مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة الأخلاق الإسلامية


الصفحات : 1 2 [3] 4 5 6

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:34 PM
شروط العفة

ذكر الراغب الأصفهاني شروطًا للعفة في كتابه (الذريعة) وهي:
1- أن لا يكون تعففه عن الشيء انتظارًا لأكثر منه.
2- أو لأنه لا يوافقه.
3- أو لجمود شهوته.
4- أو لاستشعار خوف من عاقبته.
5- أو لأنه ممنوع من تناوله.
6- أو لأنه غير عارف به لقصوره.
فإنَّ ذلك كله ليس بعفة، بل هو إما اصطياد، أو تطبب، أو مرض، أو خرم، أو عجز، أو جهل، وترك ضبط النفس عن الشهوة أذم من تركها عن الغضب.
فالشهوة مغتالة مخادعة، والغضب مغالب، والمتحيز عن قتال المخادع أردأ حالا من المتحيز عن قتال المغالب. ولهذا قيل: عبد الشهوة أذلُّ من عبد الرقِّ، وأيضًا بالشَّرَه قد يجهل عيبه.

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:36 PM
أساس العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) وتمامها

قال الراغب الأصفهاني وهو يبين أساس وتمام العفة: (وأسها يتعلق: بضبط القلب عن التطلع للشهوات البدنية، وعن اعتقاد ما يكون جالبًا للبغي والعدوان.
وتمامها يتعلق: بحفظ الجوارح، فمن عدم عفة القلب يكون منه التمني وسوء الظنِّ، اللذان هما أسُّ كلِّ رذيلة، لأن من تمنى ما في يد غيره حسده، وإذا حسده عاداه، وإذا عاداه نازعه، وإذا نازعه ربما ***ه.
ومن أساء الظنَّ عادى وبغى وتعدى، ولذلك نهى الله سبحانه عنهما جميعًا فقال: وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء: 32] وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم [الحجرات: 12] فأمر فيهما بقطع شجرتين يتفرع عنهما جلُّ الرذائل والمآثم.
ولا يكون الإنسان تامَّ العفة؛ حتى يكون عفيف اليد، واللسان، والسمع، والبصر.
فمن عدمها في اللسان: السخرية، والتجسس، والغيبة، والهمز، والنَّمِيمَة، والتنابز بالألقاب.
ومن عدمها في البصر: مدُّ العين إلى المحارم، وزينة الحياة الدنيا المولدة للشهوات الرديئة.
ومن عدمها في السمع: الإصغاء إلى المسموعات القبيحة.
وعماد عفة الجوارح كلِّها، ألا يطلقها صاحبها في شيء مما يختص بكلِّ واحد منهما، إلا فيما يسوغه العقل والشرع دون الشهوة والهوى) .

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:39 PM
صور العفة

1- العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) عما في أيدي الناس:
وهي أن يعفَّ عما في أيدي الناس، ويترك مسألتهم، فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا وأتكفَّل له بالجنة)). فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا .

2-
العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) عما حرم الله:
وهي أن يعفَّ عن المحرمات والفواحش. ونذكر هنا عفة نبي الله يوسف عليه السلام؛ حيث وجدت دواعي الفتنة، ولم يستسلم أمام التهديدات والإغراءات.
3- كف اللسان عن الأعراض:
يجب على المسلم كف لسانه عن أعراض الناس، وأن لا يقول إلا طيبًا. فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه، ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه))

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:41 PM
موانع العفة

المعوقات التي تقف في طريق العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) في هذا الزمن كثيرة جدًّا، وقد أُعلنت الحرب على العفة، وتضاعفت جهود أهل الباطل، حتى تنتشر الرذيلة، وتشيع الفاحشة في المجتمع المسلم، واتخذوا الوسائل العديدة فمنها:
1- وسائل الإعلام:
فإنَّ الناظر إلى أغلب وسائل الإعلام الموجودة في البلاد الإسلامية فضلًا عن غيرها، يجد فيها الكثير من الفساد، سواء كان في القنوات الفضائية، أو الشبكة العنكبوتية، أو الإذاعات والمجلات والصحف، فتجدها تبث السموم وتنشر الرذيلة، وتدعو إلى خلاف العفة.
2- الاختلاط والخلوة:
(إن العِفَّة حجاب يُمَزِّقه الاختلاط، ولهذا صار طريق الإسلام التفريق والمباعدة بين المرأة والرجل الأجنبي عنها، فالمجتمع الإسلامي مجتمع فردي لا زوجي، فللرجال مجتمعاتهم، وللنساء مجتمعاتهنَّ، ولا تخرج المرأة إلى مجتمع الرجال إلا لضرورة أو حاجة بضوابط الخروج الشرعية.
كل هذا لحفظ الأعراض والأنساب، وحراسة الفضائل، والبعد عن الرِّيب والرذائل، وعدم إشغال المرأة عن وظائفها الأساس في بيتها، ولذا حُرِّم الاختلاط، سواء في التعليم، أم في العمل، والمؤتمرات، والندوات، والاجتماعات العامة والخاصة، وغيرها؛ لما يترتب عليه من هتك الأعراض ومرض القلوب، وخطرات النفس، وخنوثة الرجال، واسترجال النساء، وزوال الحياء، وتقلص العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) والحشمة، وانعدام الغيرة) .
قال تعالى: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِن [الأحزاب: 53].
وعن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والدخول على النساء! فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيت الحمو قال الحمو الموت .)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ ، ولا تسافِرَنَّ امرأةٌ وإلا معها محرمٌ)) .
3- تبرج النساء:
فتبرج النساء من الأسباب التي تعوق العفة؛ لذا أُمرت المرأة بالقرار في البيت، قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33]، فإذا خرجت التزمت بالضوابط الشرعية للخروج، ومنها ما جاء في قوله تعالى: وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ [النور: 31]، قال السعدي في تفسيره لهذه الآية: (أي: لا يضربن الأرض بأرجلهن، ليصوت ما عليهن من حلي، كخلاخل وغيرها، فتعلم زينتها بسببه، فيكون وسيلة إلى الفتنة. ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأنَّ الأمر إذا كان مباحًا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه) .
4- استماع الأغاني والمعازف:
فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي عامر الأشعري رضي الله عنه قال: ((والله ما كذبني سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر ، والحرير، والخمر، والمعازف)) .

(والحكمة في التحريم ظاهرة: حيث أن المتتبع لمجالس الغناء الفاسق، ومسارح الطرب، وأماكن اللهو، وما يصاحبها من معازف وآلات، في ذلك يجد الرقص الخليع الفاجر، من نساء امتهنَّ الرذيلة والفاحشة، ويجد العربدة والصياح المتعالي من أفواه السكارى، ويجد الكلمات البذيئة الفاحشة العارية من
الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508) والخجل، والمتخمة بالوقاحة وسوء الأدب، يجد الاختلاط الشائن بين عوائل متحللة؛ حيث التخلع والمراقصة وهدر النخوة والشرف... وباختصار يجد التحلل وال*****ة في أسوأ تبذلها ومظاهرها) .
قال الفُضَيل بن عِيَاض: الغناء رُقْيَة الزنا .
وقال ابن القيم: (فإنه رُقْيَة الزنا ومُنبِت النفاق وشَرَك الشيطان وخمرة العقل، وصَدُّه عن القرآن أعظم من صدِّ غيره من الكلام الباطل؛ لشدة ميل النفوس ورغبتها فيه) .

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:47 PM
الوسائل المعينة على العفة
1- أن يتقي الله في سره وعلانيته:
قال الله تعالى: وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3] ويقول تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19] قال ابن عباس في قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ قال: (هو الرجل يكون بين الرجال، فتمر بهم امرأة فينظر إليها، فإذا نظر إليه أصحابه غضَّ بصره) .
2- أن يدعو الله بأن يصرف عنه السوء والفحشاء:
قال سبحانه وتعالى عن نبيه يوسف عليه السلام وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف: 33-34]، قال ابن تيمية: (فلا بد من التقوى بفعل المأمور، والصبر على المقدور، كما فعل يوسف عليه السلام اتقى الله بالعفة عن الفاحشة، وصبر على أذاهم له بالمراودة والحبس، واستعان الله ودعاه حتى يثبته على العفة، فتوكل عليه أن يصرف عنه كيدهن، وصبر على الحبس) .
3- تنشئة الأبناء على التربية الإسلامية:
التربية الإسلامية من أهم الوسائل المعينة على العفة، والتي ينبغي فيها مراعاة غرس الفضيلة والعفة في الأبناء، والتربية على الالتزام بالأحكام الشرعية منذ نعومة أظفارهم.
4- الزواج:
الزواج المبكر من أقوى الوسائل المعينة للعفاف، قال صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ؛ فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء .)) .
5- سد الذرائع التي تؤدي إلى الفساد:
- عدم الخلوة بالمرأة الأجنبية:
قال صلى الله عليه وسلم: ((الحمو الموت)) ، وقال: ((ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)) .
قال ابن تيمية: (ولهذا حرمت الخلوة بالأجنبية؛ لأنها مظنة الفتنة. والأصل أن كل ما كان سببًا للفتنة فإنه لا يجوز؛ فإن الذريعة إلى الفساد يجب سدُّها إذا لم يعارضها مصلحة راجحة؛ ولهذا كان النظر الذي يفضي إلى الفتنة محرمًا إلا إذا كان لمصلحة راجحة مثل: نظر الخاطب، والطبيب، وغيرهما؛ فإنَّه يباح النظر للحاجة؛ لكن مع عدم الشهوة) .
- عدم التبرج:
قال تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب:33].
- الاستئذان عند الدخول:
وقد جعل الاستئذان من أجل البصر كما قال صلى الله عليه وسلم، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور: 27].
- غض البصر:
قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور: 30].
قال ابن القيم: (فلما كان غض البصر أصلا لحفظ الفرج بدأ بذكره... وقد جعل الله سبحانه العين مرآة القلب فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق بصره أطلق القلب شهوته) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كُتب على ابن آدم نصيبه من الزنى، مدركٌ ذلك لا محالة؛ فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، ويصدق ذلك الفرج ويكذِّبه)) .
وكما قال الشاعر:


كل الحوادث مبدؤها من النظر ***ومعظم النار من مستصغر الشرر



والمرء ما دام ذا عين يقلبها***في أعين الغير موقوف على الخطر



كم نظرة فعلت في قلب صاحبها***فعل السهام بلا قوس ولا وتر



يسر ناظره ما ضر خاطره***لا مرحبًا بسرور عاد بالضرر




- التفريق في المضاجع:
لابد من التفريق في المضاجع بين الأولاد، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)) .

(فهذا الحديث نصٌّ في النهي عن بداية الاختلاط داخل البيوت، إذا بلغ الأولاد عشر سنين، فواجب على الأولياء التفريق بين أولادهم في مضاجعهم، وعدم اختلاطهم، لغرس
العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) والاحتشام في نفوسهم، وخوفًا من غوائل الشهوة التي تؤدي إليها هذه البداية في الاختلاط، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه) .
6- إقامة الحدود:
فإقامة الحدود تردع لمن تسول له نفسه أن يقوم بأمر حذر منه الشارع.

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:49 PM
عفة يوسف عليه السلام
فقد أخبر الله سبحانه (عن عشق امرأة العزيز ليوسف، وما راودته وكادته به، وأخبر عن الحال التي صار إليها يوسف بصبره وعفته وتقواه، مع أن الذي ابتلي به أمر لا يصبر عليه إلا من صبره الله، فإن مواقعة الفعل بحسب قوة الداعي وزوال المانع، وكان الداعي هاهنا في غاية القوة.
وذلك من وجوه:
أحدها: ما ركَّبه الله سبحانه في طبع الرجل من ميله إلى المرأة.
الثاني: أنَّ يوسف عليه السلام كان شابًّا، وشهوة الشباب وحدَّته أقوى.
الثالث: أنَّه كان عزبًا، ليس له زوجة ولا سرية تكسر شدة الشهوة.
الرابع: أنَّه كان في بلاد غربة، يتأتَّى للغريب فيها من قضاء الوطر ما لا يتأتى له في وطنه وبين أهله ومعارفه.
الخامس: أنَّ المرأة كانت ذات منصب وجمال، بحيث إنَّ كلَّ واحد من هذين الأمرين يدعو إلى مواقعتها.
السادس: أنها غير ممتنعة ولا آبية.
السابع: أنها طلبت وأرادت وبذلت الجهد، فكفته مؤنة الطلب، وذلَّ الرغبة إليها، بل كانت هي الراغبة الذليلة، وهو العزيز المرغوب إليه.
الثامن: أنَّه في دارها، وتحت سلطانها وقهرها، بحيث يخشى إن لم يطاوعها من أذاها له، فاجتمع داعي الرغبة والرهبة.
التاسع: أنَّه لا يخشى أن تنمَّ عليه هي ولا أحد من جهتها، فإنها هي الطالبة الراغبة، وقد غلَّقت الأبواب، وغيَّبت الرقباء.
العاشر: أنَّه كان في الظاهر مملوكًا لها في الدار، بحيث يدخل ويخرج ويحضر معها، ولا ينكر عليه، وكان الأنس سابقًا على الطلب، وهو من أقوى الدواعي.
الحادي عشر: أنها استعانت عليه بأئمة المكر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2761) والاحتيال، فأرته إياهنَّ، وشكت حالها إليهن؛ لتستعين بهنَّ عليه.
الثاني عشر: أنها توعدته بالسجن والصغار، وهذا نوع إكراه.
الثالث عشر: أنَّ الزوج لم يظهر منه الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) والنخوة ما يفرق به بينهما، ويبعد كلًّا منهما عن صاحبه، بل كان غاية ما قابلها به أن قال ليوسف: أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وللمرأة: وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ وشدة الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) للرجل من أقوى الموانع، وهنا لم يظهر منه غيرة.
ومع هذه الدواعي كلها فآثر مرضاة الله وخوفه، وحمله حبه لله على أن اختار السجن على الزنى: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ. وعلم أنه لا يطيق صرف ذلك عن نفسه، وأنَّ ربه تعالى إن لم يعصمه ويصرف عنه كيدهن؛ صبا إليهنَّ بطبعه، وكان من الجاهلين، وهذا من كمال معرفته بربه وبنفسه) .

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:52 PM
عفة جريج العابد
- نموذج آخر في العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) عما حرم الله، وهو جريج العابد؛ تتعرض له بغي من بغايا بني إسرائيل، فيعفُّ نفسه ولا يلتفت إليها، فتحاول أن تنتقم منه لامتناعه:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه ((... تذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأة بغي يتمثل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفتننه لكم -قال- فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعيًا كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها، فوقع عليها فحملت، فلما ولدت قالت: هو من جريج. فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيت بهذه البغي فولدت منك. فقال: أين الصبي؟ فجاءوا به فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبي فطعن في بطنه، وقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي -قال- فأقبلوا على جريج يقبلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب. قال: لا أعيدوها من طين كما كانت)) .

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:54 PM
نماذج من عفة النبي صلى الله عليه وسلم

- كان النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات العفة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كخ كخ ! ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة)) .
- وعنه أيضًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي؛ فأجد التمرة ساقطة على فراشي، ثم أرفعها لآكلها ثم أخشى أن تكون صدقة فألقيها)) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق قال: ((لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)) .

محمد رافع 52
17-05-2013, 11:57 PM
نماذج من عفة الصحابة رضي الله عنهم
عفة حكيم بن حزام رضي الله عنه:
- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة ؛ فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس، لم يبارك له فيه، كالذي يأكل، ولا يشبع اليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم: فقلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا. فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيمًا إلى العطاء فيأبى أن يقبله منه، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئًا، فقال عمر: إني أشهدكم يا معشر المسلمين على حكيم، أني أعرض عليه حقَّه من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي)) .
عفة مرثد بن أبي مرثد رضي الله عنه:
- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: ((كان رجل يقال له: مرثد بن أبي مرثد، وكان رجلًا يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة، قال: وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها: عناق وكانت صديقة له، وإنه كان وعد رجلا من أسارى مكة يحمله، قال: فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة، قال: فجاءت عناق فأبصرت سواد ظلي بجنب الحائط، فلما انتهت إليَّ عرَفَتْ، فقالت: مرثد؟ فقلت: مرثد. فقالت: مرحبًا وأهلًا، هلمَّ فبت عندنا الليلة. قال: قلت: يا عناق، حرم الله الزنا. قالت: يا أهل الخيام، هذا الرجل يحمل أُسراءَكم ، قال: فتبعني ثمانية وسلكت الخندمة، فانتهيت إلى كهف أو غار فدخلت، فجاءوا حتى قاموا على رأسي فبالوا، فظل بولهم على رأسي وعمَّاهم الله عني، قال: ثم رجعوا ورجعت إلى صاحبي فحملته، وكان رجلًا ثقيلًا حتى انتهيت إلى الإذخر ، ففككت عنه أكبله ، فجعلت أحمله ويعييني حتى قدمت المدينة، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أنكح عناقًا؟ فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يردَّ علي شيئًا حتى نزلت الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ [النور: 3]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا مرثد، الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك، فلا تنكحها)) .
عفة عثمان بن طلحة رضي الله عنه:
- حادثة تبين لنا عفة وشهامة عثمان بن طلحة رضي الله عنه، ولنترك المجال لصاحبة الموقف أُمِّ سلمة رضي الله عنها تروي لنا القصة فتقول: ((... وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة، قالت: ففرَّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كلَّ غداة فأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي حتى أمسي سنة أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجل من بني عمي أحد بني المغيرة، فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تخرجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها، قالت: فقالوا: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: وردَّ بنو عبد الأسد إليَّ عند ذلك ابني، قالت: فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت: وما معي أحد من خلق الله، قالت: قلت: أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال: أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: أريد زوجي بالمدينة، قال: أو ما معك أحد؟ قلت: لا والله إلا الله وابني هذا، قال: والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبت رجلًا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحطَّ عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلًا - فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعًا إلى مكة، قال: وكانت تقول: ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب أبو سلمة، وما رأيت صاحبًا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة)) .

محمد رافع 52
18-05-2013, 12:00 AM
نماذج من عفة السلف

عفة سالم بن عبد الله بن عمر:
- قال ابن عيينة: (دخل هشام الكعبة، فإذا هو بسالم بن عبد الله، فقال: سلني حاجة. قال: إني أستحيي من الله أن أسأل في بيته غيره. فلما خرجا، قال: الآن فسلني حاجة. فقال له سالم: من حوائج الدنيا، أم من حوائج الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. قال: والله ما سألت الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟) .
عفة الربيع بن خُثيم:
- عن سعدان قال: (أمر قوم امرأة ذات جمال بارع أن تتعرض للربيع بن خُثيم فلعلها تفتنه، وجعلوا لها إن فعلت ذلك ألف درهم، فلبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيَّبت بأطيب ما قدرت عليه، ثم تعرضت له حين خرج من مسجده، فنظر إليها فراعه أمرها، فأقبلت عليه وهي سافرة، فقال لها الربيع: كيف بك لو قد نزلت الحمى بجسمك فغيَّرت ما أرى من لونك وبهجتك؟ أم كيف بك لو قد نزل بك ملك الموت فقطع منك حبل الوتين؟ أم كيف بك لو قد ساءلك منكر ونكير؟ فصرخت صرخة فسقطت مغشيًّا عليها. فوالله لقد أفاقت، وبلغت من عبادة ربها أنها كانت يوم ماتت كأنها جذع محترق) .
عفة الأشرف، صاحب دمشق:
- قال سبط الجوزي: (كان الأشرف يحضر مجالسي بحرَّان، وبخلاط، ودمشق، وكان ملكًا عفيفًا، قال لي: ما مددت عيني إلى حريم أحد، ولا ذكر ولا أنثى، جاءتني عجوز من عند بنت صاحب خلاط شاه أرمن بأنَّ الحاجب علِيًّا أخذ لها ضيعة، فكتبت بإطلاقها. فقالت العجوز: تريد أن تحضر بين يديك. فقلت: باسم الله، فجاءت بها، فلم أر أحسن من قوامها، ولا أحسن من شكلها، فَخَدَمَت، فقمت لها، وقلت: أنت في هذا البلد وأنا لا أدري؟ فسفرت عن وجه أضاءت منه الغرفة، فقلت: لا، استتري. فقالت: مات أبي، واستولى على المدينة بكتمر، ثم أخذ الحاجب قريتي، وبقيت أعيش من عمل النقش وفي دار بالكراء. فبكيت لها، وأمرت لها بدار وقماش، فقالت العجوز: يا خوند، ألا تحظى الليلة بك؟ فوقع في قلبي تغير الزمان وأنَّ خلاط يملكها غيري، وتحتاج بنتي أن تقعد هذه القعدة، فقلت: معاذ الله، ما هذا من شيمتي. فقامت الشابة باكية تقول: صان الله عواقبك .) .

محمد رافع 52
18-05-2013, 12:07 AM
العفة في واحة الشعر
قال الشافعي:


عِفُّوا تعِفَّ نساؤكم في المحرمِ***وتجنَّبُوا ما لا يليقُ بمسلمِ



إنَّ الزِّنا دَينٌ إذا أقرضتًه***كان الوفا مِن أهلِ بيتِك فاعلمِ



يا هاتكًا حُرمَ الرجالِ وقاطعًا***سُبلَ المودةِ عشتَ غيرَ مُكرَّمِ



لو كنتَ حرًّا مِن سُلالةِ ماجدٍ***ما كنتَ هتَّاكًا لحرمةِ مُسلمِ



من يزنِ يُزنَ به ولو بجدارِه***إن كنتَ يا هذا لبيبًا فافهمِ



وقال معن بن أوس:


لعمرُكَ ما أهويتُ كفِّي لريبةٍ***ولا حملتني نحوَ فاحشةٍ رجلي



ولا قادني سمعي ولا بصري لها***ولا دلَّني رأيي عليها ولا عقلي



وأعلمُ أني لم تُصبني مصيبةٌ***مِن الدهر إلا قد أصابتْ فتًى قبلي



ولست بماشٍ ما حييتُ بمنكرٍ***مِن الأمرِ لا يسعَى إلى مثلِه مثلي



ولا مُؤْثرًا نفسي على ذي قرابةٍ***وأُوثرُ ضيفي ما أقام على أهلي



وقال آخر:


تقنَّع بالكفافِ تعشْ رخيا***ولا تبغِ الفضولَ مِن الكفافِ



ففي خبزِ القفارِ بغيرِ أُدْمٍ***وفي ماءِ القِراحِ غنًي وكافِ



وفي الثوب المرقَّع ما يُغطَّى***به مِن كلِّ عُريٍ وانكشافِ



وكلُّ تزيُّنٍ بالمرءِ زينٌ***وأزينُه التزيُّنُ بالعفافِ



وقال آخر:


لا تخضعنَّ لمخلوقٍ على طمعٍ ***فإنَّ ذلك نقصٌ منك في الدِّينِ



لن يقدرَ العبدُ أن يعطيَك خَرْدلةً***إلا بإذنِ الذي سوَّاك مِن طينِ



فلا تصاحبْ غنيًّا تستعزُّ به***وكن عفيفًا وعظِّمْ حُرمةَ الدِّينِ



واسترزقِ اللهَ ممَّا في خزائنِه***فإنَّ رزقَك بينَ الكافِ والنُّونِ

محمد رافع 52
18-05-2013, 12:13 AM
http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg

العفو والصفح

معنى العفو والصفح لغةً واصطلاحًا
معنى العفو لغةً:
العفو مصدر عَفَا يَعْفُو عَفْوًا، فهو عافٍ وعَفُوٌّ، والعَفْوُ هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه، وأصله المـحو والطمس، وعفوت عن الحق: أسقطته، كأنك محوته عن الذي عليه .
وقال الخليل: (وكلُّ مَن استحقَّ عُقوبةً فتركْتَه فقد عفوتَ عنه. وقد يكون أن يعفُوَ الإنسان عن الشَّيء بمعنى الترك، ولا يكون ذلك عن استحقاق) .
معنى العفو اصطلاحًا:
العفو اصطلاحًا: (هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب) .
وقال الراغب: (العفو هو التجافي عن الذنب) .
وقيل: (هو القصد لتناول الشيء، والتجاوز عن الذنب) .
معنى الصفح لغةً:
الصفح مصدر (صَفَحَ عنه يَصْفَح صَفْحًا: أَعرض عن ذنبه، وهو صَفُوح وصَفَّاحٌ عَفُوٌّ، والصَّفُوحُ الكريم؛ لأنه يَصْفَح عمن جَنى عليه) .
وذكر بعض أهل العلم أن الصفح مشتق من صفحة العنق؛ لأنَّ الذي يصفح كأنه يولي بصفحة العنق، إعراضًا عن الإساءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1642) .
معنى الصفح اصطلاحًا:
الصفح: (هو ترك التأنيب) .
وقيل: إزالة أثر الذنب من النفس .

محمد رافع 52
18-05-2013, 12:16 AM
الفرق بين لفظة العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) ومترادفاتها
- الفرق بين العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح:
(العفو والصفح متقاربان في المعنى:
قال الراغب: الصفح: ترك التثريب، وهو أبلغ من العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) وقد يعفو الإنسان ولا يصفح.
وقال البيضاوي: العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) ترك عقوبة المذنب، والصفح: ترك لومه. ويدل عليه قوله تعالى: فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا [البقرة: 109]، ترقيًا في الأمر بمكارم الأخلاق من الحسن إلى الأحسن، ومن الفضل إلى الأفضل) .
وقال القرطبي: (العفو: ترك المؤاخذة بالذنب. والصفح: إزالة أثره من النفس. صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه) .
- الفرق بين العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والغفران:
أن الغفران يقتضي إسقاط العقاب وإسقاط العقاب هو إيجاب الثواب فلا يستحق الغفران إلا المؤمن المستحق للثواب ولهذا لا يستعمل إلا في الله فيقال غفر الله لك ولا يقال غفر زيد لك إلا شاذا قليلا ... والعفو يقتضي إسقاط اللوم والذم ولا يقتضي إيجاب الثواب ولهذا يستعمل في العبد فيقال عفا زيد عن عمرو وإذا عفا عنه لم يجب عليه إثابته .
- الفرق بين العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والذلِّ:

(أنَّ
العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) إسقاط حقِّك جودًا، وكرمًا، وإحسانًا، مع قدرتك على الانتقام؛ فتؤثر الترك رغبة في الإحسان، ومكارم الأخلاق.

بخلاف الذُّل، فإنَّ صاحبه يترك الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) عجزًا، وخوفًا، ومهانة نفس، فهذا مذموم غير محمود، ولعل المنتقم بالحق أحسن حالًا منه. قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ [الشورى: 39]) .

محمد رافع 52
18-05-2013, 01:00 PM
أولًا: في القرآن الكريم

وردت آيات كثيرة في ذكر العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح والترغيب فيهما، ومن هذه الآيات:
- قوله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: 22].
قال ابن كثير: (هذه الآية نزلت في الصدِّيق، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح ابن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال،... فلما أنزل الله براءةَ أمِّ المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على مَن كان تكلَّم من المؤمنين في ذلك، وأُقيم الحدُّ على مَن أُقيم عليه، شَرَع تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة، يُعطِّفُ الصدِّيق على قريبه ونسيبه، وهو مِسْطَح بن أثاثة، فإنَّه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينًا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر، رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد وَلَق وَلْقَة تاب الله عليه منها، وضُرب الحدَّ عليها. وكان الصديق رضي الله عنه معروفًا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلما نزلت هذه الآية إلى قوله: أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي: فإنَّ الجزاء من *** العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك. فعند ذلك قال الصديق: بلى، والله إنَّا نحبُّ -يا ربنا -أن تغفر لنا. ثم رَجَع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا، في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدًا، فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته) .
- وقال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133].

(قوله تعالى... وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ يدخل في
العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عن الناس، العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عن كلِّ من أساء إليك بقول أو فعل، والعفو أبلغ من الكظم؛ لأنَّ العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) ترك المؤاخذة مع السماحة عن المسيء، وهذا إنما يكون ممن تحلَّى بالأخلاق الجميلة، وتخلَّى عن الأخلاق الرذيلة، وممن تاجر مع الله، وعفا عن عباد الله رحمة بهم، وإحسانًا إليهم، وكراهة لحصول الشرِّ عليهم، وليعفو الله عنه، ويكون أجره على ربه الكريم، لا على العبد الفقير، كما قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40]) .
- وقال سبحانه: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40].
(قال ابن عباس رضي الله عنه: من ترك القصاص وأصلح بينه وبين الظالم بالعفو (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أي إن الله يأجره على ذلك. قال مقاتل: فكان

العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) من الأعمال الصالحة) .
قال السعدي: (ذكر الله في هذه الآية، مراتب العقوبات، وأنها على ثلاث مراتب: عدل، وفضل، وظلم.
فمرتبة العدل: جزاء السيئة بسيئة مثلها، لا زيادة ولا نقص، فالنفس بالنفس، وكل جارحة بالجارحة المماثلة لها، والمال يضمن بمثله.
ومرتبة الفضل: العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والإصلاح عن المسيء، ولهذا قال: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40] يجزيه أجرًا عظيمًا، وثوابًا كثيرًا، وشرط الله في العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) الإصلاح فيه؛ ليدلَّ ذلك على أنَّه إذا كان الجاني لا يليق العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عنه، وكانت المصلحة الشرعية تقتضي عقوبته، فإنه في هذه الحال لا يكون مأمورًا به.
وفي جعل أجر العافي على الله ما يُهيِّج على العفو، وأن يعامل العبد الخلق بما يحب أن يعامله الله به، فكما يحب أن يعفو الله عنه، فَلْيَعْفُ عنهم، وكما يحب أن يسامحه الله، فليسامحهم؛ فإنَّ الجزاء من *** العمل.
وأما مرتبة الظلم: فقد ذكرها بقوله: إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى:40] الذين يجنون على غيرهم ابتداءً، أو يقابلون الجاني بأكثر من جنايته، فالزيادة ظلم) .
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن: 14].
(هذا تحذير من الله للمؤمنين، من الاغترار بالأزواج والأولاد، فإنَّ بعضهم عدو لكم، والعدو هو الذي يريد لك الشر، ووظيفتك الحذر ممن هذا وصفه والنفس مجبولة على محبة الأزواج والأولاد، فنصح تعالى عباده أن توجب لهم هذه

المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) الانقياد لمطالب الأزواج والأولاد، ولو كان فيها ما فيها من المحذور الشرعي ورغبهم في امتثال أوامره، وتقديم مرضاته بما عنده من الأجر العظيم المشتمل على المطالب العالية والمحاب الغالية، وأن يؤثروا الآخرة على الدنيا الفانية المنقضية، ولما كان النهي عن طاعة الأزواج والأولاد، فيما هو ضرر على العبد، والتحذير من ذلك، قد يوهم الغلظة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2616) عليهم وعقابهم، أمر تعالى بالحذر منهم، والصفح عنهم والعفو، فإنَّ في ذلك من المصالح ما لا يمكن حصره، فقال: وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن: 14] لأنَّ الجزاء من *** العمل.
فمن عفا عفا الله عنه، ومن صفح صفح الله عنه، ومن غفر غفر الله له، ومن عامل الله فيما يحب، وعامل عباده كما يحبون وينفعهم، نال محبة الله ومحبة عباده، واستوثق له أمره) .
- وقال تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37].
قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم

الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) من الناس) .

محمد رافع 52
18-05-2013, 01:03 PM
ثانيًا: في السنة النبوية
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)) .
قال القاضي عياض: (وقوله: ((ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا)). فيه وجهان:
أحدهما: ظاهره أنَّ من عُرف بالصفح والعفو ساد وعظم في القلوب وزاد عزه.
الثاني: أن يكون أجره على ذلك في الآخرة وعزته هناك) .
- وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث والذي نفسي بيده إن كنت لحالفًا عليهن: لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا، ولا يعفو عبد عن مظلمة إلا زاده الله بها عزًّا يوم القيامة، ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر)) .
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: ((ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم)) .
قال المناوي في قوله: (واغفروا يغفر لكم): (لأنَّه سبحانه وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها: الرحمة، والعفو، ويحب من خلقه من تخلق بها) .
- وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! كم نعفو عن الخادم؟ فصمت! ثم أعاد عليه الكلام، فصمت! فلما كان في الثالثة، قال: (اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة)) .

محمد رافع 52
18-05-2013, 01:07 PM
أقوال السلف والعلماء في العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح
- عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه (أنه قام يوم مات المغيرة بن شعبة رضي الله عنه فحمد الله وأثنى عليه وقال: عليكم باتقاء الله وحده لا شريك له، والوقار والسكينة، حتى يأتيكم أمير، فإنما يأتيكم الآن، ثم قال: استعفوا لأميركم، فإنه كان يحب العفو. ثم قال: أما بعد، فإني أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، قلت: أبايعك على الإسلام، فشرط علي (والنصح لكل مسلم). فبايعته على هذا، ورب هذا المسجد إني لناصح لكم، ثم استغفر ونزل) .
- (وجلس ابن مسعود في السوق يبتاع طعامًا فابتاع، ثم طلب الدراهم وكانت في عمامته فوجدها قد حلت، فقال: لقد جلست وإنها لمعي، فجعلوا يدعون على من أخذها ويقولون: اللهم اقطع يد السارق الذي أخذها، اللهم افعل به كذا، فقال عبد الله: اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه) .
- وقيل لأبي الدرداء: مَن أعزُّ الناس؟ فقال: (الذين يعفون إذا قدروا؛ فاعفوا يعزكم الله تعالى) .
- وقال الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما: (لو أنَّ رجلًا شتَمني في أذني هذه، واعتذر في أُذني الأخرَى، لقبِلتُ عذرَه) .
- وقال معاوية رضي الله عنه: (عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال) .
- وعن وهب بن كيسان قال سمعت عبد الله بن الزبير يقول على المنبر: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] قال: والله ما أمر بها أن تؤخذ إلا من أخلاق الناس، والله لآخذنها منهم ما صحبتهم) .
- وأُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث، فقال لرجاء بن حيوة: (ماذا ترى؟). قال:(إن الله -تعالى- قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم) .
- وقال مالك بن دينار: (أتينا منزل الحكم بن أيوب ليلًا وهو على البصرة أمير، وجاء الحسن، وهو خائف فدخلنا معه عليه، فما كنا مع الحسن إلا بمنزلة الفراريج ، فذكر الحسن قصة يوسف -عليه السلام- وما صنع به إخوته، فقال: باعوا أخاهم وأحزنوا أباهم، وذكر ما لقي من كيد النساء ومن الحبس، ثم قال: أيها الأمير، ماذا صنع الله به؟ أداله منهم، ورفع ذكره، وأعلى كلمته، وجعله على خزائن الأرض، فماذا صنع يوسف حين أكمل الله له أمره وجمع له أهله؟ قال: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف: 92]، يعرض للحكم بالعفو عن أصحابه، قال الحكم: فأنا أقول لا تثريب عليكم اليوم، ولو لم أجد إلا ثوبي هذا لواريتكم تحته) .

- وعن عمر بن عبد العزيز قال: (أحبُّ الأمور إلى الله ثلاثة:
العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) في القدرة، والقصد في الجدة، والرفق في العبادة، وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله به يوم القيامة) .
- وعن سعيد بن المسيب قال: (ما من شيء إلا والله يحب أن يعفى عنه، ما لم يكن حدًّا) .
- وعن الحسن، قال: (أفضل أخلاق المؤمن العفو) .
- وقال الفضيل بن عياض: (إذا أتاك رجلٌ يشكو إليك رجلًا، فقل: يا أخي، اعفُ عنه؛ فإنَّ العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) أقرب للتقوى، فإن قال: لا يحتمِل قلبي العفوَ، ولكن أنتصر كما أمرَني الله عزَّ وجل فقل له: إن كنتَ تُحسِن أن تنتَصِر، وإلا فارجع إلى باب العفو؛ فإنه باب واسع، فإنَّه مَن عفَا وأصلحَ فأجره على الله، وصاحِبُ العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) ينام على فراشه بالليل، وصاحب الانتصار يقلِّب الأمور؛ لأن الفُتُوَّة هي العفوُ عن الإخوان) .
- وقال إبراهيم النخعي: (كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا، وكانوا إذا قدروا عفوا) .
- وعن أيوب قال:(لا ينبل الرجل حتى يكون فيه خصلتان: العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) عما في أيدي الناس، والتجاوز عنهم) .

محمد رافع 52
18-05-2013, 01:09 PM
فوائد العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح

1- في العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) رحمة بالمسيء، وتقدير لجانب ضعفه البشري، وامتثال لأمر الله، وطلب لعفوه وغفرانه .
2- في العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) توثيق للروابط الاجتماعية التي تتعرض إلى الوهن (http://dorar.net/enc/akhlaq/2854) والانفصام بسبب إساءة بعضهم إلى بعض، وجناية بعضهم على بعض .
3- العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح عن الآخرين سبب لنيل مرضات الله سبحانه وتعالى.
4- العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح سبب للتقوى قال تعالى: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُم [البقرة: 237].

5-
العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح من صفات المتقين، قال تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133، 134].
6- من يعفو ويصفح عن الناس يشعر بالراحة النفسية.
7- بالعفو تُنال العزة، قال صلى الله عليه وسلم: ((.. وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا..)) .
8-

العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح سبيل إلى الألفة والمودة بين أفراد المجتمع.
9- في العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح الطمأنينة، والسكينة، وشرف النفس.
10- بالعفو تكتسب الرفعة والمحبة عند الله وعند الناس.

محمد رافع 52
19-05-2013, 12:40 AM
نماذج من عفوه صلى الله عليه وسلم

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ القمة، والدرجة العالية في العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصفح، كما هو شأنه في كلِّ خلُقٍ من الأخلاق الكريمة، فكان عفوه يشمل الأعداء فضلًا عن الأصدقاء.
(وكان صلى الله عليه وسلم أجمل الناس صفحًا، يتلقى من قومه الأذى المؤلم فيعرض عن تلويمهم، أو تعنيفهم، أو مقابلتهم بمثل عملهم، ثم يعود إلى دعوتهم ونصحهم كأنما لم يلقَ منهم شيئًا.
وفي تأديب الله لرسوله بهذا الأدب أنزل الله عليه في المرحلة المكية قوله: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ [الحجر:85-86] ثم أنزل عليه قوله: فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الزخرف:89] فكان يقابل أذى أهل الشرك بالصفح الجميل، وهو الصفح الذي لا يكون مقرونًا بغضب أو كبر أو تذمر من المواقف المؤلمة، وكان كما أدَّبه الله تعالى. ثم كان يقابل أذاهم بالصفح الجميل، ويعرض قائلًا: سلام.

وفي العهد المدني لقي الرسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة أنواعًا من
الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) فأنزل الله عليه قوله: وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13]، فصبر الرسول صلى الله عليه وسلم عليهم وعفا وصفح، حتى جاء الإذن الرباني بإجلائهم، ومعاقبة ناقضي العهد منهم) .
- فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال:

((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعفون عن المشركين وأهل الكتاب، كما أمرهم الله ويصبرون على الأذى.
قال الله -تعالى-: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ [آل عمران: 186] وقال: وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الآية [البقرة: 109]، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأول في العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عنهم ما أمر الله به...)) .
- وعن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ رضي اللهُ عنهما واصفًا النبي صلى الله عليه وسلم: ((...ولا يَدفَعُ السيئةَ بالسيئةِ ، ولكن يعفو ويَصفَحُ)) .
- وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ركب حمارًا، عليه إكاف ، تحته قطيفة فدكية. وأردف وراءه أسامة، وهو يعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج. وذاك قبل وقعة بدر. حتى مرَّ بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبي، وفي المجلس عبد الله بن رواحة، فلما غشيت المجلس عجاجة http://www.dorar.net/misc/tip.gifالدابة، خمر عبد الله بن أبي أنفه بردائه،ثم قال: لا تغبروا علينا، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم وقف فنزل؛ فدعاهم إلى الله، وقرأ عليهم القرآن، فقال عبد الله بن أبي: أيها المرء، لا أحسن من هذا، إن كان ما تقول حقًّا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك، فمن جاءك منا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا؛ فإنا نحب ذلك، قال: فاستبَّ المسلمون والمشركون واليهود، حتى هموا أن يتواثبوا، فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفِّضهم ، ثم ركب دابته حتى دخل على سعد بن عبادة. فقال: (أي سعد، ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ يريد عبد الله بن أبي، قال كذا وكذا قال: اعف عنه يا رسول الله، واصفح، فو الله لقد أعطاك الله الذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة أن يتوِّجوه، فيعصبوه بالعصابة فلما ردَّ الله ذلك بالحقِّ الذي أعطاكه، شرق بذلك، فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النبي صلى الله عليه وسلم)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأةً ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله تعالى، فينتقم لله عزَّ وجلَّ)) .
- وعن جابر بن عبد الله- رضي الله عنهما- ((أنَّه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل نجد، فلما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قفل معه، فأدركتهم القائلة في واد كثير العضاه، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق الناس يستظلون بالشجر فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرة، وعلَّق بها سيفه ونمنا نومة، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا، وإذا عنده أعرابي.فقال: إن هذا اخترط عليَّ سيفي وأنا نائم، فاستيقظت وهو في يده صلتًا ، فقال: من يمنعك مني؟. فقلت: الله. ثلاثًا، ولم يعاقبه وجلس)) .
موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل ثقيف:
فعن عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثته أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد فقال: ((لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يَالِيلَ بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا بقرن الثعالب، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إنَّ الله عز وجل قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال؛ لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلَّم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك، فما شئت؟ إن شئت أن أُطبق عليهم الأخشبين، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا)) .
موقفه صلى الله عليه وسلم مع أهل مكة:
((لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل البيت، فصلى بين الساريتين ، ثم وضع يديه على عضادتي الباب، فقال: لا إله إلا الله وحده ماذا تقولون، وماذا تظنون؟ قالوا: نقول خيرًا، ونظن خيرًا: أخ كريم، وابن أخ، وقد قدرت، قال: فإني أقول لكم كما قال أخي يوسف صلى الله عليه وسلم: لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين [يوسف:92])) .
موقفه صلى الله عليه وسلم مع عكرمة بن أبي جهل:
عن عروة بن الزبير قال: ((قال عكرمة بن أبي جهل: لما انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: يا محمد، إنَّ هذه أخبرتني أنَّك أمَّنتني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت آمن. فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنت عبد الله ورسوله، وأنت أبرُّ الناس، وأصدق الناس، وأوفى الناس، قال عكرمة: أقول ذلك وإني لمطأطئ رأسي استحياء منه، ثم قلت: يا رسول الله، استغفر لي كلَّ عداوة عاديتكها، أو موكب أوضعت فيه أريد فيه إظهار الشرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر لعكرمة كلَّ عداوة عادانيها، أو موكب أوضع فيه يريد أن يصدَّ عن سبيلك. قلت: يا رسول الله، مرني بخير ما تعلم فأُعلِّمُه، قال: قل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، وتجاهد في سبيله، ثم قال عكرمة: أما والله يا رسول الله، لا أدع نفقة كنت أنفقتها في الصدِّ عن سبيل الله إلا أنفقت ضعفها في سبيل الله، ولا قاتلت قتالًا في الصدِّ عن سبيل الله إلا أبليت ضعفه في سبيل الله. ثم اجتهد في القتال حتى *** يوم أجنادين شهيدًا في خلافة أبي بكر رضي الله عنه)) .

محمد رافع 52
19-05-2013, 12:44 AM
نماذج من عفو الصحابة رضي الله عنهم

عفو أبي بكر رضي الله عنه:
- عفوه عن مسطح بن أثاثة: و((كان مسطح بن أثاثة ممن تكلم في الإفك، فلما أنزل الله براءة عائشة، قال أبو بكر الصديق: -وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره- والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله: وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ [النور: 22] إلى قوله وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قال أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال والله لا أنزعها منه أبدًا)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن رجلًا شتم أبا بكر والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يعجب، ويتبسم، فلما أكثر ردَّ عليه بعض قوله؛ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم، وقام فلحقه أبو بكر، فقال: يا رسول الله، كان يشتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت، قال: إنه كان معك مَلَك يردُّ عنك، فلما رددت عليه بعض قوله وقع الشيطان؛ فلم أكن لأقعد مع الشيطان. ثم قال: يا أبا بكر، ثلاث كلُّهنَّ حقٌّ: ما من عبد ظلم بمظلمة، فيغضي عنها لله عزَّ وجلَّ إلا أعزَّ الله بها نصره، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة إلا زاده الله عزَّ وجلَّ بها قلة)) .
عفو عمر رضي الله عنه:
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرِّ بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولًا كانوا، أو شبانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير، فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس: فاستأذن الحرُّ لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب، فوالله، ما تعطينا الجزل ، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر، حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]. وإنَّ هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافًا عند كتاب الله)) .

محمد رافع 52
19-05-2013, 12:46 AM
نماذج من عفو السلف

عفو مصعب بن الزبير:
- حكي عن مصعب بن الزبير أنه لما ولي العراق، جلس يوما لعطاء الجند، وأمر مناديه فنادى، أين عمرو بن جرموز؟ وهو الذي *** أباه الزبير، فقيل له: (أيها الأمير، إنه قد تباعد في الأرض. فقال: أوَ يظن الجاهل أني أقيده بأبي عبد الله؟ فليظهر آمنًا ليأخذ عطاءه موفرًا) .

محمد رافع 52
19-05-2013, 12:50 AM
نماذج من عفو الملوك
عفو سليمان بن عبد الملك:
- (غضب سليمان بن عبد الملك على خالد القسري، فلما أدخل عليه قال: يا أمير المؤمنين، إنَّ القدرة تذهب الحفيظة ، وإنك تجلُّ عن العقوبة، فإن تعفُ فأهلٌ لذلك أنت، وإن تعاقب فأهل لذلك أنا، فعفا عنه) .
- (واحتال يزيد بن راشد في الدخول على سليمان متنكرًا بعد أن ولي الخلافة، فقعد في السماط وكان سليمان قد نذر أنه إن أفضت إليه الخلافة قطع لسانه؛ لأنَّه كان ممن دعا إلى خلع سليمان، والبيعة لعبد العزيز، فقال: يا أمير المؤمنين، كن كنبي الله أيوب عليه السلام، ابتُلي فصبر، وأُعطي فشكر، وقدر فغفر. قال: ومن أنت؟ قال: يزيد بن راشد، فعفا عنه) .
عفو أبي جعفر المنصور:
- عن مبارك بن فضالة قال: (كنا عند المنصور فدعا برجل ودعا بالسيف، فقال المبارك: يا أمير المؤمنين، سمعت الحسين يقول: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ((إذا كان يوم القيامة، قام مناد من عند الله ينادي: ليقم الذين أجرهم على الله، فلا يقوم إلا من عفا)) فقال المنصور: خلوا سبيله) .

- وعن الأصمعي قال: (أُتي المنصور برجل يعاقبه فقال: يا أمير المؤمنين،
الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) عدل، والتجاوز فضل، ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين. فعفا عنه) .
عفو المأمون:
- (أُتي المأمون برجل يريد أن ي***ه، وعلي بن موسى الرضا جالس فقال: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: أقول: إنَّ الله تعالى لا يزيدك بحسن العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) إلا عزًّا. فعفا عنه . وكان المأمون مؤثرًا للعفو كأنه غريزة له؛ وهو الذي يقول: لقد حُبِّب إليَّ العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) حتى إني أظنُّ أني لا أثاب عليه.
- وأحضر إلى المأمون رجل قد أذنب، فقال له المأمون: أنت الذي فعلت كذا وكذا؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أنا الذي أسرف على نفسه واتكل على عفوك؛ فعفا عنه.
- قال: ولما ظفر المأمون بإبراهيم بن المهدي أمر بإدخاله عليه، فلما مثل بين يديه، قال: وليُّ الثأر محكمٌ في القصاص، والعفو أقرب للتقوى، والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مدَّ له الاعتذار في الأمل هجمت به الأناة على التلف، وقد جعل الله كلَّ ذنب دون عفوك، فإن صفحت فبكرمك، وإن أخذت فبحقِّك. قال المأمون: إني شاورت أبا إسحاق والعباس في ***ك فأشارا عليَّ به؛ قال: أما أن يكونا قد نصحاك في عظم قدر الملك، ولما جرت عليه السياسة فقد فعلا، ولكن أبيت أن تستجلب النصر إلا من حيث عودك الله، ثم استعبر باكيًا؛ فقال له المأمون: ما يبكيك؟ قال: جذلًا إذ كان ذنبي إلى من هذه صفته. ثم قال: إنه وإن كان جرمي بلغ سفك دمي فحلم أمير المؤمنين وفضله يبلغاني عفوه، ولي بعد هذا شفعة الإقرار بالذنب، وحرمة الأب بعد الأب. قال المأمون: لو لم يكن في حقِّ نسبك ما يبلغ الصفح عن جرمك لبلغك إليه حسن تنصُّلك) .

محمد رافع 52
19-05-2013, 12:54 AM
قالوا عن العفو

- قال الأحنف: (إيَّاك وحمية الأوغاد . قيل: وما هي؟ قال: يرون العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) مغرمًا، والتحمل مغنمًا.
- وقيل لبعضهم: هل لك في الإنصاف، أو ما هو خير من الإنصاف؟ فقال: وما هو خير من الإنصاف؟ فقال: العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) .
- وقيل: العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) زكاة النفس. وقيل: لذة العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) أطيب من لذة التشفي؛ لأنَّ لذة العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) يلحقها حمد العاقبة، ولذة التشفي يلحقها ذم الندم .
- وقيل للإسكندر: أي شيء أنت أسرُّ به مما ملكت؟ فقال: مكافأة من أحسن إلي بأكثر من إحسانه، وعفوي عمن أساء بعد قدرتي عليه .
- وقالوا: العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) يزين حالات من قدر، كما يزين الحلي قبيحات الصور) .
- وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل لزوم الصفح عند ورود الإساءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1642) عليه من العالم بأسرهم؛ رجاء عفو الله جلَّ وعلا عن جناياته التي ارتكبها في سالف أيامه؛ لأنَّ صاحب الصفح إنما يتكلف الصفح بإيثاره الجزاء، وصاحب العقاب، وإن انتقم، كان إلى الندم أقرب، فأمَّا من له أخ يوده، فإنَّه يحتمل عنه الدهر كله زلاته) .
- وقال بعض البلغاء: (ما ذبَّ عن الأعراض كالصفح والإعراض) .
- وقال بعضهم: (أحسن المكارم عفو المقتدر، وجود المفتقر) .
- وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل توطين النفس على لزوم العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عن الناس كافة، وترك الخروج لمجازاة الإساءة، إذ لا سبب لتسكين الإساءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1642) أحسن من الإحسان، ولا سبب لنماء الإساءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1642) وتهييجها أشد من الاستعمال بمثلها) .
- وقال أيضًا: (من أراد الثواب الجزيل، واسترهان الود الأصيل، وتوقع الذكر الجميل، فليتحمل من ورود ثقل الردى، ويتجرع مرارة مخالفة الهوى، باستعمال السنة التي ذكرناها في الصلة عند القطع، والإعطاء عند المنع، والحلم عند الجهل، والعفو عند الظلم؛ لأنَّه من أفضل أخلاق أهل الدين والدنيا) .
- (وقيل للمهلب بن أبي صُفرة: ما تقول في العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والعقوبة؟ قال: هما بمنزلة الجود (http://dorar.net/enc/akhlaq/380) والبخل، فتمسك بأيهما شئت) .

محمد رافع 52
19-05-2013, 12:56 AM
العفو في الأمثال

- قولهم: ملكت فأسجح. أي: ظفرت فأحسن .
- وقولهم: إن المقدرة تذهب الحفيظة .
- وقولهم: إذا ارجحنَّ شاصيًا فارفع يدًا. أي: إذا رأيته قد خضع واستكان فاكفف عنه

محمد رافع 52
19-05-2013, 01:09 AM
العفو والصفح في واحة الشعر

قال الشافعي:

لما عفوتُ ولم أحقِدْ على أحدٍ***أرحتُ نفسي مِن همِّ العداواتِ



إني أُحيِّي عدُوِّي عندَ رؤيتِه***لأدفعَ الشرَّ عني بالتحياتِ



وأُظهرُ البشْرَ للإنسانِ أُبغضُه***كأنما قد حشَى قلبي محباتِ



النَّاسُ داءٌ، وداءُ النَّاسِ قُربُهمُ***وفي اعتزالِهمُ قطعُ الموداتِ


وقال أيضًا:

قالوا سكتَّ وقد خُوصِمتَ قلتُ لهم***إنَّ الجواب لِبابِ الشرِّ مفتاحُ



فالعفو عن جاهل أو أحمق أدب***نعم وفيه لصونِ العِرض إصلاحُ



إن الأُسود لتخشَى وهي صامتة***والكلب يُحثَى ويُرمَى وهو نبَّاحُ


وقال منصور بن محمد الكريزي:

سأُلزمُ نفسي الصفحَ عن كلِّ مذنب***وإن كثرت منه إليَّ الجرائمُ



فما الناسُ إلَّا واحدٌ مِن ثلاثةٍ***شريفٌ ومشروفٌ ومثلي مُقاومُ



فأمَّا الذي فوقي فأعرفُ فضلَه***وأتبعُ فيه الحقَّ والحقُّ لازمُ



وأما الذي دوني فإن قال صنتُ عن***إجابتِه عِرضي وإن لام لائمُ



وأما الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا***تفضَّلتُ إنَّ الحلم (http://dorar.net/enc/akhlaq/481) للفضلِ حاكمُ


وقال أبو الفتح البستي:

خذِ العفوَ وأْمُرْ بعرفٍ كما***أمرت وأعرضْ عن الجاهلين



ولِنْ في الكلامِ لكلِّ الأنامِ***فمستحسَنٌ من ذوي الجاه لين


وقال آخر:

إذا كنتُ لا أعفو عن الذنبِ مِن أخٍ***وقلتُ أُكافيه فأينَ التفاضلُ



فإن أقطعِ الإخوانَ في كلِّ عسرةٍ***بقيتُ وحيدًا ليس لي من أُواصلُ



ولكنني أُغضي جُفوني على القذَى***وأصفحُ عمَّا رابني وأُجاملُ

https://encrypted-tbn3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52
19-05-2013, 01:13 AM
علو الهمَّة

معنى علو الهمَّة لغةً واصطلاحًا

معنى العلو لغةً:
العلوُّ مصدر من علا الشيءُ عُلُوًّا فهو عَليٌّ وعَلِيَ وتَعَلَّى،... ويقال: عَلا فلانٌ الجبل إذا رَقِيَه وعَلا فلان فلانًا إذا قَهَره، والعَليُّ الرَّفيعُ، وتَعالَى تَـرَفَّع، وأصل هذه المادة يدلُّ على السموِّ والارتفاع .
معنى الهمَّة لغةً:
الهِمَّةُ: ما هَمَّ به من أمر ليفعله، تقول: إنه لعظيمُ الهَمِّ، وإِنه لَصغيرُ الهِمَّة، وإِنه لَبَعيدُ الهِمَّةِ والهَمَّةِ بالفتح .
وقال ابن القيم في تعريف الهمة: (والهمة فعلة من الهمِّ، وهو مبدأ الإرادة، ولكن خصوها بنهاية الإرادة، فالهمُّ مبدؤها، والهمَّة نهايتها) .
معنى علو الهمَّة اصطلاحًا:
الهمة في الاصطلاح هي: (توجه القلب وقصده بجميع قواه الروحانية إلى جانب الحق؛ لحصول الكمال له أو لغيره) .
وأما علو الهمة فهو (استصغار ما دون النهاية من معالي الأمور، وطلب المراتب السامية) .
وقال المناوي: (عظم الهمة عدم المبالاة بسعادة الدنيا وشقاوتها) .
وقال الراغب الأصفهاني: (والكبير الهمة على الإطلاق: هو من لا يرضى بالهمم الحيوانية قدر وسعه، فلا يصير عبد رعاية بطنه، وفرجه، بل يجتهد أن يتخصص بمكارم الشريعة) .

محمد رافع 52
19-05-2013, 01:14 AM
الفرق بين الهمَّة والهمِّ

(الهمَّة: اتساع الهم وبعد موقعه، ولهذا يمدح بها الإنسان، فيقال: فلان ذو همة وذو عزيمة. وأما قولهم: فلان بعيد الهمة وكبير العزيمة، فلأنَّ بعض الهمم يكون أبعد من بعض وأكبر من بعض، وحقيقة ذلك أنَّه يهتمُّ بالأمور الكبار.
والهمُّ: هو الفكر في إزالة المكروه، واجتلاب المحبوب، ومنه يقال: أهمُّ بحاجتي)

نسيــــــم الجنـــــــــة
19-05-2013, 08:16 AM
بــارك الله بمجهوداتكم القيمة وجعلها بميزان حسناتكم

فاى 11
19-05-2013, 10:40 AM
بارك الله فيك وجزاك خيرا
جعله الله فى موازيين حسناتك

محمد رافع 52
19-05-2013, 10:38 PM
بــارك الله بمجهوداتكم القيمة وجعلها بميزان حسناتكم





جزاكم الله عنا خيرا

محمد رافع 52
19-05-2013, 10:40 PM
بارك الله فيك وجزاك خيرا
جعله الله فى موازيين حسناتك
رضى الله عنك وغفر لك

محمد رافع 52
19-05-2013, 11:19 PM
أولًا: في القرآن الكريم
(علو الهمة خلق رفيع وغاية نبيلة، تتعشقه النفوس الكريمة، وتهفو إليه الفطر القويمة، وعلو الهمة من الأسس الأخلاقية الفاضلة، وإليه يرجع مجموعة من الظواهر الخلقية، كالجد في الأمور، والترفع عن الصغائر والدنايا، وكالطموح إلى المعالي) . والإسلام يحثُّ على هذا الخلق النبيل، وقد وردت آيات من القرآن الكريم، تدل على ذلك، ومنها:
- قوله تعالى: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133].
ففي هذه الآية (ندب الله عباده إلى المبادرة إلى فعْل الخيرات، والمسارعة إلى نَيْل القُرُبات) ، وهو أمر من الله بالهمة العالية.
- وقال تعالى: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35].
فهذه الآية فيها ثناء (على أصحاب الهمم العالية، وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون وفي مقدمتهم أولو العزم (http://dorar.net/enc/akhlaq/965) من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم... وقد تجلت همتهم العالية في مثابرتهم، وجهادهم، ودعوتهم إلى الله عزَّ وجلَّ، كما أوضحه الله عزَّ وجلَّ في قصص الأنبياء: كنوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) .
- وقال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23].
وصف الله سبحانه وتعالى المؤمنين بوصف الرجال، الذين هم أصحاب الهمم العالية، فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، و(وفوا به، وأتموه، وأكملوه، فبذلوا مهجهم في مرضاته، وسبلوا أنفسهم في طاعته. فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ أي: إرادته ومطلوبه، وما عليه من الحقِّ، ف*** في سبيل الله، أو مات مؤديًا لحقه، لم ينقصه شيئًا. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ تكميل ما عليه، فهو شارع في قضاء ما عليه، ووفاء نحبه ولما يكمله، وهو في رجاء تكميله، ساع في ذلك، مجدٌّ) .
- وقال سبحانه: رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ [النور: 37].
فهؤلاء الرجال هم أصحاب الهمم العالية، (ليسوا ممن يؤثر على ربه دنيا ذات لذات، ولا تجارة ومكاسب، مشغلة عنه، لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وهذا يشمل كلَّ تكسب يقصد به العوض، فيكون قوله: وَلَا بَيْعٌ من باب عطف الخاص على العام، لكثرة الاشتغال بالبيع على غيره، فهؤلاء الرجال، وإن اتجروا، وباعوا، واشتروا، فإن ذلك، لا محذور فيه. لكنه لا تلهيهم تلك، بأن يقدموها ويؤثروها على ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ بل جعلوا طاعة الله وعبادته غاية مرادهم، ونهاية مقصدهم، فما حال بينهم وبينها رفضوه) .
- وقال الله سبحانه وتعالى بعد أن ذكر عددًا من الأنبياء ومواقفهم، ودعوتهم لقومهم: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90].

محمد رافع 52
19-05-2013, 11:25 PM
ثانيًا: في السنة النبوية
- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنى، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله)) .
قال ابن بطال: (فيه ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على معالي الأمور، وترك دنيئها، والله يحب معالي الأمور) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز)) .
(وعامة نصوص الترغيب والترهيب في الوحيين الشريفين؛ إنما ترمي إلى توليد قوة دافعة تحرك قلب المؤمن، وتوجهه إلى إقامة الطاعات، وتجنب المعاصي والمخالفات، وإلى بعث الهمة وتحريكها واستحثاثها للتنافس في الخيرات، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تحصر) ومن ذلك:
- قوله صلى الله عليه وسلم: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا. ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه. ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا .)) .
- وقوله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارق، ورتل، كما كنت ترتل في دار الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية كنت تقرؤها)) .

محمد رافع 52
19-05-2013, 11:31 PM
درجات علو الهمة

قَسَّم الهروي درجات علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) على ثلاث:
1- (الدرجة الأولى: همة تصون القلب عن وحشة الرغبة في الفاني، وتحمله على الرغبة في الباقي، وتصفيه من كدر التواني) .
يقول ابن القيم: (الفاني الدنيا وما عليها. أي: يزهد القلب فيها وفي أهلها. وسمى الرغبة فيها وحشة؛ لأنها وأهلها توحش قلوب الراغبين فيها، وقلوب الزاهدين فيها.
أما الراغبون فيها: فأرواحهم وقلوبهم في وحشة من أجسامهم. إذ فاتها ما خلقت له. فهي في وحشة لفواته.
وأما الزاهدون فيها: فإنهم يرونها موحشة لهم. لأنها تحول بينهم وبين مطلوبهم ومحبوبهم. ولا شيء أوحش عند القلب، مما يحول بينه وبين مطلوبه ومحبوبه. ولذلك كان من نازع الناس أموالهم، وطلبها منهم أوحش شيء إليهم وأبغضه.
وأيضًا: فالزاهدون فيها: إنما ينظرون إليها بالبصائر. والراغبون ينظرون إليها بالأبصار، فيستوحش الزاهد مما يأنس به الراغب. كما قيل:


وإذا أفاق القلب واندمل الهوى ***رأت القلوب ولم تر الأبصار



وكذلك هذه الهمة تحمله على الرغبة في الباقي لذاته. وهو الحق سبحانه. والباقي بإبقائه: هو الدار الآخرة.
وتصفيه من كدر التواني. أي: تخلصه وتمحصه من أوساخ الفتور (http://dorar.net/enc/akhlaq/2557) والتواني، الذي هو سبب الإضاعة والتفريط) .
2- قال الهروي: (الدرجة الثانية: همة تورث أنفة من المبالاة بالعلل، والنزول على العمل، والثقة بالأمل) .
يقول ابن القيم: (العلل هاهنا: هي علل الأعمال من رؤيتها، أو رؤية ثمراتها وإرادتها. ونحو ذلك. فإنها عندهم علل.
فصاحب هذه الهمة: يأنف على همته، وقلبه من أن يبالي بالعلل؛ فإنَّ همته فوق ذلك. فمبالاته بها، وفكرته فيها نزول من الهمة.
وعدم هذه المبالاة: إما لأنَّ العلل لم تحصل له؛ لأنَّ علوَّ همته حال بينه وبينها. فلا يبالي بما لم يحصل له؛ وإما لأنَّ همته وسعت مطلوبه، وعلوه يأتي على تلك العلل، ويستأصلها. فإنَّه إذا علَّق همته بما هو أعلى منها، تضمنتها الهمة العالية؛ فاندرج حكمها في حكم الهمة العالية، وهذا موضع غريب عزيز جدًّا. وما أدري قصده الشيخ أو لا؟
وأما أنفته من النزول على العمل: فكلام يحتاج إلى تقييد وتبيين. وهو أن العالي الهمة مطلبه فوق مطلب العمال والعباد، وأعلى منه، فهو يأنف أن ينزل من سماء مطلبه العالي، إلى مجرد العمل والعبادة، دون السفر بالقلب إلى الله؛ ليحصل له ويفوز به؛ فإنَّه طالب لربه تعالى طلبًا تامًّا بكلِّ معنى واعتبار في عمله، وعبادته ومناجاته، ونومه ويقظته، وحركته وسكونه، وعزلته وخلطته، وسائر أحواله؛ فقد انصبغ قلبه بالتوجه إلى الله تعالى أيما صبغة.
وهذا الأمر إنما يكون لأهل المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) الصادقة؛ فهم لا يقنعون بمجرد رسوم الأعمال، ولا بالاقتصار على الطلب حال العمل فقط.
وأما أنفته من الثقة بالأمل: فإنَّ الثقة توجب الفتور (http://dorar.net/enc/akhlaq/2557) والتواني، وصاحب هذه الهمة: ليس من أهل ذلك، كيف؟ وهو طائر لا سائر) .
3- قال الهروي: (الدرجة الثالثة: همة تتصاعد عن الأحوال والمعاملات. وتزري بالأعواض والدرجات. وتنحو عن النعوت نحو الذات) .
يقول ابن القيم: (أي: هذه الهمة أعلى من أن يتعلق صاحبها بالأحوال التي هي آثار الأعمال والواردات، أو يتعلق بالمعاملات، وليس المراد تعطيلها. بل القيام بها مع عدم الالتفات إليها، والتعلُّق بها.
ووجه صعود هذه المهمة عن هذا: ما ذكره من قوله: تزري بالأعواض والدرجات، وتنحو عن النعوت نحو الذات، أي: صاحبها لا يقف عند عوض ولا درجة؛ فإنَّ ذلك نزول من همته، ومطلبه أعلى من ذلك؛ فإنَّ صاحب هذه الهمة قد قصر همته على المطلب الأعلى، الذي لا شيء أعلى منه، والأعواض والدرجات دونه، وهو يعلم أنَّه إذا حصل له فهناك كل عوض ودرجة عالية.
وأما نحوها نحو الذات، فيريد به: أنَّ صاحبها لا يقتصر على شهود الأفعال والأسماء والصفات، بل الذات الجامعة لمتفرقات الأسماء والصفات والأفعال.) .

