#1
|
||||
|
||||
![]() عورة المرضى بين الكشف والتكشف
هشام عطية العَوْرات من أكثر الأمور حساسيةً في مجتمعاتنا الإسلامية، وضعتْ لها الشريعةُ الإسلامية أحكامًا للسِّتر، ولا يحقُّ لأحدٍ أن يتجاوَزَها، حتى إن احترامَ تلك العوراتِ وسترَها يمتدُّ إلى أن يَدخل الإنسانُ قبرَه، إلا أن ما نسمع عنه اليوم من تجاوزاتٍ في كشف عورات النساء، في أماكنَ يُظنُّ بها أن تكون في تعاملها أرقى وأصدق من غيرها، يكشف لنا أن السائد هو عكس ذلك؛ فقد كثرت الشكوى من النساء وأولياء أمورهن من أطباء لا يخشَوْن الله فيما ائتُمِنوا عليه، وأصبحتْ عورة المريضة مرتعًا لكل ناظر؛ فهل هذه التُّهَمَة الموجَّهة إلى الأطباء صحيحة؟ وهل وقعتْ تجاوزاتٌ يمكن أن تصل إلى حد الظاهرة، أو تستدعي المناقشة وطرح الحلول؟ ومَن المسؤول؟ أهو الطبيب نفسه، أم إدارة المستشفى، أم المريضة، أم المجتمع بأسره؟ هذا ما سنناقشه في جولتنا في هذا التحقيق. منظر لن أنساه: يقول د. يوسف الأحمد: في غرفة العمليات يمرُّ المريض بعد التخدير بمرحلة التجهيز والإعداد، ولم أكن أدخُل غرفة العمليات إلا بعد تجهيز المريض، وغالبًا يكون جسده مستورًا إلا موضعَ الجراحة. ودخلتُ مرة في أثناء مرحلة التجهيز، فرأيتُ شابًّا قد تم تخديرُه، وهو مُستلقٍ على طاولة غرفة العمليات، وهو عارٍ تمامًا ليس عليه شيءٌ يستُرُه، وازداد الأمر سوءًا في عملية المنظار وقسطرة البول، وعند إزالة الشعر من أسفل البطن. ويُضيف الدكتور الأحمد: من العسير أن أصِف التفاصيل تأدُّبًا مع القارئين، وهذه المشاهد رآها جميعُ الحاضرين في الغرفة، وأصبحتُ مهمومًا لعدة أسابيع، ويعود لي الهمُّ والألم كلما تذكرتُ هذا الموقفَ. وبعد أيام سألت أحد الأطباء: هل يُفعل بالمرأة ما رأيت من المنظار وقسطرة البول من قبل الرجال أمام جميع الحاضرين؟ قال: نعم، ولا فرق. الأطباء يعترفون: يقول أحد الأطباء - وقد طلب عدم ذكر اسمه -: إنه عندما كنت في سنة الامتياز في قسم النساء والولادة، جاءت امرأة في حالة إسعافية وقد أصابها نزيفٌ، فدعاني الطبيب الاستشاري لحضور الكشف عليها، فلما أتينا قالت المريضة: لا أريد أن يكشف عليَّ إلا امرأةٌ، فانزعج الاستشاري مما قالتْ، وطردها من القسم أمامنا! ويقول طبيب آخر: تأتينا بعض النساء وهي في غاية الستر والحشمة، وتطلب وتلح في أن يتولى إجراءَ عمليتها امرأةٌ، فنوافقها على ما تطلب، وبعد التخدير نتولَّى - نحن الرجالَ - العملية الجراحية التي تكون في العورة المُغلَّظة، وهي لا تعلم، وحالها يكون مكشوفًا أمام الجميع من مُمرِّضين، وفنيين، وطبيب التخدير؛ بل حتى عامل النظافة إذا دخل الغرفة للتنظيف، وبعد ذلك يتم توقيع التقرير النهائي باسم إحدى الطبيبات. أين أخلاقيات المهنة؟! وعن تمادي بعض الأطباء في كشف عورات المرضى، والكذب، وعدم الصدق في التعامل، تقول استشارية في قسم النساء والولادة في أحد المستشفيات: إن بعض استشاريي النساء والولادة من الرجال يكذبون عندَما تطلبُ المريضةُ طبيبةً للكشف عليها بقولهم: لا يوجد طبيبة. وتُضيف: وفي غرفة العمليات حدِّث ولا حرجَ، ففيها توضع المرأة على طاولة العمليات عاريةً تمامًا!! ويجتمع عليها الأطباءُ، والطلاَّب وغيرهم الكثير، وعندما نراجع الاستشاري وننبهه بأنَّه يجب تغطية المريضة يقول: نحن جميعًا أطبَّاء!! كاد القهر ي***ني: أمَّا م. ل: فتحكي قصةً حصلت لها عند دخولها للمستشفى؛ لوضع طفلِها الثالث، فتقول: عادةً ما ألِد بشكل طبيعي، إلاَّ أنَّ ولادتي هذه المرَّة تعسَّرت، وتقدمت المشيمة، وهذا استدعى إدخالي إلى غرفة العمليات، حينَها كنت في حالة نفسيَّة وجسديَّة سيِّئة، فقد أنهكني المخاض وغفوتُ لدقائقَ في غرفة العمليات، ولا أدري هل هو بفعل موادِّ تخدير، أم بفعل الإرهاق والإجهاد؟ بعدها فتحتُ عيني على عددٍ من الرِّجال ينظرون إلى جسدي وأنا متكشِّفة، فصرختُ في وجههم كالمجنونة، وبعد أن خرجوا علمتُ من إحدى الممرضات بأنَّ هؤلاء الرِّجال هم طُلاَّب الطبِّ، ومعهم معلِّمُهم يشرح لهم كيف يستخرجون المشيمة إذا علقت في الرَّحِم. وتضيف: تخيَّلت شكلَ زوجي لو علم بالموضوع، وآثرتُ السكوت على الأمر، حتى لا أفتضح، حتى كاد القهر ي***ني. امتهان مقنن: ويؤكِّد الدكتور يوسف الأحمد: أنَّ بعض الأطبَّاء يستخدم أسلوبَ الضغط على المريض، أو بالأصحِّ على المريضة؛ للكشف عليها، وأقوى أسلوب للضغط عليها هو استخدام عبارة: إنَّكِ وقَّعتِ قبلَ الدخول بعدم الاعتراض على العملية التعليميَّة، فهل أصبح الطب امتهانًا مقنَّنًا؟! ويضيف د. الأحمد: إنَّ عددًا من الاستشاريِّين أخبرني بأنَّ عدم رفض المريضات الصريح لمجيئنا نعتبره إذنًا منهنَّ، وبعد أن تنفرج كربتهنَّ ويعدنَ إلى طبيعتهنَّ يشعر كثير منهنَّ بالأسى والحزن. ويضيف د. الأحمد أنَّ أحد الأطباء أخبرَه بأنَّنا نحرص على عدم وجود الزَّوج عند الكشف؛ بل أحيانًا نمنعه؛ حتَّى لا تثور غَيْرته. ويضيف د. الأحمد: رأيتُ بعيني طبيبًا يدخل على غرفة تنويم النِّساء في الزيارة الصباحيَّة، وبفتح الباب وإزالةِ الستارة عنها من غير استئذان ولا كلام. علاج الظاهرة: وحولَ علاج هذه الظاهرة - إن صحَّ أن نطلق عليها ظاهرة - فيرى د. الأحمد أنَّ العلاج الأوَّل يكمن في معرفة الحُكم الشرعيِّ لهذه الممارسات، فنظرُ الطبيب إلى عورة المريض بلا ضرورةٍ أو حاجة مُلحَّة - مُحرَّم، وتعظُم الحُرمة مع اختلاف ال***، والمرأةُ كلُّها عورة، والأدلة على حرمة النَّظر كثيرة؛ منها: قوله -تعالى-: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ﴾ [النور:30]. كما أنَّ على الطبيب والمريض ألاَّ يَنسيَا حديثَ معقل بن يسار - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لأنْ يُطعن في رأس أحدِكم بمِخيط من حديدٍ خيرٌ له مِن أن يمسَّ يدَ امرأةٍ لا تحلُّ له)). ويضيف