مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة الأخلاق الإسلامية


الصفحات : 1 2 3 4 [5] 6

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:53 AM
حسد المنافقين

المنافقون يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر والعداوة، وتكاد قلوبهم تشقق حسدًا وغيظًا وحقدًا، قال تعالى: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران: 120] قال ابن كثير: (وهذه الحال دالة على شدة العداوة منهم للمؤمنين، وهو أنه إذا أصاب المؤمنين خصب ونصر وتأييد، وكثروا وعز أنصارهم؛ ساء ذلك المنافقين، وإن أصاب المسلمين سنة أي جدب، أو أديل عليهم الأعداء لما لله تعالى في ذلك من الحكمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/452) كما جرى يوم أحد، فرح المنافقون بذلك) . وقال تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ [محمد: 29] قال ابن كثير: (أيعتقد المنافقون أنَّ الله لا يكشف أمرهم لعباده المؤمنين، بل سيوضح أمرهم، ويجليه حتى يفهمهم ذوو البصائر، وقد أنزل الله تعالى في ذلك سورة براءة، فبيَّن فيها فضائحهم، وما يعتمدونه من الأفعال الدالة على نفاقهم، ولهذا كانت تسمى الفاضحة، والأضغان: جمع ضغن، وهو ما في النفوس من الحسد، والحقد للإسلام وأهله والقائمين بنصره) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:55 AM
علامات الحاسد

قال الجاحظ: (وما لقيت حاسدًا قط إلا تبين لك مكنونه بتغير لونه، وتخوُّص عينه، وإخفاء سلامه، والإقبال على غيرك، والإعراض عنك، والاستثقال لحديثك، والخلاف لرأيك) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:56 AM
من أخبار التحاسد

- كان الخليفة الناصر الأندلسي قد وشح ابنه الحكم، وجعله ولي عهده، وآثره على جميع ولده، ودفع إليه كثيرًا من التصرف في دولته، فحسده أخوه عبد الله، فأضمر في نفسه الخروج على أبيه، وتحدث مع من داخله شيء من أمر الحكم من رجالات أبيه، فأجابه بعضهم، ثم إنَّ الخبر بلغ الخليفة الناصر، فاستكشف أمرهم، وقبض على ابنه عبد الله وعلى جميع من معه، و***هم أجمعين سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة .
- كان جنكيز خان سنَّ لقومه الياسق يتحاكمون إليه، وقرر فيه *** من رعف وسال منه الدم وهو يأكل، وقرر لهم أن من لم يمضِ حكم الياسق ***، وأراد أن ي*** بعض من حوله من كبار قومه للتحاسد الذي يظهر منهم، فتركهم يومًا وهم على سماطه ورَعَّف نفسه، فلم يجسر أحد أن يمضي فيه حكم الياسق لمهابته وجبروته، فتركوه ولم يطالبوه بما قرره، وهابوه في ذلك، فتركهم أيامًا، ثم جمع مقدميهم وأمراءهم، وقال: لأي شيء ما أمضيتم فيَّ حكم الياسق، وقد رعفت وأنا آكل بينكم؟ قالوا: لم نجسر على ذلك، فقال: لم تعملوا بالياسق ولا أمضيتم أمره، وقد وجب ***كم، ف***هم أجمعين .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:58 AM
من نوادر التحاسد

قال الشعبي: (وجهني عبد الملك إلى ملك الروم، فلما انصرفت دفع إليَّ كتابًا مختومًا، فلما قرأه عبد الملك رأيته تغير، وقال: يا شعبي، أعلمت ما كتب هذا الكلب؟ قلت: لا، قال: إنه كتب: لم يكن للعرب أن تملك إلا من أرسلت به إليَّ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، إنه لم يركَ، ولو رآك لكان يعرف فضلك، وإنه حسدك على استخدامك مثلي! فَسُرِّي عنه) .
وقال الأصمعي: (كان رجل من أهل البصرة بذيئًا شريرًا، يؤذي جيرانه ويشتم أعراضهم، فأتاه رجل فوعظه، فقال له: ما بال جيرانك يشكونك؟ قال: إنهم يحسدونني؛ قال له: على أي شيء يحسدونك؟ قال: على الصلب، قال: وكيف ذاك؟ قال: أقبل معي. فأقبل معه إلى جيرانه، فقعد متحازنًا، فقالوا له: ما لك؟ قال: طرق الليلة كتاب معاوية: أني أصلب أنا ومالك بن المنذر وفلان وفلان - فذكر رجالًا من أشراف أهل البصرة - فوثبوا عليه، وقالوا: يا عدو الله، أنت تصلب مع هؤلاء ولا كرامة لك؟! فالتفت إلى الرجل فقال: أما تراهم قد حسدوني على الصلب، فكيف لو كان خيرًا!) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 10:01 AM
تحاسد بعض طلبة العلم والأقران

قد يجرُّ التنافس بين بعض طلبة العلم إلى الوقوعِ في بعض التحاسد، قال الذهبي: (كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة، أو لمذهب، أو لحسد، وما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤف رحيم) .
وذكر الغزالي حال بعض أولئك الحسدة؛ فقال: (واحذر مخالطة متفقهة الزمان، لا سيما المشتغلين بالخلاف والجدال واحذر منهم؛ فإنهم يتربصون بك- لحسدهم- ريب المنون، ويقطعون عليك بالظنون، ويتغامزون وراءك بالعيون، ويحصون عليك عثراتك في عشرتهم، حتى يجابهوك بها في حال غيظهم ومناظرتهم، لا يقيلون لك عثرة، ولا يغفرون لك زلة، ولا يسترون لك عورة، يحاسبونك على النقير ، والقطمير ، ويحسدونك على القليل والكثير، ويحرضون عليك الإخوان بالنَّمِيمَة، والبلاغات، والبهتان، إن رضوا فظاهرهم الملق، وإن سخطوا فباطنهم الحنق، ظاهرهم ثياب، وباطنهم ذئاب. هذا ما قطعت به المشاهدة على أكثرهم، إلا من عصمه الله تعالى؛ فصحبتهم خسران، ومعاشرتهم خذلان. هذا حكم من يظهر لك الصداقة، فكيف من يجاهرك بالعداوة) .
وقد نهى العلماء عن الخوض في أهل العلم بلا برهان واضح وبينة ساطعة، قال ابن عبد البر: (لا يقبل فيمن صحت عدالته، وعلمت بالعلم عنايته، وسلم من الكبائر، ولزم المروءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1344) والتصاون ، وكان خيره غالبًا، وشرُّه أقل عمله، فهذا لا يقبل فيه قول قائل لا برهان له به، وهذا هو الحقُّ الذي لا يصحُّ غيره إن شاء الله، قال أبو العتاهية:

بكى شجوه الإسلام من علمائه *** فما اكترثوا لما رأوا من بكائه



فأكثرهم مستقبح لصواب من *** يخالفه مستحسن لخطائه



فأيهم المرجو فينا لدينه *** وأيهم الموثوق فينا برأيه)

محمد رافع 52
07-09-2013, 10:07 AM
وصف البلغاء والحكماء للحسد

قد أكثر الكتاب والبلغاء والحكماء من وصف الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والتحذير منه، وما ذاك إلا لشديد قبحه ودناءته؛ ومن ذلك:
قال بعض الحكماء: (ما أمحق للإيمان، ولا أهتك للستر، من الحسد، وذلك أنَّ الحاسد معاند لحكم الله، باغٍ على عباده، عاتٍ على ربه، يعتدُّ نعم الله نقمًا، ومزيده غيرًا، وعدل قضائه حيفًا ، للناس حال وله حال، ليس يهدأ ولا ينام جشعه، ولا ينفعه عيشه، محتقر لنعم الله عليه، متسخط ما جرت به أقداره، لا يبرد غليله ، ولا تؤمن غوائله ؛ إن سالمته وَتَرك ، وإن واصلته قطعك، وإن صرمته سبقك) .
وسئل بعض الحكماء: أي أعدائك لا تحبُّ أن يعود لك صديقًا؟ قال: (الحاسد الذي لا يرده إلى مودتي إلا زوال نعمتي) .
وقيل: (من صغر الهمة الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) للصديق على النعمة) .
وقيل: (ليس من الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) سرور) .
وقيل: (من علامات الحاسد أن يتملق إذا شهد، ويغتاب إذا غاب، ويشمت بالمصيبة إذا نزلت) .
وقيل: (الحاسد إذا رأى نعمة بهت، وإذا رأى عثرة شمت) .
وقيل: (الحاسد يعمى عن محاسن الصبح) .
وقيل: (الناس حاسد ومحسود، ولكل نعمة حسود)

محمد رافع 52
07-09-2013, 10:22 AM
ذم الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) في واحة الشعر

أكثر الشعراء من ذكر الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والحساد، وأطنبوا في وصف ذلك الخلق الذميم والتندر بأصحابه، ومن ذلك:
قال ابن المعتز:


ما عابني إلا الحسو *** دُ وتلك من خيرِ المعايب



وإذا فقدتُ الحاسديـ *** ن فقدتُ في الدنيا المطايب



وقال محمود الوراق:


أعطيت كلَّ الناسِ من نفسي الرضا *** إلا الحسودَ فإنَّه أعياني



لا أنَّ لي ذنبًا لديه علمتُه *** إلَّا تظاهر نعمةِ الرحمنِ



يطوي على حنقٍ حشاه لأن رأى *** عندي كمالَ غنى وفضلَ بيانِ



ما إن أرى يرضيه إلا ذلَّتي *** وذهابُ أموالي وقطعُ لساني



وقال الطغرائي:


جاملْ عدوَّك ما استطعتَ فإنَّه *** بالرفقِ يطمع في صلاح الفاسدِ



واحذرْ حسودَك ما استطعت فإنَّه *** إن نمت عنه فليس عنك براقدِ



إنَّ الحسودَ وإن أراك توددًا *** منه أضرُّ من العدو الحاقدِ



ولربما رضي العدوُّ إذا رأى *** منك الجميلَ فصار غير معاندِ



ورضا الحسودِ زوالُ نعمتك التي *** أوتيتها من طارف أو تالدِ



فاصبرْ على غيظِ الحسود فنارُه *** ترمي حشاه بالعذابِ الخالدِ



تضفو على المحسودِ نعمةُ ربِّه *** ويذوبُ من كمدٍ فؤادُ الحاسدِ



وقال المعافى بن زكريا النهرواني:


ألا قلْ لمن كان لي حاسدًا *** أتدري على من أسأت الأدبْ



أسأتَ على الله في فعلِه *** لأنَّك لم ترضَ لي ما وهبْ



فأخزاك عنه بأن زادني *** وسدَّ عليك وجوهَ الطلبْ



وقال الطائي:


وإذا أراد الله نشرَ فضيلةٍ *** طُويت أتاح لها لسانَ حسودِ



لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورتْ *** ما كان يُعرفُ طيبُ عرفِ العودِ



لولا التخوفُ للعواقبِ لم تزلْ *** للحاسدِ النعمى على المحسودِ



وقال أبو الأسود:


حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيَه *** فالقومُ أعداءٌ له وخصومُ



كضرائرِ الحسناءِ قلنَ لوجهِها *** حسدًا وبغيًا إنَّه لدميمُ



والوجهُ يشرقُ في الظلامِ كأنَّه *** بدرٌ منيرٌ والنساءُ نجومُ



وترَى اللبيبَ محسدًا لم يجترمْ *** شتمَ الرجالِ وعرضُه مشتومُ



وكذاك مَن عظمتْ عليه نعمةٌ *** حسادُه سيفٌ عليه صرومُ



فاتركْ محاورةَ السفيهِ فإنَّها *** ندمٌ وغبٌّ بعدَ ذاك وخيمُ



وقال آخر:


إن يحسدوني فإني غيرُ لائمِهم *** قبلي مِن الناسِ أهلِ الفضلِ قد حُسدوا



فدامَ لي ولهم ما بي وما بهم *** ومات أكثرُنا غيظًا بما يجدُ



أنا الذي يجدوني في صدورِهم *** لا أرتقي صدرًا منها ولا أردُ



وقال أبو الحسن التهامي:


إني لأرحمُ حاسديَّ لحرِّ ما *** ضمَّت صدورُهم من الأوغارِ



نظروا صنيعَ الله بي فعيونُهم *** في جنةٍ وقلوبُهم في نارِ



وقال آخر:


كلُّ العداواتِ قد تُرجَى مودتُها *** إلا عداوةَ مَن عاداك مِن حسدِ



وقال آخر:


ما يُحسدُ المرء إلا مِن فضائلِه *** بالعلمِ والظرفِ أو بالبأسِ والجودِ



وقال آخر:


اصبرْ على حسدِ الحسو*** دِ فإنَّ صبرَك قاتلُه



النارُ تأكلُ بعضَها *** إن لم تجدْ ما تأكلُه

محمد رافع 52
07-09-2013, 10:25 AM
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=S-IqUrCgIcrC7AaW0IDIBg&psig=AFQjCNE-I3Jn4iwkLHtPssouXSD4rmJKgw&ust=1378628555608803)

الحقد
معنى الحقد لغةً واصطلاحًا

معنى الحقد لغةً:
الحِقْدُ: الضِغْن، وهو إمساك العداوة في القلب، والتربص لفرصتها، والجمع أَحْقادٌ وحُقود وحقائد. وتقول: حَقَدَ عليه يَحْقِد حِقْدًا، وحَقِد عليه بالكسر حَقَدًا لغةً. وأَحْقَدَهُ غيره صيره حاقدًا. ورجل حَقود .
معنى الحقد اصطلاحًا:
هو إضمار الشر للجاني إذا لم يتمكن من الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) منه، فأخفى ذلك الاعتقاد إلى وقت إمكان الفرصة .
وقال الجرجاني: الحقد هو (سوء الظنِّ في القلب على الخلائق لأجل العداوة) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 10:29 AM
الفرق بين الموجدة والحقد

ذكر ابن القيم فروقًا بين الموجدة والحقد فقال: (أن الوجد: الإحساس بالمؤلم، والعلم به، وتحرك النفس في رفعه؛ فهو كمال.
وأما الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) فهو إضمار الشرِّ، وتوقعه كلَّ وقت فيمن وجدت عليه، فلا يزايل القلب أثره.
وفرق آخر: وهو أن الموجدة لما ينالك منه، والحقد لما يناله منك، فالموجدة وجد ما نالك من أذاه، والحقد توقع وجود ما يناله من المقابلة، فالموجدة سريعة الزوال، والحقد بطيء الزوال، والحقد يجيء مع ضيق القلب، واستيلاء ظلمة النفس، ودخانها عليه، بخلاف الموجدة فإنها تكون مع قوته، وصلابته، وقوة نوره، وإحساسه) .

احمد الشحات
08-09-2013, 02:06 AM
جزاك الله خيرا

محمد رافع 52
10-09-2013, 08:52 PM
جزاك الله خيرا
بارك الله فيك اخى الكريم

محمد رافع 52
10-09-2013, 08:56 PM
ذم الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) في الكتاب والسنة


أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة: 204-205]
- وقال سبحانه: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ [الأعراف: 43].
- وقال عز وجل: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47-48].
قال الطبري: (وأذهبنا من صدور هؤلاء الذين وَصَف صفتهم، وأخبر أنهم أصحاب الجنة، ما فيها من حقد وغِمْرٍوعداوة، كان من بعضهم في الدنيا على بعض، فجعلهم في الجنة إذا أدخلوها على سُرُر متقابلين، لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خصَّ الله به بعضهم، وفضله من كرامته عليه، تجري من تحتهم أنهار الجنة) .

وقال القرطبي: (ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة؛ نزع الغل من صدورهم. والنزع: الاستخراج والغل:
الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) الكامن في الصدر. والجمع غلال) .
وقال السعدي: (وهذا من كرمه وإحسانه على أهل الجنة، أن الغل الذي كان موجودًا في قلوبهم، والتنافس الذي بينهم، أن الله يقلعه ويزيله حتى يكونوا إخوانًا متحابين، وأخلاء متصافين ... ويخلق الله لهم من الكرامة ما به يحصل لكل واحد منهم الغبطة والسرور، ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم نعيم. فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض، لأنه قد فقدت أسبابه) .
(ولما كانت الجنة دار سعادة ونعيم عام وشامل كان لا بد لأصحابها من أن يكونوا مبرئين من كل حقد وغل، ومن كل علة خلقية تسبب لهم آلامًا وأكدارًا، وقد وصف الله أهل دار النعيم يوم القيامة بأنهم مبرؤون من كلِّ غلٍّ، وما كان من غلٍّ في صدورهم في الدنيا، فإن الله ينزعه منها متى دخلوا الجنة) .

محمد رافع 52
10-09-2013, 08:58 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن جابر رضي الله عنه قال: ((تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه، ويرد أهل الضغائن بضغائنهم حتى يتوبوا)). قال المنذري: الضغائن: هي الأحقاد .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا جلوسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من وضوئه، قد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضًا، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاحيت أبي، فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثًا، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت. قال: نعم. قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي، فلم يره يقوم من الليل شيئًا غير أنه إذا تعارَّ –تقلَّب على فراشه- ذكر الله عز وجل، وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث الليالي، وكدت أن أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله، لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت، غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشًّا، ولا أحسد أحدًا على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك. وفي رواية البزار- سمى الرجل المبهم سعدًا- وقال في آخره: فقال سعد: ما هو إلا ما رأيت يا ابن أخي؛ إلا أني لم أبت ضاغنًا على مسلم. أو كلمة نحوها)) .
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: ((قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد)) .

محمد رافع 52
10-09-2013, 09:00 PM
أقوال السلف والعلماء في الحقد

- قال: عثمان رضي الله عنه: (ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله- عز وجل- على صفحات وجهه وفلتات لسانه) -
وقال زيد بن أسلم رضي الله عنه: (دخل على أبي دجانة وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟ فقال: ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، أما الأخرى فكان قلبي للمسلمين سليمًا) .
- وقال ابن حجر الهيتمي: (الحسد من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب) .
- وقال أبو حاتم: (الحقد أصل الشرِّ، ومن أضمر الشر في قلبه أنبت له نباتًا مرًّا مذاقه، نماؤه الغيظ، وثمرته الندم) .
و(كان يقال: الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) داء دوي. ويقال: من كثر حقده، دوي قلبه. ويقال: الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) مفتاح كلِّ شرٍّ. ويقال: حلَّ عقد الحقد، ينتظم لك عقد الود. ويقال: الحقود والحسود لا يسودان) .

محمد رافع 52
10-09-2013, 09:02 PM
آثار الحقد

إنَّ الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) حمل ثقيل يتعب حامله، يحمله الجاهل في صدره فيشقي به نفسه، ويفسد به فكره، ويشغل به باله، ويقض به مضجعه، ويكثر به همه وغمه، إنه كحمل من أحمال الشوك الملتهب الحار، المحشو بصخور ثقيلة محمية تنفث السموم التي تلتهب منها الصدور، ويظل الجاهل الأحمق يحمل هذا الحمل الخبيث مهما حل أو ارتحل، حتى يشفي حقده بالانتقام ممن يحقد عليه
ومن آثاره:
1- أنه (يثمر الحسد، وهو أن يحملك الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) على أن تتمنى زوال النعمة عنه؛ فتغتم بنعمة إن أصابها، وتسر بمصيبة إن نزلت به.
2- الشماتة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2294) بما أصابه من البلاء.
3- الهجران والمقاطعة.
4- الإعراض عنه استصغارًا له.
5- التكلم فيه بما لا يحل من كذب، وغيبة، وإفشاء سر، وهتك ستر، وغيره.
6- محاكاته استهزاء به، وسخرية منه.
7- إيذاؤه بالضرب وما يؤلم بدنه.
8- منعه من حقه من قضاء دين، أو صلة رحم، أو رد مظلمة) .
9- الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) من مظاهر دنو الهمة، فهو لا يصدر من النبلاء، ولا يليق بالعقلاء.
10- الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) ينبت سوء الظن، وتتبع العورات، والهمز واللمز، والغيبة والنَّمِيمَة.
11- ومن مضار الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) أيضًا أنه يقتضي التشفي والانتقام.
12- جحد الحق وعدم اتباعه.

محمد رافع 52
10-09-2013, 09:04 PM
حكم الحقد
ذكر العلماء أنَّ الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) من الكبائر وأورد ابن حجر الهيتمي في كتابه (الزواجر) أن من الكبائر الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) بالباطل والحقد والحسد، وذكر سبب جمعه لهذه الكبائر الثلاث بقوله: (لما كانت هذه الثلاثة بينها تلازم وترتب، إذ الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) كانت بمنزلة خصلة واحدة، وذم كل يستلزم ذم الآخر، لأن ذم الفرع وفرعه يستلزم ذم الأصل وأصله وبالعكس) .