محمد رافع 52
19-05-2013, 11:35 PM
صور علو الهمة
مظاهر وصور علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) كثيرة جدًّا؛ فالأعمال الجادة كلها تحتاج إلى علو الهمة، وسنتحدث عن بعض مظاهر علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) وهي كالتالي:
1- علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) في طلب العلم:
من مظاهر علو الهمة: الاجتهاد في طلب العلم؛ والجد والمثابرة في تحصيله وإن من أعظم ما يعين على علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) في طلب العلم مطالعة ما أعده الله عزَّ وجلَّ لطالب العلم والعلماء.
قال الشوكاني في الحثِّ على علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) في طلب العلم: (فإنَّ الله سبحانه قد قرن العلماء في كتابه بنفسه وملائكته فقال: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ [آل عمران:18].
وقصر الخشية له التي هي سبب الفوز لديه عليهم فقال: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[فاطر:28].
وأخبر عباده بأنه يرفع علماء أمته درجات فقال: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة:11] وأخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن العلماء ورثة الأنبياء.
وناهيك بهذه المزية الجليلة، والمنقبة النبيلة، فأكرم بنفس تطلب غاية المطالب في أشرف المكاسب، وأحبب برجل أراد من الفضائل ما لا تدانيه فضيلة، ولا تساميه منقبة، ولا تقاربه مكرمة) .
كذلك مطالعة أحوال السلف، وعلو همتهم في التعلم والتعليم، والقراءة والإقراء والتصنيف، والرحلة في طلب العلم، والسهر في المذاكرة، والتعرض للأخطار، ومعاناة الجوع والمرض في سبيله، والضن بالوقت أن يضيع في غير تحصيل فائدة، أو الوقوف على نكتة علمية، إلى غير ذلك من صور علو همتهم في طلب العلم .

2-
علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) في الدعوة إلى الله:
من مظاهر علو الهمة: الدعوة إلى الله؛ فالمسلم يدعو إلى الله سبحانه وتعالى بما علم. قال صلى الله عليه وسلم: ((بلغوا عني ولو آية)) والداعية إلى الله سبحانه وتعالى همه هداية الناس، ودعوتهم إلى الحق، فيقوم ببذل نفسه في سبيل الدعوة إلى الله، قال ابن حزم: (لا تبذل نفسك إلا فيما هو أعلى منها، وليس ذلك إلا في ذات الله عز وجل في دعاء إلى حقٍّ، وفي حماية الحريم، وفي دفع هوان لم يوجبه عليك خالقك تعالى، وفي نصر مظلوم، وباذل نفسه في عرض دنيا، كبائع الياقوت بالحصى) . ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وسلف الأمة، القدوة الحسنة، فقد بذلوا كل غال ونفيس في سبيل الدعوة إلى الله.
3-

علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) في الجهاد في سبيل الله:
من مظاهر علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) الاندفاع إلى الجهاد في سبيل الله؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من خير معاش الناس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هيعة ، أو فزعة ، طار عليه يبتغى ال*** والموت مظانه ...)) والمواقف من حياة الصحابة والسلف كثيرة في بيان جهادهم في سبيل الله، وما بذلوه من تضحيات من أجل هذا الدين.
4-

علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) في العبادة:
من مظاهر علو الهمة: الجد والاجتهاد في عبادة الله سبحانه وتعالى، والاستقامة على دينه و(لقد فقه سلفنا الصالحون عن الله أمره، وتدبروا في حقيقة الدنيا، ومصيرها إلى الآخرة، فاستوحشوا من فتنتها، وتجافت جنوبهم عن مضاجعها، وتناءت قلوبهم من مطامعها، وارتفعت همتهم على السفاسف، فلا تراهم إلا صوَّامين قوامين، باكين والهين، ولقد حفلت تراجمهم بأخبار زاخرة، تشير بعلو همتهم في التوبة والاستقامة، وقوة عزيمتهم في العبادة والإخبات ... قال الحسن: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياه فألقها في نحره. وقال وُهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل) .

الأستاذة ام فيصل
19-05-2013, 11:37 PM
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم استاذ محمد رافع
تحياتي وتقديري

محمد رافع 52
19-05-2013, 11:53 PM
أسباب دنو الهمة

1- المعاصي:
إن المعاصي أحد أسباب انحطاط الهمم، إذ كيف ينطلق الإنسان إلى المعالي وهو مكبل بالشهوات، مثقل بالذنوب، منهك القوى بالمعاصي، يقول ابن قيم الجوزية: (فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، وينكس الطالب، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي ستسيره، فإذا زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعًا يبعد تداركه، فالله المستعان) .
2- الخوف والهم والحزن:
وهذه الثلاثة من الآفات التي توهن الهمة، وتضعف العزيمة، وتدفع إلى الفتور؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يستعيذ بالله منها، فيقول: (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال .)) .
(فاستعاذ من ثمانية أشياء، كلُّ اثنين منها قرينان، فالهم والحزن قرينان وهما من آلام الروح ومعذباتها، والفرق بينهما أن الهم توقع الشر في المستقبل، والحزن التألم على حصول المكروه في الماضي أو فوات المحبوب، وكلاهما تألم وعذاب يرد على الروح فإن تعلق بالماضي سمي حزنًا، وإن تعلق بالمستقبل سمي همًّا) .
3- الغفلة:
الغفلة من أسباب ضعف الهمة، فكيف يرتقي الإنسان معالي الأمور، وهو في غفلة عن مصالحه وأسباب سعادته، والغفلة والجهل قرينان، فـ(شجرة الغفلة تُسْقَى بماء الجهل الذي هو عدو الفضائل كلِّها.


هل علمتم أمة في جهلها***ظهرت في المجد حسناءَ الرداء؟



قال عمر رضي الله عنه: الراحة للرجال غفلة.
وقال شعبة بن الحجاج: لا تقعدوا فراغًا فإنَّ الموت يطلبكم.
وسئل ابن الجوزي: أيجوز أن أفسح لنفسي في مُباح الملاهي؟ فقال: عند نفسك من الغفلة ما يكفيها) .
4- إهدار الوقت:
فالوقت هو رأس مال الإنسان، فإذا أهدره فهو في الحقيقة يضيع عمره، فيبوء بالخسران، وما أفدحها من خسارة، فينبغي تجنب (إهدار الوقت الثمين في الزيارات والسمر وفضول المباحات: قال - صلى الله عليه وسلم: ((نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)).


والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه***وأراه أسهلَ ما عليك يضيع



(ويقول الفضيل بن عياض: أعرف من يَعُدُّ كلامه من الجمعة إلى الجمعة.
ودخلوا على رجل من السلف، فقالوا: لعلنا شغلناك؟، قال: أصدقكم، كنت أقرأ فتركتُ القراءة لأجلكم.
وجاء عابدٌ إلى السَّرِيِّ السَّقَطي، فرأى عنده جماعة، فقال: صِرتَ مُناخَ البطالين! ثم مضى ولم يجلس.
وقعد جماعة عند معروف الكرخي، فأطالوا، فقال: إن مَلَك الشمس لا يفتر عن سوقها، فمتى تريدون القيام؟) .
5- الوهن:
(وهو كما فسره رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حب الدنيا، وكراهية الموت)) .

أمَّا حب الدنيا: فرأس كلِّ خطيئة كما في
الحكمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/452) المشهورة، وهو أصل التثاقل إلى الأرض، وسبب الاستئسار للشهوات، والانغماس في الترف، والتنافس على دار الغرور التي:


تفانى الرجال على حبِّها***وما يحصلون على طائل



(يقول -أي ابن الجوزي- واعلم أنَّ زمان الابتلاء ضيف قِراهُ الصبر، كما قال أحمد بن حنبل: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وإنها أيام قلائل، فلا تنظر إلى لذة المترفين، وتَلَمَّحْ عواقبهم، ولا تضق صدرًا بضيق المعاش، وعلل الناقة بالحدْو تسِرْ:


طاوِلْ بها الليلَ مالَ النجمُ أم جَنحَا***وماطِلِ النومَ ضَنَّ الجَفْنُ أمْ سَمَحا



فإن تَشَكَّتْ فَعَلِّلْها المجَرَّةَ مِن***ضوءِ الصباحِ وعِدْها بالرواحِ ضحَى



... وأما كراهية الموت فثمرة حب الدنيا والحرص على متاعها مع تخريب الآخرة، فيكره أن ينتقل من العمران إلى الخراب، قال الطغرائي مبينا أثر حب السلامة في الانحطاط بالهمة:


حبُّ السلامة يثني عزم صاحبه***عن المعالي ويغري المرء بالكسل



6- التسويف والتمني:
(وهما صفة بليد الحس، عديم المبالاة، الذي كلما همت نفسه بخير، إما يعيقها بـ (سوف) حتى يفجأه الموت، فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ [المنافقون: 10]، وإما يركب بها بحر التمني، وهو بحر لا ساحل له، يُدمن ركوبه مفاليس العالم، كما قيل:


إذا تمنيت بتُّ الليلَ مغتبطًا***إن المنى رأسُ أموال المفاليس



7- مجالسة البطالين والمثبطين:
(مجالس البطالين والقاعدين توهن العزائم وتضعف الهمم بما يعلق في القلب من أقوالهم من الشبه، وما يحصل بمجالستهم من ضياع للوقت، وإشغال بتوافه الأمور.. وكلما أردت العمل ثبطك وقال: أمامك ليل طويل فارقد.) .
إياك إياك ومجالسة البطالين (فإن طبعك يسرق منهم، وأنت لا تدري، وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط، بل بالنظر إليه، والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه، فإن مَن دامت رؤيته للمسرور سرَّ، أو للمحزون حزن... ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟) .
8- المناهج التربوية والتعليمية الهدامة:
هذه المناهج (التي تثبط الهمم وتخنق المواهب، وتكبت الطاقات وتخرب العقول، وتنشئ الخنوع وتزرع في الأجيال ازدراء النفس، وتعمق فيه احتقار الذات والشعور بالدونية) .
9- توالي الضربات وازدياد اضطهاد العاملين للإسلام:
وينتج عنه الشعور بالإحباط في نفوس الذين لا يفقهون حقيقة البلاء، وسنن الله عز وجل في خلقه، كما ينتج عنه استطالة الطريق فيضعف السير إلى الله عز وجل. وقد كان صلى الله عليه وسلم يعزي أصحابه المضطهدين في مكة بتبشيرهم بأن المستقبل للإسلام، وبأن العاقبة للمتقين .
فلا ينبغي أن يستولي اليأس (http://dorar.net/enc/akhlaq/2874) والتشاؤم على الدعاة، فعندما يرى بعضهم (تفوق الأعداء، وتفرق الأصدقاء، والتضييق على الدعاة، وتشريدهم، والزج بهم في السجون، ونحوها من الابتلاءات، ييأسوا ويتشاءموا ويدب الوهن (http://dorar.net/enc/akhlaq/2854) إلى قلوبهم؛ فتضعف هممهم، ويقعدوا عن العمل، ويفقدوا الأمل.. على الرغم من انتصارات الدعوة والبشائر التي تبدو في الأفق؛ ولكن يأبى بعضهم إلا النظرة المتشائمة) .
أسباب علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) :
إن علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) يحتاج إلى جهد ومجاهدة وصبر ومصابرة، وتلمس الأسباب التي توصل إليه، وسلوك الطرق التي تؤدي إليه، وفيما يلي بعض أسباب علو الهمة:
1- العلم:
العلم أحد أسباب علو الهمة، فهو يرشد من طلبه إلى مصالحه، ويدفعه إلى العمل، ويعرفه بآفات الطريق ومخاطره، ويورث صاحبه فقها بالأولويات ويعرفه بمراتب الأعمال. وكلما ازداد الإنسان من العلم النافع علت همته، وازداد عمله؛ ونماذج العلماء الصادقين الذين علت هممهم أكبر برهان على ذلك.
2- الدعاء:
وهو سلاح المؤمن الذي يلجأ إليه إذا فترت الهمة وضعفت العزيمة، فعلى المسلم ألا يغفل هذا الباب فهو من أعظم الأسباب لتحصيل الهمة العالية، والعاجز من عجز عن الدعاء.
3- تذكر اليوم الآخر:
فلا شك أن تذكر الموت، وفتنة القبر، وأهوال القيامة، يبعث في القلب الهمة ويوقظه من غفلته، وتبعثه من رقدته؛ وتدبر قوله عز وجل وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133]، وكان صلى الله عليه وسلم يذكر أصحابه بالجنة والنار، فالحث على العمل وبعث الهمم يكون بالتذكير باليوم الآخر والجنة والنار.
4- طبيعة الإنسان:
من الناس من جبل على علو الهمة، فلا يرضى بالدون، ولا يقنع بالقليل، ولا يلتفت إلى الصغائر.
ولهذا قيل: ذو الهمة إن حط فنفسه تأبى إلا علوًّا، كالشعلة في النار يصوبها صاحبها وتأبى إلا ارتفاعًا .
قال عمر بن عبد العزيز: إنَّ لي نفسًا تواقة؛ لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة !
5- أثر الوالدين، ودورهما في التربية الصحيحة:
فأثر الوالدين في التربية عظيم، ودورهما في إعلاء همم الأولاد خطير وجسيم؛ فإذا كان الوالدان قدوة في الخير، وحرصا على تربية الأولاد، واجتهدا في تنشئتهم على كريم الخلال وحميد الخصال، مع تجنيبهم ما ينافي ذلك من مساوئ الأخلاق ومرذول الأعمال – فإن لذلك أثرًا عظيمًا في نفوس الأولاد؛ لأن الأولاد سيشبون – بإذن الله – متعشقين للبطولة، محبين لمعالي الأمور، متصفين بمكارم الأخلاق، مبغضين لسفساف الأمور، نافرين عن مساوئ الأخلاق.
6- النشأة في مجتمع مليء بالقمم:
فمن بواعث الهمة، أن ينشأ الصغير في مجتمع تكثر فيه النماذج المشرقة من الأبطال المجاهدين، والعلماء العاملين؛ والتي تمثل القدوة، فهذا مما يحرك همته؛ كي يقتدي بهم، ويسير على طريقهم، ومن لم يتهيأ له ذلك فليتحول عن البيئة المثبطة، الداعية إلى الكسل والخمول وإيثار الدون.
7- وجود المربين الأفذاذ، والمعلمين القدوات:
الذين يستحضرون عظم المسؤولية، ويستشعرون ضخامة الأمانة، والذين يتسمون ببعد النظرة، وعلو الهمة، وسعة الأفق وحسن الخلق، والذين يتحلون بالحلم والعلم، والصبر والشَّجَاعَة، وكرم النفس والسماحة.
8- مصاحبة أصحاب الهمم ومطالعة سيرهم:
فلا شك أنَّ الصحبة لها تأثير كبير، لذا من أراد تحصيل الهمة العالية فليصحب أصحاب الهمم العالية، فإنه يستفيد من أفعالهم قبل أقوالهم، ومن لم يوفق لصحبة هؤلاء فليكثر من مطالعة سيرهم، وقراءة أخبارهم فإن ذلك مما يبعث الهمة، ويدعو إلى علوها.
يقول ابن الجوزي: (فسبيل طالب الكمال في طلب العلم الاطلاع على الكتب، التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة؛ فإنه يرى من علوم القوم، وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد، وما يخلو كتاب من فائدة...
فالله الله وعليكم بملاحظة سير السلف، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم، فالاستكثار من مطالعة كتبهم رؤية لهم) . إلى أن قال: (فاستفدت بالنظر فيها من ملاحظة سير القوم، وقدر هممهم، وحفظهم وعباداتهم، وغرائب علومهم: ما لا يعرفه من لم يطالع، فصرت أستزري ما الناس فيه، وأحتقر همم الطلاب) .
9- استشعار المسؤولية:
وذلك بأن يستشعر الإنسان مسؤوليته، ويعمل ما في وسعه ومقدوره، ويحذر كل الحذر من التهرب من المسؤولية، والإلقاء باللائمة والتبعة على غيره؛ ذلك أن المسؤولية في الإسلام عامة، تشمل كل فرد من المسلمين؛ فهم جميعًا داخلون في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلم مسؤول عن رعيته)) .
فالمسؤولية مشتركة، كل امرئ بحسبه، هذا بتعليمه وكلامه، وهذا بوعظه وإرشاده، وهذا بقوته وماله، وهذا بجاهه وتوجيهه إلى السبيل النافع وهكذا.

محمد رافع 52
19-05-2013, 11:58 PM
نماذج من علو همة النبي صلى الله عليه وسلم
الرسول صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة، والقدوة الرائعة، في علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) والشَّجَاعَة والإقدام، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا حمي الوطيس في الحرب ، كان أكثر الناس شجاعة، وأعظمهم إقدامًا، وأعلاهم همة، وقد قاد صلوات الله عليه بنفسه خلال عشر سنين سبعًا وعشرين غزاة، وكان يتمنى أن يقوم بنفسه كل البعوث التي بعثها والسرايا التي سيرها، ولكن أقعده عن ذلك أنه كان لا يجد ما يزود به جميع أصحابه للخروج معه في كل بعث، وكان أكثرهم لا تطيب نفسه أن يقعد ورسول الله قد خرج إلى الجهاد.
- روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لولا أن رجالًا من المسلمين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده لوددت أن أ*** في سبيل الله ثم أحيا، ثم أ*** ثم أحيا، ثم أ*** ثم أحيا، ثم أ***)) . فأية همة عالية أعلى من هذه الهمة النبوية .
- وكان صلى الله عليه وسلم القدوة في الهمة العالية في العبادة. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا)) .
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال القيام، حتى هممت بأمر سوء، قيل وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه .

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:03 AM
نماذج للصحابة في علو الهمة

الصحابة رضي الله عنهم قد ضربوا لنا أروع الأمثلة في الهمة العالية، سواء كان في الجهاد في سبيل الله، والتضحية في سبيل هذا الدين، أو في طلب العلم، وغير ذلك، وكذا سار التابعون على منوالهم، وإليك بعضًا من النماذج التي تدل على علو همتهم.
علو الهمة في طلب العلم:
1- عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:
- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، فقال: ((يا غلام، هل من لبن؟ قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل؟ فأتيته بشاة، فمسح ضرعها، فنزل لبن، فحلبه في إناء، فشرب، وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلص فقلص، قال: ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول، قال: فمسح رأسي، وقال: يرحمك الله، فإنك غليم معلم)) .
- وعنه أيضًا قال: (والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة، والله لقد علم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أني من أعلمهم بكتاب الله، وما أنا بخيرهم) ، قال شقيق: فجلست في الحلق أسمع ما يقولون، فما سمعت رادًّا يقول غير ذلك.
2- أبو هريرة رضي الله عنه:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: يقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث، والله الموعد، ويقولون: ما للمهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه؟ وإنَّ إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينًا، ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأحضر حين يغيبون، وأعي حين ينسون، وقال النبي صلى الله عليه وسلم يومًا: ((لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئًا أبدًا. فبسطت نمرة ليس علي ثوب غيرها، حتى قضى النبي صلى الله عليه وسلم مقالته، ثم جمعتها إلى صدري، فوالذي بعثه بالحق، ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا، والله لولا آيتان في كتاب الله، ما حدَّثتكم شيئًا أبدًا: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى [البقرة: 159] إلى قوله الرَّحِيمُ [البقرة: 160])) .
- وعنه أيضًا قال: إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودي ، ولا صفق بالأسواق إني إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها، وأكلة يطعمنيها، فقال له ابن عمر: أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعلمنا بحديثه .
3- جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه:

- عن عبد الله بن محمد بن عقيل، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتريت بعيرًا، ثم شددت عليه رحلي، فسرت إليه شهرًا، حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله ابن أنيس، فقلت للبواب: قل له: جابر على الباب، فقال ابن عبد الله؟ قلت: نعم، فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني، واعتنقته، فقلت: حديثًا بلغني عنك أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت، أو أموت قبل أن أسمعه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((يحشر الناس يوم القيامة - أو قال: العباد - عراة غرلًا بُهمًا. قال: قلنا: وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك، أنا الديان، ولا ينبغي لأحد من أهل النار، أن يدخل النار، وله عند أحد من أهل الجنة حقٌّ، حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة، ولأحد من أهل النار عنده حق، حتى أقصه منه، حتى اللطمة قال: قلنا: كيف وإنا إنما نأتي الله عزَّ وجلَّ عراة غرلًا بهما؟ قال: بالحسنات والسيئات)) .
4- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما:
- عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيهم؟ قال: فتركت ذاك وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان يبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه يسفي الريح علي من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء بك؟ هلا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا، أنا أحقُّ أن آتيك، قال: فأسأله عن الحديث، فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع الناس حولي يسألوني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني) .
علو الهمة في الجهاد:
1- أنس بن النضر رضي الله عنه:
- عن أنس رضي الله عنه قال:

((غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت المشركين؛ لئن الله أشهدني قتال المشركين ليرينَّ الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه - وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء. يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ، الجنة وربِّ النضر، إني أجد ريحها من دون أحد. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع ، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد *** وقد مثَّل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظنُّ أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] إلى آخر الآية .
2- سعد بن خيثمة رضي الله عنهما:
- عن سليمان بن بلال رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى بدر أراد سعد بن خيثمة وأبوه جميعًا الخروج معه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأمر أن يخرج أحدهما، فاستهما، فقال خيثمة ابن الحارث لابنه سعد رضي الله عنهما: إنه لابد لأحدنا من أن يقيم، فأقم مع نسائك، فقال سعد: لو كان غير الجنة لآثرتك به، إني أرجو الشهادة في وجهي هذا، فاستهما، فخرج سهم سعد، فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر، ف***ه عمرو بن عبد ودٍّ ... الحديث .
3- عمير بن أبي وقاص رضي الله عنه:
- عن سعد رضي الله عنه قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى، فقلت: ما لك يا أخي؟، قال: إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستصغرني فيردني، وأنا أحبُّ الخروج لعلَّ الله أن يرزقني الشهادة. قال: فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فردَّه، فبكى فأجازه، فكان سعد رضي الله عنه يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره، ف*** وهو ابن ست عشرة سنة .

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:07 AM
نماذج للسلف في علو الهمة

علو الهمة في طلب العلم:
سفيان الثوري:
- عن أبي شهاب الحناط قال: بعثت أخت سفيان الثوري معي بجراب إلى سفيان وهو بمكة فيه كعك وخُشْكِنانْج ، فقدمت مكة فسألت عنه فقيل لي: إنَّه ربما قعد دبر الكعبة مما يلي باب الحناطين، قال: فأتيته هناك، وكان لي صديقًا، فوجدته مستلقيًا، فسلَّمت عليه فلم يسائلني تلك المسائلة، ولم يسلِّم علي كما كنت أعرف منه، فقلت له: إن أختك بعثت إليك معي بجراب فيه كعك وخشكنانج، قال: فعجل به علي، واستوى جالسًا.
فقلت: يا أبا عبد الله، أتيتك وأنا صديقك. فسلَّمت عليك، فلم تردَّ عليَّ ذاك الرد، فلما أخبرتك أني أتيتك بجراب كعك لا يساوي شيئًا جلست وكلمتني، فقال: يا أبا شهاب، لا تلمني؛ فإنَّ هذه لي ثلاثة أيام لم أذق فيها ذواقًا. فعذرته .
وعن سفيان بن عيينة، قال: جاع سفيان الثوري جوعًا شديدًا، مكث ثلاثة أيام لا يأكل شيئًا، فمرَّ بدار فيها عرس، فدعته نفسه إلى أن يدخل فعصمه الله، ومضى إلى منزل ابنته، فأتته بقرص فأكله، وشرب ماءً فتجشى ثم قال:


سيكفيك عما أغلق الباب دونه***وضن به الأقوام ملح وجردق



وتشرب من ماء فرات وتغتدي***تعارض أصحاب الثريد الملبق



تجشى إذا ما هم تجشوا كأنما***ظللت بأنواع الخبيص تفتق



القاضي شريك بن عبد الله النخعي:
- عن يزيد بن يحيى قال: (مرَّ شريك القاضي بالمستنير بن عمرو النخعي، فجلس إليه فقال: يا أبا عبد الله، من أدَّبك؟ قال: أدَّبتني نفسي والله، ولدت ببخارى من أرض خراسان، فحملني ابن عمٍّ لنا حتى طرحني عند بني عم لي بنهر صرصر، فكنت أجلس إِلى معلم لهم تعلَّق بقلبي يعلِّم القرآن؛ فجئت إِلى شيخهم فقلت: يا عماه، الذي كنت تجري عليَّ ها هنا أجره علي بالكوفة أعرف بها السنة والجماعة وقومي، ففعل؛ قال: فكنت بالكوفة أضرب اللبن وأبيعه؛ فأشتري دفاتر وطروسًا، فأكتب فيها العلم والحديث، ثم طلب الفقه فقلت: ما نرى؟ فقال المستنير بن عمرو لولده: قد سمعتم قول ابن عمكم وقد أكثرت عليكم، فلا أراكم تفلحون فيه، فليؤدِّب كلُّ رجل نفسه، ثم من أحسن فلها، ومن أساء فعليها) .
- وعن عمر بن الهياج بن سعيد: قال: (كنت من صحابة شريك، فأتيته يومًا وهو في منزله باكرًا، فخرج إلي في فرو ليس تحته قميص، عليه كساء. فقلت له: قد أضحت عن مجلس الحكم، فقال: غسلت ثيابي أمس فلم تجف، فأنا أنتظر جفوفها، اجلس. فجلست فجعلنا نتذاكر باب العبد يتزوج بغير إذن مواليه، فقال: ما عندك فيه؟ ما تقول فيه؟...) .

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:09 AM
نماذج للعلماء المتقدمين في علو الهمة

أبو الفرج ابن الجوزي:
يصف ابن الجوزي علو همته في طلب العلم وهو يخاطب ابنه فيقول:
(وانظر يا بني إلى نفسك عند الحدود، فتلمَّح كيف حِفظُكَ لها؟ فإنه من راعى رُوعي، ومن أهملَ تُرِك... فإني أذكر نفسي ولي همةٌ عالية، وأنا في المكتب ولي نحو من ست سنين، وأنا قرينُ الصبيان الكبار قد رُزِقتُ عقلًا وافرًا في الصغر يزيدُ على عقلِ الشيوخ، فما أذكر أني لعبتُ في طريقٍ معَ صبيٍّ قط، ولا ضحِكتُ ضحكًا جارحًا، حتى إني كنتُ ولي سبعُ سنين أو نحوُها أحضرُ رحبةَ الجامع، ولا أتخيرُ حلقةَ مشعبذٍ، بل أطلب المحدث، فيتحدث بالسند الطويل، فأحفظُ جميعَ ما أسمع، وأرجع إلى البيت فأكتبه.
ولقد وُفِّقَ لي شيخنا أبو الفضل ابن ناصر رحمه الله، فكان يحملني إلى الأشياخ، وأسمعني (المسند) وغيره من الكتب الكبار، وأنا لا أعلم ما يُراد مني، وضبط لي مسموعاتي إلى أن بلغت، فناولني ثبتها، ولازمته إلى أن توفي رحمه الله، فأدركتُ به معرفة الحديث والنقل.
ولقد كان الصبيان ينزلون دجلة، ويتفرجون على الجسر، وأنا في زمن الصغر آخذ جزءًا، وأقعد حُجزةً من الناس إلى جانب الرَّقة فأتشاغلُ بالعلم) .
ثم قال: (ولم أقنع بفنٍّ واحد من العلم، بل كنت أسمع الفقه والوعظ والحديث وأتبع الزهاد. ثم قرأت اللغة ولم أترك أحدًا ممن قد انزوى أو يعظ، ولا غريبًا يقدم إلا وأحضره وأتخير الفضائل... ولقد كنت أدور على المشايخ لسماع الحديث، فينقطع نفَسي من العَدْوِ لئلا أُسبَق، وكنت أصبح وليس لي ما آكل، وأمسي وليس لي شيء، وما أذلَّني الله لمخلوق، ولكنَّه ساق رزقي لصيانة عِرضي، ولو شرحتُ أحوالي لطال الشرح) .
يحيى بن شرف النووي:
كان النووي عالي الهمة في طلب العلم منذ صغره، فقد ذكر ابن داود العطار عن ياسين بن يوسف المراكشي قال: (رأيت الشيخ محيي الدين، وهو ابن عشر سنين بنوى، والصبيان يُكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم، ويبكي، لإكراههم، ويقرأ القرآن في هذه الحالة، فوقع في قلبي محبته، وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن، قال: فأتيت الذي يقرئه القرآن، فوصيته به، وقلت له: هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال لي: أمنجم أنت؟ فقلت: لا، وإنما أنطقني الله بذلك، فذكر ذلك لوالده، فحرص عليه، إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام) .

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:14 AM
نماذج للعلماء المعاصرين في علو الهمة
محمد الأمين الشنقيطي:
محمد الأمين الشنقيطي صاحب (أضواء البيان) (حفظ القرآن في بيت أخواله وعمره عشر سنوات، وتعلم رسم المصحف العثماني عن ابن خاله وقرأ عليه التجويد في مقرأ نافع برواية ورش، وقالون من رواية أبي نشيط، وعمره ست عشرة سنة... وقد صور الشيخ شدة انشغاله في شأن طلب العلم في شبابه، بقوله رحمه الله: ومما قلت في شأن طلب العلم، وقد كنت في أخريات زمني في الاشتغال بطلب العلم دائم الاشتغال به عن التزويج؛ لأنه ربما عاق عنه، وكان إذ ذاك بعض البنات ممن يصلح لمثلي يرغب في زواجي ويطمع فيه، فلما طال اشتغالي بطلب العلم عن ذلك المنوال، أيست مني، فتزوجت ببعض الأغنياء، فقال لي بعض الأصدقاء: إن لم تتزوج الآن من تصلح لك؛ تزوجت عنك ذوات الحسب والجمال، ولم تجد من يصلح لمثلك. يريد أن يُعجلني عن طلب العلم، فقلت في ذلك هذه الأبيات:


دعاني الناصحون إلى النكاح***غداة تزوجت بيض الملاح



فقالوا لي تزوج ذات دلٍّ***خلوب اللحظ جائلة الوشاح



ضحوكًا عن مؤشرة رقاق***تمج الراح بالماء القراح



كأن لحاظها رشقات نبل***تذيق القلب آلام الجراح



ولا عجب إذا كانت لحاظ***لبيضاء المحاجر كالرماح



فكم ***ت كميا ذا دلاص ***ضعيفات الجفون بلا سلاح



فقلت لهم دعوني إن قلبي***من الغيِّ الصُّراح اليوم صاح



ولي شغل بأبكار عذارى***كأن وجوهها غرر الصحاح



أبيت مفكرًا فيها فتضحي***لفهم الفدم خافضة الجناح



محمد ناصر الدين الألباني:
كان الألباني همته عالية، وشغفه بالعلم ليس له حدود في عصر وصف بــ(عصر الفتن والغوايا وخساسة الهمم، عصر الزهد في العلم، والقصور في طلبه) . فقيض الله لهذه الأمة عالما (بكَّر في طلبه للعلم ودوَّنه، وصبر على تلقيه صبرًا طويلًا، وحرَّض شباب الأمة على طلبه، ودلَّهم على مصادره ومظانه) . فاهتم بعلم الحديث وأصبح شغله الشاغل (حتى كان يغلق محله ويذهب إلى المكتبة الظاهرية، ويبقى فيها اثنتي عشرة ساعة، لا يفتر عن المطالعة والتعليق والتحقيق، إلا أثناء فترات الصلاة، وكان يتناول طعامه البسيط في المكتبة في كثير من الأحيان فيها... ولهذا قدرته إدارة المكتبة، فخصصت له غرفة خاصة به؛ ليقوم فيها مع بعض أمهات المصادر بأبحاثه العلمية المفيدة، فكان يدخل قبل الموظفين صباحًا، وفي بعض الأحيان كان من عادة الموظفين الانصراف إلى بيوتهم ظهرًا ثم لا يعودون؛ ولكن الشيخ يبقى في المكتبة ما شاء الله له البقاء فربما يصلي العشاء ثم ينصرف. وإنَّ كلَّ من رآه في المكتبة يعرف مدى اجتهاده وحرصه على الاستفادة من وقته... وكان يجيب عن بعض الأسئلة التي توجه إليه، وهو ينظر في الكتاب، دون أن يرفع بصره إلى محدثه، بأوجز عبارة تؤدي إلى الغرض...) .
(ويقول محمد بن إبراهيم الشيباني: الشيخ لم تسنح له الفرصة ليكتب قصة حياته بنفسه؛ لانشغاله بطلب العلم والتنقل في فنونه، وإلا لأصبحت قصته مؤثرة حزينة مبكية، وقد قال لي يومًا: لو كان عندي فسحة من الوقت، لكتبت ما لم تسمع به من القصص.
ومن شدة العنت والفقر الذي عاشه الشيخ، أنه كان لا يملك قيمة ورقة يشتريها ليسودها بما مَنَّ الله تعالى عليه من علم فيها، فكان يطوف في الشوارع والأزقة يبحث عن الأوراق الساقطة فيها من هنا وهناك؛ ليكتب على ظهرها) .

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:16 AM
علامات عالي الهمة

هذه بعض العلامات على صاحب الهمة العالية، نذكرها مختصرة:
1- الزهد في الدنيا.
2- المسارعة في الخيرات والتنافس في الصالحات.
3- التطلع إلى الكمال والترفع عن النقص.
4- الترفع عن محقرات الأمور وصغائرها ونشدان معالي الأمور وكمالاتها.
5- الأخذ بالعزائم.
6- الاستدراك على ما فات.
7- أداء الواجبات وتحمل المسؤوليات.
8- الاهتمام بواقع الأمة والسعي لإصلاحه.
9- حسن إدارة الأوقات.

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:18 AM
يا عالي الهمة، انتبه!!

1- صاحب الهمّة تحلِّق به همته دائمًا، فتأمره بإنجاز كثير من الأعمال المتداخلة في وقت واحد، فليطعها بقدر، ولا يستبعد ما تأمره به، وفي الوقت نفسه لا يقوم به كلَّه، بل يأخذ منه بقدر ما يعرف من إسعاف همته له بالقيام به.
2- صاحب الهمَّة العالية معرض لنصائح تُثْنيه عن همته، وتحاول أن تذكره دائمًا بأنه مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ [الأحزاب: 4]، وأن صاحب الصنعتين كاذب والثالثة سارق، وهكذا، فالحصيف لا يلتفت لهذه النصائح إلا بقدر محدود.
3- صاحب الهمَّة معرض لسهام العين والحسد، فعليه بالأذكار المأثورة؛ ليدرأ عن نفسه ما قد يصيبه من سهام القدر على يد الحساد.
4- صاحب الهمَّة قد تعتريه فَتْرة وضعف قليل لما يراه من تدنِّي همم غالب الخلق، فلا يحزن لأجل هذه الفترة، وليوطِّن نفسه على الإحسان، وعلو الهمَّة مهما ضعف أو تخاذل مَن حوله، وأيًّا كان سبب الفترة التي تعتريه فهي أمر طبيعيٌّ يعتري العاملين والسالكين، وليتذكر حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((لكل عمل شِرَّة، ولكل شِرَّة فَتْرة)) .
5- أهل الهمَّة العالية قد يكونون مفرِّطين في بعض الأمور التي قد لا يرون فيها تعلقًا مباشرًا بموضوع هممهم، وذلك مثل بعض حقوق الأهل والأقارب، فينبغي على من وقع في هذا المحذور أن يلتفت إلى إصلاحه، ولو بالقدر الذي يُبعد عنه سهام اللائمين.
6- قد تؤدي الهمَّة العالية بصاحبها إلى أن يتحمَّس تحمسًا اندفاعيًّا، فيستعجل ويرتكب من الأخطاء ما كان يمكن تلافيه بقليل من التعقل، وحساب العواقب، وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية، وأنَّ الأمر لا يحسم بين عشية وضحاها.
7- صاحب الهمَّة العالية لا بدَّ له من المداومة على الأعمال التي تدوم ولا تنقطع، وليتذكر صاحب الهمَّة العالية أن أحبَّ الأعمال إلى الله ((أدومها وإن قل)) ، فهمة متوسطة العلو تدوم خير من همة عظيمة متقطعة.

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:25 AM
علو الهمة في واحة الشعر
قال علي رضي الله عنه:


إذا أظْمَأتْك أكفُّ الرِّجالِ***كفَتْك القناعةُ شِبَعًا ورِيَّا



فكنْ رُجلًا رِجلُه في الثَّرَى ***وهامةُ هِمَّتِه في الثُّريَّا



وقال أيضًا:


ومحترسٍ من نفسِه خوفَ ذلةٍ***تكونُ عليه حجةٌ هي ماهيَا



فقَلَّصَ بُرْدَيهِ وأفضَى بقلبِهِ***إِلى البِرِّ والتقوى فنالَ الأمانيا



وجانب أسبابَ السفاهةِ والخَنا ***عفافًا وتنزيهًا فأصبحَ عاليا



وصانَ عن الفحشاءِ نفسًا كريمةً***أبتْ همةً إلا العُلَى والمعاليا



تراهُ إِذا ما طاشَ ذو الجهلِ والصَّبا ***حليمًا وقورًا ضائنَ النفسِ هاديا



له حِلْمُ كهلٍ في صرامةِ حازمٍ***وفي العينِ إِن أبصرتَ أبصرتَ ساهيا



يروقُ صفاء الماءِ منه بوجهِه***فأصبحَ منه الماءُ في الوجهِ صافيا



ومن فضلِه يرعَى ذِمامًا لجارهِ***ويحفظُ منه العهد إِذ ظلَّ راعيا



صَبورًا على صَرْفِ الليالي ورزئها***كَتومًا لأسرارِ الضميرِ مُداريا



له هِمَّةُ تعلو على كُلِّ همةٍ***كما قد علا البَدرُ النجومَ الدراريا



وقال المتنبي:


لولا المشقةُ ساد النَّاسُ كلُّهمُ***الجُودُ يُفقرُ والإقْدامُ قتَّالُ



وله أيضًا:


وإذا كانت النفوسُ كبارًا***تعِبتْ في مُرادِها الأجسامُ



وقال أيضًا:


ولم أرَ في عيوبِ النَّاسِ شيئًا***كنقصِ القادرين على التَّمامِ



وقال ابن هانئ الأندلسي:


ولم أجِد الإِنسانَ إِلا ابن سعيِه***فمن كان أسعَى كان بالمجدِ أجدرا



وبالهمةِ العلياءِ يرقَى إِلى العُلا***فمن كان أرقَى هِمَّةً كان أظهرا



ولم يتأخرْ مَن يريدُ تقدمًا***ولم يتقدمْ مَن يريدُ تأخرا

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:29 AM
http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg
الغَيْرة

معنى الغَيْرة لغةً واصطلاحًا
معنى الغَيْرة لغةً:
الغَيْرة بالفتح المصدر من قولك: غار الرجل على أَهْلِه والمرأَة على بَعْلها تَغار غَيْرة وغَيْرًا وغارًا وغِيارًا والغَيْرة هي الحَمِيَّة والأنَفَة .
معنى الغَيْرة اصطلاحًا:
الغَيْرة: كراهة الرجل اشتراك غيره فيما هو حقه .
- وقال الراغب الأصفهاني: (الغَيْرة ثوران الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) حماية على أكرم الحرم، وأكثر ما تراعى في النساء) .

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:37 AM
الترغيب في الغيرة

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه)) .
(معناه: أن الله يغار إذا انتهكت محارمه، وليس انتهاك المحارم هو غيرة الله؛ لأن انتهاك المحارم فعل العبد، ووقوع ذلك من المؤمن أعظم من وقوعه من غيره. وغيرة الله تعالى من *** صفاته التي يختص بها، فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوق، بل هي صفة تليق بعظمته، مثل الغضب، والرضا، ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن يغار، والله أشد غيرًا)) .
- وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من الغَيْرة ما يحب الله -عز وجل- ومنها ما يبغض الله -عز وجل- ومن الخيلاء ما يحب الله -عز وجل- ومنها ما يبغض الله -عز وجل- فأما الغَيْرة التي يحب الله -عز وجل- فالغَيْرة في الريبة. وأما الغَيْرة التي يبغض الله -عز وجل- فالغَيْرة في غير ريبة والاختيال الذي يحب الله -عز وجل- اختيال الرجل بنفسه عند القتال وعند الصدقة. والاختيال الذي يبغض الله -عزَّ وجلَّ- الخيلاء في الباطل)) .
قال الشوكاني: (فالغَيْرة في الريبة: نحو أن يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلًا محرمًا؛ فإن الغَيْرة في ذلك ونحوه مما يحبه الله... والغَيْرة في غير ريبة: نحو أن يغتار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها، وكذلك سائر محارمه؛ فإن هذا مما يبغضه الله تعالى؛ لأنَّ ما أحلَّه الله تعالى فالواجب علينا الرضى به؛ فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا) .

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:39 AM
أقوال السلف والعلماء في الغَيْرة
- كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: (لا تكثر الغَيْرة على أهلك فتُرمى بالسوء من أجلك) .
- وقال إسماعيل بن خارجة الفزاري وهو يوصي ابنته: (... وإياك والغيرة؛ فإنها مفتاح الطلاق) .
- وقال أبو الأسود لابنته: (إياك والغَيْرة فإنها مفتاح الطلاق، وعليك بالزينة، وأزين الزينة الكحل؛ وعليك بالطيب، وأطيب الطيب إسباغ الوضوء) .
- وقال ابن القيم: (إن أصل الدين الغَيْرة، ومن لا غيرة له لا دين له، فالغَيْرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغَيْرة تميت القلب، فتموت له الجوارح؛ فلا يبقى عندها دفع البتة، ومثل الغَيْرة في القلب مثل القوة التي تدفع المرض وتقاومه، فإذا ذهبت القوة وجد الداء المحل قابلًا، ولم يجد دافعًا، فتمكَّن، فكان الهلاك، ومثلها مثل صياصي الجاموس التي تدفع بها عن نفسه وولده، فإذا تكسرت طمع فيها عدوه) .
- وقال الراغب الأصفهاني عن الغيرة: (جعل اللَّه سبحانه هذه القوة في الإنسان سببًا لصيانة الماء وحفظًا للإنسان، ولذلك قيل: كلُّ أمة وضعت الغَيْرة في رجالها وضعت العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) في نسائها، وقد يستعمل ذلك في صيانة كل ما يلزم الإنسان صيانته) .

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:40 AM
فوائد الغَيْرة

1- الغَيْرة دليل على قوة الإيمان بالله.
2- خصلة يحبها الله سبحانه وتعالى.
3- هي السياج المعنوي لحماية الحجاب، ودفع التبرج والسفور والاختلاط .
4- الغَيْرة تحمي القلب فتحمي له الجوارح، فتدفع السوء والفواحش، وعدم الغَيْرة تميت القلب، فتموت له الجوارح؛ فلا يبقى عندها دفع البتة .
5- هي من الأسباب الدافعة لإنكار المنكر.
6- تطهر المجتمع من الرزائل.
7- الغَيْرة سبب لصون الأعراض.

محمد رافع 52
20-05-2013, 12:52 AM
جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم استاذ محمد رافع
تحياتي وتقديري
اشكركم استاذتنا الفاضلة
بارك الله فيكم

محمد رافع 52
21-05-2013, 10:56 AM
أقسام الغَيْرة

أولًا: أقسام الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) من حيث كونها غيرة للمحبوب أو عليه
قسَّم ابن القيم الغَيْرة إلى نوعين: (غيرة للمحبوب، وغيرة عليه.
1- فأما الغَيْرة له: فهي الحمية له، والغضب له، إذا استهين بحقه وانتقصت حرمته، وناله مكروه من عدوه؛ فيغضب له المحب ويحمى، وتأخذه الغَيْرة له بالمبادرة إلى التغيير، ومحاربة من آذاه، فهذه غيرة المحبين حقًّا، وهي من غيرة الرسل وأتباعهم لله ممن أشرك به، واستحلَّ محارمه، وعصى أمره، وهذه الغَيْرة هي التي تحمل على بذل نفس المحب وماله وعرضه لمحبوبه؛ حتى يزول ما يكرهه، فهو يغار لمحبوبه أن تكون فيه صفة يكرهها محبوبه ويمقته عليها، أو يفعل ما يبغضه عليه، ثم يغار له بعد ذلك أن يكون في غيره صفة يكرهها ويبغضها، والدين كله في هذه الغَيْرة، بل هي الدين، وما جاهد مؤمن نفسه وعدوه، ولا أمر بمعروف ولا نهى عن منكر إلا بهذه الغَيْرة، ومتى خلت من القلب خلا من الدين؛ فالمؤمن يغار لربه من نفسه ومن غيره إذا لم يكن له كما يحبُّ، والغَيْرة تصفي القلب، وتخرج خبثه كما يخرج الكير خبث الحديد.
2- وأما الغَيْرة على المحبوب فهي: أنفة المحب وحميته أن يشاركه في محبوبه غيره. وهذه أيضًا نوعان: غيرة المحب أن يشاركه غيره في محبوبه، وغيرة المحبوب على محبه أن يحب معه غيره) .
ثانيًا: أقسام الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) من حيث كونها محمودة أو مذمومة
قال ابن القيم: (وغيرة العبد على محبوبه نوعان:
1- غيرة ممدوحة يحبها الله.
2- وغيرة مذمومة يكرهها الله.
فالتي يحبها الله: أن يغار عند قيام الريبة.
والتي يكرهها: أن يغار من غير ريبة، بل من مجرد سوء الظن، وهذه الغَيْرة تفسد المحبة، وتوقع العداوة بين المحب ومحبوبه. وفي المسند وغيره عنه قال: ((الغَيْرة غيرتان: فغيرة يحبها الله، وأخرى يكرهها الله، قلنا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الغَيْرة التي يحب الله؟ قال: أن تؤتى معاصيه، أو تنتهك محارمه، قلنا: فما الغَيْرة التي يكره الله؟ قال: غيرة أحدكم في غير كنهه)) ) .
(وكما يجب على الرجل أن يغار على زوجته وعرضه؛ فإنه يطلب منه الاعتدال في الغَيْرة، فلا يبالغ فيها حتى يسيء الظن بزوجته، ولا يسرف في تقصي حركاتها وسكناتها؛ لئلا ينقلب البيت نارًا، وإنما يصح ذلك إن بدت أسباب حقيقية تستدعي الريبة) . قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من الغَيْرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يكره الله؛ فالغَيْرة التي يحبُّها الله الغَيْرة في الريبة، والغَيْرة التي يكرهها الله الغَيْرة في غير ريبة)) .
وقد نهى النبي صلي الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخونهم، ويطلب عثراتهم .
ويمكن إجمال أسباب الغَيْرة المذمومة في ضعف الإيمان، ووسوسة الشيطان، وما يعتري القلب من أمراض إلى غير ذلك.

ويترتب على هذه
الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) المذمومة أمور منها: الوقوع في الغيبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2515) والتلبس بالسخرية، وترك بذل الخير للآخرين، السعي في الإضرار بالغير، ومعاداة أقارب الزوج وهضم حقوقهم، والحسد، والحقد، والسحر، والتجسس، والآلام النفسية، والأمراض البدنية، والاحتيال والكيد، وال***، وقد تصل الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) المذمومة بصاحبها إلى الكفر والعياذ بالله.
وتتلخص معالجة الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) المذمومة في تقوى الله تعالى، ومطالعة الأجر العظيم للصابرين، وإحسان الظن، والقناعة، والبعد عن مجالس السوء، وذكر الموت وتقوية الإيمان باليوم الآخر، والدعاء، وفي الحديث أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لأمِّ سلمة لما ذكرت من غيرتها: ((وأدعو الله أن يذهب بالغَيْرة)) .

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:04 AM
صور الغَيْرة

1- الغَيْرة لله سبحانه وتعالى:
ومن صور هذه الغَيْرة:
-الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) لدين الله:
فالمسلم يغار أن تؤتى المعاصي، أو أن تنتهك المحارم، ومن الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) لدين الله القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده؛ فإن لم يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) .

- الفرح بزوال
الظلم (http://dorar.net/enc/akhlaq/2346) والظلمة:
إن المسلم الغيور ليفرح إذا أزيل منكر، وقمعت فاحشة، وأخمدت فتنة، كيف لا، وربنا يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُون [النور: 19].
(بل إن الفرح بما يصيب الناس من البلاء، وإن كان مذمومًا؛ فإنه حين يكون لإصابة مفسد، أو ظالم ببلاء يمنعه من فساده وظلمه، ويجعله لغيره من الظلمة عبرة، فلا يكون مذمومًا، بل غيرة في الدين، والغَيْرة من الإيمان، ففرحه حينئذ بزوال الفساد والظلم، لا بإصابة البلاء والمصيبة، كما ذكره بعض العلماء) . وكيف لا يفرح المسلم إذا رأى الظلمة والمستبدين يزولون ويتساقطون كأوراق الخريف!!.
2-

الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) للرسول صلى الله عليه وسلم:
يجب على كلِّ مسلم أن يغار لرسوله الكريم إذا أُسيء إليه، فيدافع عنه، ويذبُّ عن عرضه، وينصره بما يستطيع.
3- غيرة الرجل على أهله:
قال النووي: (والرجل غيور على أهله أي: يمنعهم من التعلق بأجنبي بنظر، أو حديث، أو غيره) .
وقال ابن القيم: (وأما الغَيْرة على المحبوب فهي: أنفة المحب وحميته أن يشاركه في محبوبه غيره) .
أقسام الناس في الغَيْرة على محارم الله:
عدَّ ابن تيمية أقسام الناس في الغَيْرة على محارم الله بعد أن بيَّن الغَيْرة التي يحبها الله، والغَيْرة التي يبغضها الله فقال: (وهنا انقسم بنو آدم أربعة أقسام:
1- قوم لا يغارون على حرمات الله بحال، ولا على حرمها مثل: الديُّوث والقوَّاد وغير ذلك، ومثل أهل الإباحة الذين لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحقِّ، ومنهم من يجعل ذلك سلوكًا وطريقًا وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [الأعراف: 28].
2- وقوم يغارون على ما حرَّمه الله، وعلى ما أمر به مما هو من نوع الحبِّ والكره، يجعلون ذلك غيرة، فيكره أحدهم من غيره أمورًا يحبها الله ورسوله، ومنهم من جعل ذلك طريقًا ودينًا، ويجعلون

الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والصدَّ عن سبيل الله، وبغض ما أحبه الله ورسوله غَيرة.
3- وقوم يغارون على ما أمر الله به دون ما حرمه، فنراهم في الفواحش لا يبغضونها ولا يكرهونها، بل يبغضون الصلوات والعبادات، كما قال تعالى فيهم: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59].
4- وقوم يغارون مما يكرهه الله، ويحبون ما يحبه الله، هؤلاء هم أهل الإيمان) .

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:08 AM
أسباب ضعف الغَيْرة
لضعف الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) أسباب عديدة، نقتصر على ذكر بعضها فيما يلي:
1- ضعف الإيمان:
يشير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) لا تكون إلا من مؤمن بقوله: ((إن الله يغار وإن المؤمن يغار)) . فحياة القلب بالإيمان تجعل الإنسان غيورًا، وبقدر إيمانه تكون غيرته، وإذا ضعف الإيمان ضعفت الغيرة.
2- كثرة الذنوب:
قال ابن القيم: (ومن عقوبات الذنوب: أنها تطفئ من القلب نار الغَيْرة، التي هي لحياته وصلاحه كالحرارة الغريزية لحياة جميع البدن؛ فالغَيْرة حرارته وناره التي تُخرج ما فيه من الخبث، والصفات المذمومة) .
3- الجهل:

فمن أسباب ضعف
الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) الجهل بأهمية الغيرة، وخطورة غيابها، فضدُّ الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) الدياثة، وضد الغيور الديوث، كذلك الجهل بعظم المسؤولية تجاه الأهل؛ فالرجل محاسب ومسؤول يوم القيامة عن رعيته ومن تحت رعايته.
4- التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) للكفار والمفسدين:
فالغيرة من الأخلاق الفاضلة التى يراد لها أن تقلع من بلاد المسلمين، بفعل دعاة تقليد الغرب الذين انعدمت لديهم الغيرة؛ لذا يريدون إماتة خلق الغَيْرة في نفوس المسلمين، وقد حذَّر الإسلام من تقليد الكفار والتشبه بهم، قال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) .
5- وسائل الإعلام الفاسدة:
إن لوسائل الإعلام دورًا كبيرًا في إفساد الناس: كالإذاعة، والتلفاز، والصحف، والشبكة العنكبوتية، وغيرها، فالكثير من هذه الوسائل مليء بالأغاني الفاحشة، والصور الخليعة، والمسلسلات الماجنة التي اعتاد الناس مشاهدتها، وغرس قيم وأخلاق لا تمت للإسلام ولا للمسلمين بصلة، فأخذ خلق الغَيْرة يضعف شيئًا فشيئًا.
6- انتشار المنكرات:
إنَّ انتشار المنكرات في المجتمعات الإسلامية بلا نكير ولا تغيير يجعلها مألوفة لدى الناس، فتضعف

الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) في القلوب، يقول ابن القيم في أثر المعاصي في الإنسان: و(كلما اشتدت ملابسته للذنوب أخرجت من قلبه الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) على نفسه وأهله وعموم الناس، وقد تضعف في القلب جدا حتى لا يستقبح بعد ذلك القبيح لا من نفسه ولا من غيره) .

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:10 AM
الوسائل المعينة على اكتساب الغَيْرة

يمكن أن تنمَّى الغَيْرة بأمور كثيرة ومنها:
1- تربية الأولاد على الغَيْرة، وغرس هذا الخلق في نفوسهم.
2- الابتعاد عن أسباب ضعف الغيرة، كالقنوات الفضائية الماجنة، والمجلات الهابطة، وغيرها من وسائل الهدم.
3- الرجوع إلى قيم الدين وغرسها في نفوس الناس.
4- التأكيد على دور الرجل.
5- توعية المجتمع توعية شاملة بجميع وسائل الإعلام، والخطب والمحاضرات.
6- تعظيم قدر الأعراض، وبيان خطورة ضياعها.

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:14 AM
نماذج من غيرة الأنبياء عليهم السلام
غيرة داود عليه السلام:
- عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ((كان داود النبي فيه غيرة شديدة، وكان إذا خرج أغلقت الأبواب؛ فلم يدخل على أهله أحد حتى يرجع. قال: فخرج ذات يوم وغلقت الدار، فأقبلت امرأته تطلع إلى الدار؛ فإذا رجل قائم وسط الدار، فقالت لمن في البيت: من أين دخل هذا الرجل الدار والدار مغلقة؟ والله لتفتضحن بداود. فجاء داود فإذا الرجل قائم وسط الدار، فقال له داود: من أنت؟ قال: أنا الذي لا أهاب الملوك، ولا يمتنع مني شيء، فقال داود: أنت والله ملك الموت فمرحبًا بأمر الله، فرمل داود مكانه ؛ حيث قبضت روحه، حتى فرغ من شأنه، وطلعت عليه الشمس، فقال سليمان للطير: أظلي على داود، فأظلت عليه الطير حتى أظلمت عليهما الأرض، فقال لها سليمان: اقبضي جناحًا جناحًا، قال أبو هريرة: يرينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف فعلت الطير، وقبض رسول الله صلى الله عليه و سلم، وغلبت عليه يومئذ المصرحية)) .
غيرة موسى عليه السلام:
- قال الله تعالى: وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى [طه: 9-10].
قال ابن عباس وغيره: (هذا حين قضى الأجل وسار بأهله، وهو مقبل من مدين يريد مصر، وكان قد أخطأ الطريق، وكان موسى عليه السلام رجلًا غيورًا: يصحب الناس بالليل ويفارقهم بالنهار غيرة منه، لئلا يروا امرأته فأخطأ الرفقة لما سبق في علم الله تعالى، وكانت ليلة مظلمة) .

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:16 AM
نماذج من غيرة النبي صلى الله عليه وسلم
- غيرته على حرمات الله: النبي صلى الله عليه وسلم أعظم الناس غيرة لله، فكان يغضب إذا انتهكت حرمات الله، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء يؤتى إليه، حتى ينتهك من حرمات الله، فينتقم لله)) والنماذج والصور على غيرته على محارم الله كثيرة جدًّا.
- غيرته على نسائه: كان أعدل البشر غيرة على نسائه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي رجل قاعد، فاشتدَّ ذلك عليه، ورأيت الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) في وجهه، قالت: فقلت: يا رسول الله، إنَّه أخي من الرضاعة، قالت: فقال: انظرن إخوتكن من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة)) .
قال الحافظ بن حجر: (والمعنى: تأملن ما وقع من ذلك، هل هو رضاع صحيح بشرطه من وقوعه في زمن الرضاعة ومقدار الارتضاع؟ فإنَّ الحكم الذي ينشأ من الرضاع؛ إنما يكون إذا وقع الرضاع المشترط. قال المهلب: معناه انظرن ما سبب هذه الأخوة؛ فإنَّ حرمة الرضاع، إنما هي في الصغر، حتى تسد الرضاعة المجاعة) .
- وعن أم سلمة رضي الله عنها ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان عندها، وفي البيت مخنث، فقال المخنث لأخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية: إن فتح الله لكم الطائف غدًا، أدلك على بنت غيلان، فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخلنَّ هذا عليكنَّ)) .

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:27 AM
نماذج من غيرة الصحابة
نماذج من غيرة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم:
لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يغارون لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ضربوا أروع الأمثلة في محبته وطاعته ونصرته، ومن أمثلة الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
- غيرة عمر بن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم:
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم قسما أتاه ذو الخويصرة - وهو رجل من بني تميم - فقال: يا رسول الله، اعدل. فقال: ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل؟! قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر: يا رسول الله، ائذن لي فيه فأضرب عنقه. فقال: دعه؛ فإنَّ له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميَّة، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رصافه فما يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى نضيه - وهو قدحه - فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شيء، قد سبق الفرث والدم، آيتهم: رجل أسود إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على حين فرقة من الناس)) .
- غيرة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: استأذن رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: بل عليكم السام واللعنة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة، إنَّ الله يحبُّ الرِّفق في الأمر كلِّه. قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: قد قلت: وعليكم)) .
- غيرة ابن عمر للنبي صلى الله عليه وسلم:
مرَّ ابن عمر براهب، فقيل: إنَّ هذا سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (لو سمعته لضربت عنقه، إنَّا لم نعطهم العهد على أن يسبُّوا نبينا صلى الله عليه وسلم) .
- غيرة حسان بن ثابت للنبي صلى الله عليه وسلم:

عن عائشة، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
((اهجوا قريشًا، فإنَّه أشدُّ عليها من رشق بالنبل. فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم. فهجاهم فلم يرضَ، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه. ثم أدلع لسانه فجعل يحركه، فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينَّهم بلساني فري الأديم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعجل، فإنَّ أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإنَّ لي فيهم نسبًا، حتى يلخص لك نسبي. فأتاه حسان، ثم رجع فقال: يا رسول الله، قد لخص لي نسبك، والذي بعثك بالحق، لأسلنَّك منهم كما تسلُّ الشعرة من العجين. قالت عائشة: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول لحسان: إنَّ روح القدس لا يزال يؤيِّدك، ما نافحت عن الله ورسوله. وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى واشتفى. قال حسان:


هجوت محمدًا فأجبت عنه***وعند الله في ذاك الجزاء



هجوت محمدًا برًّا حنيفًا***رسول الله شيمته الوفاء



فإنَّ أبي ووالده وعرضي***لعرض محمد منكم وقاء



ثكلت بُنيتي إن لم تروها***تثير النقع من كنفي كداء



يبارين الأعنة مصعدات***على أكتافها الأسل الظماء



تظل جيادنا متمطرات***تلطمهن بالخمر النساء



فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا***وكان الفتح وانكشف الغطاء



وإلا فاصبروا لضراب يوم***يعز الله فيه من يشاء



وقال الله: قد أرسلت عبدًا***يقول الحق ليس به خفاء



وقال الله: قد يسرت جندًا***هم الأنصار عرضتها اللقاء



لنا في كل يوم من معد***سباب أو قتال أو هجاء



فمن يهجو رسول الله منكم***ويمدحه وينصره سواء



وجبريل رسول الله فينا***وروح القدس ليس له كفاء))



نماذج أخرى من غيرة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم:
عن عثمان الشحام قال: ((كنت أقود رجلًا أعمى، فانتهيت إلى عكرمة فأنشأ يحدثنا قال: حدثني ابن عباس أنَّ أعمى كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت له أمُّ ولد، وكان له منها ابنان، وكانت تكثر الوقيعة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتسبه، فيزجرها فلا تزدجر، وينهاها فلا تنتهي، فلما كان ذات ليلة ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم فوقعت فيه، فلم أصبر أن قمت إلى المعول، فوضعته في بطنها، فاتكأت عليه، ف***تها فأصبحت قتيلًا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فجمع الناس، وقال: أنشد الله رجلًا لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام. فأقبل الأعمى يتدلدل، فقال: يا رسول الله، أنا صاحبها كانت أمَّ ولدي، وكانت بي لطيفة رفيقة، ولي منها ابنان مثل اللؤلؤتين، ولكنها كانت تكثر الوقيعة فيك، وتشتمك، فأنهاها فلا تنتهي، وأزجرها فلا تزدجر، فلما كانت البارحة ذكرتك فوقعت فيك، فقمت إلى المعول، فوضعته في بطنها، فاتكأت عليها حتى ***تها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا اشهدوا أنَّ دمها هدر)) .
- عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك قال: سمعت أنس بن مالك يقول: (مرَّ يهودي برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السام عليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعليك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما يقول؟ قال: السام عليك. قالوا: يا رسول الله، ألا ن***ه؟ قال: لا، إذا سلَّم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم) .
نماذج أخرى في الغيرة:
غيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص: ((أن نفرًا من بني هاشم دخلوا على أسماء بنت عميس، فدخل أبو بكر الصديق، وهي تحته يومئذ، فرآهم، فكره ذلك، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: لم أرَ إلا خيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله قد برأها من ذلك. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: لا يدخلنَّ رجل، بعد يومي هذا، على مغيبة، إلا ومعه رجل أو اثنان)) .
غيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أعظم الصحابة غيرة على النساء، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم غيرته في الرؤيا التي رأى فيها قصر عمر بن الخطاب في الجنة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: بينا أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر، فذكرت غيرته، فوليت مدبرًا . فبكى عمر، وقال: أعليك أغار يا رسول الله؟!)) .
- وعن ابن عمر قال: ((كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد، فقيل لها: لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار؟ قالت: وما يمنعه أن ينهاني؟ قال: يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) .
- وقد أشار على الرسول صلى الله عليه وسلم بأن يحجب نساءه، ثم نزل القرآن موافقًا له، فعن أنس رضي الله عنه قال: (قال عمر: وافقت ربي في ثلاث، فقلت: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى. فنزلت وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة: 125]، وآية الحجاب، قلت: يا رسول الله، لو أمرت نساءك أن يحتجبن، فإنَّه يكلمهنَّ البرُّ والفاجر. فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلى الله عليه وسلم في الغَيْرة عليه، فقلت لهنَّ: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرا منكن، فنزلت هذه الآية) .
غيرة عائشة رضي الله عنها:
- فعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدَّثت، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من عندها ليلا. قالت: فغرت عليه، فجاء فرأى ما أصنع. فقال: ((ما لك؟ يا عائشة! أغرت؟ فقلت: ومالي لا يغار مثلي على مثلك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقد جاءك شيطانك؟. قالت: يا رسول الله! أو معي شيطان؟. قال: نعم. قلت: ومع كل إنسان؟ قال: نعم. قلت: ومعك؟ يا رسول الله! قال: نعم، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم)) .
- وعنها أيضًا رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة فخرجنا معه جميعا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الليل سار مع عائشة يتحدث معها، فقالت حفصة لعائشة: ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك فتنظرين، وأنظر. قلت: بلى. فركبت حفصة على بعير عائشة وركبت عائشة على بعير حفصة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلَّم، ثم سار معها حتى نزلوا، فافتقدته عائشة فغارت، فلما نزلت جعلت تجعل رجليها بين الإذخر، وتقول: يا رب سلِّط عليَّ عقربًا أو حية تلدغني، رسولك ولا أستطيع أقول له شيئًا) .
- وعنها رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العسل والحلواء، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، فيدنو من إحداهنَّ، فدخل على حفصة بنت عمر، فاحتبس أكثر ما كان يحتبس، فغرت، فسألت عن ذلك، فقيل لي: أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل، فسقت النبي صلى الله عليه وسلم منه شربة، فقلت: أما والله لنحتالنَّ له، فقلت لسودة بنت زمعة: إنَّه سيدنو منك، فإذا دنا منك فقولي: أكلت مغافير، فإنَّه سيقول لك: لا، فقولي له: ما هذه الريح التي أجد منك، فإنَّه سيقول لك: سقتني حفصة شربة عسل، فقولي له: جرست نحله العرفط، وسأقول ذلك، وقولي أنت يا صفية ذاك، قالت: تقول سودة: فوالله ما هو إلا أن قام على الباب، فأردت أن أباديه بما أمرتني به فرقًا منك، فلما دنا منها قالت له سودة: يا رسول الله، أكلت مغافير؟ قال: لا. قالت: فما هذه الريح التي أجد منك؟ قال: سقتني حفصة شربة عسل. فقالت: جرست نحله العرفط، فلما دار إلي قلت له نحو ذلك، فلما دار إلى صفية قالت له مثل ذلك، فلما دار إلى حفصة قالت: يا رسول الله، ألا أسقيك منه؟ قال: لا حاجة لي فيه. قالت: تقول سودة: والله لقد حرمناه، قلت لها: اسكتي)) .
غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه:
- وقال سعد بن عبادة رضي الله عنه: (لو رأيت رجلًا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصْفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعجبون من غيرة سعد؟! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) .
غيرة الزبير رضي الله عنه:
- وعن أسماء رضي الله عنها: تزوَّجني الزبير، وما له في الأرض من مال ولا مملوك، ولا شيء غير ناضح، وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأسقي الماء، وأخرز غربه، وأعجن ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه النبي على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني، ثم قال: (إخ، إخ. ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته- وكان أغير الناس- فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى، ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب، فاستحييت منه، وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد عليَّ من ركوبك معه. قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم تكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني .

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:32 AM
الغَيْرة في واحة الشعر
قال الخريمي:


ما أحسنَ الغَيْرةَ في حينِها***وأقبحَ الغَيْرةَ في كلِّ حينِ



من لم يزلْ متهمًا عرسَه***مناصبًا فيها لريبِ الظُّنونِ



أوشك أن يُغريَها بالذي***يخاف أن يبرزها للعيونِ



حسبك من تحصينها وضعُها***منك إلى عِرض صحيح ودينِ



لا تطَّلع منك على ريبة***فيتبعَ المقرونُ حبلَ القرينِ



وقال آخر في غيرته على زوجته:


أغارُ عليك مِن نفسي ومني***ومنك ومِن مكانِك والزمانِ



ولو أني خبَأتُك في عيونى***إلى يومِ القيامةِ ما كفاني



وقال ابن مطروح:


ولو أمسى على تلفي مصرًّا***لقلتُ معذبي بالله زدني

https://encrypted-tbn3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:43 AM
الفِرَاسَة
معنى الفِرَاسَة لغةً واصطلاحًا
معنى الفِرَاسَة لغةً:
الفِراسة مصدرٌ، من قولك: تَفَرَّس، يتَفَرَّس فِرَاسَة، وهي بمعنى: التَّثبُّت والنَّظر، ومنه: تَفَرَّسْت فيه خَيْـرًا. أي: تَعَرَّفْته بالظَّنِّ الصَّائب. وهو يَتَفَرَّسُ، أي: يَتَثَبَّت ويَنْظر. تقول منه: رجل فارِس النَّظَر، وفارِسٌ بذلك الأمر، إذا كان عالـمًا به .
معنى الفِرَاسَة اصطلاحًا:
قيل: هو عِلْمٌ تُـتَعرَّف منه أخلاق الإنسان: من هيئته ومزاجه وتوابعه، وحاصله الاستدلال بالخَلْق الظَّاهر على الخُلق الباطن .
وقيل: الفِرَاسَة هي الاستدلال بالأمور الظَّاهرة على الأمور الخفيَّة .

محمد رافع 52
21-05-2013, 11:47 AM
الفرق بين الفِرَاسَة وغيرها من الصِّفات
- الفرق بين الفِرَاسَة وسوء الظَّنِّ:
قال أبو طالب المكي: (الفرق بين الفِرَاسَة وسوء الظَّنِّ: أنَّ الفِرَاسَة ما توسَّمته من أخيك بدليل يظهر لك، أو شاهد يبدو منه، أو علامة تشهدها فيه، فتتفَرَّس من ذلك فيه، ولا تنطق به إن كان سوءًا، ولا تُظْهره، ولا تحكم عليه، ولا تقطع به فتأثم.
وسوء الظَّنِّ: ما ظننته من سوء رأيك فيه، أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نيَّة تكون، أو خُبْث حال فيك، تعرفها من نفسك، فتحمل حال أخيك عليها، وتقيسه بك، فهذا هو سوء الظَّنِّ والإثم، وهو غيبة القلب) .
- الفرق بين الفِرَاسَة والإلهام:
قال الملا علي القاري: (الفرق بين الإلهام والفِرَاسَة: أنَّها كشف الأمور الغيبيَّة بواسطة تفَرُّس آثار الصُّور. والإلهام كشفها بلا واسطة) .
- الفرق بين الفِرَاسَة والكَهَانَة:
الفِرَاسَة: غالبًا لا يَدَّعي صاحبها الغيب، بخلاف الكاهن؛ فإنَّه يدَّعي الغيب، ويفتخر بادِّعائه، بل وربَّما كَثُر مريدوه بسبب هذا الادِّعاء، وهذا بخلاف المتفَرِّس، لا يدَّعي الغيب، فضلًا أن يفتخر به.
الكَهَانَة: لها مقدِّمات غالبًا غير مشروعة، وأما الفِرَاسَة فإنَّها تعتمد على مقدِّمات مشروعة .

محمد رافع 52
25-05-2013, 12:05 AM
الفراسة في القرآن الكريم

- قال الله تبارك وتعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ [الحجر: 75].
قال النَّسفي: (للمتفَرِّسين المتأمِّلين، كأنَّهم يعرفون باطن الشَّيء بِسمَةٍ ظاهرة) .
وقال ابن زيد في نفس الآية: (المتفكِّرون والمعتبرون، الذين يتوسَّمون الأشياء، ويتفكَّرون فيها ويعتبرون) .
وقال أبو المظفَّر السَّمعاني: (أي: للنَّاظرين المعتبرين. وقيل: للمتفَرِّسين، وهم الذين يعلمون النَّاس بسِيمَاهم على ما يُرِيهم الله منها) .

محمد رافع 52
25-05-2013, 12:06 AM
أقوال السَّلف والعلماء في الفِرَاسَة

- قال أبو الدَّرداء: (اتَّقوا فِرَاسَة العلماء؛ فإنَّهم ينظرون بنور الله، إنَّه شيء يقذفه الله في قلوبهم، وعلى ألسنتهم) .
- قال الشَّافعي: (خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِراسة، حتى كتبتها وجمعتها) .
- وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي: (إذا جالستم أهل الصِّدق، فجالسوهم بالصِّدق؛ فإنَّهم جواسيس القلوب، يدخلون في قلوبكم ويخرجون منها من حيث لا تُحسُّون) .
- وقال الهروي عن الفراسة: (هو استئناس حكم غيبٍ من غير اسْتِدْلَال بشَاهِد، ولا اختبار بتجربة) .
- وقال أبو حفص النَّيسابوري: (ليس لأحد أن يدَّعي الفِرَاسَة. ولكن يتَّقي الفِرَاسَة من الغير؛ لأنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتَّقوا فِرَاسَة المؤمن فإنَّه ينظر بنور الله)). ولم يقل: تفَرَّسوا. وكيف يصحُّ دعوى الفِرَاسَة لمن هو في محلِّ اتقاء الفِراسة؟!).
- وقال ابن القيِّم: (الفِراسة الإيمانيَّة... سببها نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، والصَّادق والكاذب، وهذه الفِرَاسَة على حسب قوَّة الإيمان، وكان أبو بكر الصِّدِّيق أعظم الأمَّة فِرَاسَة) .

محمد رافع 52
25-05-2013, 12:08 AM
أقسام الفِرَاسَة
قسمها ابن القيِّم إلى ثلاثة أقسام:
إيمانيَّة: وسببها: نورٌ يقذفه الله في قلب عبده، يفرِّق به بين الحقِّ والباطل، والحالي والعاطل، والصَّادق والكاذب.
وحقيقتها: أنَّها خاطر يهجم على القلب، ينفي ما يضادُّه. يَثِب على القلب كوُثُوب الأسد على الفريسة...
وهذه الفِرَاسَة على حسب قوَّة الإيمان. فمن كان أقوى إيمانًا، فهو أحدُّ فِرَاسَةً... وأصل هذا النَّوع من الفِرَاسَة: من الحياة والنُّور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده، فيحيا القلب بذلك ويستنير، فلا تكاد فراسته تخطئ. قال الله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام: 122] كان ميِّتًا بالكفر والجهل، فأحياه الله بالإيمان والعلم. وجعل له -بالقرآن والإيمان- نورًا يستضيء به في النَّاس على قَصْد السَّبيل. ويمشي به في الظُّلَم.
- فِرَاسَة الرِّياضة والجوع، والسَّهر والتَّخلِّي؛ فإنَّ النَّفس إذا تجرَّدت عن العوائق، صار لها من الفِرَاسَة والكشف بحسب تجرُّدها. وهذه فِرَاسَة مشتركة بين المؤمن والكافر. ولا تدلُّ على إيمان ولا على ولاية. وكثير من الجهَّال يغترُّ بها. وللرُّهبان فيها وقائع معلومة. وهي فِرَاسَة لا تكشف عن حقٍّ نافع. ولا عن طريق مستقيم. بل كشفها جزئي من *** فِرَاسَة الولاة، وأصحاب عبارة الرؤيا والأطباء ونحوهم.
وللأطباء فِرَاسَة معروفة من حِذْقهم في صناعتهم. ومن أحبَّ الوقوف عليها فليطالع تاريخهم وأخبارهم. وقريب من نصف الطِّبِّ فِرَاسَةٌ صادقةٌ، يقترن بها تجربة. والله سبحانه أعلم.
- الفِرَاسَة الخَلْقية: وهي التي صنَّف فيها الأطبَّاء وغيرهم. واستدلُّوا بالخَلْق على الخُلُق؛ لما بينهما من الارتباط الذي اقتضته حكمة الله. كالاستدلال بصِغر الرَّأس -الخارج عن العادة- على صِغَر العقل. وبكبره، وبسعة الصَّدر، وبُعْد ما بين جانبيه: على سعة خُلُق صاحبه، واحتماله وبسْطته. وبضيقه على ضيقه. وبخمود العين وكَلَال نظرها على بَلَادة صاحبها، وضعف حرارة قلبه. وبشدَّة بياضها مع إِشْرَابه بحُمْرة -وهو الشَّكل- على شجاعته وإقدامه وفِطْنته. وبتدويرها مع حُمْرتها وكثرة تقلُّبها، على خيانته ومكره وخداعه.
ومعظم تعلُّق الفِرَاسَة بالعين. فإنَّها مرآة القلب، وعنوان ما فيه. ثمَّ باللِّسان. فإنَّه رسوله وترجمانه... وأصل هذه الفِرَاسَة: أنَّ اعتدال الخِلْقة والصُّورة، هو من اعتدال الِمَزاج والرُّوح. وعن اعتدالها يكون اعتدال الأَخْلَاق والأفعال، وبحسب انحراف الخِلْقة والصُّورة عن الاعتدال، يقع الانحراف في الأخلاق والأعمال) .

محمد رافع 52
25-05-2013, 12:10 AM
صُوَر الفِرَاسَة
1- فِرَاسَة تحسين الألفاظ: وهو جزء من الفِرَاسَة اعتنى به العلماء وغيرهم، ومن أمثلته: أنَّ الرَّشيد رأى في داره حزمة خَيْزُران، فقال لوزيره الفضل بن الرَّبيع: ما هذه؟ قال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يقل الخَيْزُران لموافقته لاسم أمِّه.
ونظير هذا أنَّ بعض الخلفاء سأل ولده -وفي يده مِسْوَاك- ما جَمْع هذا؟ قال: ضدُّ محاسنك، يا أمير المؤمنين. خشية أن يقول مساويك.
وخرج عمر رضي الله عنه يَعُسُّ المدينة باللَّيل، فرأى نارًا موقدةً في خِبَاء، فوقف، وقال: يا أهل الضَّوء. وكَرِه أن يقول يا أهل النَّار .
قيل للعبَّاس بن عبد المطَّلب: أيُّما أكبر، أنت أم النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو أكبر منِّي، وأنا وُلدت قبله .
2- التَّأمُّل والنَّظر في عواقب الأمور ومآلاتها، سواءً في الفعل أو التَّرك، وهو أعظم مقصود في هذا الباب.
3- ومنها توسُّم المعلِّم في طلَّابه لمعرفة قدراتهم الذِّهنيَّة والعلميَّة، ليعطي كلَّ شخص من الاهتمام بحسبه، قال الماوردي: (ينبغي أن يكون للعالم فِرَاسَة يتوسَّم بها المتعلِّم، ليعرف مَبْلغ طاقته، وقَدْر استحقاقه، ليعطيه ما يتحمَّله بذكائه، أو يَضْعُف عنه ببلادته، فإنَّه أروح للعالم، وأنجح للمتعلِّم) .
4- من الفِرَاسَة: معرفة حِيَل المجرمين، وطرائقهم، ودسائسهم في تدمير عقائد النَّاس وأخلاقهم.
5- ومن صُوَرها: فِرَاسَة القاضي في الخُصُوم، قال ابن فَرْحُون: (يُسْتَحبُّ للقاضي أن يستعمل الفِرَاسَة، ويراقب أحوال الخِصْمَين عند الإدلاء بالحجج ودعوى الحقوق، فإنْ توسَّم في أحد الخِصْمَين أنَّه أبْطَن شُبْهة، فليتلطَّف في الكشف والفحص عن حقيقة ما توهَّم فيه) .

محمد رافع 52
25-05-2013, 01:33 AM
نماذج من الصَّحابة
فِرَاسَة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
رُوِي عن عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: أنَّه دخل عليه قوم من مَذْحِج فيهم الأشتر، فصعَّد عمر فيه النَّظر وصوَّبه، وقال: أيُّهم هذا؟ فقالوا: مالك ابن الحارث، فقال: ما له -قاتله الله- إنِّي لأرى للمسلمين منه يومًا عصيبًا. فكان منه في الفتنة ما كان .
فِرَاسَة عثمان بن عفَّان رضي الله عنه:
وهذا عثمان بن عفَّان، دخل عليه رجل من الصَّحابة، وقد رأى امرأة في الطَّريق، فتأمَّل محاسنها، فقال له عثمان: يدخل عليَّ أحدكم، وأثر الزِّنا ظاهر على عينيه. فقلت: أوحيٌّ بعد رسول الله؟! فقال: لا، ولكن تَبْصِرة وبرهان، وفِرَاسَة صادقة .
فِرَاسَة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
أكْثَرَ رجلٌ الثَّناء على عليٍّ رضي الله عنه بلسان لا يوافقه القلب، فقال له: (أنا دون ما تقول، وفوق ما في نفسك) .
فِرَاسَة السَّائب بن الأقرع:
أنَّ أبا موسى الأشعري وجَّه السَّائب بن الأقرع في خلافة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه إلى مهرجا، بعد أن فتحها ودخل دار الهرمزان، بعد أن جمع السَّبي والغنائم، ورأى في بعض مجالس الدَّار تصاوير فيها مثال ظبي، وهو مُشِير بإحدى يديه إلى الأرض، فقال السَّائب: لأمرٍ ما صُوِّر هذا الظَّبي هكذا، إنَّ له لشأنًا، فأمر بحفر الموضع الذي الإشارة إليه، فأفضى إلى موضع فيه حوض من رخام، فيه سفط جوهر، فأخذه السَّائب، وخرج به إلى عمر رضي الله عنه .

محمد رافع 52
25-05-2013, 01:36 AM
نماذج من السَّلف والعلماء المتقدِّمين
فِرَاسَة الشَّافعي:
- قال محمَّد بن إدريس الشَّافعي: (خرجت إلى اليمن في طلب كتب الفِرَاسَة، حتى كتبتها وجمعتها، ثمَّ لما حان انصرافي، مررت على رجل في طريقي وهو مُحْتَبٍ بفناء داره، أزرق العينين، ناتئ الجبهة ، سِنَاط، فقلت له: هل من منزل؟ فقال: نعم. قال الشَّافعي: وهذا النَّعت أخبث ما يكون في الفِرَاسَة. فأنزلني، فرأيت أَكْرَم رجل، بَعَث إليَّ بعشاء وطِيب، وعلفٍ لدابَّتي، وفِرَاش ولِحَاف، فجعلت أتقلَّب اللَّيل، أجمع ما أصنع بهذه الكتب؟ إذ رأيت هذا النَّعت في هذا الرَّجل، فرأيت أكرم رجل، فقلت: أرمي بهذه الكتب. فلمَّا أصبحت، قلت للغلام: أَسْرِج ، فأَسْرَج، فركبت ومررت عليه، وقلت له: إذا قدمت مكة، ومررت بذي طوى، فسل عن منزل محمَّد بن إدريس الشَّافعي. فقال لي الرَّجل: أمولى لأبيك أنا؟! قلت: لا. قال: فهل كانت لك عندي نعمة؟! فقلت: لا. فقال: أين ما تكلَّفت لك البارحة؟ قلت: وما هو؟ قال: اشتريت لك طعامًا بدرهمين، وإدامًا بكذا، وعِطْرًا بثلاثة دراهم، وعَلَفًا لدابَّتك بدرهمين، وكِرَاء الفِراش، واللِّحاف درهمان. قال: قلت: يا غلام أعطه، فهل بقي من شيء؟ قال: كِرَاء المنزل؛ فإنِّي وسَّعت عليك، وضيَّقت على نفسي. قال الشَّافعي: فغَبِطت نفسي بتلك الكتب، فقلت له بعد ذلك: هل بقي من شيء؟ قال: امض، أخزاك الله، فما رأيت قطُّ شرًّا منك) .
- و(كان الشَّافعي ومحمد بن الحسن -رحمهما الله تعالى- في المسجد الحرام، فدخل رجل، فقال محمَّد بن الحسن: أتفَرَّس أنَّه نجَّار، وقال الشَّافعي: أتفَرَّس أنه حدَّاد. فسألاه، فقال: كنت قبل هذا حدَّادًا، والساعة أُنَجِّر) .
فِرَاسَة إبراهيم الخواص:
- قال إبراهِيم الخَوَّاص: (كنت في الجَامِع، فأقبل شابٌّ طيِّب الرَّائحة، حَسن الوَجْه، حَسن الحُرْمَة، فقلت لأصحابنا: يقع لي أنَّه يَهُوديٌّ. فكلُّهم كِرَه ذلك، فخرجت، وخرج الشَّاب، ثمَّ رجع إليهم، فقال: إيش قال الشَّيخ؟ فاحتشموه، فألحَّ عليهم، فقالوا: قال: إنَّك يَهُودِيٌّ. فجاء فأكبَّ على يدي، فأَسْلَم، فقلت: ما السَّبَب؟ فقال: نَجِد في كتَابنَا أنَّ الصِّدِّيق لا تخطئ فِرَاسَته. فقلت: أمتحن المسلمين، فتأمَّلتهم، فقلت: إنْ كان فيهم صدِّيق، ففي هذه الطَّائفة، فلَبِست عليكم، فلمَّا اطَّلع هذا الشَّيخ عليَّ، وتفَرَّسني، علمت أنَّه صدِّيق .

محمد رافع 52
25-05-2013, 01:37 AM
الفِرَاسَة في الأمثال والحِكَم

- من لم ينْتَفع بظنِّه،لم ينْتَفع بيقينه. يُضْرب في حَمْد الفِرَاسَة .
- وقال محمَّد بن حرب: (صواب الظَّنِّ، الباب الأكبر من الفِرَاسَة) .
- وقالوا: ولا بدَّ في باب البصر بجواهر الرِّجال من صِدْق الحسِّ، ومن صحَّة الفِرَاسَة، ومن الاستدلال في البعض على الكلِّ، كما استدلَّت بنت شُعيب- صلوات الله عليه- حين قضت لموسى -عليه السَّلام- بالأمانة والقوَّة، وهما الركنان اللَّذان تُبنى عليهما الوكالة .
- و(كان ابن الزُّبير يقول: لا عاش بخير من لم ير برأيه ما لم ير بعينه.
- ويقال: من لم تعرفك غائبًا أذناه، لم تعرفك شاهدًا عيناه.
- وقيل: كما أنَّ الأبصار تنطبع فيها المشاهدات إذا سَلِمَت من صدأ الآفات، فكذلك العقول مَرَايَا تنطبع فيها الغائبات، إذا سَلِمت من صدأ الشَّهوات) .
- (وأشار ابن عبَّاس على عليٍّ -رضي الله عنهم- بشيء، فلم يعمل به، ثمَّ ندم، فقال: ويح ابن عبَّاس، كأنَّما ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق.
- يقال: ألْمَعِيَّته ألْمَعِيَّة ابن عبَّاس، وفراسته فِرَاسَة إياس) .
- ويقال: فلان جاسوس القلوب. إذا كان حاذق الفِرَاسَة، وإنَّ له نظرة تهتك حجب الضَّمير، وتصيب مقاتل الغيب، وتنكشف لها مغيَّبات الصُّدور، ويقال: هذه فِرَاسَة ذات بصيرة. أي: صادقة .

محمد رافع 52
25-05-2013, 01:42 AM
الفِرَاسَة في واحة الشِّعر
قال الشَّاعر:


ألا إنَّ عين المرء عنوان قلبه ***تخبِّر عن أسراره، شاء أم أبى



وقال ابن الرُّومي:


وخبيءُ الفؤادِ يعلمُه العا***قلُ قبلَ السَّماع بالإيماءِ



وظنونُ الذكيِّ أنفذُ في الحقِّ***سهامًا من رُؤيَةِ الأغبياءِ



وقال آخر:


لا تألِ المرءَ عن خلائقِه***في وجهِه شاهدٌ مِن الخبرِ



وقال البحتري:


وإذا صحَّت الرويَّة يومًا***فسواء ظنُّ امرئٍ وعيانُه



ومن الفِرَاسَة قول عمرو بن مرَّة العبدي:


إذا ما الظَّنُّ أكذبَ في أُناسٍ***رميتُ بصدقِه سترَ الغيوبِ



وقال الشَّاعر:


وشاعت الحِكْمةُ عن لقمان***وهكذا الخطبةُ عن سَحْبَان



واشتهرت فِرَاسَةُ الأفراس***عن عامرٍ والحِذْقُ عن إياس



وقال آخر:


وإذا اعتراك الوهمُ في حالِ امرئٍ***فأردتَ تعرفُ خيرَه من شرِّه



فاسألْ ضميرَك عن ضميرِ فؤادِه***يُنْبِيك سرُّك بالذي في سرِّه

محمد رافع 52
25-05-2013, 01:45 AM
http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg
الفَصَاحة

معنى الفَصَاحة لغةً واصطلاحًا
معنى الفَصَاحة لغةً:
الفَصَاحة هي الإِبَانَة والظُّهور، يقال: أفْصَحَ الصُّبح، إذا بدا ضوؤه. وكلُّ وَاضِحٍ: مُفْصِحٌ. ورجلٌ فَصِيح وكلامٌ فَصِيح، أي: بَلِيغ. ولِسَانٌ فَصِيح، أي: طَلْقٌ. ويقال: كلُّ ناطقٍ فَصِيح، وما لا ينطِقُ فهو أَعْجَمُ. وفَصُحَ الْأَعْجَم، تكلَّم بالعَرَبِيَّة وفُهِم عنه. وأفْصَحَ، تكلَّم بالفَصَاحة. وفَصُحَ الرَّجل وتَفَصَّحَ: إِذا كَانَ عَرَبِيَّ اللِّسان فازداد فَصَاحة . وأصل هذه المادة يدلُّ على خُلوصٍ في شيءٍ، ونقاء من الشَّوب .
معنى الفَصَاحة اصطلاحًا:
قال الجرجاني: (وهي -أي الفَصَاحة- في المفرد: خُلُوصه من تَنَافر الحروف والغَرَابة ومُخَالفة القِياس، وفي الكلام: خُلُوصه من ضعف التَّأليف، وتَنَافُر الكلمات مع فَصَاحَتها،... وفي المتكلِّم: مَلَكَةٌ يقتدر بها على التَّعبير عن المقصود بلفظ فَصِيح) .
وقال الرَّازي: (الفَصَاحة خُلُوص الكلام من التَّعقيد) .
وقيل: (الفَصَاحة عبارة عن الألفاظ البيِّنة الظَّاهرة، المتبادرة إلى الفهم، والمأْنُوسة الاستعمال بين الكُتَّاب والشُّعراء لمكان حُسْنِها... وفَصَاحة الكلام: سلامته بعد فَصَاحة مفُرداته ممَّا يُبهم معناه، ويَحُول دون المراد منه) .
اختلاف النَّاس في معنى الفَصَاحة:
(وقد اختلف النَّاس في الفَصَاحة: فمنهم من قال: أنَّها راجعة إلى الألفاظ دون المعاني، ومنهم من قال: إنَّها لا تَخُصُّ الألفاظ وحدها... والذي أراه في ذلك أنَّ الفَصِيح هو اللَّفظ الحَسَن، المألوف في الاستعمال، بشرط أن يكون معناه المفهوم منه صحيحًا حسنًا) .

محمد رافع 52
25-05-2013, 01:47 AM
الفرق بين الفَصَاحة والبلاغة والبَيَان والبَرَاعة

قال الهاشمي: (يرى الإمام عبد القاهر الجرجاني، وجمع من المتقدِّمين، أنَّ الفَصَاحة والبَلَاغة والـبَيَان والبَرَاعة ألفاظ مترادفة، لا تتَّصف بها المفردات، وإنَّما يُوصَف بها الكلام بعد تحرِّي معاني النَّحو فيما بين الكَلِم حَسَب الأغراض التي يُصَاغ لها.
وقال أبو هلال العسكري في كتاب (الصناعتين): (الفَصَاحة والبَلَاغة ترجعان إلى معنى واحد، وإنْ اختلف أصلهما؛ لأنَّ كلَّ واحد منهما إنَّما هو الإبانة عن المعنى، والإظهار له. وقال الرَّازي في (نهاية الإيجاز): وأكثر البلغاء لا يكادون يفرِّقون بين الفَصَاحة والبَلَاغة. وقال الجوهري في كتابه (الصحاح): الفَصَاحة هي البَلَاغة) .
وأمَّا من يذهب إلى التفريق بين الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) والبلاغة فيرى (أنَّ الفَصَاحة مقصورة على وصف الألفاظ، والبَلَاغة لا تكون إلَّا وصفًا للألفاظ مع المعاني. لا يقال في كلمة واحدة -لا تدل على معنى يَفْضُل عن مثلها- بَلِيغة، وإن قيل فيها أنَّها فَصِيحة. وكلُّ كلام بَلِيغ فَصِيح، وليس كلُّ فَصِيح بَلِيغًا، كالذي يقع فيه الإسْهَاب في غير موضعه) .
كذلك من وجوه التفريق بينهما عند أصحاب هذا القول أنَّ (البَلَاغة هي: أن يبلغ المتكلِّم بعبارته كُنْه مراده، مع إيجاز بلا إخلال، وإطالة من غير إملال. والفَصَاحة خُلُوص الكلام من التَّعقيد. وقيل: البَلَاغة في المعاني، والفَصَاحة في الألفاظ، فيقال: لفظ فَصِيح ومعنى بَلِيغ. والفَصَاحة خاصَّة تقع في المفرد، يقال: كلمة فَصِيحة، ولا يقال: كلمة بَلِيغة، وأنت تريد المفرد، فإنَّه يقال للقصيدة كلمة، كما قالوا: كلمة لبيد. ففَصَاحة المفرد خُلُوصه من تَنَافر الحروف، والفَصَاحة أعمُّ من البَلَاغة؛ لأنَّ الفَصَاحة تكون صِفةٌ للكلمة والكلام، يقال: كلمة فَصِيحة، وكلام فَصِيح. والبَلَاغة لا يُوصف بها إلَّا الكلام، فيقال: كلام بَلِيغ، ولا يقال: كلمة بَلِيغة. واشتركا في وصف المتكلِّم بهما، فيقال: متكلِّم فَصِيح بَلِيغ) .

محمد رافع 52
25-05-2013, 06:49 PM
أولًا: في القرآن الكريم
- قال الله تبارك وتعالى: الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرَّحمن: 1-4].
قال الزَّمخشري: (ثمَّ ذكر ما تميَّز به من سائر الحيوان من الـبَيَان، وهو المنطق الفَصِيح المعِرب عمَّا في الضمير) .
وقال ابن عطية: (البَيان النُّطق والفهم والإبانة عن ذلك بقول. قاله ابن زيد والجمهور، وذلك هو الذي فضَّل الإنسان من سائر الحيوان) .
وقال السمرقندي: (عَلَّمَهُ الـبَيَان يعني: الكلام. ويقال: يعني: الفَصَاحة. ويقال: الفهم) .
- وقال الله تعالى على لسان نبيه موسى عليه السَّلام: وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ [القصص: 34-35].
قوله: هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا أي: (أحسن بيانًا عما يريد أن يبينه فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يقول: عونا يُصَدِّقُنِي: أي يبين لهم عني ما أخاطبهم به) .
- وقال أيضًا على لسانه: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي [طه: 27-28].
قال الشَّافعي: (الفَصَاحة إذا استعملتها في الطَّاعة أشفى وأكفى في البَيَان، وأبلغ في الإعذار، لذلك دعا موسى ربَّه، فقالوَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي لما عَلِم أنَّ الفَصَاحة أبلغُ في البَيَان) .
وقال ابن المظفَّر الرَّازي: (طلب زيادة الفَصَاحة في تبليغ الرسالة) .
وقال السعدي: ( أنَّ الفَصَاحة والبَيَان مما يعين على التَّعليم، وعلى إقامة الدَّعوة، لهذا طَلَب موسى من ربِّه أن يحلَّ عقدة من لسانه؛ ليفقهوا قوله، وأنَّ اللُّثْغة لا عيب فيها إذا حصل الفهم للكلام...) .

محمد رافع 52
26-05-2013, 09:49 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبَويَّة
- عن عبد الله بن عمر، قال: قدم رجلان من المشْرق فخطبا فعجب النَّاس لبَيَانِهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ من الـبَيَان لسِحْرًا، أو: إنَّ بعْضَ الـبَيَان لسِحْرٌ) .
والمراد بالبيان (اجتماع الفَصَاحة والبَلَاغة وذكاء القلب مع اللِّسان، وإنَّما شُبِّه بالسِّحر لحِدَّة عمله في سامعه، وسرعة قبول القلب له، يُضْرب في استحسان المنطق، وإيراد الحجَّة البالغة) .
ونقل أبو هلال العسكري عن عسل بن ذكوان، أنَّه قال: (قال أبو عبد الرَّحمن: أَذَمَّ الـبَيَان أمْ مَدَحه؟ فما أبان أحد بشيء، فقال: ذمَّه؛ لأن السِّحر تمويه، فقال: إنَّ من الـبَيَان ما يُمَوِّه الباطل، حتى يُشَبِّهه بالحقِّ، وقال غيره: بل مَدَحه؛ لأنَّ الـبَيَان من الفهم والذَّكاء.
قال أبو هلال: الصَّحيح أنَّه مَدَحه، وتسميته إياه سِحْرًا، إنَّما هو على جهة التَّعجب منه، لأنَّه لما ذمَّ عمرو الزبرقان، ومدحه في حالة واحدة، وصدق في مدحه وذمِّه فيما ذَكَر، عجب النَّبي صلى الله عليه وسلم كما يعجب من السِّحر، فسمَّاه سحرًا من هذا الوجه) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطيت جوامع الكلم)) .

محمد رافع 52
26-05-2013, 09:52 AM
فوائد الفَصَاحة المحمودة
1- الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) من وسائل تبليغ الدين:
الفصاحة وسيلة مهمة من وسائل تبليغ دين الله تبارك وتعالى، لذا طلب موسى عليه السَّلام من ربِّه أن يمدَّه بأخيه هارون عليه السَّلام وعلَّل ذلك بكونه أفصح منه لسانًا. فصاحب اللِّسان الفَصِيح يقدر على إبلاغ حجَّته للنَّاس، وإيصال الحقِّ لهم.
2- القدرة على الدِّفاع عن الحقوق:
الفَصِيح أقدر وأجدر في الدِّفاع عن حقِّه، وانتزاعه من المعتدين، وذلك إذا كان الميدان ميدان حِجَاج وكلام. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ذمَّ من كانت بلاغته وبيانه سببًا في أن يقضى له بما ليس له بحق، فلا شك أنَّ هذه الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) والبلاغة إذا أدت إلى الوصول للحق تكون حينئذ محمودة، وإلا كانت مذمومة.
قال المناوي في شرح حديث: ((ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض)) ، قال: (أَلْحَن- بفتح الحاء-: الفَطانَة، أي: أبْلغ وأفْصح، وأعلم في تقرير مقصوده، وأفْطن ببيان دليله، وأقدر على البَرْهنة على دفع دعوى خصمه، بحيث يُظنُّ أنَّ الحقَّ معه) .

3-
الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) من وسائل التأثير في المستمع:
ومن فوائد الفَصَاحة أنَّها تدعو السَّامع للعمل بالكلام الذي يسمعه، قال ابن عثيمين: (أنَّه ينبغي صياغة الكلام بما يحمل على العمل به، لأنَّ من الفَصَاحة، صياغة الكلام بما يحمل على العمل به) .
ذو الفَصَاحة يستطيع تمثيل المسلمين في المحافل والاجتماعات دون خوف أو خجل، ويستطيع أن يتكلَّم بما يُمْلِيه عليه دينه. ويكون صاحب كلمة مسموعة، تهفو إليه الأرواح، وتَشْرَئِبُّ إليه الأعناق ، وتتطلع إليه قلوب المؤمنين إذا تكلَّم أو خطب، فيكون حاله كما قال سحبان:


لقد علم الحي اليمانون أنَّني***إذا قلت أمَّا بعد أنِّي خطيبها



4- الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) وسيلة لمعرفة إعجاز القرآن:
يقول أبو هلال العسكري: (أنَّ أحقَّ العلوم بالتعلُّم، وأولاها بالتحفُّظ- بعد المعرفة بالله جلَّ ثناؤه- علم البَلَاغة، ومعرفة الفَصَاحة، الذي به يُعرف إعجاز كتاب الله تعالى، النَّاطق بالحقِّ، الهادي إلى سبيل الرَّشد، المدلول به على صدق الرسالة وصحَّة النُّبوَّة، التي رفعت أعلام الحقِّ، وأقامت منار الدِّين، وأزالت شبه الكفر ببراهينها، وهتكت حُجُب الشكِّ بيقينها. وقد علمنا أنَّ الإنسان إذا أغفل علم البَلَاغة، وأخلَّ بمعرفة الفَصَاحة، لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصَّه الله به من حُسْن التأليف، وبراعة التَّركيب، وما شَحَنه به من الإيجاز البديع، والاختصار اللَّطيف؛ وضمَّنَه من الحلاوة، وجلَّله من رَوْنَق الطَّلاوة، مع سهولة كَلِمِه وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها، وتحيَّرت عقولهم فيها... .

محمد رافع 52
26-05-2013, 09:52 AM
فوائد الفَصَاحة المحمودة
1- الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) من وسائل تبليغ الدين:
الفصاحة وسيلة مهمة من وسائل تبليغ دين الله تبارك وتعالى، لذا طلب موسى عليه السَّلام من ربِّه أن يمدَّه بأخيه هارون عليه السَّلام وعلَّل ذلك بكونه أفصح منه لسانًا. فصاحب اللِّسان الفَصِيح يقدر على إبلاغ حجَّته للنَّاس، وإيصال الحقِّ لهم.
2- القدرة على الدِّفاع عن الحقوق:
الفَصِيح أقدر وأجدر في الدِّفاع عن حقِّه، وانتزاعه من المعتدين، وذلك إذا كان الميدان ميدان حِجَاج وكلام. وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد ذمَّ من كانت بلاغته وبيانه سببًا في أن يقضى له بما ليس له بحق، فلا شك أنَّ هذه الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) والبلاغة إذا أدت إلى الوصول للحق تكون حينئذ محمودة، وإلا كانت مذمومة.
قال المناوي في شرح حديث: ((ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض)) ، قال: (أَلْحَن- بفتح الحاء-: الفَطانَة، أي: أبْلغ وأفْصح، وأعلم في تقرير مقصوده، وأفْطن ببيان دليله، وأقدر على البَرْهنة على دفع دعوى خصمه، بحيث يُظنُّ أنَّ الحقَّ معه) .

3-
الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) من وسائل التأثير في المستمع:
ومن فوائد الفَصَاحة أنَّها تدعو السَّامع للعمل بالكلام الذي يسمعه، قال ابن عثيمين: (أنَّه ينبغي صياغة الكلام بما يحمل على العمل به، لأنَّ من الفَصَاحة، صياغة الكلام بما يحمل على العمل به) .
ذو الفَصَاحة يستطيع تمثيل المسلمين في المحافل والاجتماعات دون خوف أو خجل، ويستطيع أن يتكلَّم بما يُمْلِيه عليه دينه. ويكون صاحب كلمة مسموعة، تهفو إليه الأرواح، وتَشْرَئِبُّ إليه الأعناق ، وتتطلع إليه قلوب المؤمنين إذا تكلَّم أو خطب، فيكون حاله كما قال سحبان:


لقد علم الحي اليمانون أنَّني***إذا قلت أمَّا بعد أنِّي خطيبها



4- الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) وسيلة لمعرفة إعجاز القرآن:
يقول أبو هلال العسكري: (أنَّ أحقَّ العلوم بالتعلُّم، وأولاها بالتحفُّظ- بعد المعرفة بالله جلَّ ثناؤه- علم البَلَاغة، ومعرفة الفَصَاحة، الذي به يُعرف إعجاز كتاب الله تعالى، النَّاطق بالحقِّ، الهادي إلى سبيل الرَّشد، المدلول به على صدق الرسالة وصحَّة النُّبوَّة، التي رفعت أعلام الحقِّ، وأقامت منار الدِّين، وأزالت شبه الكفر ببراهينها، وهتكت حُجُب الشكِّ بيقينها. وقد علمنا أنَّ الإنسان إذا أغفل علم البَلَاغة، وأخلَّ بمعرفة الفَصَاحة، لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصَّه الله به من حُسْن التأليف، وبراعة التَّركيب، وما شَحَنه به من الإيجاز البديع، والاختصار اللَّطيف؛ وضمَّنَه من الحلاوة، وجلَّله من رَوْنَق الطَّلاوة، مع سهولة كَلِمِه وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها، وتحيَّرت عقولهم فيها... .

محمد رافع 52
26-05-2013, 09:53 AM
أقسام الفَصَاحة

الفَصَاحة قسمان:
1- (راجعٌ على المعنى، وهو خُلُوص الكلام عن التَّعقيد... وهو أن يُعَثِّر صاحبه فكرَك في مُتَصَرَّفه، ويَشِيك طريقك على المعنى، ويُوعِر مذهبك نحوه، حتى يُقَسِّم فكرك، ويشعِّب ظنَّك على أن لا تدري من أين تتوصَّل، وبأيِّ طريق معناه يتحصَّل.
2- وراجعٌ على اللَّفظ، وهو أن تكون الكلمة عربيَّة أصليَّة، وعلامة ذلك:
أن تكون على أَلْسِنة الفُصَحاء من العرب -الموثوق بعربيَّتهم- أَدْور، واستعمالهم لها أكثر، لا ممَّا أحدثها المولدون، ولا ممَّا أخطأت فيه العامَّة، وأن تكون أَجْرَى على قوانين اللُّغة، وأن تكون سليمة عن التَّنافر)

محمد رافع 52
26-05-2013, 09:55 AM
الوسائل المعينة على اكتساب الفَصَاحة

1- الإكثار من قراءة القرآن وحفظه، فهو أفصح كلام وأكمله، ومِنْ أكثر من قراءة القرآن انطلق لسانه فَصَاحةً، واكتسى كلامه عذوبة، وتزيَّنت عباراته بالبَلَاغة.
2- حِفْظ أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم والإكثار من قراءتها، فهو أفصح النَّاطقين بالضَّاد قاطبة.
3- تعلُّم النَّحو وقواعد العربيَّة، والبعد عن اللَّحن في الكلام.
4- تعلُّم علم البَلَاغة وقواعده من معان وبيان وبَدِيع، ومحاولة استخدامه أثناء الكتابة أو الكلام.
5- مُجَالسة الفُصَحَاء ومُعَاشرتهم، وهذا من أفضل طرق اكتساب الفَصاحة والبَيان، فإنَّ الجليس يأخذ من أخلاق وطِبَاع جليسه حتى في كلامه.
6- الإكثار من قراءة كتب الأدب ودوواين العربيَّة، والاهتمام بها، فإنَّ ذلك يعطي المرء مَلَكَة لغويَّة تُمَكِّنه من التَّحدُّث بطلاقة، والكلام بفَصاحة.
7- محاولة انتقاء الكلام وتخيُّر مَحَاسنه عند الحديث، وتَجَنُّب المرْذُول منه والقبيح، الذي تَنْبُو عنه الأسماع، وتستقبحه النُّفوس والطبِّاع السَّليمة.

محمد رافع 52
26-05-2013, 09:56 AM
نماذج من فصاحة النَّبي صلى الله عليه وسلم
قال السيوطي: (أفصحُ الخَلْق على الإطلاق سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبيب ربِّ العالمين جلَّ وعلا) .
و(قال الخطابي: ... ومن فَصَاحَته أنَّه تكلَّم بألفاظ اقتضبها، لم تُسْمع من العرب قبله، ولم توجد في متقَدِّمِ كلامها، كقوله: مات حَتْفَ أنفه ، وحَمِي الوَطِيس، ولا يُلدغ المؤمن من جُحر مرتين) .

محمد رافع 52
26-05-2013, 09:59 AM
نماذج من فصاحة الصَّحابة رضي الله عنهم
فَصَاحة أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
عن هشام بن عروة، قال عبيد الله، أظنُّه عن أبيه، قال: (لما وَلِيَ أبو بكر، خطب النَّاس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثمَّ قال: أمَّا بعد، أيُّها النَّاس، قد وُلِّيت أمركم، ولست بخيركم، ولكن نزل القرآن، وسنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم السُّنن فعَلَّمنا فعَلِمنا. اعلموا أنَّ أَكْيَس الكَيْس: التَّقوى، وأنَّ أَحْمَق الحُمْق: الفجور. وأنَّ أقواكم عندي الضَّعيف، حتى آخذ له بحقِّه، وأنَّ أضعفكم عندي القويُّ، حتى آخذ منه الحقَّ. أيُّها النَّاس، إنَّما أنا متَّبع ولست بمبتدع. فإنْ أحسنت فأعينوني، وإنْ زِغْتُ فقوِّموني) .
فَصَاحة عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
خطب عمر رضي الله عنه فقال بعد ما حمد الله، وأثنى عليه، وصلَّى على النَّبي صلى الله عليه وسلم: (أيها النَّاس، إنَّ بعض الطَّمع فَقْر، وإنَّ بعض اليأس (http://dorar.net/enc/akhlaq/2874) غِنى، وإنَّكم تجمعون ما لا تأكلون، وتأملون ما لا تدركون، وأنتم مؤجَّلون في دار غرور، كنتم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، تُؤْخَذون بالوحي، فمن أَسَرَّ شيئًا، أُخِذ بسريرته، ومن أعلن شيئًا، أُخِذ بعلانيته، فأَظْهِروا لنا أَحْسَن أخلاقكم، والله أعلم بالسَّرائر، فإنَّه مَنْ أَظْهَر شيئًا، وزعم أنَّ سريرته حسنة، لم نصدِّقه، ومن أَظْهَر لنا علانية حسنة، ظننَّا به حسنًا، واعلموا أنَّ بعض الشُّح شُعبة من النِّفاق، فأنفقوا خيرًا لأنفسكم، ومن يُوق شحَّ نفسه، فأولئك هم المفلحون. أيُّها النَّاس، أطيبوا مثواكم، وأصلحوا أموركم، واتَّقوا الله ربَّكم، ولا تلبسوا نساءكم القَبَاطي ، فإنَّه إن لم يَشِفَّ فإنَّه يَصِف. أيُّها النَّاس، إنِّي لوددت أن أنجو كفافًا ، لا لي ولا عليَّ، وإنِّي لأرجو إنْ عُمِّرت فيكم يسيرًا أو كثيرًا، أنْ أعمل بالحقِّ فيكم -إن شاء الله-، وألَّا يبقى أحد من المسلمين -وإن كان في بيته- إلَّا أتاه حقُّه ونصيبه من مال الله، ولا يعمل إليه نفسه، ولم ينصب إليه يومًا. وأصلحوا أموالكم التي رزقكم الله، ولَقَليل في رِفْق، خيرٌ من كثير في عُنْف، وال*** حَتْف من الحُتُوف، يصيب البرَّ والفاجر، والشَّهيد من احتسب نفسه. وإذا أراد أحدكم بعيرًا فليعمد إلى الطَّويل العظيم فليضربه بعصاه، فإنْ وجده حديد الفؤاد فليشتره) .
فَصَاحة عائشة رضي الله عنها:
كانت عائشة رضي الله عنها على درجة عالية من الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) والبلاغة، فعن معاوية قال: (ما رأيت خطيبًا قطُّ أبلغ ولا أفصح من عائشة) .
وقال موسى بن طلحة: (ما رأيت أحدًا أفصح من عائشة) .
- وعن الأحنف بن قيس قال: (سمعت خطبة أبي بكرٍ الصِّدِّيق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالبٍ رضي الله عنهم، والخلفاء هلم جرًّا إلى يومي هذا، فما سمعت الكلام من فم مخلوقٍ أفخم ولا أحسن منه من في عائشة رضي الله عنها) .
- وحينما توفي أبوها قالت رضي الله عنها: (رحمك الله يا أبة! لقد قمتَ بالدين حين وهى شُعبه، وتفاقم صَدْعه، ورَحبت جوانبه، وبَغضتَ ما أصغوا إليه، وشمَّرتَ فيما وَنَوا عنه، واستخففتَ من دنياك ما استوطنوا، وصغَّرتَ منها ما عظَّموا، ولم تهضم دينك، ولم تنسَ غدك؛ ففاز عند المساهمة قَدَحك، وخفَّ مما استوزروا ظهرك، حتى قرَّرت الرؤوس على كواهلها، وحَقَنت الدماء في أُهُبها - يعني: في الأجساد -؛ فنضَّر الله وجهك يا أبة! فلقد كنت للدنيا مُذِلًّا بإدبارك عنها، وللآخرة مُعِزًّا بإقبالك عليها، ولكأنَّ أجلَّ الرزايا بعد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم رُزْؤك ، وأكبر المصائب فَقدك؛ فعليك سلام الله ورحمته، غير قاليةٍ لحياتك، ولا زاريةٍ على القضاء فيك) .
نماذج أخرى في الفصاحة:
- قال الرَّبيع بن سليمان: (لو رأيت الشَّافعي وحُسْن بيانه وفَصَاحَته لعجبتَ، ولو أنَّه ألَّف الكتب على عربيَّته التي يتكلم بها في المناظرة، لم نقدر على كتبه لفَصَاحَته وغرائب ألفاظه، غير أنَّه في تأليفه يوضِّح للعوام) .
- دخل الحسن بن الفضل على بعض الخلفاء، وعنده كثيرٌ من أهل العلم، فأحبَّ الحسن أن يتكلَّم، فزجره، وقال: يا صبي تتكلَّم في هذا المقام؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن كنت صبيًّا، فلست بأصغر من هدهد سليمان، ولا أنت بأكبر من سليمان عليه السَّلام حين قال: أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ [النمل: 22]، ثمَّ قال: ألم تر أنَّ الله فهَّم الحُكْم سليمان، ولو كان الأمر بالكِبَر لكان داود أولى .
- وحُكي: أنَّ البادية قحطت في أيام هشام، فقدمت عليه العرب، فهابوا أن يكلِّموه، وكان فيهم دِرْواس بن حبيب، وهو ابن ستِّ عشرة سنة، له ذُؤابة، وعليه شَمْلَتان، فوقعت عليه عين هشام، فقال لحاجبه: ما شاء أحد أن يدخل عليَّ إلَّا دخل، حتى الصبيان، فوثب دِرْواس حتى وقف بين يديه مُطْرِقًا، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ للكلام نشْرًا وطَيًّا، وإنَّه لا يعرف ما في طيِّه إلا بنشْره، فإنْ أذن لي أمير المؤمنين أنْ أنشُره نشَرته. فأعجبه كلامه، وقال له: انشُره لله درُّك، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّه أصابتنا سنون ثلاث، سنة أذابت الشَّحم، وسنة أكلت اللَّحم، وسنة دقَّت العظم، وفي أيديكم فضول مال، فإنْ كانت لله ففرِّقوها على عباده، وإنْ كانت لهم، فَعَلام تحبسونها عنهم، وإنْ كانت لكم، فتصدَّقوا بها عليهم، فإنَّ الله يجزي المتَصدِّقين. فقال هشام: ما ترك الغلام لنا في واحدة من الثَّلاث عذرًا، فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، ثم قال له: ألك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصَّة نفسي دون عامَّة المسلمين. فخرج من عنده وهو من أجلِّ القوم .
- قيل للرَّشيد: إنَّ عبد الملك بن صالح يعدُّ كلامه، ويفكر فيه، فلذلك بانت بلاغته، فأنكر ذلك الرَّشيد، وقال هو طَبعٌ فيه، ثمَّ أمسك، حتى جاء يومًا، ودخل عبدُ الملك، فقال للفضل بن الرَّبيع: إذا قَرُب من سريري، فقل له: وُلِد لأمير المؤمنين في هذه اللَّيلة ابنٌ، ومات له ابنٌ. فقال له الفضل ذلك، فدنا عبد الملك، فقال: يا أمير المؤمنين، سرَّك الله فيما ساءك، ولا ساءك فيما سرَّك، وجعلها واحدة بواحدةٍ، ثواب الشَّاكرين، وأجر الصَّابرين. فلما خرج، قال الرَّشيد: أهذا الذي زعموا أنه يتصنع للكلام، ما رأى النَّاس أطبع من عبد الملك في الفَصَاحة قطُّ .

محمد رافع 52
26-05-2013, 10:01 AM
أقوالٌ وأمثالٌ وحِكَمٌ في الفَصَاحة
- قال محمَّد بن سيرين: (ما رأيت على رجل أجمل من فَصَاحة) .
- وقال العاص بن عدي: (الشَّجَاعَة قلب رَكِين، والفَصَاحة لسان رَزِين) .
- وقال يحيى بن خالد: (ما رأيت رجلًا قطُّ إلا هبته حتى يتكلَّم، فإنْ كان فَصِيحًا، عَظُم في صدري، وإنْ قصَّر سقط من عيني) .
- وقيل: (من عُرف بفَصَاحة اللِّسان، لحظته العيون بالوَقَار) .
- وقال الخليفة المقتدي بأمر الله: (وَعْدُ الكُرَماء ألزم من ديون الغُرَماء، الألسن الفَصِيحة أنفع من الوجوه الصَّبيحة، والضَّمائر الصَّحيحة أَبْلَغ من الألسن الفَصِيحة. حقُّ الرَّعيَّة لازم للرُّعاة، ويقبح بالوُلاة الإقبال على السُّعاة) .
- وقال خالد بن صفوان بن الأَهْتَم في فَصَاحة الكلام: (أحسن الكلام ما لم يكن بالبدويِّ المغْرِب، ولا بالقُرَوِيِّ المخَدَّجِ، ولكن ما شرُفت مَنَابِته، وطَرُفت معانيه، ولذَّ على الأفواه، وحَسُن في الأسماع، وازداد حسنًا على ممرِّ السِّنين، تُحَنْحِنه الدَّوَاة، وتَقْتَنيه السَّرَاة) .

محمد رافع 52
26-05-2013, 10:07 AM
الفَصَاحة في واحة الشِّعر

قال الشَّاعر:


لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه***فلم يبقَ إلَّا صورةُ اللَّحمِ والدَّمِ



ويقول شاعر آخر:


طويلُ القَنَاةِ قصيرُ العدات***ذميمُ العداة حميدُ الشِّيم



فَصِيحُ اللِّسانِ بديعُ البنانِ***رفيعُ السنانِ سريعُ القلم



يكيلُ الرِّجالَ بأقدارِها***ويرعَى البيوتاتِ رعْيَ الحرم



وقال إبراهيم بن العبَّاس الصولي:


إِذا ما الفكرُ أضمرَ حسنَ لفظٍ***وأدَّاهُ الضميرُ إِلى العيانِ



ووشَّاهُ ونمنمَهُ مُسَدٍّ***فَصِيحٌ بالمقالِ وباللِّسانِ



رأيتَ حُلى البَيان منوَّراتٍ***تضاحكُ بينها صُورَ المعاني



وقال ابن عبد البر: ما زالت العرب تمدح البَيان والفَصَاحة في أشعارها وأخبارها، فمِنْ ذلك قول حسَّان بن ثابت في ابن عبَّاس:


إذ قال لم يتركْ مقالًا لقائل ***بمنتظمات لا ترَى بينها فصلًا



كفَى وشفَى ما في النُّفوس فلم يدعْ***لذي إِرْبَة في القول جدًّا ولا هزلًا



ولعبد الله بن المبارك في مالك بن أنس:


صَموتٌ إذا ما الصَّمت زيَّن أهله ***وفتَّاقُ أبكارِ الكلام المخَتَّمِ



وَعَى ما وَعَى القرآن من كلِّ حِكْمة***ونِيطَت لها الآداب باللَّحم والدَّم



قالت الخنساء:


كأنَّ كلامَ النَّاس جُمِّع حولَه***فأطلق في إحسانه يتخيَّرُ



وقال بكر بن سوادة في خالد بن صفوان:


عليمٌ بتنزيلِ الكلامِ مُلَقَّن***ذَكُورٌ لما سدَّاه أولَ أولا



ترَى خطباءَ النَّاس يومَ ارتجالِه***كأنَّهم الكِروان عاين أَجْدَلاَ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=OcKhUarwEsXuOvrCgZAC&psig=AFQjCNHRVBn3SrC-K5e1-ErPm_rqmoRi1g&ust=1369641884340059)

محمد رافع 52
26-05-2013, 10:11 AM
الفِطْنَة والذَّكاء

معنى الفِطْنَة والذَّكاء لغةً واصطلاحًا
معنى الفِطْنَة لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ على ذكاءٍ وعلم بشيء. والفِطْنَة والفَطَانَة كالفهم، وهي ضِدُّ الغَباوة، ورجل فَطِنٌ: بَيِّنُ الفِطْنَة، وفَطُنَ -بالضم- إذا صارت الفَطَانَة له سجيَّة، ورجل فَطِنٌ بخصومته، عالم بوجوهها حاذق، ويتعدَّى بالتَّضعيف، فيقال: فَطَّنتُهُ للأمر .
معنى الفِطْنَة اصطلاحًا:
قال العسكري: (الفِطْنَة: العلم بالشَّيء من وجه غامض) .
وقال الرَّاغب: (الفِطْنَة: سرعة إدراك ما يُقْصد إشكاله) .
وقال الكفوي: (الفِطْنَة: التَّنَـبُّه للشَّيء الذي يُقْصد معرفته) .
معنى الذَّكاء لغةً:
الذَّكاء: سُرْعة الفِطْنَة، مِنْ قولك: قلب ذَكِي وصَبِي ذكِي، إذا كان سريعَ الفِطْنَة، وقد ذَكِيَ -بالكسر- يَذْكَى ذَكًا. وَيُقَال: ذَكا يَذْكُو ذَكاءً، وذَكُوَ فهو ذكِيٌّ .
معنى الذَّكاء اصطلاحًا:
قال المناوي: (الذَّكاء: سرعة الإدراك، وحِدَّة الفهم ). .

محمد رافع 52
26-05-2013, 10:13 AM
الفرق بين الفِطْنَة والذَّكاء
قال العسكري: (الذَّكاء تمام الفِطْنَة، من قولك: ذَكَت النَّار إذا تمَّ اشتعالها، وسُمِّيت الشَّمس ذكاءً؛ لتمام نورها. والتَّذكية: تمام الذَّبح، ففي الذَّكاء معنى زائدٌ على الفِطْنَة) .
قال الشَّاعر في الذَّكاء -الذي معناه تَمام الفِطْنَة-:


شهم الفؤادِ ذكاؤه ما مِثْلُهُ***عند العزيمةِ في الأَنامِ ذَكاءُ

محمد رافع 52
26-05-2013, 10:17 AM
الفرق بين الفِطْنَة والصِّفات الأخرى

- الفرق بين الفِطْنَة، والعِلم، والحِذْق، والكَيْس:
قال العسكري: (الفِطْنَة: هي التَّنبُّه على المعنى، وضدُّها: الغفلة، ورجل مغفَّلٌ: لا فِطْنَة له. وهي الفِطْنَة والفَطَانَة، والطَّبانة مثلها، ورجل طَبِنٌ: فَطِنٌ. ويجوز أن يقال: إنَّ الفِطْنَة ابتداء المعْرِفة من وجه غامض، فكلُّ فِطْنَة علمٌ، وليس كلُّ علمٍ فِطْنَةً، ولما كانت الفِطْنَة عِلْمًا بالشَّيء من وجه غامض، لم يَجُز أن يقال: الإنسان فَطَن بوجود نفسه، وبأنَّ السَّماء فوقه) .
وأما (الكَيْس: هو سرعة الحركة في الأمور، والأخذ في ما يعني منها دون ما لا يعني، يقال: غلام كَيِّسٌ، إذا كان يُسْرع الأَخْذ في ما يؤمر به، ويترك الفُضُول، وليس هو من قبيل العلوم. والحِذْق أصله: حِدَّة القَطع، يقال: حَذَقَه، إذا قطعه. وقولهم: حَذَقَ الصَّبيُّ القرآن، معناه: أنَّه بلغ آخره، وقطع تعلُّمه، وتناهى في حفظه. وكلُّ حَاذِق بصناعة، فهو الذي تناهى فيها، وقطع تعلُّمها، فلمَّا كان الله تعالى لا توصف معلوماته بالانقطاع، لم يَجُز أن يُوصف بالحِذْق .
- الفرق بين الفِطْنَة والنَّفَاذ:
قال العسكري: (أنَّ النَّفَاذ أصله في الذَّهاب، يقال: نَفَذ السَّهم، إذا ذَهَب في الرَّمِيَّة، ويُسمَّى الإنسان نافذًا، إذا كان فِكْره يبلغ حيث لا يبلغ فِكْر البَلِيد، ففي النَّفَاذ معنى زائد على الفِطْنَة، ولا يكاد الرَّجل يُسمَّى نافذًا، إلا إذا كَثُرت فِطْنَته للأشياء، ويكون خرَّاجًا ولَّاجًا في الأمور) .

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:21 PM
أولًا: في القرآن الكريم
- قال الله -تعالي-: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء: 78-81].
- عن ابن مسعود في قوله: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ قال: كَرْمٌ قد أنبتت عَنَاقيده، فأفسدته. قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكَرْم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله! قال: وما ذاك؟ قال: تَدْفَع الكَرْم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكَرْم، فيصيب منها، حتى إذا كان الكَرْم كما كان، دفعت الكَرْم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ .
- قَرَأَ الحسن: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا فحَمَد سليمان، ولم يَلُم داود، ولولا ما ذكر الله من أمر هذين، لرأيت أنَّ القضاة هلكوا، فإنَّه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده) .
- وقال ابن الجوزي: (كان لسليمان من الفِطْنَة ما بان بها الصَّواب في حُكْمه دون حُكْم أبيه في قصَّة الحرث وغيره، قال الله عزَّ وجلَّ: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ) .

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:25 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّاس، وقال: إنَّ الله خيَّر عبدًا بين الدُّنْيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخَيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أمنَّ النَّاس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا -غير ربِّي- لاتَّخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودَّته. لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر)) .
قال ابن الجوزي: (هذا الحديث قد دلَّ على فِطْنَة أبي بكر، إذْ عَلِم أنَّ المخَيَّر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
- عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من الشَّجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنَّها مَثَل المسلم، فحدِّثوني ما هي؟ فوقع النَّاس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنَّها النَّخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: هي النَّخلة. قال: فذكرت ذلك لعمر. قال: لأن تكون قلت: هي النَّخلة، أحبُّ إليَّ من كذا وكذا)) .
- عن أمِّ سلمة رضي الله عنها: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّكم تختصمون إليَّ، ولعلَّ بعضكم أَلْحَن بحجَّته من بعض، فمن قضيت له بحقِّ أخيه شيئًا، بقوله: فإنَّما أقطع له قطعة من النَّار فلا يأخذها)) .
قال ابن القيِّم: (اللَّحن ضربان: صواب وخطأ. فلحن الصَّواب نوعان، أحدهما: الفِطْنَة. ومنه الحديث: ((ولعلَّ بعضكم أن يكون أَلْحَن بحجَّته من بعض)) ) .
وقال المناوي: (أَلْحَن -بفتح الحاء-: الفَطَانَة، أي: أَبْلغ وأَفْصح وأعلم في تقرير مقصوده، وأَفْطن ببيان دليله، وأقدر على الــبَرْهنة على دفع دعوى خصمه، بحيث يُظنُّ أنَّ الحقَّ معه، فهو كاذب، ويُحْتمل كونه من اللَّحن، وهو الصَّرْف عن الصَّواب، أي: يكون أَعْجز عن الإِعْرَاب بحجَّته من بعض) .

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:37 PM
فوائد الفِطْنَة
1- أنَّها تدلُّ العبد على حكم الله وسننه الشَّرعية والكونيَّة، فتبصِّره بها، كما أنَّها تدعوه إلى التَّفكر في آلاء الله، فيزداد خشوعًا لله وتعظيمًا له، وإيمانًا ويقينًا به.
قال علي رضي الله عنه: (اليقين على أربع شعب: تبصرة الفِطْنَة، وتأويل الحِكْمة، ومعرفة العبرة، وسنَّة الأولين، فمن تبصَّر الفِطْنَة، تأوَّل الحِكْمة، ومن تأوَّل الحِكْمة عرف العبرة، ومن عرف العبرة فكأنَّما كان في الأوَّلين) .
2-الفطنة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1170) من أسباب السلامة والخروج من المآزق.
3- أنَّها تدعو إلى فعل صنائع المعروف، وتقديم الفضل إلى محتاجيه:
قال الأبشيهي: (يُستدلُّ على عقل الرَّجل بأمور متعدِّدة منها: ميله إلى محاسن الأخلاق، وإعراضه عن رذائل الأعمال، ورغبته في إسداء صنائع المعروف، وتجنُّبه ما يكسبه عارًا، ويورثه سوء السُّمعة) .
ويقول الرَّازي: (العقل يدعو إلى الله تعالى والهوى يدعو إلى الشَّيطان، ثمَّ إنَّ الرُّوح أخرج الفِطْنَة إعانة للعقل، فأخرج الشَّيطان في مقابلة الفِطْنَة الشَّهوة، فالفِطْنَة توقفك على معايب الدُّنْيا، والشَّهوة تحركك إلى لذات الدُّنْيا، ثمَّ إنَّ الرُّوح أمدَّ الفِطْنَة بالفكرة لتقوى الفِطْنَة بالفكرة) .
4- الفطن ينتفع بفطنته، وينتفع بها غيره، ويفيدون منها.
5- ومن فوائدها وفضائلها -في نفس الوقت-: أنَّها ميَّزت هذه الأمَّة عن سواها، قال ابن الجوزي: (اعلم أنَّ فضيلة هذه الأمَّة على الأمم المتقدِّمة، وإنْ كان ذلك باختيار الحقِّ لها وتقديمه إيَّاها، إلَّا أنَّه جعل لذلك سببًا، كما جعل سبب سجود الملائكة لآدم علمه بما جهلوا، فكذلك جعل لتقديم هذه الأمَّة سببًا هو الفِطْنَة والفهم واليقين وتسليم النُّفوس) .
ولا يعني هذا أنَّ هذه الأمَّة اختصت بالفِطْنَة دون غيرها من الأمم، وإنَّما المقصود هو: أنَّ الله حباهم من الفِطْنَة ما يميِّزون به بين الحقِّ والباطل، والخير والشَّرِّ، والهداية والضَّلال.
7- هي مقوِّم من مقوِّمات الشَّخصية النَّاجحة، فقد يتمتَّع الرَّجل بالقوَّة والأمانة، إلَّا أنَّه لا يتمتَّع بالفِطْنَة، وفي هذه الحالة قد لا يستطيع أن يسيِّر أعماله بالطَّريقة المطلوبة، قال الرَّازي: (القُوَّة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضمَّ إليهما الفِطْنَة والكَيَاسة) .

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:39 PM
أقسام الفِطْنَة

تنقسم الفِطْنَة إلى قسمين:
1- فِطْنَة موهوبة من الله -تبارك وتعالى-، يهبها الله من يشاء من عباده، فينير بصيرته، ويُفَهِّمه ما لا يفهم غيره، فتراه قويَّ الملاحظة، سريع الفهم، نافذ البصيرة، ذكيَّ القلب، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
2- فِطْنَة مكتسبة تجريبيَّة تتحصَّل للمرء باجتهاده، وكثرة تجاربه، ومعاشرته لأهل العلم والذَّكاء والفِطْنَة والاستفادة منهم ومن تجاربهم، فيتولَّد عنده من الذَّكاء والفِطْنَة ومعرفة الأمور ما لم يكن لديه. ولعلَّنا نستشهد بقول الإبشيهي عن العقل الغريزيِّ والعقل المكتسب، باعتبار أنَّ العقل هو مصدر الفِطْنَة ومحلُّ الذَّكاء، قال الإبشيهي: (العقل: ينقسم إلى قسمين: قسم لا يقبل الزِّيادة والنُّقصان، وقسم يقبلهما، فأمَّا الأوَّل: فهو العقل الغريزيُّ المشترك بين العقلاء، وأما الثَّاني: فهو العقل التجريبيُّ، وهو مكتسب، وتحصل زيادته بكثرة التَّجارب والوقائع، وباعتبار هذه الحالة، يقال: أنَّ الشَّيخ أكمل عقلًا، وأتمُّ دِرَاية، وإنَّ صاحب التَّجارب، أكثر فهمًا وأرجح معرفة)

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:42 PM
الوسائل المعينة على اكتساب الفِطْنَة

1- الإيمان:
الإيمان طريق عظيم من طرق اكتساب الفِطْنَة، يقول الطَّاهر بن عاشور: (الإيمان يزيد الفِطْنَة؛ لأنَّ أصول اعتقاده مبنيَّة على نَبْذ كلِّ ما من شأنه تضليل الرَّأي، وطمس البصيرة) .
ومن وسائل اكتسابها -أيضًا-: التَّفقُّه في الدِّين، وطلب العلم الذي ينير البصيرة، ويُعْمِل الفِكَر، وينمِّي الفِطْنَة.
2- إعمال الفكر ومحاولة الفهم:
ومن الوسائل -أيضًا-: محاولة التَّفكر في الأشياء وفهمها، وإعمال الفِكْرة فيها، فإنَّ ذلك ينمِّي الفِطْنَة. يقول ابن القيِّم: (الفِكْر هو الذي ينقل من موت الفِطْنَة إلى حياة اليَقَظَة) .
3- ترك فضول الطعام والشراب والنوم:
فإنَّ فضول هذه الأشياء تجعل الفِكْر راكدًا خاملًا، لا يكاد يَتَفَطَّن للأشياء، إلَّا بصعوبة بالغة، ومشقَّة شديدة.
قال الشَّافعي: (ما شبعت منذ ست عشرة سنة، إلا شبعة اطَّرحتها، يعني فطرحتها؛ لأنَّ الشِّبَع يثقل البدن، ويقسِّي القلب، ويزيل الفِطْنَة، ويجلب النَّوم، ويُضعف صاحبه عن العبادة) .
وعن مكحول: (خصال ثلاث يحبُّها الله عزَّ وجلَّ وثلاث يبغضها الله عزَّ وجلَّ، فأما اللاتي يحبُّها: فقلَّة الأكل، وقلَّة النَّوم، وقلَّة الكلام، وأمَّا اللاتي يبغض: فكثرة الأكل، وكثرة الكلام، وكثرة النَّوم، فأمَّا النَّوم، فإنَّ في مداومته طول الغفلة، وقلَّة العقل، ونقصان الفِطْنَة، وسهوة القلب) .
قال شمس الدِّين السَّفاريني: (والبِطْنَة تُذْهِب الفِطْنَة، وتجلب أمراضًا عَسِرة، ومقام العدل (http://dorar.net/enc/akhlaq/905) أن لا يأكل حتى تُصدَّ الشَّهوة، وأن يرفع يده، وهو يشتهي الطعام) . وقال أبو حامد الغزالي: (الشِّبَع يثقل البدن ويقسِّي القلب، ويزيل الفِطْنَة، ويجلب النَّوم، ويُضعف صاحبه عن العبادة) .
و(الجوع إِذَا ساعدته القناعة، فَهُوَ من مزرعة الفِكْر، وينبوع الحِكْمة، وحياة الفِطْنَة، ومصباح القلب) .
4- محاسبة النفس:
ومن وسائل اكتساب هذه الصِّفة: محاسبة النَّفس، قال الحارث بن أسد: (المحاسَبة تورث الزِّيادة في البصيرة، والكَيْس في الفِطْنَة، والسُّرعة إلى إثبات الحجَّة، واتِّساع المعرفة) .

