وتكررت نفس المأساة.
وفيما يلي بعض الدمار الذي خلفه الغرب اليوم والذي يشبه في كثير من جوانبه الدمار المغولي:
أظهرت تقارير سرية عسكرية أمريكية نشرها موقع ويكيليكس – في أكتوبر 2010م - أن عدد ال***ى المدنيين في العراق أعلى بكثير مما أعلن عنه حتى الآن، وكان للقوة الجوية نصيب وافر في هذه الخسائر البشرية الهائلة.
وتتحدث الوثائق عن 285 ألف ضحية سقطت منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003م، بينها 109 آلاف قتيل على الأقل، 63% منهم مدنيون، و15 ألفا منهم مجهولو الهوية..وقد كان للقوة الجوية دور رئيسي في وقوع هذا العدد الكبير من ال***ى المدنيين.
بينما جاء في كتاب (التطهير الثقافي في العراق.. أسباب نهب المتاحف وحرق المكتبات واغتيال الأكاديميين) – الذي أعده مجموعة من المؤلفين الأمريكيين، وصدر هذه السنة – أن عدد ال***ى بلغ أكثر من مليون إنسان.
أما المهجّرين فقد ذكر الكتاب أنه بين يناير وأكتوبر2007م، تم تهجير مليون عراقي إلى سوريا، إضافة إلى نصف مليون نسمة هجروا إليها في عام 2006م. ويضاف إلى ذلك 750000 إلى الأردن، 70000 إلى مصر، 60000 إلى إيران، 30000 إلى لبنان، 200000 في الخليج، 100000 إلى أوروبا، و(463) إلى الولايات المتحدة.. عدا عن التهجير الداخلي الذي بلغ مقداره نحو خمسة ملايين عراقي.
وفي إحصائيات أخرى - وزعها مركز (صقر للدراسات) العراقي في يوليو 2009م - عن الدمار والمآسي التي خلفها الاحتلال الأمريكي للعراق، خلال أكثر من ست سنوات، بلغ عدد الأرامل أكثر من مليون أرملة حتى أواخر عام 2008م، استناداً إلى إحصائية رسمية صادرة عن وزارة المرأة، وتقدر وزارة التخطيط عدد أيتام العراق بأربعة ملايين يتيم، إضافة إلى أكثر من مليوني قتيل، حسب إحصائيات وزارة الصحة والطب العدلي.
وقال المدير العام لمركز صقر للدراسات مهند العزاوي - في تصريح للجزيرة نت - إن جميع الإحصائيات والأرقام التي وزعها مركز صقر للدراسات، اعتمدت من قبل مؤسسات ومنظمات عراقية ودولية.
وأشار إلى وجود جوانب كثيرة أخرى طالها الدمار والخراب، لم يتم التأكد من الأرقام النهائية بشأنها، وأكد أن الأرقام التي تم توزيعها تقدم صورة تقريبية لما حل بالعراق خلال سنوات الاحتلال..وتشير الشكاوى المسجلة في مختلف أنحاء العراق عن فقدان 800 ألف شخص، لا يعرف أهلهم شيئاً عن مصيرهم، وفق مركز دراسات الصقر، في حين تؤكد إحصائيات مرصد حقوق الإنسان اعتقال 340 ألف عراقي في السجون الأمريكية والحكومية.
وفي هذا السياق سبق للاحتلال الأمريكي الاعتراف باعتقال 120 ألفاً، أطلقت سراح غالبيتهم، لكن السلطات الحكومية تعيد اعتقال هؤلاء.
من جهتها كانت صحيفة (القدس العربي) قد نشرت – في عام 2007م – إحصائيات تقول إن عدد الأيتام من تلاميذ المدارس في العراق تجاوز 900 ألف طفل، ونقلت عن دراسة اجتماعية عراقية أعدها الباحث الاجتماعي الدكتور عدنان ياسين مصطفى - أستاذ الدراسات الاجتماعية - أرقاماً مخيفة عن تدهور الوضع الاجتماعي في العراق، حيث أكدت أن هناك أكثر من 100 أرملة و400 يتيم يضافون يومياً إلى المجتمع في بغداد..