محمد رافع 52
10-09-2013, 09:06 PM
ما يباح من الحقد

لا يجوز أن يحقد المسلم على أخيه المسلم، أما الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) على اليهودي الذي ي*** المسلمين في فلسطين، والنصراني الحاقد، والشيوعي الملحد، والهندوسي الذين يحرق مساجد المسلمين وي***هم، فالحقد في حقهم محمود مطلوب، قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [التوبة: 14-15].
ولا يزول حقد المسلم على الكافر إلا أن يسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والله، لينزلن ابن مريم حكمًا عادلًا، فليكسرن الصليب، ولي***ن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص، فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعونَّ إلى المال فلا يقبله أحد)) .
(قال الأشرف: إنما تذهب الشحناء والتباغض والتحاسد يومئذ؛ لأن جميع الخلق يكونون يومئذ على ملة واحدة، وهي الإسلام، وأعلى أسباب التباغض وأكثرها هو اختلاف الأديان) .

محمد رافع 52
10-09-2013, 09:10 PM
أسباب الحقد

1- المماراة والمنافسة:
قال الغزالي: (وأشدُّ الأسباب لإثارة نار الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) بين الإخوان المماراة والمنافسة، فإنها عين التدابر والتقاطع، فإن التقاطع يقع أولًا بالآراء، ثم بالأقوال ثم بالأبدان).
2- كثرة المزاح:
المزاح الذي يخرج عن حدِّه يغرس الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) في القلوب، قال الأبشيهي: (المزاح يخرق الهيبة، ويذهب بماء الوجه، ويعقب الحقد، ويذهب بحلاوة الإيمان والود).
3- الخصومة:
قال النووي: (والخصومة توغر الصدور، وتهيج الغضب، وإذا هاج الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) حصل الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) بينهما، حتى يفرح كل واحد بمساءة الآخر، ويحزن بمسرته، ويطلق اللسان في عرضه).
4- الكراهية الشديدة.
5- الرغبة في الانتقام، وإنزال السوء بمن يكرهه الحاقد .
6- إذا فات الشخص ما يتمناه لنفسه وحصل لغيره:
فـ(المسلم يجب أن يكون أوسع فكرة، وأكرم عاطفة، فينظر إلى الأمور من خلال الصالح العام، لا من خلال شهواته الخاصة.
وجمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) في أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما يتمنونه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكف أخرى، وهذه هي الطامة التي لا تدع لهم قرارًا!!
وقديمًا رأى إبليس أن الحظوة التي يتشهاها قد ذهبت إلى آدم، فآل ألا يترك أحدًا يستمتع بها بعد ما حرمها. قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 16-17].
هذا الغليان الشيطاني هو الذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم. وقد أهاب الإسلام بالناس أن يبتعدوا عن هذا المنكر، وأن يسلكوا في الحياة نهجًا أرقى وأهدأ) .

محمد رافع 52
10-09-2013, 09:14 PM
وسائل علاج الحقد

1- الدعاء:
المسلم يدعو الله أن يجعل قلبه طاهرًا نقيًّا من الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والغل قال تعالى: وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر: 10].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول: ((رب أعني ولا تعن عليَّ، وانصرني ولا تنصر عليَّ، وامكر لي ولا تمكر عليَّ، واهدني ويسر الهدي لي، وانصرني على من بغى عليَّ، رب اجعلني لك شاكرًا، لك ذاكرًا، لك راهبًا، لك مطواعًا، إليك مخبتًا أو منيبًا، تقبل توبتي، واغسل حوبتي ، وأجب دعوتي، وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي))
. والسخيمة هي الحقْدُ في النفسِ.
2- سلامة الصدر:
وسلامة الصدر تكون بعدم الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والغل والبغضاء، فعن الزبير بن العوام رضي الله عنه، قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((دبَّ إليكم داء الأُمم قبلكم:... البغضاء، والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؛ أفشوا السلام بينكم)).
3- تقوية رابط الأخوة الإيمانية:
إن الأخوة الإيمانية والغل لا يجتمعان في قلب واحد، إن عاطفة المؤمن نحو إخوانه المؤمنين تتدفق بالمحبة، فكيف يجد الغل إلى هذه العاطفة الكريمة سبيلًا؟! إنهما أمران لا يجتمعان.
قال تعالى: لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 8-9].
4- التواضع:
لا شك أنَّ تواضع المسلم لأخيه المسلم يدفع بالأغلال والأحقاد، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد)) .
وقال أبو حاتم: (التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويذهب الصد) .
5- ملء القلب بالمحبة وإرادة الخير للآخرين.
6- اعتذار المرء لأخيه:
قال أبو حاتم: (الاعتذار يذهب الهموم، ويجلي الأحزان، ويدفع الحقد، ويذهب الصدَّ... فلو لم يكن في اعتذار المرء إلى أخيه خصلة تحمد إلا نفي التعجب عن النفس في الحال، لكان الواجب على العاقل أن لا يفارقه الاعتذار عند كل زلة) .
7- تقديم الهدية:
قال صلى الله عليه وسلم: ((تهادوا تحابوا)).
(وذلك لأن الهدية خلق من أخلاق الإسلام دلت عليه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وحث عليه خلفاؤهم الأولياء، تؤلف القلوب، وتنفي سخائم الصدور) .

8- ترك
الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) الذي هو سبب للأحقاد:
الغضب يعتبر من الأسباب التي تؤدي إلى الحقد، فإذا اختلف شخص مع آخر في أمر ما غضب عليه، ثم الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) يتحول إلى الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) وإرادة الانتقام.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: للرجل الذي أمره أن يوصيه: ((لا تغضب فردد مرارًا، قال: لا تغضب)) .
9- الإخلاص والمناصحة ولزوم الجماعة:
فعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم، فإن الدعوة تحيط من ورائهم))
قال ابن تيمية: (ويغل: بالفتح هو المشهور ويقال: غلى صدره فغل إذا كان ذا غش وضغن وحقد).
وقال ابن القيم: (أي: لايحمل الغل، ولا يبقى فيه مع هذه الثلاثة، فإنها تنفى الغل والغش، وهو فساد القلب وسخايمه، فالمخلص لله إخلاصه يمنع غل قلبه ويخرجه ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبق فيه موضع للغل والغش).

محمد رافع 52
12-09-2013, 12:24 PM
سلامة القلب من الأحقاد
القلب السليم سبب من أسباب النجاة يوم القيامة؛ قال الله تعالى حكاية عن إبراهيم: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء: 87-89]، والقلب السليم هو الذي سلم من الشرك والنفاق، ومن الغلِّ والحقد والحسد.
ووصف الله عزَّ وجلَّ أهل الجنة بسلامة القلب فقال: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ [الحجر: 47]، و(ليس أروح للمرء، ولا أطرد لهمومه، ولا أقرَّ لعينه من أن يعيش سليم القلب، مبرأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمة تنساق لأحد رضي بها، وأحس فضل الله فيها، وفقر عباده إليها، وذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم ما أصبح بي من نعمة، أو بأحد من خلقك، فمنك وحدك لا شريك لك، فلك الحمد ولك الشكر)) .
(وإذا رأى أذى يلحق أحدًا من خلق الله رثى له، ورجا الله أن يفرج كربه، ويغفر ذنبه... وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضيًا عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) الأعمى، فإنَّ فساد القلب بالضغائن داء عياء، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائل من الإناء المثلوم!..والإسلام يحارب الأحقاد وي*** جرثومتها في المهد، ويرتقي بالمجتمع المؤمن إلى مستوى رفيع من الصداقات المتبادلة، أو المعاملات العادلة، وقد اعتبر الإسلام من دلائل الصغار وخسة الطبيعة، أن يرسب الغل في أعماق النفس فلا يخرج منه، بل يظل يموج في جوانبها، كما يموج البركان المكتوم، وكثير من أولئك الذين يحتبس الغل في أفئدتهم، يتلمسون متنفسًا له في وجوه من يقع معهم، فلا يستريحون إلا إذا أرغوا وأزبدوا، وآذوا وأفسدوا) .

محمد رافع 52
12-09-2013, 12:27 PM
نماذج في سلامة القلب من الحقد
النبي صلى الله عليه وسلم القدوة في الأخلاق الحسنة، ومنها سلامة الصدر (http://dorar.net/enc/akhlaq/646) من الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والضغائن، وقد ذكر ابن القيم سلامة الصَّدر، من منازل إياك نعبد وإياك نستعين، فقال: (ومن أراد فهم هذه الدرجة كما ينبغي فلينظر إلى سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس يجدها بعينها) .
وهكذا كان أصحاب رسول لله قلوبهم سليمة من الأحقاد والضغائن، ومن تلك النماذج ما رواه أبو الدرداء رضي الله عنه، قال: ((كنت جالسًا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما صاحبكم فقد غامرفسلم، وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى عليَّ، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا، ثم إن عمر ندم، فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر؟ فقالوا: لا فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر، حتى أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه، فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر: صدق، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟! مرتين، فما أُوذي بعدها)) .
وعن عائذ بن عمرو، ((أنَّ أبا سفيان، أتى على سلمان، وصهيب، وبلال في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها، قال فقال أبو بكر: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟! فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك. فأتاهم أبو بكر فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي)) .
وقد تأسى العلماء الربانيون بالنبي صلى الله عليه وسلم، فتخلقوا بأخلاقه، فأصبحت قلوبهم سليمة لا تحمل حقدًا على أحد، حتى على من آذاهم، ومن هؤلاء ابن تيمية يقول ابن القيم: (وما رأيت أحدًا قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه، وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأعدائه وخصومه، وما رأيته يدعو على أحد منهم قط، وكان يدعو لهم وجئت يومًا مبشرًا له بموت أكبر أعدائه، وأشدهم عداوة وأذى له؛ فنهرني وتنكَّر لي واسترجع، ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم، وقال: إني لكم مكانه، ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه، ونحو هذا من الكلام، فسُرُّوا به، ودعوا له، وعظموا هذه الحال منه) .

محمد رافع 52
12-09-2013, 12:28 PM
أحوال المحقود
قال الغزالي: (للمحقود ثلاثة أحوال عند القدرة:
أحدها: أن يستوفي حقه الذي يستحقه من غير زيادة أو نقصان، وهو العدل.
الثاني: أن يحسن إليه بالعفو والصلة، وذلك هو الفضل.
الثالث: أن يظلمه بما لا يستحقه وذلك هو الجور وهو اختيار الأراذل، والثاني هو اختيار الصديقين، والأول هو منتهى درجات الصالحين) .

محمد رافع 52
12-09-2013, 12:30 PM
الألفاظ المترادفة للحقد

هناك ألفاظ عديدة وردت بمعنى الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) بمعناه الاصطلاحي، فيقال مثلًا: (في صدره: حقد، وضغن، وضغينة، وإحنة، ودمنة، وغل، وغمر، ووغر، ووغم، وحزازة، وطائلة، وغائلة، وحسيفة، وحسيكة، وسخيمة) .

محمد رافع 52
12-09-2013, 12:32 PM
حكم وأمثال في الحقد
- أحقد من جمل.
العرب تصف البعير بالحقد، وغلظة الكبد.
- ظاهر العتاب خير من باطن الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074).
- ويقال: ثلاثة لا يهنأ لصاحبها عيش، الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والحسد وسوء الخلق .

محمد رافع 52
12-09-2013, 12:34 PM
ذم الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) في واحة الشعر

الحقدُ داءٌ دفينٌ لا دواء له *** يبري الصدور إذا ما جمرُهُ حرثا



فاستشفِ منه بصفحٍ أو معاتبةٍ *** فإنما يُبرئُ المصدورَ ما نفثا



واجعل طلابَك بالأوتارِ ما عظمت *** ولا تكنْ لصغيرِ الأمرِ مُكْترثا

وقال محمد بن مقيس الأزدي:

فإنَّ الذي بيني وبين عشيرتي *** وبين بني عمي لمختلفُ جدا



إذا قدحوا لي نارَ حربٍ بزندِهم *** قدحتُ لهم في كلِّ مكرمةٍ زندا



وإن أكلوا لحمي وَفَرْتُ لحومَهم *** وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدا



ولا أحملُ الحقدَ القديمَ عليهم *** وليس رئيسُ القومِ مَن يحملُ الحقدا



وأعطيهم مالي إذا كنت واجدًا *** وإن قلَّ مالي لم أُكلفْهم رفدا

وقال هلال بن العلاء: (جعلت على نفسي ألا أكافئ أحدًا بشرٍّ ولا عقوق؛ اقتداء بهذه الأبيات:

لما عفوت ولم أحقد على أحد *** أرحت نفسي من غم العداوات



إني أحيي عدوي حين رؤيته *** لأدفع الشر عني بالتحيات



وأظهر البشر للإنسان أبغضه *** كأنه قد حشى قلبي مسرات


وأنشد أحمد بن عبيد عن المدائني:

ومن لم يغمض عينه عن صديقه *** وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب



ومن يتتبع جاهدًا كل عثرة *** يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب)

وقال عنترة:

لا يحملُ الحقدَ مَن تعلو به الرُّتبُ *** ولا ينالُ العلا مَن طبعُه الغضبُ

وقال ابن الرومي:

(وما الحقدُ إلا توأمُ الشكرِ في الفتى *** وبعضُ السجايا ينتسبن إلى بعضِ



فحيث ترى حقدًا على ذي إساءةٍ *** فثمَّ ترى شكرًا على حسنِ القرضِ



إذا الأرضُ أدَّت ريعَ ما أنت زارعٌ *** مِن البذرِ فيها فهي ناهيك من أرضِ)

محمد رافع 52
12-09-2013, 01:17 PM
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=S-IqUrCgIcrC7AaW0IDIBg&psig=AFQjCNE-I3Jn4iwkLHtPssouXSD4rmJKgw&ust=1378628555608803)

الخُبْث



معنى الخُبْث لغةً واصطلاحًا
معنى الخُبْث لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الطَّــيِّب، يقال: خبيثٌ، أي ليس بطيِّب، وخَبُثَ الشَّيء يَخْبُث خَبَاثة وخُبْثًا: صار فاسدًا رديئًا مكروهًا، فهو خَبِيث وبه خُبْثٌ وخَبَاثة، وأَخْبَث فهو مُخْبِث إذا صار ذا خُبْث وشَرٍّ، والمخْبِث الذي يعلِّم النَّاس الخُبْث .
معنى الخُبْث اصطلاحًا:
الخُبْث: هو إضمار الشَّرِّ للغير، وإظهار الخير له، واستعمال الغِيلة والمكر والخديعة في المعاملات .
وقال الكفوي: (الخُبْث هو ما يُكره رداءةً وخسَّةً، محسوسًا كان أو معقولًا، وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبح في الفعال) .

الأستاذة ام فيصل
12-09-2013, 07:52 PM
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:and9gct3wqykmq_gth7jqljavcoilpwboyu0p nk2gplwpbmuxbgwo-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2tcpglq4gzmajm&tbnid=23ub--qhchavvm:&ved=0cagqjrwwaa&url=http%3a%2f%2fahmadkelhy.blogspot.com%2f2012%2f 11%2fblog-post_2420.html&ei=s-iqurcgicrc7aaw0idibg&psig=afqjcne-i3jn4iwklhtpssouxsd4rmjkgw&ust=1378628555608803)


الخُبْث



معنى الخُبْث لغةً واصطلاحًا
معنى الخُبْث لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ على خلاف الطَّــيِّب، يقال: خبيثٌ، أي ليس بطيِّب، وخَبُثَ الشَّيء يَخْبُث خَبَاثة وخُبْثًا: صار فاسدًا رديئًا مكروهًا، فهو خَبِيث وبه خُبْثٌ وخَبَاثة، وأَخْبَث فهو مُخْبِث إذا صار ذا خُبْث وشَرٍّ، والمخْبِث الذي يعلِّم النَّاس الخُبْث .
معنى الخُبْث اصطلاحًا:
الخُبْث: هو إضمار الشَّرِّ للغير، وإظهار الخير له، واستعمال الغِيلة والمكر والخديعة في المعاملات .

وقال الكفوي: (الخُبْث هو ما يُكره رداءةً وخسَّةً، محسوسًا كان أو معقولًا، وذلك يتناول الباطل في الاعتقاد، والكذب في المقال، والقبح في الفعال) .



جزاك الله خيرا استاذنا الفاضل
وجنبنا الله وجنبكم الخبث والخابيثين

تحياتي وتقديري

محمد رافع 52
12-09-2013, 09:25 PM
جزاك الله خيرا استاذنا الفاضل
وجنبنا الله وجنبكم الخبث والخابيثين

تحياتي وتقديري
آمين
اشكر حضرتك
بارك الله فيك
وفى كل من له حق عليك

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:17 PM
ذَمُّ الخُبْث والنهي عنه (http://www.thanwya.com/enc/akhlaq/2110)
أوَّلًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ [النور: 26].
قال قتادة في تفسير هذه الآية: (الخبيثات من القول والعمل للخبيثين من الناس، والخبيثون من الناس للخبيثات من القول والعمل) .
وقال مجاهد: (القول السيئ للخبيثين من الرجال والنساء، والقول الحسن للطيبين من الرجال والنساء) .
(وقيل في الخبيثات للخبيثين ثلاثة أوجه:
الأول: الخبيثات من الكلام من الخبيثين من الرجال، عن ابن عباس ومجاهد والحسن.
والثاني: الخبيثات من السيئات للخبيثين من الرجال.
والثالث: الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال).
- قوله تعالى: وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ [الأعراف: 157].
قال ابن عباس: (هو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله) .
- قوله تعالى: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران: 179].
قال الطبري: (يعني بقوله: مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ ، ما كان الله ليدع المؤمنين عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ من التباس المؤمن منكم بالمنافق، فلا يعرف هذا من هذا حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ، يعنى بذلك: حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ وهو المنافق المستسر للكفر مِنَ الطَّيِّبِ، وهو المؤمن المخلص الصادق الإيمان، بالمحن والاختبار، كما ميز بينهم يوم أحد عند لقاء العدو عند خروجهم إليهم) .
- قوله تعالى: قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة: 100].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي، وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ، يقول: لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصى فعجبت من كثرتهم؛ لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا).

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:20 PM
ثانياً: في السُّنَّة النَّبويَّة
- قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ: خَبُثَتْ نَفْسِى، وَلكِنْ لِيَقُلْ: لَقِسَتْ نَفْسِى)) .
قال ابن القيم: (فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ الخبث؛ لبشاعته، وأرشدهم إلى العدول إلى لفظ هو أحسن منه، وإن كان بمعناه تعليمًا للأدب في المنطق، وإرشادًا إلى استعمال الحسن، وهجر القبيح من الأقوال، كما أرشدهم إلى ذلك في الأخلاق والأفعال) .
- عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم بالليل بحبل فيه ثلاث عقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإذا قام فتوضأ، انحلت عقدة، فإذا قام إلى الصلاة انحلت عقده كلها، فيصبح نشيطًا طيب النفس قد أصاب خيرًا، وإن لم يفعل أصبح كسلًا خبيث النفس لم يصب خيرًا)) .
قال ابن حجر: ( قوله: ((خبيث النفس)). أي: رديء النفس غير طيبها أي مهمومًا، وقد تستعمل في كسل النفس، وفي الصحيح ((لا يقولن أحدكم خبثت نفسي)) كأنه كره اللفظ، والمراد بالخطاب المسلمون) .
- عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((..وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى سخط من الله وغضب. قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون: فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طرحًا. ثم قرأ: وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج: 31] فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه لا أدري، فينادي مناد من السماء أن كذب، فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابًا إلى النار، فيأتيه من حرها، وسمومها، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالشر، فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة)) .
قال الملا الهروي: (... ((ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الخبيثة)) أي: خبيثة الخصال غير مرضية الأعمال) .