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:44 PM
نماذج في فِطْنَة الأنبياء والمرسلين
- قال ابن عبَّاس: (لما شبَّ إسماعيل، تزوَّج امرأة من جُرْهم، فجاء إبراهيم فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته، فقالت: خرج يبتغي لنا. ثمَّ سألها عن عَيْشهم، فقالت: نحن بِشَرٍّ، في ضيق وشدَّ، وشكت إليه. فقال: فإذا جاء زوجك فاقرئي -عليه السَّلام- وقولي له يغير عتبة بابه. فلما جاء فأخبرته، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((بينما امرأتان معهما ابناهما، جاء الذِّئب، فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها: إنَّما ذهب بابنك أنت. وقالت الأخرى: إنَّما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السَّلام فأخبرتاه، فقال: ائتوني بالسِّكِّين أشقُّه بينكما. فقالت الصُّغرى: لا، يرحمك الله هو ابنها. فقضى به للصُّغرى)) .
قال ابن الجوزي: (أمَّا داود عليه السَّلام فرأى استواءهما في اليد، فقدم الكبرى لأجل السِّنِّ، وأما سليمان عليه السَّلام فرأى الأمر محتملًا، فاستنبط، فأَحْسَن، فكان أَحَدَّ فِطْنَةً من داود، وكلاهما حَكَم بالاجتهاد، لأنَّه لو كان داود حكم بالنَّص، لم يسع سليمان أن يحكم بخلافه، ولو كان ما حَكَم به نصًّا، لم يَخْفَ على داود.
وهذا الحديث يدل على أنَّ الفِطْنَة والفهم موهبة لا بمقدار السِّنِّ )

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:46 PM
نماذج في فِطْنَة النَّبي صلى الله عليه وسلم الفِطْرِيَّة

- عن علي رضي الله عنه قال: (لما قدمنا المدينة، أصبنا من ثمارها فاجتَوَيناها، وأصابنا بها وَعْكٌ، وكان النَّبي صلى الله عليه وسلم يتخبَّر عن بدر، فلمَّا بلغنا أنَّ المشركين قد أقبلوا، سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر -وبدر بئر-، فسبقنا المشركون إليها، فوجدنا فيها رجلين منهم؛ رجلًا من قريش، ومولى لعقبة بن أبي مُعَيط، فأمَّا القرشي: فانفلت، وأمَّا مولى عقبة: فأخذناه، فجعلنا نقول له: كم القوم؟ فيقول: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم، فجعل المسلمون -إذ قال ذلك- يضربوه حتى انتهوا به إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: كم القوم؟ قال: هُمْ -والله- كثير عددهم، شديد بأسهم. فجهد النَّبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره: كم هم؟ فأبَى، ثمَّ إنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم سأله: كم ينحرون من الجُزر؟ فقال: عشرًا كلَّ يوم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القوم ألف، كلُّ جَزُور لمائة وتبعها) .
- أنَّ علقمة بن وائل حدَّثه؛ أنَّ أباه حدَّثه، قال: (إنِّي لقاعد مع النَّبي صلى الله عليه وسلم، إذ جاء رجل يقود آخر بِنِسْعَةٍ، فقال: يا رسول الله، هذا *** أخي. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أ***ته؟ فقال: إنَّه لو لم يعترف أقمت عليه البيِّنة. قال: نعم. ***ته. قال: كيف ***ته؟ قال: كنت أنا وهو نختبط من شجرة، فسبَّني فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه ف***ته. فقال له النَّبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من شيء تؤدِّيه عن نفسك؟ قال: ما لي مال إلا كسائي وفأسي. قال: فترى قومك يشترونك؟ قال: أنا أهون على قومي من ذاك. فرمى إليه بِنِسْعَةٍ. وقال: دونك صاحبك. فانطلق به الرَّجل. فلما ولَّى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنْ ***ه فهو مثله. فرجع فقال: يا رسول الله، إنَّه بلغني أنَّك قلت: إنْ ***ه فهو مثله. وأخذته بأمرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك. قال: يا نبي الله، - لعلَّه قال - بلى. قال: فإنَّ ذاك كذاك. قال: فرمى بنِسْعَته، وخلَّى سبيله) .
قال ابن قتيبة: (لم يُرِد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه مثله في المأثم، واستيجاب النَّار إن ***ه، وكيف يريد هذا وقد أباح الله عزَّ وجلَّ ***ه بالقصاص، ولكن كَرِه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتصَّ، وأحبَّ له العفو، فعرَّض تعريضًا أوهمه به أنَّه إن ***ه كان مثله في الإثم، ليعفو عنه، وكان مراده: أنَّه ي*** نفسًا كما *** الأوَّل نفسًا، فهذا قاتل وهذا قاتل، فقد استويا في قاتل وقاتل، إلَّا أنَّ الأوَّل ظالم، والآخر مُقْتَصٌّ) .

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:54 PM
نماذج في فِطْنَة الصَّحابة رضي الله عنهم
فِطْنَة أبي بكر رضي الله عنه:
عن ثابت عن أنس، قال: (لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركب وأبو بكر رَدِيفه، وكان أبو بكر يعرف الطَّريق لاختلافه إلى الشَّام، فكان يمرُّ بالقوم، فيقولون: مَنْ هذا بين يديك يا أبا بكر، فيقول: هاد يهديني) .
- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّاس، وقال:((إنَّ الله خيَّر عبدًا بين الدُّنْيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله)). قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه، أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخَيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا .
قال ابن الجوزي: (هذا الحديث قد دلَّ على فِطْنَة أبي بكر، إذْ عَلِم أنَّ المخَيَّر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
فِطْنَة عمر رضي الله عنه:
- عن أسلم عن أبيه قال: (قَدِمَت على عمر بن الخطَّاب حُلَلٌ من اليمن، فقسَّمها بين النَّاس، فرأى فيها حُلَّة رديئة، فقال كيف أصنع بهذه، إذا أعطيتها أحدًا، لم يقبلها إذا رأى هذا العيب فيها، قال: فأخذها فطواها، فجعلها تحت مجلسه، وأخرج طرفها، ووضع الحُلَل بين يديه، فجعل يقسم بين النَّاس، قال فدخل الزُّبير بن العوَّام، وهو على تلك الحال، قال: فجعل ينظر إلى تلك الحلَّة، فقال له: ما هذه الحلَّة؟ قال عمر: دع هذه عنك. قال: ما هيه؟ ما هيه؟ ما شأنها؟ قال: دعها عنك. قال: فأعطنيها. قال: إنَّك لا ترضاها. قال: بلى، قد رضيتها. فلمَّا توثَّق منه، واشترط عليه أن يقبلها ولا يردَّها، رمى بها إليه، فلمُّا أخذها الزُّبير ونظر إليها، إذا هي رديئة، فقال: لا أريدها. فقال عمر: هيهات، قد فرغت منها، فأجازها عليه، وأبى أن يقبلها منه) .
- وعن جرير (عن عمر قال له -قال لجرير - والنَّاس يتحامون العراق وقتال الأعاجم-: سِر بقومك، فما قد غلبت عليه فلك ربعه، فلمَّا جُمِعت الغنائم -غنائم جلولا- ادعى جرير أنَّ له ربع ذلك كلِّه، فكتب سعد إلى عمر بذلك، فكتب عمر: صدق جرير قد قلت ذلك له، فإن شاء أن يكون قَاتَل هو وقومه على جُعْلٍ فأَعْطُوه جُعْلَه، وإن يكن إنَّما قاتل لله ولدينه ولحبيبه، فهو رجل من المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم. فلمَّا قَدِم الكتاب على سعد، أخبر جرير بذلك، فقال جرير: صدق أمير المؤمنين، لا حاجة لي به، بل أنا رجل من المسلمين) .
فِطْنَة علي رضي الله عنه:
عن خنبش بن المعتمر: (أنَّ رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار، وقالا: لا تدفعيها إلى واحد منَّا دون صاحبه حتى نجتمع، فلبثا حولًا، فجاء أحدهما إليها، فقال: إنَّ صاحبي قد مات، فادفعي إليَّ الدَّنانير، فأبت، وقالت: إنَّكما قلتما لا تدفعيها إلى واحد منَّا دون صاحبه، فلست بدافعتها إليك، فثقل عليها بأهلها وجيرانها فلم يزالوا بها، حتى دفعتها إليه، ثم لبثت حولًا، فجاء الآخر فقال: ادفعي إليَّ الدَّنانير. فقالت: إنَّ صاحبك جاءني، فزعم أنَّك مِتَّ، فدفعتها إليه، فاختصما إلى عمر بن الخطَّاب، فأراد أن يقضي عليها، فقالت: أنشدك الله أن تقضي بيننا، ارفعنا إلى عليٍّ، فرفعهما إلى عليٍّ، وعرف أنهما قد مكرا بها، فقال: أليس قد قلتما لا تدفعيها إلى واحد منَّا دون صاحبه؟ قال: بلى. قال: فإنَّ مالك عندنا، فاذهب فجئ بصاحبك حتى ندفعهما إليكما) .
فِطْنَة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من الشَّجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنَّها مَثَل المسلم، فحدِّثوني ما هي؟ فوقع النَّاس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنَّها النَّخلة، فاستحييت. ثم قالوا: حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: هي النَّخلة. قال: فذكرت ذلك لعمر قال: لأن تكون قلت: هي النَّخلة. أحبُّ إليَّ من كذا وكذا)) .

محمد رافع 52
27-05-2013, 10:57 PM
نماذج في فِطْنَة العلماء

فِطْنَة القاضي إياس بن معاوية:
القاضي إياس يُضْرب بفطنته وذكائه المثَل، وإيَّاه عنى أبو تمَّام الطَّائي الشَّاعر بقوله:


إقدامُ عَمْرو في سَمَاحَة حاتم***في حِلْمِ أَحْنَفَ في ذَكَاءِ إِيَاس



تحاكم إليه رجلان، فقال أحدهما: إنِّي نزلت إلى النَّهر لأستحمَّ، ولي قطيفة خضراء جديدة وضعتها على جانب النَّهر، وجاء هذا، وعليه قطيفة حمراء عتيقة، فوضعها ونزل الماء، ولما طلعنا، سبقني وأخذ القطيفة الخضراء، فقال: ألكما بينة؟ فقالا: لا. فأمر بمشط فحضر فمشَّطهما به، فلما فعله خرج الصُّوف الأخضر من رأس صاحب القطيفة الخضراء فأمر له بها [3110] ((الوافي بالوفيات)) لصلاح الدين الصفدي (9/262). .
- وكان يومًا في بريَّة فأعوزهم الماء، فسمع نُبَاح كلب، فقال: هذا على رأس بئر، فاستقروا النُّبَاح، فوجدوه كما قال، فسألوه عن ذلك، فقال: لأنِّي سمعت صوته كالذي يخرج من بئر [3111] ((الوافي بالوفيات)) لصلاح الدين الصفدي (9/262). .
فِطْنَة الخليل بن أحمد الفراهيدي:
يقال: إنَّه كان عند رجل دواء لظُلْمة العين، ينتفع به النَّاس، فمات، وأضرَّ ذلك بمن كان يستعمله، فقال الخليل بن أحمد: أله نسخة معروفة؟ قالوا: لا.
قال: فهل له آنية كان يعمله فيها؟ قالوا: نعم، إناء كان يجمع فيه الأخلاط.
فقال: جيئوني به، فجاؤوه به، فجعل يشمُّه، ويخرج نوعًا نوعًا، حتى ذكر خمسة عشر نوعًا، ثمَّ سأل عن جميعها ومقدارها، فعرف ذلكم من يعالج مثله، فعمله وأعطاه النَّاس، فانتفعوا به مثل تلك المنفعة، ثمَّ وجدت النُّسخة في كتب الرَّجل، فوجدوا الأخلاط ستة عشر خلطًا، كما ذكر الخليل، لم يفته منها إلا خلط واحد [3112] ((الوافي بالوفيات)) لصلاح الدين الصفدي (13/242). .
فِطْنَة أبي حازم:
جاء رجل إلى أبي حازم، فقال له: (إنَّ الشَّيطان يأتيني، فيقول: إنَّك قد طلَّقت زوجتك، فيشكِّكُني، فقال له: أو ليس قد طلَّقتها؟ قال: لا. قال: ألم تأتني أمس، فطلَّقتها عندي. فقال: والله، ما جئتك إلَّا اليوم، ولا طلَّقتها بوجه من الوجوه. قال: فاحلف للشَّيطان إذا جاءك، كما حلفت لي، وأنت في عافية) [3113] ((الأذكياء)) لابن الجوزي (ص 80). .

محمد رافع 52
28-05-2013, 12:10 AM
الفِطْنَة في الأمثال والحِكَم

- يقولون: فِطْنَة الْأَعْرَاب يُضْرب بهَا الْمثل، وذلك لصفاء أذهانهم، وجودة قَرَائِحهم .
- قال الحُكَمَاء: الخَلْق المعتدل والبِنْيَة المتناسبة دَلِيلٌ على قُوَّة الْعقل وجودة الفِطْنَة .
- قال بعض الحُكَمَاء: اعلم أنَّ مِنْ يقظة الفِطْنَة: إظهارُ الغفلةِ مع شدَّة الحَذَر .
- وقيل: الكَرَم فِطْنَةٌ، واللُّؤم تَغَافلٌ .
- وقيل: البصيرة الفِطْنَة، تقول العرب: أعمى الله بصائره. أي: فِطَنَه.
- وكان عمر بن هبيرة يقول: (اللهمَّ! إنِّي أعوذ بك من طول الغفلة، وإفراط الفِطْنَة. اللهمَّ! لا تجعل قولي فوق عملي، ولا تجعل أسوأ عملي ما قَرُبَ مِنْ أجلي) .
- وقال معاوية رضي الله عنه: (العقل مِكْيالٌ، ثلثه فِطْنَةٌ، وثُلثاه تغافلٌ) .
- قال ابن القيِّم: (من دقيق الفِطْنَة: أنَّك لا تردُّ على المطَاع خطأه بين الملأ، فتَحْمِله رُتْبَته على نُصْرة الخطأ. وذلك خطأ ثان، ولكن تلطَّف في إعلامه به، حيث لا يشعر به غيره) .
- وقال أبو الفتح الأبشيهي: (العين المتوسطة في حجمها تدلُّ على الفِطْنَة) .
- وقال الرَّازي: (الفِطْنَة والبَلَادة من الأحوال الغريزيَّة) .
- وقال العتابي: (الأقلام مطايا الفِطن) .

محمد رافع 52
28-05-2013, 12:15 AM
الفِطْنَة في واحة الشِّعر
يقول ابن أبي عيينة:


فانظر وفكِّر فيما تمرُّ به***إنَّ الأريب المفكر الفَطِن



وقال حبيب في بني تغلب من أهل الجزيرة، يصفهم بالجفاء وقلَّة الأدب مع كرم النُّفوس:


لا رِقَّة الحضر اللَّطيف غَذَتهم***وتباعدوا عن فِطْنَة الأعرابِ



فإذا كشفتهم وجدت لديهم***كرم النُّفوس وقلَّة الآدابِ



وقال الشَّاعر:


شهم الفؤادِ ذكاؤه ما مِثْلُهُ***عند العزيمةِ في الأَنامِ ذَكاءُ



وقال آخر:


أَلْمَعيُّ الظُّنونِ مُتَّقدُ الذِّهْنِ***أعانته فِطْنَة وذكاءُ



مِخْلَطٌ مِزْيَلٌ مِعَنٌّ مِفَنٌّ ***كلُّ دَاء له لَدَيْهِ دَوَاءُ



وقال آخر:


ذو العقلِ يسخو بعيشِ ساعتِه***وبالذي بعدَها تشحُّ يدُه



وكلُّ ذي فِطْنَةٍ ومعرفةٍ***أهمُّ مِن يومِه عليه غدُه



وقال شاعر يصف أحدهم:


فضل النَّاس فِطْنَةً واجتهادًا***في رضى ربِّه ورأيًا وعقلًا



وقال المتنبي:


لا يُدْرِكُ المجْدَ إلَّا سَيِّدٌ فَطِنٌ***لِمَا يَشُقُّ على السَّادَاتِ فَعَّال



لا وارثٌ جَهِلَت يُمْنَاه ما وَهَبَت***ولا كَسُوبٌ بغير السَّيف سَئَّالُ

محمد رافع 52
28-05-2013, 12:18 AM
http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg
القناعة

معنى القناعة لغةً واصطلاحًا
معنى القناعة لغةً:
القناعة مصدر قنِع، بالكسر، يقنَع قُنوعًا وقناعةً إذا رضي، وقَنَعَ، بالفتح، يقنَع قُنوعًا إذا سأل، والقُنوع: الرضا باليسير من العطاء. وقال بعض أهل العلم: إن القُنوع قد يكون بمعنى الرضا، والقانع بمعنى الراضي، وهو من الأضداد. وسمِّيت قناعةً؛ لأنه يقبل على الشيء الذي له راضيًا .
معنى القناعة اصطلاحًا:
(القناعة: هي الرضا بما أعطى الله) .
وقال السيوطي: (القناعة: الرضا بما دون الكفاية، وترك التشوُّف إلى المفقود، والاستغناء بالموجود) .
وقال المناوي: (هي: السكون عند عدم المألوفات. وقيل: الاكتفاء بالبلغة. وقيل سكون الجأش عند أدنى المعاش. وقيل: الوقوف عند الكفاية) .

محمد رافع 52
28-05-2013, 12:20 AM
الفرق بين القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) وبعض الصفات
- الفرق بين القصد والقناعة:
(أن القصد: هو ترك الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتقتير جميعًا.
والقناعة: الاقتصار على القليل والتقتير، ألا ترى أنه لا يقال هو قنوع إلا إذا استعمل دون ما يحتاج إليه، ومقتصد لمن لا يتجاوز الحاجة ولا يقصر دونها، وترك الاقتصاد مع الغنى ذم، وترك القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) معه ليس بذم، وذلك أنَّ نقيض الاقتصاد الإسراف، وقيل: الاقتصاد من أعمال الجوارح؛ لأنَّه نقيض الإسراف، وهو من أعمال الجوارح والقناعة من أعمال القلوب) .
- الفرق بين القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) والزهد:
قال الراغب: (القناعة: الرضا بما دون الكفاية، والزهد: الاقتصار على الزهيد، أي: القليل وهما يتقاربان، لكن القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) تقال اعتبارًا برضا النفس، والزهد يقال اعتبارًا بالمتناول لحظ النفس، وكلُّ زهد حصل لا عن قناعة فهو تزهُّد لا زهد) .

محمد رافع 52
28-05-2013, 04:53 PM
أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل: 97].

عن محمد بن كعبٍ في قوله تعالى: وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. قال:
القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) .

وفسَّرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه أيضًا بالقناعة .
و(عن الحسن البصري، قال: الحياة الطيبة: القناعة) .
- وقال تعالى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور: 32].
قال البغوي: (قيل: الغنى: هاهنا القناعة) . وذهب إلى ذلك أيضًا الخازن .
- وقال سبحانه: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [الحج: 36].
قال الطبري: (وأما القانع الذي هو بمعنى المكتفي؛ فإنه من قنعت بكسر النون أقنع قناعة وقنعًا وقنعانًا) .
وقال مجاهد: (القانع: جارك الذي يقنع بما أعطيته) .
وقال أبو إسحاق الثعلبي: (القانع من القناعة، وهي الرضا والتعفف وترك السؤال) .
وقال الرازي: (قال الفراء: والمعنى الثاني القانع هو الذي لا يسأل من القناعة، يقال: قنع يقنع قناعةً إذا رضي بما قسم له وترك السؤال) .
- وقال تعالى: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة: 201].
قال النسفي: ( وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً عفوًا ومغفرة، أو المال والجنة، أو ثناء الخلق ورضا الحق، أو الإيمان والأمان، أو الإخلاص والخلاص، أو السنة والجنة، أو



القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) والشفاعة..) .

وقال أبو حيان في تفسير قوله تعالى: حَسَنَةً: (.. القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) بالرزق، أو: التوفيق والعصمة، أو: الأولاد الأبرار.. قاله جعفر) .
- قال تعالى: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ الانفطار: 13.
قال الرازي: (قال بعضهم: النعيم: القناعة، والجحيم: الطمع) .
وقال النيسابوري: (وقال آخرون: النعيم: القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) والتوكل) .

محمد رافع 52
28-05-2013, 04:57 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورُزق كفافًا، وقنَّعه الله)) .
قال ابن حجر: (ومعنى الحديث: أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة) .
وقال المناوي: (رُزق كفافًا، وقنَّعه الله بالكفاف، فلم يطلب الزيادة) .
وقال المباركفوري: (... ((كفافًا)). أي: ما يكف من الحاجات، ويدفع الضرورات. ((وقنَّعه الله)). أي: جعله قانعًا بما آتاه) .
وقال القرطبي: (أنَّ من فعل تلك الأمور واتصف بها فقد حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدث- وعنده رجلٌ من أهل البادية- أنَّ رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحبُّ أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله عزَّ وجلَّ: دونك يا ابن آدم، فإنَّه لا يشبعك شيءٌ. فقال الأعرابي: والله لا نجده إلا قرشيًّا، أو أنصاريًّا، فإنهم أصحاب زرعٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم)) .
قال ابن بطال: (وقوله: دونك يا ابن آدم، لا يشبعك شيء. يدلُّ على فضل القناعة، والاقتصار على البلغة، وذمِّ الشَّرَهِ والرغبة) .
وقال ابن حجر: (وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَهِ) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((اللهمَّ اجعل رزق آل محمدٍ قُوتًا )) .
قال ابن حجر: (أي: اكفهم من القوت بما لا يرهقهم إلى ذلِّ المسألة، ولا يكون فيه فضولٌ تبعث على الترفُّه والتبسُّط في الدنيا. وفيه حجةٌ لمن فضَّل الكفاف؛ لأنَّه إنما يدعو لنفسه وآله بأفضل الأحوال) .
وقال النووي: (قال أهل اللغة العربية: القُوت ما يسدُّ الرَّمَق، وفيه فضيلة التقلل من الدنيا، والاقتصار على القوت منها، والدعاء بذلك) .
- وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من أصبح وأمسى آمنًا في سِرْبه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه؛ كان كمن حِيزت له الدنيا بحذافيرها)) .
وقال المناوي: ( (عنده قوت يومه) أي: غداؤه وعشاؤه الذي يحتاجه في يومه ذلك.
يعني: من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجَّه، وكفاف عيشه بقوت يومه وسلامة أهله؛ فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها؛ بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره) .
وقال المباركفوري: (... ((عنده قوت يومه)) أي: كفاية قوته من وجه الحلال ((فكأنما حِيزت))... والمعنى فكأنما أُعطي الدنيا بأسرها.) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن يأخذ عني هؤلاء الكلمات فيعمل بهنَّ، أو يعلم من يعمل بهنَّ؟ قلت: أنا يا رسول الله! فأخذ يدي فعدَّ خمسًا، فقال: اتَّقِ المحارم تكن أعبد الناس، وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا، وأحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مسلمًا، ولا تكثر الضحك؛ فإنَّ كثرة الضحك تميت القلب)) .
قال المناوي: ((وارضَ بما قسم الله لك) أي: أعطاك (تكن أغنى الناس) فإنَّ من قنع بما قسم له، ولم يطمع فيما في أيدي الناس استغنى عنهم، ليس الغنى بكثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس) .

محمد رافع 52
28-05-2013, 05:02 PM
أقوال السلف والعلماء في القناعة
- (قال عبد الله بن عباس: القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) مال لا نفاد له) .
- (وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه، الرزق رزقان: فرزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك) .
- (وقال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني: إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد؛ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر؛ وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء قطُّ إلا أغناك الله عنه) .
- و(قال عمر بن عبد العزيز: الفقه الأكبر القناعة، وكفُّ اللسان) .
- وقال الراغب: (الفقر أربعة: فقر الحسنات في الآخرة، وفقر القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) في الدنيا، وفقر المقتني، وفقرها جميعًا، والغني بحسبه، فمن حصل له في الدنيا فقد القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) والمقتني فهو الفقير المطلق على سبيل الذم، ولا يقال له غني بوجه) .
- و(قال أكثم بن صيفي لابنه: يا بني، من لم ييأس على ما فاته ودع بدنه، ومن قنع بما هو فيه قرَّت عينه) .
- (وقال بكر بن عبد الله المزني: يكفيك من الدنيا ما قنعت به، ولو كفَّ تمرٍ، وشربة ماءٍ، وظلَّ خباءٍ، وكلما انفتح عليك من الدنيا شيءٌ ازدادت نفسك به تعبًا) .
- وقال (نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: مروءة القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) أفضل من مروءة الإعطاء.
- وقال أبو حاتم: (مِن أكثر مواهب الله لعباده وأعظمها خطرًا القناعة، وليس شيء أروح للبدن من الرضا بالقضاء، والثقة بالقسم، ولو لم يكن في القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) خصلة تُحمد إلا الراحة، وعدم الدخول في مواضع السوء لطلب الفضل، لكان الواجب على العاقل ألا يفارق القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) على حالة من الأحوال) .
- وقال أيضًا (القناعة تكون بالقلب؛ فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنا مطمئنًا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته، والجَدُّ والحرمان كأنهما يصطرعان بين العباد) .
- و(قال أبو سليمان الداراني: إن قومًا طلبوا الغنى فحسبوا أنَّه في جمع المال، ألا وإنما الغنى في القناعة، وطلبوا الراحة في الكثرة؛ وإنما الراحة في القلة، وطلبوا الكرامة من الخلق، ألا وهي في التقوى، وطلبوا النعمة في اللباس الرقيق واللين وفي طعامٍ طيبٍ، والنعمة في الإسلام الستر (http://dorar.net/enc/akhlaq/602) والعافية) .
- و(قال أبو الحسن البوشنجي، وسئل عن القناعة؟ فقال: المعرفة بالقسمة) .
- و(عن أبي سليمان أنه قال: سمعت أختي تقول: الفقراء كلهم أموات إلا من أحياه الله تعالى بعزِّ القناعة، والرضا بفقره) .
- و(قال أبو محرز الطفاوي: شكوت إلى جارية لنا ضيق المكسب عليَّ وأنا شاب، فقالت لي: يا بني استعن بعزِّ القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) عن ذلِّ المطالب، فكثيرًا والله ما رأيت القليل عاد سليمًا. قال أبو محرز: ما زلت بعد أعرف بركة كلامها في قنوعي) .
- و(عن الحسن، قال: لا تزال كريمًا على الناس- أو لا يزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفُّوا بك، وكرهوا حديثك وأبغضوك) .
- (وقال مالك بن دينارٍ: أزهد الناس من لا تتجاوز رغبته من الدنيا بلغته) .
- (وكان محمد بن واسع يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد) .

محمد رافع 52
28-05-2013, 05:08 PM
فوائد القناعة

1- سبب لنيل محبة الله.
2- علامة كمال الإيمان.
3- تجعل الإنسان يعيش حياة هنيئة طيبة.
4- تشيع المودة، وتنشر المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) بين الناس.
5- تكسب الإنسان قوة الإيمان، والثقة به، والرضا بما قسم.
6- سبيل لراحة النفس، والبعد عن الهموم.
7- وقاية من الغيبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2515) ،والنَّمِيمَة، والحسد.
8- طريق موصل إلى الجنة.
9- سبب للبركة.
10- عز للنفس.
11- تكسب صاحبها غنى النفس.
12 فيها تحقيق لشكر الله تعالى على نعمه.
13- تعفف عما في أيدي الناس .

محمد رافع 52
28-05-2013, 05:10 PM
مراتب القناعة
قال الماوردي: (والقناعة قد تكون على ثلاثة أوجهٍ:
فالوجه الأول: أن يقنع بالبلغة من دنياه، ويصرف نفسه عن التعرُّض لما سواه. وهذا أعلى منازل القناعة.
والوجه الثاني: أن تنتهي به القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) إلى الكفاية، ويحذف الفضول والزيادة. وهذه أوسط حال المقتنع.
والوجه الثالث: أن تنتهي به القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) إلى الوقوف على ما سنح، فلا يكره ما أتاه وإن كان كثيرًا، ولا يطلب ما تعذَّر وإن كان يسيرًا. وهذه الحال أدنى منازل أهل القناعة؛ لأنها مشتركةٌ بين رغبةٍ ورهبةٍ. أما الرغبة؛ فلأنه لا يكره الزيادة على الكفاية إذا سنحت. وأما الرهبة؛ فلأنه لا يطلب المتعذر عن نقصان المادة إذا تعذرت) .

محمد رافع 52
28-05-2013, 05:13 PM
موانع اكتساب القناعة
1- الإكثار من مجالسة ذوي الأموال والمترفين.
2- طلب الزيادة عن الكفاية، والتوسع في جمع الأموال.
3- ترك قراءة القرآن الكريم وتدبُّر آياته.
4- قلة تذكر الموت والدار الآخرة.
5- الانغماس في شهوات الدنيا.
6- التوسع في المباحات والإكثار منها.
الأسباب المعينة على اكتساب القناعة:
1- اكتفاء الإنسان بما رُزق.
2- الاطلاع على سيرة السلف الصالح، وزهدهم وقناعتهم، والاقتداء بهم.
3- الاقتصاد في الإنفاق، وعدم الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير.
4- الإلحاح في الدعاء بأنَّ يرزقه الله القناعة، كما فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.
5- الإيمان الجازم بأنَّ الأرزاق مقدرة مقسومة.
6- تعويد النفس على القناعة، والبعد عن الحرص والطمع.
7- تقوية الإيمان بالله تعالى.
8- النظر إلى من هو أقل منه في الرزق، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه .
9- الاعتقاد بأن الله سبحانه جعل التفاوت في الأرزاق بين الناس لحكمة يعلمها.
10- تذكر الموت وزيارة القبور.
11- قراءة القرآن والتأمل في الآيات القرآنية التي تناولت قضية الرزق والمعيشة.
12 أن يعلم أنَّ في القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) عزة للنفس، وفي الطمع (http://dorar.net/enc/akhlaq/2318) ذل ومهانة.
13- أن يعرف أنَّ في جمع المال انشغال القلب به.

محمد رافع 52
28-05-2013, 05:17 PM
نماذج من قناعة النبي صلى الله عليه وسلم
كان النبي صلى الله عليه وسلم قنوعًا زاهدًا، فكان من أبعد الناس عن ملذات الدنيا، وأرغبهم إلى الآخرة، وقد خيره ربه جلَّ وعلا بين الدنيا، وأن يعيش فيها ما شاء، وبين الآخرة، فاختار الآخرة وما عند الله، وخيَّره أن يكون ملكًا نبيًّا أو عبدًا نبيًّا، فاختار أن يكون عبدًا نبيًّا.
- قال عمر رضي الله عنه: ((دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجعٌ على حصيرٍ، فجلست، فأدنى عليه إزاره http://www.dorar.net/misc/tip.gifوليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضةٍ من شعيرٍ نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيقٌ معلقٌ، قال: فابتدرت عيناي، قال: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثَّر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟ قلت: بلى...)) .
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((اللهم قنِّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كلِّ غائبة لي بخير)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لعروة: ((ابن أختي، إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما أُوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار. فقلت: ما كان يُعيِّشكم؟ قالت: الأسودان: التمر والماء، إلا أنَّه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار كان لهم منائح ، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبياتهم، فيسقيناه)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ارزق آل محمد قوتًا)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أدم وحشوه ليف)) .
- وعن قتادة رضي الله عنه قال: ((كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم رأى رغيفًا مرقَّقًا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطًا بعينه قط)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((لقد توفي النبي صلى الله عليه وسلم وما في رفي من شيء يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي، فأكلت منه حتى طال علي، فكلته ففني)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ((لقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما شبع من خبز وزيت، في يوم واحد، مرتين)) .
- وعن أنس رضي الله عنه قال: ((لم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان حتى مات، وما أكل خبزًا مرقَّقًا حتى مات)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو كان لي مثل أحد ذهبًا ما يسرني أن لا يمرَّ علي ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرصده لدين)) .
- وعن عروة عن عائشة رضي الله عنهما قالت: ((ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما شبع آل محمد منذ قدم المدينة من طعام برٍّ ثلاث ليال تباعًا حتى قُبض)) .

محمد رافع 52
28-05-2013, 05:20 PM
نماذج من قناعة الصحابة رضي الله عنهم
لقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما كان عليه واتبعوا آثاره، وتخلَّقوا بأخلاقه، وعاشوا التقشُّف والزهد في أول أمرهم نظرًا لقلة ذات اليد، ثم انتشر الإسلام وجاءتهم الغنائم وفتح الله عليهم، فلم تؤثر هذه الأموال التي اكتسبوها من الغنائم على زهدهم، بل استمروا على ما هم فيه من قناعة وتقشف، وهنا نذكر بعض النماذج من قناعة الصحابة وبعدهم عن الطمع:
- عن أبي العالية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من يكفل لي أن لا يسأل أحدًا شيئًا، وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحدًا شيئًا)) .
- وعن أبي هريرة، قال: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كساءٌ، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن تُرى عورته) .
قال الحافظ ابن حجر: (قوله: لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة. يُشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين، وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة، وكانوا من أهل الصفة أيضًا، لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة) .
- وعن الحسن قال: (كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرًا على زهاء ثلاثين ألفًا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدَّق به، وأكل من سفيف يده) .

محمد رافع 52
29-05-2013, 10:41 AM
نماذج في القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) عند السلف

- (ورث داود الطائي من أبيه دارًا ودنانير، فكان كلما خرب في الدار بيت انتقل إلى غيره ولم يعمره، ولم يزل يتقوت بالدنانير حتى كفن في آخرها) .
- و(عن يحيى بن عروة بن أذينة قال: لما أتى أبي وجماعةٌ من الشعراء هشام ابن عبد الملك فأنشدوه، فلما عرف أبي قال: ألست القائل:


لقد علمت وما الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) من خلقي***أن الذي هو رزقي سوف يأتيني



أسعى له فيعنيني تطلبه***ولو قعدت أتاني لا يعنيني



فهلا جلست في بيتك حتى يأتيك؟ فسكت أبي ولم يجبه، فلما خرجوا من عنده جلس أبي على راحلته حتى أتى المدينة، وأمر هشامٌ بجوائزهم، فقعد أبي فسأل عنه فلما خبر بانصرافه، قال: لا جرم، والله ليعلمنَّ أنَّ ذلك سيأتيه. ثم أضعف له ما أعطى واحدًا من أصحابه، وكتب له فريضتين) .
- (وقال زمعة بن صالحٍ: كتب إلى أبي حازمٍ بعض بني أمية يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه، فكتب إليه: أما بعد، فقد جاءني كتابك تعزم علي أن أرفع إليك حوائجي، وهيهات، قد رفعت حوائجي إلى ربي، ما أعطاني منها قبلت، وما أمسك علي منها قنعت) .
- (وعن حفصٍ الجعفي، قال: ورث داود الطائي من أمه أربع مائة درهمٍ، فمكث يتقوت بها ثلاثين عامًا، فلما نفدت، جعل ينقض سقوف الدويرة، فيبيعها.
- وقال عطاء بن مسلمٍ: عاش داود عشرين سنةً بثلاث مائة درهمٍ) .
- (وذكر إبراهيم بن السري الزجاج: أنه كان يجري على أبي جعفرٍ في الشهر أربعة دراهم، يتقوت بها. قال: وكان لا يسأل أحدًا شيئًا) .

محمد رافع 52
29-05-2013, 10:46 AM
نماذج في القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) عند العلماء المعاصرين

الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي:
كان الشنقيطي قنوعًا بما رزقه الله، زاهدًا في الدنيا، عفيفًا عما في أيدي الناس، كريمًا بما يملك. وقد ذكر عنه بعض أقاربه وطلابه شيئًا من قناعته وزهده، نذكر طرفًا منها:
قال عنه ابنه عبد الله: (كان رحمه الله لا يريد الدنيا، ولا يهتم بها، ويحرص على الاقتصاد. ويقول: الذي يفرحنا أن الدنيا لو كانت ميتة لأباح الله منها سد الخلة. وكان يقول: لم أقترض قطُّ لأحد، ولم أبع، ولم أشتر، وترك لي والدي ثروة، فكنت أعيش منها، وكان عندي كنز عظيم أرجو الله أن لا يضيع مني؛ هو القناعة.
وقال عنه أيضًا: أنَّه كان في المدينة، وكان لا يوجد عنده أي مال، وقد وعده أحد جيرانه أن يقترض له مالًا. ولما أراد الشيخ رحمه الله أن يأتيه وجده يشتغل، وعليه ملابس متبذلة، فرجع عنه وكأنه وجد في نفسه قليلًا أنه في عازة. قال: ولم أشعر حتى خررت ساجدًا في الطريق في الغبار، ورفعت رأسي وعندي فرح ونشوة لا يعلمها إلا الله إكرامًا لما أعطاني من العلم، فكيف أريد دنيا، وربي أكرمني بالعلم، وبفهم كتاب الله. فذهبت إلى البيت وكأنَّ الدنيا كملت لي؛ لاستشعاري نعمة الله علي بما أعطاني من فهم القرآن. وقد سد الله لي تلك الحاجة من غير أن أسأل أحدًا، ونذهب لأحد، إكرامًا منه وفضلًا) .
وقال عنه عطية سالم: (والواقع أنَّ الدنيا لم تكن تساوي عنده شيئًا فلم يكن يهتم لها. ومنذ وجوده في المملكة وصلته بالحكومة حتى فارق الدنيا لم يطلب عطاء ولا مرتبًا ولا ترفيعًا لمرتبه ولا حصولًا على مكافأة أو علاوة. ولكن ما جاءه من غير سؤال أخذه، وما حصل عليه لم يكن ليستبقيه، بل يوزعه في حينه على المعوزين من أرامل ومنقطعين، وكنت أتولَّى توزيعه وإرساله من الرياض إلى كلِّ من مكة والمدينة. ومات ولم يخلف درهمًا ولا دينارًا، وكان مستغنيًا بعفته وقناعته. بل إنَّ حقَّه الخاص ليتركه تعففًا عنه، كما فعل في مؤلفاته، وهي فريدة في نوعها، لم يقبل التكسب بها وتركها لطلبة العلم. وسمعته يقول: لقد جئت معي من البلاد بكنز عظيم يكفيني مدى الحياة، وأخشى عليه الضياع. فقلت له: وما هو؟ قال: القناعة. وكان شعاره في ذلك قول الشاعر:


الجوع يطرد بالرغيف اليابس***فعلام تكثر حسرتي ووساوسي

محمد رافع 52
29-05-2013, 10:49 AM
مواعظ حول القناعة
موعظة عمر بن عبد العزيز في القناعة:
(قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: من وعظ أخاه بنصيحةٍ له في دينه، ونظر له في صلاح دنياه، فقد أحسن صلته، وأدى واجب حقه، فاتقوا الله، فإنها نصيحةٌ لكم في دينكم فاقبلوها، وموعظةٌ منجيةٌ من العواقب فالزموها، فالرزق مقسومٌ، ولن يعدو المرء ما قسم له، فأجملوا في الطلب، فإنَّ في القنوع سعةً وبلغةً، وكفًّا عن كَلَفةٍ، لا يحل الموت في أعناقكم، وجهته أيامكم، وما ترون ذاهبٌ، وما مضى كأن لم يكن، وكل ما هو آتٍ قريبٌ، أما رأيتم حالات المنيب وهو يشرف ويعد فراغه، وقد ذاق الموت وعائلهم تعجيل إخراج أهله إياه من داره إلى قبره، وسرعة انصرافهم إلى مسكنه، وجهه مفقودٌ، وذكره منسي، وبابه عن قليلٍ مهجورٌ، كأن لم يخالط إخوان الحفاظ، ولم يعمر الديار، فاتقوا يومًا لا تخفى فيه مثقال حبةٍ في الموازين) .
موعظة وهب بن منبه لعطاء الخرساني في القناعة:
(قال وهب بن منبهٍ لعطاءٍ الخراساني: ويحك يا عطاء! ألم أخبر أنك تحمل علمك إلى أبواب الملوك وأبناء الدنيا، ويحك يا عطاء! تأتي من يغلق عنك بابه، ويظهر لك فقره، ويواري عنك غناه! وتدع من يفتح لك بابه ويظهر لك غناه، ويقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60]. يا عطاء أترضى بالدون من الدنيا مع الحكمة، ولا ترضى بالدون من الحكمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/452) مع الدنيا؟! ويحك يا عطاء! إن كان يغنيك ما يكفيك، وإنَّ أدنى ما في الدنيا يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس في الدنيا شيءٌ يكفيك. ويحك يا عطاء! إنما بطنك بحرٌ من البحور، ووادٍ من الأودية، ولا يملؤه شيءٌ إلا التراب)

محمد رافع 52
29-05-2013, 10:52 AM
أقوال الأدباء والحكماء في القناعة
- (قال أكثم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة ظفر بالغنى والثروة.
- وقال بعض السلف: قد يخيب الجاهد الساعي، ويظفر الوادع الهادي. فأخذه البحتري فقال:


لم ألق مقدورًا على استحقاقه***في الحظ إما ناقصًا أو زائدا



وعجبت للمحدود يحرم ناصبًا***كلفًا وللمجدود يغنم قاعدا



ما خطب من حرم الإرادة قاعدًا***خطب الذي حرم الإرادة جاهدا



- وقال بعض الحكماء: إنَّ من قنع كان غنيًّا وإن كان مقترًا ، ومن لم يقنع كان فقيرًا، وإن كان مكثرًا.
- وقال بعض البلغاء: إذا طلبت العزَّ فاطلبه بالطاعة، وإذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فمن أطاع الله عز وجل عن نصره، ومن لزم القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) زال فقره.
- وقال بعض الأدباء: القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) عزُّ المعسر، والصدقة حرز الموسر) .
- (وقيل لبعض الحكماء: اكتسب فلانٌ مالًا، قال: فهل اكتسب أيامًا يأكله فيها؟ قيل: ومن يقدر على ذلك؟ قال: فما أراه اكتسب شيئًا) .
- و(كتب حكيمٌ إلى أخٍ له: أما بعد فاجعل القنوع ذخرًا، ولا تعجل على ثمرة لم تدرك، فإنك تدركها في أوانها عذبةً، والمدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح لما تؤمِّل، فثق بخيرته لك في أمورك كلِّها) .
- و(قال الحكيم: أربعةٌ طلبناها فأخطأنا طرقها: طلبنا الغنى في المال، فإذا هو في القناعة، وطلبنا الراحة في الكثرة، فإذا هي في القلة، وطلبنا الكرامة في الخلق، فإذا هي في التقوى، وطلبنا النعمة في الطعام واللباس، فإذا هي في الستر (http://dorar.net/enc/akhlaq/602) والإسلام) .
- (وقال بعض الحكماء: ما فوق الكفاف إسرافٌ.
- وقال بعض البلغاء: من رضي بالمقدور قنع بالميسور) .
- (وقال بعض الحكماء: الرضى بالكفاف يؤدي إلى العفاف) .
- و(قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية؟ قالوا: الحسن، قال: بم سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم) .

محمد رافع 52
29-05-2013, 10:53 AM
أمثال في القناعة

- يقال في المثل: خير الغنى القنوع، وشر الفقر الخضوع .
- القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) مال لا ينفد .
- وقولهم: يكفيك ما بلغك المحل .
- شر الفقر الخضوع، وخير الغنى القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) .

محمد رافع 52
29-05-2013, 11:03 AM
القناعة في واحة الشعر
قال بشر بن الحارث:


أفادتنا القناعةُ أيَّ عزٍّ***ولا عزًّا أعز من القناعه



فخذْ منها لنفسِك رأسَ مالٍ***وصيِّر بعدَها التقوَى بضاعه



تحزْ حالين: تغنى عن بخيلٍ***وتسعدُ في الِجنانِ بصبرِ ساعه



وقال محمد بن حميد الأكاف:


تقنَّعْ بالكَفافِ تعِشْ رخيا***ولا تبغِ الفضول من الكفافِ



ففي خبز القفار بغير أُدمٍ***وفي ماء القِراح غنًى وكافِ



وفي الثوب المرقَّع ما يُغطَّى***به من كلِّ عريٍ وانكشافِ



وكلُّ تزيُّن بالمرء زين***وأزينه التزيُّنُ بالعفافِ



وقال آخر:


هـي القنـاعةُ لا تـرضَى بهــا بـدلا***فيهــا النعيـمُ وفيهــا راحـةُ البـدنِ



انظـرْ لمـن ملَــك الدُّنيـا بأجمـعِـها***هـل راح منها بغيــر القطـن والكفـن



وقال عبد العزيز بن سليمان الأبرش:


إذا المرءُ لم يقنَعْ بعيشٍ فإنَّه***وإن كان ذا مالٍ من الفقرِ مُوقرُ



إذا كان فضلُ الناس يُغنيك بينهم***فأنت بفضل الله أغنى وأيسرُ



وقال آخر:


نصف القنوع وأينا يقنع***أو أينا يرضى بما يجمع



لله درُّ ذوي القناعةِ ما***أصفى معاشهم وما أوسع



من كان يبغي أن يلذَّ وأن***تهدى جوارحه فما يطمع



فقرُ النفوس بقدر حاجتها***وغنى النفوس بقدر ما تقنع



وقال محمود الوراق:


غنى النفس يغنيها إذا كنت قانعا***وليس بمغنيك الكثيرُ مع الحرصِ



وإن اعتقاد الهمِّ للخير جامعٌ***وقلةُ همِّ المرء يدعو إلى النقصِ



وقال آخر:


رضيتُ من الدنيا بقوتٍ يقيمني***فلا أبتغي مِن بعده أبدًا فضلا



ولست أرومُ القُوتَ إلَّا لأنَّه***يُعينُ على علمٍ أردُّ به جهلا



فما هذه الدنيا بطِيبِ نعيمها***لأيسرِ ما في العلمِ من نكتةٍ عَدلا



وقال آخر:


عليك بتقوَى اللهِ واقنعْ برزقِه***فخيرُ عبادِ الله مَن هو قانعُ



ولا تُلهِك الدنيا ولا تطمعْ بها***فقد يُهلك المغرورَ فيها المطامعُ



وقال ابن تيمية:


وجدتُ القناعةَ ثوبَ الغنى***فصرتُ بأذيالها أمتسكْ



فألبسني جاهُها حلةً***يمرُّ الزمانُ ولم تُنتهَكْ



فصرتُ غنيًّا بلا درهمٍ***أمرُّ عزيزًا كأنِّي مَلِكْ



وما أحسن قول الشافعي:


خَبَرتُ بَني الدنيا فلم أرَ منهم***سِوى خادعٍ والخبثُ حشوُ إهابِه



فجرَّدتُ عن غِمدِ القناعةِ صارمًا ***قطعتُ رجائي منهمُ بذُبابِه



فلا ذا يراني واقفًا بطريقِه***ولا ذا يراني قاعدًا عندَ بابِه



غنيٌّ بلا مالٍ عن الناسِ كلِّهم***وليس الغِنى إلا عن الشيءِ لا به



وقال آخر:


إذا أظمأتك أكفُّ اللئامِ***كفَتْك القناعةُ شِبَعًا ورِيَّا



فكن رجلًا رِجله في الثَّرَى***وهامةُ همَّتِه في الثُّريَّا



أبيًّا لنائلِ ذي ثروةٍ***تَراه بما في يديه أبيا



فإنَّ إراقةَ ماءِ الحياةِ***دونَ إراقةِ ماءِ المحيَّا

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=u8SlUbiaM4TFPIXkgPAN&psig=AFQjCNEIusAGSbSVf0uucvKkAt9gYA9DpQ&ust=1369904683609633)

محمد رافع 52
29-05-2013, 11:10 AM
كتمان السِّرِّ

كتمان السِّرِّ لغةً واصطلاحًا
الكتمان لغةً:
الكتمان مصدر كتم، من باب نصر، يقال: كتم الشيء كَتمًا وكِتمانًا: ستره وأخفاه .
الكتمان اصطلاحًا:
الكتمان هو: ستر الحديث .
وقيل: (هو ضبط النفس ضد دوافع التعبير عما يختلج فيها) .
السِّر لغةً:
السِّرُّ: ما تكتمه وتخفيه، وهو خلاف الإعلان، وجمعه أسرار. والسرِيرةُ: كالسِّرِّ، والجمع السرائر، وأسْرَرْت الحديث إسرارًا أخفيته .
السِّر اصطلاحًا:
السِّر هو: الحديث المكتتم في النفس .

محمد رافع 52
29-05-2013, 11:12 AM
الفرق بين الكتمان والسِّرِّ والنَّجوى والاختفاء

- الفرق بين النَّجوى والسِّرِّ:
(أنَّ النجوى: اسم للكلام الخفي الذي تناجي به صاحبك، كأنَّك ترفعه عن غيره، وذلك أنَّ أصل الكلمة الرفعة، ومنه النجوة من الأرض، وسمِّي تكليم الله تعالى موسى عليه السلام مناجاةً؛ لأنَّه كان كلامًا أخفاه عن غيره.
والسِّرُّ: إخفاء الشيء في النفس، ولو اختفى بسترٍ، أو وراء جدارٍ لم يكن سرًّا، ويقال في هذا الكلام سر تشبيهًا بما يخفي في النفس، ويقال: سري عند فلان، تريد ما يخفيه في نفسه من ذلك، ولا يقال: نجواي عنده. وتقول لصاحبك: هذا أُلقيه إليك. تريد المعنى الذي تخفيه في نفسك، والنجوى تتناول جملة ما يتناجى به من الكلام، والسِّر يتناول معنى ذلك، وقد يكون السِّر في غير المعاني مجازًا تقول: فعل هذا سرًّا، وقد أسرَّ الأمر. والنجوى لا تكون إلا كلامًا) .
- الفرق بين الكتمان والإسرار:
(قيل: المكتوم يختص بالمعاني، كالأسرار والأخبار؛ لأنَّ الكتمان لا يستعمل إلا فيهما.
والمستور يختص بالجثث والأعيان؛ لأنَّ الأصل في السِّر تغطية الشيء بغطاء. ثم استعمل في غيرها تجوزًا) .
- الفرق بين الكتمان والاختفاء:
(أن الكتمان هو السكوت عن المعنى، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ [البقرة: 159] أي: يسكتون عن ذكره.
والإخفاء: يكون في ذلك وفي غيره، والشاهد أنك تقول: أخفيت الدرهم في الثوب. ولا تقول: كتمت ذلك. وتقول: كتمت المعنى وأخفيته. فالإخفاء أعمُّ من الكتمان) .

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:28 PM
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى حكايةً عن كتمان يوسف عليه السلام للرؤيا التي رآها بأمر من أبيه: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يوسف: 5].
قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قصَّ عليه ما رأى من هذه الرؤيا، التي تعبيرها خضوع إخوته له وتعظيمهم إياه تعظيمًا زائدًا، بحيث يخرُّون له ساجدين إجلالًا، وإكرامًا، واحترامًا، فخشي يعقوب عليه السلام، أن يحدِّث بهذا المنام أحدًا من إخوته فيحسدوه على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسدًا منهم له؛ ولهذا قال له: يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5] أي: يحتالوا لك حيلة يردونك فيها... ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر) .
وقال سبحانه في مؤمن آل فرعون الذي كتم إيمانه: وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [غافر: 28].

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:32 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ من أشرِّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها)) .
قال ابن الجوزي: (المراد بالسرِّ ها هنا: ما يكون من عيوب البدن الباطنة، وذاك كالأمانة فلزم كتمانه) .
- وعن جابر رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة)) .

قال المناوي في شرحه لهذا الحديث: (قوله: إذا حدَّث الرجل. أي: الإنسان فذكر الرجل غالبي .الحديث. وفي رواية:أخًا له بحديث. وفي أخرى: إذا حدث رجل رجلًا بحديث ثم التفت. أي: غاب عن المجلس، أو التفت يمينًا وشمالًا، فظهر من حاله بالقرائن أنَّ قصده أن لا يطَّلع على حديثه غير الذي حدَّثه به. فهي. أي: الكلمة التي حدثه بها. أمانة. عند المحدث أودعه إياها، فإن حدَّث بها غيره فقد خالف أمر الله، حيث أدَّى
الأمانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/108) إلى غير أهلها، فيكون من الظالمين فيجب عليه كتمها؛ إذ التفاته بمنزلة استكتامه بالنطق، قالوا وهذا من جوامع الكلم، لما في هذا اللفظ الوجيز من الحمل على آداب العشرة، وحسن الصحبة، وكتم السِّر، وحفظ الودِّ، والتحذير من النَّمِيمَة بين الإخوان، المؤدية للشنآن ما لا يخفى)

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:35 PM
أقوال السلف والعلماء في كتمان السر
- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (سرُّك أسيرك، فإن تكلمت به، صرت أسيره) .
- وقال عمرو بن العاص: (عجبت من الرجل يفرُّ من القدر، وهو مواقعه! ويرى القذاة في عين أخيه، ويدع الجذع في عينه! ويخرج الضغن من نفس أخيه، ويدع الضغن في نفسه! وما وضعت سرِّي عند أحد فلمته على إفشاءه، وكيف ألومه وقد ضقت به ذراعا؟) .
- وقال أيضًا: (ما وضعت سرِّي عند أحد أفشاه عليَّ فلمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه) .
- وأسرَّ معاوية رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه: (يا أبت، إن أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال: قلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن أحبُّ أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ. فأتيت معاوية رضي الله عنه فحدثته، فقال: يا وليد، أعتقك أخي من رقِّ الخطأ) .
- وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلُّ امرئ مفتاح سرِّه) .
- وعن الحسن رحمه الله، قال: (سمعته يقول: إنَّ من الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) أن تحدِّث بسرِّ أخيك) .
- وقال أبو حاتم: (من حصَّن بالكتمان سرَّه تمَّ له تدبيره، وكان له الظفر بما يريد، والسلامة من العيب والضرر، وإن أخطأه التمكن والظفر والحازم يجعل سره في وعاء، ويكتمه عن كل مستودع، فإن اضطره الأمر وغلبه، أودعه العاقل الناصح له؛ لأنَّ السِّر أمانة، وإفشاؤه خيانة، والقلب له وعاؤه، فمن الأوعية ما يضيق بما يودع، ومنها ما يتسع لما استودع) .
- وقال أيضًا: (الإفراط في الاسترسال بالأسرار عجز، وما كتمه المرء من عدوه فلا يجب أن يظهره لصديقه، وكفى لذوي الألباب عبرًا ما جربوا، ومن استودع حديثًا فليستر، ولا يكن مهتاكًا، ولا مشياعًا؛ لأن السِّر إنَّما سمِّي سرًّا؛ لأنَّه لا يفشى، فيجب على العاقل أن يكون صدره أوسع لسرِّه من صدر غيره، بأن لا يفشيه) .
- وقال: (الظفر بالحزم، والحزم بإجالة الرأي، والرأي بتحصين الأسرار، ومن كتم سره كانت الخيرة في يده، ومن أنبأ الناس بأسراره هان عليهم وأذاعوها، ومن لم يكتم السِّر استحقَّ الندم، ومن استحق الندم صار ناقص العقل، ومن دام على هذا رجع إلى الجهل، فتحصين السِّرِّ للعاقل أولى به من التلهُّف بالندم بعد خروجه منه، ولقد أحسن الذي يقول:


خشيت لساني أن يكون خؤونا***فأودعته قلبي فكان أمينا



فقلت ليخفى دون شخصي وناظري***أيا حركاتي كن في سكونا)



- وقال ابن الجوزي: (رأيت أكثر الناس لا يتمالكون من إفشاء سرِّهم، فإذا ظهر، عاتبوا من أخبروا به. فوا عجبًا! كيف ضاقوا بحبسه ذرعًا، ثم لاموا من أفشاه؟!) .
- وقال الراغب الأصفهاني: (إذاعة السِّر من قلة الصبر، وضيق الصدر، وتوصف به ضعفة الرجال والصبيان والنساء

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:37 PM
فوائد كتمان السر

1- حفظ الأسرار من علامات المروءَة والنبل.
2- من أعظم أسباب النصر على الأعداء.
3- درء مفسدة الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والحسد.
4- تُقَوِّي الصِّلة بين الإخوة.
5- تُقَلأسرار سبب من أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح .
7- كتمان السِّر كرم فِي النَّفس، وسمو فِي الهمة، وَدَلِيل على المروءَة، وسبب للمحبة، ومبلغ إلى جليل الرتبة

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:42 PM
أنواع السر
قال الراغب الأصفهاني: (السِّرُّ ضربان؛ أحدهما: ما يلقي الإنسان من حديث يستكتم، وذلك إمَّا لفظًا،كقولك لغيرك: اكتم ما أقول لك، وإمَّا حالًا، وهو أن يتحرى القائل حال انفراده فيما يورده، أو يخفض صوته، أو يخفيه عن مجالسيه، ولهذا قيل: إذا حدَّثك الإنسان بحديث فالتفت فهو أمانة.
والثاني: أن يكون حديثًا في نفسك بما تستقبح إشاعته، أو شيئًا تريد فعله، وإلى الأول من ذلك أشار النَّبي بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى منكم من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر اللَّه)) ، وإلى الثاني أشار من قال: ((من وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه)) .
وكتمان النوع الأول من الوفاء، ويختص بعامة الناس، والثاني من الحزم والاحتياط، وهو مختص بالملوك وأصحاب السياسات... والسبب في أنَّه يصعب كتمان السِّر هو: أن للإنسان قوتين، آخذة، ومعطية. وكلتاهما تتشوف إلى الفعل المختص بها، ولولا أنَّ اللَّه تعالى وكَل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوده، فصارت هذه القوَّة تتشوف إلى فعلها الخاص بها، فعلى الإنسان أن يمسكها ولا يطلقها إلى حيث ما يجب إطلاقها، ولا يخدعنَّك عن سرِّك قول من قال: وأكتم السِّر فيه ضربة العنق.
وقول من ينشدك:


ويكاتم الأسرار حتى كأنه***ليصونها عن أن تمر بباله



فذلك قول من يستنزلك عما في قلبك، فإذا استفزع ما عندك لم يرْعَ فيه حقَّك، فقد قيل: الصبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/784) على القبض على الجمر أيسر، من الصبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/784) على كتمان السر. وما أصدق من أنبأ عن حقيقة حاله حيث قال له صديقه: أريد أن أفشي إليك سرًّا تحفظه عليَّ، فقال، لا أريد أن أوذي قلبي بنجواك، وأجعل صدري خزانة شكواك، فيقلقني ما أقلقك، ويؤرقني ما أرقك، فتبيت بإفشائه مستريحًا، ويبيت قلبي بحرِّه جريحًا) .

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:47 PM
صور كتمان السر
لا شك أن الأصل في السِّر كتمانه وعدم إفشائه، ويستثنى من هذا الأصل بعض المجالس التي لا حرمة لأسرارها.
1- كتمان قضاء الحاجات:
من يريد أن يقوم بعمل ما، عليه أن يكتمه وأن لا يحدث به كل أحد حتى يقوم بإكماله.
قال الشاعر:


وإن أردتَ نجاحًا في كل آونةٍ***فاكتم أمورك عن حاف ومنتعلِ



2- كتمان الأسرار الزوجية:
كتمان الأسرار الزوجية من الأمور (التي يجب حفظها وعدم إفشائها... فهو أولًا: حق المرأة في عدم إفشاء ما يكون منها لزوجها، وهو ثانيًا: حق الآداب الإسلامية العامة التي توصي بستر مثل هذه الأمور، فالمرء مستأمن عليها من جهتين، جهة الآداب الإسلامية، وجهة صاحب الحق الخاص) .
فعن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه، ثم ينشر سرها)) .
3- كتمان أسرار الدولة:
لا شك أن الدول تكون لها أسرارها التي لا ينبغي كشفها أو اطلاع أحد عليها، وخاصة الأسرار الحربية، وقد كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يكتم الأسرار، ومنها ما يتعلق بالأسرار الحربية والعسكرية، فكان من هديه إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها .
وأرسل سرية بقيادة عبد الرحمن بن جحش ((وكتب له كتابًا، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين ثم ينظر فيه، فيمضي لما أمره به صلى الله عليه وسلم، ولا يستكره من أصحابه أحدًا فلما سار بهم يومين فتح الكتاب، فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف، وترصد بها قريشًا، وتعلم لنا من أخبارهم. فلما نظر في الكتاب قال: سمعًا وطاعةً، وأخبر أصحابه بما في الكتاب وقال: قد نهاني أن أستكره أحدًا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة، ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماض لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمضى ومضى معه أصحابه لم يتخلف منهم أحد) .

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:50 PM
نماذج من كتمان السِّر في حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم
- كان للكتمان أثر كبير في مباغتة النَّبي صلى الله عليه وسلم للعدو:
(فبعد شهرين من غزوة أحد بلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم أن طليحة وسلمة ابني خويلد يحرضان قومهما بني أسد بن خزيمة، لغزو المدينة المنورة ونهب أموال المسلمين فيها، وقرر النَّبي صلى الله عليه وسلم إرسال جيش من المسلمين، وأمرهم بالسير ليلًا والاستخفاء نهارًا، وسلوك طريق غير مطروقة حتى لا يطلع أحد على أخبارهم ونياتهم، فباغتوا بذلك بني أسد في وقت لا يتوقعونه) .
- وفي غزوة (دومة الجندل) قاد النَّبي صلى الله عليه وسلم ألف راكب وراجل، من المهاجرين والأنصار، لمنع القبائل التي تقطن (دومة الجندل) من قطع الطرق ونهب القوافل، والقضاء على حشودها التي تزمع غزو المدينة المنورة.
وخرج الرسول صلى الله عليه وسلم بالمسلمين من المدينة المنورة يكمن بهم نهارًا ويسير ليلًا، وقد قطع المسلمون المسافة بين المدينة المنورة و(دومة الجندل) فلم يجد المسلمون أحدًا منهم... وعاد المسلمون من (دومة الجندل) بعد أن أقاموا فيها بضعة أيام. إن كتمان نيات المسلمين بالمسير ليلًا هو الذي جعلهم ينتصرون على أعدائهم .
- وفي غزوة فتح مكة المكرمة بلغ النَّبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق عامل الكتمان حد الرَّوعة، حتى ليمكن اعتبار هذه الغزوة مثالًا من أعظم أمثلة التاريخ العسكري في تطبيق الكتمان إلى أبعد الحدود.
وأمر أهله أن يجهزوه، ولكنه لم يخبر أحدًا من المسلمين في الداخل أو الخارج بنياته، وأهدافه من حركته واتجاهها، بل أخفى نياته وأهدافه واتجاه حركته حتى عن أقرب المقربين إليه، ولما اقترب موعد الحركة صرَّح الرسول صلى الله عليه وسلم بأنَّه سائر إلى مكة المكرمة، ولكنه بث عيونه وأرصاده؛ ليحول دون وصول أخبار اتجاه حركته إلى قريش، وبعث حاطب بن أبي بلتعة رسالة أعطاها امرأة متوجهة إلى مكة المكرمة، أخبرهم في تلك الرسالة بنيات المسلمين في التوجه إلى فتح مكة المكرمة . فعن عبيد الله بن أبي رافع، قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه، يقول: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير، والمقداد بن الأسود، قال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها ظعينة، ومعها كتاب فخذوه منها، فانطلقنا تعادي بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. فقالت: ما معي من كتاب. فقلنا: لتخرجنَّ الكتاب أو لنلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها ، فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا حاطب ما هذا؟ قال: يا رسول الله، لا تعجل عليَّ إني كنت امرأً ملصقًا في قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة، يحمون بها أهليهم وأموالهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم، أن أتخذ عندهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت كفرًا ولا ارتدادًا، ولا رضًا بالكفر بعد الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد صدقكم. قال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال: إنَّه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)) .

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:52 PM
نماذج للصحابة في كتمان السِّرِّ
- روى البخاري عن عبد الله بن عمر، أنَّ عمر رضي الله عنه حين تأيمت بنته حفصة من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرًا، توفي بالمدينة، قال عمر: ((فلقيت عثمان ابن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر، فقلت: إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئًا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت: نعم، قال: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها)) .
- وعن عائشة قالت: ((كنَّ أزواج النَّبي صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تخطئ مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا، فلما رآها رحَّب بها فقال: مرحبًا بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم سارها فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى جزعها سارها الثانية فضحكت. فقلت لها: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين نسائه بالسرار، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها، ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه. قالت: فلما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ لما حدثتني ما قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: أما الآن فنعم، أما حين سارني في المرة الأولى فأخبرني: أن جبريل كان يعارضه القرآن في كلِّ سنة مرة أو مرتين، وإنَّه عارضه الآن مرتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإنه نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارني الثانية، فقال: يا فاطمة، أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الأمة؟ قالت: فضحكت ضحكي الذي رأيت)) .
- وعن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال: ((أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم- وأنا ألعب مع الغلمان- قال: فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة. قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سرٌّ. قالت: لا تحدثنَّ بسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا. قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك يا ثابت)) .
- وكان حذيفة بن اليمان صاحب سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن علقمة قال: (قدمت الشام فصليت ركعتين ، ثم قلت : اللهم يسر لي جليسا صالحا ، فأتيت قوما فجلست إليهم ، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي ، قلت : من هذا ؟ قالوا : أبو الدرداء ، فقلت : إني دعوت الله أن ييسر لي جليسا صالحا ، فيسرك لي ، قال : ممن أنت ؟ قلت : من أهل الكوفة ، قال : أو ليس عندكم ابن أم عبد ، صاحب النعلين والوساد والمطهرة ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم - أو ليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلمه أحد غيره؟ -يعني حذيفة ابن اليمان-) .

