|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() تعظيم يوم بدر
وبيان فضله في القرآن الكريم د. أمين بن عبدالله الشقاوي لقد كانت معركة بدر أول معارك الإسلام الفاصلة، فرق الله فيها بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، وكانت بدر الجولة الأولى من جولات الحق مع الباطل، لرد البغي والطغيان، وإنقاذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين قعد بهم الضعف في مكة، فلم يستطيعوا الهجرة إلى دار الإيمان. إن معركة بدر التي نصر الله فيها نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه من المهاجرين والأنصار على قلة في عددهم، وضعف في عددهم، وعلى أنهم لم يتهيؤوا للقتال، ولم يستعدوا له، هي التي بها تبين أن الباطل والظلم والطغيان مهما طال أمده، وقويت شوكته، وامتد سلطانه، فلا بد له من يوم يخر فيه صريعاً أمام جحافل الإيمان وكتائب الحق. وهكذا كانت غزوة بدر آيات للمتوسمين، وعبرة للمعتبرين، تبين من خلالها أن النصر من عند الله تعالى لمن نصره، وأن الغلبة لمن صدق معه، وصدق الله تعالى إذ يقول: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17][1]. وهذه بعض الفضائل التي وردت في القرآن الكريم لغزوة بدر وأهل بدر، مستنبطة من الآيات الكريمات، مقتصراً على الواضح منها. أولاً: تسمية الله لها بيوم الفرقان: قال الله تعالى: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنفال: 41]. قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "سمي يوم الفرقان لأن الله فرق فيه بين الحق والباطل"[2]. وقال ابن كثير - رحمه الله -:" ينبه تعالى على نعمته وإحسانه إلى خلقه بما فرق به بين الحق والباطل ببدر، ويسمى الفرقان لأن الله أعلى فيه كلمة الإيمان على كلمة الباطل، وأظهر دينه، ونصر نبيه وحزبه"[3]. ثانياً: شهادة الله تعالى لأهل بدر بالإيمان: قال الله تعالى: ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ﴾ [الأنفال: 5]. وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ [الأنفال: 74]. فهذه الآية وإن تناولت غيرهم من الؤمنين المجاهدين، فهي بأهل بدر أخص وأولى. ثالثاً: نصر الله تعالى لهم بالرعب: قال الله تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ﴾ [الأنفال: 12]. قال ابن جرير - رحمه الله -: "يقول تعالى ذكره: سأرعب قلوب الذين كفروا بي أيها المؤمنون منكم، وأملؤها فرقاً حتى ينهزموا عنكم"[4]. والنصر بإلقاء الرعب في قلوب الأعداء من خصائص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمته. روى البخاري ومسلم من حديث جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي المغانم، ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس عامة"[5]. رابعاً: إمداد الله تعالى لأهل بدر بالملائكة: قال الله تعالى: ﴿ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ﴾ [الأنفال: 9]. وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ ﴾ [آل عمران: 123-124]. والراجح أن هذه الآيات نزلت في بدر كما هو ظاهر السياق، وسيأتي إن شاء الله مزيد بيان لذلك. خامساً: إعانة الله لأهل بدر بأمور أخرى غير الملائكة: أ- فمن ذلك: نزول النعاس عليهم، أمنة وتطمينًا، وإنزال المطر عليهم، إرواء وتطهيراً. قال تعالى: ﴿ إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ﴾ [الأنفال: 11]. قال ابن القيم – رحمه الله -: "وأنزل الله عزل وجل في تلك الليلة مطراً واحداً، فكان على المشركين وابلاً شديداً منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلاً طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض وصلب الرمل، وثبت الأقدام، ومهد به المنزل، وربط على قلوبهم"[6]. ب- ومنها: إصابة المشركين بالحَصباء التي رماهم بها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنفال: 17]. روى الطبراني من حديث حكيم بن حزام قال: لما كان يوم بدر أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ كفاً من الحصباء فاستقبلنا به، فرمانا بها وقال: "شاهت الوجوه"[7]، فانهزمنا، فأنزل الله – عز وجل - ﴿ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾[8]. وروى ابن جرير والبيهقي عن ابن عباس والأموي عن عبد الله بن ثعلبة ابن صعير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا رب، إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً" فقال له جبريل: خذ قبضة من تراب فارم بها في وجوههم، فما بقي من المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه، فولوا مدبرين، فقال رسول الله صلى الله علهي وسلم لأصحابه: "احملوا" فلم تكن إلا الهزيمة، ف*** الله من *** من صناديدهم، وأسر من أسر، وأنزل الله – عز وجل -: ﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى ﴾، قال ابن عقبة[9] وابن عائذ[10]: فكانت تلك الحصباء عظيماً شأنها، لم تترك من المشركين رجلاً إلا ملأت عينيه، وجعل المسلمون ي***ونهم ويأسرونهم، وبادر كل رجل منهم منكباً على وجهه لا يدري أين يتوجه يعالج التراب ينزعه من عينيه[11]. قال ابن كثير - رحمه الله - وهو يرد على من حمل الآية على غير بدر: "وإلا فسياق الآية في سورة الأنفال في قصة بدر لا محالة، وهذا مما لا يخفى على أئمة العلم، والله أعلم[12]. وقال في موضع آخر بعدما نقل عن جمع من أهل العلم: إن هذه الآية نزلت في بدر، وقد فعل عليه الصلاة والسلام مثل ذلك في غزوة حنين، كما سيأتي في موضعه[13]. اهـ ج- ومنها دعاؤهم على أنفسهم بالهلاك: وذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ ﴾ [الأنفال: 19] الآية. روى الإمام أحمد في مسنده من حديث ثعلبة بن صعير[14] أن أبا جهل قال حين التقى القوم: اللهم أقطعنا للرحم، وأتانا بما لا يُعرف، فأحنْهُ[15] الغداة، فكان المستفتح[16]. د- ومنها: انهزام الشيطان عنهم، وقد كان يحسن لهم الخروج لحرب الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين، ويحضهم على ذلك، ويعدهم المعونة عليهم، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿ وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 48]. روى الطبراني في المعجم الكبير عن رفاعة بن رافع وابن جرير عن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: أمد الله تعالى نبيه - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين بألف، فكان جبريل في خمسمائة مجنبة[17]، وميكائيل في خمسمائة مجنبة، وجاء إبليس في جند من الشياطين معه رايته في صورة رجال من بني مدلج، والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، فقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم، وأقبل جبريل إلى إبليس، فلما رآه وكانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده، ثم ولى مدبراً وشيعته، فقال الرجل: يا سراقة، ألست تزعم أنك جار لنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف الله، والله شديد العقاب، فذلك حين رأى الملائكة، فتشبث به الحارث بن هشام، وأسلم بعد ذلك، وهو يرى أنه سراقة لما سمع كلامه؛ فضرب الشيطان في صدر الحارث فسقط الحارث، وانطلق إبليس لا يلوي حتى سقط في البحر، ورفع يديه وقال: يا رب موعدك الذي وعدتني، اللهم إني أسألك نظرتك إياي. وخاف أن يخلص إليه ال***، فقال أبو جهل: يا معشر الناس، لا يهمنكم خذلان سراقة، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهمنكم *** عتبة وشيبة، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرن محمداً وأصحابه بالحبال، ولا أُلفين رجلاً منكم *** رجلاً منهم، ولكن خذوهم أخذاً حتى نعرفهم سوء صنيعهم[18]. و- ومنها: أمر الله تعالى لملائكته بتثبيت قلوب المؤمنين، قال تعالى: ﴿ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [الأنفال: 12]. يتبع |
العلامات المرجعية |
|
|