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:28 PM
أقوال السلف والعلماء في الخُبْث
- قال أبو الدَّرداء: (ما لكم عباد الله لا تحابُّون وأنتم إخوانٌ على الدِّين، ما فرَّق بين أهوائكم إلَّا خُبْث سرائركم، ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم، ما هذا إلَّا مِن قلَّة الإيمان في صدوركم، ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرِّها، كما توقنون بأمر الدُّنيا، لكنتم للآخرة أطْلَب، فبئس القوم أنتم إلَّا قليلًا منكم، ما حقَّقتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ، فنبرأ منكم) .
- وقال ابن جماعة الكِنَاني: (لا يصحُّ العلم -الذي هو عبادة القلب- إلَّا بطهارته عن خُبْث الصِّفات وحدث مساوئ الأخلاق ورديئها) .
- وقيل: (مَن طابت نفسه طاب عمله، ومَن خَبُثَت نفسه، خَبُثَ عمله) .
- وقيل: (آفة الملوك سوء السِّيرة، وآفة الوزراء خُبْث السَّريرة، وآفة الجُنْد مفارقة القادة).
- وقيل -أيضًا-: (أربعة لا يثبت معها مُلْكٌ: غِشُّ الوزير، وسوء التَّدبير، وخُبْث النِّيَّة، وظُلْم الرَّعيَّة).
- وقالوا: (سوء الخُلُق يدلُّ على خُبْث الطَّبع ولُؤْم العنصر، ويكاد سيِّئ الخُلُق أن يُعَدَّ مِن البهائم) .
- وقال منصور بن الحسين الرَّازي: (مَن كَرُم مَحْتده ، حَسُن مَشْهَده. ومَن خَبُث عنصره، ساء محضره. ومَن خان هان، ومَن أدمن قَرْعَ الباب وَلَجَ) .
- وقال ابن القيم: (وأما النار فإنها دار الخبث (http://dorar.net/enc/akhlaq/2108) في الأقوال والأعمال والمآكل والمشارب ودار الخبيثين، فالله تعالى يجمع الخبيث بعضه إلى بعض فيركمه كما يركم الشئ لتراكب بعضه على بعض، ثم يجعله في جهنم مع أهله فليس فيها إلا خبيث) .
- وقال أيضاً: (إن الله سبحانه وتعالى جعل للسعادة والشقاوة عنوانًا يعرفان به، فالسعيد الطيب لا يليق به إلا طيب، ولا يأتي إلا طيبًا، ولا يصدر منه إلا طيبًا، ولا يلابس إلا طيبًا، والشقي الخبيث لا يليق به إلا الخبيث، ولا يأتي إلا خبيثًا، ولا يصدر منه إلا الخبيث، فالخبيث يتفجر من قلبه الخبث (http://dorar.net/enc/akhlaq/2108) على لسانه وجوارحه، والطيب يتفجر من قلبه الطيب على لسانه وجوارحه) .
- وممَّا قيل: (إذا كان الخليلُ كريمَ الأخلاق، حَسَن السِّيرة، طاهر السَّريرة، فبه في محاسن الشِّيم يُقْتَدَى، وبنجم رُشْدِه في طُرُق المكارم يُهْتَدَى، وإذا كان سيِّئ الأعمال، خَبِيث الأقوال، كان المعتبط به كذلك) .
- وقال ابن الأعرابى: (وأصل الخبث (http://dorar.net/enc/akhlaq/2108) فى كلام العرب المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من المِلَلْ فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار) .

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:31 PM
آثار الخُبْث
1- الخُبْث سببٌ لبذاءة اللِّسان والفُحْش:
إنَّ السَّبَّ والفُحْش وبذاءة اللِّسان مذمومة، ومنهيٌّ عنها، ومصدرها الخُبْث واللُّؤم، قال الغزَّالي: (والباعث على الفُحْش: إمَّا قصد الإيذاء، وإمَّا الاعتياد الحاصل مِن مخالطة الفسَّاق وأهل الخُبْث واللُّؤم ومَن عادتهم السَّبُّ) .
2- الخُبْث سببٌ للحسد:
قال المناوي: (سبب الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) خبث النَّفس، وأنَّه داء جِبِلِّيٌّ مُزْمِن، قلَّ مَن يسلم منه) .
3- خَبِيث النَّفس لا يحبُّ الخير لغيره، فيكره لهم الخير، ويحبُّ لهم الشَّرَّ والأذى:
(وأمَّا خُبْث النَّفس وشُحُّها على عباد الله، فإنَّك تجد مِن النَّاس مَن لا يشتغل برئاسة ولا تَكَبُّر، وإذا وُصِف عنده حُسْن حال عبدٍ مِن عباد الله تعالى فيما أنعم عليه به، شَقَّ عليه ذلك، وإذا وُصِف له اضطراب أمور النَّاس وإدبارهم، وتنغيص عيشهم، فرح به، فهو أبدًا يحبُّ الإدبار لغيره، ويَبْخَل بنعمة الله على عباده، كأنَّهم يأخذون ذلك مِن ملكه وخزانته‏.‏
وقد قال بعض العلماء‏:‏ البخيل مَن يبخل بمال نفسه، والشَّحيح الذي يبخل بمال غيره، فهذا يبخل بنعم الله على عباده الذين ليس بينهم وبينه عداوة ولا رابطة، وهذا ليس له سبب إلَّا خُبْثُ النَّفس ورَدَاءة الطَّبع، وهذا معالجته شديدة؛ لأنَّه ليس له سبب عارض، فيعمل على إزالته، بل سببه خبث الجبلَّة، فيعسر إزالته) .
4 - الخُبْث سبب للعداوات بين أفراد المجتمع.
قال أبو طالب المكي: (مع الخبث (http://dorar.net/enc/akhlaq/2108) والمكر تكون المنافرة، وهذا كله يذهب الألفة، وينقص المحبة، ويبطل فضيلة الأخوة) .
5 - خبيث النَّفس غير مرتاح البال، فهو مهمومٌ مغمومٌ دائمًا.
6 - الخَبِيث منشغل بتتبُّع عورات النَّاس وأخطائهم.
7- الخبيث لا يدخل الجنة.
قال تعالى: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [النحل: 32].
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: ((إِذَا خَرَجَتْ رُوحُ الْمُؤْمِنِ تَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا. - قَالَ حَمَّادٌ فَذَكَرَ مِنْ طِيبِ رِيحِهَا وَذَكَرَ الْمِسْكَ-. قَالَ: وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ، صَلَّى الله عَلَيْكِ وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ. فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَقُولُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ : وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا خَرَجَتْ رُوحُهُ - قَالَ حَمَّادٌ وَذَكَرَ مِنْ نَتْنِهَا وَذَكَرَ لَعْنًا - وَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الأَرْضِ. قَالَ فَيُقَالُ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الأَجَلِ. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- رَيْطَةً كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا)).
قال ابن القيم:
(فالجنة لا يدخلها خبيث، ولا من فيه شىء من الخبث. فمن تطهر فى الدنيا ولقى الله طاهرًا من نجاساته دخلها بغير معوق، ومن لم يتطهر فى الدنيا فإن كانت نجاسته عينية، كالكافر،لم يدخلها بحال. وإن كانت نجاسته كسبية عارضة دخلها بعد ما يتطهر فى النار من تلك النجاسة، ثم يخرج منها، حتى إن أهل الإيمان إذا جازوا الصراط حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار، فيهذبون وينقون من بقايا بقيت عليهم، قصرت بهم عن الجنة، ولم توجب لهم دخول النار، حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم فى دخول الجنة) .

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:36 PM
‏الوسائل المعينة على التَّخلُّص مِن خُبْث النَّفس
هل يستطيع أن يغيِّر خَبِيث النَّفس طبعه؟
يرى المناويُّ أنَّ مَن تمحَّضت فيه مادَّة الخُبْث لا مطمع في تبدُّله، فيقول: (يقال: إذا حُدِّثت أنَّ جبلًا زال عن مكانه فصدِّق، وإذا حُدِّثت أنَّ رجلًا زال عن خُلُقِه فلا تصدِّق؛ وذلك لأنَّ مَن تمحَّضت فيه مادَّة الخُبْث، فقد طُبِع على الخُلُق المذموم، الذي لا مطمع في تبدُّله، ومَن تمحَّضت فيه مادَّة الطِّيب، فقد طُبِع على الخُلُق الحسن المحمود، الذي لا مطمع في تبدُّله. قال الشَّريف السَّمهودي: وقد جرَّبت مصداقه الآن، فكم أظهر الواحد منهم التَّوبة عن أخلاقٍ ذميمةٍ بعد بذل الجهد في أسباب إزالتها، ثمَّ نكص على عقبيه ، راجعًا لما كان عليه؛ لاقتضاء خبثهم المستحكم، وعظيم بغضهم لأهل الخير.
وأنشد بعضهم:


وما هذه الأخلاق إلَّا طبائع *** فمنهنَّ محمود ومنهنَّ مذمَّم



ولن يستطيع الدَّهر تغيير خُلُقه *** لئيم ولن يستطيعه متكرم)


ولكن مَن اجتهد وجاهد نفسه على التَّخلُّق بالأخلاق الفاضلة، يستطيع أن يعوِّد نفسه عليها؛ وعليه أن يأخذ بالأسباب والوسائل التي تعين على التَّخلُّص مِن هذا الخُلُق، وهي كثيرة، ومِن هذه الوسائل:
1 - الدُّعاء بأن يرفع الله منه هذا الخُلُق السَّيِّئ:
والدُّعاء مِن أقوى الأسباب المعينة للتَّخلُّص مِن هذه الصِّفة المذمومة.
2 - الرَّغبة في الأجر والثَّواب الذي يحصل بسبب سلامة الصَّدر:
وقد جاء الحديث في فضل سلامة الصدر (http://dorar.net/enc/akhlaq/646) ونقاء الطوية، من كون صاحبها من أهل الجنة.
3 - أن يجاهد نفسه على أن يكون نقيَّ القلب:
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل: يا رسول الله! أيُّ النَّاس أفضل؟ قال: ((كلُّ مَخْمُوم القلب صدوق اللِّسان، قالوا: صدوق اللِّسان نعرفه، فما مَخْمُوم القلب؟ قال: هو التَّقيُّ، النَّقيُّ، لا إثم فيه، ولا بَغْيَ، ولا غِلَّ، ولا حَسَدَ)) .
4 - التَّربية منذ الصِّغر على حبِّ الخير للنَّاس.
5 - مصاحبة أهل الخير وذوي الأخلاق الفاضلة.
6- ذكر الله والحفاظ على الطاعات:
عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل، فارقد، فإن استيقظ فذكر الله، انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس وإلا أصبح خبيث النفس كسلان))
7- معرفة أن دخول الجنة متعلق بطهارة النفس وصفائها من الخبث:
وأنه لن يدخل الجنة من دنست نفسه بهذه الصفة، وأن من أصابته لوثة خبث وضع في النار؛ حتى يطهر ويصفو ثم يدخل الجنة بعد ذلك.
قال ابن تيمية: (فالنفوس الخبيثة لا تصلح أن تكون في الجنة الطيبة التي ليس فيها من الخبث (http://dorar.net/enc/akhlaq/2108) شيء، فإن ذلك موجب للفساد، أو غير ممكن.
بل إذا كان في النفس خبث طهرت وهذبت، حتى تصلح لسكنى الجنة) .
8- اجتناب الخبيث في المطعم والمشرب والدواء:
ومن ذلك ما جاء عن رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِىِّ خَبِيثٌ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ)) .
ونهى عن الدواء الخبيث. (ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان) .

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:42 PM
أقسام الناس من حيث الطيب والخبث

قال ابن القيم: (ولما كان الناس على ثلاث طبقات: طيب لا يشينه خبيث، وخبيث لا طيب فيه، وآخرون فيهم خبث وطيب، دورهم ثلاثة: دار الطيب المحض، ودار الخبيث المحض، وهاتان الداران لا تفنيان، ودار لمن معه خبث وطيب وهي الدار التي تفنى وهي دار العصاة، فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد، فإنه إذا عذبوا بقدر جزائهم أخرجوا من النار فأدخلوا الجنة، ولا يبقي إلا دار الطيب المحض، ودار الخبث (http://dorar.net/enc/akhlaq/2108) المحض) .

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:44 PM
ما قيل في أوصاف خَبِيث الطَّوِيَّة

يوصف مَن كانت طويَّته خَبِيثة بقولهم: (قلب فلانٍ نَغْل، وصدره دَغلٌ ، طويَّةٌ مَعْلولَةٌ،... صفوه رَنَقٌ ، وبِرُّه لَمَقٌ، وودُّه مُزَأبقٌ، خَبِيث النِّيَّة، واكدُ الطَّويَّة، موجود عند الرَّخاء، مفقود عند البلاء، يَبثُّ حَبائل الزُّور، وينصب أشراك الغرور، يدَّعي ضروب الباطل، ويتحلَّى بما هو عاطِلٌ، يُبدي وجه المطابق الموافق، ويخفي نَظَرَ المسَارق المنافق، ضمير قلبه خَبِيث، ويمينه حِنْث، وعهده نَكْث) .
وممَّا قيل -أيضًا- في مَن يتَّصف بهذه الصِّفة الذَّميمة قولهم: (فلانٌ عُصارةُ لُؤْمٍ، في قرَارة خُبْثٍ، أَلأَمُ مُهْجَةٍ، في أخسِّ جُثةٍ، خَبيثُ الطعَمَةِ، حديث النِّعمة، هو كالكَمأةِ ، لا أصلٌ ثابِتٌ، ولا فرعٌ نابِتٌ.
فلانٌ خبيثُ المركب، لئيم المنْسَب، يكادُ مِن لؤمه يُعْدي مَن يتسمَّى باسمه، أو يجلس إلى جَنْبِه، قَدْ أُرضع بلبان اللُّؤم، ورُبِّي في حِجر الشَّرِّ، وفُطِم عن ثدي الخير، ونشأ في عَرْصَة الخُبْث ، لا أمس ليومه، ولا قديم لقومه.
فلانٌ قصير الشِّبر ، صغير القَدر، قاصر القَدر، ضيِّق الصَّدرِ) .

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:47 PM
بعض الحيوانات وُصِفَت بالخُبْث
يوصف الثَّعلب بالخُبْث، وهو حيوان جبان، مستضعف ذو مكرٍ وخديعةٍ، لكنَّه لفرط الخُبْث والخديعة، يجري مع كبار السِّباع .
وكذلك يُوصَف القنفذ والأرنب والظَّبي بالخُبْث، يقول الجاحظ: (وإنَّما تفزع هذه الأجناس إلى الخُبْث، وإلى ما في طبعها مِن شدَّة الحُضْر إذا عدمت السَّلاح؛ فعند ذلك تستعمل الحيلة: مثل القنفذ في إمكان عدوِّه مِن فروته، ومثل الظَّبي واستعمال الحُضْر في المستوي، ومثل الأرنب واستعماله الحُضْر في الصَّعداء).

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:49 PM
الأمثال في الخبث
- فلانٌ عُصارة ، لُؤْمٍ، في قرَارة خُبْثٍ.
- فلانٌ خَبِيثُ الطعَمَة .
- فلانٌ خَبِيثُ المركب .
- ويقال: هو في الخُبْث كالذِّئب وقع في المعْزَى .
- ويقال: أقْـرَفُ عَيْنًا والنُّجَارُ مُذَهَّبٌ .
يُضْرَب لمن طاب أصله، وهو في نفسه خبيث القول والفعل .

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:56 PM
ذم الخُبْث في واحة الشِّعر
قال الشاعر:

عذرتُك يا إنسانُ إن كنت مغرمًا *** بعذرٍ ومغرى بالتَّحيلِ والنَّكثِ



وكيف ألومُ المرءَ في خبثِ فعلِه *** وأوَّل شيءٍ قد غذاه دمُ الطَّمثِ

وقال جرير يذكر شفاعته للفرزدق:

وهل لك في عانٍ وليس بشاكرٍ *** فتطلق عنه عضَّ مَسِّ الحدائد



يعودُ وكان الخُبْث منه سجيَّةً *** وإن قال إنِّي مُنْتَهٍ غَيْرُ عائد

وقال آخر:

ولم تنسَ حقَّ الحلمِ حين أسرتهم *** ومقلتهم عبرى وأنفاسُهم حرَّى



ظـفــرتَ بــأربــابِ الحفـائــظِ بعـدمـا *** عـفــوتَ وبـعـدَ الـعـفـوِ أوليتـهـم بــرا



فخانوا وعادوا بالخسارِ تجارةً *** وحاق بهم مكرٌ وقد أمنوا المكرا



لقـد نكثـوا بالعـهـدِ مَن خبـثِ نفسِهـم *** ألا إنَّ خـبثَ النَّفسِ داؤُه لن يـَــبْــرَا


وقال آخر:

وأولُ خبثِ الماءِ خبثُ ترابِه *** وأولُ خبثِ المرءِ خبثُ المناكحِ

وقال الشاعر:

ألم ترَ أنَّ الماءَ يخبثُ طعمُه *** وإن كان لونُ الماءِ أبيضَ صافيا

وقال آخر:

ما كلُّ أصفرَ دينارٌ لصفرتِه *** صفرُ العقاربِ أرداها وأنكرُها


http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=S-IqUrCgIcrC7AaW0IDIBg&psig=AFQjCNE-I3Jn4iwkLHtPssouXSD4rmJKgw&ust=1378628555608803)

محمد رافع 52
13-09-2013, 11:59 PM
الخِدَاع
معنى الخِدَاع لغةً واصطلاحًا
معنى الخِدَاع لغةً:
أصل هذه المادة يدل على إخفاء الشيء، فالخَدْعُ: إِظْهَارُ خِلَافَ مَا تُخْفيه، يقال: خَدَعَهُ يَخْدَعُهُ خَدْعًا وخِداعًا أي: خَتَلَه، وأراد به المكروه مِن حيث لا يعلم. والاسم الخَدِيعَةُ، وقيل: الاسم هو الخداع، وقيل غير ذلك.
معنى الخِدَاع اصطلاحًا:
قال الرَّاغب: (الخِدَاع: إنزال الغير عمَّا هو بصدده بأمر يبديه على خلاف ما يخفيه) .
وقال البقاعي: (الخِدَاع: إظهار خيرٍ يُتَوَّسل به إلى إبطان شرٍّ، يؤول إليه أمر ذلك الخير المظْهَر) .
وقال ابن القيِّم: (والمخادعة: هي الاحتيال والمراوغة بإظهار الخير مع إبطان خلافه، ليحصل مقصود المخَاِدع) .

محمد رافع 52
14-09-2013, 12:05 AM
الفرق بين الخِدَاع وبعض الصِّفات
الفرق بين الخِدَاع والغُرُور: </span>
أنَّ الغُرُور إيهامٌ يحمل الإنسان على فعل ما يضرُّه، مثل أن يرى السَّراب فيحسبه ماءً فيضيِّع ماءه، فيهلك عَطَشًا، وتضييع الماء فِعْلٌ أدَّاه إليه غرور السَّراب إيَّاه، وكذلك غَرَّ إبليسُ آدم، ففعل آدم الأكل الضَّار له. والخِدَاع: أن يستر عنه وجه الصَّواب، فيوقعه في مكروه، وأصله مِن قولهم: خَدَع الضَّبُّ، إذا توارى في جحره. وخَدَعَه في الشِّراء أو البيع، إذا أظهر له خِلَاف ما أبطن، فضرَّه في ماله. وقال علي بن عيسى: الغُرُور: إيهام حال السُّرور فيما الأمر بخلافه في المعلوم، وليس كلُّ إيهامٍ غُرُورًا؛ لأنَّه يوهمه مَخُوفًا ليحذر منه، فلا يكون، قد غَرَّه. والاغْتَرَار: تَرْكُ الحزم فيما يمكن أن يتوثَّق فيه، فلا عُذرَ في ركوبه، ويقال في الغُرُور: غَرَّه، فضيَّع ماله وأهلك نفسه. والغُرُور قد يُسمَّى خِدَاعًا، والخِدَاع يُسمَّى غُرُورًا على التَّوسُّع، والأصل ما قلناه، وأصل الغُرُور الغَفْلَة .
الفرق بين الخِدَاع والكَيْد: </span>
أنَّ الخِدَاع هو: إظهار ما يُــبْطَن خلافه، أراد اجتلاب نفعٍ أو دفع ضرٍّ، ولا يقتضي أن يكون بعد تدبُّرٍ ونَظَرٍ وفِكرٍ؛ أَلَا ترى أنَّه يقال: خَدَعَه في البيع، إذا غشَّه مِن جَشَعٍ، وأوهمه الإنصاف، وإن كان ذلك بديهة مِن غير فِكْرٍ ونَظَرٍ، والكَيْد لا يكون إلَّا بعد تدبُّرٍ وفِكْرٍ ونَظَرٍ؛ ولهذا قال أهل العربيَّة: الكَيْد: التَّدبير على العدو، وإرادة إهلاكه. وسُمِّيت الحيل -التي يفعلها أصحاب الحروب بقصد إهلاك أعدائهم- مكايد؛ لأنَّها تكون بعد تدبُّرٍ ونَظَرٍ. ويجيء الكَيْد بمعنى الإرادة، وقوله تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف: 76]، أي أردنا، ودلَّ على ذلك بقوله: إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [يوسف: 76]، وإن شاء الله بمعنى المشيئة، ويجوز أن يقال: الكَيْد: الحيلة التي تُقرِّب وقوع المقصود به مِن المكروه، وهو مِن قولهم: كاد يفعل كذا، أي: قَرُب، إلَّا أنَّه قيل: هذا يَكَاد، وفي الأولى يَكِيد؛ للتَّصرُّف في الكلام، والتَّفرقة بين المعنيين. ويجوز أن يقال: إنَّ الفرق بين الخِدَاع والكَيْد، أنَّ الكَيْد: اسم لفعل المكروه بالغير قهرًا، تقول: كايَدِني فلان، أي: ضرَّني قهرًا، والخَدِيعَة: اسم لفعل المكروه بالغير مِن غير قهرٍ، بل بأن يريد بأنَّه ينفعه، ومنه الخَدِيعَة في المعاملة، وسمَّى الله تعالى قصد أصحاب الفيل مكَّة كيدًا في قوله تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل: 2]؛ وذلك أنَّه كان على وجه القَهْر .
الفرق بين الخِدَاع والمكر: </span>
قال الرَّاغب: (المكر والخَدِيعَة متقاربان، وهما اسمان لكلِّ فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره، وذلك ضربان: أحدهما مذمومٌ، وهو الأشهر عند النَّاس والأكثر، وذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه بالمخْدُوع، ... والثَّاني: بعكسه، وهو أن يقصد فاعلهما إلى استجْرَار المخْدُوع والممكور به إلى مصلحة بهما، كما يفعل بالصَّبي إذا امتنع مِن فعل خير. وقد قال بعض الحكماء: المكْر والخَدِيعَة يُحْتَاج إليهما في هذا العالم؛ وذلك أنَّ السَّفيه يميل إلى الباطل، ولا يميل إلى الحقِّ، ولا يقبله لمنافاته لطبعه، فيحتاج أن يُخْدَع عن باطله بزخارف مموَّهة، كخَدِيعَة الصَّبي عن الثَّدي عند الفطام) .