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:54 PM
صفات أمين السرِّ
ذكر الماوردي بعض الصفات التي يلزم أن تتوفر في الشخص الذي يُؤتمن على السرِّ، فقال:
1- أن يكون ذا عقل صاد.
2- ودين حاجز.
3- ونصح مبذول.
4- وود موفور.
5- وكتومًا بالطبع.
فإن هذه الأمور تمنع من الإذاعة، وتوجب حفظ الأمانة

محمد رافع 52
30-05-2013, 11:57 PM
حكم وأمثال في كتمان السر
- كن على حفظ سرك، أحرص منك على حقن دمك.
- من وهن الأمور إعلانه قبل إحكامه.
- لا تنكح خاطب سرك.
- كلما كثر خزان الأسرار ازدادت ضياعًا.
- قلوب العقلاء حصون الأسرار.
- انفرد بسرك، ولا تودعه حازمًا فيزل، ولا جاهلًا فيخون.
- وقيل: أصبرُ النَّاس مَن صبر على كتمان سرِّه، فلم يبده لصديقه.
- الصَّبر على التهاب النار أهون من الصَّبر على كتمان السرِّ .
- صدرك أوسع لسرِّك .
- وكان يقال: الكاتم سرَّه بين إحدى فضيلتين: الظَّفر بحاجته، والسلامة من شرِّ إذاعته .

محمد رافع 52
31-05-2013, 12:06 AM
كتمان السِّرِّ في واحة الشعر
: أنس بن أسيد:


ولا تُفشِ سرَّك إلا إليك***فإنَّ لكلِّ نصيح نصيحًا



فإني رأيتُ وُشاةَ الرجالِ***لا يتركون أديمًا صحيحًا



وقال علي بن محمد البسامي:


تبيحُ بسرِّك ضِيقًا به***وتبغي لسرِّك مَن يكتمُ



وكتمانُك السِّرَّ ممن تخافُ***ومَن لا تخافنَّه أحزمُ



إذا ذاع سرُّك من مخبَرٍ***فأنت وإن لمته ألومُ



وقال آخر:


إذا المرءُ أفشَى سرَّه بلسانه***ولام عليه غيره فهو أحمقُ



إذا ضاق صدرُ المرءِ عن سرِّ نفسِه***فصدرُ الذي يُستودعُ السِّرَّ أضيقُ



وقال عبد العزيز بن سليمان:


إذا ضاق صدرُ المرءِ عن بعضِ سرِّه***فألقاه في صدري فصدري أضيقُ



ومَن لامني في أن أُضيِّع سِرَّه***وضيَّعه قبلي فذو السِّر أخرقُ



وقال الصلتان السعدي:


وسرُّك ما كان عندَ امرئٍ***وسرُّ الثلاثةِ غيرُ الخفِي



وقال آخر:


فلا تنطق بسرِّك كلُّ سرّ***إذا ما جاوز الاثنين فاشي



وقال بعض الشعراء:


ولو قدرتُ على نسيانِ ما اشتملتْ***مني الضلوعُ على الأسرارِ والخبرِ



لكنت أولَ من ينسى سرائرَه***إذا كنت مِن نشرِها يومًا على خطرِ



وحكي أن عبد الله بن طاهر تذاكر الناس في مجلسه حفظ السِّرِّ فقال ابنه:


ومستودعي سرًّا تضمنت سرَّه***فأودعته من مستقر الحشى قبرًا



ولكنني أخفيه عنِّي كأنني***من الدهر يومًا ما أحطتُ به خبرًا



وما السِّرُّ في قلبي كمَيْتٍ بحفرة***لأنِّي أرى المدفون ينتظر النشرا



قال الشاعر:


إنَّ الكريم الذي تبقَى مودَّتُه***ويحفظُ السرَّ إن صافى وإن صرما



ليس الكريم الذي إن غاب صاحبُه***بثَّ الذي كان مِن أسرارِه علما



وقال آخر:


وكنت إذا استودعت سرًّا كتمته***كبَيْضِ أَنُوقٍ لا يُنال لها وكرُ

محمد رافع 52
31-05-2013, 12:11 AM
http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg
كَظْم الغَيْظ

معنى كَظْم الغَيْظ لغةً واصطلاحًا
معنى الكَظْم لغةً:
أصل مادة كظم يَدُلُّ على معنًى واحد، وهو الإمساك، والجَمعُ للشَّيء.
وأَصْل الكَظْم: حَبْسُ الشَّيء عن امتلائه، يقال: كَظَمْت القِرْبَة، إذا ملَأْتها.
ويقال: كَظَمْت الْغَيْظ، أَكْظِمُه كَظْمًا، إِذا أمْسَكت على ما في نفسك منه .
قال المناوي: (الكَظْم: الإمْسَاك على ما في النَّفس من صَفْحٍ أو غَيْظٍ) .
معنى الغَيْظ لغةً:
الغَيْظ: الغَضَب، وقيل: الغَيْظ غَضَبٌ كامنٌ للعاجز، وقيل: هو أشدُّ من الغَضَب، وقيل: هو سَوْرَته وأوَّله. وغِظْت فلانًا، أَغِيظُه غَيْظًا. وقد غَاظَه، فاغْتَاظ. وغَيَّظه، فتَغَيَّظ، وهو مَغِيظ .
وقال الأصفهاني: (الغَيْظ: أشدُّ الغَضَب، وهو الحرارة التي يجدها الإنسان من فَوَرَان دم قلبه) .
معنى كَظْم الغَيْظ اصطلاحًا:
كَظْم الغَيْظ: تجرُّعه، واحتمال سببه، والصَّبر عليه .
ويقال: كَظَم غَيْظَه، أي: سكت عليه، ولم يُظْهِره بقولٍ أو فعلٍ، مع قُدْرته على إيقاعه بعدوِّه .
وقال ابن عطيَّة: (كَظْم الغَيْظ: ردُّه في الجَوْف إذا كاد أن يخرج مِن كَثْرَته، فضبطه ومَنَعَه) .

محمد رافع 52
31-05-2013, 12:13 AM
الفرق بين الغَيْظ والغَضَب

قال ابن عطيَّة: (الغَيْظ: أصل الغَضَب، وكثيرًا ما يتلازمان، ولذلك فسَّر بعض النَّاس الغَيْظ بالغَضَب، وليس تحرير الأمر كذلك، بل الغَيْظ: فعل النَّفس، لا يظهر على الجوارح. والغَضَبُ: حالٌ لها معه ظهورٌ في الجوارح، وفعلٌ ما ولا بدَّ، ولهذا جاز إسناد الغَضَب إلى الله تعالى، إذ هو عبارة عن أفعاله في المغضوب عليهم، ولا يُسْند إليه تعالى غيظٌ) .
وقال أبو هلال العسكري: (الفَرْق بين الغَيْظ والغَضَب: أنَّ الإنسان يجوز أن يغْتَاظ مِن نفسه، ولا يجوز أن يغضب عليها، وذلك أنَّ الغَضَب: إرادة الضَّرر للمغضوب عليه. ولا يجوز أن يريد الإنسان الضَّرر لنفسه. والغَيْظ يقرب من باب الغمِّ) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 12:44 AM
أولًا: في القرآن الكريم
- قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 133-134].
قال ابن عاشور: (الكاظمين الغَيْظ، وكَظْم الغَيْظ: إمسَاكه، وإخفاؤه حتى لا يظهر عليه، وهو مأخوذ من كَظْم القِرْبة إذا مَلَأَها وأمسك فَمَها، قال المبرِّد: فهو تمثيلٌ للإمْسَاك مع الامتلاء، ولا شكَّ أنَّ أقوى القُوَى تأثيرًا على النَّفس القُوَّة الغَاضِبة، فتشتهي إظهار آثار الغَضَب، فإذا استطاع إمْسَاك مظاهرها، مع الامتلاء منها، دلَّ ذلك على عزيمةٍ راسخةٍ في النَّفس، وقهر الإرادة للشَّهوة، وهذا من أكبر قُوى الأخلاق الفاضلة) .
قال الطِّيبي: (وإنَّما حُمِد الكَظْم؛ لأنَّه قَهْر للنَّفس الأمَّارة بالسُّوء، ولذلك مدحهم الله- تعالى- بقوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [آل عمران: 134]، ومن نهى النَّفس عن هواه، فإنَّ الجنَّة مأواه، والحور العين جزاءه. قلت: وهذا الثَّناء الجميل، والجزاء الجزيل إذا ترتَّب على مجرَّد كَظْم الغَيْظ، فكيف إذا انضَمَّ العَفو إليه، أو زاد بالإحسان عليه) .
- قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35].
قال الزَّجَّاج: (وما يُلَقَّى هذه الفِعلة وهذه الحالة -وهي دفع السَّيئة بالحسنة- إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا على كَظْم الغَيْظ، واحتمال المكروه) .
- وقال تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ [النَّحل: 126].
قال الطَّبري: (يقول -تعالى ذكره- للمؤمنين: وإن عاقبتم أيُّها المؤمنون مَنْ ظَلَمَكم واعتدى عليكم، فعاقبوه بمثل الذي نالكم به ظالمكم مِنْ العقوبة، ولئن صبرتم عن عقوبته، واحتسبتم عند الله ما نالكم به مِن الظُّلم، ووَكَلْتم أمره إليه، حتى يكون هو المتولِّي عقوبته، لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ يقول: للصَّبر عن عقوبته بذلك، خيرٌ لأهل الصَّبر احتسابًا، وابتغاء ثواب الله؛ لأنَّ الله يعوِّضه مِن الذي أراد أن يناله بانتقامه من ظالمه على ظُلْمه إيَّاه من لذَّة الانتصار، وهو من قولهلَهُوَ كِنَايَة عن الصَّبر، وحُسْن ذلك، وإن لم يكن ذَكَرَ قبل ذلك الصَّبرَ؛ لدلالة قوله: وَلَئِن صَبَرْتُمْ عليه) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 12:48 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)) .
قال النَّوويُّ: (فيه كَظْم الغَيْظ، وإمْسَاك النَّفس عند الغَضَب عن الانتصار والمخاصمة والمنازعة) .
قال المناوي: (... ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة)). بضمٍّ، فَفَتْح، مَن يَصْرَع النَّاس كثيرًا، أي: ليس القَوِيُّ من يقدر على صَرْع الأبطال مِن الرِّجال. ((إنَّما الشَّديد)). على الحقيقة. الذي يملك نفسه عند الغَضَب.
أي: إنَّما القوىُّ -حقيقةً- الذي كَظَم غَيْظَه عند ثَوَرَان الغَضَب، وقاوَم نفسه، وغَلَب عليها، فحوَّل المعنى فيه من القُوَّة الظَّاهرة إلى الباطنة) .
- عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله، مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله)) .
والمعنى: (ما مِن جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله تعالى مِن جَرْعَة غَيْظٍ، كَظَمَها عبدٌ. مع القُدْرَة على التَّنفيذ، شبَّه جَرْع غَيْظِه وردَّه إلى باطنه بتجرُّع الماء، وهي أحبُّ جَرْعةٍ يتجرَّعها العبد، وأعظمها ثوابًا، وأرفعها درجةً لحَبْس نفسه عن التَّشَفِّي، ولا يحصل هذا العِظَم إلَّا عند القُدْرة على الانتقام، وبكفِّ غضبه لله تعالى، ابتغاء وجه الله تعالى) .
- وعن سهل بن معاذ بن أنس الجهني، عن أبيه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ كظم غيظًا، وهو يستطيع أن يُنفذه، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق، حتى يخيِّره في أيِّ الحور شاء)) . (لأنَّه قهر النَّفس الأمَّارة بالسُّوء، والنَّفس مجبولة -في مثله- على الانتقام، والمجازاة بالإساءة. ولذا كان ذلك مِن آداب الأنبياء والمرسلين، ومِن ثمَّة خدَم أنسٌ المصطفى عشر سنين، فلم يَقُل له في شيء فعله: لِمَ فعلته؟ ولا في شيء تركه: لِمَ تركته؟ حتى يخيِّره في أي الحور شاء. فيختار ما شاء منهنَّ) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 12:51 AM
أقوال السَّلف والعلماء في كَظْم الغَيْظ

قال عمر بن الخطَّاب: (مَنْ خاف الله لم يَشْفِ غَيْظه، ومَنْ اتَّقى الله لم يصنع ما يريد، ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون) .
- وقال ابن عبد البر: (مَن كَظَم غَيْظَه وردَّ غَضَبه، أخزى شيطانه، وسَلِمت مروءته ودينه) .
قال الرَّاغب: (الكَظْم يدفع محذور النَّدم، كالماء يُطفئ حرَّ الضَّرم . كَظْمٌ يتردَّد في حلقي، أحبُّ إليَّ من نقص أجده في خُلُقي) .
- وقيل: (اصبر على كَظْم الغَيْظ، فإنَّه يُورث الرَّاحة، ويؤمِّن السَّاحة) .
- وقال علي رضي الله عنه: (دُمْ على كَظْم الغَيْظ تُحْمد عواقبك) .
- وقال الغزالي: (كَظْم الغَيْظ عبارة عن التَّحلُّم، أي: تكلُّف الحِلْم، ولا يحتاج إلى كَظْم الغَيْظ إلَّا من هاج غَيْظه، ويحتاج فيه إلى مجاهدة شديدة، ولكن إذا تعوَّد ذلك مدَّةً، صار ذلك اعتيادًا، فلا يهيج الغَيْظ، وإنْ هاج فلا يكون في كظمه تعبٌ، وهو الحِلْم الطَّبيعي، وهو دلالة كمال العقل واستيلائه، وانكسار قوَّة الغَضَب، وخضوعها للعقل) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 12:55 AM
فوائد كَظْم الغَيْظ

1- اعتداد الجنَّة له بجعل صاحبه معدًّا ومهيئًا للجنَّة:
قال الله تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 133-134].
2- عِظَم الأجر به وتوفيره:
عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله، من جَرْعَة غَيْظٍ كَظَمَها عبد ابتغاء وجه الله)).
3- خضوع العدو وتعظيمه للذي يكظم غيظه:
عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما في قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [المؤمنون: 96]، قال: الصَّبر عند الغَضَب، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا عظَّمهم عدوُّهم، وخضع لهم.
4- دلالة قهر الغَضَب به على الشِّدة النَّافعة
ففي الصَّحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعَة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)).
5- التَّغلُّب على الشَّيطان:
عن أنس، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم: مرَّ بقوم يَصْطَرِعون، فقال: ((ما هذا؟ فقالوا: يا رسول الله، فلانٌ الصَّريع، لا ينتدِب له أحدٌ إلَّا صَرَعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألَا أدلُّكم على من هو أشدُّ منه؟ رجلٌ ظلمه رجلٌ، فكَظَم غَيْظَه فغلبه، وغلب شيطانه، وغلب شيطان صاحبه)) .
6- يعين على ترك الغَضَب:
قال ابن حجر: (استحضار ما جاء في كَظْم الغَيْظ من الفضل يعين على ترك الغَضَب) .
7- سببٌ في دفع الإساءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1642) بالإحسان، والمكروه بالمعروف، والقهر باللُّطف:
قال الله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35].

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:04 AM
الوسائل المعينة على كَظْم الغَيْظ
1- أن يعرف المرء الأجر المترتِّب على كَظْم الغَيْظ والعفو عن المخطئين، ويستشعر أنَّه بذلك يطلب الأجر والثَّواب من عند الله تبارك وتعالى.
2- إنَّ رحمة المخطئ والشَّفقة عليه داعيةٌ لكَظْم الغَيْظ، وإخماد نار الغَضَب، وهذا السَّبب قد بيَّنه القرآن الكريم، حيث قال الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران: 159].
3- من الأسباب كذلك أن يربِّي المؤمن نفسه على سعة الصَّدر، فإنَّ سعة الصَّدر تحمل الإنسان على الصَّبر في حال الغَضَب، والعفو عند المقدرة، لذا قيل -قديمًا-: (أحسن المكارم؛ عفو المقْتدر، وجود المفْتقر) ، وقبل ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشُّورى: 43].
4- كذلك فإنَّ شرف نفس المرء واتِّصافه بعلوِّ الهمَّة، من الأسباب المؤدِّية إلى كَظْم الغَيْظ، فهو يترفَّع عن التَّلفُّظ بما يُنزل نفسه، ويحطُّ من قدرها:


لن يبلغ المجدَ أقوامٌ وإن كرموا***حتى يذِلُّوا وإن عزُّوا لأقوام



ويُشْتموا فترى الألوان مشرقة***لا عفو ذُلٍّ ولكن عفو أحلام



5- ومن الأسباب كذلك: الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508) من التَّلبُّس بأخطاء المخطئ، ومقابلته فيما يفعل، قال بعض الحكماء: (احتمال السَّفيه خيرٌ من التَّحلِّي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خيرٌ من مُشَاكلته) .
قال الشَّاعر:


سألزم نفسي الصَّفح عن كلِّ مذنبٍ***وإن كثرت منه إليَّ الجرائم



فما النَّاس إلَّا واحد من ثلاثة***شريف ومَشْرُوف ومثلي مُقَاوِم



فأمَّا الذي فوقي فأعرف فضله***وأتبع فيه الحقَّ والحقُّ قائم



وأمَّا الذي دوني فإن قال صنت عن***إجابته نفسي وإن لام لائم



وأمَّا الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا***تفضَّلت إنَّ الفضل بالفخر لازم



6- ومن ذلك أيضًا: تعويد النَّفس وتدريبها على خُلُق الصَّبر، فهو خير معين في مواقف الغَضَب.
7- ومن الأسباب أيضًا: أن يقطع المرء الملاحاة والجدل في مواقف الخصومة، وأن لا يتمادى في السُّباب والشَّتائم، فقد حُكي أنَّ رجلًا قال لضرار بن القعقاع: (والله لو قلت واحدة؛ لسمعت عشرًا! فقال له ضرار: والله لو قلت عشرًا؛ لم تسمع واحدة) .
8- أن يقدِّم المرء مصلحة الاجتماع والأُلفة على الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) للنَّفس؛ فإنَّ ذلك يحمِله على كَظم غَيْظه، والتَّنازل عن حقِّه، ولهذا أثنى النَّبي صلى الله عليه وسلم على الحسن رضي الله عنه بقوله: ((ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) .
9- تذكير النَّفس بما في الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) من نفرة القلوب عن المتشفى به، ومن نسبته إلى الخفَّة والطَّيش، وأشدُّ من ذلك على الرؤساء: إعمال الحيلة عليهم في طلب الخلاص منهم متى عُرفوا بسرعة البطش ومعالجة الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:04 AM
الوسائل المعينة على كَظْم الغَيْظ
1- أن يعرف المرء الأجر المترتِّب على كَظْم الغَيْظ والعفو عن المخطئين، ويستشعر أنَّه بذلك يطلب الأجر والثَّواب من عند الله تبارك وتعالى.
2- إنَّ رحمة المخطئ والشَّفقة عليه داعيةٌ لكَظْم الغَيْظ، وإخماد نار الغَضَب، وهذا السَّبب قد بيَّنه القرآن الكريم، حيث قال الله تبارك وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ [آل عمران: 159].
3- من الأسباب كذلك أن يربِّي المؤمن نفسه على سعة الصَّدر، فإنَّ سعة الصَّدر تحمل الإنسان على الصَّبر في حال الغَضَب، والعفو عند المقدرة، لذا قيل -قديمًا-: (أحسن المكارم؛ عفو المقْتدر، وجود المفْتقر) ، وقبل ذلك قول الله تبارك وتعالى: وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشُّورى: 43].
4- كذلك فإنَّ شرف نفس المرء واتِّصافه بعلوِّ الهمَّة، من الأسباب المؤدِّية إلى كَظْم الغَيْظ، فهو يترفَّع عن التَّلفُّظ بما يُنزل نفسه، ويحطُّ من قدرها:


لن يبلغ المجدَ أقوامٌ وإن كرموا***حتى يذِلُّوا وإن عزُّوا لأقوام



ويُشْتموا فترى الألوان مشرقة***لا عفو ذُلٍّ ولكن عفو أحلام



5- ومن الأسباب كذلك: الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508) من التَّلبُّس بأخطاء المخطئ، ومقابلته فيما يفعل، قال بعض الحكماء: (احتمال السَّفيه خيرٌ من التَّحلِّي بصورته، والإغضاء عن الجاهل خيرٌ من مُشَاكلته) .
قال الشَّاعر:


سألزم نفسي الصَّفح عن كلِّ مذنبٍ***وإن كثرت منه إليَّ الجرائم



فما النَّاس إلَّا واحد من ثلاثة***شريف ومَشْرُوف ومثلي مُقَاوِم



فأمَّا الذي فوقي فأعرف فضله***وأتبع فيه الحقَّ والحقُّ قائم



وأمَّا الذي دوني فإن قال صنت عن***إجابته نفسي وإن لام لائم



وأمَّا الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا***تفضَّلت إنَّ الفضل بالفخر لازم



6- ومن ذلك أيضًا: تعويد النَّفس وتدريبها على خُلُق الصَّبر، فهو خير معين في مواقف الغَضَب.
7- ومن الأسباب أيضًا: أن يقطع المرء الملاحاة والجدل في مواقف الخصومة، وأن لا يتمادى في السُّباب والشَّتائم، فقد حُكي أنَّ رجلًا قال لضرار بن القعقاع: (والله لو قلت واحدة؛ لسمعت عشرًا! فقال له ضرار: والله لو قلت عشرًا؛ لم تسمع واحدة) .
8- أن يقدِّم المرء مصلحة الاجتماع والأُلفة على الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) للنَّفس؛ فإنَّ ذلك يحمِله على كَظم غَيْظه، والتَّنازل عن حقِّه، ولهذا أثنى النَّبي صلى الله عليه وسلم على الحسن رضي الله عنه بقوله: ((ابني هذا سيِّدٌ، ولعلَّ الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين)) .
9- تذكير النَّفس بما في الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) من نفرة القلوب عن المتشفى به، ومن نسبته إلى الخفَّة والطَّيش، وأشدُّ من ذلك على الرؤساء: إعمال الحيلة عليهم في طلب الخلاص منهم متى عُرفوا بسرعة البطش ومعالجة الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:07 AM
نماذج في كَظْم الغَيْظ من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((كنت أمشي مع النَّبي صلى الله عليه وسلم وعليه بُردٌ نجرانيٌّ غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌّ، فجذبه جذبةً شديدةً، حتى نظرت إلى صفحة عاتق النَّبي صلى الله عليه وسلم قد أثَّرت به حاشية الرِّداء من شدَّة جذبته، ثمَّ قال: مُرْ لي من مال الله الذي عندك. فالتفت إليه، فضحك، ثمَّ أمر له بعطاء)) .
قال النَّوويُّ: (فيه احتمال الجاهلين، والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السَّيئة بالحسنة، وإعطاء من يُتألَّف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرةٍ -لا حدَّ فيها- بجهله، وإباحة الضَّحك عند الأمور التي يُتعجَّب منها في العادة، وفيه كمال خُلُق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحِلمه وصفحه الجميل) .
- عن عائشة رضي الله عنها، زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم، أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: ((هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدُّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلَّا وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك، وما رَدُّوا عليك، وقد بعث إليك مَلَك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني مَلَك الجبال، فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمد، فقال، ذلك فيما شئت، إن شئت أن أُطْبِق عليهم الأَخْشَبَين؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده، لا يشرك به شيئًا)) .
قال ابن حجر: (وفي هذا الحديث: بيان شفقة النَّبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافقٌ لقوله تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ [آل عمران: 159]، وقوله: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107]) .
- عن عبد الله رضي الله عنه، قال: ((لما كان يوم حنين، آثر النَّبي صلى الله عليه وسلم أناسًا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عُيَيْنة مثل ذلك، وأعطى أناسًا من أشراف العرب، فآثرهم يومئذ في القسمة، قال رجلٌ: والله إنَّ هذه القسمة ما عُدل فيها، وما أُريد بها وجه الله. فقلت: والله، لأخبرنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأتيته، فأخبرته، فقال: فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله، رحم الله موسى، قد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:10 AM
نماذج في كَظْم الغَيْظ من حياة الصَّحابة رضي الله عنهم
أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
- عن أبي برزة، قال: (كنت عند أبي بكر رضي الله عنه، فتغيَّظ على رجلٍ، فاشتدَّ عليه، فقلت: تأذن لي يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أضرب عنقه؟ قال: فأذهبت كلمتي غضبه، فقام، فدخل، فأرسل إليَّ، فقال: ما الذي قلت آنفًا؟ قلت: ائذن لي أضرب عنقه. قال: أكنت فاعلًا لو أمرتك؟ قلت: نعم، قال: لا والله، ما كانت لبشر بعد محمد صلى الله عليه وسلم ) . قال أحمد بن حنبل: (أي لم يكن لأبي بكر أن ي*** رجلًا إلَّا بإحدى الثَّلاث التي قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفرٌ بعد إيمان، أو زنا بعد إحصان، أو *** نفس بغير نفس، وكان للنَّبي صلى الله عليه وسلم أن ي***.
قلت: وفيه دليل على أن التعزير ليس بواجب، وللإمام أن يعزِّر فيما يستحق به التأديب، وله أن يعفو فلا يفعل ذلك) .
عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
- عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما، قال: (قدم عيينة بن حصن بن حذيفة، فنزل على ابن أخيه الحرِّ بن قيس، وكان من النَّفر الذين يُدنيهم عمر، وكان القُرَّاء أصحاب مجالس عمر ومشاورته، كهولًا كانوا أو شبَّانًا، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي، هل لك وجه عند هذا الأمير؟ فاستأذن لي عليه. قال: سأستأذن لك عليه. قال ابن عبَّاس: فاستأذن الحرُّ لعيينة، فأَذِن له عمر، فلمَّا دخل عليه قال: هِيْ يا ابن الخطَّاب! فوالله ما تعطينا الجَزْل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغَضِب عمر، حتى همَّ أن يوقع به، فقال له الحرُّ: يا أمير المؤمنين، إنَّ الله تعالى قال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]، وإنَّ هذا من الجاهلين، والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقَّافًا عند كتاب الله) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:14 AM
نماذج من كَظْم الغَيْظ من حياة الأمم
حبيب النَّجَّار :
- قال تعالى: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ [يس: 26-27].
قال القرطبي: (وفي هذه الآية تنبيه عظيم، ودلالة على وجوب كَظْم الغَيْظ، والحِلم عن أهل الجهل، والتَّرؤف على من أدخل نفسه في غِمار الأشرار وأهل البغي، والتَّشمُّر في تخليصه، والتَّلطُّف في افتدائه، والاشتغال بذلك عن الشَّماتة به والدُّعاء عليه. ألَا ترى كيف تمنَّى الخير لقَتَلته، والباغين له الغوائل، وهم كفرةٌ عَبَدة أصنام) .
- نماذج في كَظْم الغَيْظ من حياة السَّلف:
الفضيل بن بَزْوَان:
- عن أبي رزين قال: جاء رجل إلى الفضيل بن بَزْوَان، فقال: إنَّ فلانًا يقع فيك. فقال: لأغيظنَّ مَن أمره، يغفر الله لي وله. قيل: من أمره؟ قال: الشَّيطان .
وهب بن مُنَبِّه:
- عن جبير بن عبد الله قال: شهدت وهب بن مُنَبِّه وجاءه رجلٌ، فقال: إنَّ فلانًا يقع فيك. فقال وهب: أما وجد الشَّيطان أحدًا يستخفَّ به غيرك. قال: فما كان بأسرع من أن جاء الرَّجل، فرفع مجلسه وأكرمه .
عمر بن عبد العزيز:
ذكر ابن كثير في مناقب عمر بن عبد العزيز: أنَّ رجلًا كلَّمه يومًا حتى أغضبه، فهمَّ به عمر، ثمَّ أمسك نفسه، ثمَّ قال للرَّجل: أردت أن يستفزَّني الشَّيطان بعزَّة السُّلطان، فأنال منك ما تناله منِّي غدًا! قُم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك .

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:16 AM
أمثالٌ وحِكمٌ في كَظْم الغَيْظ

- قالوا: الغَضَب غُول الحِلم. أي: مُهلِكه.
يُضرب في وجوب كَظْم الغَيْظ .
- وقالوا: لا يَصلح رفيقًا من لم يبتلع ريقًا.
يُضرب لمن يكَظْم الغَيْظ .
- وقيل: (كَظْم الغَيْظ حِلمٌ، والحِلم صبرٌ) .
- وقالوا: (ثلاثةٌ من اجتمعن فيه فقد سَعِد: من إذا غَضِب لم يُخرجه غضبه عن الحقِّ، وإذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل، وإذا قَدر عفا) .
- كان سَلَم بن نوفل سيِّد بني كِنَانة، فوثب رجلٌ على ابنه وابن أخيه فجرحهما، فأُتي به. فقال له: ما أمَّنك من انتقامي؟ قال: فلِمَ سوَّدناك إذًا؟! إلَّا أن تكَظْم الغَيْظ، وتحلُم عن الجاهل، وتحتمل المكروه. فخلَّى سبيله .
- وقال رجلٌ من أهل الشَّام للمنصور: يا أمير المؤمنين، مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وانتصَف، ومن عفا تفضَّل، ومن أخذ حقَّه لم يجب شكره، ولم يُذكر فضله، وكَظْم الغَيْظ حِلمٌ، والتَّشفِّي طرفٌ من الجَزَع، ولم يمدح أهل التُّقى والنُّهى من كان حليمًا بشدَّة العقاب، ولكن بحُسن الصَّفح والاغتفار، وشدَّة التَّغافل .
- قيل: (الكَظْم يدفع محذور النَّدم، كالماء يُطفئ حرَّ الضَّرم. كَظْمٌ يتردَّد في حلقي، أحبُّ إليَّ من نقصٍ أجده في خُلُقي) .
- أربع خصال من حُسْن النَّظر: الرِّضا بالزَّوجة الصَّالحة، وغضُّ البصر، والإقدام على الأمر بمشاورة، وكَظْم الغَيْظ .
- وقال الأحنف: (قوَّة الحِلم على الغَضَب أفضل من قوَّة الانتقام) .
- وقال: (كنَّا نعدُّ المروءة: الصَّبر على كَظْم الغَيْظ، ومن لم يصبر على كلمة، سمع كلمات) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:25 AM
كَظْم الغَيْظ في واحة الشِّعر
قال العَرْجِيُّ:


وإذا غَضِبتَ فكن وقورًا كاظمًا***للغيظ تُبصر ما تقول وتسمعُ



فكفَى به شرفًا تصبُّر ساعةٍ***يَرضى بها عنك الإله وتُرفعُ



أي: يَرفع قدرك .
وقال آخر:


إذا المرء لم يحمل على النَّفس ضَيْمها ***فليس إلى حسنِ الثَّناء سبيلُ





يقول: إذا المرء لم يحمل ظُلم نفسه عليها، ولم يصبِّرها على مكارهها، فليس له طريقٌ إلى الثَّناء الحسن. وهذا يشير إلى كَظْم الغَيْظ، واستعمال الحِلم، وترك الظُّلم والبغي مع ذويه، والصَّبر على المشاقِّ، وإهانة النَّفس في طلب الحقوق؛ لأنَّ من تعوَّد هذه الأشياء، عَلا ذكره، وحَسُن ثناؤه .
وقال آخر:


وكَظْمُهمو للغَيْظ عند استِعَارِه***إذا عزَّ بين النَّاس كَظْم المغائظِ



وأخلاقُهم محمودةٌ إن خبرتها***فليست بأخلاقٍ فظاظٍ غلائظِ



تحلَّوْا بآدابِ الكتابِ وأحسنوا التَّـ***فكر في أمثاله والمواعظِ



ففاضت على الصَّبر الجميل نفوسهم***سلامٌ على تلك النُّفوسِ الفَوائظِ



وقال مَعْد بن أوس:


وصبري على أشياء منه تُريبني***وكظمي على غيظي وقد ينفع الكَظْمُ



لأستلَّ منه الضغنَ حتى استللته***وقد كان ذا ضغنٍ يضيق به الجِرْمُ



رأيتُ انثلامًا بيننا فرقعتُه***برفقي وإحيائي وقد يُرقع الثلْمُ



وأبرأتُ غِلَّ الصَّدر منه توسُّعًا***بحلمي كما يُشفَى بأدوية سَقَمُ



وقال آخر:


واصفح عن العوراء إن قَلَّت وَعُدْ***بالحِلْم منك على السَّفيه المعْور



وكِل المسيءَ إلى إساءته ولا***تتعقَّبِ الباغي ببغيٍ تُنصر



وادفعْ بكَظْم الغَيْظ آفةَ غَيِّه***فإنِ استخفَّك مرَّةً فاستغفر



وقال آخر:


وكنتُ إذا الصَّديقُ أراد غَيْظي***وشرَّقني على ظمأ بريقي



غفرتُ ذنوبَه وكَظَمت غَيْظي***مخافةَ أن أعيش بلا صديقِ



وقال آخر:


اتَّضعْ للنَّاسِ إن رُمت العُلا***واكَظمِ الغَيْظ ولا تُبدي الضَّجر



واجعلِ المعروفَ ذُخرًا إنَّه***للفتَى أفضل شيء يُدَّخر



احملِ النَّاس على أخلاقهم***فبه تملك أعناقَ البَشَر
http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=cS-pUZrnOYHHPPTUgaAP&psig=AFQjCNGYWJEJBRzWIhu3B3pFR-fjK9U_SQ&ust=1370128606350571)

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:29 AM
المحبَّة

معنى المحبَّة لغةً واصطلاحًا
معنى المحبَّة لغةً:
المحبة: الحبُّ، وهو نقيضُ البغْضِ. وأصل هذه المادة يدلُّ على اللُّزوم وَالثَّبات، واشتقاقه من أحَبَّه إذا لزمه، تقول: أحبَبْتُ الشَّيْء فَأنا مُحِبٌّ وَهو مُحَبٌّ .
معنى المحبَّة اصطلاحًا:
(المحبَّة: الميل إِلَى الشَّيْء السار) .
وقال الراغب: (المحبَّة: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرًا) .
وقال الهروي: (المحبَّة: تعلق القلب بين الهمة والأنس، فِي البَذْل وَالمنْع على الإِفْرَاد)

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:32 AM
الفرق بين المحبَّة وبعض الصفات

- الفرق بين الإرادة والمحبَّة:
(أَن المحبَّة تجري على الشَّيء، ويكون المراد به غيره، وليس كذلك الإرادة، تقول: أحببت زيدًا. والمراد أنَّك تحب إكرامه ونفعه، ولا يقال: أردت زيدًا بهذا المعنى، وتقول: أحبُّ الله، أي: أحبُّ طاعته، ولا يقال: أريده. بهذا المعنى، فجعل المحبَّة لطاعة الله محبَّة له، كما جعل الخوف من عقابه خوفًا منه.
والمحبَّة أيضا تجري مجرى الشَّهوة؛ فيقال: فلان يحبُّ اللَّحم، أي: يشتهيه، وتقول: أكلت طعامًا لا أحبه، أي: لا أشتهيه، ومع هذا فإن المحبَّة هي الإرادة) .
- الفرق بين المحبَّة والشهوة:
(الشَّهوة توقان النَّفس، وميل الطباع إلى المشتهى، وليست من قبيل الإرادة، والمحبَّة من قبيل الإرادة، ونقيضها البغضة، ونقيض الحبِّ البغض، والشهوة تتعلَّق بالملاذ فقط، والمحبَّة تتعلَّق بالملاذ وغيرها) .
- الفرق بين المحبَّة والصداقة:
(أنَّ الصَّداقة قوَّة المودَّة، مأخوذة من الشَّيء الصدق، وهو الصلب القوي، وقال أبو علي رحمه الله: الصَّداقة اتفاق القلوب على المودَّة، ولهذا لا يقال: إن الله صديق المؤمن، كما يقال: إنَّه حبيبه وخليله) .
- الفرق بين الحبِّ والودِّ:
(أن الحبَّ يكون فيما يوجبه ميل الطباع والحكمة جميعًا، والودُّ ميل الطباع فقط، ألا ترى أنَّك تقول: أُحبُّ فلانًا وأوده. وتقول: أُحبُّ الصَّلاة. ولا تقول: أودُّ الصَّلاة. وتقول: أودُّ أنَّ ذلك كان لي. إذا تمنيت وداده، وأودُّ الرجل ودًّا ومودة، والودُّ الوديد، مثل الحبُّ وهو الحبيب) .
- الفرق بين المحبَّة والعشق:
(أن العشق شدَّة الشَّهوة لنيل المراد من المعشوق إذا كان إنسان، والعزم على مواقعته عند التَّمكُّن منه، ولو كان العشق مفارقًا للشهوة، لجاز أن يكون العاشق خاليًا من أن يشتهي النَّيل ممَّن يعشقه، إلَّا أنه شهوة مخصوصة لا تفارق موضعها، وهي شهوة الرجل للنيل ممَّن يعشقه، ولا تسمى شهوته لشرب الخمر، وأكل الطِّيب عشقًا، والعشق أيضًا هو الشَّهوة الَّتي إذا أفرطت وامتنع نيل ما يتعلَّق بها ***ت بها صاحبها، ولا ي*** من الشَّهوات غيرها، ألا ترى أن أحدًا لم يمت من شهوة الخمر والطَّعام والطِّيب، ولا من محبَّة داره، أو ماله، ومات خلق كثير من شهوة الخلوة مع المعشوق، والنيل منه) .

محمد رافع 52
01-06-2013, 01:34 AM
أهمية المحبَّة
قال الرَّاغب: (لو تحابَّ النَّاس، وتعاملوا بالمحبَّة لاستغنوا بها عن العدل، فقد قيل: العدل (http://dorar.net/enc/akhlaq/905) خليفة المحبَّة يُستعمل حيث لا توجد المحبَّة، ولذلك عظَّم الله تعالى المنَّة بإيقاع المحبَّة بين أهل الملَّة، فقال عزَّ مِن قائل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96] أي: محبَّة في القلوب، تنبيها على أنَّ ذلك أجلب للعقائد، وهي أفضل من المهابة؛ لأنَّ المهابة تنفِّر، والمحبَّة تؤلِّف، وقد قيل: طاعة المحبَّة أفضل من طاعة الرَّهبة، لأنَّ طاعة المحبَّة من داخل، وطاعة الرَّهبة من خارج، وهي تزول بزوال سببها، وكلُّ قوم إذا تحابُّوا تواصلوا، وإذا تواصلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عملوا، وإذا عملوا عمَّروا، وإذا عمَّروا عمَّروا وبورك لهم) .

محمد محمود بدر
01-06-2013, 09:49 AM
جزااااااااااكم الله خيراااااااااااااا

محمد رافع 52
02-06-2013, 01:36 AM
جزااااااااااكم الله خيراااااااااااااا



بارك الله فيكم

محمد رافع 52
02-06-2013, 01:48 AM
أولًا: المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) في القرآن الكريم

- قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم: 96].
(قال قتادة: ذكر لنا أنَّ كعبًا كان يقول: إنَّما تأتي المحبَّة من السَّماء.
قال: إنَّ اللَّه تبارك وتعالى إذا أحبَّ عبدًا قذف حبَّه في قلوب الملائكة، وقذفته الملائكة في قلوب النَّاس، وإذا أبغض عبدًا فمثل ذلك، لا يملكه بعضهم لبعض) .
(وقال عليُّ بن أبي طلحة، عن ابن عبَّاس في قوله: الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا قال: حُبًّا .
وقال مجاهد، عنه: الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا قال: محبَّةً في النَّاس في الدُّنْيَا .
وقال سعيد بن جبيرٍ، عنه: يُحبُّهم ويُحبِّبهم، يَعنِي: إِلى خلقه الْمُؤمنين) .
وقال ابن عباس: (محبَّةً في النَّاس في الدُّنيا) .
وقال مجاهد: (محبَّةً في المسلمين في الدُّنيا) .
وقال مقاتل: (يقول يجعل محبتهم في قلوب المؤمنين فيحبونهم) .
- وقال جلَّ في علاه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي [طه: 39].
قال الطبري: (عن عكرمة قال: حسنًا وملاحةً، قال أبو جعفر: والذي هو أولى بالصَّواب من القول في ذلك أن يقال: إنَّ اللَّه ألقى محبَّته على موسى، كما قال جلَّ ثناؤه: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي فحبَّبه إلى آسية امرأة فرعون، حتَّى تبنَّته وغذَّته وربَّته، وإلى فرعون، حتَّى كفَّ عنه عاديته وشرَّه. وقد قيل: إنَّما قيل: وألقيت عليك محبّةً منِّي، لأنَّه حبَّبه إلى كلِّ من رآه) .
وقال أيضًا: (قال ابن عبَّاس: حبَّبتك إلى عبادي، وقال الصِّدائي: حبَّبتك إلى خلقي. وقال آخرون: بل معنى ذلك: أي حسَّنت خلقك) .
وقال الشوكاني: (وألقيت عليك محبَّةً منِّي أي: ألقى اللَّه على موسى محبَّةً كائنةً منه تعالى في قلوب عباده لا يراه أحد إلَّا أحبَّه وقيل: جعل عليه مسحةً من جمال لا يراه أحد من النَّاس إلَّا أحبَّه. وقال ابن جرير: المعنى وألقيت عليك رحمتي، وقيل: كلمة من متعلِّقة بألقيت، فيكون المعنى: ألقيت منِّي عليك محبَّةً، أي: أحببتك، ومن أحبَّه اللَّه أحبَّه النَّاس) .
و(عن ابن عبَّاس في قوله: وألقيت عليك محبَّةً منِّي قال: كان كلُّ من رآه ألقيت عليه منه محبَّته . وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل قال: حبَّبتك إلى عبادي) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 01:52 AM
ثانيًا: المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((جاء رجل إلى النَّبي عليه السلام فقال: يا رسول اللَّه، كيف تقول في رجل أحبَّ قومًا، ولم يلحق بهم؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: المرء مع من أحبَّ)) .
قال ابن بطال: (فدلَّ هذا أنَّ من أحبَّ عبدًا في الله، فإنَّ الله جامع بينه وبينه في جنته ومُدخِله مُدخَله، وإن قصر عن عمله، وهذا معنى قوله: (ولم يلحق بهم). يعني في العمل والمنزلة، وبيان هذا المعنى - والله أعلم - أنه لما كان المحبُّ للصالحين وإنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبَّة عملًا من أعمال القلوب واعتقادًا لها، أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يؤتي فضله من يشاء) .
وقال النووي: (فيه فضل حبِّ اللَّه ورسوله صلى اللَّه عليه وسلم والصَّالحين وأهل الخير الأحياء والأموات) .
قال العظيم آبادي: (يعني من أحبَّ قومًا بالإخلاص يكون من زمرتهم، وإن لم يعمل عملهم؛ لثبوت التَّقارب بين قلوبهم، وربَّما تؤدِّي تلك المحبَّة إلى موافقتهم، وفيه حثٌّ على محبَّة الصُّلحاء والأخيار، رجاء اللِّحاق بهم والخلاص من النَّار) .
وقال السعدي: (هذا الحديث فيه: الحث على قوة محبة الرسل، واتباعهم بحسب مراتبهم، والتحذير من محبة ضدهم؛ فإنَّ المحبَّة دليل على قوة اتصال المحب بمن يحبه، ومناسبته لأخلاقه، واقتدائه به، فهي دليل على وجود ذلك، وهي أيضًا باعثة على ذلك) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، ((أنَّ رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرصد الله له، على مدرجته، ملكًا فلمَّا أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربَّها؟ قال: لا، غير أنِّي أحببته في الله عزَّ وجلَّ، قال: فإنِّي رسول الله إليك، بأنَّ الله قد أحبَّك كما أحببته فيه)) .
قال النووي: (في هذا الحديث فضل المحبَّة في اللَّه تعالى وأنَّها سبب لحبِّ اللَّه تعالى العبد) .
وأيضًا فيه: (دليل على عظم فضل الحب في الله والتزاور فيه) .
- وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى عليه وسلم أخذ بيده، وقال: ((يا معاذ، واللَّه إنِّي لأُحبُّك، واللَّه إنِّي لأُحبُّك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة تقول: اللَّهمَّ أعنِّي على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) .
قال العظيم آبادي: (... ((أخذ بيده)). كأنَّه عقد محبَّة وبيعة مودَّة. ((واللَّه إنِّي لأحبُّك)). لامه للابتداء، وقيل للقسم، وفيه أنَّ من أحبَّ أحدًا يستحبُّ له إظهار المحبَّة له. فقال: ((أوصيك يا معاذ لا تدعنَّ)). إذا أردت ثبات هذه المحبَّة فلا تتركنَّ. ((في دبر كلِّ صلاة)). أي: عقبها وخلفها أو في آخرها) .
وقال ابن عثيمين: (وهذه منقبة عظيمة لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم أقسم أنه يحبُّه، والمحبُّ لا يدَّخر لحبيبه إلا ما هو خير له) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلون الجنَّة حتَّى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا، أولا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السَّلام بينكم)) .
قال النووي: (فقوله صلى اللَّه عليه وسلم: ((ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا)). معناه: لا يكمل إيمانكم ولا يصلح حالكم في الإيمان إلَّا بالتَّحابِّ) .
وقال ابن عثيمين: (ففي هذا دليل على أن المحبَّة من كمال الإيمان، وأنه لا يكمل إيمان العبد حتى يحبَّ أخاه، وأنَّ من أسباب المحبَّة أن يفشي الإنسان السلام بين إخوانه، أي يظهره ويعلنه، ويسلم على من لقيه من المؤمنين، سواء عرفه أو لم يعرفه، فإن هذا من أسباب المحبَّة، ولذلك إذا مرَّ بك رجل وسلم عليك أحببته، وإذا أعرض؛ كرهته ولو كان أقرب الناس إليك) .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله... وذكر منهم... ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وتفرقا عليه)) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 01:55 AM
أقوال السلف والعلماء في المحبَّة
- عن أبي حيَّان التيمي قال: (رؤي على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثوب كأنه كان يكثر لبسه، فقيل له فيه. فقال: هذا كسانيه خليلي وصفيِّي عمر ابن الخطاب رضي الله عنه، إنَّ عمر ناصح الله فنصحه) .
- وعن مجاهد قال: (مرَّ على عبد الله بن عباس رجل فقال: إنَّ هذا يحبني. فقيل: أنَّى علمت ذلك؟ قال: إني أحبُّه) .
- وعن سفيان بن عيينة، قال: (سمعت مساور الورَّاق يحلف بالله عزَّ وجلَّ ما كنت أقول لرجل إني أحبك في الله عزَّ وجلَّ فأمنعه شيئًا من الدنيا) .
- وقال ابن تيمية: (إنَّك إذا أحببت الشخص لله، كان الله هو المحبوب لذاته، فكلَّما تصورته في قلبك، تصوَّرت محبوب الحق فأحببته، فازداد حبُّك لله، كما إذا ذكرت النَّبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء قبله والمرسلين وأصحابهم الصالحين، وتصورتهم في قلبك، فإنَّ ذلك يجذب قلبك إلى محبة الله، المنعم عليهم، وبهم، إذا كنت تحبهم لله. فالمحبوب لله يجذب إلى محبة الله، والمحبُّ لله إذا أحبَّ شخصًا لله، فإن الله هو محبوبه، فهو يحبُّ أن يجذبه إلى الله تعالى، وكلٌّ من المحبِّ لله والمحبوب لله يجذب إلى الله) .
- وقال: (واعجبًا لمن يدَّعي المحبَّة! ويحتاج إِلى من يذِّكره بمحبوبه فَلَا يذكرهُ إِلَّا بمذكر. أقل ما في المحبَّة أَنَّها لَا تنسيك تذكُّر المحبوب) .
- وقال أيضًا: (إِذا سَافر المحب للقاء محبوبه ركبت جُنُوده مَعَه، فَكَانَ الحبُّ في مُقَدَّمة العسكر، والرجاء يحدُو بالمطي، والشوق يسوقها، والخوف يجمعها على الطَّرِيق، فإذا شَارف قدوم بلد الوصل خرجت تقادم الحبيب باللقاء) .
- و(قال أبو بكر الورَّاق: سأل المأمون عبد الله بن طاهر ذا الرياستين عن الحبِّ، ما هو؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إذا تقادحت جواهر النفوس المتقاطعة بوصل المشاكلة، انبعثت منها لمحة نور تستضيء بها بواطن الأعضاء، فتتحرَّك لإشراقها طبائع الحياة، فيتصوَّر من ذلك خلق حاضر للنفس، متصل بخواطرها، يسمى الحبَّ) .
- وقال الثعالبي: (المحبَّة أريحية منتفثة من النفس نحو المحبوب، لأنَّها تغذو الروح وتضني البدن، ولأنَّها تنقل القوى كلها إلى المحبوب بالتحلي بهيئته، والتمنِّي بحقيقته، بالكمال الذي يشهد فيه) .
- وقال أيضًا: (المحبَّة ثمن لكل شيء وإن غلا، وسُلَّم إلى كلِّ شيء وإن علا) .
- وقال يحيى بن معاذ رحمه الله: (حقيقة المحبَّة لا يزيدها البرُّ ولا ينقصها الجفاء) .
- وقال الجنيد: (إذا صحَّت المحبَّة سقطت شروط الأدب) .
- (وقال رجل لشهر بن حوشب: إني لأحبُّك قال: ولم لا تحبني وأنا أخوك في كتاب الله، ووزيرك على دين الله، ومؤنتي على غيرك) .
- (وقال آخر: من جمع لك مع المودَّة الصادقة رأيًا حازمًا، فاجمع له مع المحبَّة الخالصة طاعة لازمة) .
- وقال الجاحظ: (ينبغي لمحبِّ الكمال أن يعوِّد نفسه محبَّة النَّاس، والتَّودُّد إليهم، والتَّحنُّن عليهم، والرَّأفة والرَّحمة لهم، فإنَّ النَّاس قبيل واحد متناسبون تجمعهم الإنسانيَّة، وحلية القوَّة الإلهيَّة هي في جميعهم، وفي كلِّ واحد منهم، وهي قوَّة العقل، وبهذه النَّفس صار الإنسان إنسانًا) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 01:56 AM
فوائد المحبَّة

1- دلالة على كمال الإيمان وحسن الإسلام.
2- المحبَّة تغذِّي الأرواح والقلوب وبها تقرُّ العيون، بل إنَّها هي الحياة الَّتي يعدُّ من حرم منها من جملة الأموات.
3- تظهر آثار المحبَّة عند الشَّدائد والكربات.
4- من ثمار المحبَّة النَّعيم والسُّرور في الدُّنيا، الموصِّل إلى نعيم وسرور الآخرة.
5- محبَّة النَّاس مع التَّودُّد إليهم تحقَّق الكمال الإنسانيِّ لمن يسعى إليه.
6- محبَّة الإخوان في الله من محبَّة الله ورسوله.
7- التَّحابُّ في الله يجعل المتحابِّين في الله من الذين يستظلُّون بظلِّ الله تعالى يوم لا ظلَّ إلّا ظلُّه.
8- لا يكتمل إيمان المرء إلَّا إذا تحقَّق حبَّه لأخيه ما يحبُّه لنفسه، وفي هذا ما يخلِّصه من داء الأنانيَّة.
9- أن يستشعر المرء حلاوة الإيمان فيذوق طعم الرِّضا وينعم بالرَّاحة النَّفسيَّة.

محمد رافع 52
02-06-2013, 01:58 AM
أقسام المحبَّة
قسم بعض أهل العلم المحبَّة إلى أنواع، كابن حزم، وابن القيم، وغيرهم من العلماء، فابن حزم قسمها إلى تسعة أنواع، قال: (المحبَّة ضروب:
1- فأفضلها: محبة المتحابين في الله عزَّ وجلَّ، إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب، وإما لفضل علم بمنحه الإنسان.
2- ومحبة القرابة.
3- ومحبة الألفة في الاشتراك في المطالب.
4- ومحبة التصاحب والمعرفة.
5- ومحبة البر؛ يضعه المرء عند أخيه.
6- ومحبة الطمع (http://dorar.net/enc/akhlaq/2318) في جاه المحبوب.
7- ومحبة المتحابين لسر يجتمعان عليه يلزمهما ستره.
8- ومحبة بلوغ اللذة وقضاء الوطر.
9- ومحبة العشق التي لا علة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس.
فكل هذه الأجناس منقضية مع انقضاء عللها، وزائدة بزيادتها، وناقصة بنقصانها، متأكدة بدنوها، فاترة ببعدها) .
وقسمها ابن القيم إلى أربعة أنواع وهي محبة الله، ومحبة ما يحب الله، والمحبة مع الله وهي المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) الشركية، والحب لله وفي الله، وهي من لوازم محبة ما يحب، ثم ذكر نوعًا خامسًا، وهي المحبَّة الطبيعية، وهي ميل الإنسان إلى ما يلائم طبعه، كمحبة العطشان للماء، والجائع للطعام، ومحبة النوم والزوجة والولد، فتلك لا تُذمُّ إلا إذا ألهت عن ذكر الله، وشغلت عن محبته .
وقسم الراغب الأصفهاني المحبَّة بحسب المحبين فقال: (المحبَّة ضربان:
1- طبيعي: وذلك في الإنسان وفي الحيوان...
2- اختياري: وذلك يختص به الإنسان... وهذا الثاني أربعة أضرب:
أ- للشهوة، وأكثر ما يكون بين الأحداث.
ب- للمنفعة، ومن ***ه ما يكون بين التجار وأصحاب الصناعة المهنية وأصحاب المذاهب.
ج- مركب من الضربين، كمن يحبُّ غيره لنفع، وذلك الغير يحبه للشهوة.
د- للفضيلة، كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبَّة باقية على مرور الأوقات، وهي المستثناة بقوله تعالى: الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67].
وأما الضروب الأُخر: فقد تطول مدتها وتقصر بحسب طول أسبابها وقصرها) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 02:00 AM
مراتب المحبَّة

قسم العلماء المحبَّة إلى مراتب عديدة، ومن هؤلاء العلماء ابن قيِّم الجوزية الذي أوصلها إلى عشر مراتب، وهي كما يلي:
أوَّلها: العلاقة، وسمِّيت علاقةً لتعلُّق القلب بالمحبوب.
الثَّانية: الإرادة، وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
الثَّالثة: الصَّبابة، وهي انصباب القلب إليه، بحيث لا يملكه صاحبه، كانصباب الماء في الحدور.
الرَّابعة: الغرام، وهو الحبُّ اللَّازم للقلب، الذي لا يفارقه، بل يلازمه كملازمة الغريم لغريمه.
الخامسة: الوداد، وهو صفو المحبَّة.
السَّادسة: الشَّغف يقال: شغف بكذا. فهو مشغوف به. وقد شغفه المحبوب. أي وصل حبَّه إلى شغاف قلبه، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنَّه الحبُّ المستولي على القلب، بحيث يحجبه عن غيره.
الثاني: الحبُّ الواصل إلى داخل القلب.
الثالث: أنَّه الحبُّ الواصل إلى غشاء القلب. والشِّغاف غشاء القلب إذا وصل الحبُّ إليه باشر القلب.
السَّابعة: العشق، وهو الحبُّ المفرط، الَّذي يخاف على صاحبه منه.
الثامنة: التَّتيُّم، وهو التَّعبُّد، والتَّذلُّل.
التَّاسعة: التَّعبُّد وهو فوق التَّتيُّم، فإنَّ العبد هو الذي قد ملك المحبوب رقَّه، فلم يبقَ له شيء من نفسه ألبتَّة، بل كلُّه عبد لمحبوبه ظاهرًا وباطنًا، وهذا هو حقيقة العبوديَّة. ومن كمَّل ذلك فقد كمَّل مرتبتها.
العاشرة: مرتبة الخلَّة الَّتي انفرد بها الخليلان، إبراهيم ومحمَّد صلى اللَّه عليهما وسلم.

محمد رافع 52
02-06-2013, 02:01 AM
الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها
للمحبة أسباب جالبة لها، توجب لك المحبَّة في قلوب الآخرين؛ نذكر منها ما يلي:
1- خدمة الآخرين والسعي لمنفعتهم.
2- تقديم الهدية للآخرين.
3- التواضع (http://dorar.net/enc/akhlaq/318) للآخرين.
4- الإحسان (http://dorar.net/enc/akhlaq/70) إلى الآخرين.
5- التحلِّي بصفة الصمت.
6- البشاشة (http://dorar.net/enc/akhlaq/195) والابتسامة.
7- البدء بالسلام.
8- الجود (http://dorar.net/enc/akhlaq/380) والكرم.
9- الابتعاد عن الحسد.
10- التعامل بصدق وأمانة.
11- الوفاء بالعهد.
12- زيارة الآخرين وتفقد أحوالهم.
13- إنزال الناس منازلهم.
14- الالتزام بالأخلاق الإسلامية.
وقال ابن حمدون: (عشر يورثن المحبَّة: كثرة السَّلام، واللطف بالكلام، واتباع الجنائز، والهدية، وعيادة المرضى، والصدق، والوفاء، وإنجاز الوعد، وحفظ المنطق، وتعظيم الرِّجال)

محمد رافع 52
02-06-2013, 02:04 AM
نماذج في المحبَّة
نماذج تطبيقية من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم:
- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: ((يا معاذ، والله إنِّي لأحبُّك، والله إنِّي لأحبُّك، فقال: أوصيك يا معاذ، لا تدعنَّ في دبر كلِّ صلاة تقول: اللهمَّ أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) .
- وعن أنس رضي الله عنه قال: رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم النِّساء والصِّبيان مقبلين -قال: حسبت أنَّه قال: من عرس- فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم مُمْثِلًا فقال: ((اللهمَّ أنتم من أحبِّ النَّاس إليَّ. قالها ثلاث مرار)) .
- وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا أبا ذرٍّ، إنِّي أراك ضعيفًا، وإنِّي أحبُّ لك ما أحبُّ لنفسي، لا تأمَّرنَّ على اثنين، ولا تولَّينَّ مال يتيم)) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حُبِّب إليَّ: النِّساء والطِّيب، وجعل قرَّة عيني في الصَّلاة)) .
- وعن أُسامة بن زيد رضي الله عنهما؛ حدَّث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم: أنَّه كان يأخذه والحسن فيقول: ((اللهمَّ أحبَّهما فإنِّي أحبُّهما)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها: ((أنَّ نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كنَّ حزبين: فحزب فيه عائشة وحفصة وصفيَّة وسودة، والحزب الآخر أمُّ سلمة وسائر نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المسلمون قد علموا حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هديَّة يريد أن يهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّرها، حتَّى إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة بعث صاحب الهديَّة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلَّم حزب أمِّ سلمة فقلن لها: كلِّمي رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلِّم النَّاس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديَّة فليهدها حيث كان من بيوت نسائه، فكلَّمته أمُّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: فكلِّميه. قالت: فكلَّمته حين دار إليها أيضًا، فلم يقل لها شيئًا. فسألنها فقالت: ما قال لي شيئًا. فقلن لها: كلِّميه حتَّى يكلِّمك. فدار إليها فكلَّمته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة؛ فإنَّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأة إلَّا عائشة. قالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. ثمَّ إنَّهنَّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: إنَّ نساءك ينشدنك العدل (http://dorar.net/enc/akhlaq/905) في بنت أبي بكر. فكلَّمته، فقال: يا بنيَّة، ألا تحبِّين ما أحبُّ؟ قالت: بلى. فرجعت إليهنَّ فأخبرتهنَّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع...)) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 02:06 AM
حكم وأمثال في المحبَّة
- أفضل المحبَّة ما كان بعد المعتبة .
- وقالوا: لا يكن حبُّك كلفًا، ولا بغضك سرفًا .
- أبرُّ من الْهِرَّة: قَالُوا لِأَنَّـهَا تَأْكُل أَوْلَادهَا من المحبَّة .
- قَوْلهم: من يبغ فِي الدِّين يصلف: مَعْنَاهُ من يطْلب الدُّنْيَا بِالدِّينِ لم يحظ عِنْد النَّاس وَلم يُرْزق مِنْهُم المحبَّة .
- وقيل: أغلب المحبَّة ما كان عن تشاكل .

محمد رافع 52
02-06-2013, 02:12 AM
المحبَّة في واحة الشعر
وقال ابن زهر الحفيد:


يا مَن يُذكِّرني بعهد أحبَّتي***طاب الحديثُ بذكرهم ويطيبُ



أعِدِ الحديثَ عليَّ من جنباتِه***إنَّ الحديث عن الحبيب حبيبُ



ملأ الضلوع وفاض عن أحنائها***قلبٌ إذا ذكر الحبيب يذوبُ



ما زال يضرب خافقًا بجناحه***يا ليت شعري هل تطير قلوب



وأنشد بعضهم:


والله ما طلعت شمسٌ ولا غربت***إلا وحبُّك مقرونٌ بأنفاسي



ولا جلستُ إلى قومٍ أُحدِّثُهم***إلا وأنت حديثي بين جُلَّاسي



وقال آخر:


يَا منية الْقلب مَا جيدي بمنعطف***إِلَى سواكم ولا حَبْلِي بمنقاد



لولا المحبَّة ما استعملت بارقة***وَلَا سَأَلت حمام الدوح إسعادي



ولا وقفت على الوادي أسائله***بالدمع حَتَّى رثى لي سَاكن الْوَادي



وقال أبو تراب النخشبي:


لا تخدعنَّ فللمحبِّ دلائلُ***ولديه من تحفِ الحبيبِ وسائلُ



منها تنعمُه بمرِّ بلائه***وسروره في كلِّ ما هو فاعلُ



فالمنعُ منه عطيةٌ مقبولةٌ***والفقر إكرام وبرٌّ عاجلُ



ومن الدلائل أن يرى من عزمه***طوع الحبيب وإن ألحَّ العاذلُ



ومن الدلائل أن يُرى متبسِّمًا***والقلب فيه من الحبيب بلابلُ



ومن الدلائل أن يُرى متفهمًا***لكلام من يحظَى لديه السائلُ



ومن الدلائل أن يُرى متقشفًا***متحفظًا من كلِّ ما هو قائلُ

محمد رافع 52
02-06-2013, 02:15 AM
http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg

المدَاراة
معنى المدَاراة لغةً واصطلاحًا
معنى المدَاراة لغةً:
المداراة مصدر دارى، يقال: داريته مداراة: لاطفته ولاينته، ومداراة الناس: أي ملاينتهم وحسن صحبتهم واحتمالهم؛ لئلا ينفروا عنك .
معنى المدَاراة اصطلاحًا:
قال ابن بطال: (المدَاراة: خفض الجناح للناس، ولين الكلام وترك الإغلاظ لهم في القول) .
وقال ابن حجر: (المراد به الدفع برفق) .
وقال المناوي: (المدَاراة: الملاينة والملاطفة) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 02:22 AM
الفرق بين المدَاراة والمداهنة

قال ابن بطال: (المدَاراة مندوب إليها، والمداهنة محرمة، والفرق أنَّ المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه، وفسَّرها العلماء بأنها معاشرة الفاسق، وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه، والمدَاراة هي الرفق (http://dorar.net/enc/akhlaq/581) بالجاهل في التعليم، وبالفاسق في النهي عن فعله، وترك الإغلاظ عليه حيث لا يظهر ما هو فيه، والإنكار عليه بلطف القول والفعل، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك) .
وقال القرطبي في الفرق بينهما: (أنَّ المدَاراة: بذل الدنيا لصلاح الدنيا، أو الدين، أو هما معًا، وهي مباحة وربما استحبت. والمداهنة: ترك الدين لصلاح الدنيا) .
وقال الغزالي: (الفرق بين المدَاراة والمداهنة بالغرض الباعث على الإغضاء؛ فإن أغضيت لسلامة دينك، ولما ترى من إصلاح أخيك بالإغضاء، فأنت مدار، وإن أغضيت لحظِّ نفسك، واجتلاب شهواتك، وسلامة جاهك فأنت مداهن) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 09:41 PM
أولًا: المداراة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1320) في القرآن الكريم
- قال تعالى: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا [مريم: 41-47].
قال السعدي: (وفي هذا من لطف الخطاب ولينه، ما لا يخفى، فإنه لم يقل: يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل. أو: ليس عندك من العلم شيء. وإنما أتى بصيغة تقتضي أنَّ عندي وعندك علمًا، وأنَّ الذي وصل إليَّ لم يصل إليك ولم يأتك، فينبغي لك أن تتبع الحجة وتنقاد لها) .
- وقوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 14-15].
قال القرطبي: (قوله تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا نعت لمصدر محذوف، أي مصاحبًا معروفًا، يقال: صاحبته مصاحبة ومصاحبًا. ومَعْرُوفًا أي: ما يحسن. والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق) .
- وقال سبحانه: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه: 43-47].
قال ابن كثير: (هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أُمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 09:44 PM
ثانيًا: المدَاراة في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن عروة بن الزبير، أنَّ عائشة أخبرته أنَّه استأذن على النَّبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إنَّ شرَّ الناس منزلةً عند الله من تركه- أو ودعه- الناس اتقاء فحشه)) . (أي لأجل قبح فعله وقوله، أو لأجل اتقاء فحشه، أي: مجاوزة الحدِّ الشرعي قولًا أو فعلًا، وهذا أصل في ندب المدَاراة إذا ترتب عليها دفع ضرٍّ، أو جلب نفع، بخلاف المداهنة فحرامٌ مطلقًا، إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا، والمدَاراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا، بنحو رفقٍ بجاهلٍ في تعليم، وبفاسقٍ في نهيٍ عن منكر، وترك إغلاظ وتألُّف، ونحوها مطلوبةٌ محبوبةٌ إن ترتب عليها نفع، فإن لم يترتب عليها نفع، بأن لم يتقِ شرَّه بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهنَّ خلقن من ضِلع، وإنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا)) .