وكشفت الدراسة أن حالة العراق في ظل الاحتلال، ليست سوى مسلسل من عمليات ال*** العشوائي التي تحصد العشرات كل يوم، وفقدان الشعور بالأمن وتفكك الأسرة العراقية وازدياد حالات الطلاق، بالإضافة إلى انتشار جرائم الفساد الإداري والاعتداء على الملكية العامة وارتفاع جرائم السرقة والسطو المسلح، والاختطاف وال****** وجنوح الأحداث.
وأشار إلى أن المجتمع العراقي قد أصيب بالانهيار بعد الضربات المتتالية التي تلقاها في حربين خلال الثمانينيات والتسعينيات، أعقبهما حصار اقتصادي استمر عشر سنوات ثم غزو دمر البنية التحتية وهياكل الدولة في عام 2003م وما بعده.
وأضاف أنه بسبب التهميش وسوء المعاملة التي يلقونها من قوات الاحتلال وقوات الأمن يسود التوتر بين المواطنين ويشعر الجميع بفقدان المعايير الخاصة لاسيما بعد إذكاء روح التعصب الطائفي والقبلي بحيث لا تؤدي الخطط الأمنية المتواصلة بكل ما فيها من أسلحة وقوات إلى إعادة الأمن المفقود.
ويستعرض الباحث بعضاً من هذه الصور فيقول: ازدادت أعداد الأرامل - اللاتي يعلن عنهن ولم تتمكن وزارة الشؤون الاجتماعية من تسجيل العدد كاملاً حتى زمن إعداد التقرير – إلى 560 ألفاً، وسجل مكتب المنسق الإنساني للأمم المتحدة في العراق أن النساء اللاتي ترملن بسبب الحرب وأصبح أطفالهن مشردين من عرب الأهوار وصل عددهن إلى 100 ألف امرأة.
وقال إن تقرير المنظمة الدولية أشار إلى أن معدلات الطلاق ارتفعت من عام 2003م – 2006م بنسبة 200% في حين تراجعت نسبة الزواج لنفس الفترة إلى 50%، بحسب إحصاءات وزارة العدل العراقية.
وتسجل التقارير أن التضخم المتزايد في الاقتصاد العراقي يوجد ضغوطاً مستمرة ومتزايدة علي الأسرة، وأن الحرمان أدى إلى زيادة أعداد أطفال الشوارع وأن جيوب الفقر منتشرة في المدن والقرى على السواء.
وفي الجانب المعيشي، يعيش أكثر من 40% من العراقيين تحت خط الفقر (ارتفعت هذا العام إلى 50%)، وحصل تدمير شامل للبنى التحتية في الدولة العراقية حيث توقفت المعامل الكبيرة والمصانع بنسبة تتجاوز 90%.
نشر الرذيلة
ومن بين الأرقام المثيرة للانتباه - التي ذكرها مركز (صقر) - عدد الإصابات بفيروس الإيدز في العراق، إذ يقول التقرير إن عدد الإصابات وصل إلى 67 ألف إصابة، بعدما كانت 114 إصابة فقط مسجلة قبل الاحتلال عام 2003م.
وتؤكد إحصائيات وزارة الصحة ومركز مكافحة المخدرات والكحول انتشار المخدرات القادمة من إيران بين طبقة الشباب وبصورة غير مسبوقة.
وقد أكدت مجلة (نيوزويك) الأمريكية - في يونيو 2006م - أن الاحتلال الأمريكي في العراق تسبب في نشر الرذيلة في العراق..وتضيف المجلة أن ذلك يتم بتشجيع من القوات الأمريكية. وتسخر المجلة بالتالي من طبيعة "الحرية" التي جلبتها الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق، حسب ما نشره موقع (مفكرة الإسلام).
التدمير العلمي والثقافي
وأورد كتاب (التطهير الثقافي في العراق.. أسباب نهب المتاحف وحرق المكتبات واغتيال الأكاديميين) عدداً من الإحصائيات التي تدل على حجم الدمار الذي لحق بالجانب الثقافي العراقي على يد الاحتلال الغربي وأعوانه، ومن بين هذه الإحصائيات بحسب ما نقلته موقع (الجزيرة نت):
- سرقة 15000 قطعة أثرية من المتحف الوطني العراقي، تحت سمع قوات الغزو والاحتلال وبصرها.