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:32 PM
ذَمُّ الخِدَاع والنهي عنه (http://www.thanwya.com/enc/akhlaq/2136)
أولًا: في القران الكريم
الخِدَاع مِن خُلُق المنافقين، وهو متأصِّل فيهم، فهم يخادعون الله ويخادعون المؤمنين، ويخادعون أنفسهم، قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9].
قال الشوكاني: (والمراد مِن مخادعتهم لله: أنَّهم صنعوا معه صُنْع المخادعين، وإن كان العالم الذي لا يخفى عليه شيء لا يُخْدَع.
وصيغة فاعل تفيد الاشتراك في أصل الفعل، فكونهم يخادعون الله والذين آمنوا، يفيد أنَّ الله سبحانه والذين آمنوا يخادعونهم.
والمراد بالمخادعة مِن الله: أنَّه لـمَّا أجرى عليهم أحكام الإسلام مع أنَّهم ليسوا منه في شيء، فكأنَّه خادعهم بذلك كما خادعوه بإظهار الإسلام وإبطان الكفر، مُشَاكَلة لما وقع منهم بما وقع منه.
والمراد بمخادعة المؤمنين لهم: هو أنَّهم أجروا عليهم ما أمرهم الله به مِن أحكام الإسلام ظاهرًا، وإن كانوا يعلمون فساد بواطنهم، كما أنَّ المنافقين خادعوهم بإظهار الإسلام وإبطان الكفر.
والمراد بقوله تعالى: وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم [البقرة: 9]، الإشعار بأنَّهم لـمَّا خادعوا مَن لا يُخْدَع كانوا مخادعين أنفسهم، لأنَّ الخِداع إنَّما يكون مع مَن لا يَعْرِف البواطن. وأمَّا مَن عَرف البواطن: فمَن دخل معه في الخِدَاع، فإنَّما يَخْدَع نفسه وما يشعر بذلك) .
- وقوله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النِّساء: 142].
قال السعدي: (يخبر تعالى عن المنافقين بما كانوا عليه، مِن قبيح الصِّفات وشنائع السِّمات، وأنَّ طريقتهم مخادعة الله تعالى، أي: بما أظهروه مِن الإيمان وأبطنوه مِن الكفران، ظنُّوا أنَّه يروج على الله، ولا يعلمه، ولا يبديه لعباده، والحال أنَّ الله خادعهم، فمجرَّد وجود هذه الحال منهم ومشيهم عليها، خداعٌ لأنفسهم. وأيُّ خِدَاعٍ أعظم ممَّن يسعى سعيًا يعود عليه بالهوان والذُّل والحرمان؟) .
-وقال تعالى مخاطبًا نبيَّه: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 62].
قال ابن عاشور: (لـمَّا كان طلب السِّلم والهدنة مِن العدوِّ قد يكون خَدِيعَة حربيَّة، ليُغْرُوا المسلمين بالمصالحة، ثمَّ يأخذوهم على غِرَّة، أيقظ الله رسوله لهذا الاحتمال، فأمره بأن يأخذ الأعداء على ظاهر حالهم، ويحملهم على الصِّدق؛ لأنَّه الخُلُق الإسلامي، وشأن أهل المروءة، ولا تكون الخَدِيعة بمثل نَكْثِ العهد، فإذا بَعَث العدوَّ كفرُهم على ارتكاب مثل هذا التَّسَفُّل، فإنَّ الله تكفَّل -للوفيِّ بعهده- أن يقيه شرَّ خيانة الخائنين. وهذا الأصل، وهو أخذ النَّاس بظواهرهم) .

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:34 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن عبد الله بن عمر، أنَّ رجلًا ذكر للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه يُخْدَع في البيوع، فقال: ((إذا بايعت فقل: لا خِلابة)) .
قال النَّوويُّ: (معنى لا خِلَابة: لا خَدِيعَة، أي: لا تحلُّ لك خَدِيعتي، أو لا يلزمني خديعتك) .

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:36 PM
أقوال السَّلف والعلماء في الخِدَاع
- عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كان لأبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه غلام يُخْرِج له الخَراج، وكان أبو بكر يأكل مِن خَرَاجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنت لإنسان في الجاهليَّة، وما أُحْسِن الكهانة، إلَّا أَنِّي خدعته، فلقيني، فأعطاني لذلك هذا الذي أكلتَ منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كلَّ شيء في بطنه)) .
- وكان ابن عمر يقول: (مَن خدعنا بالله انخدعنا له) .
-وقال أيوب: (يخادعون الله كأنَّما يخادعون آدميًّا، لو أتوا الأمر عيانًا كان أهون عليَّ) .
- وقال ابن أبي أوفى: (النَّاجش آكل ربًا خائن، وهو خِدَاع باطلٌ لا يحلُّ) .
- وقال البخاري: (باب النَّهي عن تلقِّي الـركبان، وأنَّ بيعه مردودٌ؛ لأنَّ صاحبه عاص آثم إذا كان به عالـمًا، وهو خِدَاعٌ في البيع، والخِدَاع لا يجوز) .
- قال الماوردي: (إنَّ مَن قال ما لا يفعل فقد مَكَر، ومَن أمر بما لا يأتمر فقد خَدَع، ومَن أسرَّ غير ما يُظْهِر فقد نافق. وقد رُوي عن النَّبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((المكْرُ والخَدِيعَة وصاحباهما في النَّار)) . على أنَّ أمره بما لا يأتمر مطَّرح، وإنكاره ما لا ينكره مِن نفسه مُسْتَقْبَح .

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:39 PM
آثار الخِدَاع
الخِدَاع له آثارٌ وأضرارٌ تعود على المخَادِع نفسه، وعلى المجتمع الذي مِن حوله، ومِن هذه المضَار:
1- أنَّ الخِدَاع دليلٌ على ضعف إيمان صاحبه.
2- الخِدَاع سببٌ مِن أسباب الفُرْقَة بين المسلمين.
3- أنَّه طريق موصل للنَّار.
4- أنَّه صفة مِن صفات المنافقين.
5- يتسبَّب في أكل أموال النَّاس بالباطل.
6- يولِّد ضعف الثِّقة بين أفراد المجتمع.
7- المخَادِع يكون منبوذًا عند النَّاس.
8- الخِدَاع يولِّد الشَّحناء والبغضاء بين النَّاس.
9- أنَّ الخِدَاع يترتَّب عليه نقض المواثيق والعهود بين النَّاس.

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:42 PM
حُكْمُ الخِدَاع
عده بعض أهل العلم -ومنهم ابن حجر الهيتمي- مِن الكبائر، ويقصدون بذلك النَّوع المذموم منه، قال ابن حجر الهيتمي: (عُدَّ هذا كبيرةٌ، صرَّح به بعضهم، وهو ظاهرٌ مِن أحاديث الغشِّ ... إذ كون المكْر والخَدِيعَة في النَّار ليس المراد بهما إلَّا أنَّ صاحبهما فيها، وهذا وعيد شديد) .
وقال ابن تيمية: (فإذا كان الله تعالى قد حرَّم الخِلَابة وهي الخَدِيعَة، فمعلومٌ أنَّه لا فَرْق بين الخِلَابة في البيع وفي غيره؛ لأنَّ الحديث إن عمَّ ذلك لفظًا ومعنًى فلا كلام، إن كان إنَّما قصد به الخِلَابة في البيع، فالخِلَابة في سائر العقود والأقوال وفي الأفعال بمنزلة الخِلَابة في البيع، ليس بينهما فَرْقٌ مؤثر في اعتبار الشَّارع، وهذا القياس في معنى الأصل، بل الخِلَابة في غير البيع قد تكون أعظم، فيكون مِن باب التَّشبيه وقياس الأولى) .
لكن استُثْنِي مِن الخِدَاع إذا كان لمصلحة شرعيَّة كالحرب، والإصلاح بين النَّاس، فعن جابر بن عبد الله قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الحرب خَدْعَة)) .
قال النَّووي: (واتَّفق العلماء على جواز خِدَاع الكفَّار في الحرب، وكيف أمكن الخِدَاع، إلَّا أن يكون فيه نقض عهدٍ أو أمانٍ فلا يحلُّ، وقد صحَّ في الحديث جواز الكذب في ثلاثة أشياء، أحدها: في الحرب؛ قال الطَّبري: إنَّما يجوز مِن الكذب في الحرب المعاريض دون حقيقة الكذب، فإنَّه لا يحلُّ. هذا كلامه، والظَّاهر إباحة حقيقة نفس الكذب، لكن الاقتصار على التَّعريض أفضل) . وقد استخدم الصَّحابة الخِدَاع في الحرب في مواقف عديدة.

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:46 PM
أقسام الخِدَاع
ينقسم الخِدَاع إلى قسمين: خِدَاع محمودٌ، وخِدَاع مذمومٌ، يقول ابن القيِّم: الخِدَاع (ينقسم إلى محمود ومذموم، فإن كان بحقٍّ فهو محمود، وإن كان بباطل فهو مذموم. ومِن النَّوع المحمود: قوله -صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم-: ((الحرب خَدْعَة)) . وقوله في الحديث الذي رواه التِّرمذي وغيره: ((كلُّ الكذب يُكْتَب على ابن آدم، إلَّا ثلاث خصال: رجل كذب على امرأته ليرضيها، ورجل كذب بين اثنين ليصلح بينهما، ورجل كذب في خَدْعَة حرب)).
ومِن النَّوع المذموم: قوله في حديث عياض بن حمار، الذي رواه مسلم في صحيحه: ((أهل النَّار خمسة، ذكر منهم رجلًا لا يصبح ولا يمسي إلَّا وهو يخادعك عن أهلك ومالك)) ، وقوله تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9]. وقوله تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ [الأنفال: 62].
ومِن النَّوع المحمود: خِدَاع كعب بن الأشرف وأبي رافع، عدوَّي رسول الله -صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم- حتى قُتِلا، و*** خالد بن سفيان الهذلي.
ومِن أحسن ذلك: خَدِيعَة معبد بن أبى معبد الخزاعي لأبي سفيان وعسكر المشركين حين همُّوا بالرُّجوع ليستأصلوا المسلمين، وردَّهم مِن فورهم.
ومِن ذلك: خَدِيعَة نعيم بن مسعود الأشجعي ليهود بني قريظة، ولكفَّار قريش والأحزاب، حتى ألقى الخُلْف بينهم، وكان سبب تفرُّقهم ورجوعهم. ونظائر ذلك كثيرة) .

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:49 PM
صور الخِدَاع
1- خِدَاع المنافقين بإظهارهم للإسلام وإبطانهم للكفر:
قال تعالى: يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9].
2- الخِدَاع في المعاملات الماليَّة، كالبيع والشِّراء:
وذلك بأن يُخَادع النَّاس، ويتحصَّل على الأمول بطُرُقٍ محرَّمةٍ، إمَّا عن طريق الكذب، أو كتمان عيب السِّلعة، أو البخس في ثمنها، أو التَّطفيف في وزنها، أو خلط الجيِّد بالرَّديء، أو النجش وغيرها مِن الطُّرق المحرَّمة.
3- خِدَاع الرَّعيَّة للرَّاعي:
خِدَاع الرَّعيَّة للرَّاعي يكون بمدحه وإطرائه بما ليس فيه؛ كأن يذكروا له إنجازات لم يعملها، أو بعدم نصحه إذا رأوا منه منكرًا، وغير ذلك.
4- خِدَاع الرَّاعي للرَّعيَّة:
ويُقْصَد بالرَّاعي؛ الرَّئيس، أو الحاكم، والمدير، والرَّجل في أهله، وغيرهم ممَّن لهم الرِّعاية على غيرهم، ويكون الخِدَاع في حقِّهم بظلمهم، وعدم إعطائهم ما يستحقُّونه، وعدم النُّصح لهم.
5- خِداع المرَائين بالأعمال:
فهم يشابهون المنافقين في عملهم لأجل النَّاس.
6- خِداع العمَّال:
بعدم إعطائهم أجرهم المتَّفق عليه، أو تكليفهم مِن الأعمال فوق طاقتهم.
7- خداع المتسولين والشحَّاذين:
بعض المتسولين يخدعون من يسألونه المال بحيث يظهرون بمظهر المرضى، والمعتوهين، وذوي الاحتياجات الخاصة، وهم ليسوا كذلك، ليستجلبوا عطف الناس عليهم، ويأخذوا أموالهم بلا وجه حق.
8- خداع النفس لصاحبها.
قد تخدع النفس الأمارة بالسوء صاحبها إذا هو همَّ بالخير، فتقعده وتثبطه.

9-
الخداع (http://dorar.net/enc/akhlaq/2132) بالمدح والإطراء لشخص ما، ووصفه بالصفات الحميدة، وهو ليس كذلك .

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:50 PM
الوسائل المعينة على ترك الخِدَاع
1- التَّربية على الأخلاق الفاضلة، والالتزام بأحكام الشَّرع الحنيف.
2- الثِّقة بالله واستشعار مراقبته.
3- القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) بما رُزِق.
4- مجالسة الرُّفقة الصَّالحة.
5- معاقبة مَن يُخَادِع؛ لرَدْعِه عن ذلك.
6- العلم بالحكم الشَّرعي بأنَّ الخِدَاع منهيٌّ عنه.
7- تعليم النَّاس حقيقة الخِدَاع وتبيين صوره ليحذروه.
8- النَّظر للعواقب الوخيمة للمُخَادِع في الدُّنيا والآخرة.

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:52 PM
مَن يُظْهر الانخِدَاع مع التَّفطُّن للحيلة
انخِدَاع الشَّخص للمُخَادِع يُعْتَبر مِن البَلَه، إلَّا إذا كان المخْدُوع متفطِّنٌ للحيلة التي حيكت ضدَّه، ففي هذه الحالة يُعْتَبر الانخِداع مِن الكَرَم، قال ابن عاشور: (إظهار الانخِدَاع مع التَّفطُّن للحيلة إذا كانت غير مُضِرَّة فذلك مِن الكرم والحِلْم، قال الفرزدق:

استمطروا مِن قريش كلَّ مُنْخَدِع **** إنَّ الكريم إذا خادعته انخدعا


و((المؤمن غِرٌّ كريم))، أي: مِن صفاته الصَّفح والتَّغاضي، حتى يُظَنَّ أنَّه غِرٌّ، ولذلك عقَّبه بكريم لدفع الغِرِّيَّة المؤذنة بالبَلَه، فإنَّ الإيمان يُزِيد الفِطْنَة؛ لأنَّ أصول اعتقاده مبنيَّة على نبذ كلِّ ما مِن شأنه تضليل الرَّأي وطمس البصيرة) .
وقال المناوي: (إذا رأيت مَن يخدعك، وعَلِمتَ أنَّه مُخَادِعٌ، فمِن مكارم الأخلاق أن تنخدع له، ولا تفهمه أنَّك عرفت خِدَاعه، فإنَّك إذا فعلت ذلك فقد وفَّيت الأمر حقَّه؛ لأنَّك إنَّما عاملت الصِّفة التي ظهر لك فيها، والإنسان إنَّما يعامل النَّاس لصفاتهم لا لأعيانهم، أَلَا تراه لو كان صادقًا مُخَادِعًا، فعامله بما ظهر منه، وهو يَسْعَد بصدقه ويَشْقَى بخداعه، فلا تفضحه بخداعه، وتَجَاهل، وتَصَنَّع له باللَّون الذي أراده منك، وادْعُ له وارحمه) .

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:54 PM
الأمثال في الخداع
- قولهم: فلانٌ يُقَرِّد فلانًا .
- وقولهم: تَرَك الخِدَاع مَن كَشَف القناع .
- وقولهم: أَخْدَع مِن ضَبٍّ .
- قولهم: إذا لم تَغْلِب فاخْلِب.
أي: فاخْدَع، ورجل خلَّاب، أي: خدَّاع .

محمد رافع 52
14-09-2013, 01:59 PM
ذم الخِدَاع في واحة الشِّعر
قال منصور بن محمد الكريزي:

وصاحبٌ غيرُ مأمونٍ غوائلُه *** يبدي لي النُّصحَ منه وهو مشتملُ



على خلافِ الذي يبدي ويظهرُه *** وقد أحطت بعلمي أنَّه دغلُ



عفوت عنه انتظارًا أن يثوبَ له *** عقلٌ إليه مِن الزَّلَّات ينتقلُ



دهرًا فلمَّا بدا لي أن شيمتَه *** غِشٌّ وليس له عن ذاك منتقلُ



تركته تركَ قالٍ لا رجوعَ له *** إلى مودَّتِه ما حنَّت الإبلُ


وقال آخر:

قل للذي لست أدري مِن تلونِه *** أناصحٌ أم على غِشٍّ يداجيني



إنِّي لأُكثرُ ممَّا سُمْتَني عجبًا *** يدٌ تشجُّ وأخرى منك تأسوني



تغتابني عندَ أقوامٍ وتمدحُني *** في آخرين وكلٌّ عنك يأتيني



هذان أمران شتى بون بينهما *** فاكففْ لسانَك عن ذمِّي وتزييني


وقال ابن عبد القوي:

ويَحْرُم بُهْتٌ واغتيابٌ نميمةٌ *** وإفشاءُ سرٍّ ثمَّ لعنٌ مقيَّدِ



وفحشٌ ومكرٌ والبذاءُ، خديعةٌ *** وسخريةٌ والهزوُ والكذبُ قيِّدِ



بغير خِدَاع الكافرين بحربِهم *** وللعرسِ أو إصلاحِ أهلِ التَّنكُّدِ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=ZUn4UafOFs3-PKjWgLgN&psig=AFQjCNEL98vECRdp7pLVEZ87o0avmLE3mQ&ust=1375312585549385)

محمد رافع 52
14-09-2013, 02:02 PM
الخِذْلَان
معنى الخِذْلَان لغةً واصطلاحًا
معنى الخِذْلَان لغةً:
الخِذلان مصدر خَذَل يَخْذُل خَذْلًا وخِذْلَانًا، وهو تركك نُصْرة أخيك وعَوْنَه، والخَاذِل: ضدُّ النَّاصر، وخِذْلَان الله تعالى للعبد: ألَّا يعصمه مِن السَّيِّئة، فيقع فيها، والتَّخْذِيل: حَمْل الرَّجل على خِذْلَان صاحبه، وتَثْبِيطُه عن نُصْرَته، وأصل هذه المادة يدلُّ على تَرْك الشَّيء والقُعود عنه .
معنى الخِذْلَان اصطلاحًا:
قال الرَّاغب: (الخِذْلَان: ترك مَن يُظنُّ به أن ينصرَ نصرَتَه) .
وقال النَّوويُّ: (قال العلماء: الخَذْل: ترك الإعانة والنَّصر) .
وقال الشوكانيُّ: (الخِذْلَان: ترك العون) ، وقال -أيضًا-: (الخَذْل: ترك الإغاثة) .

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:20 AM
ذمُّ الخِذْلَان والنهي عنه


أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً [الإسراء: 22].
قال ابن كثير: (مَّخْذُولاً لأنَّ الرَّبَّ تعالى لا ينصرك، بل يَكِلُك إلى الذي عبدت معه، وهو لا يملك لك ضرًّا ولا نفعًا؛ لأنَّ مالك الضرِّ والنَّفع هو الله وحده لا شريك له) .
- قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26].
قال أبو حيان الأندلسيُّ: وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء قيل: بالتَّوفيق والعِرْفَان، وتُذِلُّ بالخِذْلَان) .
- قال تعالى: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا [الشَّمس: 7-10].
(قال ابن زيد: جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إيَّاها للتَّقوى، وخِذْلَانه إيَّاها للفجور) .
قال الغزَّالي: (فمهما وقع العبد في ذنب، فصار الذَّنب نقدًا، والتَّوبة نسيئة، كان هذا مِن علامات الخِذْلَان) .
- قال تعالى: كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ [القيامة: 20-21].
قال الغزَّالي: (فعبَّر عن المخذولين بقوله تعالى: كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ) .
- قال تعالى: وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً [الفرقان: 27-29].
قال ابن كثير: (يخذله عن الحقِّ، ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه) .