قال ابن حجر: (وفي الحديث الندب إلى المدَاراة لاستمالة النفوس، وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ
العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) منهنَّ، والصبر على عوجهنَّ، وأنَّ من رام تقويمهنَّ فاته الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها، ويستعين بها على معاشه، فكأنَّه قال: الاستمتاع بها لا يتمُّ إلا بالصبر عليها) .
- وعن هاني بن يزيد عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ موجبات المغفرة: بذل السلام، وحسن الكلام)) .
قال المناوي: (أي: إلانة القول للإخوان، واستعطافهم على منهج المدَاراة، لا على طريق المداهنة والبهتان) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((يا أيها الناس اتقوا الله، وإنْ أُمِّر عليكم عبد حبشي مجدَّع، فاسمعوا له وأطيعوا، ما أقام لكم كتاب الله)) .
قال المباركفوري: (فيه حثٌّ على المدَاراة، والموافقة مع الولاة، وعلى التحرز عما يثير الفتنة، ويؤدي إلى اختلاف الكلمة) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 09:46 PM
أقوال السلف والعلماء في المدَاراة
- عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم، وإنَّ قلوبنا لتلعنهم) .
- وعنه أيضًا رضي الله عنه قال لزوجته: (إذا غضبت فَـرَضيِّني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق) .
- وقال معاوية رضي الله عنه: (لو أنَّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدُّوها خلَّيتها، وإن خلَّوْا مددتها) .
- وعن عمر بن الخطاب قال: (خالطوا الناس بالأخلاق، وزايلوهم بالأعمال) .
- وقال عبد الله بن مسعود: (خالط الناس وزايلهم، ودينك لا تُكْلِمنَّه) .
- وعن محمد بن الحنفية، قال: (ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف، من لا يجد من معاشرته بدًّا، حتى يجعل الله له فرجًا، أو قال: مخرجًا) .
- وقال الحسن البصري: (كانوا يقولون: المدَاراة نصف العقل، وأنا أقول هي العقل كلُّه) .
- وعنه أيضًا: (المؤمن يداري ولا يماري ، ينشر حكمة الله ، فإن قبلت حمد الله، وإن ردت حمد الله) .
- وعن يحيى بن سعيد، قال: قال لي نصر بن يحيى بن أبي كثير: (من عاشر الناس داراهم، ومن داراهم راياهم) .
- وعن يونس، قال: بلغني عن ابن عباس، أنه كان يقول: (النساء عورة، خُلِقن من ضعف، فاستروا عوراتهنَّ بالبيوت، وداروا ضعفهنَّ بالسكوت) .
- وقال أبو يوسف: (خمسة تجب على الناس مداراتهم: الملك المسلط، والقاضي المتأول، والمريض، والمرأة، والعالم ليقتبس من علمه) .
- وعن وُهيب بن الورد قال: ( قلت لوهب بن مُنبِّه: إني أريد أن أعتزل الناس. فقال لي: لا بدَّ لك من الناس وللناس منك؛ لك إليهم حوائج، ولهم إليك حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعًا، أعمى بصيرًا، سكوتًا نطوقًا) .
- (وقال أبو حاتم رضي الله عنه الواجب على العاقل أن يلزم المدَاراة مع من دفع إليه في العشرة، من غير مقارفة المداهنة، إذ المدَاراة من المداري صدقة له، والمداهنة من المداهن تكون خطيئة عليه، والفصل بين المدَاراة والمداهنة هو أن يجعل المرء وقته في الرياضة؛ لإصلاح الوقت الذي هو له مقيم، بلزوم المدَاراة من غير ثلم في الدين من جهة من الجهات، فمتى ما تخلَّق المرء بخلق، شابه بعض ما كره الله منه في تخلقه فهذا هو المداهنة؛ لأنَّ عاقبتها تصير إلى قلٍّ، ويلازم المدَاراة؛ لأنها تدعو إلى صلاح أحواله) .
- وقال محمد بن السماك: (من عرف الناس داراهم، ومن جهلهم ماراهم، ورأس المدَاراة ترك المماراة) .
- وقال أبو بكر الطرطوشي: (المدَاراة: أن تداري الناس على وجه يسلم لك دينك) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 09:48 PM
فوائد المدَاراة
1- المدَاراة تزرع الألفة والمودة.
2- المدَاراة تجمع بين القلوب المتنافرة.
3- المدَاراة تطفئ العداوة بين الناس.
4- المدَاراة من صفات المؤمن، والمداهنة من صفات المنافق .
5- علامة على حسن الخلق .
6- من عوامل إنجاح الدعوة إلى الله، إما بهداية من يداريه الداعية، أو بكفاية شره، وفتح مجالات أوسع للدعوة.
7- تحقيق السعادة الزوجية .
8- تحقيق السلامة والأمن والطمأنينة للنفس .
9- العصمة من شرِّ الأعداء .
قال ابن الجوزي: (من البله أن تبادر عدوًّا أو حسودًا بالمخاصمة؛ وإنَّما ينبغي إن عرفت حاله أن تظهر له ما يوجب السلامة بينكما، إن اعتذر قبلت، وإن أخذ في الخصومة صفحت، وأريته أن الأمر قريب، ثم تبطن الحذر منه، فلا تثق به في حال، وتتجافاه باطنًا، مع إظهار المخالطة في الظاهر) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 09:51 PM
صور المداراة
صفة المدَاراة يحتاج إليها في التعامل مع بعض الأشخاص، في بعض الأوقات، ومن صور المداراة:
1- صيانة النفس من أهل الفجور (http://dorar.net/enc/akhlaq/2577) والشرور:
فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ شرَّ النَّاس منزلةً عند الله، من تركه أو ودعه الناس، اتقاء فحشه)). وهذا فيما لابدَّ من مخالطته.
2- في تعامل الإمام مع الرعية:
فعن أُمِّ المؤمنين عائشة قالت: أنه استأذن على النَّبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال صلى الله عليه وسلم: ((ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إنَّ شرَّ الناس منزلةً عند الله من تركه أو ودعه الناس، اتقاء فحشه)) .
فليس كل الرعية على نمط واحد، من حسن الخلق والمعشر، إنَّما الناس يختلفون، فيحتاج الإمام للمداراة، وهذا يكون من الإمام جمعًا للأمة، ورأفةً بها، وإرشادًا للضال، وتعليمًا للجاهل، لاسيما إن كان هؤلاء من أهل الرياسات والأتباع، فيداري الإمام مراعاة لمصلحة الأمة كلها .
3- الخوف من الكفار والعجز عن مقاومتهم:
قال تعالى: لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران: 28].
قال الشنقيطي: (هذه الآية الكريمة فيها بيان لكل الآيات القاضية بمنع موالاة الكفار مطلقًا وإيضاح؛ لأنَّ محلَّ ذلك في حالة الاختيار، وأما عند الخوف والتقية، فيرخص في موالاتهم، بقدر المدَاراة التي يكتفي بها شرهم، ويشترط في ذلك سلامة الباطن من تلك الموالاة) .
4- في دعوة الناس والسلطان:
قال تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه: 43 – 44].
(أمر الله جلَّ وعلا نبيه موسى وهارون عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام: أن يقولا لفرعون في حال تبليغ رسالة الله إليه قَوْلاً لَّيِّنًا أي: كلامًا لطيفًا سهلًا رقيقًا، ليس فيه ما يغضب وينفر. وقد بين جلَّ وعلا المراد بالقول اللين في هذه الآية بقوله: اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى [النازعات: 17-19] وهذا، والله غاية لين الكلام ولطافته ورقته، كما ترى. وما أمر به موسى وهارون في هذه الآية الكريمة أشار له تعالى في غير هذا الموضع، كقوله:ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]) .
وقال ابن القيم: (المداراة صفة مدح، والمداهنة صفة ذم، والفرق بينهما أنَّ المداري يتلطَّف بصاحبه حتى يستخرج منه الحقَّ، أو يردَّه عن الباطل، والمداهن يتلطَّف به؛ ليقره على باطله، ويتركه على هواه، فالمداراة لأهل الإيمان والمداهنة لأهل النفاق) .
5- المدَاراة مع الوالدين:
قال تعالى: وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [لقمان: 15].
6- المدَاراة مع الزوجة محافظةً على الحياة الزوجية:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المرأة كالضلع، إن أقمتها كسرتها، وإن استمتعت بها استمتعت بها وفيها عوج)) .
7- المدَاراة مع النفس:
بحملها على الطاعة بذكر نعيم الجنة، وكفها عن المعصية بذكر عذاب النار.
قال ابن الجوزي: (ومن فهم هذا الأصل، علَّل النفس، وتلطف بها، ووعدها الجميل، لتصبر على ما قد حملت، كما كان بعض السلف يقول لنفسه: والله ما أريد بمنعك من هذا الذي تحبين إلا الإشفاق عليك... واعلم أن مداراة النفس والتلطف بها لازم، وبذلك ينقطع الطريق) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 09:52 PM
موانع اكتساب صفة المدَاراة
1- العجلة، والطيش، وسرعة الغضب، والانتصار للنفس.
2- عدم تفهم الواقع وطبائع الناس.
3- سوء الخلق، وغلظة القلب.
4- الكبر، وضعف إرادة الخير للناس.
5- قلة الصبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/784) والحلم والرفق.
6- العزلة عن الناس.

محمد رافع 52
02-06-2013, 09:55 PM
الوسائل المعينة على اكتساب صفة المدَاراة
1- التحلِّي بخلق الصبر:
قال ابن تيمية: (المؤمن مشروع له مع القدرة أن يقيم دين الله بحسب الإمكان بالمحاربة وغيرها، ومع العجز يمسك عما عجز عنه من الانتصار، ويصبر على ما يصيبه من البلاء من غير منافقة، بل يشرع له من المدَاراة ومن التكلم بما يُكره عليه، ما جعل الله له فرجًا ومخرجًا) .
2- النظر للمصالح المترتبة على المدَاراة .
3- التحلي بخلق الرفق (http://dorar.net/enc/akhlaq/581) والرحمة:
فإن المدَاراة قائمة على الرفق، لتحقيق المراد من صلاح معوج، أو كفاية شر عدو ونحوه .
4- فهم الواقع و معرفة طبائع الناس:
قال ابن الجوزي: (لينظر المالك في طبع المملوك، فمنهم: من لا يأتي إلا على الإكرام، فليكرمه، فإنه يربح محبته. ومنهم: من لا يأتي إلا على الإهانة، فليداره، وليعرض عن الذنوب؛ فإن لم يكن، عاتب بلطف، وليحذر العقوبة ما أمكن. وليجعل للمماليك زمن راحة. والعجب ممن يُعنى بدابته، وينسى مداراة جاريته ) .
قال بشر بن الحارث: (من عرف الناس استراح) .
5- احتساب الأجر في دعوة الخلق:
من يتصدر لدعوة الناس، لابد أن يناله منهم أذى مما قد يدفع الداعية لترك دعوتهم، لذا فاحتساب الداعية للأجر عند الله في مداراته لأهل الكفر والفجور، والتحبب لهم من غير إقرار بمعصية أملًا في هدايتهم - مما يعين الداعية على تحمل الأذى .
6- ترك الانتصار للنفس في حال القدرة، وحفظ النفس في حال العجز:
ففي ترك الانتصار للنفس استبقاء للودِّ، والمسير قدمًا في الإصلاح، وفي حفظ النفس العصمة ودفع الشرور.

محمد رافع 52
02-06-2013, 09:57 PM
نماذج في المدَاراة
- عن المسور بن مخرمة، قال: ((قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبية ولم يعط مخرمة شيئًا، فقال مخرمة: يا بني، انطلق بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلقت معه، فقال: ادخل فادعه لي. قال: فدعوته له، فخرج إليه وعليه قباء منها، فقال: خبأت هذا لك. قال: فنظر إليه، فقال: رضي مخرمة)) .
- وشكا رجل إلى مخلد بن الحسين رجلًا من أهل الكوفة فقال: (أين أنت عن المدَاراة؟ فإني أداري حتى أدارى، هذه جارية حبشية تغربل شعير الفرس له، ثم قال: ما تكلمت بكلمة أُريد أن أعتذر منها منذ خمسين سنة) .
- وقال ابن الجوزي: (كنت قد رُزقت قلبًا طيِّبًا... فأحضرني بعض أرباب المناصب إلى طعامه، فما أمكن خلافه، فتناولت، وأكلت منه؛ فلقيت الشدائد، ورأيت العقوبة في الحال، واستمرت مدة، وغضبت على قلبي، وفقدت كلَّ ما كنت أجده، فقلت: واعجبًا! لقد كنت في هذا كالمكره فتفكَّرت، وإذا به قد يمكن مداراة الأمر بلقيمات يسيرة؛ وإنما التأويل جعل تناول هذا الطعام بشهوة أكثر مما يدفع بالمدَاراة، فقالت النفس: ومن أين لي أنَّ عين هذا الطعام حرام؟! فقالت اليقظة: وأين الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) عن الشبهات؟! فلما تناولت بالتأويل لقمة، واستجلبتها بالطبع، لقيت الأمرين بفقد القلب: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 10:05 PM
المدَاراة في واحة الشعر
قال الشافعي:


وداريتُ كلَّ الناسِ لكنَّ حاسدي***مداراتُه عزَّت وعزَّ منالُها



وكيف يُداري المرءُ حاسدَ نعمةٍ***إذا كان لا يرضيه إلا زوالُها؟



وقال أحمد الخطابي:


ما دمتَ حيًّا فدارِ النَّاس كلَّهم***فإنما أنت في دارِ المدَاراةِ



من يَدرِ دارى ومن لم يَدرِ سوف يرَى***عما قليلٍ نديمًا للنداماتِ



وقال القاضي التنوخي:


القَ العدوَّ بوجهٍ لا قطوبَ به***يكادُ يقطرُ من ماءِ البشاشاتِ



فأحزمُ النَّاسِ من يلقَى أعاديَه***في جسمِ حقدٍ وثوبٍ من مودَّاتِ



الرفقُ يمنٌ وخيرُ القولِ أصدقُه***وكثرةُ المزحِ مفتاحُ العداواتِ



وقال زهير:


ومَن لم يُصانعْ في أمورٍ كثيرةٍ***يُضرَّس بأنيابٍ ويُوطَأ بَمنْسِمِ



وقال النمر بن تولب:


وأبغِضْ بغيضَك بُغضًا رويدًا***إذا أنت حاولتَ أن تحكما



وأحبِبْ حبيبَك حبًّا رويدًا***فليس يعولك أن تصرما



وقال علي بن محمد البسامي:


دارِ مِن الناسِ مَلالاتِهم***مَن لم يدارِ الناسَ ملُّوه



ومكرمُ النَّاسِ حبيبٌ لهم***مَن أكرمَ الناسَ أحبُّوه



وقال آخر:


تجنبْ صديقَ السوءِ واصرمْ حبالَه***وإن لم تجدْ عنه محيصًا فدارِه



وأحببْ حبيبَ الصدقِ واحذرْ مراءَه***تنلْ منه صفوَ الودِّ ما لم تمارِه



وقال عبد الله السابوري:


مَن لم يكنْ لعيشِه مُداريًا***عاداه مَن كان له مواليًا



ولا غِنى للفاضلِ الكبيرِ***عن المدَاراةِ ولا الصغيرِ



يستجلبُ النفعَ بها الحكيمُ***ويدركُ الحظَّ بها المحرومُ



مَن وارب الناسَ يخاتلوه ***ومَن يصانعهم يجاملوه



قال الشاعر:


وإذا عجزتَ عن العدوِّ فدارِهِ***وامزحْ له إنَّ المزاحَ وفاقُ



فالنَّارُ بالماءِ الذي هو ضدُّها***تُعطي النضاجَ وطبعُها الإحراقُ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=nqWrUfT6FMvEPJGqgaAL&psig=AFQjCNFSGw6pg_YUIcI3y9hhRJtZf_FrVw&ust=1370289936021068)

محمد رافع 52
02-06-2013, 10:10 PM
المروءَة

معنى المروءَة لغةً واصطلاحًا
معنى المروءَة لغةً:
المروءة هي كمال الرجولية، مصدر من: مَرُؤ يَمْرُؤ مُروءة، فهو مَرِيء أي: بَيِّن المروءَة، وتَمَرَّأ فلان: تَكَلَّف المروءَة. وقيل: صار ذا مُروءَةٍ، وفلان تَمَرَّأ بالقوم: أي سعى أن يوصف بالمروءَة بإِكرامهم، أَو بنقصهم وعَيْبهم .
معنى المروءَة اصطلاحًا:
قال الماورديُّ: (المروءَة مراعاة الأحوال إلى أن تكون على أفضلها، حتَّى لا يظهر منها قبيحٌ عن قصد، ولا يتوجَّه إليها ذمٌّ باستحقاق) .
وقال ابن عرفة: (المروءَة هي المحافظَةُ على فِعْل ما تَرْكُه من مُباحٍ يُوجِبُ الذَّمَّ عُرْفًا... وعلى ترْك ما فعلُه من مُباحٍ يوجبُ ذَمَّه عُرْفًا...) .
وقال الفيومي: (المروءَة آداب نفسانيَّة، تحمل مراعاتها الإنسان على الوقوف عند محاسن الأخلاق، وجميل العادات)

محمد رافع 52
02-06-2013, 10:12 PM
أهمية المروءَة
يقول الماوردي: (وفي اشتقاق اسم المروءَة من كلام العرب ما يدل على فضيلتها عندهم، وعظم خطرها في نفوسهم، ففيه وجهان:
أحدهما: مشتقة من المروءَة والإنسان، فكأنها مأخوذة من الإنسانية، والوجه الثاني: أنها مشتقة من المريء وهو ما استمرأه الإنسان من الطعام، لما فيه من صلاح الجسد، فأخذت منه المروءَة لما فيها من صلاح النفس) .
(وهي خلق رفيع القدر، يستعمله الأدباء في المدح، وعلماء الأخلاق والنفس في مكارم الأخلاق وسموِّ النفس، وعلماء الشرع من فقهاء ومحدِّثين في صفات الراوي والشاهد؛ ليوثق بكلامهما، والقاضي ليطمئنَّ إلى عدل، فتجدها في كتب أصول الفقه في صفات الراوي، وكذلك في كتب الحديث، بينما تجدها في كتب الفقه في كلِّ باب يتعرض للعدالة بالشرح والتفصيل، كالقضاء والشهادة والوقف) .
فأكثرَ العلماء، والفقهاء، والأدباء، والشعراء، من ذكرها وبيان كنهها، وماهيتها، وبمَ تكون، وكيف تكون، فتنوعت فيها الأقوال، وتعددت فيها الآراء، وتباينت فيها العبارات (فمن قائل قال: المروءَة ثلاثة: إكرام الرجال إخوان أبيه، وإصلاحه ماله، وقعوده على باب داره، ومن قائل قال: المروءَة إتيان الحق، وتعاهد الضعيف، ومن قائل قال: المروءَة تقوى الله، وإصلاح الضيعة، والغداء والعشاء في الأفنية، ومن قائل قال: المروءَة إنصاف الرجل من هو دونه، والسموُّ إلى مَن هو فوقه، والجزاء بما أُتي إليه، ومن قائل قال: مروءة الرجل صدق لسانه، واحتماله عثرات جيرانه، وبذله المعروف لأهل زمانه، وكفُّه الأذى عن أباعده وجيرانه، ومن قائل قال: إن المروءَة التباعد من الخلق الدني فقط، ومن قائل قال: المروءَة أن يعتزل الرجل الريبة، فإنه إذا كان مريبًا كان ذليلًا، وأن يصلح ماله، فإنَّ من أفسد ماله لم يكن له المروءَة، والإبقاء على نفسه في مطعمه و مشربه، ومن قائل قال: المروءَة حسن العشرة، وحفظ الفرج واللسان، وترك المرء ما يُعاب منه، ومن قائل قال: المروءَة سخاوة النفس وحسن الخلق، ومن قائل قال: المروءَة العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) والحرفة، أي: يعف عمَّا حرم الله، ويحترف فيما أحل الله، ومن قائل قال: المروءَة كثرة المال والولد، ومن قائل قال: المروءَة إذا أعطيت شكرت، وإذا ابتليت صبرت، وإذا قدرت غفرت، وإذا وعدت أنجزت، ومن قائل قال: المروءَة حسن الحيلة في المطالبة، ورقة الظرف في المكاتبة، ومن قائل قال: المروءَة اللطافة في الأمور وجودة الفطنة، ومن قائل قال: المروءَة مجانبة الريبة، فإنه لا ينبل مريب، وإصلاح المال، فإنه لا ينبل فقير، وقيامه بحوائج أهل بيته، فإنه لا ينبل من احتاج أهل بيته إلى غيره، ومن قائل قال: المروءَة النظافة وطيب الرائحة، ومن قائل قال: المروءَة الفصاحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1145) والسماحة، ومن قائل قال: المروءَة طلب السلامة واستعطاف الناس، ومن قائل قال: المروءَة مراعاة العهود، والوفاء بالعقود، ومن قائل قال: المروءَة التذلل للأحباب بالتملُّق، ومداراة الأعداء بالترفُّق، ومن قائل قال: المروءَة ملاحة الحركة ورقة الطبع، ومن قائل قال: المروءَة هي المفاكهة والمباسمة...) إلى غير ذلك من الأقوال والآراء في حقيقة المروءَة وحدِّها الذي تعرف به، وفي تنوع هذه الأقوال دليل على فضل هذه السجية الكريمة، وعلو شأنها ورفعة قدرها، وبيان ما تنطوي عليه من الفضائل التي تسمو بالنفس عن منزلة البهيمية الحيوانية، إلى منزلة الإنسانية الكاملة.
وإنَّ الاختلاف في تعريف المروءَة ليس من باب اختلاف التضاد والتباين، بل هو من باب اختلاف التنوع وتعدد الأجناس تحت الأصل الواحد، فكلُّ هذه التعاريف مندرجة تحت لواء المروءَة مستظلة بظلها الوارف ، فهي تشمل كل ما ذكر من فضائل وسجايا وأخلاق كريمة، وكفى بذلك فضلًا وشرفًا.
قال أبو حاتم: (اختلفت ألفاظهم في كيفية المروءَة ومعاني ما قالوا قريبة بعضها من بعض) .

محمد رافع 52
02-06-2013, 10:13 PM
حقيقة المروءَة
يتكلم ابن القيم عن حقيقة المروءَة فيقول: حقيقتها: (اتصاف النفس بصفات الإنسان، التي فارق بها الحيوان البهيم والشيطان الرجيم، فإنَّ في النفس ثلاثة دواع متجاذبة:
1- داع يدعوها إلى الاتصاف بأخلاق الشيطان، من الكبر، والحسد، والعلو، والبغي، والشرِّ، والأذى، والفساد، والغشِّ.
2- وداع يدعوها إلى أخلاق الحيوان، وهو داعي الشهوة.
3- وداع يدعوها إلى أخلاق الملك: من الإحسان، والنصح، والبرِّ، والعلم، والطاعة، فحقيقة المروءَة: بغض ذينك الداعيين، وإجابة الداعي الثالث، وقلة المروءَة وعدمها: هو الاسترسال مع ذينك الداعيين، والتوجه لدعوتهما أين كانت، فالإنسانية والمروءَة والفتوة: كلها في عصيان الداعيَيْن، وإجابة الداعي الثالث)

محمد رافع 52
02-06-2013, 10:15 PM
الفرق بين المروءَة وبعض الصفات

- الفرق بين المروءَة والفتوَّة:
قد يظنُّ ظانٌّ أنَّ المروءَة والفتوة شيء واحد لا يختلفان في معناهما، وليس ذلك بصحيح، بل بينهما فرق واضح وهو أنَّ المروءَة أعمُّ من الفتوة، فالمروءَة هي ما يتخلَّق به الإنسان مما يختص به في ذاته، أو يتعدَّى إلى غيره، بينما الفتوة ما يتخلَّق به الإنسان، ويكون متعديًا إلى غيره.
قال ابن القيم في التفريق بينهما: (أن المروءَة أعمُّ منها، فالفتوة نوع من أنواع المروءَة، فإنَّ المروءَة استعمال ما يجمل ويزين مما هو مختصٌّ بالعبد، أو متعدٍّ إلى غيره، وترك ما يُدنِّس ويشين مما هو مختص أيضًا به، أو متعلِّق بغيره، والفتوة إنما هي استعمال الأخلاق الكريمة مع الخلق) .
- العلاقة بين المروءَة والعقل:
سُئِلَ بعض الحكماءِ عن العلاقة بين العقل والمروءَة فقال: (العَقل يأمرك بِالْأنفعِ، والمروءَة تأمرك بِالأجمل) .
- الفرق بين المروءَة والكرم:
(الكرم والمروءَة... قرينان في الفضل، ومتشاكلان في العقل، والفرق بينهما مع التشاكل من وجهين:
أحدهما: أن الكرم: مراعاة الأحوال، أن يكون على أنفعها وأفضلها، والمروءَة: مراعاة الأحوال، أن يكون على أحسنها وأجملها.
والوجه الثاني: أن الكرم، ما تعدى نفعه إلى غير فاعله. والمروءَة: قد تقف على فاعلها ولا تتعدى إلى غيره، فإن استعملها في غيره مازجت الكرم، ولم ينفرد بالمروءَة وصار بالاجتماع أفضل، وإن افترقا كان الكرم أفضل لتعدي نفعه، وتعدي النفع أفضل.
وليس واحد من الكرم والمروءَة خلقًا مفردًا، ولكنه يشتمل على أخلاق يصير مجموعها كرمًا ومروءةً) .

mabrok
08-06-2013, 10:40 AM
http://sphotos-h.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash3/942468_479647765457502_690292856_n.jpg

محمد رافع 52
11-06-2013, 01:48 AM
http://sphotos-h.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-ash3/942468_479647765457502_690292856_n.jpg

واياكم بارك الله فيكم
وجزاكم عنا خيرا

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:00 AM
أولًا: المروءَة في القرآن الكريم

المروءَة: هي آداب نفسانية تحمل مراعاتها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات، وهي رعيٌ لمساعي البر (http://dorar.net/enc/akhlaq/171) ورفع لدواعي الضر، وهي طهارة من جميع الأدناس والأرجاس؛ لذا فإنَّ كلَّ آية من كتاب الله تأمر بفضيلة من الفضائل، أو تنهى عن رذيلة من الرذائل فهي تدلُّ على المروءَة، وترشد إلى طريقها، ونحن هنا بصدد ذكر بعض الآيات التي تأمر بالتحلي بمحاسن الأخلاق، والتزين بجميلها:
- قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 99].
قيل لسفيان بن عيينة: (قد استنبطت من القرآن كل شيء، فهل وجدت المروءَة فيه؟ فقال: نعم، في قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ، يقول: ففيه المروءَة وحسن الأدب ومكارم الأخلاق، فجمع في قوله: خُذِ الْعَفْوَ صلة القاطعين والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين، وذلك في قوله: خُذِ الْعَفْوَ، ودخل في قوله: وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغض الأبصار، والاستعداد لدار القرار، ودخل في قوله: وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ الحض على التخلق بالحلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهلة والأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة والأفعال الرشيدة).
- وقال الله تبارك وتعالى في صفات عباده الذين اتصفوا بأعلى صفات المروءَة ووصلوا إلى غاياتها: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان: 63-76].
- وقال فيهم أيضًا شاهدًا لهم بالفلاح: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ [المؤمنون: 1-10].
- وقال أيضًا في وصفهم: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا [الإنسان: 7 – 9].
- وقال الله عزَّ وجلَّ: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77].
قال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى في هذه الآية: (فيها عين المروءَة وحقيقتها) .
- وقال الله تبارك وتعالى على لسان لقمان وهو يعظ ابنه ويعطيه دروسًا في القيم ومعالم في المروءَة: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِيَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 17-19].
- وقال الله تبارك وتعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل: 90 – 92].
وقد جعل سفيان الثوري المروءَة مبنية على ركنين استمدهما من هذه الآية الكريمة، حيث سئل عن المروءَة ما هي؟ فقال: (الإنصاف من نفسك، والتفضل لله تعالى: إنَّ الله يأمر بالعدل، وهو الإنصاف، والإحسان، وهو التفضل، ولا يتمُّ الأمر إلا بهما، ألا تراه لو أعطى جميع ما يملك، ولم ينصف من نفسه لم تكن له مروءة؛ لأنَّه لا يريد أن يعطي شيئًا إلا أن يأخذ من صاحبه مثله، وليس مع هذا مروءة) .
فكلُّ هذه الآيات وما سواها -وما أكثرها في كتاب الله تبارك وتعالى- متضمنة لأصول المروءَة وركائزها التي تبنى عليها، وإن كانت لا تدلُّ على المروءَة بحروفها.

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:03 AM
ثانيًا: المروءَة في السُّنَّة النَّبويَّة
وردت كثير من الأحاديث تشير إلى بعض ما تضمنته صفة المروءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1344) من حسن الخلق وجميل المعاشرة، والتحذير من كلِّ ما يشين الإنسان، ويدنِّس عرضه، وسنقتصر على عرض بعض هذه الأحاديث:
- ((قيل: يا رسول الله، من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم لله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: يوسف نبي الله، بن نبي الله، بن خليل الله. قالوا: ليس عن هذا نسألك. قال: فعن معادن العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)) .
قال النووي: (معناه أنَّ أصحاب المروءات، ومكارم الأخلاق في الجاهلية، إذا أسلموا وفقهوا فهم خيار الناس) .
- ومن ذلك حديث عائشة أمِّ المؤمنين في بدء الوحي، والذي فيه قول خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلَّا واللَّه ما يخزيك اللَّه أبدًا، إنَّك لتصل الرَّحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضَّيف، وتعين على نوائب الحقِّ... )) .
- و((عن أبي ذرٍّ رضي اللَّه عنه قال: سألت النَّبي صلى اللَّه عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟ قال: إيمان باللَّه، وجهاد في سبيله. قلت: فأيَّ الرِّقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنًا، وأنفسها عند أهلها: قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق. قال: فإن لم أفعل؟ قال: تدع النَّاس من الشَّرِّ، فإنَّها صدقة تصدَّق بها على نفسك)) .
- وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((السَّاعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل اللَّه وأحسبه قال: وكالقائم لا يفتر، وكالصَّائم لا يفطر)) .
- وعن سهل رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: ((أنا وكافل اليتيم في الجنَّة هكذا، وأشار بالسَّبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا)) .

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:06 AM
أقوال السلف والعلماء في المروءَة
- قال معاوية رضي الله عنه: (المروءَة ترك الشَّهوات وعصيان الهوى) .
- وحُكي أنَّ معاوية سأل عَمرًا رضي الله عنه عن المروءَة، فقال: (تقوى اللَّه تعالى وصلة الرَّحم. وسأل المغيرة، فقال: هي العفَّة عمَّا حرَّم اللَّه تعالى، والحرفة فيما أحلَّ اللَّه تعالى. وسأل يزيد، فقال: هي الصَّبر على البلوى، والشُّكر على النُّعمى، والعفو عند المقدرة. فقال معاوية: أنت منِّي حقًّا) .
- وروي عن ابن عمر رضي الله عنه قال: (من مُرُوءَةِ الرَّجُل نقاءُ ثوْبِه) .
- وسأل الحسين أخاه الحسن عن المروءَة فقال: (الدين، وحسن اليقين) .
- وَسُئِل محمد بن علي عن المروءَة فقال: (أَنْ لَا تعمل في السِّر عَمَلًا تَسْتَحِي مِنْهُ فِي العلانية) .
- وقال علي بن الحسين: (من تمام المروءَة خدمة الرجل ضيفه، كما خدمهم أبونا إبراهيم الخليل بنفسه وأهله) .
- وقال عمر بن عبد العزيز: (ليس من المروءَة أن تستخدم الضيف) .
- وقال الأحنف بن قيس: (الكذوب لا حيلة له، والحسود لا راحة له، والبخيل لا مروءة له، والملول لا وفاء له، ولا يسود سيئ الأخلاق، ومن المروءَة إذا كان الرجل بخيلًا أن يكتم ويتجمل) .
- وسئل أيضًا عن المروءَة فقال: (صدق اللِّسان، ومواساة الإخوان، وذكر اللَّه تعالى في كلِّ مكان) .
- وقال مرَّة: (العفَّة والحرفة) .
- وقال الماوردي: (اعلم أنَّ من شواهد الفضل ودلائل الكرم، المروءَة التي هي حلية النُّفوس، وزينة الهمم) .
- وسئل بشر بن الحارث عن القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) فقال: (لو لم يكن فيها إلَّا التَّمتُّع بعزِّ الغنى لكان ذلك يجزي، ثمَّ أنشأ يقول:


أفادتنا القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) أيَّ عزٍّ***ولا عزَّ أعزَّ من القناعه



فخذ منها لنفسك رأس مال***وصيِّر بعدها التَّقوى بضاعه



تحز حالين تغنى عن بخيل***وتسعد في الجنان بصبر ساعه



ثمَّ قال: مروءة القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) أشرف من مروءة البذل والعطاء) .
- وقال سفيان بن حسين: (قلت لإياس بن معاوية: ما المروءَة؟ قال: أمَّا في بلدك فالتَّقوى، وأمَّا حيث لا تعرف فاللِّباس) .
- وقال أحمد -في آداب مؤاكلة الإخوان-: (يأكل بالسُّرور مع الإخوان، وبالإيثار مع الفقراء، وبالمروءَة مع أبناء الدُّنيا) .

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:10 AM
فوائد التحلي بالمروءَة واجتناب ما يخرمها
1- صون النفس، وهو حفظها وحمايتها عما يشينها، ويعيبها ويزري بها عند الله عزَّ وجلَّ، وملائكته، وعباده المؤمنين، وسائر خلقه .
2- توفير الحسنات، ويكون ذلك من وجهين:
أحدهما: توفير زمانه على اكتساب الحسنات، فإذا اشتغل بالقبائح نقصت عليه الحسنات التي كان مستعدًّا لتحصيلها.
والثاني: توفير الحسنات المفعولة عن نقصانها، بموازنة السيِّئات وحبوطها، فإنَّ السيِّئات قد تحبط الحسنات، وقد تستغرقها بالكلية أو تنقصها، فلابد أن تضعفها قطعًا؛ فتجنبها يُوَفِر ديوان الحسنات، وذلك بمنزلة من له مال حاصل، فإذا استدان عليه؛ فإمَّا أن يستغرقه الدين أو يكثره أو ينقصه، فهكذا الحسنات والسيئات سواء .
3- صيانة الإيمان؛ وذلك لأنَّ الإيمان عند جميع أهل السُّنَّة يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد حكاه الشافعي وغيره عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وإضعاف المعاصي للإيمان أمر معلوم بالذوق والوجود، فإنَّ العبد- كما جاء في الحديث- إذا أذنب نُكِت في قلبه نكتة سوداء، فإن تاب واستغفر صقل قلبه، وإن عاد فأذنب نُكت فيه نكتة أخرى، حتى تعلو قلبه .
4- سبيل إلى نيل المطالب العالية، والسبق إليها، وإن كثر عليها المتنافسون، قال بعْض الْعلماءِ: إذَا طلب رجلانِ أَمْرًا ظفِر بِهِ أَعْظمهما مروءةً .
5- التحلي بها مما يزيد في ماء الوجه وبهجته، قال ابن القيم: (أَربعةٌ تزِيد فِي ماءِ الوجهِ وبهجتِهِ: المروءَة، والوفاء، والكرم، والتَّقوى) .
6- تحجز المرء عن كلِّ لذة يتبعها ألم، وكل شهوة يلحقها ندم، فهي جُنَّة عن اللذائذ المحرمة، والشهوات المهلكة، وقد قيل: (الدين، والمروءَة، والعقل، والروح، ينهين عن لذة تعقب ألمًا، وشهوة تورث ندمًا) .
7- والمروءَة مانعة من الكذب، باعثة على الصدق؛ لأنها قد تمنع من فعل ما كان مستكرهًا، فأولى من فعل ما كان مستقبحًا .
8- داعية إلى إنصاف الرجل لجميع الخلق، سواء في ذلك من كان دونه، أو من كان فوقه، لا يفرق بين هؤلاء وهؤلاء.
9- داعية إلى الرفعة والعلو، والمنافسة في خيري الدنيا والآخرة، وعدم الرضا من الشيء إلا بأعلاه وغايته.
10- تحمل صاحبها إلى الترفع عن سفاسف الأمور، ومحقراتها.
11- تحجزه عن الوقوع في مواطن الريب والشبهات، وإن حصل ووقع في مثل هذه المواطن تحمله على التخلص منها وعدم الرجوع إليها.
12- جالبة لمحبة الله تبارك وتعالى للعبد، ومن ثم محبة الخلق له.

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:11 AM
أقسام المروءَة

كل من تكلم عن المروءَة وحدِّها وبيانها لم يخرجها عن أحد نوعين:
إما أفعال أو تروك، وهذا ما بيَّنه أبو حاتم البستي بعد أن سرد مجموعة من الأقوال في تعريف المروءَة، قال: (والمروءَة عندي خصلتان:
- اجتناب ما يكره الله والمسلمون من الفعال.
- واستعمال ما يحبُّ الله والمسلمون من الخصال) .
وهذا ما عناه ابن القيم بقوله: (وحقيقة المروءَة تجنب للدنايا والرذائل، من الأقوال، والأخلاق، والأعمال، فمروءة اللسان: حلاوته، وطيبه، ولينه، واجتناء الثمار منه بسهولة ويسر. ومروءة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض. ومروءة المال: الإصابة ببذله مواقعه المحمودة، عقلًا وعرفًا وشرعًا. ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه. ومروءة الإحسان: تعجيله، وتيسيره، وتوفيره، وعدم رؤيته حال وقوعه، ونسيانه بعد وقوعه، فهذه مروءة البذل.
وأما مروءة الترك: فترك الخصام، والمعاتبة، والمطالبة، والمماراة، والإغضاء عن عيب ما يأخذه من حقِّك، وترك الاستقصاء في طلبه، والتغافل عن عثراته) .
وبهذا التقسيم -أعني مروءة الفعل والبذل ومروءة الترك- ينتظم جميع الأقوال التي عرفت بها المروءَة في سلك واحد.

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:14 AM
شروط المروءَة
للمروءة شروط لا تتأتى إلا بها، ولا يحصلها الشخص إلا بنوع من المعاناة وبذل الجهد، يقول الماوردي: (من حقوق المروءَة وشروطها ما لا يتوصَّل إليه إلَّا بالمعاناة، ولا يوقف عليه إلَّا بالتَّفقُّد والمراعاة، فثبت أنَّ مراعاة النَّفس على أفضل أحوالها هي المروءَة.
وإذا كانت كذلك فليس ينقاد لها مع ثقل كلفها إلَّا من تسهَّلت عليه المشاقُّ رغبةً في الحمد، وهانت عليه الملاذُّ حذرًا من الذَّمِّ) .
وقد عدَّد بعض البلغاء بعض شروط المروءَة، فقال: (من شرائط المروءَة أن تعفَّ عن الحرام، وتتصلَّف عن الآثام، وتنصف في الحكم، وتكفَّ عن الظلم، ولا تطمع في ما لا تستحق، ولا تستطيل على من لا تسترق، ولا تعين قويًّا على ضعيف، ولا تؤثر دنيًّا على شريف، ولا تُسِرَّ ما يُعقب الوزر والإثم، ولا تفعل ما يقبح الذكر والاسم) .
وقد أجاد الماوردي في بيان شروط المروءة، مع حسن التقسيم، وبراعة العرض، وفيما يلي تلخيص لكلامه:
من هذه الشروط:
الأول شروط المروءَة فِي نفسِ الشخص: وشروطها فِي نفسِه بعد التِزامِ ما أوجبه الشَّرع من أحكامِه يكون بثلاثة أمورٍ وهي:
1- العِفَّة: وهي نوعان:
أحدهما: العِفَّة عن المحارِمِ: وهذه تكون بشيئين اثنين:
أحدهما: ضبط الفرجِ عن الحرامِ.
والثَّانِي: كفُّ اللِّسانِ عن الأعراضِ.
والثَّانِي: العِفَّة عن المآثِمِ: وهذه أيضًا لا تكون إلا بشيئين:
أَحدهما: الكفُّ عن المجاهرةِ بِالظُّلمِ.
والثَّانِي: زجر النَّفسِ عن الإِسرارِ بِخِيانةٍ.
2- النَّزاهة: وهي نوعانِ:
أَحدهما: النَّزاهة عن المطامِعِ الدَّنِيَّةِ .
والثَّاني: النَّزاهة عن مواقف الرِّيبة.
3- الصِّيانة: وهي نوعانِ:
أَحدهما: صِيانة النَّفسِ بالتِماس كِفايتها، وتقدِير مادَّتها.
والثَّاني: صيانتها عن تحمُّل المنن من النَّاسِ، والاسترسال في الاستعانة.
الثَّانِي: شروط المروءَة في غيره، وتكون بثلاثة أمور وهي:
- المؤازرة: وهي نوعانِ:
أحدهما: الإِسعاف بِالجاه.
والثَّاني: الإسعاف فِي النَّوائِب.
- والمياسرة وهي نوعانِ:
أَحدهما: العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عن الهفوات.
والثَّانِي: المسامحة في الحقوق وهي نوعان:
المسامحة في عقودٍ: بأَن يكون فيها سهل المناجزةِ، قلِيل المحاجزةِ، مأمون الغيبةِ، بعِيدًا مِن المكرِ والخدِيعةِ.
المسامحة في حقوق: وتتنوَّع المسامحة فِيها نوعينِ:
أَحدهما فِي الأَحوالِ: وهو اطِّراح المنازعةِ فِي الرُّتبِ، وترك المنافسةِ فِي التَّقدُّمِ.
والثَّانِي فِي الأَموالِ: وهي ثلاثة أنواع: وهي مسامحة إسقاطٍ لِعدمٍ، ومسامحة تخفِيفٍ لِعجزٍ، ومسامحة إنكارٍ لِعسرةٍ.
- والإِفضال: وهو نوعان:
إفضال اصطِناعٍ: وهو نوعان:
أحدهما: ما أَسداه جودًا فِي شكورٍ.
والثَّانِي: ما تأَلَّف به نبوة نفورٍ.
وإِفضال استكفافٍ ودِفاعٍ:
وذلك لأَنَّ ذا الفضلِ لا يعدم حاسِد نِعمةٍ، ومعانِد فضِيلةٍ، يعترِيهِ الجهل بِإِظهارِ عِنادِهِ، ويبعثه اللُّؤم على البذاءِ بِسفهِهِ، فإِن غفل عن استِكفافِ السُّفهاءِ، وأَعرَض عن استِدفاعِ أَهلِ البذاءِ، صار عِرضه هدفًا لِلمثالِبِ، وحاله عُرضةً للنَّوائب، وإذا استكفى السَّفِيه، واستدفع البذِيء صان عرضه، وحمى نِعمته.
ولاستِكفافِ السُّفهاءِ بالإِفضالِ شرطان:
أحدهما: أَن يخفِيه حتَّى لا ينتشِر فِيهِ مطامِع السُّفهاء، فيتوصَّلون إلى اجتِذابِهِ بِسبِّه، وإِلى مالِه بِثلبِه.
والثَّاني: أَن يتطلَّب له فِي المجاملة وجهًا، ويجعله فِي الإِفضال عليه سببًا؛ لأَنَّه لا يرى أَنَّه على السَّفهِ واستِدامةِ البذاءِ .

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:16 AM
درجات المروءَة

للمروءة ثلاث درجات ذكرها ابن القيم، فقال:
- الدرجة الأولى: مروءة المرء مع نفسه وهي أن يحملها قسرًا على ما يجمل ويزين، وترك ما يدنس ويشين ليصير لها ملكة في العلانية، فمن أراد شيئًا في سرِّه وخلوته، ملكه في جهره وعلانيته، فلا يكشف عورته في الخلوة، ولا يتجشأ بصوت مزعج ما وجد إلى خلافه سبيلًا، ولا يخرج الريح بصوت وهو يقدر على خلافه، ولا يجشع وينهم عند أكله وحده.
وبالجملة: فلا يفعل خاليًا ما يستحي من فعله في الملأ، إلا ما لا يحظره الشرع والعقل؛ ولا يكون إلا في الخلوة كالجماع والتخلي ونحو ذلك.
- الدرجة الثانية: المروءَة مع الخلق، بأن يستعمل معهم شروط الأدب والحياء والخلق الجميل، ولا يظهر لهم ما يكرهه هو من غيره لنفسه، وليتخذ الناس مرآة لنفسه، فكلُّ ما كرهه ونفر عنه من قول أو فعل أو خلق فليجتنبه، وما أحبَّه من ذلك واستحسنه فليفعله.
وصاحب هذه البصيرة ينتفع بكلِّ من خالطه وصاحبه، من كامل، وناقص، وسيئ الخلق، وحسنه، وعديم المروءَة، وغزيرها. وكثير من الناس يتعلم المروءَة ومكارم الأخلاق من الموصوفين بأضدادها، كما روي عن بعض الأكابر أنه كان له مملوك سيئ الخلق، فظٌّ غليظ لا يناسبه، فسُئل عن ذلك فقال: أدرس عليه مكارم الأخلاق. وهذا يكون بمعرفة مكارم الأخلاق في ضد أخلاقه، ويكون بتمرين النفس على مصاحبته ومعاشرته والصبر عليه.
- الدرجة الثالثة: المروءَة مع الحقِّ سبحانه، بالاستحياء من نظره إليك، واطلاعه عليك في كلِّ لحظة ونفس، وإصلاح عيوب نفسك جهد الإمكان، فإنه قد اشتراها منك، وأنت ساع في تسليم المبيع وتقاضي الثمن، وليس من المروءَة: تسليمه على ما فيه من العيوب وتقاضي الثمن كاملًا، أو رؤية مِنَّته في هذا الإصلاح، وأنَّه هو المتولِّي له لا أنت، فيغنيك الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508) منه عن رسوم الطبيعة، والاشتغال بإصلاح عيوب نفسك عن التفاتك إلى عيب غيرك، وشهود الحقيقة عن رؤية فعلك وصلاحك .

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:24 AM
صور المروءَة وآدابها
للمروءة آدابٌ كثيرة قلَّ أن تجتمع في إنسان إلا أن يشاء الله تعالى؛ ولذلك فإنَّ منازل الناس فيها تتباين تبعًا لما يُحصِّله الإنسان من آدابها ومراتبها.
قال ابن هذيل: إنَّ (للمروءة وجوهًا وآدابًا لا يحصرها عدد ولا حساب، وقلَّما اجتمعت شروطها قط في إنسان، ولا اكتملت وجوهها في بشر، فإن كان ففي الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم دون سائرهم، وأمَّا الناس فيها فعلى مراتب بقدر ما أحرز كلُّ واحد منهم من خصالها، واحتوى عليها من خلالها) .
وقد وردت جُملةٌ من الآداب التي يجب أن يتمتع بها صاحب المروءَة، ومنها :
1- أن يكون ذا أناةٍ وتؤدةٍ؛ فلا يبدو في حركاته اضطراب أو عجلة، كأن يُكثر الالتفات في الطريق، ويعجل في مشيه العجلة الخارجة عن حد الاعتدال.
2- أن يكون متَّئدًا في كلامه يرسل كلماته مفصَّلة، ولا يخطف حروفها خطفًا، حتى يكاد بعضها يدخل في بعض، بل يكون حسن البيان، واضح العبارة، بعيدًا عن التكلف والتقعر، ينتقي أطايب الحديث، كما ينتقي أطايب الثمر، وقد كتب عُمر بن الخَطَّاب رضي الله عنه إِلى أبي موسى رضي الله عنه: (خُذِ النَّاس بالعربِيَّة، فإِنَّه يزيد في العَقل، ويُثبت المروءَة) .
3- أن يضبط نفسه عن هيجان الغضب، أو دهشة الفرح، وأن يقف موقف الاعتدال في حالي السرَّاء والضرَّاء.
4- أن يتحلَّى بالصراحة، والترفع عن المواربة، والمجاملة، والنفاق، فلا يُبدي لشخصٍ الصداقة، وهو يحمل له العداوة، أو يشهد له باستقامة السيرة، وهو يراه منحرفًا عن السبيل.
5- ألا تطيش به الولاية والإمارة في زهو، ولا ينزل به العزل في حسرة.
6- ألاَّ يفعل في الخفاء ما لو ظهر للناس لعدُّوه من سقطاته والمآخذ عليه، وقد رفع محمد بن عمران التيمي شأن هذا الأدب حتى جعله هو المروءَة، فقال لما سئل عن المروءَة: ألَّا تعمل في السِّر ما تستحي منه في العلانية.
7- أن يتجنب القبائح لقبحها ووخامة عاقبتها، فيكون تجنبه لها في السِّر والعلانية.
8- أن يلاقي الناس بطلاقة وجه، ولسان رطب، غير باحث عما تكنُّه صدورهم من مودة، أو بغضاء، ولكنه لا يستطيع أن يرافق ويعاشر إلا ودودًا مخلصًا.
9- أن يكون بخيلًا بوقته عن إطلاق لسانه في أعراض الناس، والتقاط معايبهم، أو اختلاق معايب لهم، فهو لا يرضى بأن يشغل وقته إلا بما تتقاضاه المروءَة من حقوق، قال رجل لخالد بن صفوان: كان عبدة بن الطيب لا يحسن يهجو، فقال له: لا تقل ذلك، فوالله ما تركه من عي، ولكنه كان يترفع عن الهجاء، ويراه ضعة، كما يرى تركه مروءةً وشرفًا، وأنشد قول أبي الهيذام:


وأجرأ من رأيت بظهر غيب***على عيب الرجال ذوو العيوب



وربما اضطر ذو المروءَة أن يدافع شرَّ خصومه الكاشحين بذكر شيء من سقطاتهم، ولكن المروءَة تأبى له أن يختلق لهم عيبًا يقذفهم به، وهم منه براء، فإنَّ الإخبار بغير الواقع يقوض صروح المروءَة، ولا يبقي لها عينًا ولا أثرًا، قال الأحنف: لا مروءة لكذوب، ولا سؤدد لبخيل.
كما أنه يحفظ لسانه عن أن يلفظ مثلما يلفظ أهل الخلاعة من سفه القول:


وحذار من سفه يشينك وصفه***إنَّ السفاه بذي المروءَة زاري



10- أن يتجنب تكليف زائريه وضيوفه ولو بعملٍ خفيف؛ فقد ورد عن عمر ابن عبد العزيز رحمه الله قوله: (ليس من المروءَة استخدام الضيف).
- أن يسود في مجلسه الجدُّ والحكمة، وأن لا يلمَّ في حديثه بالمزاح إلا إلمامًا، مؤنسًا في أحوال نادرة، قال الأحنف بن قيس: (كثرة المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) تذهب المروءَة).
11- أن يُحسن الإصغاء لمن يُحدثه من الإخوان، فإنَّ إقباله على محدثه بالإصغاء إليه يدلُّ على ارتياحه لمجالسته، وأُنسه بحديثه. وإلى هذا الأدب الجميل يُشير أبو تمام بقوله:


من لـي بإنسانٍ إذا أغضبته***ورضيتُ كان الحِلم ردَّ جوابه



وتراه يُصغي للـحديث بقلبه***وبسـمعه، ولعـله أدرى بـه



12- أن يحتمل ضيق العيش، ولا يبذل ماء حيائه وكرامته في السعي لما يجعل عيشه في سعة، أو يديه في ثراء، قال مهيار:


ونفس حرة لا يزدهيها ***حلى الدنيا وزخرفها المعار



يبيت الحق أصدق حاجتيها***وكسب العز أطيب ما يمار



13- ألَّا يظهر الشكوى من حوادث الدهر إلا أن يتقاضى حقًّا:


لا يفرحون إذا ما الدهر طاوعهم ***يومًا بيسر ولا يشكون إن نكبوا





وقال عبد الله بن الزبير الأسدي في عمر بن عثمان بن عفان:


فتى غير محجوب الغنى عن صديقه***ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت



14- أن يكون حافظًا لما يؤتمن عليه، من أسرارٍ وأُمور لا ينبغي أن تظهر لأحدٍ غير صاحبها. وفي هذا المعنى يقول المتنبي:


كفتك المروءَة ما تتقى***وأمَّنك الود ما تحذر



يريد أنه ذو مروءة، وذو المروءَة لا يُفشي سرًّا اؤتمن عليه.
15- أن يحذر أن يؤذي شخصًا ما، وأشد ما يحذر أن يؤذي ذا مروءة مثله:


وأستحيي المروءَة أن تراني ***ت مناسبي جلدًا وقهرًا



16- أن يحرص على أن تطابق أقواله وأفعاله ما جرت عليه الأعراف والتقاليد الحسنة، والتي لا تخالف الشرع ولا تضادُّ الدين.
17- أن يعامل الآخرين بما يحب أن يعاملوه به، وأن يحترمهم ولا يفضل نفسه عليهم في شيء.

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:26 AM
أسباب خوارم المروءَة

1- الخبل في العقل (أي الفساد فيه):
إن الإنسان سمي مرءًا أو امرءًا أي عاقلًا، ووصف بالمروءَة؛ لأنه لا يتصف بخلافها إلا الحمقى، ومن هنا كان الخبل في العقل سببًا في اقتراف خوارم المروءَة، والذي يجعلنا لا نثق بكلامه فنرد شهادته بسببه.
ولا تستغرب هذا! بل من الحكماء من جعل المروءَة أعلى درجة من العقل، فقال: (العقل يأمرك بالأنفع، والمروءَة تأمرك بالأرفع) فمن أخلَّ بمروءته رضي بالدون، ولم يكرم نفسه مما يشينها.
ويلتقي هذا مع اشتراط الفقهاء الفطنة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1170) وعدم التغفل في الشهود ولو كانوا عدولًا، وعدم قبول شهادة المجنون ابتداءً.
2- نقصان الدين:
إنَّ الفسق علامة على النقص في الدين، فلا يقدم على الكبائر مثلًا إلا فاسق غير مبال بدينه، وكذا خوارم المروءَة لا يقدم عليها حتى تخرم مروءته إلا ناقص دين، فكان أحد الأسباب التي تخرم المروءَة.
3- قلة الحياء:
إنَّ من أسباب فعل الخوارم قلة الحياء؛ لأنَّ فاعلها لا يستقبح القبيح، ولا يبالي بكلام الناس، وقلة حيائه تعطيه الجسارة في فعل خوارم المروءَة .

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:28 AM
أنواع خوارم المروءَة
يمكن أن نقسم خوارم المروءَة إلى نوعين اثنين:
الأول: خوارم للمروءة بحسب الشرع.
الثاني: خوارم للمروءة بحسب العرف السائد.
فالأولى لا تتغير ولا تتبدل بتبدل الأحوال والأزمان؛ لأنها تستمد ثباتها من الشرع الحنيف. وعليه، فكلُّ من وصف بأنَّه منخرم المروءَة بواحدة من تلك الخوارم، فهو مخروم المروءَة في كلِّ حين، كأخذ الأجر على التحديث عند مَن يرى حرمة ذلك، فمن خرمت مروءته لهذا، فإنَّه لا يزال على ذلك أبدًا، وكذلك مَن خرمت مروءته بسبب السفه، وبذاءة اللسان؛ لأنَّ المسلم لا يكون بذيئًا ولا سفيهًا...
وأمَّا الخوارم التي ترجع إلى مخالفة عرف سائد، فإنَّ المحققين من العلماء لا ينظرون إليها سواء بسواء مع تلك الخوارم التي ترجع إلى مخالفة أصل شرعي؛ لجواز أن يتغير العرف السائد، فما يعدُّ من الخوارم في زمن لا يكون كذلك في زمن آخر، وما يعدُّ من الخوارم في بلد لا يكون كذلك في بلد آخر... (لاختلاف العرف في هذين البلدين، مثل: كشف الرأس، فقد يكون مستقبحًا في بلد للعرف السائد فيه، فيكون قادحًا في المروءَة والعدالة، وقد لا يكون مستقبحًا في بلد آخر، فلا يكون قادحًا في العدالة) ولهذا فإن المروءَة في مثل هذا هي مراعاة العرف السائد .
شروط الأفعال حتى تكون خارمة للمروءة:
الأول: أن يكون الإقدام على الأفعال والأقوال المحرمة شرعًا، ولو لمرة واحدة، أو المكروهة بشرط التكرار، أو الصغائر بشرط الغلبة على الطاعات، أمَّا المباحات فيشترط فيها حتى تكون خارمة للمروءة، قبحها في العادات والأعراف المعتبرة شرعًا، إذ لا يُؤمن معها الجرأة على الكذب، والإدمان على فعلها.
الثاني: الإدمان أو الإصرار أو الغلبة:
خوارم المروءَة من المحرمات لا يشترط فيها الإدمان، وكذلك صغائر الخسة، أما الصغائر ورذائل المباحات فيشترط فيها الإدمان؛ وذلك لأنَّ الإنسان لا يسلم من يسير اللهو، أو فعل بعض المباحات؛ لعدم العصمة، وليس هذا شرطًا متفقًا عليه

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:29 AM
حكم فعل خوارم المروءَة

(أجمع العلماء على أنَّ مَن فعل ما يخلُّ بالمروءَة لا تُقبل شهادته، والأفعال والأقوال التي تخلُّ بالمروءَة أقسام:
الأول: المحرمات التي يُعدُّ فعلها كبيرةً، سواء أكانت محرمةً لذاتها أم لغيرها، ومن العلماء من جعل كلَّ ما يخلُّ بالمروءَة كبيرة وليس ذلك صحيحًا.
الثاني: المكروهات إذا حكم على فعلها بأنها صغيرة، فتخلُّ بالمروءَة والعدالة بالإدمان عليها، وغلبتها على الطاعات؛ إلا صغائر الخسة؛ فإنها تخل بالمروءَة لفعلها مرة واحدة.
الثالث: المباحات؛ فالأصل فيها أن لا يأثم الإنسان على تركها ولا يثاب على فعلها، وقد يثاب إذا رافقتها نيَّة صالحة، كالتقوي على العبادة، أو التصدق على المحتاجين... إلخ.
وهذه المباحات لا تخلُّ بالمروءَة إلا إذا انتقلت من حكم الإباحة إلى غيره؛ فقد تصبح محرمةً إذا كان فعلها إتلافًا وإضرارًا بالآخرين، وقد يصبح فعلها مكروهًا بالإدمان عليها، أو التشبه بالفسقة في فعلها، أو رافقها الإسراف؛ فهذه تخلُّ بالمروءَة.
وهناك من المباحات ما يخلُّ بالمروءَة عرفًا؛ فهذه تخلُّ بالمروءَة إذا كان العرف معتبرًا شرعًا، أي غير فاسد باصطدامه بمقاصد الشرع وأدلته؛ ولأنَّ هذه المباحات المخلة بالمروءَة عرفًا لا يحرم فعلها، إلا إذا تعينت على فاعلها الشهادة، ولم تكن هناك وسيلة للإثبات غير شهادته بوجود شاهد آخر أو وثيقة؛ فحرمة فعلها جاءت لتسببها في ضياع الحقوق)

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:33 AM
الوسائل المعينة على اكتساب المروءَة

يقول ابن حبان البستي: (الواجب على العاقل أن يلزم إقامة المروءَة، بما قدر عليه من الخصال المحمودة وترك الخلال المذمومة، وقد نبغت نابغة اتكلوا على آبائهم، واتكلوا على أجدادهم في الذكر والمروءات، وبعدوا عن القيام بإقامتها بأنفسهم، ولقد أنشدني منصور بن محمد في ذمِّ من هذا نعته:


إنَّ المروءَة ليس يدركها امرؤ***ورث المروءَة عن أب فأضاعها



أمرته نفس بالدناءة والخَنا ***ونهته عن طلب العلى فأطاعها



فإذا أصاب من الأمور عظيمة***يبني الكريم بها المروءَة باعها



...إلى أن قال: (ما رأيت أحدًا أخسر صفقة، ولا أظهر حسرة، ولا أخيب قصدًا، ولا أقل رشدًا، ولا أحمق شعارًا، ولا أدنس دثارًا، من المفتخر بالآباء الكرام، وأخلاقهم الجسام، مع تعريه عن سلوك أمثالهم وقصد أشباههم، متوهمًا أنهم ارتفعوا بمن قبلهم، وسادوا بمن تقدَّمهم، وهيهات أنى يسود المرء على الحقيقة إلا بنفسه، وأنى ينبل في الدارين إلا بكدِّه) .
فإذا كانت المروءَة لا تنال بالميراث، ولا تنتقل عبر المورثات الجينية من الآباء إلى الأبناء، فكيف ينالها الشخص وكيف يصل إليها؟
والجواب أن هناك وسائل تعين المرء للوصول إلى المروءَة المبتغاة نذكر بعضها فيما يلي:
1- علو الهمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1060) والتطلع إلى السمو بالنفس، والترقي بها إلى المعالي.
2- منافسة أصحاب المروءات ومسابقة أصحاب الأخلاق العالية وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26].
3- شرف النفس واستعفافها ونزاهتها وصيانتها.
4- المال الصالح خير معين على بلوغ المروءات، قال أبو حاتم: (من أحسن ما يستعين به المرء على إقامة مروءته المال الصالح، ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي:


احتل لنفسك أيها المحتال***فمن المروءَة أن يرى لك مال



كم ناطق وسط الرجال وإنما***عنهم هناك تكلم الأموال



فالواجب على العاقل أن يقيم مروءته بما قدر عليه، ولا سبيل إلى إقامة مروءته إلا باليسار من المال، فمن رزق ذلك، وضنَّ بإنفاقه في إقامة مروءته، فهو الذي خسر الدنيا والآخرة، ولا آمن أن تفجأه المنية فتسلبه عما ملك كريهًا، وتودعه قبرًا وحيدًا، ثم يرث المال بعد من يأكله ولا يحمده، وينفقه ولا يشكره، فأي ندامة تشبه هذه، وأي حسرة تزيد عليها .
ولذا قال بعض العرب: (المروءَة طعام مأكول، ونائل مبذول، وبشر مقبول، وكلام معسول. وقيل: لا مروءة لمقل. وقال بعضهم: المال والمروءَة رضيعا لبان، وشريكا عنان، وغزيا حصان، وفرسا رهان. وقال بعضهم: لا مروءة إلا بالمال والفعال. ورفع إلى المنصور كثرة نفقات محمد بن سليمان والي البصرة، فوقع: أعظم الناس مروءة أكثرهم مؤنة) .
5- اختيار الزوجة الصالحة ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)) .
قال مسلمة بن عبد الملك: (ما أعان على مروءة المرء كالمرأة الصالحة).
قال الشاعر:


إذا لم يكن في منزل المرء حرة***مدبرة ضاعت مروءة داره



6- مجالسة أهل المروءات، ومجانبة السفهاء وأهل السوء.
أسند ابن حبان عن بعضهم قال: (كان يقال: مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلب صدأ الذنوب، ومجالسة ذوي المروءات تدلُّ على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تذكي القلوب) .
ومتى جالس المرء أهل المروءات اكتسب منهم صالح الأخلاق والصفات: قال ابن عبد البر: (فلا تكاد تجد حسن الخلق، إلا ذا مروءة وصبر) .
وكذلك إن عاشر المرء إخوان السوء وقليلي المروءَة أخذ عنهم أخلاقهم، وكان ذلك سببًا في القدح بمروءته: قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه: (آفة المروءَة إخوان السوء) .

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:35 AM
انقسام الفضائل بين الكرم والمروءَة

كل كرم ومروءة فضيلة وليس كل فضيلة كرمًا ومروءةً، بل تنقسم الفضائل مع الكرم والمروءَة إلى أربعة أقسام:
1- القسم الأول: ما يدخل من الفضائل في الكرم والمروءَة: كالعفو، والعفة، والأمانة.
2- والقسم الثاني: ما يدخل في الكرم ولا يدخل في المروءَة: كالحمد، والرحمة، والحمية، والبذل، والمساعدة.
3- والقسم الثالث: ما يدخل في المروءَة ولا يدخل في الكرم: كعلو الهمة، وحسن المعاشرة، ومراعاة المنازل، والملابس.
4- والقسم الرابع: ما لا يدخل في الكرم ولا المروءَة: كالشَّجَاعَة، والصبر على الشدة.
فاجتمع الكرم والمروءَة في بعض الفضائل، وافترقا في بعضها، فصار الكرم أعم من المروءَة في بعض الفضائل، والمروءَة أعم من الكرم في بعض الفضائل، فلم يتعيَّن عموم أحدهما وخصوص الآخر، وإن تناسب ما ميَّز به أحدهما

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:37 AM
قالوا عن المروءَة
- قال أعرابي: (مروءة الرجل في نفسه نسب لقوم آخرين، فإنه إذا فعل الخير عرف له، وبقي في الأعقاب والأصحاب، ولقيه يوم الحساب) .
- وقال صاحب (كليلة ودمنة): (الرجلُ ذو المروءَة يكرم على غير مال، كالأسد يهاب وإن كان رابضًا، والرجل الذي لا مروءة له يهان وإن كان غنيًّا، كالكلب يهون على الناس وإن عسَّى وطوَّف) .
- وقيل لبعض العرب: (ما المروءَة فيكم؟ قال: طعام مأكول، ونائل مبذول، وبشر مقبول) .
- وقيل: (لا مروءة لمقلٍّ) .
- وقال بعض الحكماء: (من قبل صلتك، فقد باعك مروءته وأذلَّ لقدرك عزَّه وجلالته) .
- وقالوا: (لا تتمُّ المروءَة وصاحبها ينظر في الدقيق الحقير، ويعيد القول ويبدئه في الشيء النزر الذي لا مرد له ظاهر، ولا جدوى حاضرة) .
- وقيل لبعض العارفين: (ما المروءَة؟ قال: التَّغافلُ عن زلَّة الإِخْوانِ) .
- وقيل:( مجالسة أهل الدَّيانة تجلو عن القلب صدأ الذُّنوب، ومجالسة ذوي المروءات تدلُّ على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تذكي القلوب) .
- قال زياد لبعض الدَّهاقين: (ما المروءَة فيكم؟ قال: اجتناب الرِّيب، فإنَّه لا ينبل مريب، وإصلاح الرَّجل ماله، فإنَّه من مروءته، وقيامه بحوائجه وحوائج أهله، فإنَّه لا ينبل من احتاج إلى أهله، ولا من احتاج أهله إلى غيره)

محمد رافع 52
11-06-2013, 02:48 AM
المروءَة في واحة الشعر

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:


للَّهِ دَرُّ فَتًى أنسابُهُ كَرَمٌ***يا حبَّذا كرمٌ أضحى له نسبا



هل المروءَةُ إِلَّا ما تَقُومُ به***من الذِّمامِ وحفظِ الجَارِ إنْ عَتَبا



وقال الشاعر:


وإذا جلستَ وكان مثـلُكَ قائمًا***فمِن المروءَة أن تقـومَ وإن أبَـى



وإذا اتكـأتَ وكان مثلُكَ جالسًا***فمِن المروءَة أن تُزيـلَ المتَّكـا



وإذا ركبتَ وكان مثـلُكَ ماشيًا***فمن المروءَة أن مشيتَ كما مشى



وقال آخر:


لا تنْظُرنَّ إلَى الثِّياب فَإِنَّنِي***خلِقُ الثِّيَابِ من المروءَة كَاسِ



وقال بعض الشعراء:


وفَتًى خَلَا من ماله***ومن المروءَة غَيْرُ خَالِي



أَعْطَاك قَبْل سُؤَاله***وكفاك مكرُوه السُّؤَالِ



وقال الْأَحْنف بن قَيْس:


فلو كنتُ مُثرًى بمالٍ كثيرٍ***لجُدْتُ وكنتُ له باذِلًا



فإنَّ المروءَة لا تُستطاعُ***إذا لم يكنْ مالُها فاضلًا



وقال ابن الجلَّال:


رُزقت مالًا ولم أُرزقْ مُروءتَه***وما المروءَةُ إلَّا كثرة المالِ



إذا أردتُ رُقى العلياءِ يُقعدني***عمَّا ينوِّه باسمي رقَّة الحال



قال أبو المنصور:


هبني أسأتُ كما تقولُ***فأين عاطفةُ الأُخوة



أو إن أسأتَ كما أسأتُ***فأين فضلُك والمرُوَّة



وقد قال الحصين بن المنذر الرَّقاشيِّ:


إنَّ المروءَة ليس يدركها امرؤٌ***ورث المكارمَ عن أبٍ فأضاعها



أمرته نفسٌ بالدَّناءةِ والخَنا***ونهته عن سُبلِ العُلا فأطاعها



فإذا أصاب مِن المكارمِ خلَّةً***يبني الكريمُ بها المكارمَ باعها



وقال آخر:


إذا المرءُ أعيته المروءَة ناشئًا***فمطلبُها كهلًا عليه شديدُ



وقال منصور الفقيه:


وإذا الفتى جمع المروءَة والتُّقَى***وحوى مع الأدبِ الحياءَ فقد كمل



وقال بعضهم:


ومن المروءَةِ للفتى***ما عاش دارٌ فاخره



فاقنعْ من الدنيا بها***واعملْ لدارِ الآخره



وقال آخر:


كفى حزنًا أنَّ المروءَة عُطِّلت***وأنَّ ذوي الألباب في الناس ضيعُ



وأنَّ ملوكًا ليس يحظَى لديهمُ***من النَّاسِ إلا من يغني ويصفعُ



وقال بهاء الدين زهير:


وَما ضَاقتِ الدُّنيا على ذي مروءةٍ***ولا هي مسدودٌ عليهِ رحابها



فقَد بشَّرتني بالسَّعادَةِ هِمَّتي***وجاء من العلياءِ نحوي كتابها



وقال عبد الجبار بن حمديس:


أدِمِ المروءَة والوفاءَ ولا يكنْ***حبلُ الديانة منك غيرَ متينِ



والعزُّ أبقَى ما تراه لمكرمٍ***إكرامه لمروءةٍ أو دينِ



وقال أبو فراس الحمداني:


الحُرُّ يَصْبِرُ مَا أطَاقَ تَصَبُّرًا***في كلِّ آونةٍ وكلِّ زمانِ



ويرى مساعدةَ الكرامِ مروءةً***ما سالمتهُ نوائبُ الحدثانِ



وقال حافظ إبراهيم:


إنِّي لتطربني الخلال كريمة***طرب الغريب بأوبة وتلاقي



وتهزَّني ذكرى المروءَة والنَّدى***بين الشَّمائل هزَّةَ المشتاقِ



وقال آخر:


مررتُ على المروءَة وهي تبكي***فقلتُ علامَ تنتحبُ الفتاةُ؟



فقالَتْ كيف لا أبكي وأهلِي***جميعًا دونَ خلقِ اللَّهِ ماتوا

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:21 AM
http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg
المزَاح

معنى المزَاح لغةً واصطلاحًا
معنى المزَاح لغةً:
المزاح: الدُّعابة، وهو نقيضُ الجِدِّ، من مزَح يمزَح مَزحًا ومِزاحًا ومُزاحًا ومُزاحة، وقد مازحه ممازحة ومِزاحًا، والاسم المزاح، والمزاحة أيضًا .
معنى المزَاح اصطلاحًا:
المبَاسطة إلى الغير على جهة التَّلطُّف والاستعطاف، دون أذيَّة

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:23 AM
الفرق بين المزَاح وبعض الصِّفات

- الفرق بين المزَاح والهَزْل:
أنَّ الهَزْل يقتضي تواضع الهازل لمن يهْزِل بين يديه، والمزَاح لا يقتضي ذلك، فالملِك يُمَازِح خدمه وإن لم يتواضع لهم تواضع الهازل لمن يهْزِل بين يديه، والنَّبي يُمَازِح، ولا يجوز أن يُقال يهْزِل. ويقال لمن يسخر: يهْزِل، ولا يقال: يمزح .
- الفرق بين المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) والاستهزاء:
أنَّ المزَاح لا يقتضي تحقير من يمازِحه، ولا اعتقاد ذلك، فالتَّابع يُمَازِح المتبوع من الرُّؤساء والملوك، ولا يقتضي ذلك تحقيرهم ولا اعتقاد تحقيرهم، ولكن يقتضي الاستئناس بهم، والاستهزاء يقتضي تحقير المسْتَهْزَأ به، واعتقاد تحقيره .
وقيل: المزاح: الإيهام للشَّيء في الظَّاهر، وهو على خلافه في الباطن، من غير اغترارٍ للإيقاع في مكروه. والاستهزاء: الإيهام لما يجب في الظَّاهر، والأمر على خلافه في الباطن، على جهة الاغترار .
- الفرق بين المزَاح والمجُون:
أنَّ المجُون هو صلابة الوجه، وقلَّة الحياء، من قولك: مَجَن الشَّيء، يَمْجُن مُجُونًا، إذا صَلُبَ وغَلُظَ، ومنه سُمِّيت الخشبة التي يَدقُّ عليها القَصَّار الثَّوب: مِيجَنة. والمجُون كلمة مُولَّدة، لم تعرفها العرب، وإنَّما تعرف أصلها... المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) الإيهام للشيء في الظاهر وهو على خلافه في الباطن من غير اغترار للإيقاع في مكروه. والاستهزاء الإيهام لما يجب في الظاهر، والأمر على خلافه في الباطن على جهة الاغترار .
- الفرق بين المزَاح والمدَاعَبة: !
فرَّق بعضهم بين المدَاعَبة والمزَاح بأنَّ المدَاعَبة: ما لا يُغْضِب جِدُّه، والمزَاح: ما يُغْضِب جِدُّه .