د. الأحمد أنَّ نظر الطبيب إلى عورة المرأة من غير ضرورةٍ، أو حاجة ملحَّة حرامٌ، والإثم يتحمَّلُه الطرفانِ إذا كان الكشف برضاهما، فرِضَا المريض لا يُبيح المحرَّم، وإذا لم يكن برضا المريض أو المريضة وإذنهما الصَّريح، فحقُّهما إن ضاع في الدنيا، فإنَّ الله - سبحانه - لا يُضيِّعُه في الآخرة. ويؤكِّد د. الأحمد أنَّ علاج الأطبَّاء للنِّساء لا يجوز إلاَّ بشروط: الأوَّل: ألاَّ يوجد طبيبة. والشرط الثاني: وجود الضَّرورة الملحَّة. وأن يكونَ الكشْف بقدر الحاجة، فإذا وُجِدت الحاجةُ لكشف جزء من السَّاق - مثلاً - لم يجُز الكشف عن أكثرَ من مِقدار الحاجة منها، وإذا كانت الحاجة تندفع برؤيةِ طبيب واحد. ووجود المَحْرَم من الشروط التي يجب توافرُها عندَ الكشف على المريضة، وقد ذَكَر أحدُ الأطباء أنَّ الفرقَ شاسعٌ بين وجود المَحْرَم وعدم وجوده من حيثُ النظرُ، والجُرأةُ في الكلام والسؤال وغير ذلك. ويُضاف إلى الشروط السابقة: ضرورةُ الاستئذان، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو أنَّ رجلاً اطَّلَع عليكَ بغير إذْنٍ فحذفتَه بحصاةٍ ففقأْتَ عينَه، ما كان عليك من جُناح))؛ متفق عليه. كما يجب أن تُدرس في كليات الطبِّ العلومُ الشرعيَّة التي تبين الحقوق الشرعيَّة للمرضى، والأحكام والقواعد الشرعيَّة لأحكام التداوي وضوابطه. ويجب إعادةُ النظر في التدريب العَملي لطلاَّب الطبِّ المتخصِّصين في طبِّ النساء والولادة، ويُكتفَى بالجانب النَّظري؛ لعدم وجود الضَّرورة الشرعيَّة لكشف العوْرات. ويختتم د. الأحمد حديثَه مؤكِّدًا أنَّ الكلام عن هذه المخالفات الشرعيَّة ليس بقصد التعميم وإساءة الظن، فالعديدُ من الأقسام الطبيَّة والمراكز الصحية تكاد تَسْلَم ممَّا ذُكِر. عضو هيئة التدريس بكليات الشريعة والطب بجامعة الملك خالد بأبها د. عبدالرحمن الجرعي للمستقبل الإسلامي: تبرير الأطباء بعدم الإحساس بالشَّهوة ليس مسوِّغًا لكشف عورة مريض يُعدُّ موضوعُ كشف العوْرات من الموضوعات الحيويَّة التي بدأتْ تأخذ حيِّزًا من النِّقاش والتداول بين أهل الاختصاص والفُقهاء، ويُعدُّ رأيُ الفقهاء المتابعين والمطلعين على الممارسات الطِّبية من جهة، والأحكام الشرعيَّة المتعلِّقة بالفقه الطبيِّ من جهة أخرى - من أهمِّ الآراء في هذا الصَّدد. وقد كان لنا هذا اللِّقاء مع أحد أبرز هؤلاء الممارسين لهذه المهنة، فهو مدرِّس لطلبة الطبِّ مادة "أخلاقيات الممارسة الطبيَّة"، منذ ما يُقارب ثماني سنوات، وله مؤلَّفات ومشاركات فاعلة في هذا الصَّدد. وقد طرحنا عليه الموضوع؛ ليحدِّدَ لنا بعض الأمور المتعلِّقة بضوابط كشْف العورات في المستشفيات، والعقوبات التي يستحقُّها مَن أقدم على كشْف عورة مريض من دون حاجة، وما حقُّ الطبيب في النظر إلى عورة المريض ولَمْسها؟ والعديد من الأمور المتعلِّقة بموضوع كشف عورات المرضى. يتبع |
العلامات المرجعية |
|
|