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:22 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النبوية
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره)) .
قال النَّوويُّ: (وأمَّا: لا يَخْذُله. فقال العلماء: الخَذْل: ترك الإعانة والنَّصر، ومعناه إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ) .
- وعن معاوية بن قرَّة رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يزال مِن أمَّتي أمَّة قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم ولا مَن خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك)) .
قال ملا علي القاري: (... ((مَن خَذَلهم)) أي: مَن ترك عونهم ونصرهم، بل ضرَّ نفسه، وظلم عليها بإساءتها) .
- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((انصر أخاك ظالـمًا أو مظلومًا)). قالوا: يا رسول الله، هذا ننصره مظلومًا، فكيف ننصره ظالـمًا؟ قال: ((تأخذ فوق يديه)) .

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:24 AM
أقوال السَّلف والعلماء في الخِذْلَان
- عن أنس أنَّ أبا طلحة قال: (غشينا ونحن في مصافِّنا يوم أحد، حدَّث أنَّه كان فيمن غشيه النُّعاس يومئذ، قال: فجعل سيفي يسقط مِن يدي وآخذه، ويسقط مِن يدي وآخذه، والطَّائفة الأخرى -المنافقون- ليس لهم همٌّ إلَّا أنفسهم، أجبن قوم، وأرغبه وأخذله للحقِّ) .
- قيل لمحمد بن كعب القرظي: ما علامة الخِذْلَان ؟ قال: (أن يستقبح الرَّجل ما كان عنده حسنًا، ويستحسن ما كان عنده قبيحًا) .
- وقال علي بن عبيدة: (العقل والهوى ضدَّان فمؤيِّد العقل التَّوفيق، وقرين الهوى الخِذْلَان، والنَّفس بينهما، فأيهما ظفر كانت في حيِّزه) .
- وقال قتيبة بن مسلم: (ومَن تبجَّح بالانفراد، وفَخَر بالاستبداد كان مِن الظَّفر بعيدًا، ومِن الخِذْلَان قريبًا) .
- وقال أبو عبيدة معمر بن المثنَّى: (مرَّ قيس بن زهير ببلاد غطفان، فرأى ثروةً وعددًا، فكَرِه ذلك، فقيل له: أيسوؤك ما يسرُّ النَّاس؟ قال: إنَّك لا تدري أنَّ مع النِّعمة والثَّروة التَّحاسد والتَّخاذل، وأنَّ مع القلَّة التَّحاشد والتَّناصر) .
- وقال الماوردي: (قال بعض البلغاء: المخْذُول مَن كانت له إلى اللِّئام حاجة) .
- وقال الزمخشري: (الخِذْلان مسامرة الأماني، والتَّوفيق رفض التَّواني) .
- وقال جعفر: (استجلاب النَّصر في شيء واحد، وهو الذِّلة والافتقار والعجز... وحلول الخِذْلَان بشيء واحد وهو العُجب) .

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:25 AM
آثار الخِذْلَان
ومِن آثار ومَضَار الخِذْلَان على الفرد والمجتمع:
1- انتشار عدوى الأنانيَّة وحبِّ الذَّات.
2- إيثار الرَّاحة، وتقديم المصلحة الخاصَّة على المصلحة العامَّة.
3- انعدام الشَّهامة ونجدة الملهوف، وإغاثة المنكوب.
4- انقطاع عُرَى الأخوَّة بين المسلمين.
5- الخِذْلَان مِن أسباب الهزيمة.
6- الخِذْلَان عار يقع على صاحبه.

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:26 AM
حكم الخِذْلَان
خِذْلَان المسلم لأخيه المسلم حرامٌ شرعًا، وذلك مثل أن يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البَطْش به، فلا يدفعه، أو يراه وهو يرتكب مخالفة شرعيَّة ولا ينهاه، وقد عدَّه ابن حجر الهيتمي من الكبائر .
قال المناوي: (خِذْلَان المؤمن حرامٌ شديد التَّحريم دنيويًّا كان مثل: أن يَقْدِر على دفع عدوٍّ يريد البطش به، فلا يدفعه، أو أخرويًّا: كأن يَقْدِر على نُصْحِه مِن غيِّه -بنحو وعظٍ-، فيترك) .
لكن ينبغي تقييد وجوب نصرته وتحريم خذلانه بما إذا لم يكن هناك عذر شرعي، قال النَّوويُّ: (قال العلماء: الخِذْل: ترك الإعانة والنَّصر، ومعناه: إذا استعان به في دفع ظالم ونحوه، لزمه إعانته إذا أمكنه، ولم يكن له عذر شرعيٌّ) .

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:28 AM
صور الخِذْلَان
ومِن صور الخِذْلَان:
1- خِذْلان المظلوم:
وقد عدَّها الهيتمي مِن الكبائر، وقال: (الكبيرة السَّادسة والسَّابعة والثَّامنة والتَّاسعة والأربعون والخمسون بعد الثَّلاثمائة: ظُلْم السَّلاطين والأمراء والقضاة وغيرهم مسلمًا أو ذِمِّيًّا بنحو أكل مال أو ضرب أو شتم أو غير ذلك، وخِذلان المظلوم مع القُدْرَة على نصرته، والدُّخول على الظَّلَمة مع الرِّضا بظلمهم وإعانتهم على الظُّلم والسِّعَاية إليهم بباطل) .
2- الخِذْلَان في الجهاد:
خِذْلَان المسلمين في الجهاد وعدم نصرتهم صفة مِن صفات المنافقين، قال الله تعالى فيهم: وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ الَّذِينَ قَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران: 167-168].
وروى الطَّبريُّ بإسناده مرسلًا قال: ((خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني: حين خرج إلى أحدٍ في ألف رجل مِن أصحابه، حتى إذا كانوا بالشَّوط -بين أحدٍ والمدينة- انخذل عنهم عبد الله بن أبي ابن سلول بثلث النَّاس، فقال: أطاعهم فخرج وعصاني، والله ما ندري علام ن*** أنفسنا هاهنا أيُّها النَّاس؟ فرجع بمن اتَّبعه مِن النَّاس مِن قومه مِن أهل النِّفاق وأهل الرِّيَب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة، يقول: يا قوم أذكِّركم الله أن تخذلوا نبيَّكم وقومكم عندما حضر مِن عدوِّهم. فقالوا: لو نعلم أنَّكم تقاتلون ما أسلمناكم، ولكنَّا لا نرى أن يكون قتال. فلمَّا استعصوا عليه، وأبوا إلَّا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم، ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:31 AM
أسباب الوقوع في الخِذْلَان
للوقوع في الخِذْلَان أسباب كثيرة منها:
1- البعد عن خِلَال الإيمان.
2- الاستعانة بغير الله.
3- طاعة الكافرين والمنافقين: قال تعالى: وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً [الأحزاب: 48].
4- مفارقة الإخوان: قال الماورديُّ: (قالت الحكماء: مَن لم يرغب بثلاث بُلِيَ بستٍّ: مَن لم يرغب في الإخوان بُلِيَ بالعداوة والخِذْلَان ..) .
5- الركون إلى الظَّالمين: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ [هود: 113].
6- التَّكالب على الدُّنيا وكراهية الموت، والإغراق في اللَّهو وطلب الرَّاحة.
7- العُجْبُ: فالعُجْبُ طريقٌ إلى خِذْلَان المرء، بحيث يَكِل الله العبد إلى نفسه فلا ينصره، وقد قال -جلَّ وعلا-: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة: 25] .
8- الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) وسوء الرَّأي: قال ابن القيِّم: (وصحَّة الرَّأي لقاح الشَّجَاعَة، فإذا اجتمعا كان النَّصر والظَّفر، وإن قعدا فالخِذْلَان والخيبة) .
9- عدم الرِّضا بالقضاء والقدر: قال الماورديُّ: (معاند القَدَر مَخْذُولٌ) .
10- ضعف رابطة الإيمان.
11- قطع الأرحام: قال الماورديُّ: (تعاطف الأرحام، وحميَّة القرابة يبعثان على التَّناصر والألفة، ويمنعان من التَّخاذل والفُرْقة) .
12- التَّعلُّق بغير الله: قال ابن القيِّم: (فأعظم النَّاس خِذْلَانًا مَن تعلَّق بغير الله، فإنَّ ما فاته مِن مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم ممَّا حصل له ممَّن تعلَّق به، وهو معرَّضٌ للزَّوال والفوات. ومثل المتعلِّق بغير الله، كمثل المستظلِّ مِن الحرِّ والبرد ببيت العنكبوت، وأوهن البيوت) .
13- القرب مِن السِّفْلَة واطِّراح ذوي الأحساب والمروءات: قال الأبشيهيُّ: (مَن قرَّب السِّفْلَة واطَّرح ذوي الأحساب والمروءات استحقَّ الخِذْلَان) .
14- الافتراق والاختلاف في الدِّين، قال تعالى: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46].

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:33 AM
الحِكَم والأمثال في الخِذْلَان
- إنَّ مع الكثرة تَخَاذلًا ومع القلَّة تماسكًا.
يعني في كثرة الجيش وقلَّته .
- مِن كِلاَ جَنْبَيْك لا لبَّيك.
ويُرْوى (جانبيك) وهما سواء، يُضْرَب للمَخْذُول .
- مَن فاز بفلان فاز بالسَّهم الأخيب.
لمِن يَخْذُل في وقت الحاجة

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:40 AM
ذم الخِذْلَان في واحة الشِّعر
وقال طالب بن أبي طالب:

ألا إنَّ كَعْبًا في الحروبِ تخاذلوا *** فأَرْدَتْهُم الأيَّامُ واجترحوا ذَنْبا


وقال زيد الخيل:

فلو أنَّ نصرًا أصلحتْ ذاتَ بيننا *** لضحَّت رويدًا عن مطالبِها عمرُو



ولكن نصرًا أرتعتْ وتخاذلتْ *** وكانت قديمًا مِن خلائقها الغَفْرُ


وقال زهير بن أبي سلمى:

ألم ترَ للنُّعمانِ كان بنجوةٍ *** مِن الشَّرِّ لو أنَّ امرأً كان ناجيا



فلم أرَ مخذولًا له مثلُ ملكِه *** أقلَّ صديقًا باذلًا أو مواسيا


وقال الأعشى:

بينَ مغلوبٍ تليلٍ خدُّه *** وخَذُولِ الرِّجلِ مِن غير كسحِ


وقال الشَّاعر:

مَن يتَّقِ الله يُحْمَدْ في عواقبِه *** ويَكفِه شرَّ مَن عزُّوا ومَن هانوا



مَن استعان بغيرِ اللهِ في طلبٍ *** فإنَّ ناصرَه عجزٌ وخِذْلانُ


وقال عبيد العنبري:

إذا ما أراد اللهُ ذلَّ قبيلةٍ *** رماها بتشتيتِ الهوى والتَّخَاذلِ


وقال ابن الصبَّاغ الجذامي:

لا غروَ أنَّ الدَّمعَ يمحو جريه *** بالخدِّ سكبًا ما جناه الجاني



للهِ قومٌ أخلصوا فتخَلَّصوا *** مِن آفةِ الخسرانِ والخِذْلَان


وقال الشَّاعر:

وقد كنتُ أرجو منكم خيرَ ناصرٍ *** على حينِ خِذْلَانِ اليمينِ شمالها



فإن أنتم لم تحفظوا لمودَّتي *** ذمامًا فكونوا لا عليها ولا لها


قال مهلهل:

وابكينَ للأيتامِ لـمَّا أقحطوا *** وابكين عندَ تخاذلِ الجيرانِ



وابكين مصرعَ جيدِه متزمِّلًا *** بدمائِه فلذاك ما أبكاني

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=S-IqUrCgIcrC7AaW0IDIBg&psig=AFQjCNE-I3Jn4iwkLHtPssouXSD4rmJKgw&ust=1378628555608803)

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:42 AM
الخيانة

معنى الخيانة لغةً واصطلاحًا
معنى الخيانة لغةً:
الخيانة نقيض الأمانة، من خانه خَوْنًا وخيانة ومَخَانة، واختانه، فهو خائن وخائنة وخؤون وخَوَّان والجمع خانة وخَوَنَةً وخُوَّان، ويقال: خُنْتُ فلانًا، وخنت أمانة فلان .
معنى الخيانة اصطلاحًا:
قال الراغب: (الخيانة مخالفة الحق بنقض العهد في السر) . (والأظهر أنها شاملة لجميع التكاليف الشرعية) .
وقيل: هي (الاستبداد بما يؤتمن الإنسان عليه من الأموال والأعراض والحرم، وتملك ما يستودع، ومجاحدة مودعه) .
وقال ابن عاشور: (وحقيقة الخيانة عمل من اؤتمن على شيء بضد ما اؤتمن لأجله، بدون علم صاحب الأمانة) .

محمد رافع 52
16-09-2013, 11:44 AM
الفرق بين الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) وبعض الصفات
- الفرق بين الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) والسرقة:
قال ابن قتيبة: (لا يكاد الناس يفرقون بين الخائن والسارق.
والخائن الذي ائتمن فأخذ، قال النمر بن تولب:

وإن بني ربيعة بعد وهب *** كراعي البيت يحفظه فخانا!


والسارق من سرقك سرًّا بأي وجه كان، يقال: كلُّ خائن سارق، وليس كل سارق خائنًا) .
- الفرق بين الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) والنفاق:
(الخيانة والنفاق واحد، إلا أنَّ الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) تُقال اعتبارًا بالعهد والأمانة، والنفاق يقال اعتبارًا بالدين) .

محمد رافع 52
17-09-2013, 11:26 PM
ذم الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) والنهي عنها

أولًا: في القرآن الكريم

- قال الفيروزآبادي عن ورود هذه الصفة في القرآن: (قد وردت في القرآن على خمسة أَوجه:
الأَوّل: في الدِّين والدِّيانة وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ [الأنفال: 27].
الثاني: في المال والنِّعمة وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا [النساء: 105].
الثالث: في الشرع والسنَّة وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ [الأنفال: 71]. أي: إِن تركوا الأَمانة في السُّنَّة فقد تركوها فى الفريضة.

الرّابع:
الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) بمعنى الزِّنى وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52]. أي: الزَّانين.
الخامس: بمعنى نَقْض العهد والبيعة وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً [الأنفال: 58]. أي: نقض عهد) .
ولقد وردت الآيات التي تحذر من

الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) بعدة سياقات، فمنها قوله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ [الحج: 38].
قال ابن كثير: (وقوله: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو

الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها) .
وقال سبحانه: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الأنفال: 58]. (يقول تعالى ذكره: وإما تخافنَّ يا محمد من عدوٍّ لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده، وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) والغدر. فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء. يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنَّك قد فسخت العهد بينك وبينهم؛ بما كان منهم من ظهور آثار الغدر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2424) والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر. إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد) .
- وقال عزَّ مِن قائل: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا [النساء: 105-108].
قال السعدي: (قوله: وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا أي: لا تخاصم عن من عرفت خيانته، من مدعٍ ما ليس له، أو منكر حقًّا عليه، سواء علم ذلك أو ظنه. ففي هذا دليل على تحريم الخصومة في باطل، والنيابة عن المبطل في الخصومات الدينية والحقوق الدنيوية) .
- وقال عز وجل: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10].
قال ابن كثير في قوله: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا (أي: في مخالطتهم المسلمين ومعاشرتهم لهم، أنَّ ذلك لا يجدي عنهم شيئًا ولا ينفعهم عند الله، إن لم يكن الإيمان حاصلًا في قلوبهم، ثم ذكر المثل فقال: اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ. أي: نبيين رسولين عندهما في صحبتها ليلًا ونهارًا، يؤاكلانهما، ويضاجعانهما، ويعاشرانهما أشدَّ العشرة والاختلاط فَخَانَتَاهُمَا أي: في الإيمان، لم يوافقاهما على الإيمان، ولا صدقاهما في الرسالة، فلم يجدِ ذلك كلُّه شيئًا، ولا دفع عنهما محذورًا؛ ولهذا قال: فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أي: لكفرهما، وَقِيلَ أي: للمرأتين: ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ وليس المراد: فَخَانَتَاهُمَا في فاحشة، بل في الدين، فإنَّ نساء الأنبياء معصومات عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء) .
- وقال سبحانه: قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَاْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 51-52].
قال السعدي في قوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ. (يحتمل أنَّ مرادها بذلك زوجها أي: ليعلم أني حين أقررت أني راودت يوسف، أني لم أخنه بالغيب، أي: لم يجرِ مني إلا مجرد المراودة، ولم أفسد عليه فراشه، ويحتمل أنَّ المراد بذلك ليعلم يوسف حين أقررت أني أنا الذي راودته، وأنه صادق أني لم أخنه في حال غيبته عني. وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ فإنَّ كلَّ خائن، لا بدَّ أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره) .

محمد رافع 52
17-09-2013, 11:31 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) .
قال ابن عثيمين في قوله: ((إذا اؤتمن خان)): (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنَّه بئس الضجيع ، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة )) .
- وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم))- قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة- قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمَن)) .

قال النووي في معنى الجمع في قوله: يخونون ولا يؤتمنون. (أنهم يخونون خيانة ظاهرة؛ بحيث لا يبقى معها أمانة، بخلاف من خان بمقيد مرة واحدة، فإنه ويصدق عليه أنه خان
الأمانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/108) في بعض المواطن) .
- وعن جابر رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخوَّنهم، أو يلتمس عثراتهم)) .
قال ابن بطال: (فبين النبي عليه السلام، بهذا اللفظ المعنى الذي من أجله نهى عن أن يطرق أهله ليلًا. فإن قيل: وكيف يكون طروقه أهله ليلًا سببًا لتخونهم؟ قيل: معنى ذلك، والله أعلم، أن طروقه إياهم ليلًا هو وقت خلوة، وانقطاع مراقبة الناس بعضهم بعضًا، فكان ذلك سببًا لسوء ظن أهله به، وكأنَّه إنما قصدهم ليلًا ليجدهم على ريبة، حين توخَّى وقت غرَّتهم وغفلتهم. ومعنى الحديث النهي عن

التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على أهله، ولا تحمله غيرته على تهمتها، إذا لم يأنس منها إلا الخير) .

محمد رافع 52
17-09-2013, 11:32 PM
أقوال السلف والعلماء في الخيانة:
- عن أنس بن مالك قال: (إذا كانت في البيت خيانة ذهبت منه البركة) .
- (وكان شريح يقضي في المضارب بقضائين: كان ربما قال للمضارب: بينتك على مصيبة تعذر بها. وربما قال لصاحب المال: بينتك أن أمينك خائن، وإلا فيمينه بالله ما خانك) .
- وعن خالد الربعي قال: كان يقال: (إنَّ من أجدر الأعمال أن لا تؤخِّر عقوبته، أو يعجل عقوبته،
الأمانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/108) تُخان، والرحم تُقطع، والإحسان يُكفر) .
- وعن مجاهد، قال: (المكر والخديعة والخيانة في النار، وليس من أخلاق المؤمن المكر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2761) ولا الخيانة) .
- وعن ميمون بن مهران قال: (ثلاثة المسلم والكافر فيهن سواء: من عاهدته وفِّ بعهده مسلمًا كان أو كافرًا، فإنما العهد لله عزَّ وجلَّ، ومن كانت بينك وبينه رحم فصلها، مسلمًا كان أو كافرًا ومن ائتمنك على أمانة فأدِّها إليه مسلمًا كان أو كافرًا).
- وقال الفضيل بن عياض: (أصل الإيمان عندنا وفرعه وداخله وخارجه بعد الشهادة بالتوحيد، وبعد الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالبلاغ، وبعد أداء الفرائض - صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وترك الخيانة، ووفاء بالعهد، وصلة الرحم، والنصيحة لجميع المسلمين) .
- وذكر أعرابي رجلًا خائنًا فقال: (إنَّ الناس يأكلون أماناتهم لقمًا، وإن فلانًا يحسوها حسوًا) .
- وقال الماوردي: (وأما الاستسرار بالخيانة فضعة؛ لأنَّه بذُلِّ الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) مهين، ولقلة الثقة به مستكين. وقد قيل في منثور الحكم: من يخن يهن. وقال خالد الربعي: قرأت في بعض الكتب السالفة: أن مما تعجل عقوبته ولا تؤخر: الأمانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/108) تخان، والإحسان يكفر، والرحم تقطع، والبغي على الناس.
ولو لم يكن من ذم الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) إلا ما يجده الخائن في نفسه من المذلة، لكفاه زاجرًا، ولو تصور عقبى أمانته وجدوى ثقته، لعلم أنَّ ذلك من أربح بضائع جاهه، وأقوى شفعاء تقدمه مع ما يجده في نفسه من العزِّ، ويقابل عليه من الإعظام) .
- وقال أيضًا: (والداعي إلى الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) شيئان: المهانة وقلة الأمانة، فإذا حسمهما عن نفسه بما وصفت ظهرت مروءته) .
- وقال العارف المحاسبي: (ثلاثة عزيزة أو معدومة: حسن وجه مع صيانة، وحسن خلق مع ديانة، وحسن إخاء مع أمانة) .
- وقال حكيم: (لو علم مضيع الأمانة، ما في النكث والخيانة، لقصر عنهما عنانه.
- وقالوا: من خان مان ، ومن مان هان، وتبرأ من الإحسان) .
- وقال ابن حزم: (الخيانة في الحرم أشدُّ من الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في الدماء، العرض أعزُّ على الكريم من المال، ينبغي للكريم أن يصون جسمه بماله، ويصون نفسه بجسمه، ويصون عرضه بنفسه، ويصون دينه بعرضه، ولا يصون بدينه شيئًا) .

