#1
|
||||
|
||||
![]() أخذ الأجرة على تعليم القرآن والعلم أ. د. عبدالله بن مبارك آل سيف الأصل في أعمال القرب كتعليم العلم ونحوه أن يقوم بها الإنسان محتسباً مخلصاً لوجه الله عز وجل، لا يريد بذلك عرضاً من الدنيا، وهذا هو الأفضل بلا شك، وهو الذي كان عليه الصحابة والتابعون. قال ابن تيمية: والصحابة والتابعون وتابعو التابعين وغيرهم من العلماء المشهورين عند الأمة بالقرآن والحديث والفقه إنما كانوا يعلِّمون بغير أجرة، ولم يكن فيهم من يعلم بأجرة أصلاً. ا.هـ. [1]. ومحل الخلاف في أخذ الأجرة عليها. والكلام هنا خاص بالعلوم الشرعية التي يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة، دون ما سوى ذلك [2]. اختيار ابن تيمية: اختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جواز ذلك للحاجة، خلافاً للمشهور من مذهب الحنابلة [3]. تحرير محل النزاع: 1- اتفق الفقهاء على جواز أخذ الرزق من بيت المال على تعليم العلوم الشرعية النافعة ونحوها كما أن محل الخلاف العلوم التي يختص أن يكون صاحبها من أهل القربة [4]. 2- ومحل الخلاف في أخذ الأجرة على ذلك على ثلاثة أقوال: أقوال العلماء في المسألة: القول الأول: عدم الجواز. وهذا مذهب الحنفية [5]، وهو مذهب الحنابلة في تعليم القرآن، ووجه عندهم في تعليم الحديث والفقه، وهو المشهور [6]. القول الثاني: الجواز مطلقاً. وهو قول المتأخرين من الحنفية [7]، وقول بعض المالكية [8]، وهو ظاهر كلام الإمام الشافعي [9]، وهو رواية عن الإمام أحمد [10]، وبه قال ابن حزم [11]. القول الثالث: يصح في تعليم القرآن ولا يصح في تعليم الفقه والحديث وغيرهما. وهذا مذهب الشافعية [12]. القول الرابع: يجوز في تعليم القرآن، ويكره في تعليم الفقه والحديث ونحوهما. وهذا مذهب المالكية [13]. القول الخامس: يجوز للحاجة، ولا يجوز لغيرها. وهو قول ثالث للحنابلة [14]، اختاره ابن تيمية. أدلة القول الأول: وهم القائلون بالمنع مطلقاً: أولاً: من الكتاب: 1- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا ﴾ [15]. ووجه الدلالة: أنها دلت على تحريم تعاطي الأجر على آيات الله كالقرآن وما في معناه من العلوم الشرعية [16]. ونوقش: أ - أن الخطاب في الآية لبني إسرائيل، وهو شرع من قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف. وأجيب عن المناقشة: بأنه شرع لنا إذا لم يرد شرعنا بخلافه. ثم الخطاب في الآية عام، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ب - أن المراد بالآية من تعين عليه التعليم فأبى حتى يأخذ أجراً، أما إذا لم يتعين عليه فيجوز أخذ الأجرة [17]. ج - أن ذلك مقيد في حال عدم الحاجة، والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة. 2- قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [18]. ووجه الدلالة: أنها دلت على وجوب تبليغ العلم وبيانه وحرمة كتمانه، ولا يستحق المرء الأجرة على ما يجب عليه كما لا يستحق الأجرة على الصلاة والحج [19]. ونوقش: أ- أن المراد بذلك في حال تعينه، كمن سئل عن علم يعلمه أو فتوى فكتمها، أما التفرغ للتعليم صباحاً ومساءاً فهذا خارج عن محل النزاع. ب- أن تبليغ العلم لا يتعين على أحد، إلا إذا لم يوجد غيره، وإذا تعين عليه في هذه الحالة فله أخذ الأجرة على التعليم مقابل انشغاله عن تكسبه الواجب عليه لنفقة عياله. 3- قوله تعالى: ﴿ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الله ﴾ [20]، وفي معناه أكثر من عشر آيات من القرآن الكريم [21]. قالوا: "ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة: أن الواجب على أتباع الرسل من العلماء وغيرهم أن يبذلوا ما عندهم من العلم مجاناً من غير أخذ عوض على ذلك ا.هـ. [22]. ونوقش: أن هذا في حق الرسل حماية لمقام النبوة، وقد دل على هذا التخصيص النصوص الدالة على جواز أخذ الأجرة. ثانياً: من السنة: 4- عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "من أخذ قوساً على تعليم القرآن قلده الله قوساً من النار" أخرجه البيهقي [23]. ونوقش: أ- أن البيهقي ضعف أحد رجال السند، ونقل تضعيف الحديث عن بعض الحفاظ. وأجيب عن المناقشة: بأنه قد احتج بحديثه أبو حاتم، والحديث صححه بعض العلماء [24]. ب- أنها قضية عين تحتمل عدداً من الاحتمالات، وقد عارضت النصوص الدالة على الجواز [25]، ومن الاحتمالات: أن المراد بذلك في حال تعينه عليه. 5- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: علمت ناساً من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إليّ رجل منهم قوساً، فقلت: ليست بمال، وأرمي عنها في سبيل الله.لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه، فأتيته فقلت: يا رسول الله، رجل أهدى إليّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن، وليست بمال وأرمي عنها في سبيل الله، قال: "إن كنت تحب أن تطوق طوقاً من نار فاقبلها" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه [26]. يتبع |
العلامات المرجعية |
|
|