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:26 AM
الأحاديث الواردة في المزَاح

- عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنِّي لأمزح، ولا أقول إلَّا حقًّا)) .
قال المناوي وهو يشرح هذا الحديث: (إنِّي لأمزح. أي: بالقول، وكذا بالفعل، وتخصيصه بالأوَّل ليس عليه مُعَوَّل. ولا أقول إلَّا حقًّا. لعصمتي عن الزَّلل في القول والعمل، وذلك كقوله لامرأة... ((لا يدخل الجنَّة عجوز)) ، وقوله لأخرى: ((لأحملنَّك على ولد النَّاقة)) . وقيل لابن عيينة: المزَاح سُبَّة. فقال: بل سُنَّة، ولكن مَن يُحْسِنه. وإنَّما كان يمزح لأنَّ النَّاس مأمورون بالتَّأسِّي به، والاقتداء بهديه، فلو ترك اللَّطافة والبشاشة، ولزم العُبُوس والقُطُوب، لأخذ النَّاس مِن أنفسهم بذلك على ما في مخالفة الغريزة من الشَّفَقة والعناء، فمَزح ليمزحوا) .
- عبد الرحمن بن أبي ليلى قال ((حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه، فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال: ما يضحككم؟ فقالوا: لا إلا أنَّا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا)) .
قال الطَّحاوي: (ففي هذا الحديث، ذكر ما فعله الرَّجل المذكور فيه، مِن أَخْذ كِنَانة صاحبه -ليرْتَاع بفقدها- على أنَّ ذلك عنده مباحٌ له، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((لا يحلُّ لمسلم أن يروِّع مسلمًا))، فكان قوله ذلك له -بعد فعله ما فعله- ممَّا هو من *** ما كان فعله نُعَيْمان بسويبط، وما كان فعله عبد الله بن حذافة -في حديث علقمة المدلجي- بأصحابه ليضحكوا من ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي ليلى لفاعل ما ذُكر فعله إيَّاه فيه: ((لا يحلُّ لمسلم أن يروِّع مسلمًا)). فكان ذلك تحريمًا منه لمثل ذلك، ونسخًا لما كان قد تقدَّمه، ممَّا ذكرناه في هذا الباب، ممَّا تعلَّق به من تعلَّق ممَّن يذهب إلى إباحة مثله، إن كان مباحًا حينئذ، واللهَ نسأله التوفيق) .
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسنَ الناسِ خُلُقًا، وكان لي أخٌ يُقالُ له أبو عُمَيرٍ -قال: أحسِبُه- فَطيمٌ، وكان إذا جاء قال: (يا أبا عُمَيرٍ، ما فعَل النُّغَيرُ؟ نُغَرٌ كان يَلعَبُ به)) .
قال ابن حجر وهو يعدِّد فوائد الحديث: (وفيه جواز الممَازَحة، وتكرير المزْح، وأنَّها إباحة سنَّة لا رخصة، وأنَّ مُمَازَحة الصَّبي الذي -لم يميِّز- جائزة، وتكرير زيارة الممْزُوح معه، وفيه ترك التَّكبُّر والتَّرفُّع، والفرق بين كون الكبير في الطَّريق فيتَوَاقَر، أو في البيت فيَمْزَح) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:31 AM
أقوال السلف والعلماء في المزَاح

المزَاح منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود، فكلُّ ما جاء في ذَمِّه، فالمقصود به المذموم من المزَاح:
- قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (مَن أكثرَ مِن شيءٍ عُرف به، ومَن مازح، استُخِفَّ به، ومن كَثُر ضَحِكه، ذهبت هيبته) .
- عن عيسى بن عبد العزيز، أنَّ عمر بن عبد العزيز كتب إلى عدي بن أرطأة: (اِنْهَ مَن قِبَلَك عن المزَاح، فإنَّه يُذْهِب المروءة، ويُوغِر الصَّدر) .
- أوصى يَعْلَى بن مُنْيَة بثلاثٍ، فقال -في كلامٍ طويل-: (إيَّاكم والمزَاح؛ فإنَّه يُذهب بالبهاء، ويُعْقِب المذمَّة، ويزري بالمروءة) .
- قال عمر بن عبد العزيز: (امتنعوا من المزَاح، تسلم لكم الأعراض) .
- عن ابن المنكدر قال: (قالت لي أمِّي: يا بُنيَّ، لا تُمَازِح الصِّبيان فتهون عليهم. وقد كانت أدركت النَّبي صلى الله عليه وسلم) .
- قال سعيد بن العاص لابنه: (يا بُنَيَّ، لا تُمَازِح الشَّريف، فيحقد عليك، ولا تُمَازِح الدَّنيَّ، فيجترئ عليك) .
- كان العبَّاس رضي الله عنه يقول: (مَزَح رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصار المزْح سنَّة) .
- قيل لسفيان بن عيينة: المزَاح هُجنة. فقال: (بل سنَّة، ولكن الشَّأن فيمن يُحسِنه، ويضعه مواضعه) .
- قال سالم بن قتيبة لأهل بيته: (لا تُمَازِحوا فيُستَخَفَّ بكم، ولا تدخلوا الأسواق فترقَّ أخلاقكم) .
- قال الأحنف: (مَن كَثُر مِزَاحه ذهبت هيبته، ومَن كَثُر ضَحِكه استُخِفَّ به) .
- قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (لا يكون المزَاح إلَّا مِن سَخَفٍ أو بَطَر) .
- قال علي رضي الله عنه: (ستٌّ مِن المروءة، ثلاثٌ في الحضر، وثلاثٌ في السَّفر، وأمَّا اللَّاتي في الحضر: فتلاوة كتاب الله، وعِمَارة مساجد الله، واتِّخاذ الإخوان في الله، وأمَّا اللَّاتي في السَّفر: فبذل الزَّاد، وحُسْن الخُلُق، والمزَاح في غير معاصي) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:34 AM
حكم المزَاح
المزَاح مباحٌ، وقد يُسْتَحبُّ إذا كان فيه تَطْيِيب نفس المخَاطَب، ومؤانسته بالضَّوابط الشَّرعية، وقد يكون منهيًّا عنه، إذا أفرط فيه صاحبه أو داوم عليه، أو كان فيه تحقيرٌ أو استهزاء أو كذب، أو ترويع لمسلم أو نحوه ممَّا فيه ضرَر.
قال النَّوويُّ: (اعلم أنَّ المزَاح المنهيَّ عنه، هو الذي فيه إفراط ويُداوَم عليه، فإنَّه يُورث الضَّحك، وقسوة القلب، ويُشغل عن ذكر الله، والفِكْر في مهمَّات الدِّين، ويؤول في كثيرٍ من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوَقار، فأمَّا ما سَلِم مِن هذه الأمور، فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله على النُّدرة؛ لمصلحة تَطْيِيب نفس المخَاطب ومؤانسته، وهو سنَّةٌ مستحبَّة) .
وقال ابن حجر: (أخرج التِّرمذي -وحسَّنه- من حديث أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله، إنَّك تداعبنا! قال: ((إنِّي لا أقول إلَّا حقًّا)) . وأخرج من حديث ابن عبَّاس -رفعه- (( لا تمار أخاك، ولا تمازحه...)) الحديث. والجمع بينهما: أنَّ المنهيَّ عنه ما فيه إفراط أو مداومة عليه؛ لما فيه من الشُّغل عن ذكر الله، والتَّفكُّر في مهمَّات الدِّين، ويؤول -كثيرًا- إلى قسوة القلب، والإيذاء والحقد، وسقوط المهابة والوَقَار، والذي يَسلَم من ذلك هو المباح، فإن صادف مصلحة -مثل تَطْيِيب نفس المخَاطَب ومؤانسته- فهو مستحبٌّ. قال الغزالي: مِن الغلط أن يُتَّخذ المزَاح حرفةً، ويُتَمَسَّك بأنَّه صلى الله عليه وسلم مَزَح، فهو كمن يدور مع الزنج حيث دار، وينظر رقصهم، ويتمسَّك بأنَّه صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة أن تنظر إليهم) .
وقال المرتضى الزبيدي: (قال الأئمَّة: الإكثار منه، والخروج عن الحدِّ، مخلٌّ بالمروءة والوَقَار، والتَّنزُّه عنه بالمرَّة والتَّقبُّض، مخلٌّ بالسُّنَّة والسِّيرة النَّبويَّة المأمور باتِّباعها والاقتداء، وخير الأمور أوسطها) .
وقال القاري: (صرَّح العلماء بأنَّ المزَاح -بشرطه- من جملة المستحبَّات) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:37 AM
النَّوع الأوَّل: المزَاح المذموم
المزاح المذموم هو ما اشتمل على محظور من المحظورات كترويع المسلمين أو الكذب، أو غلب على صاحبه وأفرط فيه، يقول النَّوويُّ: (المزَاح المنهيَّ عنه، هو الذي فيه إفراط ويُداوَم عليه، فإنَّه يورث الضَّحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله والفِكْر في مهمَّات الدِّين، ويؤول في كثيرٍ من الأوقات إلى الإيذاء، ويُورث الأحقاد، ويُسقط المهابة والوَقَار) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:39 AM
أضرار المزَاح المذموم
1- الإفراط والمبالغة في المزَاح مَضْيَعة للوقت، وشاغلٌ عن ما هو أهمُّ، فالمداومة عليه تدلُّ عدم تقدير للزَّمن المهْدَر الذي كان ينبغي أن يستغلَّ فيما هو أولى.
2- الإكثار من المزَاح، يجلب كثرة الضَّحك، وقسوة القلب، وقد مرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم على قوم يتضاحكون ويتمازحون، فقال لهم -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((أكثروا من ذكر هاذم اللَّذَّات)) ، فنبَّههم إلى ما يُلين قلوبهم، بدل ما هم فيه من كثرة الضَّحك الذي يقسِّي القلب.
3- المزَاح المذموم يؤول في كثيرٍ من الأحيان إلى الإيذاء، وتوريث الأحقاد، فينبغي تجنُّبه.

4-
المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) المذموم وكثرته، يُذهِب المهابة من قلوب النَّاس لهذا المكثر من المزاح، ويُذهِب عنه الوَقار.

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:41 AM
الوسائل المعينة على ترك المزَاح المذموم

1- التَّفكُّر في الأضرار التي قد تنتج عن المزَاح المذموم، واستحضار عواقبه السَّيئة.
2- مراقبة الله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم باجتناب المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) الذي فيه ترويع للمسلمين وغير ذلك مما نهي عنه.
3- شَغْل النَّفس بما ينفع، فالاشتغال بالنَّافع يُبعد المرء عن ممارسة الضَّار.
4- ذكر الموت، ولقد أرشد إليه النَّبي صلى الله عليه وسلم، حين مرَّ بقوم يتضاحكون ويتمازحون، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا من ذكر هاذم اللَّذَّات)).

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:42 AM
النَّوع الثَّاني المزَاح المحمود
وهو ما سَلِم من المحظورات الشرعية، ولم يغلب على صاحبه، وكانت فيه مصلحة، وتحققت فيه الضوابط الشرعية.
قال النَّوويُّ: (فأمَّا ما سَلِم من هذه الأمور، فهو المباح الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله على النُّدرة؛ لمصلحة تَطْيِيب نفس المخَاطَب ومؤانسته، وهو سنَّةٌ مستحبَّة) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:47 AM
ضوابط المزَاح المحمود
1- ألا يكون فيه استهزاء بشيء من أمور الدِّين:
فالاستهزاء بالدِّين، يُعتبر ناقضًا مِن نواقض الإسلام، ومُخْرِجًا لصاحبه من الملَّة، قال سبحانه وتعالى:وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التَّوبة: 65-66].
2- أن لا يتضمَّن المزَاح سخريةً أو استهزاءً بالآخرين:
وما أكثر هذه الآفة في المزَّاحين، ولا يخفى أنَّ السُّخرية بالآخرين، تُعتبر كبيرةً من الكبائر، قال سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11].
3- أن يكون هذا المزَاح بصدق:
فلا يُدخِل المازح فيه الكذبَ من أجل إضحاك من حوله، فقد جعل النَّبي صلى الله عليه وسلم هذا ضابطًا لمزْحِه الذي يجب علينا أن نتأسَّى به فيه، وذلك عندما قال له الصَّحابة -رضوان الله عليهم-: يا رسول الله، إنَّك تداعبنا! قال: ((إنِّي لا أقول إلَّا حقًّا)) . وقال -عليه الصَّلاة والسَّلام-: ((ويلٌ للذي يحدِّث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له، ويلٌ له)) .
4- أن لا يترتَّب عليه ضرر على الآخرين:
وذلك مثل ترويع الشَّخص بقصد المزَاح معه، فقد نهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال ((حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم كانوا يسيرون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه، فأخذها، فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال: ما يضحككم؟ فقالوا: لا إلا أنَّا أخذنا نبل هذا ففزع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا)) .
5- أن لا يتَّخذ المرء المزَاح دَيْدَنه وعادته:
وإنَّما يكون كالملح في الطَّعام، فإنَّ الإكثار من المزَاح مُذْهِب للمروءة، ويُفقد الشَّخص الهيبة، وقد يؤدِّي إلى أن يجعل الشَّخص عرضةً لسخرية الآخرين منه. كما ينبغي عليه ألا يبالغ في المزَاح، ولا يطيل فيه.
6- أن يراعي الشَّخصَ الذي يمزح معه:
فما كلُّ أحدٍ يُمْزَح معه، ولا بدَّ من إنزال النَّاس منازلهم في المزَاح، فقد قيل: (لا تمازح الشَّريف فيحقد عليك، ولا الدَّنيَّ فيجترئ عليك) . فلا يكون مع مَن لا يليق بهم المزْح؛ ممَّن يحرجهم لمكانتهم، ولا يكون مع السُّفهاء؛ حتى لا يجترئوا على المازح.
7- أن يخلو من المعاصي التي كثيرًا ما تصاحب المزَاح غير المنضبط:
وذلك كالغيبة والهَمْز واللَّمز.
8- اختيار الوقت المناسب للمزاح:
وهذا من الضَّوابط المهمَّة للمَزْح، فليس كلُّ وقتٍ يَصلُح للمِزَاح، ولا كلُّ زمانٍ تليق فيه الدُّعابة.

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:49 AM
فوائد المزَاح المحمود
- المزَاح المعتدل يحبِّب الشَّخص إلى النَّاس، ويُكسبه وُدَّهم، ويجعله مرغوبًا محبوبًا.
- مؤانسة الأصحاب، وإدخال السُّرور عليهم.
- التَّخفيف عن النَّفس، وإبعاد الملَالة والسَّأَم عنها.

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:50 AM
نماذج من مزاح النَّبي صلى الله عليه وسلم
- عن أنس رضي الله عنه: ((أنَّ رجلًا من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، يهدي النَّبي صلى الله عليه وسلم الهديَّة من البادية، فيجهِّزه النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج، فقال رسول الله: إنَّ زاهرًا باديتنا، ونحن حاضروه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّه، وكان رجلًا دميمًا، فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبيع متاعه، فاحتضنه من خلفه، ولا يبصره الرَّجل، فقال: أرسلني، مَنْ هذا؟ فالتفت، فعرف النَّبي صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يَأْلُو ما ألصق ظهره بصدر النَّبي صلى الله عليه وسلم حين عرفه، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من يشتري العبد؟ فقال: يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن -عند الله- لست بكاسد. أو قال: لكن -عند الله- أنت غال)) .
- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رجلًا استحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنِّي حاملك على ولد النَّاقة. فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد النَّاقة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهل تلد الإبل إلا النُّوق؟)) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 12:54 AM
نماذج من مزاح السَّلف
- كان علي رضي الله عنه فيه دعابة، فقد قال عمر رضي الله عنه: (أرجو ألَّا يخالف إن شاء الله، وما أظنُّ أن يلي إلَّا أحد هذين الرَّجلين: علي أو عثمان؛ فإن وليَ عثمان، فرجل فيه لين، وإن وليَ علي ففيه دعابة) .
- عن بكر بن عبد الله قال: (كان أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم، يَتبادَحون بالبطِّيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرِّجال) .
- قال عطاء بن السَّائب: (كان سعيد بن جبير لا يقصُّ علينا إلَّا أبكانا بوعظه، ولا يقوم من مجلسنا حتى يضحكنا بمزحه) .
- قال غالب القطَّان: (أتيت ابن سيرين يومًا، فسألت عن هشام، فقال: تُوفِّي البارحة، أما شعرت؟! فقلت: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، فضحك، فقلت: لعلَّه أراد النَّوم) .
- قال ابن سيرين: (ليس من حُسْن الخُلُق، الغَضَب من المزْح) .
نماذج من مزاح العلماء المعاصرين:
- كان الشيخ ابن باز رحمه الله حريصًا على ملاطفة جُلَّاسه، وإدخال السُّرور عليهم، وكان يداعبهم، ويمازحهم مزاحًا لا إسراف فيه ولا إسفاف، فمن ذلك: جاءه -ذات مرَّة- مُطَلِّق، فقال له: ما اسمك؟ قال: ذيب، قال: ما اسم زوجتك؟ قال: ذيبة، فقال رحمه الله -مداعبًا-: أسأل الله العافية! أنت ذيب، وهي ذيبة، كيف يعيش بينكما الأولاد؟! .
- وهذا الموقف حدث للشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى، حيث يقول راوي القصَّة:
(صلى الشَّيخ في الحرم المكي، وعند خروجه استقلَّ سيَّارة تاكسي، وأراد التَّوجُّه إلى مِنى، وأثناء الطَّريق أراد السَّائق أن يتعرَّف على الرَّاكب، فقال من الشَّيخ؟ فأجابه الشَّيخ: محمد بن عثيمين. فأجابه السَّائق: أنت الشَّيخ ابن عثيمين؟! -ظنًّا منه أنَّه يمزح معه- فقال: نعم. فقال السَّائق -وهو يهزُّ رأسه متعجبًا من جرأته في تقمُّص شخصية الشَّيخ ابن عثيمين، فقال الشَّيخ للسَّائق: ومن الأخ؟ فأجاب السَّائق: أنا الشَّيخ عبد العزيز بن باز. وكان ذلك في حياة ابن باز مفتي عام المملكة، فأجابه الشَّيخ: لكن ابن باز ضرير، ولا يمكن أن يسوق سيَّارة! ولما تبيَّن للسَّائق أنَّه الشَّيخ ابن عثيمين، اعتذر منه، وكان في غاية الحرج. وهذا يدلُّنا على تواضع الشَّيخ، ومداعبته لعامة النَّاس) .
- ركب أحد طلبة العلم مع الشَّيخ الألباني رحمه الله في سيَّارته، وكان الشَّيخ يُسرع في السَّير. فقال له الطَّالب: خفِّف يا شيخ! فإنَّ الشَّيخ ابن باز يرى أنَّ تجاوُز السُّرعة إلقاء بالنَّفس إلى التَّهلكة. فقال الشَّيخ الألباني رحمه الله: هذه فتوى من لم يجرِّب فنَّ القيادة. فقال الطَّالب: هل أُخْبِر الشَّيخ ابن باز؟ قال الألباني: أخبره. فلمَّا حدَّث الطَّالب الشَّيخ ابن باز رحمه الله بما قال الشَّيخ الألباني، ضحك؛ وقال: قل له هذه فتوى من لم يجرِّب دفع الدِّيات !!

محمد رافع 52
12-06-2013, 01:01 AM
أقوالٌ وأمثالٌ في المزَاح

- كان يقال: لكلِّ شيء بَذْر، وبَذْر العداوة المزَاح .
- وأجود ما قيل في كراهة المزَاح قولهم: (إنَّ المزَاح هو السُّباب الأصغر) .
- وقال خالد بن صفوان التميمي: (المزَاح سُباب النَّوكى) .
- وقال أبو عبيد: (من أمثال أكثم بن صيفي: المزْحَة تُذهب المهابة. يقول: إذا عُرف بها الرَّجل، قلَّت هيبته) .
- وقال بعض الحكماء: (الخصومة تُمرِض القلوب، وتثبِّت فيها النِّفاق. والمزَاح يُذهب ببهاء العزِّ) .
- وفي المثل العربيِّ: (المزَاح لقاحُ الضَّغائن) .
- لا تمازح الشَّريف فيحقد عليك، ولا الدَّنيَّ فيجترئ عليك .
- المزْح أوَّله فرحٌ، وآخره ترحٌ .
- الإفراط في المزْح مُجُونٌ وجنون، والاقتصاد فيه ظُرف، والتَّقصير عنه ندامة .
- قال ابن المعتز: (المزْح يأكل الهيبة، كما تأكل النَّار الحطب) .
- من كَثُر مَزْحه، لم يسلم من استخفافٍ به، أو حقدٍ عليه .
- من كَثُر مِزَاحه، تنازعه الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والهوان .
- رُبَّ مَزحٍ في غَوره جِدٌّ وكَدٌّ .
- أوَّل أسباب القطيعة: المراء والمزْح .
- وكان يقال: (المزْح في الكلام، كالملح في الطَّعام) .
- وقال الحجَّاج بن يوسف لابن القرِّيَّة: (ما زالت الحكماء تكره المزَاح، وتنهى عنه، فقال: المزَاح من أدنى منزلته إلى أقصاها عشرة أبواب: المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) أوَّله فرح، وآخره تَرح. المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) نقائض السُّفهاء، كالشِّعر نقائض الشُّعراء. والمزَاح يوغر صدر الصَّديق، ويُنفِّر الرَّفيق. والمزاح يُبدِي السَّرائر؛ لأنَّه يُظهر المعَاير. والمزاح يُسقِط المروءة، ويُبدِي الخَنا. لم يجر المزْح خيرًا، وكثيرًا ما جرَّ شرًّا. الغالب بالمزاح واترٌ، والمغلوب به ثائرٌ. والمزاح يجلِب الشَّتمَ صغيرُه، والحربَ كبيرُه، وليس بعد الحرب إلَّا عفوٌ بعد قُدْرة. فقال الحجَّاج: حسبك، الموت خيرٌ من عفوٍ معه قُدْرة) .
- العرب تقول: (لو كان المزَاح فحلًا، لكان الشَّرُّ له نسلًا) .
- وتقول العرب -أيضًا-: (لو كان المزَاح فَحْلًا، ما أَلْقح إلَّا جهلًا) .
- وقيل: (إذا كان المزَاح أوَّل الكلام، كان آخره الشَّتم واللكام) .
- قيل: (المزَاح يبدي المهانة، ويُذهب المهابة، والغالب فيه واترٌ، والمغلوب ثائرٌ) .
- قيل: (احذر فلتات المزاح، فسَقْطَة الاسترسال لا تُقَال) .
- قال أكثم بن صيفي: (قد يُشْهَر السِّلاح في بعض المزَاح) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 01:29 AM
المزَاح في واحة الشِّعر
قال الشَّاعر:


ولا تمزحْ فإنَّ المزحَ جهلٌ***وبعضُ الشَّرِّ يبدؤُه المزَاحُ



قال أبو الفتح البُستي:


أعد طبعَك المكْدُود بالهمِّ راحة***قليلًا وعلِّله بشيء من المزْحِ



ولكن إذا أعطيته المزْح فليكنْ***بمقدارِ ما تُعطي الطَّعامَ من الملحِ



يُرْوى عن شاعرة عربيَّة:


فإيَّاك، إيَّاك المزَاحَ، فإنَّه***يجرِّي عليك الطَّفلَ والدَّنِس النَّذلا



ويُذْهب ماءَ الوجهِ بعد وَضَاته***ويُورِثُ بعد العزِّ صاحبَه ذُلَّا



وقال بعض الشُّعراء:


مازحْ أخاك إذا أردتَ مزاحًا***وتوقَّ منه في المزَاحِ جماحًا



فلربَّما مَزَح الصَّديق بمَزْحَة***كانت لبابِ عَدَاوةٍ مفتاحًا



وقال محمود الورَّاق:


تلقَى الفتَى يلقَى أخاه وخِدْنَه***في لحنِ منطقِه بما لا يُغْفَرُ



ويقول: كنت مُمَازِحًا ومُلَاعبًا***هيهاتَ نارُك في الحشا تتسعَّرُ



ألهبتَها وطَفِقتَ تضحكُ لاهيًا***عمَّا به، وفؤادُه يتفطَّرُ



أو ما علمتَ، ومثلُ جهلِك غالبٌ***أنَّ المزَاح هو السُّبابُ الأصغرُ؟



وقال مسعر بن كِدَام الهلالي لابنه:


ولقد منحتك، يا كِدَام، نصيحتي***فاسمعْ لقولِ أبٍ عليك شفيقِ



أمَّا المزَاحةُ والمرَاءُ فدعْهما***خُلُقان لا أرضاهما لصديقِ



إنِّي بلوتُهما، فلم أحمدْهما***لمجاورٍ جاورته، ورفيقِ



وقال آخر:


إنَّ المزَاح للجلالِ مسلبهْ***والضَّحِكُ أيضًا للبهاءِ مذهبهْ



وقال آخر:


إنَّ المزَاح يورثُ الضَّغينة***وحَمْل ضَغن في الحشا مؤونة



قال وهب بن جرير بن حازم الجهضمي البصري:


دعِ المزَاحَ فقد يُزري بصاحبِه***وربَّما آلت العقبى إلى غضبِ



وقال عديُّ بن زيد:


وإيَّاك مِن فرطِ المزَاحِ فإنَّه***جديرٌ بتسفيه الحليمِ المسدَّدِ



وقال الشَّاعر:


امزحْ بمقدارِ الطَّلاقةِ واجتنبْ***مزَحًا تُضاف به إلى سوءِ الأدبْ



لا تُغْضِبنْ أحدًا إذا مَازحتَه***إنَّ المزَاحَ على مُقدمةِ الغَضَبْ



وقال أبو جعفر الطَّبري:


لي صاحبٌ ليس يخلو***لسانُه من جِراحِ



يجيدُ تمزيقَ عرضي***على سبيلِ المزَاحِ



وقال شاعرٌ:


اكرهْ لنفسِك ما لغيرِك تكرَهُ***وافعلْ لنفسِك فعلَ مَن يتنَزَّهُ



وارفعْ بصمتِك عنك سبَّاتِ الورَى***خوفَ الجوابِ فإنَّه بك أشبهُ



ودعِ الفُكَاهةَ بالمزَاحِ فإنَّها***تُودي وتُسقِط من بها يتفكَّهُ



وقيل:


ألا رُبَّ قولٍ قد جرى من مُمَازح***فساق إليه الموت في طَرْف الحبلِ



فإنَّ مِزَاحَ المرءِ في غيرِ حينِه***دليلٌ على فرطِ الحَمَاقةِ والجهلِ



وقال الشَّاعر:


إنَّ الصَّديقَ يريدُ بسطَك مازحًا***فإذا رأى منك الملَالة يُقْصِرُ



وترَى العدوَّ إذا تيقَّن أنَّه***يُؤذيك بالمزْحِ العنيفِ يُكثِّر



وقال ناصح الدِّين ابن الدَّهان:


لا تجعل الهَزْل دأبًا فهو منقصةٌ***والجِدُّ تعلو به بين الورى القيمُ



وقال آخر:


ودعِ المزَاحَ فرُبَّ لفظةِ مَازحٍ***جلبت إليك بلابلًا لا تُدفعُ



وقال أبو فِرَاس الحمداني:


أُرَوِّح القلبَ ببعضِ الهَزْل***تجاهلًا منِّي، بغير جهلِ



أمزحُ فيه مَزْحَ أهلِ الفضلِ***والمزْحُ أحيانًا جلاءُ العقلِ



وقال صفي الدِّين الحلِّي:


أقلِّل المزْح في الكلام احترازًا***فبإفراطه الدِّماء تُراقُ



قِلَّة السمِّ لا تضرُّ، وقد يقــتلُ***مع فرطِ أكله الدِّرياقُ



وقال أيضًا:


كلُّ من كان شأنه الانبساط***ليس يُطوى للقَدح فيه بِسَاطُ



رُبَّما أوغر الصُّدور بمَزْح***لاح فيه الجفا والاشتطاطُ



فأقلل المزْح ما استطعت ولا تأ***ت بنَزْر إلَّا وفيه احتياطُ



وتوقَّ الإفراط فيه فقد يُفــرط***في وضع قدرك الإفراطُ



وقال ابن رشيق القيرواني:


وجانبوا المزْح إنَّ الجِدَّ يتبعُه***ورُبَّ موجعةٍ في إثرِ تقبيلِ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=R7O3UaH0IMfeOaHNgeAB&psig=AFQjCNHNgsKB2w_F3gqHZviIBI9-w_wuTQ&ust=1371079833537108)

محمد رافع 52
12-06-2013, 01:38 AM
النُّبْل
معنى النُّبْل لغةً واصطلاحًا

معنى النُّبْل لغةً:
النُّبْل -بالضَّم- الذَّكاءُ والنَّجابة، من نَـبُل نُـبْلًا ونَبالة، والنَّبِيلة: الفَضِيلة. وقيل: نَبِيل، أَي: عاقل. وقيل: حاذِق، وهو نَبِيل الرَّأْي، أَي: جيِّده، وقيل: نَبِيل، أَي: رفيق بإِصلاح عِظام الأُمور، ونبل فلان: كرم حسبه وحمدت شمائله .
معنى النُّبْل اصطلاحًا: !
النُّبْل: هو خُلُقٌ حميد، يتحلَّى صاحبه بالذَّكاء والنَّجابة في ذاته، والفضل والرِّفق في تعامله مع النَّاس، مع حِذْقٍ في الرَّأي والعمل .

محمد رافع 52
12-06-2013, 01:39 AM
الفرق بين النُّبْل والجَمَال
قال أبو هلال عن النُّبل: (هو ما يرتفع به الإنسان من الرُّوَاء، ومن المنظر، ومن الأخلاق والأفعال، وممَّا يَختصُّ به من ذلك في نفسه دون ما يُضَاف، يقال: رجل نَبِيلٌ: في فعله ومنظره، وفَرَسٌ نَبِيلٌ: في حُسْنه وتمامه.
والجمال يكون في ذلك، وفي المال وفي العشيرة، والأحوال الظَّاهرة، فهو أعمُّ من النُّبْل، ألا ترى أنَّه يقال لك في المال والعشيرة: جمالٌ، ولا يقال لك في المال: نُبْل، ولا هو نَبِيل في ماله، والجمال -أيضًا- يُستعمل في موضع الحُسْن، فيقال: وجه جميل، كما يقال: وجه حَسَن، ولا يقال: نَبِيل، بهذا المعنى) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:35 PM
أقوال السَّلف والعلماء في النُّبْل

- قال معاوية رضي الله عنه: (أتدري من النَّبِيل؟ هو الذي إذا رأيته هِبْتَه، وإذا غاب عنك اغتبته) .
- (قيل لمعاوية بن أبي سفيان: ما المروءة؟ فقال: إصلاح المعيشة، واحتمال الجَرِيرَة. قيل له: فما النُّبْل؟ قال: مؤاخاة الأَكْفَاء، ومداجَاة الأعداء) .
- (وقيل لمعاوية: ما المروءة؟ فقال: احتمال الجَرِيرَة، وإصلاح أمر العشيرة. فقيل له: وما النُّبْل؟ فقال: الحِلْم عند الغضب، والعفو عند القدرة) .
- وقال الغزالي: (وأما النُّبْل فهو سرور النَّفس بالأفعال العظام) .
- وقال الجاحظ: (ومتى كنت من أهل النُّبْل لم يضرك التَّبذُّل، ومتى لم تكن من أهله لم ينفعك التَّنَـبُّل) .
- وقال -أيضًا-: (النُّبْل كَلف بالمولِّي عنه، شَنف للمقبل عليه، لازق بمن رفضه، شديد النِّفار ممَّن طلبه) .
- وقيل: الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508) يزيد في النُّبْل .
- وقال يحيى بن خالد: (من حقوق المروءة، وأمارة النُّبْل: أن تتواضع لمن دونك، وتنصف من هو مثلك، وتستوفي على من هو فوقك. ولله درُّ النَّابغة حين يقول:


ومن عصاك فَعاقبْه معاقبةً***تنهى الظلومَ ولا تقعُد على ضَمَد



إلا لمثلك أو من أنت سابقُه***سبقَ الجواد إذا استولى على الأمد)



- وقيل: (النَّبِيل: مجمع لجميع الفضائل الخُلقيَّة والجسميَّة والاجتماعيَّة) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:37 PM
http://t0.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT70dy8joBb2WmHZ2YwkavHMWsaxftea KBJnSByR5pK8L1hjkHjyw (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87%D9%85+%D8%A7%D9%87%D8%A F%D9%86%D8%A7+%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B3%D9%86+%D8%A 7%D9%84%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D9%84%D8%A7 %D9%8A%D9%87%D8%AF%D9%8A+%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%B3% D9%86%D9%87%D8%A7+%D8%A7%D9%84%D8%A7+%D8%A7%D9%86% D8%AA&source=images&cd=&cad=rja&docid=dVayxkWyAfaC1M&tbnid=rP1cT--VAmUcQM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fhattab-latifa.blogspot.com%2F2013_02_01_archive.html&ei=RNW4Ub__JYWPOMm_gZgF&psig=AFQjCNG7P_FKnzUKaqNtH2gaP3Ijhsw2vg&ust=1371153900013144)

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:41 PM
فوائد النُّبْل
1- النُّبْل أهله يعيشون كِرَامًا، ويموتون كِرَامًا.
2- النُّبْل من مكارم الأخلاق الفاضلة.
3- النُّبْل من صفات العظماء والحُكماء.
4- النُّبْل علامة على عُلوِّ الهمَّة، وشرف النَّفس.
5- النُّبْل ينتج حُسْن الخُلُق، كالحِلْم والصَّبر.
6- القائد المتَّصف بالنُّبْل يكون حاذقًا في تعامله.

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:43 PM
موانع اكتساب النُّبْل
1- التَّكبُّر والتَّعالي على الخَلْق.
2- الدَّناءة وسوء الخُلُق.
3- ظُلْم النَّاس.
4- التَّعجُّل والحُمْق، وسوء التَّفْكير، ونقصان الحِكْمة في الأمور.
5- البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشُّح.
قال الجاحظ: (وإن كان النُّبْل بالتَّنَـبُّل، واستحقاق العِظَم بالتَّعظُّم، وبقلَّة النَّدم والاعتذار، وبالتَّهاون بالإقرار، فكلُّ من كان أقلَّ حياءً، وأتمَّ قِحةً، وأشدَّ تَصَلُّفًا، وأضعف عُدَّةً، أحقُّ بالنُّبْل وأولى بالعُذر. وليس الذي يوجب لك الرِّفعة أن تكون -عند نفسك دون أن يراك النَّاس- رفيعًا، وتكون في الحقيقة وضيعًا، ومتى كنت من أهل النُّبْل، لم يضرُّك التَّبذُّل، ومتى لم تكن من أهله، لم ينفعك التَّنَـبُّل، وليس النُّبْل كالرِّزق، يكون مرزوقًا الحرمان أَلْيَق به، ولا يكون نَبِيلًا السَّخافة أَشْبه به، وكلُّ شيء من أمر الدُّنْيا قد يحظى به غير أهله، كما يحظى به أهله، وما ظنُّك بشيء: المروءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1344) خصلة من خصاله، وبُعْد الهمَّة خُلَّة من خلاله، وبهاء المنظر سبب من أسبابه، وجَزَالة اللَّفظ شُعْبة من شُعَبه، والمقامات الكريمة طريق من طرقه. واعلم أنَّك متى لم تأخذ للنُّبل أُهْبته، ولم تُقِم له أَدَاته، وتأته من وجهه، وتَقُم بحقِّه، كنت مع العناء مُبْغَضًا، ومع التكلُّف مُستصْلَفًا، ومن تبغَّض فقد استهدف للشِّتام، وتصدَّى للمَلام)

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:46 PM
نماذج للنُّبْل

نماذج من نبل السَّلف:
1- قال سعيد بن العاص: (ما شاتمت رجلًا مُذْ كنت رجلًا؛ لأنِّي لا أُشَاتم إلَّا أحدَ رجلين: إمَّا كريم، فأنا أحقُّ من احتمله، وإمَّا لئيم، فأنا أولى من رفع نفسه عنه) .
2- قال الأشعث بن قيس لقومه: (إنَّما أنا رجل منكم، ليس لي فضل عليكم، ولكنِّي أبسط لكم وجهي، وأبذل لكم مالي، وأحفظ حريمكم، وأعود مريضكم، فمن فعل مثل هذا فهو مثلي، ومن زاد عليه فهو خير منِّي، ومن قصَّر عنه فأنا خير منه، فقيل له: ما يدعوك إلى هذا؟ قال: أَحُضُّهم على السُّؤدد ومكارم الأخلاق) .
3- قال يحيى بن أكثم: قال الرَّشيدي: ما أنبل المراتب؟ قلت: ما أنت فيه يا أمير المؤمنين. قال: فتعرف أجلَّ منِّي؟ قلت: لا. قال: لكنِّي أعرفه؛ رجل في حَلْقَة يقول: حدَّثنا فلان عن فلان عن رسول الله. قال: قلت يا أمير المؤمنين، أهذا خير منك، وأنت ابن عمِّ رسول الله، ووليُّ عهد المؤمنين؟ قال: نعم، وَيْلك! هذا خير منِّي؛ لأنَّ اسمه مقترن باسم رسول الله لا يموت أبدًا، ونحن نموت ونفنى، والعلماء باقون ما بقي الدَّهر .
4- لما قحطت البادية في أيام هشام، قدمت عليه العرب، فهابوا أن يتكلَّموا، وفيهم دِرْوَاس بن حبيب ابن ست عشرة سنة، له ذُؤابة، وعليه شَمْلَتان، فوقعت عليه عينا هشام، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد يدخل علي إلَّا دخل، حتى الصِّبيان؟! فوثب دِرْوَاس بن حبيب حتى وقف بين يديه مُطْرِقًا، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ للكلام نَشْرًا وطيًّا، وإنَّه لا يُعرف ما في طيِّه إلا بنَشْرِه، فإن أذِنت لي أن أنشُره نشَرته. قال: انشُر، لا أبا لك، وقد أعجبه كلامه مع حداثة سنِّه. فقال: إنَّه أصابتنا سنون ثلاث: سنة أذابت الشَّحم، وسنة أكلت اللَّحم، وسنة أنقت العظم، وفي أيديكم فضول أموال، فإن كانت لله ففرِّقوها على عباده، وإن كانت لهم فعَلَام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدَّقوا بها عليهم ﮋﭹ ﭺ ﭻ ﭼﮊ يوسف: 88، فقال هشام: ما ترك لنا الغلام في واحدة من الثَّلاث عُذْرًا. فأمر للبوادي بمائة ألف دينار، وله بمائة ألف درهم، فقال: ارددها يا أمير المؤمنين إلى جائزة العرب، فإنِّي أخاف أن تعجز عن بلوغ كفاية. فقال: أما لك حاجة؟ قال: ما لي حاجة في خاصَّة نفسي دون عامَّة المسلمين. فخرج وهو من أنبل القوم .

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:48 PM
من صفات النُّبْل
من صفات النُّبْل، المروءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1344) وبُعْد الهمَّة، وبهاء المنظر، وجَزَالة اللَّفظ، والمقامات الكريمة .
أبو عاصم النَّبِيل، وسبب لقبه بذلك:
روى أبو عبيد الآجرِّي عن أبي داود، قال: (كان أبو عاصم يحفظ قدر ألف حديث من جيِّد حديثه، وكان فيه مِزَاح، ويقال: إنَّما قيل له: النَّبِيل؛ لأنَّ فيلًا قدم البصرة، فذهب النَّاس ينظرون إليه، فقال له ابن جريج: ما لك لا تنظر؟ قال: لا أجد منك عوضًا، قال: أنت نَبِيل) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:53 PM
النُّبْل في واحة الشِّعر
قال الشَّاعر:


خصال النُّبْل في أهل المعالي***مفرَّقةٌ وأنت لها جماع



وقال الشَّاعر:


الملك والعِزَّة والمروءة والسُّـ***ـؤدد والنُّبْل واليسار معَا



مجتمعان للعبد في طاعة اللـ***ــه إذا العبد أعمل الورعَا



قال الشَّاعر:


احذرِ الهَزْلَ وجانبْ أهله***إنَّه يُنقصُ مِن قدرِ النَّبِيل



إن يُجبْ أو لا يجبْ قائله***فسفيهٌ أنت منه أو ذليل



قال الشَّاعر:


والعزُّ في حَسْم المطامع كلِّها***فإن استطعت فمُت وأنت نَبِيل



قال ابن الفخار:


وواصل أخاك بعِلَّاتِه***فقد يُلْبَسُ الثَّوبُ بعد البِلَى



وقل كالذي قاله شاعرٌ***نَبِيلٌ وحقُّك أن تنبلا



إذا ما خليلٌ أسا مرَّة***وقد كان في ما مضى مُجْمِلا



ذكرتَ المقَدَّمَ مِن فعلِه***فلم يُفسدِ الآخِرُ الأوَّلا



وقال الشَّاعر:


نظمه عقدًا أنامل ماجد***له في مقامِ الفضلِ أرفعُ منصبِ



نبيه نَبِيل ذي صفات حميدة***تُمَيِّزه بالـنُّـبْلِ في كلِّ موكبِ



حريصٌ على كسبِ الفضائل مُذْ نَشَا***وقد يسبق الأقران فضل التَّكسُّبِ

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:57 PM
http://t2.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcQH-37myYhOh3z3mym1DkNm5dveezhUvMQCkif7bsa4O9LqKmPzeA (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3GQ6YnWNUXWCM&tbnid=Ybv-Crg6W5x9FM:&ved=&url=http%3A%2F%2Fwww.mltzm.com%2Fvb%2Fshowthread.p hp%3Ft%3D40126&ei=7dG4UanZBMqz4ASHu4DYDg&psig=AFQjCNH2Q5CmV0WnHqhHY23yeE_QxxNOyQ&ust=1371153261538784)

النَّزَاهَة

معنى النَّزَاهَة لغةً واصطلاحًا

معنى النَّزَاهَة لغةً:
أصل هذه المادة يدُلُّ على بعد في مكان وغيره، فالنزاهة مصدر نَزُهَ نَزاهةً، وتَنَــزَّهَ تنَزُّهًا، إذا بَعُدَ، ونَــزَّهَ نفْسَه عن القبيح: نَحَّاها، والنَّزاهةُ البُعْد عن السُّوء. وإنَّ فلانًا لنزيه كريم: إذا كان بعيدًا عن اللُّؤْم. والـتَّنَزُّه: أن يرفع نفسه عن الشَّيء تكرُّمًا، ورغبة عنه. وفلان يتَنَزَّه عن مَلَائم الأخْلَاق، أي: يترفَّع عمَّا يُذَمُّ منها .
معنى النَّزَاهَة اصطلاحًا:
قال المناوي: (النَّزَاهَة: اكتساب المال من غير مَهَانة، ولا ظُلْم، وإنفاقه في المصارف الحميدة) .
وقال -أيضًا-: (النَّزَاهَة البُعْد عن السُّوء) .
وقال أبو طالب المكي: (ومعنى التَّنَزُّه: التَّباعد من الدَّناءة والأوساخ) .

محمد رافع 52
12-06-2013, 09:59 PM
الفرق بين النَّزَاهَة والعِفَّة
قال أبو حيَّان التَّوحيدي: (قلت لبعض العلماء: العِفَّة والنَّزَاهَة خصلة واحدة. فقال لي: ظلمت... العِفَّة الإمساك عن المحظور، والنَّزَاهَة الوقوف عن المباح، وفي العِفَّة ذبٌّ عن الدِّين، وفي النَّزَاهَة حفظ للمروءة) .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:14 PM
النزاهة في الكتاب والسنة (http://www.dorar.net/enc/akhlaq/1438)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدَّثر: 4].
قال ابن عبد البر: (تأوَّلوا قوله تعالى: (وثيابك فطهِّر)، على ما تأوَّله عليه جمهور السَّلف، من أنَّها طهارة القلب، وطهارة الجيب، ونزاهة الـنَّفْس عن الدَّنايا والآثام والذُّنوب) .
- قال تعالى: يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222].
قال الرَّازي: (أمَّا قوله تعالى: يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ففيه وجوه أحدها: المراد منه الـتَّنْزِيه عن الذُّنوب والمعاصي؛ وذلك لأنَّ التَّائب هو الذي فعله ثمَّ تركه، والمتَطَهِّر هو الذي ما فعله تَنَزُّهًا عنه، ولا ثالث لهذين القسمين، واللَّفظ مُحْتمل لذلك؛ لأنَّ الذَّنب نجاسة روحانيَّة، ولذلك قال: إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ [التَّوبة: 28]، فتركه يكون طهارة روحانيَّة، وبهذا المعنى يُوصَف الله تعالى بأنَّه طاهر مُطَهَّر؛ من حيث كونه مُنَزَّهًا عن العيوب والقبائح) .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:18 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن النُّعمان بن بَشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما مُشَبَّهات، لا يعلمها كثير من النَّاس، فمن اتَّقى المشَبَّهات، استبرأ لدينه وعِرْضه، ومن وقع في الشُّبهات، كرَاعٍ يرعى حول الحِمَى، يوشك أن يُوَاقعه، أَلَا وإنَّ لكلِّ ملك حِمَى، أَلَا إنَّ حِمَى الله في أرضه محارمه، أَلَا وإنَّ في الجسد مُضْغة، إذا صَلُحَت، صَلُح الجسد كلُّه، وإذا فَسَدَت، فَسَد الجسد كلُّه، أَلَا وهي القلب)) .
قال ابن رجب: (من اتَّقى الأمور المشْتبَهة عليه، التي لا تتبيَّن له: أحلال هي أو حرام؟ فإنَّه مُسْتَبرئ لدينه، بمعنى: أنَّه طالبٌ له البَرَاء والـنَّزَاهَة مما يُدَنِّسه ويُشِينه) .
- وعن علي بن الحسين رضي الله عنهما ((أنَّ صفيَّة -زوج النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم- أخبرته: أنَّها جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوره في اعتكافه في المسجد، في العشر الأواخر من رمضان، فتحدَّثت عنده ساعة، ثمَّ قامت تَنْقلب، فقام النَّبي صلى الله عليه وسلم معها يَقْلِبها، حتى إذا بلغت باب المسجد -عند باب أمِّ سَلَمة- مرَّ رجلان من الأنصار، فسلَّما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهما النَّبي صلى الله عليه وسلم: على رِسْلِكما، إنَّما هي صفيَّة بنت حُيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله! وكَبُر عليهما. فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الشَّيطان يبلغ من الإنسان مبلغ الدَّم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئًا)) http://www.dorar.net/misc/tip.gif .
قال الماوردي: (هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبعد خلق الله من الرِّيَب وأصونهم من التُّهم... فكيف من تخالجت فيه الشُّكوك، وتقابلت فيه الظَّنون؟ فهل يَعْرى مَن في مواقف الرِّيَب مِن قادح محقَّق، ولائم مُصدَّق؟) .
- عن أبي الحوراء السَّعديِّ قال: قلت للحسن بن عليٍّ: ما حفظت من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يُرِيبك إلى ما لا يُرِيبك..)) .
فالنَّزَاهَة أن نصون النَّفس عن مواقف الرِّيبة، ونتنزَّه عن مساوئ الأخلاق، ونترفَّع عمَّا يُذَمُّ منها.
- عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: يا حكيم، إنَّ هذا المال خَضِرة حُلْوة، فمن أخذه بسخاوة نفس، بورك له فيه، ومن أخذه بإشْراف نفس، لم يُـبَارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع، اليد العُليا خير من اليد السُّفلى)) .
قال النَّووي: (قال العلماء: إشْراف النَّفس، تطلُّعها إليه، وتعرُّضها له، وطمعها فيه. وأمَّا طِيب النَّفس، فذكر القاضي فيه احتمالين، أظهرهما: أنَّه عائد على الآخذ، ومعناه: مَن أخذه بغير سؤال، ولا إشْراف وتطلُّع، بورك له فيه. والثَّاني: أنَّه عائد إلى الدَّافع، ومعناه: مَن أخذه ممَّن يدفع منشرحًا بدفعه إليه، طَيِّب النَّفس، لا بسؤالٍ اضطرَّه إليه، أو نحوه ممَّا لا تطيب معه نفس الدَّافع) .
وفي هذا الحديث: الحثُّ على النَّـزَاهَة والقناعة، والرِّضا بما تيسَّر، وإن كان قليلًا، والإجمال في الكَسْب، وأنَّه لا يغترُّ الإنسان بكثرة ما يَحْصُل له بإشْرافٍ ونحوه؛ فإنَّه لا يُبارك له فيه.

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:21 PM
أقوال السَّلف والعلماء في النَّزَاهَة
- قال عمر بن عبد العزيز: (إذا كان في القاضي خمس خصال، فقد كَمُل: علمٌ بما كان قَبله، ونَزَاهةٌ عن الطَّمع، وحِلْمٌ عن الخَصْم، واقتداءٌ بالأئمة، ومُشَاورة أهل العلم والرأي) .
- وقال ابن حزم: (نَزَاهة النَّفس، وهذه صفة فاضلة مُتَرَكِّبة من النَّجدة والجود والعدل والفهم؛ لأنَّه فَهِم قلَّة الفائدة في استعمال ضدِّها، فاستعملها، وكانت فيه نجدة أنتجت له عزَّة نفسه، فتنزَّه، وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس، فلم يهتمَّ لما فاته، وكانت فيه طبيعة عدل، حببت إليه القُنوُع وقلَّة الطَّمع) .
- وقال الماوردي: (والنَّفس الشَّريفة تطلب الصِّيانة، وتُـرَاعي النَّزاهَة، وتحتمل من الضُّرِّ ما احتملت، ومن الشِّدَّة ما طاقت، فيبقى تحمُّلها ويدوم تصوُّنها، فتكون كما قال الشَّاعر:


وقد يكتسي المرء خَزَّ الثِّياب***ومِن دونها حالُه مُضْنِيَه



كما يكتسي خدُّه حُمْرة***وعَلَته وَرَم في الرِّيَه)



- وقال ابن الجوزي: (دليل كمال صورة الباطن، حُسن الطَّبائع والأخلاق، فالطَّبائع: العِفَّة والنَّـزَاهَة والأنَفَة من الجهل، ومُبَاعدة الشَّرَه. والأخلاق: الكَرَم والإيثار وسَتْر العيوب، وابتداء المعروف، والحِلْم عن الجاهل. فمن رُزِق هذه الأشياء، رَقَّته إلى الكمال، وظهر عنه أشرف الخِلال، وإن نقصت خُلَّة، أوجبت النَّقص) .
- وقال أبو يزيد الفيض: (سألت موسى بن أَعْيَنَ عن قول الله عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27]، قال: تنزَّهوا عن أشياء من الحلال؛ مخافة أن يقعوا في الحرام، فسمَّاهم متَّقين) .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:22 PM
فوائد النَّزَاهَة

1- النَّزَاهَة طاعة لله سبحانه وتعالى.
2- النَّزَاهَة تحفظ النَّفس عن الانزلاق والانحراف.
3- النَّزَاهَة خُلُق يثمر أخلاقًا أخرى، كالقناعة والورع.
4- النَّزاهَة من ثمارها: محبَّة الله للعبد، ومِن ثَمَّ محبَّة النَّاس له.
5- المتحلِّي بالنَّزاهَة، يتحلَّى بخُلُق تحلَّى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
6- النَّزاهَة سبب من أسباب التَّقوى.

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:25 PM
أقسام النَّزَاهَة

قَسَّم الماوردي النَّزَاهَة إلى قسمين، فقال: (النَّزاهة نوعان: أحدهما: النَّزاهة عن المطامع الدَّنيَّة.
والثَّاني: النَّزاهة عن مواقف الرِّيبة.
فأمَّا المطامع الدَّنيَّة؛ فلأنَّ الطَّمَع ذلٌّ، والدَّناءة لُؤْم، وهما أدفع شيء للمروءة...
وقال بعض الشُّعراء:


لا تخضعنَّ لمخلوق على طمع***فإنَّ ذلك نقص منك في الدِّين



واسترزق اللَّه ممَّا في خزائنه***فإنَّما هو بين الكاف والنُّون



والباعث على ذلك شيئان: الشَّرَه، وقلَّة الأنَفَة، فلا يقنع بما أُوتي وإن كان كثيرًا، لأجل شَرَهه، ولا يستنكف ممَّا منع، وإن كان حقيرًا، لقلَّة أنَفَته. وهذه حال من لا يرضى لنفسه قدرًا، ويرى المال أعظم خطرًا، فيرى بذل أهون الأمرين لأجلِّهما مغنمًا، وليس لمن كان المال عنده أجل، ونفسه عليه أقل، إصغاءً لتأنيبٍ، ولا قبول لتأديب. وحَسْم هذه المطامع شيئان: اليأس، والقناعة...
وأمَّا مواقف الرِّيبة: فهي التَّردُّد بين منزلتي حَمْدٍ وذمٍّ، والوقوف بين حالتي سلامةٍ وسقمٍ، فتتوجَّه إليه لائمة المتوهِّمين، ويناله ذِلَّة المريبين، وكفى بصاحبها موقفًا، إن صحَّ افتُضح، وإن لم يصح امتُهن. وقد قال النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: ((دَعْ ما يرِيبك إلى ما لا يريبك)) .
والدَّاعي إلى هذه الحال شيئان: الاسترسال، وحسن الظَّنِّ.

والمانع منهما شيئان:
الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508) والحذر. وربَّما انتفت الرِّيبة بحسن الثِّقة، وارتفعت التُّهمة بطول الخبرة) .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:28 PM
من صور النَّزاهَة
1- التَّنَزُّه عن المال المشبوه:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان لأبي بكر غلام يُخْرج له الخَراج، وكان أبو بكر يأكل من خَراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهَّنت لإنسان في الجاهلية، وما أُحْسِن الكَهَانَة، إلَّا أنِّي خدعته، فلقيني، فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كلَّ شيء في بطنه) .
2- التَّنَزُّه عن مواقف الرِّيبة:
وقد تقدم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتته صفية تزوره في المسجد، وهو معتكف، ثم خرج ليوصلها، فرآه رجلان من الأنصار، فسلما عليه، فقال لهما النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((على رِسْلِكما، إنَّما هي صفيَّة بنت حُيي)) . خوفًا من أن يقذف الشيطان في قلبيهما شيئًا فيهلكا.
3- التَّنَزُّه عن أشياء من الحلال، مخافة الوقوع في الحرام:
(عن أبي يزيد الفيض، قال: سألت موسى بن أَعْيَنَ عن قول الله: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27]، قال: تنزَّهوا عن أشياء من الحلال؛ مخافة أن يقعوا في الحرام، فسمَّاهم متَّقين) .
4- التَّنَزُّه عن ذمِّ النَّاس وفُحْش القول:
قال الماوردي: (النَّزَاهَة عن الذمِّ كرم، والتَّجاوز في المدح مَلَقٌ يصدر عن مَهَانة. والسَّرَف في الذمِّ انتقام يصدر عن شَرٍّ، وكلاهما شَيْن، وإن سَلِم من الكذب) .
قال الشَّاعر:


نزَّهت لفظي عن فُحْش وقلت هم***عَرَبٌ وفي حيِّهم يا غربة الذِّمم

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:30 PM
موانع اكتساب النَّزَاهَة
1- الطَّمع في الدُّنْيا ونسيان الآخرة.
قال ابن حزم: (ولولا الطَّمع، ما ذلَّ أحدٌ لأحدٍ) .
2- الشَّرَه، وحبُّ التَّوسُّع في جمع الأموال.
3- الجبن؛ لأنَّه يُولِّد المهَانَة والذُّلَّ.
4- البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشُّحُّ؛ لأنَّه يُوَلِّد الطَّمع.
قال ابن حزم: (فإذًا نَزَاهة النَّفس مُتَـرَكِّبة من هذه الصِّفات -أي: النَّجدة والجود والعدل والفهم- فالطَّمع الذي هو ضدُّها، مُتَـرَكِّب من الصِّفات المضادَّة لهذه الأربع الصِّفات، وهي: الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) والشُّح والجَوْر والجهل) .
5- الانهماك في الشَّهوات.

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:32 PM
الوسائل المعينة على اكتساب النَّزَاهَة

1- الدُّعاء:
كان من دعائه صلى الله عليه وسلم الهِدَاية إلى أحسن الأخلاق، فكان يقول: ((واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنِّي سيِّئها، لا يصرف عنِّي سيِّئها إلا أنت)) .

2-
القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) والبُعْد عن الطَّمع:
عن عبد الله بن عمرٍو رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافًا، وقَنَّعه الله)) .
وقال ابن حجر: (وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَه) .
3- النَّجدة والجود والعدل:
قال ابن حزم: (نَزَاهة النَّفس، وهذه صفة فاضلة مُتَـرَكِّبة من النَّجدة والجود والعدل والفهم؛ لأنَّه فَهِم قلَّة الفائدة في استعمال ضدِّها، فاستعملها، وكانت فيه نجدة أنتجت له عزَّة نفسه، فتنزَّه، وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس، فلم يهتمَّ لما فاته، وكانت فيه طبيعة عدل، حبَّبت إليه القُنوُع وقلَّة الطَّمع. فإذًا نَزَاهة النَّفس مُتَـرَكِّبةٌ من هذه الصِّفات) .
4- الزُّهد عمَّا في أيدي النَّاس.
5- عدم مصاحبة أهل الطَّمع والشَّرَه.