محمد رافع 52
17-09-2013, 11:34 PM
آثار الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182)

1- تسخط الله عزَّ وجلَّ على العبد.
2- داء وبيل إذا استشرى بالإنسان جرده من إنسانيته، وجعله وحشًا يهيم وراء ملذاته.
3- من علامات النفاق.
4- طريق موصل إلى العار في الدنيا، والنار في الآخرة.
5- أسوأ ما يبطن الإنسان.
6- انتشار الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في المجتمع من علامات اضمحلاله.
7- انتشار الغلول والرشوة والمطل والغش؛ لأنها كلها من الخيانة.
8- فقدان الثقة بين أفراد المجتمع.
9- تفكك أواصر المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) والتعاون بين أفراد المجتمع.
10- أنها تسبب المهانة والذُّل لصاحبها.

محمد رافع 52
17-09-2013, 11:38 PM
حكم الخيانة

ذهب عدد من العلماء إلى أن الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) من الكبائر، كالذهبي وابن حجر الهيتمي . قال الذهبي: (قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال: 27]، قال الواحدي: نزلت هذه الآية في أبي لبابة، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة لما حاصرهم، وكان أهله وولده فيهم، فقالوا: يا أبا لبابة، ما ترى لنا إن نزلنا على حكم سعد فينا؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه - أي أنه ال*** فلا تفعلوا - فكانت تلك منه خيانة لله ورسوله، قال أبو لبابة: فما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني خنت الله ورسوله. وقوله: وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ. عطف على النهي، أي: ولا تخونوا أماناتكم، قال ابن عباس: الأمانات الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد . يعني الفرائض يقول: لا تنقضوها، قال الكلبي: أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما. وأما خيانة الأمانة: فكلُّ واحد مؤتمن على ما افترضه الله عليه إن شاء خانها، وإن شاء أدَّاها لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى، وقوله: وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ. أنها أمانة من غير شبهة، وقال تعالى: وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52]، أي: لا يرشد كيد من خان أمانته، يعني أنَّه يفتضح في العاقبة بحرمان الهداية، وقال عليه الصلاة والسلام: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)) .) . ثم سرد الذهبي الأحاديث التي تحث على الأمانة، وتنهى عن الخيانة.

محمد رافع 52
17-09-2013, 11:43 PM
صور الخيانة

الخيانة من صفات المنافقين البارزة، فالمنافق إذا سنحت له فرصة الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) لم يضيعها أو يدعها تفوت؛ جريًا وراء المغنم، وأصل الخون النقص، كما أنَّ أصل الوفاء التمام، واستعماله ضد الأمانة؛ لأنَّ الخون النقص والضياع، وما أبشع الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) بقدر ما يعظم قدر الأمانة، يقول الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: 72]، وقد نهى الله تعالى عن الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) بأصنافها، وأنواعها . وصورها كالتالي:
1- خيانة الله ورسوله:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 28].
قال ابن حجر الهيتمي: (وقوله عزَّ وجلَّ: وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ. عطف على النهي، أي: ولا تخونوا أماناتكم.
قال ابن عباس: الأمانات: الأعمال التي ائتمن الله تعالى عليها العباد .
أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما.
وأما خيانة الأمانات فكل أحد مؤتمن على ما كلفه الله به، فهو سبحانه مُوقفه بين يديه، ليس بينه وبينه ترجمان، وسائله عن ذلك هل حفظ أمانة الله فيه أو ضيعها؟ فليستعد الإنسان بماذا يجيب الله تعالى به إذا سأله عن ذلك، فإنه لا مساغ للجحد ولا للإنكار في ذلك اليوم، وليتأمل قوله تعالى: وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52] أي: لا يرشد كيد من خان أمانته، بل يحرمه هدايته في الدنيا، ويفضحه على رءوس الأشهاد في العقبى، فالخيانة قبيحة في كلِّ شيء) .
2- خيانة النفس:
وهي أن يفعل المرء من الذنوب ما لا يطلع عليه إلا الله، ويخون به أمر الله تعالى بألا يفعل، مثلما وقع من بعض المسلمين من الرفث إلى النساء ليلة الصيام، فعن ابن عباس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ [البقرة: 187] وقوله تعالى: تختانون من الاختيان، وهو أبلغ من الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) كالاكتساب من الكسب .
3- خيانة الناس وهي أنواع:
- الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في الأموال: وتتمثل في أكل المال الذي يؤتمن عليه الإنسان، ومن ذلك مال الوديعة، قال ابن عثيمين في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اؤتمن خان)) قال: (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه، فمثلًا إذا أعطي وديعة، وقيل له: خذها احفظها، دراهم أو ساعة أو قلم أو متاع أو غير ذلك، يكون فيها يستعملها لنفسه، أو يتركها فلا يحفظها في مكانها، أو يُظْفِرُ بها من يتسلَّط عليه ويأخذها، المهم أنه لا يؤدي الأمانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/108) فيها)) .
- إفشاء السر: وقد تكون خيانة الناس بإفشاء السر الذي يُؤتمن عليه الإنسان، إلا إذا كان في ذلك الإفشاء مصلحة أقوى، مثل: إظهار الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة أهل العدل، وصيانة مصلحة الأمة.
ولكن أكثر ما تكون الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في إفشاء الأسرار الخاصة التي لا تهمُّ غير صاحبها، مثل عورات البيوت، وأسرار العائلات، والأزواج.. فليتقِ الله من يطَّلع على شيء من ذلك إذا ائتمنه عليه أصحاب الشأن؛ لاستشارة أو لقيام بينهم بصلح.
كما يكون ذلك الإفشاء وخيانة الأمانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/108) ممن يطلعون بحكم علمهم على أسرار الناس، كالأطباء والممرضات فهؤلاء يعلمون من أسرار المرضى ما لا ينبغي أن يُذاع، وكذلك من يقومون بغسل الموتى، وتكفينهم، ودفنهم، فقد وجب عليهم ألا يخونوا أماناتهم، وأن يحفظوا ما علموا سرًّا .
(وقال الحسن: إنَّ مِن الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) أن تحدث بسرِّ أخيك.
ويُروى أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه: يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: فقلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه؟! فقال: لا والله يا بني، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ، قال: فأتيت معاوية فأخبرته. فقال: يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ) .
- الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في النصيحة: ومن صور خيانة الناس كذلك الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في النصيحة، كمن يزكِّي فاسقًا، أو يخفي مالًا مسروقًا، أو يؤوي مجرمًا، أو يعين قاطع طريق. أو من ينصح غيره بما يؤذيه في الدنيا أو الآخرة من الإفساد وقطيعة الرحم .
- الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) الزوجية: وهي من أبشع صور الخيانة: خيانة الزوجة لزوجها في ماله وعرضه، بالسرقة والزنا، وخيانة الرجل لزوجته بالسرقة والزنا كذلك.. .
- الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في الولايات: كأن يكون الإنسان وليًّا على يتيم؛ على ماله وحضانته وتربيته، فيهمل ماله، ولا يقوم بالواجب، أو يأكل ماله وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10].
- ومن صور الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) أيضًا: عدم القيام بواجب التربية في الأهل والأولاد، وقد ائتمنه الله عليهم قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ .

محمد رافع 52
17-09-2013, 11:45 PM
الخيانة من صفات اليهود

(وصف الله اليهود إلا قليلًا منهم بأنهم أهل خيانة، فقال تعالى لرسوله: وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ [المائدة: 13].
فهذه الآية تدلُّ على أنَّ الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) من الصفات التي تبرز في اليهود بين حين وآخر، فالخيانة شأنهم وديدنهم، وطريقتهم في معاملة الناس.
فمن خيانتهم محاولتهم اغتيال الرسول، وقد كان بينه وبينهم عهد أمان.
ومن خيانتهم تواطؤهم مع الأحزاب، وقد كان بينهم وبين الرسول عهد وأمان) .
في أي شيء كانت خيانة امرأة نوح وامرأة لوط؟
قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ [التحريم: 10].
فخيانة امرأة نوح وامرأة لوط لم تكن في العرض وإنما كانت في الدين. قال ابن كثير: (وليس المراد: فَخَانَتَاهُمَا في فاحشة، بل في الدين، فإنَّ نساء الأنبياء معصوماتٌ عن الوقوع في الفاحشة؛ لحرمة الأنبياء) . فـ(هذه الآية الكريمة مثل ضربه الله لمخالطة الكافر للمسلم، وأنَّ الكافر لا ينفعه مخالطة المسلم، ما دام أنَّه لم يدخل في الإسلام، فإنَّه في يوم القيامة يكون في النار، ولا تنفعه معاشرته للمسلم ومخالطته للمسلم، وإن توثقت الصداقة والعلاقة؛ لأنَّه ليس بمسلم. أما الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) التي حصلت من امرأة نوح وامرأة لوط فهي خيانة الملة؛ لأنَّ امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين، فخانتاهما في الدين، حيث لم تدخلا في دين زوجيهما، فهذا يعتبر خيانة، وليس خيانة عرض؛ لأن فرش الأنبياء معصومة عليهم الصلاة والسلام، لا يمكن أن يتزوج نبي بامرأة خائنة في عرضها؛ لأنهم معصومون عليهم الصلاة والسلام من ذلك، وفرشهم معصومة. فالمراد هنا بالخيانة خيانة الدين. وقيل: إنَّ خيانتهما أنَّ امرأة نوح كانت تخبر الكفار بأسرار نوح عليه الصلاة والسلام، تصفه بأنَّه مجنون، وخيانة امرأة لوط أنها كانت تدلُّ قومها على أضياف لوط؛ ليفعلوا بهم الفاحشة. فهما خائنتان للأمانة التي بينهما وبين زوجيهما من ناحية حفظ السرِّ، وعدم الدلالة على ما عندهما من الأسرار ومن الأضياف وغير ذلك، فهذا هو نوع الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) الواقع. والحاصل: أنَّ هذه الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) ليست خيانة في العرض، بل هي إما في الدين، وإما خيانة في عدم حفظ الأسرار) .

محمد رافع 52
17-09-2013, 11:50 PM
ذم الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في واحة الشعر

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:


أدِّ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ *** واعدلْ ولا تظلمْ يطيبُ المكسبُ



قال ابن همام:


فأنت امرؤٌ إمَّا ائتمنتُك خاليًا *** فخنتَ، وإما قلتَ قولًا بلا علمِ



وإنَّك في الأمرِ الذي قد أتيتَه *** لفي منزلٍ بينَ الخيانةِ والإثمِ



وقال الشاعر:


أخلقْ بمن رضي الخيانةَ شيمةً *** أن لا يُرى إِلا صريعَ حوادثِ



ما زالتِ الأرزاءُ تُلحق بؤسَها *** أبدًا بغادرِ ذمةٍ أو ناكثِ



وقال آخر:


شرُّ المصائبِ ما جنتْه يدٌ *** لم يُثنها عن ظلمِها رحمُ



والعارُ حيٌّ لا يموتُ إذا *** قدم الزمانُ وبادت الأممُ



إنَّ الخيانةَ ليس يغسلُها *** مِن خاطئٍ دمعٌ ولا ندمُ

محمد رافع 52
18-09-2013, 12:42 AM
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=wdk4Ur2kJOuQ0QW_g4GICA&psig=AFQjCNEeFc_5ML__Lk1XJAssHbB6h74Dgw&ust=1379543873644592)

الذُّل
تعريف الذُّل لغةً واصطلاحًا

تعريف الذُّل لغةً:
الذُّل: نقيض العزِّ، وأصل هذه المادة يدلُّ على الخُضوع، والاستكانة، واللِّين، يقال: ذلَّ يذِلُّ ذُلًّا وذِلَّة وذَلالة ومَذلَّة، إذا ضَعُف وهان، فهو ذليل بيِّن الذُّل والمذلة من قوم أذلاء وأذلة وذلال. والذُّل: الخسة. وتذلل له: أي: خضع .
تعريف الذُّل اصطلاحًا:
قال ابن عاشور: (الذلة: خضوع في النفس، واستكانة من جراء العجز عن الدفع) .
وقال العسكري: (الذلة الضعف عن المقاومة) .

محمد رافع 52
18-09-2013, 12:45 AM
الفرق بين الذُّل وبعض الصفات

- الفرق بين الذُّل و الضعة:
الذُّل: بسبب خارجي عن الإنسان بأن يقهره غيره .
الضعة: إنما هي بفعل المرء بنفسه، وقد يسمَّى ذليلًا؛ لأنه يستحق الذُّل .
- الفرق بين الذُّل و الصَّغار:
(الصغار هو الاعتراف بالذُّل والإقرار به، وإظهار صغر، وخلافه الكبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2642) وهو إظهار عظم الشأن، وفي القرآن سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللّهِ [الأنعام: 124] وذلك أنَّ العصاة بالآخرة مقرون بالذلِّ، معترفون به، ويجوز أن يكون ذليل لا يعترف بالذلِّ) .
- الفرق بين الذُّل والخزي:
(الخزي ذلٌّ مع افتضاح، وقيل: هو الانقماع لقبح الفعل، والخزاية الاستحياء؛ لأنه انقماع عن الشيء لما فيه من العيب، قال ابن درستويه: الخزي الإقامة على السوء خزي يخزى خزيًا، وإذا استحيا من سوء فعله أو فعل به قيل خزي يخزى خزاية؛ لأنهما في معنى واحد، وليس ذلك بشيء؛ لأنَّ الإقامة على السوء والاستحياء من السوء ليسا بمعنى واحد) .
- الفرق بين الخضوع والذل:
الخضوع (هو التطامن ، والتطأطؤ، ولا يقتضي أن يكون معه خوف.. والخاضع المطأطئ رأسه وعنقه.. وقد يجوز أن يخضع الإنسان تكلفًا من غير أن يعتقد أن المخضوع له فوقه. الخضوع في البدن والإقرار بالاستجداء.
الذُّل الانقياد كرهًا، ونقيضه العزُّ وهو الإباء والامتناع، والانقياد على كره، وفاعله ذليل والذُّل والانقياد طوعًا، وفاعله ذلول) .
- الفرق بين التذلل والذُّل:
(التذلل فعل الموصوف به، وهو إدخال النفس في الذلِّ، كالتحلم إدخال النفس في الحلم، والذليل الفعول به الذُّل من قبل غيره في الحقيقة، وإن كان من جهة اللفظ فاعلًا، ولهذا يمدح الرجل بأنه متذلل، ولا يمدح بأنه ذليل؛ لأن تذلـله لغيره اعترافه له والاعتراف حسن، ويقال العلماء متذللون لله تعالى، ولا يقال أذلاء له سبحانه) .
- الفرق بين الإذلال والإهانة:
الإذلال:
إذلال الرجل للرجل أن يجعله منقادًا على الكره، أو في حكم المنقاد .
الإذلال لا يكون إلا من الأعلى للأدنى .
نقيض الإذلال الإعزاز .
الإهانة:
الهوان مأخوذ من تهوين القدر، وأن يجعل هذا المرء صغير الأمر لا يبالى به.
والاستهانة تكون من النظير للنظير.
نقيض الإهانة الإكرام .

محمد رافع 52
19-09-2013, 11:29 PM
ذم الذُّل والنهي عنه
أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [البقرة: 61].
قال ابن كثير: (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أي: وضعت عليهم وألزموا بها شرعًا وقدرًا، أي: لا يزالون مستذلين، من وجدهم استذلهم وأهانهم، وضرب عليهم الصغار، وهم مع ذلك في أنفسهم أذلاء متمسكنون.. وقال الضحاك: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ قال: الذل... وقال الحسن: أذلهم الله فلا منعة لهم، وجعلهم الله تحت أقدام المسلمين. ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية) .
- وقال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26 ].
قال الشوكاني: (قوله: وَتُذِلُّ مَن تَشَاء أي: في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما) .
وقال أبو حيان الأندلسي: (وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء قيل: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، حين دخلوا مكة في اثني عشر ألفًا ظاهرين عليها، وأذل أبا جهل وصناديد قريش حتى حزت رؤوسهم وألقوا في القليب. وقيل: بالتوفيق والعرفان، وتذل بالخذلان. وقال عطاء: المهاجرين والأنصار وتذل فارس والروم. وقيل: بالطاعة وتذل بالمعصية. وقيل: بالظفر والغنيمة وتذل بال*** والجزية. وقيل: بالإخلاص وتذل بالرياء. وقيل بالغنى وتذل بالفقر. وقيل: بالجنة والرؤية وتذل بالحجاب والنار، قاله الحسن بن الفضل. وقيل: بقهر النفس وتذل باتباع الخزي، قاله الوراق. وقيل: بقهر الشيطان وتذل بقهر الشيطان إياه، قاله الكتاني. وقيل: بالقناعة والرضا وتذل بالحرص والطمع، وينبغي حمل هذه الأقاويل على التمثيل؛ لأنه لا مخصص في الآية، بل الذي يقع به العزُّ والذُّلُّ مسكوت عنه) .
- وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152 ].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ إلهًا سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ، بتعجيل الله لهم ذلك وذلة وهي الهوان؛ لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم في الحياة الدنيا، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة) .

وقال ابن عاشور: (معنى: نيل الذلة إياهم أنهم يصيرون مغلوبين لمن يغلبهم، فقد يكون ذلك بتسليط العدو عليهم، أو بسلب الشَّجاعَة من نفوسهم. بحيث يكونون خائفين العدو، ولو لم يسلط عليهم، أو ذلة الاغتراب إذ حرمهم الله ملك الأرض المقدسة فكانوا بلا وطن طول حياتهم حتى انقرض ذلك الجيل كله، وهذه الذلة عقوبة دنيوية قد لا تمحوها التوبة، فإن التوبة إنما تقتضي
العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عن عقاب التكليف، ولا تقتضي ترك المؤاخذة بمصائب الدنيا، لأن العقوبات الدنيوية مسببات تنشأ عن أسبابها، فلا يلزم أن ترفعها التوبة إلا بعناية إلهية خاصة) .
- وقال تعالى: قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [النمل: 34].
قال الشوكاني: (وجعلوا أعزة أهلها أذلة أي: أهانوا أشرافها، وحطوا مراتبهم، فصاروا عند ذلك أذلة، وإنما يفعلون ذلك لأجل أن يتمَّ لهم الملك، وتستحكم لهم الوطأة، وتتقرر لهم في قلوبهم المهابة) .
وقال القاسمي: (معنى قولها: إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أي عنوة وقهرًا، أَفْسَدُوهَا أي أخربوها، وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً أي بالقهر، والغلبة، وال***، والأسر، ونهب الأموال، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) .
- وقال تعالى: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111].
قال الطبري: (ولم يكن له ولي من الذُّل يقول: ولم يكن له حليف حالفه من الذُّل الذي به، لأنَّ من كان ذا حاجة إلى نصرة غيره، فذليل مهين، ولا يكون من كان ذليلًا مهينًا يحتاج إلى ناصر إلهًا يطاع) .
قال ابن كثير: (ولم يكن له ولي من الذُّل أي: ليس بذليل فيحتاج أن يكون له ولي أو وزير أو مشير، بل هو تعالى شأنه خالق الأشياء وحده لا شريك له، ومقدرها ومدبرها بمشيئته وحده لا شريك له، قال مجاهد في قوله: وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ: لم يحالف أحدًا، ولا يبتغي نصر أحد، وكبره تكبيرًا أي: عظمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون علوًا كبيرًا) .
وقال القاسمي: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّأي ناصر من الذُّل ومانع له منه، لاعتزازه به. أو لم يوال أحدًا من أجل مذلة به، ليدفعها بموالاته) .
وقال ابن عطية: (قيد لفظ الآية نفي الولاية لله عز وجل بطريق الذُّل وعلى جهة الانتصار، إذ ولايته موجودة بتفضله ورحمته لمن والى من صالحي عباده) .