- سرقة كثير من القطع الأثرية من 12 ألف موقع أثري في العراق.
- إحراق وتدمير ونهب 84% من المؤسسات التعليمية العليا العراقية.
- اغتيال أكثر من أربعمائة أكاديمي بمرتبة أستاذ على أيدي قوات اغتيال متخصصة، ولم يلق القبض على أي قاتل منهم، بينما وصل عدد الأكاديميين العراقيين المعتقلين أو الذين أجبروا على مغادرة وطنهم إلى نحو 2500 عالم.
- قانون "اجتثاث البعث" أدى إلى جعل نحو نصف مليون عسكري محترف عاطلين عن العمل.
- أول ألف مطرود من العمل بموجب قانون "اجتثاث البعث" عام 2004م كانوا أساتذة ومعلمين. هذا "القانون" أدى بداية إلى طرد 120000 موظف من مختلف المستويات.
- فرضت قوات الاحتلال مناهج دراسية تخلو من أي نقد لسياساتها ومن أي إشارة إلى عدوان إسرائيل.
- تدمير نحو 60% من الأرشيف العثماني/ الهاشمي الخاص بالعراق.
- عدد الأساتذة الذين اغتيلوا فقط في جامعتي البصرة وبغداد وصل إلى 500 عالم، وأغلب الضحايا عرب.
- قناة الجزيرة تحدثت عن م*** ألف عالم حتى أبريل 2004م.
الاغتيالاتونتائجها وتأثيرها في نفوس الأكاديميين
بعض نتائجها النفسية في الوسط العلمي يلخصه مؤلفو الكتاب فيما يلي:
- كل الأساتذة يعانون الخوف من ال***/الموت.
- 91% منهم يعانون الخوف من موت مؤلم.
- 81% منهم يعانون الخوف على مصير الأحبة والأقارب.
- 72% يخشون التحلل الجسدي المرافق للموت البطيء.
- 69% يخشون من موت مؤلم للغاية.
- 66% يرون أن الموت موجود في كل الأمكنة.
- 66% يشعرون بالرعب من رؤية جثمان قتيل.
- 66% يعانون هوس ال*** في أي لحظة.
- 53% يفكرون في مصيرهم.
- 53% يفضلون عدم زيارة صديق يحتضر.
- 50% يعملون على تفادي الموت أياً كان الثمن.
- 47% يفكرون في الموت قبل الذهاب إلى النوم.
- 38% يرون أن الموت أفضل من حياة مؤلمة.
- 31% خائفون جدًا من الموت.
تدمير الأرض
في يونيو 2010م ذكرت وسائل إعلام عربية أن الاحتلال الأمريكي في العراق خلّف وراءه مواد سامة خلال فترة وجوده في البلاد.
ونقلت وسائل الإعلام عن تحقيق أجرته صحيفة (التايمز) البريطانية في خمس محافظات عراقية أن القواعد الأمريكية تتخلص من المواد الخطرة عن طريق طمرها في مواقع محلية بدلاً من إرسالها إلى الولايات المتحدة الأمريكية..
وأشارت الصحيفة إلى أنه في شمال وغرب بغداد يتسرب زيت المحركات من البراميل إلى الأراضي الترابية بالإضافة إلى وجود الأطفال بالقرب من أوعية اسطوانية مفتوحة تحتوي على أحماض إلى جانب إلقاء بطاريات بالقرب من أراض زراعية.
وقال جنرال أمريكي مسؤول عن الهندسة والبنية التحتية في العراق للصحيفة البريطانية إنه كان مشرفاً على التخلص من 14.500 طن من الزيوت والتربة الملوثة بالزيوت. موضحاً أن ذلك كان تراكمات سبع سنين.
كما أوضحت الصحيفة أن شركات إعادة تدوير خاصة تعمل داخل القواعد الأمريكية عمدت إلى خلط مواد خطرة مع خردة العامة وقامت بتمريرها إلى التجار المحليين.
ولا يتوقف الأمر عند موضوع المواد السامة فقط، بل تعدى التدمير إلى ضرب المواطنين والأراضي العراقية بالأسلحة المحرمة دولياً التي تقضي على كل مظاهر الحياة الحالية والمستقبلية، كالذي حصل في الفلوجة.