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:34 PM
نماذج للنَّزَاهة من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنِّي لأنقلب إلى أهلي، فأجد التَّمرة ساقطة على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثمَّ أخشى أن تكون صدقة، فألقيها))

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:37 PM
نماذج للنَّزَاهة من حياة السلف
أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
- عن الحسن بن علي رضي الله عنه قال: (لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه قال: يا عائشة، انظري اللَّقحة التي كنَّا نشرب من لبنها، والجَفْنة التي كنَّا نصْطَبح فيها، والقطيفة التي كنَّا نلبسها، فإنَّا كنَّا ننتفع بذلك حين كنَّا في أمر المسلمين، فإذا مِت فاردديه إلى عمر، فلمَّا مات أبو بكر رضي الله عنه، أرسلت به إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمر رضي الله عنه: رضي الله عنك يا أبا بكر، لقد أتعبت من جاء بعدك) .
عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه:
- عن عمر رضي الله عنه قال: (إنَّه لا أجده يحلُّ لي أن آكل من مالكم هذا، إلَّا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزَّيت، والخبز والسَّمن، قال: فكان ربَّما يُؤْتى بالجَفْنة قد صُنعت بالزَّيت، وممَّا يليه منها سمن، فيعتذر إلى القوم، ويقول: إنِّي رجل عربي، ولست أستمري الزَّيت) .
- وعن زيد بن أسلم: (أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه شرب لبنًا فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا اللَّبن؟ فأخبره أنَّه ورد على ماء قد سمَّاه، فإذا نَعَمٌ من نَعَمِ الصَّدقة، وهم يسقون، فحلبوه لي مِن ألبانها، فجعلته في سقائي، وهو هذا، فأدخل عمر يده فاستقاءه) .
سالم بن عبد الله بن عمر:
- دخل هشام بن عبد الملك إلى الكعبة، فإذا هو بسالم، فقال له: سَلْني حاجتك. فقال: إنِّي أستحي من الله أن أسأل في بيته غيره، فلمَّا خرجا منها، قال: الآن قد خرجت منها فاسأل، فقال: والله ما سألت الدُّنْيا ممن يملكها، فكيف أسأل فيها من لا يملكها؟ .
عمر بن عبد العزيز:
- كان عمر بن عبد العزيز قد طلق نفسه عن الفيء، فلم يُرْزق منه شيئًا إلَّا عطاءه مع المسلمين، فدخل عليه ابن أبي زكريا، فقال: يا أمير المؤمنين، إنِّي أريد أن أكلِّمك بشيء، قال: قل. قال: قد بلغني أنَّك ترزق العامل من عمالك ثلاث مائة دينار. قال: نعم. قال: ولم ذلك؟ قال: أردت أن أغنيهم عن الخيانة. قال: فأنت، يا أمير المؤمنين، أولى بذلك. قال: فأخرج ذراعه، وقال: يا ابن أبي زكريا، إن هذا نَبَت من الفيء، ولست معيدًا إليه منه شيئًا أبدًا .
- وقال عمرو بن مهاجر: (اشتهى عمر بن عبد العزيز تفَّاحًا، فأهدى له رجل -من أهل بيته- تفَّاحًا، فقال: ما أطيب ريحه وأحسنه! ارفعه يا غلام للذي أتى به، وأقرئ فلانًا السَّلام، وقل له: إنَّ هديَّتك وقعت عندنا بحيث نُحِبُّ. فقلت: يا أمير المؤمنين، ابن عمك، ورجل من أهل بيتك، وقد بلغك أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهديَّة. فقال: ويحك! إنَّ الهديَّة كانت للنَّبي صلى الله عليه وسلم هديَّة، وهذه لنا رشوة) .
طلحة بن عبد الله بن طاهر:
- (كان طلحة بن عبد الله بن طاهر، يُـنَادم أحمد بن أبي خالد الأحول، فأطال مُنَادَمته، وبلغه أنَّ عليه عَيْلة ودينًا، فوجَّه إليه أحمد بن أبي خالد ألف ألف درهم، فحلف الطَّاهري أن لا يقبلها، فبلغ إبراهيم بن العبَّاس، فقال: لله دَرُّ أحمد متبرِّعًا، ودَرُّ الطَّاهري متنزِّهًا) .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:38 PM
قالوا عن النزاهة
- نزِّه سمعك عن سماع الكذب، كما تنزِّه لسانك عن التَّفوُّه به .
- وقال أعرابي: عِزُّ الـنَّزَاهَة، أشرف من سرور الفائدة .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:43 PM
النَّزَاهَة في واحة الشِّعر

قال علي بن عبد العزيز القاضي:


يقولون لي فيك انْقِبَاضٌ وإنَّما***رأوا رجلًا عن موقف الذُّل أحْجَما



أرى النَّاس من داناهم هان عندهم***ومن أكَرَمَته عِزَّةُ النَّفس أُكْرِمَا



ولم أقضِ حقَّ العلم إن كان كلَّما***بدا طمعٌ صيَّرته لي سلَّما



وما كلُّ برقٍ لاح لي يَسْتَفِزُّنِي***ولا كلُّ من لاقيت أرضاه مُنْعِمَا



إذا قيل هذا مَنْهَل قلت قد أرى***ولكنَّ نفسَ الحرِّ تحتملُ الظَّما



أُنَهْنِهُها عن بعض ما لا يشينُها***مخافةَ أقوالِ العِدَا فيم أوْ لِمَا



ولم أبتذل في خدمة العلم مُهْجَتي***لأخدم من لاقيت لكن لأُخْدَما



أأشقى به غرسًا وأجنيه ذِلَّة***إذًا فاتِّباع الجهل قد كان أحْزَما



ولو أنَّ أهل العلم صانوه صانهم***ولو عظَّموه في النُّفوس لَعُظِّمَا



ولكن أهانوه فهان ودنَّسوا***محيَّاه بالأطماع حتى تجهَّما



قال الشَّاعر:


أُنزِّه نَفسِي عَن أَذَى القَوْل والخنا***وإنِّي إِلى الإسلام والسِّلم أجنحُ



وعقلي وديني والحياء يردُّني***عن الجَهْل لكنِّي عن الذَّنب أصفحُ



فشتَّان مَا بيني وبَيْنك في الهوى***وكلُّ إنَاء بالذي فيه ينضحُ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=6Oi5UfSoIeKc0wXVv4GQCw&psig=AFQjCNFDo8t9Ys3ry5RqSjCspAkyxf-CTA&ust=1371224664649601)

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:47 PM
النَّشَاط

معنى النَّشَاط لغةً واصطلاحًا
معنى النَّشَاط لغةً:
النَّشاطُ ضدُّ الكَسَلِ، من نَشَطَ الإنسان يَنْشَط ويَنْشِط نَشاطًا، فهو نَشِيطٌ، طَيِّب النَّفس للعمل، والنَّعت: ناشِطٌ، ويكون ذلك في الإِنسان والدَّابة .
معنى النَّشَاط اصطلاحًا:
قال أبو حيان التَّوحيدي: (النَّشَاط: الهَشَاشَة، والهَشَاشَة: الخِفَّة والطَّلَاقة) .
وقال ابن الأثير: (النَّشَاط هو: أن يَخِفَّ الإنسان إلى الأمر، ويُؤْثِر فعله) .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:51 PM
التَّرغيب في النَّشَاط

- عن أنس رضي الله عنه: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم شاور، حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال: فتكلَّم أبو بكر فأعرض عنه، ثمَّ تكلَّم عمر فأعرض عنه، فقام سعد بن عبادة، فقال: إيَّانا تريد، يا رسول الله؟ والذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نُخِيضَها البحرَ لأخَضْناها، ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى بَرْكِ الغماد لفعلنا) .
قال ابن كثير: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في الأمر إذا حدث، تطييبًا لقلوبهم؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشط لهم) .
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلِّ عمل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَتْرة، فمن كانت فَتْرته إلى سنَّتي، فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك، فقد هلك)) .
قال الهيتمي: (شِرَّة: أي بكسر المعجمة، فشدَّة للرَّاء، فتاء تأنيث: نَشَاط وهمَّة) .
- وعن عبادة بن الصَّامت رضي الله عنه قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السَّمع والطَّاعة في العسر واليسر، والمنْشَط والمكْرَه، وعلى أَثَـرَة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول بالحقِّ أينما كنَّا، لا نخاف في الله لومة لائم) .
قال أبو الوليد الباجي: (... ((والمنْشَط والمكْرَه))، يريد: وقت النَّشَاط إلى امتثال أوامره، ووقت الكراهية لذلك. ولعلَّه أن يريد بالمنْشَط: وجود السَّبيل إلى ذلك، والتَّفرُّغ له، وطِيب الوقت، وضعف العدو) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهمَّ إنِّي أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهَـرَم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر)) .
فالنَّبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ من الكسل، والذي هو ضدَّ النَّشَاط.
قال ابن حجر: (الكَسَل: ترك الشَّيء، مع القُدْرة على الأخذ في عمله) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كلِّ عقدة: عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلَّت عقدة، فإن توضأ انحلَّت عقدة، فإن صلَّى انحلَّت عقده، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)) .
قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: فأصبح نشيطًا طيب النفس. معناه لسروره بما وفَّقه الله الكريم له من الطاعة، ووعده به من ثوابه، مع ما يبارك له في نفسه، وتصرفه في كلِّ أموره، مع ما زال عنه من عقد الشيطان وتثبيطه) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟ فقيل: يا رسول الله، هذه حَمْنة بنت جحش، تصلِّي، فإذا أعْيت، تعلَّقت به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتصلِّ ما أطاقت، فإذا أعْيت، فلتجلس. قال زياد: فقال: ما هذا؟ فقالوا: لزينب، تصلِّي، فإذا كَسِلت أو فَتَرت، أمسكت به. فقال: حُلُّوه. فقال: ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا كَسِل أو فَتَر فليقعد)) .
قال النَّووي: (فيه: الحثُّ على الاقتصاد في العبادة، والنَّهي عن التَّعمُّق، والأمر بالإقبال عليها بنشاط) .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:53 PM
أقوال السلف والعلماء في النَّشَاط

- قال علي رضي الله عنه: (أوصيكم بتقوى الله في الغيب والشَّهادة، وكلمة الحقِّ في الرِّضا والغضب، والقصد في الغِنَى والفقر، والعدل في الصَّديق والعدو، والعمل في النَّشَاط والكسل) .
- وقال ابن القيِّم: (الكسَالى أكثر النَّاس همًّا وغمًّا وحزنًا، ليس لهم فرح ولا سرور، بخلاف أرباب النَّشَاط والجِدِّ في العمل) .
- وقال آخر: (كلبٌ طوَّاف، خيرٌ من أسد رابض) .
- وقال آخر: (لا يفترس الأسد الظبي وهو رابض) .
- وقال آخر: (اجعل الاجتهاد غنيمة صحَّتك، والعمل فرصة فراغك) .
- وقال آخر: (العمل تُرْس يقي سهام البلاء، والجِدُّ سيف يقطع أعناق الشَّقاء) .
- وقال لسان الدِّين الخطيب: (الكسل مَزْلَقة الرِّبح، ومَسْخَرَة الصبح، وآفة الصَّانع، وأرَضَة البضائع. إذا رقدت النَّفس في فراش الكسل، استغرقها نوم الغفلة عن صالح العمل. والفلَّاح إذا ملَّ الحركة، عدم البركة. والعَزْم سوق، والتَّاجر الجسور مرزوق) .
- وقال حسين المهدي: (إن التَّنقُّل والمشي يعين على طلب الرِّزق، ويُكْسِب الصِّحة، ويجدِّد للإنسان النَّشَاط، ويغرس فيه الأمل، ويُبْعده عن الكسل، وأي قيمة لإنسان فارغ كسول في حياة مفعمة بالجِدِّ والعمل وحبِّ الإنتاج، فمن رضي الخُمُول كان فارغًا كسولًا، تموت آماله وهو يرمقها بعين النَّدامة، لا غاية له يسعى إلى تحقيقها، ولا طريق واضحة يسير فيها، إنَّ حياته كلَّها شقاء) .

محمد رافع 52
13-06-2013, 05:57 PM
فوائد النَّشَاط

1- أنَّ النَّشَاط خُلُق من أخلاق المؤمنين.
2- النَّشَاط سبب صفاء الذِّهن، وصدق الحِسِّ، وكثرة الصَّواب.
قال ابن عبد ربِّه: (وبالنَّشَاط يصفو الذِّهن، ويصْدق الحِسُّ، ويكثر الصَّواب) .
3- علامة من علامات دحر الشيطان بذكر الله.
4- به تعمر الدنيا، وتفتح البلدان لنشر دين الله.
5- به يُذاد عن الأوطان، وتُحمى الأعراض وتُنشر الفضيلة، وتُدحر الرذيلة.
6- النشاط (http://dorar.net/enc/akhlaq/1465) في عمل الخير يكسب المرء حبَّ الله ورضا الناس، ويرفع ذكره في العالمين.
7- كثرة تحصيل الثواب، والاجتهاد في الطاعات، وبلوغ أعلى المقامات.
8- أنَّ النَّشَاط سبب الوصول إلى كلِّ خير: من العِزِّ والغنى والرِّفعة والنَّبَاهة.
قال الرَّاغب: (مَن تعطَّل وتبطَّل، انسلخ من الإنسانيَّة، بل من الحيوانيَّة، وصار من *** الموتى، وحقُّ الإنسان أن يتأمَّل قوَّته، ويسعى بحسب ذلك إلى ما يفيده السَّعادة، ويتحقَّق أنَّ اضطرابه -أي: نشاطه- سبب وصوله من الذُّل إلى العزِّ، ومن الفقر إلى الغِنَى، ومن الضعة إلى الرِّفعة، ومن الخُمُول إلى النَّبَاهة) .

محمد رافع 52
14-06-2013, 07:55 PM
أقسام النَّشَاط
ينقسم النَّشَاط إلى قسمين:
القسم الأوَّل: النَّشَاط المحمود: وهو النشاط (http://dorar.net/enc/akhlaq/1465) في الطاعات والأمور النافعة طلبًا لمرضاة الله.
القسم الثَّاني: النَّشَاط المذموم: وهو ما لا ينفع في الآخرة، أو كان على وجه الرِّياء؛ الشِّرك الأصغر .
قال الغزالي: (اعلم أنَّ الرَّجل قد يبيت مع القوم في موضع، فيقومون للتَّهجُّد، أو يقوم بعضهم فيصلُّون اللَّيل كلَّه أو بعضه، وهو مَّمن يقوم في بيته ساعة قريبة، فإذا رآهم انبعث نشاطه للموافقة، حتى يزيد على ما كان يعتاده، أو يصلِّي، مع أنَّه كان لا يعتاد الصَّلاة باللَّيل أصلًا، وكذلك قد يقع في موضع يصوم فيه أهل الموضع، فينبعث له نشاطٌ في الصَّوم، ولولاهم لما انبعث هذا النَّشَاط، فهذا ربَّما يُظنُّ أنَّه رياء، وأنَّ الواجب ترك الموافقة، وليس كذلك على الإطلاق، بل له تفصيل؛ لأنَّ كلَّ مؤمن راغب في عبادة الله تعالى، وفي قيام اللَّيل وصيام النَّهار، ولكن قد تعوقه العوائق، ويمنعه الاشتغال، ويغلبه التَّمكُّن من الشَّهوات، أو تستهويه الغفلة، فربَّما تكون مشاهدة الغير سبب زوال الغفلة، أو تندفع العوائق والأشغال في بعض المواضع، فينبعث له النَّشَاط، فقد يكون الرَّجل في منزله، فتقطعه الأسباب عن التَّهجُّد، مثل تمكُّنه من النَّوم على فراش وثير، أو تمكُّنه من التَّمتُّع بزوجته، أو المحادثة مع أهله وأقاربه، أو الاشتغال بأولاده، أو مطالعة حساب له مع مُعَامليه، فإذا وقع في منزلٍ غريبٍ، اندفعت عنه هذه الشَّواغل، التي تفتر رغبته عن الخير، وحصلت له أسباب باعثة على الخير، كمشاهدته إيَّاهم، وقد أقبلوا على الله، وأعرضوا عن الدُّنْيا، فإنَّه ينظر إليهم، فينافسهم، ويشقُّ عليه أن يسبقوه بطاعة الله، فتتحرَّك داعيته للدِّين، لا للرِّياء، أو ربَّما يفارقه النَّوم لاستنكاره الموضع أو سبب آخر، فيغتنم زوال النَّوم، وفي منزله ربَّما يغلبه النَّوم، وربَّما ينضاف إليه أنَّه في منزله على الدَّوام، والنَّفس لا تسمح بالتَّهجُّد دائمًا، وتسمح بالتَّهجُّد وقتًا قليلًا، فيكون ذلك سبب هذا النَّشَاط، مع اندفاع سائر العوائق... وكذلك قد يَحْضُر الإنسان يوم الجمعة في الجامع من نشاط الصَّلاة ما لا يحضره كلَّ يوم، ويمكن أن يكون ذلك لحبِّ حمدهم، ويمكن أن يكون نشاطه بسبب نشاطهم، وزوال غفلته بسبب إقبالهم على الله تعالى، وقد يتحرَّك بذلك باعث الدِّين، ويقارنه نزوع النَّفس إلى حبِّ الحمد، فمهما علم أنَّ الغالب على قلبه إرادة الدِّين، فلا ينبغي أن يترك العمل بما يجده من حبِّ الحمد، بل ينبغي أن يردَّ ذلك على نفسه بالكراهية، ويشتغل بالعبادة) .

محمد رافع 52
14-06-2013, 07:57 PM
صور النَّشَاط

1- استثمار الوقت والاستفادة منه، وعدم تضييعه فيما لا يفيد.
2- الإقبال على كلِّ عمل جدِّي، مع الالتزام والانضباط.
3- الإتقان في العمل، وتنظيمه.
4- تحديد الأهداف، والسَّعي إلى تحقيقها.
5- الإقبال على فعل الطَّاعات بجدٍّ ونشاط:
قال تعالى: وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى [التَّوبة: 54].
قال السعدي: (ينبغي للعبد أن لا يأتي الصَّلاة إلَّا وهو نشيط البدن والقلب إليها) .

محمد رافع 52
14-06-2013, 08:01 PM
موانع اكتساب النَّشَاط
- عدم الذِّكر والوضوء والصَّلاة عند الاستيقاظ.
2- مخالفة أوامر الله، والبُعْد عن طاعته.
3- التَّشاؤم والطِّيرة، والبُعْد عن التَّفاؤل؛ حيث إنَّه بالتَّشاؤم يتكاسل الإنسان، ويحصل له الهمُّ والحزن.
4- العزلة وعدم الاختلاط بالصَّالحين.
5- مجالسة الكسالى والمثبِّطين.
6- عدم الشُّعور بالمسؤوليَّة.
7- النِّفاق يورث الكَسَل في العبادة لا محالة، كما قال تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النَّساء: 142].
8- التَّسويف، وهو داء عضال ومرض قتَّال، إذ إنَّ (سوف) جندٌ مِن جنود إبليس، قال الشَّاعر:


ولا أدَّخر شغل اليوم عن كسلٍ***إلى غدٍ إنَّ يوم العاجزين غد



9- شِبَع البطن، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما ملأ آدميٌّ وعاءً شرًّا من بطن بحسب ابن آدم لُقَيْمَات يُقِمْن صلبه)) ، قال ابن قدامة: (كثرة الأكل تورث الكَسَل والفُتُور) .
10- فتح الفم عند التَّثاؤب وعدم دفعه، عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه مرفوعًا: ((إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيهِ)) ؛ لأنَّه سبب الكَسَل عن الطَّاعة والحضور فيها، ولذا صار منسوبًا إلى الشَّيطان، كما قال صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم: ((التَّثاؤب مِن الشَّيطان)) .
11- التَّواكل، وذلك بسبب فهم بعض النَّاس أنَّه لا حاجة للعمل، لأنَّ قَدَر الله ماض سواء عمل أم لم يعمل، فأدَّى بهم هذا التَّواكل إلى العَجْز والكَسَل وعدم النشاط.
12- السَّهر باللَّيل يوجب الكَسَل بالنَّهار عمَّا تجب الحقوق فيه مِن الطَّاعات ومصالح الدُّنيا والدِّين .
13- حبُّ الرَّاحة والدَّعة وإيثار البطالة.

محمد رافع 52
14-06-2013, 08:04 PM
الوسائل المعينة على اكتساب النَّشَاط وزيادته
1- ذكر الله:
قال تعالى: اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ [المائدة: 20].
(فإنَّ ذكرها داعٍ إلى محبَّته تعالى، ومُنَشِّط على العبادة) .
2- التَّذكير بآيات الله:
قال تعالى: إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ [السجدة: 15].
قال السعدي: (يقابلونها بالقبول والافتقار إليها والانقياد والتَّسليم لها، وتجد عندهم آذانًا سامعةً، وقلوبًا واعيةً، فيزداد بها إيمانهم، ويتمُّ بها إيقانهم، وتُحدث لهم نشاطًا، ويفرحون بها سرورًا واغتباطًا) .
وقال تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55].
(والتذكير نوعان: تذكير بما لم يعرف تفصيله... والنَّوع الثَّاني: تذكيرٌ بما هو معلومٌ للمؤمنين، ولكن انسحبت عليه الغفلة والذُّهول، فيُذَكَّرون بذلك، ويُكَرَّر عليهم؛ ليرسخ في أذهانهم، وينتبهوا، ويعملوا بما تذكَّروه من ذلك، وليحدث لهم نشاطًا وهمَّة، توجب لهم الانتفاع والارتفاع) .
3- الفَرَح بفضل الله ورحمته:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [يونس: 57-58].
(وإنَّما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته؛ لأنَّ ذلك ممَّا يوجب انبساط النَّفس ونشاطها) .
4- التَّأمُّل في قصص السَّابقين:
قال تعالى: وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود: 120].

فؤادك (أي: قلبك؛ ليطمئن ويَثْبُت، ويصبر كما صبر أولو
العزم (http://dorar.net/enc/akhlaq/965) من الرُّسل، فإنَّ النُّفوس تأنس بالاقتداء، وتنشط على الأعمال، وتريد المنافسة لغيرها، ويتأيَّد الحقُّ بذكر شواهده، وكثرة من قام به) .
5- الفَأْل الحسن:
فإنَّ (فيه من المصلحة: النَّشَاط والسُّرور، وتقوية النُّفوس على المطالب النَّافعة) . فـ(الإنسان إذا تفاءل، نشط واستبشر، وحصل له خير) .
6- القيام بأوامر الله، وامتثال طاعته:
قال ابن القيِّم: (السَّالك في أوَّل الأمر، يجد تعب التَّكاليف، ومشقَّة العمل؛ لعدم أنس قلبه بمعبوده، فإذا حَصل للقلب روح الأنس، زالت عنه تلك التَّكاليف والمشاق، فصارت قرَّة عين له، وقوَّة ولذَّة، فتصير الصَّلاة قرَّة عينه، بعد أن كانت عملًا عليه، ويستريح بها بعد أن كان يطلب الرَّاحة منها) .
7- طلب نعيم الله ورجاء ما وُعد به الصَّالحون:
يقول الغزالي: (فإن قلت: فأين مظنة الرجاء وموضعه المحمود؟ فاعلم أنه محمود في موضعين... الثاني: أن تفتر نفسه عن فضائل الأعمال، ويقتصر على الفرائض، فيرجِّي نفسه نعيم الله تعالى وما وعَد به الصَّالحين، حتى ينبعث من الرَّجاء، نشاط العبادة، فيقبل على الفضائل، ويتذكَّر قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون: 1-2] إلى قوله: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون: 10-11]، فالرَّجاء الأوَّل، يقمع القنوط المانع من التَّوبة، والرَّجاء الثَّاني يقمع الفتور (http://dorar.net/enc/akhlaq/2557) المانع من النَّشَاط والتَّشمُّر) .
8- الشُّعور بالمسؤولية، وعدم التَّهاون بما كُلِّف به.
9- المبادرة والمداومة والمثابرة في كلِّ الظُّروف:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران: 200]، وقال سبحانه: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69] .

محمد رافع 52
14-06-2013, 08:07 PM
نماذج في النشاط (http://dorar.net/enc/akhlaq/1465) من حياة النَّبي صلى الله عليه وسلم
- عن البراء رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التُّراب، وقد وارى التُّراب بياض بطنه، وهو يقول:


((لولا أنت ما اهتدينا***ولا تصدَّقنا ولا صلَّينا



فأَنْزِل السَّكينة علينا***وثبِّت الأقدام إن لاقينا



إنَّ الأُلى قد بغوا علينا***إذا أرادوا فتنة أبينا))



- عن أبي إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد عمَّا حدَّثته عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: (كان ينام أوَّل الليل، ويُحيي آخره، ثمَّ إن كانت له حاجة إلى أهله، قضى حاجته، ثمَّ ينام، فإذا كان عند النِّداء الأوَّل - قالت - وثب - ولا والله ما قالت قام - فأفاض عليه الماء - ولا والله ما قالت: اغتسل. وأنا أعلم ما تريد - وإن لم يكن جُنُبًا توضَّأ وضوء الرَّجل للصَّلاة، ثمَّ صلَّى الرَّكعتين) .

محمد رافع 52
14-06-2013, 08:17 PM
نماذج في النشاط (http://dorar.net/enc/akhlaq/1465) من حياة السَّلف

- عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أشيروا عليَّ أيها النَّاس -وإنَّما يريد الأنصار-؛ وذلك أنَّهم كانوا عدد النَّاس، وذلك أنَّهم حين بايعوه بالعقبة، قالوا: يا رسول الله، إنَّا برآء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذممنا، نمنعك ممَّا نمنع منه أبناءنا ونساءنا، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخوَّف ألَّا تكون الأنصار ترى عليها نصرته إلَّا ممَّن دَهَمه بالمدينة من عدوِّه، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدوٍّ من بلادهم، فلمَّا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، قال له سعد بن معاذ: والله لكأنَّك تريدنا يا رسول الله؟ قال: أجل. قال: فقد آمنَّا بك، وصدَّقناك، وشهدنا أنَّ ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السَّمع والطَّاعة، فامض يا رسول الله لما أمرك الله. فوالذي بعثك بالحقِّ، إن استعرضت بنا هذا البحر، فخضته لخضناه معك، ما يتخلَّف منَّا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوَّنا غدًا، إنَّا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللِّقاء، ولعلَّ الله يريك منَّا ما تقرُّ به عينك، فسِر بنا على بركة الله. فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشَّطه ذلك، ثمَّ قال: سيروا على بركة الله وأبشروا، فإنَّ الله قد وعدني إحدى الطَّائفتين، والله لكأنِّي الآن أنظر إلى مصارع القوم) .
عبد الرَّحمن بن أبي حاتم:
ذكر الحافظ الذَّهبي في ترجمة أبي حاتم الرَّازي، أنَّ أبا حاتم قال: قال لي أبو زرعة (ما رأيت أحرص على طلب الحديث منك. فقلت له: إنَّ عبد الرَّحمن ابني لحريص. فقال: من أشبه أباه فما ظلم، قال الرَّقَّام: فسألت عبد الرَّحمن عن اتفاق كثرة السماع له، وسؤالاته لأبيه، فقال: ربَّما يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ عليه) .
وعن الخوارزمي قال: قال ابن أبي حاتم: (كنَّا بمصر سبعة أشهر لا نأكل فيها مرقة، نهارنا ندور على الشيوخ، وبالليل ننسخ ونقابل، فأتينا يومًا -أنا ورفيق لي- شيخنا، فقالوا: هو عليل، فرأيت سمكة أعجبتنا فاشتريناها، فلمَّا صرنا إلى البيت، حضر وقت مجلس بعض الشُّيوخ، فمضينا، فلم تزل السَّمكة ثلاثة أيام، وكادت أن تنتن، فأكلناها نيِّئةً، لم نتفرَّغ نشويها، ثم قال: لا يُسْتطاع العلم براحة الجسد) .
ابن حجر العسقلاني:
ذكر السَّخاوي: أنَّ شيخه الحافظ ابن حجر قرأ (سنن ابن ماجه) في أربعة مجالس، و(صحيح مسلم) في أربعة مجالس، وكتاب النَّسائي الكبير في عشرة مجالس، كلُّ مجلس نحو أربع ساعات، ومعجم الطَّبراني الصَّغير في مجلس واحد بين الظُّهر والعصر، وهذا أسرع ما وقع له .
الفيروزآبادي:
قرأ الفيروزآبادي -صاحب القاموس- صحيح مسلم في ثلاثة أيام بدمشق، وأنشد:


قرأت بحمد الله جامع مسلم***بجوف دمشق الشَّام جوف لإسلام



على ناصر الدِّين الإمام بن جَهْبَلٍ***بحضرة حفَّاظٍ مشاهيرَ أعلامِ



وتمَّ بتوفيق الإله وفضله***قراءة ضبطٍ في ثلاثة أيامِ

محمد رافع 52
14-06-2013, 08:19 PM
الأمثال في النَّشَاط

1- أنشط من ظبيٍ مُقمِرٍ.
لأنَّ النَّشَاط يأخذه في القَمْراء فيلعب .
2- آخِرُ سَفَرك أَمْلَكُ.
يُضرب لمن يَنْشَط في السَّفر أولًا، أي: ننظر كيف يكون نشاطك آخرًا، وقوله: (أمْلَكُ) أي: أحقُّ بأن يُمْلك فيه النَّشَاط .
3- أنشط من ذئب .
4- أنشط من عِير الفَلاة .

محمد رافع 52
14-06-2013, 08:27 PM
النَّشَاط في واحة الشِّعر

قال الشَّاعر:


حُثَّ الكريم على النَّدى، وتقاضه***بالوعدِ، وابعثْه على الإنجازِ



ودَعِ الوُثُوقَ بطبعِه، فلطالما***نَشَط الجوادُ بشوكةِ المهمازِ



وقال ابن الرُّومي:


ولا تُطِل الفتورَ عن اصطناعي***وأنت لكلِّ مكرُمةٍ نشيطُ



وقال آخر:


بصرتُ بالحالةِ العُليا فلم أرَها***تُنَال إلا على جسرٍ من التَّعبِ



وقال آخر:


أعمِلْ لرزقِك كلَّ آلة***لا تقعدنَّ بذلِّ حاله



وانهضْ بكلِّ عزيمةٍ***فالمرءُ يعجِز لا محاله



وقال آخر:


إذا همَّ همًّا لم يرَ الليل غمة***عليه ولم تصعبْ عليه المراكبُ



وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:


اجهدْ ولا تكسلْ ولا تكُ غافلًا***فندامةُ العُقبَى لمن يتكاسلُ



وقال آخر:


عجبتُ لهم قالوا: تماديتَ في المنى***وفي المثلِ العُليا وفي المرتقى الصَّعبِ



فاقصرْ، ولا تُجهدْ يراعَكَ إنَّما***ستبذرُ حَبًّا في ثرى ليس بالخِصْبِ



فقلتُ لهم مهلًا، فما اليأسُ شيمتي***سأبذرُ حَبِّي، والثَّمارُ من الرَّبِّ



إذا أنا أبلغتُ الرِّسالة جاهدًا***ولم أجدِ السَّمعَ المجيبَ فما ذنبي



وقال آخر:


واحسرتاه تَقَضَّى العمرُ وانصرمتْ***ساعاتُه بين ذلِّ العجزِ والكسلِ



والقومُ قد أخذوا دربَ النَّجاةِ وقد***ساروا إلى المطلبِ الأعلَى على مَهَلِ



ويقول القرضاوي:


قالوا السَّعـادة فــي السُّكُو***ن وفي الخُمُـول وفـي الخمود



فـي العيـش بيـن الأهـــل***لا عيش المهاجـر والطَّـريد



فـي لقمــة تـأتـي إليــك***بغيــر ما جهـد جهيــد



فـي المشـي خلـف الرَّكـب في***دعَـة وفي خَطْـو وَئيـد



فـي أن تقــول كمـا يُقـا***ل فـلا اعتــراض ولا ردود



فـي أن تسيـر مـع القطيــ***ـع وأن تُـقــاد ولا تقـــود



فـي أن تعيـش كمـا يُــرا***د ولا تعيش كمـا تـُريــدُ



قلت الحيـاة هــي التَّحرُّ***ك لا السـُّكــون ولا الهمــود



وهـي الجهـاد وهـل يجا***هد مــن تعلَّــق بالقعـــود



وهـي الشُّعور بالانتصـا***ر ولا انتصــار بلا جهـود



وهـي التَّلــذُّذ بالمتا***عب لا التـَّلــذُّذ بالــرُّقــود



هي أن تـذود عـن الحيا***ض وأي حـــرٍّ لا يــــذود



هي أن تَحُـسَّ بأنَّ كأ***س الذُّلِّ مـن مــاء صــديــد



هي أن تعيش خليفة***في الأرض شــأنك أن تســـــود

محمد رافع 52
14-06-2013, 08:30 PM
http://img15.hostingpics.net/pics/165424mawssou3a.png (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3GQ6YnWNUXWCM&tbnid=Ybv-Crg6W5x9FM:&ved=0CAUQjRw&url=%2Furl%3Fsa%3Di%26rct%3Dj%26q%3D%25D9%2585%25D 9%2588%25D8%25B3%25D9%2588%25D8%25B9%25D8%25A9%2B% 25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25AE%25D9%2584% 25D8%25A7%25D9%2582%2B%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25 A7%25D8%25B3%25D9%2584%25D8%25A7%25D9%2585%25D9%25 8A%25D8%25A9%26source%3Dimages%26cd%3D%26cad%3Drja %26docid%3D-3GQ6YnWNUXWCM%26tbnid%3DYbv-Crg6W5x9FM%3A%26ved%3D%26url%3Dhttp%253A%252F%252F www.mltzm.com%252Fvb%252Fshowthread.php%253Ft%253D 40126%26ei%3DzFy7Ua3yBoTeOZ7KgcAG%26psig%3DAFQjCNH 8pzHF6Ho-nV9GwGqv40e8zXlvUg%26ust%3D1371319884484018&ei=CF27UanXNIK8PcHmgfAJ&psig=AFQjCNH8pzHF6Ho-nV9GwGqv40e8zXlvUg&ust=1371319884484018)

النُّصْرَة

معنى النُّصْرَة لغةً واصطلاحًا
معنى النُّصْرَة في اللُّغة:
النُّصرة: النَّصْر والعون، وهي اسم من نَصَرَه على عَدوِّه يَنْصُره نَصْرًا، أي: أعانَه وقَوَّاه، والنَّصيرُ والنَّاصِر واحد .
معنى النُّصْرَة في الاصطلاح:
يُقصد بالنُّصْرَة: تلك الغَيْرة الإيمانيَّة، التي تدفع المسلم لرفع الظُّلم عن أخيه المسلم المستَضْعف

محمد رافع 52
15-06-2013, 03:22 PM
أولًا: في القرآن الكريم
- قال سبحانه: وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا [النِّساء: 75].
قال الحافظ ابن كثير في هذه الآية: (يحرِّض تعالى عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله، وعلى السَّعي في استنقاذ المستضعفين بمكَّة من الرِّجال والنِّساء والصِّبيان، المتبرِّمين بالمقام بها؛ ولهذا قال تعالى: الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ [النِّساء: 75] يعني: مكَّة، كقوله تعالى: وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [محمَّد: 13] .
- وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الأنفال: 72].
قال الطَّبري: وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ يقول: (إن استنصركم هؤلاء -الذين آمنوا ولم يهاجروا- في الدِّين، يعني بأنَّهم من أهل دينكم، على أعدائكم وأعدائهم من المشركين، فعليكم أيُّها المؤمنون -من المهاجرين والأنصار- النَّصر، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق، يعني: عهد قد وَثِق به بعضكم على بعض أن لا يحاربه) .
وقال ابن العربي في هذه الآية وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ: (يريد: إن دعوا من أرض الحرب عونكم بنفير أو مال لاستنقاذهم، فأعينوهم، فذلك عليكم فرض، إلَّا على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تقاتلوهم عليهم حتى يتمَّ العهد، أو ينبذ على سواء. إلَّا أن يكونوا أُسَراء مستضعفين؛ فإنَّ الوِلَاية معهم قائمة، والنُّصْرَة لهم واجبة بالبدن، بألَّا يبقى منَّا عين تَطْرف حتى نخرج إلى استنقاذهم، إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم، حتى لا يبقى لأحد درهم، كذلك قال مالك وجميع العلماء: فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون على ما حلَّ بالخَلْق في تركهم إخوانهم في أَسْر العدوِّ، وبأيديهم خزائن الأموال، وفضول الأحوال، والعُدَّة والعدد، والقوَّة والجَلَد) .

محمد رافع 52
15-06-2013, 03:25 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبَويِّة
- عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالـمًا، أو مَظْلومًا. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مَظْلومًا، أفرأيت إذا كان ظالـمًا، كيف أنصره؟ قال: تَحْجُزُه، أو تمنعه من الظُّلم، فإنَّ ذلك نَصْره)) .
قال العلائي: (هذا من بليغ الكلام، الذي لم يُنْسج على منواله، و((أو)) للتَّنويع والتَّقسيم، وسمِّي رَدُّ المظالم نَصْرًا؛ لأنَّ النَّصْر هو العون، ومنع الظَّالم عون له على مصلحته، والظَّالم مَقْهور مع نفسه الأمَّارة، وهي في تلك الحالة عاتية عليه، فردُّه عونٌ له على قَـهْرها، ونُصْرةٌ له عليها) .
- وقد رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه أيضًا بلفظ: ((لينصر الرَّجل أخاه ظالـمًا أو مَظْلومًا، إن كان ظالـمًا فلينهه، فإنَّه له نَصْرٌ، وإن كان مَظْلومًا فلينصره)) .
قال البيهقي: (معنى هذا: أنَّ الظَّالم مظْلوم من جهته، كما قال الله عزَّ وجلَّ: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ [النِّساء: 110]، فكما ينبغي أن يُنْصر المظْلوم -إذا كان غير نفس الظَّالم ليدفع الظُّلم عنه- كذلك ينبغي أن يُنْصر إذا كان نفس الظَّالم؛ ليدفع ظلمه عن نفسه) . وقال ابن بطَّال: (النَّصْر عند العرب الإعانة، وتفسيره لنَصْر الظَّالم: بمنعه من الظُّلم؛ من تسمية الشَّيء بما يؤول إليه، وهو من وجيز البلاغة) .
- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ((أمرنا بسبع: بعيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وتشميت العاطس، وردِّ السَّلام، وإجابة الدَّاعي، وإِبْرَار المقْسِم، ونَصْر المظْلوم)) .
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((من نَصَر أخاه بظَهْر الغيب، نَصَره الله في الدُّنْيا والآخرة)) .
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يَظْلِمه، ولا يُسْلِمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كُرْبة، فرَّج الله عنه كُرْبة من كُرُبات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة)) .
قال الحافظ ابن حجر: (قوله ((لا يَظْلِمه)) هو خَبَر بمعنى الأمر، فإنَّ ظُلم المسلم للمسلم حرام، وقوله: ((ولا يُسْلِمه)) أي: لا يتركه مع من يُؤذيه، ولا فيما يُؤذيه، بل يَنْصُره، ويدفع عنه، وهذا أخصُّ مِنْ تَرْك الظُّلم) .
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((لما رَجَعَت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُهَاجرة البحر، قال: ألا تُحَدِّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرَّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قُلَّة من ماء، فمرَّت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمَّ دفعها، فخرَّت على ركبتيها، فانكسرت قلَّتها، فلمَّا ارتفعت، التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم -يا غُدر- إذا وضع الله الكرسيَّ، وجمع الأولين والآخرين، وتكلَّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا، قال: يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: صَدَقَت صَدَقَت، كيف يقدِّس الله أمَّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟!)) .
قال السِّندي: (يقدِّس الله) أي: يُطَهِّرهم من الدَّنس والآثام) .
وقال المناوي: (استخبار فيه إنكار وتعجُّب، أي: أخبروني كيف يُطهِّر الله قومًا لا ينصرون العاجز الضَّعيف على الظَّالم القويِّ، مع تمكُّنهم من ذلك؟ أي: لا يطهِّرهم الله أبدًا) .

محمد رافع 52
15-06-2013, 03:29 PM
فوائد النُّصْرَة
1- تقديس الله للأمَّة، أي: تطهيرها من دنس الذُّنوب، كما ورد في الحديث النَّبَوي الشَّريف.
2- في النصرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1491) إقامة الشرع بإظهار العدل.
قال ابن الجوزي: (وأما نَصْر المظْلوم فلمعنيين، أحدهما: إقامة الشَّرع بإظهار العدل، والثَّاني: نَصْر الأخ المسلم، أو الدَّفع عن الكِتَابِي وفاءً بالذِّمَّة) .
3- أنَّ الله عزَّ وجلَّ يقيم وينصر ويمكِّن الدَّولة التي يُنْصَر فيها المظْلوم، ويأخذ فيها حقَّه، قال ابن تيمية: (إنَّ الله يقيم الدَّولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدَّولة الظَّالمة، وإن كانت مسلمة) .
4- نجاة الأمَّة من العقاب، فإن لم تَنْصر الأمَّةُ المظْلوم، وتأخذ على يد الظَّالم، وتمنعه من الظُّلم، فسَيَعُمُّ العقابُ الجميع، قال تعالى: وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الأنفال: 25].
5- أنَّ الذي يَنْصُر المظْلوم يَنْصُره الله، والجزاء من *** العمل، فالله سبحانه وتعالى يُسخر له من يقف إلى جانبه وينصره في الدُّنْيا، ويتولَّاه الله في الآخرة، كما في الحديث الذي سبق: ((من نَصَر أخاه بظَهْر الغيب، نَصَره الله في الدُّنْيا والآخرة)).
6- نجاة الأمة من الفتنة والفساد، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [الأنفال: 72-73].

قال الطبري: (فبيِّنٌ أنَّ أولى التأويلين بقوله: إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ، تأويلُ من قال: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من
التعاون (http://dorar.net/enc/akhlaq/273) والنصرة على الدين، تكن فتنة في الأرض) .

محمد رافع 52
15-06-2013, 03:30 PM
حكم نُصْرَة المظْلوم
قال ابن بطَّال: (وأمَّا نَصْر المظْلوم، ففرضٌ على من يقدر عليه، ويُطَاع أمره) .
وقال: (نَصْر المظْلوم فرض واجب على المؤمنين على الكِفَاية، فمن قام به، سقط عن الباقين، ويتعيَّن فرض ذلك على السُّلطان، ثمَّ على كلِّ من له قُدْرة على نُصْرته، إذا لم يكن هناك من ينصره غيره، من سلطان وشبهه) .
وقال النَّووي: (وأمَّا نَصْر المظْلوم، فمن فروض الكِفَاية، وهو من جُمْلة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وإنَّما يتوجَّه الأمر به لمن قَدِر عليه، ولم يخَفْ ضررًا) .
وقال الحافظ ابن حجر: (هو فرض كِفَاية، وهو عامٌّ في المظْلومين، وكذلك في النَّاصرين، بناء على أنَّ فرض الكِفَاية مُخَاطب به الجميع، وهو الرَّاجح، ويتعيَّن -أحيانًا- على من له القُدْرة عليه وحده، إذا لم يترتَّب على إنكاره مَفْسدةٌ أشدُّ من مفسدة المنكَر، فلو علم أو غَلَب على ظنِّه أنَّه لا يفيد، سَقَط الوجوب، وبَقِي أصل الاستحباب بالشَّرط المذكور، فلو تساوت المفسدتان تَخَيَّر، وشَرْط النَّاصر أن يكون عالـمًا بكون الفعل ظُلمًا) .

محمد رافع 52
15-06-2013, 09:37 PM
صور النُّصْرَة

1- النُّصْرَة قبل وقوع الظُّلم:
نُصْرة المظْلوم قد تكون أثناء وقوع الظُّلم عليه، أو قبل ذلك أو بعده، قال الحافظ ابن حجر: (ويقع النَّصْر مع وقوع الظُّلم، وهو حينئذ حقيقة، وقد يقع قبل وقوعه، كمن أنقذ إنسانًا من يد إنسان طالبه بمال ظُلمًا، وهدَّده إنْ لم يبذله، وقد يقع بَعْدُ، وهو كثير) .
2- النُّصْرَة بالنُّصح للظَّالم:
إذا رأى المسلم حقًّا مهضومًا، وظُلمًا بيِّنًا، عليه أن يقوم بنصح الظَّالم وتذكيره بالله، يقول ابن عثيمين: (إذا رأيت شخصًا يظلم جاره بالإساءة إليه، وعدم المبالاة به، فإنَّه يجب عليك أن تَنْصُر هذا وهذا -الظَّالم والمظْلوم-: فتذهب إلى الظَّالم الجار، الذي أخلَّ بحقوق جاره، وتنصحه، وتبيِّن له ما في إساءة الجِوَار من الإثم والعقوبة، وما في حُسْن الجِوَار من الأجر والمثوبة، وتُكرِّر عليه، حتى يهديه الله فيرْتَدع، وتنصر المظْلوم الجار، وتقول له: أنا سوف أنصح جارك، وسوف أكلِّمه، فإن هداه الله، فهذا هو المطلوب، وإن لم يهتد فأخبرني، حتى نكون أنا وأنت عند القاضي أو الحاكم سواء، نتعاون على دفع ظلم هذا الظَّالم.
وكذلك إذا وجدت شخصًا جحد لأخيه حقًّا، تدري أنَّه جحده، أنَّ أخيه عليه هذا الحقُّ، فتذهب إلى هذا الظَّالم الذي جحد حقَّ أخيه، وتنصحه، وتبيِّن له ما في أكل المال بالباطل من العقوبة، وأنَّه لا خير في أكل المال بالباطل، لا في الدُّنْيا ولا في الآخرة، بل هو شَرٌّ، حتى يؤدي ما عليه) .
3- النُّصْرَة بالشَّفاعة للمظْلوم:
ومن صُوَره: الشَّفاعة للمظْلوم، حتى يأخذ حقَّه، كما قال الله عزَّ وجلَّ: مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتًا [النِّساء: 85].
قال الحافظ ابن كثير: (وقوله: مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا أي: من سعى في أمر، فترتَّب عليه خير، كان له نصيب من ذلك، وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا أي: يكون عليه وِزْرٌ من ذلك الأمر، الذي ترتَّب على سعيه ونيَّته)
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلبت إليه حاجة قال: ((اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم ما شاء)) .
(أي: إذا عرض المحتاج حاجته علي، فاشفعوا له إلي، فإنكم إن شفعتم حصل لكم الأجر، سواء قبلت شفاعتكم أم لا، ويجري الله على لسان نبيه ما شاء، أي: من موجبات قضاء الحاجة أو عدمها، أي: إن قضيتها أو لم أقضها فهو بتقدير الله تعالى وقضائه) http://www.dorar.net/misc/tip.gif .
4- النُّصْرَة بدفع أذى السُّلطان عن المظلوم:
فالمسلم ينصر أخاه المظْلوم بدفع أذى السُّلطان عنه، سواءً كان بمُنَاصَحتهم، أو بقول كلمة الحقِّ عندهم، وقد تبرَّأ صلى الله عليه وسلم ممَّن يعين الظَّالم على ظُلْمه، فقال: ((إنَّه ستكون بعدي أمراء، مَنْ صدَّقهم بكَذِبهم، وأعانهم على ظُلْمهم، فليس منِّي، ولست منه، وليس بوارد عليَّ الحوض، ومن لم يصدِّقهم بكَذِبهم، ولم يعنهم على ظُلْمهم، فهو منِّي وأنا منه، وهو وارد عليَّ الحوض)) .
واستحسن عمرو بن العاص صفاتٍ يتَّصف بها الرُّوم، فقال: (إنَّ فيهم لخصالًا أربعًا: إنَّهم لأحلم النَّاس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرَّة بعد فرَّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظُلْم الملوك) .
5- النُّصْرَة في الجهاد:
النُّصْرَة بالجهاد من الصُّور العظيمة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض دعوته في المواسم بمنى، ويقول: ((مَنْ يؤويني؟ مَنْ ينصرني؟)) . وحين بُويع بيعة العقبة، اشترط النُّصْرَة، فقال: ((... وأسألكم لنفسي ولأصحابي: أن تُؤْوونا وتنصرونا، وتمنعونا ممَّا منعتم منه أنفسكم)) .
6- نصرة الظالم بمنعه من الظلم:
عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا. فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالـمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه، أو تمنعه، من الظلم، فإنَّ ذلك نصره)) .
قال ابن بطال: (النصرة عند العرب: الإعانة والتأييد، وقد فسره رسول الله أنَّ نصر الظالم منعه من الظلم؛ لأنَّه إذا تركته على ظلمه، ولم تكفَّه عنه، أدَّاه ذلك إلى أن يُقتصَّ منه؛ فمنعك له مما يوجب عليه القصاص نصره، وهذا يدلُّ من باب الحكم للشيء، وتسميته بما يؤول إليه) .

محمد رافع 52
15-06-2013, 09:41 PM
الوسائل المعينة على اكتساب صفة النُّصْرَة

1- أن تعلم أنَّ نُصْرة المظْلوم طاعة لله ورسوله.
2- أن تستشعر الأخوة الإيمانية، قال البيهقي: (وإنَّما أُمِر كلُّ واحد بنصرة أخيه المسلم، إذا رآه يُظْلم، وقَدِر على نَصْره؛ لأنَّ الإسلام إذا جمعهما صارا كالبدن الواحد، كما أنَّ أُخوَّة النَّسب لو جمعتهما، كانا كالبدن الواحد، والدِّين أقوى من القرابة، وأولى بالمحافظة عليه منها، وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات: 10]) .
3- أن تستحضر عظمة الله وقدرته ومعيَّته لك، فيهون عليك أمر الظَّالم ولا تخشاه، كما قال النَّبيَّان الكريمان موسى وهارون لربِّهما في شأن فرعون: قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى [طه: 45-47].

محمد رافع 52
15-06-2013, 09:44 PM
نماذج من الأنبياء والمرسلين عليهم السلام
موسى عليه السَّلام:
قصَّ الله تعالى علينا قصَّة الرَّجل الذي طلب من موسى النُّصْرَة، فهب موسى لنصرته وإغاثته، قال الله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ [القصص: 14-15].
عن سعيد بن جبير قال: (سألت عبد الله بن عبَّاس عن قول الله عزَّ وجلَّ لموسى عليه السَّلام وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا [طه: 40] فسألته عن الفُتُون، ماهو؟ فقال... فلمَّا بلغ أشدَّه، وكان من الرِّجال، لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل معه بظُلم ولا سُخْرة، امتنعوا كلَّ الامْتِنَاع) .

محمد رافع 52
15-06-2013, 09:48 PM
نماذج من نصرة النَّبي صلى الله عليه وسلم للمظْلوم

- كان النَّبي صلى الله عليه وسلم يحمل الكَلَّ ويعين على نوائب الحقِّ، وينتصر للمظْلوم، وقد شَهِد حِلْفًا في الجاهليَّة من أجل نُصْرَة المظْلوم، وقد قال صلى الله عليه وسلم في ذلك: ((شَهِدت حلف المطَيَّبين مع عُمُومَتي وأنا غلام؛ فما أحبُّ أنَّ لي حُمْر النَّعم وأنِّي أنكُثه)) . وعن محمَّد بن إسحاق، قال: (تداعت قبائل من قريش إلى حِلْف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة بن كعب بن لؤي، لشَرَفه وسنِّه، فكان حِلْفهم عنده: بنو هاشم، وبنو المطَّلب، وأسد بن عبد العزَّى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرَّة. فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكَّة مَظْلومًا من أهلها وغيرهم -ممَّن دخلها من سائر النَّاس- إلا قاموا معه، وكانوا على مَن ظَلَمه حتى تُرَدَّ عليه مَظْلمته، فسمَّت قريشٌ ذلك الحِلْف: حِلْف الفُضُول) .
- قال ابن إسحاق: حدَّثني عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان الثَّقفي، وكان واعية، قال: قدم رجل من إرَاشَ -قال ابن هشام: ويقال: إرَاشَة- بإبل له مكَّة، فابتاعها منه أبو جهل، فمَطَلَه بأثمانها. فأقبل الإرَاشِيُّ حتى وقف على نادٍ من قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في ناحية المسجد جالس، فقال: يا معشر قريش، مَنْ رجل يؤدِّيني على أبي الحكم بن هشام، فإنِّي رجل غريب، ابن سبيل، وقد غَلَبَني على حَقِّي؟ قال: فقال له أهل ذلك المجلس: أترى ذلك الرَّجل الجالس -لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يهزؤون به؛ لما يعلمون بينه وبين أبي جهل من العداوة- اذهب إليه فإنَّه يؤدِّيك عليه.
فأقبل الإرَاشِيُّ حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عبد الله، إنَّ أبا الحكم بن هشام قد غَلَبَني على حقٍّ لي قِبَلَه، وأنا رجل غريب، ابن سبيل، وقد سألت هؤلاء القوم عن رجل يؤدِّيني عليه، يأخذ لي حَقِّي منه، فأشاروا لي إليك، فَخُذ لي حَقِّي منه، يرحمك الله. قال: انطلق إليه. وقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلمَّا رأوه قام معه، قالوا لرجل ممَّن معهم: اتبعه، فانظر ماذا يصنع.
قال: وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءه، فضرب عليه بابه، فقال: من هذا؟ قال: محمَّد، فاخرج إليَّ. فخرج إليه، وما في وجهه من رائحة، قد انتقع لونه، فقال: أعط هذا الرَّجل حقَّه. قال: نعم، لا تبرح حتى أعطيه الذي له. قال: فدخل، فخرج إليه بحقِّه، فدفعه إليه. قال: ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للإرَاشِي: الْحَقْ بشأنك. فأقبل الإرَاشِي حتى وقف على ذلك المجلس، فقال: جزاه الله خيرًا، فقد والله أخذ لي حَقِّي. قال: وجاء الرَّجل الذي بعثوا معه، فقالوا: ويحك! ماذا رأيت؟ قال: عجبًا من العجب، والله ما هو إلا أن ضرب عليه بابه، فخرج إليه وما معه روحه، فقال له: أعط هذا حقَّه، فقال: نعم، لا تبرح حتى أُخْرِج إليه حقَّه، فدخل فخرج إليه بحقِّه، فأعطاه إياه. قال: ثمَّ لم يلبث أبو جهل أن جاء، فقالوا له: ويلك! ما لك؟ والله ما رأينا مثل ما صنعت قط! قال: ويحكم، والله ما هو إلَّا أن ضرب عليَّ بابي، وسمعت صوته، فملئت رعبًا، ثم خرجت إليه، وإنَّ فوق رأسه لفحلًا من الإبل، ما رأيت مثل هَامَتِه، ولا قَصَرَتِه، ولا أنيابه لِفَحلٍ قطُّ، والله لو أَبَيْت لأكلني .
- وعن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: ((كنت أضرب غلامًا لي بالسُّوط، فسمعت صوتًا من خلفي: اعلم أبا مسعود. فلم أفهم الصَّوت من الغضب، قال: فلمَّا دنا منِّي إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: اعلم، أبا مسعود، اعلم، أبا مسعود. قال: فألقيت السَّوط من يدي، فقال: اعلم، أبا مسعود، أنَّ الله أقدر عليك منك على هذا الغلام. قال: فقلت: لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا. وفي رواية: فقلت: يا رسول الله، هو حرٌّ لوجه الله، فقال: أما لو لم تفعل لَلَفَحتك النَّار، أو لمسَّتك النَّار)) .

محمد رافع 52
15-06-2013, 09:51 PM
نماذج في نصرة المظلوم من حياة السَّلف
أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
- عن عروة بن الزُّبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشدِّ ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: بَيْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بفناء الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي مُعَيط، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه به خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر، فأخذ بمنكبه، ودفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ [غافر: 28] .
الخليفة الرَّاشد عمر بن عبد العزيز:
- دخل عمر بن عبد العزيز على سليمان بن عبد الملك وعنده أيوب ابنه - وهو يومئذ وليُّ عهده، قد عُقِد له من بعده -، فجاء إنسان يطلب ميراثًا من بعض نساء الخلفاء، فقال سليمان: ما إخال النِّساء يرثن في العقار شيئًا. فقال عمر بن عبد العزيز: سبحان الله، وأين كتاب الله؟ فقال: يا غلام، اذهب فأْتني بسجلِّ عبد الملك بن مروان الذي كتب في ذلك، فقال له عمر: لكأنَّك أرسلت إلى المصحف؟ قال أيوب: والله ليوشكنَّ الرَّجل يتكلَّم بمثل هذا عند أمير المؤمنين، ثمَّ لا يشعر حتى تفارقه رأسه، فقال له عمر: إذا أفضى الأمر إليك وإلى مثلك، فما يدخل على هؤلاء أشدُّ مما خشيت أن يصيبهم من هذا، فقال سليمان: مه، ألأبي حفص تقول هذا؟ قال عمر: والله لئن كان جَهِل علينا -يا أمير المؤمنين- ما حَلُمنا عنه .
- وجاء إليه رجل متَّزر بِبُرْد قَطَري، متعصِّب بآخر، حتى أخذ بلجام بغلته، ما يُنَهْنِهه أحدٌ، فقال:


تدعون حرَّان مَظْلومًا ليأتيكم***فقد أتاكم لعند الدَّار مظْلوم



فقال ممن أنت؟ قال: من أهل حضرموت. قال: ما ظُلَامتك؟ قال: أرضي وأرض آبائي أخذها الوليد وسليمان، فأكلاها. فنزل عمر عن دابَّته يتكئ حتى جلس بالأرض، فقال: من يعلم ذلك؟ قال: أهل البلد قاطبة. قال: يكفيني من ذلك شاهدا عدلٍ، اكتبوا له إلى بلاده، إن أقام شاهدي عدلٍ، اكتبوا على أرضه وأرض آبائه وأجداده، فادفعوها إليه. فحسب الوليد وسليمان ما أكلا من غلَّتها، فلمَّا ولَّى الرَّجل، قال: هلمَّ، هل هلكت لك من راحلة؟ أو أَخْلق لك من ثوب؟ أو نفذ لك من زاد؟ أو تخرَّق لك من حِذاء؟ فحَسَب ذلك، فبلغ اثنين وثلاثين دينارًا، أو ثلاثة وثلاثين دينارًا، فأتى بها من بيت المال، فكأنِّي أنظر إليها تُعدُّ في يده .
عامر بن عبد الله، المعروف بابن عبد قيس:
- مرَّ عامر بن عبد الله برجل من أعوان السُّلطان، وهو يَجُرُّ ذمِّيًّا، والذِّمِّيُّ يستغيث به، قال: فأقبل على الذِّمِّيِّ، فقال: أدَّيت جزيتك؟ قال: نعم. فأقبل عليه، فقال: ما تريد منه؟ قال: أذهب به يَكْسَح دار الأمير، قال: فأقبل على الذِّمِّيِّ، فقال: تطيب نفسك له بهذا؟ قال: يشغلني عن ضَيْعَتي. قال: دعه. قال: لا أدعه. قال: دعه. قال: لا أدعه. قال: فوضع كساءه، ثمَّ قال: لا تُخْفَر ذمَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم وأنا حيٌّ. قال: ثمَّ خَلَّصه منه .

محمد رافع 52
15-06-2013, 09:54 PM
الأمثال في نصْرَة المظْلوم
- انصر أخاك ظالـمًا أو مَظْلومًا.
قال أبو عبيد القاسم بن سلَّام: ومن أمثالهم -أي العرب- في معاونة الأخ ونُصْرته قولهم: (انصر أخاك ظالـمًا أو مَظْلومًا):
وهذا الحرف يُرْوَى في حديث مرفوع، إلَّا أنَّ فيه: ((قيل: يا رسول الله، هذا ينصره مَظْلومًا، فكيف إذا كان ظالـمًا؟ قال: يكفُّه عن الظُّلم))، قال أبو عبيد: (أمَّا الحديث فهكذا هو، وأمَّا العرب، فكان مذهبها في المثل نصرته على كلِّ حال) .
لطيفة:
ذكر المفَضَّل الضَّبي في كتابه ((الفاخر)): أنَّ أوَّل من قال: (انصر أخاك ظالـمًا أو مَظْلومًا) جندب بن العنبر بن عمرو بن تميم، مَرَّ به سعد بن زيد بن مناة وهو أسير، فقال له جندب:


يا أيُّها المرء الكريم المشْكُوم***انصر أخاك ظالـمًا أو مَظْلومًا



وأراد بذلك ظاهره، وهو ما اعتادوه من حَمِيَّة الجاهليَّة، لا على ما فسَّره النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه سعد وفكَّ أسره، وفي ذلك يقول شاعرهم:


إذا أنا لم أنصر أخي وهو ظالم***على القوم لم أنصر أخي حين يُظْلم

محمد رافع 52
15-06-2013, 09:59 PM
نُصَرة المظْلوم في واحة الشِّعر

قال محمَّد بن سلَّام الجُمَحي في ((طبقات فحول الشُّعراء)):
(كان الفرزدق أكثرهم بيتًا مُقَلَّدًا - والمقلَّد: البيت المسْتغنِي بنفسه، المشهور الذي يُضْرب به المثل - فمن ذلك قوله:


ترى كلَّ مظْلوم إلينا فراره***ويهرب منَّا جهده كلُّ ظالم



وقال الشَّاعر:


رعى الله من عمَّ البريَّة عدلُه***فأُنْصف مظْلوم وأُومن خائف



وقال آخر:


وكم ظالم نالته منِّي غضاضة***لنُصْرة مظْلوم ضعيف جنان



وقال القاضي سعد بن محمَّد الدَّيْري (ت 867):


ذهب الأُولى كان التَّفاضل بينهم***بالحِلْم والإفضال والمعروف



يتجشَّمون متاعبًا لإعانة الـ***ــمظْلوم أو لإغاثة الملهوف



وأتى الذين الفَخْر فيهم مَنْعهم***للسَّائلين وظُلْم كلِّ ضعيف



فتراهم يتردَّدون مع الهوى***قد أعرضوا عن أكثر التَّكليف



وقال أمير تلمسان -موسى بن يوسف-:


وننصر مَظْلومًا ونمنع ظالما***إذا شِيك مظْلوم بشوكة ظالم

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=ose8Ucb-FMODO4iigXg&psig=AFQjCNGLUr4Ygc8PrxW7aZ11BCZtNIgSXg&ust=1371412760624308)

محمد رافع 52
15-06-2013, 10:02 PM
النَّصِيحَة

معنى النَّصِيحَة لغةً واصطلاحًا
معنى النَّصِيحَة لغةً:
النصيحة اسم من نَصَحَه، ونصح له، كمنعه، نُصْحًا ونَصاحَةً ونَصاحِيَةً، يقال: نَصَحَ الشيءُ: خَلَصَ، والناصحُ: الْخَالِصُ من العَسَلِ وغَيْرِهِ، وكلُّ شيءٍ خَلَصَ، فَقَدْ نَصَحَ، فأصل النُّصْح في اللُّغة: الخُلوص، والنُّصْح نقيض الغِشِّ .
معنى النَّصِيحَة اصطلاحًا:
قال الخطابي: (النَّصِيحَة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له) .
وقال الجرجاني: (النصح: إخلاص العمل عن شوائب الفساد. والنَّصِيحَة: هي الدعاء إلى ما فيه الصلاح، والنهي عما فيه الفساد) .

محمد رافع 52
15-06-2013, 10:04 PM
الفرق بين النَّصِيحَة والتعيير

أن النصيحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1518) والتعيير يشتركان في أن كلًّا منهما ذكر للإنسان بما يكره ذكره، ويفترقان في أنَّ النصيحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1518) فيها مصلحةٌ لعامة المسلمين أو لخاصتهم أو مصلحة المنصوح نفسه، أما التعيير فالمقصود منه مجرد الذم والعيب، وإظهار السوء وإشاعته وإن ظهر في قالب النصح .

محمد رافع 52
16-06-2013, 10:34 PM
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى حكاية عن نوح عليه السلام: قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 61-62].
(أي: وظيفتي تبليغكم، ببيان توحيده وأوامره ونواهيه، على وجه النَّصِيحَة لكم والشفقة عليكم) .
- وقال سبحانه حكاية عن هود عليه السلام: قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف: 67-68].
(أي: ناصح لكم فيما أدعوكم إليه، أمين على ما أقول لكم لا أكذب فيه) .
- وقوله أيضًا حكاية عن صالح عليه السلام: يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ [الأعراف: 79].
- وكذلك قوله حكاية عن شعيب عليه السلام: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ [الأعراف: 93].
(فهذه النصوص القرآنية تفيد أن النَّصِيحَة من أبلغ ما يوجهها الأنبياء عليهم السلام إلى قومهم، وأنَّها تؤدي ثمارها في حالة السلب والإيجاب بالنسبة للنَّاصح، فإن قبلها القوم، عاد نفعها عليه وعليهم في الدنيا والآخرة، وإن رفضوها، فالنتيجة الحتمية هي العذاب لهم، والأجر للناصح. إذًا فكلُّ ناصح فهو مأجور على نصيحته مهما كانت النتائج، وذلك إذا خلصت نيته، وعمل بتوجيهات الربِّ سبحانه وتعالى) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 10:36 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الدين النَّصِيحَة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) .
قال الخطابي: (فمعنى النَّصِيحَة لله سبحانه، صحة الاعتقاد في وحدانيته، وإخلاص النية في عبادته، والنَّصِيحَة لكتاب الله، الإيمان به والعمل بما فيه، والنَّصِيحَة لرسوله، التصديق بنبوته، وبذل الطاعة له فيما أمر به ونهى عنه، والنَّصِيحَة لأئمة المؤمنين، أن يطيعهم في الحقِّ، وأن لا يرى الخروج عليهم بالسيف إذا جاروا، والنَّصِيحَة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم) .
وقال النووي: (هذا حديث عظيم الشأن، وعليه مدار الإسلام... وأما ما قاله جماعات من العلماء، أنه أحد أرباع الإسلام أي: أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحده) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حق المسلم على المسلم ست. قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فشمِّته وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)) .
(قوله: ((وإذا استنصحك فانصح له)) أي: إذا استشارك في عمل من الأعمال: هل يعمله أم لا، فانصح له بما تحبُّه لنفسك. فإن كان العمل نافعًا من كلِّ وجه، فحثه على فعله، وإن كان مضرًّا، فحذره منه، وإن احتوى على نفع وضرر، فاشرح له ذلك، ووازن بين المصالح والمفاسد. وكذلك إذا شاورك على معاملة أحد من الناس، أو تزويجه، أو التزوج منه، فابذل له محض نصيحتك، وأعمل له من الرأي ما تعمله لنفسك، وإيَّاك أن تغشه في شيء من ذلك. فمن غشَّ المسلمين فليس منهم، وقد ترك واجب النَّصِيحَة. وهذه النَّصِيحَة واجبة مطلقًا، ولكنها تتأكد إذا استنصحك، وطلب منك الرأي النَّافع، ولهذا قيده في هذه الحالة التي تتأكد) .
- وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكلِّ مسلم)) .
قال العيني: (وقال الخطابي: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم النَّصِيحَة للمسلمين شرطًا في الذي يبايع عليه كالصلاة، والزكاة، فلذلك تراه قرنها بهما) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه)) .
قال المناوي: (أي: يبصر من نفسه بما لا يراه بدونه، ولا ينظر الإنسان في المرآة إلا وجهه ونفسه، ولو أنه جهد كلَّ الجهد أن يرى جرم المرآة لا يراه؛ لأنَّ صورة نفسه حاجبة له، وقال الطيبي: إنَّ المؤمن في إراءة عيب أخيه إليه،كالمرآة المجلُوَّة التي تحكي كلَّ ما ارتسم فيها من الصور، ولو كان أدنى شيء، فالمؤمن إذا نظر إلى أخيه يستشف من وراء حاله تعريفات، وتلويحات، فإذا ظهر له منه عيب قادح كافحه، فإن رجع صادقه، وقال العامري: معناه كن لأخيك كالمرآة تريه محاسن أحواله، وتبعثه على الشكر، وتمنعه من الكبر، وتريه قبائح أموره بلين في خفية، تنصحه ولا تفضحه، هذا في العامَّة، أما الخواص فمن اجتمع فيه خلائق الإيمان، وتكاملت عنده آداب الإسلام، ثم تجوهر باطنه عن أخلاق النفس، ترقى قلبه إلى ذروة الإحسان، فيصير لصفائه كالمرآة، إذا نظر إليه المؤمنون، رأوا قبائح أحوالهم في صفاء حاله، وسوء آدابهم في حسن شمائله) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 10:39 PM
أقوال السلف والعلماء في النَّصِيحَة

- سئل ابن عباس رضي الله عنهما، عن أمر السلطان بالمعروف، ونهيه عن المنكر، فقال: (إن كنت فاعلًا ولابد، ففيما بينك وبينه) .
- وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل: (ليس على المسلم نصح الذِّمِّي، وعليه نصح المسلم) .
- وقال الفضيل بن عياض: (الحبُّ أفضل من الخوف، ألا ترى إذا كان لك عبدان أحدهما يحبك، والآخر يخافك، فالذي يحبك منهما ينصحك شاهدًا كنت أو غائبًا لحبِّه إياك، والذي يخافك عسى أن ينصحك إذا شهدت لما يخاف، ويغشَّك إذا غبت ولا ينصحك) .
- وقال الحسن: (إنك لن تبلغ حقَّ نصيحتك لأخيك، حتى تأمره بما تعجز عنه) .
- وسئل ابن المبارك أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: (النصح لله، قيل: فالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؟، قال: جهده إذا نصح أن لا يأمر ولا ينهى) .
- وقال عمر بن عبد العزيز: (لو أنَّ المرء لا يعظ أخاه حتى يحكم أمر نفسه، ويكمل الذي خلق له من عبادة ربه، إذن لتواكل الناس الخير، وإذن يرفع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقلَّ الواعظون والساعون لله عزَّ وجلَّ بالنَّصِيحَة في الأرض) .
- وقال الفضيل بن عياض: (ما أدرك عندنا من أدرك بكثرة الصلاة والصيام، وإنما أدرك عندنا بسخاء الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة) .
- وقال معمر: (كان يقال: أنصح الناس لك من خاف الله فيك. وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرًّا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه) .
- وقال الفضيل: (المؤمن يستر وينصح، والفاجر يهتك ويعير) .
- وقال عبد العزيز بن أبي رواد: (كان من كان قبلكم إذا رأى الرجل من أخيه شيئًا، يأمره في رفق، فيؤجر في أمره ونهيه، وإن أحد هؤلاء يخرق بصاحبه، فيستغضب أخاه ويهتك ستره) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 10:41 PM
فوائد النَّصِيحَة

1- النَّصِيحَة لبُّ الدين، وجوهر الإيمان.
2- النصيحة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1518) دليل حبِّ الخير للآخرين، وبغض الشرِّ لهم.
3- تكثير الأصحاب؛ إذ إنه يؤمن منه الجانب، وتقليل الحساد؛ إذ إنه لا يحب لغيره الشر والفساد.
4- صلاح المجتمع؛ إذ تشاع فيه الفضيلة، وتستر فيه الرذيلة.
5- إحلال الرحمة، والوداد مكان القسوة والشقاق.
6- من قام بها على وجهها يستحق الإكرام لا اللوم والتقريع.