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:03 AM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة الباهلي قال -ورأى سكة وشيئًا من آلة الحرث-: فقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل)) .
قال ابن بطال: (قال المهلب: معنى هذا الحديث - والله أعلم - الحض على معالي الأحوال، وطلب الرزق من أشرف الصناعات لما خشي النبي على أمته من الاشتغال بالحرث، وتضييع ركوب الخيل والجهاد في سبيل الله؛ لأنهم إن اشتغلوا بالحرث غلبتهم الأمم الراكبة للخيل المتعيشة من مكاسبها، فحضهم على التعيش من الجهاد لا من الخلود إلى عمارة الأرض ولزوم المهنة، والوقوع بذلك تحت أيدي السلاطين وركاب الخيل. ألا ترى أن عمر قال: تمعددوا واخشوشنوا ، واقطعوا الركب، وثبوا على الخيل وثبًا لا يغلبكم عليها رعاة الإبل. أي دعوا التملك والتدلك بالنعمة، وخذوا أخشن العيش؛ لتتعلموا الصبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/784) فيه، فأمرهم بملازمة الخيل والتدريب عليها والفروسية؛ لئلا تملكهم الرعاة الذين شأنهم خشونة العيش، ورياضة أبدانهم بالوثوب على الخيل، وقد رأينا عاقبة وصيته فى عصرنا هذا، بميلنا إلى الراحة والنعمة. قال المؤلف: فمن لزم الحرث وغلب عليه، وضيع ما هو أشرف منه، لزمه الذُّل كما قال عليه السلام، ويلزمه الجفاء (http://dorar.net/enc/akhlaq/2006) فى خلقه لمخالطته من هو كذلك .... فمن شأن ملازمة هذه المهن توليد ما ذكر من هذه الصفات، ومن الذُّل الذى يلزم من اشتغل بالحرث ما ينوبه من المؤنة بخراج الأرضين) .
وفي الحديث: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليل، عزًّا يعزُّ الله به الإسلام، وذلًّا يذلُّ الله به الكفر)) . وكان تميم الداري، يقول: (قد عرفت ذلك في أهل بيتي، لقد أصاب من أسلم منهم الخير والشرف والعز، ولقد أصاب من كان منهم كافرًا الذُّل والصغار والجزية).
قال المباركفوري: (وذل. بضم الذال. ذليل. أي: أو يذله الله بها – كلمة الإسلام - حيث أباها بذل سبي أو قتال حتى ينقادون لها طوعًا أو كرهًا، أو يذعن لها ببذل الجزية، والحديث مقتبس من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة: 33]، ثم فسر العزَّ والذُّلَّ بقوله إما يعزهم الله أو يذلهم (فيدينون لها) بفتح الياء أي: فيطيعون وينقادون لها، من دان الناس أي: ذلوا وأطاعوا) .
وقال الألباني: (مما لا شكَّ فيه أنَّ تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء في معنوياتهم ومادياتهم وسلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر والطغيان) .
- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا ينبغي للمؤمن أن يذلَّ نفسه. قالوا: وكيف يذلُّ نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق)) .
ومعنى الحديث لا يجوز للمؤمن أن يأتي ما يكون سببًا في ذله وهوانه بالتعرض لما لا يطيق من البلاء، كأن يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر من لا يسلم غالبًا من أذاه على نفسه وماله وأهله، فليس له والحال كذلك أن يأمر أو ينهى لما يترتب عليه من ذل وهوان للمؤمن .

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:04 AM
آثار الذل
1- ضعف النفس وهوانها.
2- الاستضعاف من الآخرين، والاحتقار، والاستهانة بالذليل.
3- لحوق الخزي والعار بالإنسان الذليل والأمة الذليلة.
4- ضياع الحقوق.
5- تغلب الأعداء والهزيمة.
6- ضعف الإرادة والتخلف عن الرقي والريادة.

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:08 AM
أقسام الذل

ينقسم الذُّل إلى محمود ومذموم:
الذُّل المذموم:
وهو التذلل لغير الله على وجه الهوان والضعف والصغار والانكسار والذلة.
الذُّل المحمود:
قال الراغب الأصفهاني: (الذُّل متى كان من جهة الإنسان نفسه لنفسه فمحمود، نحو قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [المائدة: 54]) .
- ويشمل الذُّل المحمود:
1- الذُّل لله سبحانه وتعالى:
وهذا الذُّل عنوان العز والشرف والنصر في الدنيا والآخرة.
قال عمر بن عبد العزيز: (لا يتقي الله عبد حتى يجد طعم الذل) .
وقال الذهبي: (من خصائص الإلهية العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما: غاية الحب مع غاية الذُّل هذا تمام العبودية، وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين، فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه في خالص حقه) .
2- الذُّل للمؤمنين:
وهو بمعنى التراحم والتواضع والعطف، وليس بمعنى التذلل والانكسار على وجه الضعف والخور.
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة:54].
قال ابن القيم: (لما كان الذُّل منهم ذلَّ رحمة وعطف وشفقة وإخبات عدَّاه بأداة على تضمينًا لمعاني هذه الأفعال. فإنَّه لم يرد به ذلَّ الهوان الذي صاحبه ذليل. وإنما هو ذلُّ اللين والانقياد الذي صاحبه ذلول، فالمؤمن ذلول) .
وقال الطبري: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، أرقَّاء عليهم، رحماء بهم... ويعني بقوله: أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ، أشداء عليهم، غُلَظاء بهم) .
وقال ابن كثير: (قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ. هذه صفات المؤمنين الكُمَّل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه، متعززًا على خصمه وعدوه) .
3- الذُّل للوالدين:
قال تعالى: وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: وكن لهما ذليلًا رحمة منك بهما، تطيعهما فيما أمراك به مما لم يكن لله معصية، ولا تخالفهما فيما أحبَّا) .
وقال السعدي: (تواضع لهما ذلًّا لهما ورحمة واحتسابًا للأجر؛ لا لأجل الخوف منهما أو الرجاء لما لهما، ونحو ذلك من المقاصد التي لا يؤجر عليها العبد) .

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:16 AM
أسباب الوقوع في الذلِّ المذموم
1- الإشراك بالله تعالى والابتداع في الدين:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152]
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ إلهًا سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ، بتعجيل الله لهم ذلك وَذِلَّةٌ وهي الهوان، لعقوبة الله إياهم على كفرهم بربهم في الحياة الدنيا، في عاجل الدنيا قبل آجل الآخرة) .
وقال الشاطبي: (كلُّ من ابتدع في دين الله، فهو ذليل حقير بسبب بدعته، وإن ظهر لبادي الرأي عزُّه وجبروته، فهم في أنفسهم أذلاء. وأيضًا فإنَّ الذلة الحاضرة بين أيدينا موجودة في غالب الأحوال، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين، وفيما بعد ذلك؟ حتى تلبسوا بالسلاطين، ولاذوا بأهل الدنيا، ومن لم يقدر على ذلك، استخفى ببدعته، وهرب بها عن مخالطة الجمهور، وعمل بأعمالها على التقية) .
2- محاربة الله ورسوله ومخالفة أمرهما:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ [المجادلة: 20].
قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن الكفار المعاندين المحادين لله ورسوله، يعني: الذين هم في حدٍّ والشرع في حدٍّ، أي: مجانبون للحق مشاقون له، هم في ناحية والهدى في ناحية، أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ أي: في الأشقياء المبعدين المطرودين عن الصواب، الأذلين في الدنيا والآخرة) .
وقال الشوكاني: (أولئك في الأذلين أي: أولئك المحادون لله ورسوله، المتصفون بتلك الصفات المتقدمة، من جملة من أذلَّه الله من الأمم السابقة واللاحقة؛ لأنهم لما حادوا الله ورسوله صاروا من الذُّل بهذا المكان. قال عطاء: يريد الذُّل في الدنيا والخزي في الآخرة) .
3- النفاق والاعتزاز بغير الله سبحانه وتعالى:
قال تعالى: يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8].

قال الكلاباذي: (قال الله عز وجل لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ، فكان الأذل هو الأعز عند نفسه بكثرة أتباعه وكثرة أنصاره..، فالذلة هي التعزز بمن لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ولا يملك موتًا ولا حياة ولا نشورًا، فهو كما قال الله عز وجل: ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج: 73]، فلا أذلَّ ممن ردَّ إلى نفسه الأمَّارة بالسوء، وانفرد في متابعة هواه، وظلمة رأيه، وانقطع عمن له العزة، فإنَّ
العزة (http://dorar.net/enc/akhlaq/934) لله، ولرسوله، وللمؤمنين.. فيجوز أن يكون الذلة التي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتعوذ منها متابعة الهوى في دين الله عز وجل، والتعزز بما دون الله تعالى) .
4- استمراء المعاصي وتسويف التوبة:
قال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران: 112].
قال أبو حيان الأندلسي: (لما ذكر تعالى حلول العقوبة بهم من ضرب الذلة والمسكنة، والمباءة بالغضب، بيَّن علة ذلك، فبدأ بأعظم الأسباب في ذلك، وهو كفرهم بآيات الله. ثم ثنَّى بما يتلو ذلك في العظم، وهو *** الأنبياء، ثم أعقب ذلك بما يكون من المعاصي، وما يتعدَّى من الظلم) .
وقال الحسن البصري: (أما والله، لئن تدقدقت بهم الهماليج ووطئت الرحال أعقابهم، إنَّ ذل المعاصي لفي قلوبهم، ولقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذله) .
5-

الكبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2642) والأنفة عن قبول الحق:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صورة الرجال، يغشاهم الذُّل من كلِّ مكان)) .
قال ابن القيم: (من تعاظم وتكبر ودعا الناس إلى إطرائه في المدح والتعظيم والخضوع والرجاء، وتعليق القلب به خوفًا ورجاءً والتجاءً واستعانةً، فقد تشبه بالله ونازعه في ربوبيته وإلهيته، وهو حقيق بأن يهينه غاية الهوان، ويذله غاية الذل، ويجعله تحت أقدام خلقه) .
6- اتباع الهوى:
قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: 23].
(قال ابن تيمية: من قهره هواه ذلَّ وهان، وهلك وباد) . وقال ابن القيم: (لكلِّ عبد بداية ونهاية، فمن كانت بدايته اتباع الهوى كانت نهايته الذُّل والصغار والحرمان والبلاء المتبوع بحسب ما اتبع من هواه، بل يصير له ذلك في نهايته عذابًا يعذب به في قلبه) .
وقال ابن القيم أيضًا: (تجد في المتبع لهواه - من ذلِّ النفس ووضاعتها ومهانتها وخستها وحقارتها ما جعله الله سبحانه فيمن عصاه... وقد جعل الله سبحانه العزَّ قرين طاعته، والذُّل قرين معصيته) .
7- مفارقة جماعة المسلمين:
قال الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115].
قال الكلاباذي: (فمن ...خالف أولياء الله عز وجل باتباعه غير سبيلهم، فهو الوحيد العزيز، الشريد، الطريد، الحقير، الذليل، النذر، القليل، جليس الشيطان، وبغيض الرحمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليكم بالجماعة، فإنَّ الذئب يأخذ الشاة...) .
8- ترك الجهاد وحب الدنيا وكراهية الموت:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة ، وتبعوا أذناب البقر ، وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليهم ذلًّا لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم)) .
قال ابن رجب: (من أعظم ما حصل به الذُّل من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ترك ما كان عليه من جهاد أعداء الله، فمن سلك سبيل الرسول صلى الله عليه وسلم عز، ومن ترك الجهاد مع قدرته عليه ذلَّ... ورأى النبي صلى الله عليه وسلم سكة الحرث فقال: ((ما دخلت دار قوم إلا دخلها الذلُّ)) . فمن ترك ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من الجهاد مع قدرته، واشتغل عنه بتحصيل الدنيا من وجوهها المباحة، حصل له من الذل، فكيف إذا اشتغل عن الجهاد بجمع الدنيا من وجوهها المحرمة؟!) .
وقال الحسن البصري: (قد رأينا أقوامًا آثروا عاجلتهم على عاقبتهم فذلوا وهلكوا وافتضحوا) . وقال الحسن: (ما أعزَّ أحد الدرهم إلا أذله الله) .
وقال أبو العتاهية:


ألا إنما التقوى هي العز والكرم *** وحبك للدنيا هو الذُّل والسقم



وليس على عبد تقي نقيصة *** إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم



9- البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) وشيوع الربا وأكل أموال الناس بالباطل:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا ضنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا بالعينة، وتبعوا أذناب البقر، وتركوا الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليهم ذلًّا لا يرفعه حتى يراجعوا دينهم)) .
10- إيذاء الصالحين واحتقارهم:
قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [الحجرات: 13].
وقال تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32 ].
قال المناوي: (فينبغي للإنسان أن لا يحتقر أحدًا، فربما كان المحتقر أطهر قلبًا، وأزكى عملًا، وأخلص نية، فإن احتقار عباد الله يورث الخسران، ويورث الذُّل والهوان) .
11- سؤال الناس والتطلع لما في أيديهم:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس؛ أعطوه أو منعوه)) .
قال ابن حجر: (فيه الحض على التعفف عن المسألة، والتنزه عنها، ولو امتهن المرء نفسه في طلب الرزق، وارتكب المشقة في ذلك، ولولا قبح المسألة في نظر الشرع لم يفضل ذلك عليها، وذلك لما يدخل على السائل من ذل السؤال، ومن ذل الرد إذا لم يعط) .
وقال ابن مفلح: (أولى الناس بحفظ المال، وتنمية اليسير منه، والقناعة بقليله توفيرًا لحفظ الدين والجاه، والسلامة من مننِ العوامِ الأراذلِ -العالم الذي فيه دين، وله أنفة من الذل) .
12- موالاة الكافرين:
قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا [النساء:139].
13- التحزب والتفرق وتنافر القلوب:
جاءت نصوص عديدة في الشريعة تحذر من التحزب والتفرق، لما لذلك من أثر سلبي من ضعف قوة المسلمين، وذهاب عزهم ولحوق الذُّل والمهانة بهم.
قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:103].
وقال تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران 105].
وقال تعالى: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 46].

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:21 AM
الوسائل المعينة على دفع الذل (http://dorar.net/enc/akhlaq/2202) واجتنابه

1- الإيمان بالله والمداومة على العمل الصالح:
قال الله تعالى: لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس: 26].
قال ابن كثير: (يخبر تعالى أنَّ لمن أحسن العمل في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح أبدله الحسنى في الدار الآخرة.. وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ أي: قتام وسواد في ***ات المحشر، كما يعتري وجوه الكفرة الفجرة من القترة والغبرة، وَلاَ ذِلَّةٌ أي: هوان وصغار، أي: لا يحصل لهم إهانة في الباطن ولا في الظاهر، بل هم كما قال تعالى في حقهم: فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا [الإنسان: 11] أي: نضرة في وجوههم، وسرورًا في قلوبهم) .
2- الاعتزاز بالله، والتمسك بدينه، وتطبيق شريعته:

قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنا كنا أذلَّ قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب
العزة (http://dorar.net/enc/akhlaq/934) بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله) .
وقال الحسن بن علي رضي الله عنهما: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر- وفيه -: ((إنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت)) .
قال بدر الدين العيني: (قوله: ((من واليت)) فاعل ((لا يذل)) أي: من واليته بمعنى: لا يذل من كنت له ولنا حافظًا وناصرًا) .
قال قتادة: (قوله: وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران: 103]، كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًّا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين على رأس حجر بين الأسدين: فارس، والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات رُدِّيَ في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا يومئذ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًّا وأدق فيها شأنًا منهم، حتى جاء الله عزَّ وجلَّ بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحلَّ لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإنَّ ربكم منعم يحبُّ الشاكرين، وإنَّ أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك) .
3- الدعاء بارتفاع الذُّل وحصول العز:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الفقر، والقلة، والذلة، وأعوذ بك من أن أَظْلِم أو أُظْلَم)) .
(قال الطِّيبي: - قوله - والذلة أي من أن أكون ذليلًا في أعين الناس؛ بحيث يستخفونه ويحقرون شأنه، والأظهر أن المراد بها الذلة الحاصلة من المعصية، أو التذلل للأغنياء على وجه المسكنة، والمراد بهذه الأدعية تعليم الأمة) .
4- موالاة الله ورسوله وصالح المؤمنين:
قال تعالى: يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ [المنافقون: 8].
فالعزة لله سبحانه ولرسوله وللمؤمنين، ومن والاهم وسار على هداهم ينتفي عنه ذل الدنيا والآخرة، ويحصل له عز الدنيا والآخرة .
5- طاعة الله ورسوله:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [ النساء: 59].
(لو أطاعوه -الرسول- لما أصابهم ما لحقهم من الذُّل والهوان بالفشل والهزيمة في الحرب تارة؛ وال*** والأسر تارة أخرى، وبالعجز المبين عن أن يقفوا في سبيل دعوته، ويمنعوا انتشارها في أقطار المعمورة، ويحولوا دون دخول الناس في دين الله أفواجًا، وما كان عنادهم ولا مجادلتهم عن يقين يعتقدونه، ولا شبه لم يجل الشك عنها، ولكن تكبرًا وعتوًا؛ مخافة أن تزول عنهم مناصب توارثوها، ومظاهر تخيلوا أن العز والمجد في المحافظة عليها) .
6- مخالفة هوى النفس:
قال ابن تيمية: (من قهر هواه عز وساد) . و قال ابن القيم: (من كانت بدايته مخالفة هواه وطاعة داعي رشده ،كانت نهايته العز والشرف والغنى، والجاه عند الله وعند الناس، قال أبو علي الدقاق: من ملك شهوته في حال شبيبته أعزه الله تعالى في حال كهولته) .
7-

القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) والزهد في الدنيا:
وهما سبب الخير في الدنيا والآخرة، فالحرص على الدنيا وتحصيل أكثر ما يستطاع منها؛ يفقد الإنسان الورع، فلا يبالي أخذها بعزة نفس أو ذلها، من حلال أو حرام .
8- الاعتصام بحبل الله، ونبذ الخلافات:
قال تعالى: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ [آل عمران: 103].
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا، وشبك أصابعه)) . ففي الاتحاد عزة وقوة، وفي التفرق ذل وضعف.
9- الأخذ بالأسباب المادية والمعنوية للعز والقوة:
قال الله تعالى: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60].

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:23 AM
أقوال في الذل

- قال الحسن البصري: (لقد أبى الله أن يعصيه عبد إلا أذلَّه) .
- وكان أحمد يدعو: (اللهم أعزَّنا بالطاعة، ولا تذلَّنا بالمعصية) .
- وقال الحكيم: (من اعتزَّ بمخلوق ذلَّ) .
الذُّل في أمثال العرب:
- كان جملًا فاستنوق. أي صار ناقة.
- ذُلٌّ؛ لو أجد ناصرًا:
أصله أن الحارث بن أبي شمر الغساني، سأل أنس بن أبي الحجير عن بعض الأمر، فأخبره؛ فلطمه الحارث، فقال أنس: ذل لو أجد ناصرًا. فلطمه ثانية، فقال: لو نهيت الأولى لم تلطم الثانية .
- كان حمارًا فاستأتن:
أي صار أتانًا بعد أن كان حمارًا. يضرب للرجل يهون بعد العز .

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:32 AM
ذم الذُّل في واحة الشعر

قال المتنبي:


وإلا تمتْ تحتَ السيوفِ مكرَّمًا *** تمتْ وتقاسي الذُّلَ غيرَ مكرمِ



وقال أيضًا:


ذلَّ مَن يغبطُ الذليلَ بعيشٍ *** ربَّ عيشٍ أخفُّ منه الحِمامُ



مَن يهُنْ يسهلِ الهوانُ عليه *** ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ



وقال الشاعر:


كم مِن عزيزٍ أُعْقِب الذُّلَّ عزُّه *** فأصبح مرحومًا وقد كان يُحْسَدُ



وقال جرير:


بكى دَوْبَلٌ لا يُرقئُ الله دمعَه *** ألا إنما يبكي مِن الذُّلِ دَوْبَلُ



وقال زهير:


ومَن لا يَزَلْ يسترحلُ الناسَ نفسَه *** ولا يُعْفِها يومًا مِن الذُّلِّ يندمِ



وقال طرفة:


بطيءٍ عن الجُلَّى سريعٍ إلى الخَنا *** ذليلٍ بأجماعِ الرجالِ مُلَهَّدِ



وقال النابغة الجعدي:


يا أيُّها الناسُ هل ترون *** إلى فارسَ بادتْ وأنفُها رغِمَا



أمسَوْا عبيدًا يرعون شاءَكمُ *** كأنَّما كان ملكُهم حلمَا



أو سبأَ الحاضرين مأربَ*** إذ يبنون مِن دونِ سيلِه العَرِمَا



فمُزِّقوا في البلادِ واغترفوا *** الذُّلَ وذاقوا البأساءَ والعدمَا



وبُدِّلوا السِّدْرَ والأراكَ به *** الخمطَ وأضحى البنيانُ منهدمَا



وقال ابن الأعرابي:


إذا كان بابُ الذُّلِّ مِن جانبِ الغِنى *** سموتُ إلى العلياءِ مِن جانبِ الفقرِ


http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=THs7UtWUNOmg0QXp-4DIAg&psig=AFQjCNESHAbT17srA4_fTgTfxLucfMNIsA&ust=1379716300898975)

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:37 AM
السخرية والاستهزاء
معنى السخرية والاستهزاء لغةً واصطلاحًا
معنى السخرية لغةً:
يقال: سَخِرَ منه وبه سَخْرًا وسَخَرًا ومَسْخَرًا وسُخْرًا بالضم وسُخْرَةً وسِخْرِيًّا وسُخْرِيًّا وسُخْرِيَّة: هزئ به، والاسم السخرية والسُّخري ويكسر .
معنى السخرية اصطلاحًا:
معنى السخرية الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في القول والفعل، وقد يكون بالإشارة والإيماء .
معنى الاستهزاء لغةً:
الاستهزاء مصدر قولهم: استهزأ يستهزأ، يقال: هَزَأ منه وهَزِأ به، يَهْزَأُ هُزْءًا بِالضم، وهُزُءًا بِضَمَّتَيْنِ، وهُزُوءًا بالضم والمدِّ، ومَهْزُأَةً على مَفْعُلَة بضم العين، أي: سَخِر منه .
معنى الاستهزاء اصطلاحًا:
الاستهزاء هو: ارتياد الهزء من غير أن يسبق منه فعل يستهزأ به من أجله .
وقال ابن تيمية: (الاستهزاء هو: السخرية؛ وهو حمل الأقوال والأفعال على الهزل واللعب لا على الجد والحقيقة، فالذي يسخر بالناس هو الذي يذم صفاتهم وأفعالهم ذمًّا يخرجها عن درجة الاعتبار، كما سخروا بالمطوِّعين من المؤمنين في الصدقات) .