وهذه أبيات رثاء للشاعر العباسي ابن أبي اليسر قال فيها:
لسائـل الـدمـع عــن بـغـداد أخـبـار فمـا وقوفـك والأحبـاب قـد iiســاروا
يـا زائريـن إلـى الـزوراء لا تفـدوا فـمـا بــذاك الحـمـى والــدار iiديــار
تاج الخلافة والربع الذي شرفت به الـمـعـالــم قـــــد عــفـــاه إقــفـــار
أضحى لعطف البلى فـي ربعـه iiأثـر ولـلـدمـوع عـلــى الآثــــار آثــــار
يا نار قلبي مـن نـار لحـرب iiوغـى شبت عليـه ووافـي الربـع إعصـار
وكم بـدور علـى البدريـة iiانخسفـت ولـــم يـعــد لـبــدور مـنــه iiإبـــدار
وكـم ذخائـر أضحـت وهـي شائـعـة مــن النـهـاب وقــد حـازتـه كـفــار
وكـم حـدود أقيـمـت مــن سيوفـهـم علـى الرقـاب وحـطـت فـيـه iiأوزار
ناديـت والسـبـي مهـتـوك iiيجـرهـم إلـى السفـاح مـن الأعــداء iiدعــار
وهم يساقون للموت الـذي iiشهـدوا النـار يـا رب مــن هــذا ولا الـعـار
يـــا لـلـرجـال بــأحــداث iiتـحـدثـنـا بـمـا غــدا فـيــه إعـــذار iiوإنـــذار
مـن بعـد أسـر بنـي العبـاس iiكلـهـم فــلا أنــار لـوجـه الصـبـح إسـفـار
مـا راق لـي قـط شـيء بعـد iiبينهـم إلا أحــاديـــث أرويــهـــا وآثـــــار
لم يبـق للديـن والدنيـا وقـد iiذهبـوا سوق لمجـد وقـد بانـوا وقـد بـاروا
إن القيامـة فـي بغـداد قــد iiوجــدت وحـدهــا حـيــن لـلإقـبــال iiإدبــــار
ما كنـت آمـل أن أبقـى وقـد iiذهبـوا لكـن أبــى دون مــا أخـتـار iiأقــدار
إليكَ يا ربنـا الشكـوَى فأنـتَ iiتـرَى مـا حـل بالـديـنِ والبـاغـونَ iiفُـجـارُ

الخلاصة
نلاحظ أن أسباب سقوط بغداد في يد التتار تتلخص بضعف الأمة وتفككها، وانتشار الفساد السياسي والاجتماعي والأخلاقي، وابتعاد الناس – حكاماً ومحكومين - عن الدين وانغماسهم في المظاهر الدنيوية والترف وركونهم إلى الدعة والراحة..
وحول مفاسد الترف هذه يقول الدكتور علي محمد محمد الصًّلاَّبيَّ: "والترف في المجتمعات الإسلامية ظاهرة سلبية لها ما بعدها، إن بحبحة الأمويين في الإنفاقات المالية أدت إلى ظهور الترف ثم تعمق وتجذر في الأمة حتى أصبح ترفاً مدمراً، ظهرت معالمه وآثاره في سقوط بلاد الشام في الصليبيين ثم سقوط بغداد في يد المغول وزوال الدولة العباسية، لذلك يكره الإسلام الترف ويحذر منه أشد التحذير: [وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا] (الإسراء، الآية: 16). إنه كالحمض الأكال الذي ينخر في جسم المادة فيذهب بصلابتها، فتصبح هشة سهلة القصف، أو تصبح لينة لا قوام لها في الصدام، وقد كانت وفرة المال في أيدي الناس هي الباب المؤدي إلى الترف بطبيعة الحال. ولكن هذا يفسر ولا يبرر، فإنه لا يوجد تبرير لمعصية الله، وقد جاء المال بوفرة نسبية على أيام عمر رضي الله عنه ولكنه تصرف بشأنه بمنع الفساد، فمنع الصحابة - رضوان الله عليهم - من الخروج من المدينة للضياع والتجارة؛ حتى لا تتكون منهم طبقة تملك المال في أيديها وتملك السلطان "الأدبي" على الناس، فيحدث التميز وتفسد الأحوال، فضلاً عن احتمال إصابتهم هم أنفسهم بالترف وهم هيئة المشورة إلى جانب الخليفة، فتفسد مشورتهم حين تترهل نفوسهم".
ونفس الظروف والأسباب تكررت في وقتنا الحاضر وأدت إلى سقوط العراق وغيرها من بلاد المسلمين في الاحتلال الأجنبي.. بالإضافة إلى مشكلة أخرى نعاني منها وهي عجزنا عن إدراك ما حل بالأمة في السابق، فالتقى الضعف والذل بالجهل والتجاهل.. فكانت المصيبة..
وأختم بهذه الأبيات للشاعر النجدي محمد بن عبدالله العثيمين (توفي عام 1363هـ):
فَيا لَيتَ شِعري ما الذي غَرَّ بَعضَهُم إِلــى أَن رَأى رَأيــاً يُضَـلَّـلُ iiقـائِـلُـه
سَيخسَرُ في الدُنيا وَفي الدين iiسَعيُهُ وَعَمّـا قَريـبٍ يَجتَـوي الـوِردَ ناهِلُـه
فَيـا مَعشَـرَ القُـرّاءِ دَعــوَةَ iiصــارِخٍ بِكُـم إِن يَـكُـن فيـكُـم حَلـيـمٌ iiنُسائِـلُـه
أَمــا أَخَــذَ الميـثـاقَ رَبّـــي عَلَـيـكُـمُ بِإِرشـادِنـا لِـلأَمــرِ كَـيــفَ iiنُعـامِـلُـه
فَـقـومـوا بِـأَعـبـاءِ الأَمـانَــةِ iiإِنَّـمــا بِأَعناقِـكُـم طَـــوقٌ يُعـانـيـهِ iiحـامِـلُـه
وَقَـد كـانَ فــي أَمــرِ التَـتـارِ كِفـايَـةٌ لِمَـن كــانَ ذا قَـلـبٍ سَلـيـمٍ iiدَغائِـلُـه
هُمُ عاقَـدوا السُلطـانَ صُلحـاً iiمُؤَكَّـداً عَلـى أَنَّـهُ مَـن شـاءَ قُطـراً iiيُسابِـلُـه
فَـجــاءَ أُنـــاسٌ مِـنـهُــمُ iiبِـبَـضـائِـعٍ مُـحـاوَلَـةً لِـلـرِّبـحِ مِـمَّــن iiتُـعـامِـلُـه
فَأَغـراهُ حُـبُّ الـمـالِ يُخـفِـرُ iiعَـهـدَهُ فَـمــا أَمـطَــرَت إِلّا بِـشَــرٍّ مَخـايَـلُـه
وَجَـرَّ عَلـى الإِســلامِ شَــرَّ جَـريـرَةٍ بِهـا بـادَ نَسـلُ المُسلِمـيـنَ iiوَناسِـلُـه
فَكَـم أَخَـذوا مـالاً وَكَـم سَفَكـوا iiدَمــاً وَكَـم تَـرَكـوا سِـربـاً تُبَـكّـي iiأَرامِـلُـه
إِلَيكُـم بَنـي الإِسـلامِ شَرقـاً iiوَمَغـرِبـاً نَصيحَـةَ مَـن تُهـدى إِلَيكُـم رَسائِـلُـه
هَلُمّوا إِلى داعـي الهُـدى iiوَتَعاوَنـوا عَلـى البِـرِّ وَالتَقـوى فَأَنـتُـم أَماثِـلُـه

المصادر
- (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، الإمام النووي- الطبعة الثانية.
- (قصة التتار من البداية إلى عين جالوت)، د. راغب السرجاني.
- (الانتصار على التتار.. دراسة تربط ماضي الأمة بحاضرها)، سامي بن خالد الحمود.
- (الدولة الأموية عوامل الازدهار وتداعيات الانهيار)، د.علي محمد محمد الصًّلاَّبيَّ.
- (الجزيرة نت).
- صحيفة (القدس العربي).

اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

رد مع اقتباس
إضافة رد

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:06 AM.