محمد رافع 52
20-09-2013, 12:40 AM
الفرق بين الاستهزاء والسخرية وبعض الصفات
- الفرق بين الاستهزاء والسخرية:
(أن الإنسان يستهزأ به من غير أن يسبق منه فعل يستهزأ به من أجله.
والسخر: يدل على فعل يسبق من المسخور منه، والعبارة من اللفظين تدل عن صحة ما قلناه، وذلك أنك تقول: استهزأت به. فتعدى الفعل منك بالباء، والباء للإلصاق كأنك ألصقت به استهزاء من غير أن يدل على شيء وقع الاستهزاء من أجله، وتقول: سخرت منه. فيقتضي ذلك من وقع السخر من أجله، كما تقول: تعجبت منه. فيدل ذلك على فعل وقع التعجب من أجله) .
- الفرق بين السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) واللعب:
(أن في السخرية: خديعة واستنقاصًا لمن يسخر به، ولا يكون إلا بذي حياة.
وأما اللعب: فقد يكون بجماد، ولذلك أسند سبحانه السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) إلى الكفار بالنسبة إلى الأنبياء كقوله سبحانه: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ [هود: 38]) .
- الفرق بين المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) والاستهزاء:

(أن
المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) لا يقتضي تحقير من يمازحه ولا اعتقاد ذلك، ألا ترى أن التابع يمازح المتبوع من الرؤساء والملوك ولا يقتضي ذلك تحقيرهم، ولا اعتقاد تحقيرهم، ولكن يقتضي الاستئناس بهم، والاستهزاء: يقتضي تحقير المستهزأ به واعتقاد تحقيره) .

....رولا....
20-09-2013, 11:44 AM
بارك الله فيك وجزاك الله الفردوس الاعلى

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:00 PM
بارك الله فيك وجزاك الله الفردوس الاعلى
اشكرك اختى الكريمة
جزاكم الله عنا خيرا

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:09 PM
ذمُّ السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) والاستهزاء والنهي عنهما

- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات: 11].
قال ابن كثير: (ينهى تعالى عن السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) بالناس، وهو احتقارهم والاستهزاء بهم،... فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرًا عند الله، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له؛... وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ. أي: لا تلمزوا الناس. والهماز اللماز من الرجال مذموم ملعون... وقوله: وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ. أي: لا تتداعوا بالألقاب، وهي التي يسوء الشخص سماعها) .
وقال ابن جرير: (إنَّ الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميع معاني السخرية، فلا يحلُّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقره، ولا لذنب ركبه، ولا لغير ذلك) .
- وقال سبحانه: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ [الهمزة: 1-4].
(وَيْلٌ أي: وعيد، ووبال، وشدة عذاب لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الذي يهمز الناس بفعله، ويلمزهم بقوله، فالهماز: الذي يعيب الناس، ويطعن عليهم بالإشارة والفعل، واللماز: الذي يعيبهم بقوله. ومن صفة هذا الهماز اللماز، أنه لا همَّ له سوى جمع المال وتعديده والغبطة به، وليس له رغبة في إنفاقه في طرق الخيرات وصلة الأرحام، ونحو ذلك) . (ولقد سجل القرآن الكريم عاقبة الساخرين والمستهزئين من المؤمنين، وأخبر بانعكاس الوضعية يوم القيامة بصورة يصبح الساخرون موضع سخرية واستهزاء من طرف عباده المستضعفين في هذه الدنيا، قال الحق سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاء لَضَالُّونَ وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ [المطففين: 29-34]) .
- وقوله: أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 56]
قال ابن كثير: (قوله: وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أي: إنما كان عملي في الدنيا عمل ساخر مستهزئ غير موقن مصدق) .

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:13 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عائشة، قالت: ((حكيت للنبي صلى الله عليه وسلم رجلًا فقال: ما يسرني أني حكيت رجلًا وأن لي كذا وكذا، قالت: فقلت: يا رسول الله، إن صفية امرأة، وقالت بيدها هكذا، كأنها تعني قصيرة، فقال: لقد مزجت بكلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج)) وفي لفظ لأبي داود: ((فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته، قالت: وحكيت له إنسانًا. فقال: ما أحب أني حكيت إنسانًا وأنَّ لي كذا وكذا)) .
(قوله: ((وقالت بيدها)) أي أشارت بها (تعني قصيرة)، أي تريد عائشة كونها قصيرة، وفي المشكاة قلت: للنبي صلى الله عليه وسلم حسبك من صفية كذا وكذا تعني قصيرة ((لقد مزجت بكلمة)) أي أعمالك ((لو مزج)) بصيغة المجهول أي لو خلط (بها) أي على تقدير تجسيدها، وكونها مائعة (لمزج) بصيغة المجهول أيضًا والمعنى تغير وصار مغلوبًا. وفي المشكاة: لقد قلت كلمة لو مزج بها البحر لمزجته. قال القاري: أي غلبته وغيرته. قال القاضي: المزج الخلط والتغيير بضم غيره إليه) .
وقوله ((ما أحب أني حكيت إنسانًا)): (أي فعلت مثل فعله أو قلت مثل قوله منقصًا له يقال حكاه وحاكاه، قال الطِّيبي: وأكثر ما تستعمل المحاكاة في القبيح ((وأن لي كذا وكذا)) أي لو أعطيت كذا وكذا من الدنيا أي شيئًا كثيرًا منها بسبب ذلك، فهي جملة حالية واردة على التعميم والمبالغة، قال النووي: من الغيبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2515) المحرمة المحاكاة بأن يمشي متعارجًا أو مطاطيًا رأسه، أو غير ذلك من الهيئات) .
- وعن أم هانئ رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: ((قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى: وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ [العنكبوت: 29] ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال: كانوا يسخرون بأهل الطريق، ويخذفونهم)) .
قال المباركفوري: (اختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه، فقيل: كانوا يخذفون الناس بالحصباء ويستخفون بالغريب، وقيل: كانوا يتضارطون في مجالسهم قالته عائشة، وقيل:كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضًا، وقيل: كانوا يلعبون بالحمام، وقيل: كانوا يناقرون بين الديكة، ويناطحون بين الكباش؛ وقيل: يبزق بعضهم على بعض، ويلعبون بالنرد والشطرنج، ويلبسون المصبغات) .
- و كان ابن مسعود رضي الله عنه يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد)) .
- وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا، ولا تناجشوا ، ولا تباغضوا، ولا تدابروا ، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره التقوى هاهنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)) .
قوله: ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) (يعني يكفي المؤمن من الشرِّ أن يحقر أخاه المسلم، وهذا تعظيم لاحتقار المسلم، وأنه شرٌّ عظيم، لو لم يأت الإنسان من الشر إلا هذا؛ لكان كافيًا، فلا تحقرن أخاك المسلم، لا في خلقته، ولا في ثيابه، ولا في كلامه، ولا في خلقه، ولا غير ذلك، أخوك المسلم حقه عليك عظيم، فعليك أن تحترمه وأن توقره، وأما احتقاره فإنه محرم، ولا يحل لك أن تحتقره، وكذلك حديث ابن مسعود وحديث جندب بن عبد الله رضي الله عنهما كلاهما يدل على تحريم احتقار المسلم، وأنه لا يحل له) .

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:16 PM
أقوال السلف والعلماء في السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) والاستهزاء

- عن عبد الله بن مسعود قال: (لو سخرت من كلب، لخشيت أن أكون كلبًا، وإني لأكره أن أرى الرجل فارغًا؛ ليس في عمل آخرة ولا دنيا) .
- وقال أبو موسى الأشعري: (لو رأيت رجلًا يرضع شاة في الطريق فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها) .
- وعن الأسود، قال: كنا عند عائشة فسقط فسطاط على إنسان فضحكوا، فقالت عائشة: لا سخر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة، وحط عنه بها خطيئة)) .
- وقال إبراهيم النخعي: (إني لأرى الشيء أكرهه؛ فما يمنعني أن أتكلم فيه إلا مخافة أن أبتلى بمثله) .
- وقال عمرو بن شرحبيل: (لو رأيت رجلًا يرضع عنزًا فسخرت منه، خشيت أن أكون مثله) .
- وقال يحيي بن معاذ: (ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه) .
- وقال القرطبي: (من لقب أخاه أو سخر منه فهو فاسق) .
- وقال السفاريني: (إن كل من افتخر على إخوانه واحتقر أحدًا من أقرانه وأخدانه أو سخر أو استهزأ بأحد من المؤمنين، فقد باء بالإثم والوزر المبين) .
- وقال ابن حجر الهيتمي: (لا تحتقر غيرك عسى أن يكون عند الله خيرًا منك، وأفضل وأقرب) .

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:20 PM
آثار السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224)

1- أنَّ السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) والاستهزاء تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة، والتواد، والتراحم.
2- تبذر بذور العداوة والبغضاء، وتورث الأحقاد والأضغان.
3- تولد الرغبة بالانتقام.
4- أنَّ ضرر استهزائهم بالمؤمنين راجع إليهم.
5- حصول الهوان والحقارة للمستهزئ.
6- المستهزئ يعرض نفسه لغضب الله، وعذابه.
7- ضياع الحسنات يوم القيامة.
8- تولد الشعور بالانتقام.
9- السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) نذير شؤم للساخرين، فقد كان الغرق عاقبة قوم نوح الذين كفروا بالله وسخروا من نوح.
10- السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) تفقد الساخر الوقار، وتسقط عنه المروءة.
11- الساخر يظلم نفسه بتحقير من وقره الله عز وجل، واستصغار من عظمه الله.
12- السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) تميت القلب، وتورثه الغفلة؛ حتى إذا كان يوم القيامة ندم الساخر على ما قدمت يداه، ولات ساعة مندم أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر: 56].

13-
السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) من سمات الكفار والمنافقين، وقد نهينا عن التشبه بهم.
14- الساخر متعرض للعقوبة في الدار العاجلة أيضًا، بأن يحدث له مثل ما حدث للمسخور منه.
15- بعد الناس عن المستهزئ لخوفهم منه، وعدم سلامتهم منه.
16- يصرف عن قبول الحق، واستماع النصح.

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:26 PM
حكم الاستهزاء
حكم الاستهزاء بالله وآياته ورسوله:
حكم الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يخرج صاحبه من الملة، قال تعالى: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة: 64-66] قال ابن تيمية: (وهذا نصٌّ في أنَّ الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر) .
ويقول الفخر الرازي في تفسيره: (إنَّ الاستهزاء بالدين كيف كان كفر بالله، وذلك لأنَّ الاستهزاء يدلُّ على الاستخفاف، والعمدة الكبرى في الإيمان) .
ويقول السعدي: (إن الاستهزاء بالله ورسوله كفر يخرج عن الدين؛ لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله، وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك منافٍ لهذا الأصل، ومناقض له أشد المناقضة) .
حكم الاستهزاء بالمؤمنين:
الاستهزاء بالمؤمنين له حالتان:
الحالة الأولى: الاستهزاء والسخرية بالمؤمنين بخَلقهم أو خُلقهم، وهو محرم بالإجماع، قال ابن حجر الهيتمي: (وقد قام الإجماع على تحريم ذلك) .
الحالة الثانية: الاستهزاء بالمؤمنين بسبب تمسكهم بالإسلام، وهذا يراعى فيه أمران:
الأمر الأول: أن يكون المستهزئ جاهلًا بأن ما يستهزئ به من الشريعة الإسلامية.
الأمر الثاني: أن لا يقصد المستهزئ باستهزائه ما يقوم به المسلم من الطاعات.
فإذا انتفى هذان الأمران، وقصد الاستهزاء بالمسلم بسبب تمسكه بالدين فهذا حكمه الردة عن الإسلام.
وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة ما يلي: (سب الدين والاستهزاء بشيء من القرآن والسنة، والاستهزاء بالمتمسك بهما نظرًا لما تمسك به، كإعفاء اللحية وتحجب المسلمة -هذا كفر إذا صدر من مكلف، وينبغي أن يبين له أن هذا كفر، فإن أصر بعد العلم فهو كافر، قال الله تعالى: قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ [التوبة: 65] لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 66]) .
وسئل ابن عثيمين عن حكم من يسخر بالملتزمين بدين الله، ويستهزئ بهم؟
فأجاب بقوله: (هؤلاء الذين يسخرون بالملتزمين بدين الله، المنفذين لأوامر الله، فيهم نوع نفاق؛ لأنَّ الله قال عن المنافقين: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79] ثم إن كانوا يستهزئون بهم من أجل ما هم عليه من الشرع فإن استهزاءهم بهم استهزاء بالشريعة، والاستهزاء بالشريعة كفر، أما إذا كانوا يستهزئون بهم يعنون أشخاصهم وزيهم بقطع النظر عما هم عليه من اتباع السنة، فإنهم لا يكفرون بذلك؛ لأنَّ الإنسان قد يستهزئ بالشخص نفسه بقطع النظر عن عمله وفعله، لكنهم على خطر عظيم) .

أما سخرية الإنسان ممن يَسخر منه فجائزة، وهذا من العدل؛ لأنه يقابل
السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) بمثلها، ومع ذلك فتركها أولى، قال الله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ [النحل: 126].
وقال تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشورى : 40].
وذكر الله عن نوح وقومه: وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود: 38]. فقابل نوح عليه السلام والمؤمنون معه سخرية الكفار منهم بسخرية.
وقد أخبرنا الله عز وجل أنَّه يسخر من المنافقين، مقابلة لسخريتهم ومجازاة عليها، فقال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79].
قال ابن تيمية: (لفظ

المكر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2761) والاستهزاء والسخرية المضاف إلى الله... زعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة كانت ظلمًا له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله كانت عدلًا، كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف: 76]. فكاد له كما كادت إخوته لما قال له أبوه: لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا [يوسف: 5]. وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا [الطارق: 15] وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 16]. وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل: 50]. فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ [النمل: 51]. وقال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79]) .

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:34 PM
صور السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) والاستهزاء

1- السخرية:
(إن السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) تنافي ما يوجبه الحق، وهي ظلم قبيح من الإنسان لأخيه الإنسان، وعدوان على كرامته، وإيذاء لنفسه وقلبه، ومن آثارها أنها تقطع الروابط الاجتماعية القائمة على الأخوة والتواد والتراحم، وتبذر بذور العداوة والبغضاء، وتولد الرغبة بالانتقام، ثم أعمال الانتقام، ما استطاع المظلوم بها إلى ذلك سبيلًا) .
قال ابن عباس في قوله تعالى: وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا [الكهف: 49] (الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك بحالة الاستهزاء) .

قال ابن النحاس: (واعلم أنَّ معنى
السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) والاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقايص على من يضحك منه، وقد يكون ذلك بالمحاكاة في الفعل والقول، وقد يكون بالإشارة والإيماء، وقد يكون بالضحك؛ كأن يضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط، أو على صنعته، أو قبح في صورته ونحو ذلك) .
2- الهمز واللمز:
وقد نهى الله عز وجل عن الهمز واللمز في كتابه، وتوعد من يفعل ذلك، قال ابن تيمية: (اللمز: هو العيب والطعن، ومنه قوله تعالى: وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة: 58] أي يعيبك ويطعن عليك، وقوله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ [التوبة: 79] وقوله: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات: 11] أي لا يلمز بعضكم بعضًا كقوله: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ [النور: 12].. والهمز: العيب والطعن بشدة و***، ومنه همز الأرض بعقبه، ومنه الهمزة وهي نبرة من الصدر) .
و(اللمز هو أن يعيب الإنسان أخاه في وجهه بكلام ولو خفي، ورب لمز خفي هو أشد من طعن صريح، وأعمق جرحًا في داخل النفس، لأن فيه بالإضافة إلى الطعن والتجريح بالعيب معنى استغباء الملموز واستغفاله، فكأن اللامز يشعر الذين في المجلس أن الملموز غبي لا يتنبه إلى الطعن الذي يوجه ضده في رمز الكلام.
واللمز قبيحة اجتماعية تورث الأحقاد والأضغان، وتقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وهو ظلم من الإنسان لأخيه الإنسان، وعدوان على حقه عليه) .
قال سبحانه: وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ [الحجرات: 11] (فجعل اللامز أخاه لامزًا نفسه؛ لأنَّ المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير) .
وقال أبو السعود في تفسيره: (فإنَّ مناط الخيرية في الفريقين ليس ما يظهر للناس من الصور، والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر

السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) غالبًا، بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب، فلا يجترئ أحد على استحقار أحد، فلعله أجمع منه لما نيط به الخيرية عند الله تعالى، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى، والاستهانة بمن عظمه الله تعالى) .
الفرق بين الهمز واللمز:
(قال المبرد: الهمز هو أن يهمز الإنسان بقول قبيح من حيث لا يسمع، أو يحثه ويوسده على أمر قبيح أي يغريه به، واللمز أجهر من الهمز، وفي القرآن هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ [المؤمنون: 97] ولم يقل لمزات؛ لأنَّ مكايدة الشيطان خفية، قال: المشهور عند الناس أنَّ اللمز العيب سرًّا، والهمز العيب بكسر العين، وقال قتادة: يلمزك في الصدقات يطعن عليك، وهو دال على صحة القول الأول.
الفرق بين الهُمزة واللُّمزة:
قيل هما بمعنى. وقيل بينهما فرق.
فإن الهمزة: الذي يعكس بظهر الغيب.
واللمزة: الذي يعكس في وجهك.
وقيل: الهمزة: الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه.
واللمزة: الذي يكثر عيبه على جليسه، ويشير برأسه، ويومئ بعينه) .
وقيل: (الهُمَزَة: الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللُّمَزَة: الذي يَلْمِزهم بلسانه، قاله ابن زيد.
أن الهُمَزَة: الذي يهمز بلسانه، واللُّمَزَة: الذي يلمز بعينه، قاله سفيان الثوري) .
3- التنابز بالألقاب:
(اللقب: هو ما يدعى به الشخص من لفظ غير اسمه وغير كنيته، وهو قسمان: قبيح، وهو ما يكرهه الشخص لكونه تقصيرًا به وذمًّا ؛ وحسن، وهو بخلاف ذلك، كالصديق لأبي بكر، والفاروق لعمر، وأسد الله لحمزة، رضي الله تعالى عنهم) .
قال ابن عباس: (التنابز بالألقاب أن يكون الرجل قد عمل السيئات ثم تاب، فنهى الله أن يعير بما سلف) .
ثم إن التنابز بالألقاب التي هي (مما يؤذي الناس، إذ يحمل معنى التحقير والإهانة، نهى الله عنه، وجعله من المحرمات، وجعله من الفسوق والظلم، وربما يصل التنابز بالألقاب إلى مستوى الشتيمة، كالنبز بالحمار، والثور، والكلب، ونحو ذلك.
ومن شأن التنابز بالألقاب أنه يقطع أواصر الأخوة الإيمانية، ويفسد المودات، ويولد العداوات والأحقاد، وربما يوصل إلى التقاتل مع ثورات الغضب، وهيجان الحماقات) .
ويستثنى من النهي بالتنابز بالألقاب؛ الألقاب الحسنة كالصديق، والفاروق وغيرها، وكذلك التي هي للشهرة كالأعمش وغيرها.
قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ [الحجرات: 11]: (من لقب أخاه وسخر به فهو فاسق، والسخرية الاستحقار والاستهانة، والتنبيه على العيوب والنقائص يوم يضحك منه، وقد يكون بالمحاكاة بالفعل، أو القول، أو الإشارة، أو الإيماء، أو الضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط، أو على صنعته، أو قبيح صورته) .
وقال الخازن: (قال بعض العلماء: المراد بهذه الألقاب ما يكرهه المنادى به أو يفيد ذمًّا له، فأما الألقاب التي صارت كالأعلام لأصحابها كالأعمش والأعرج وما أشبه ذلك فلا بأس بها، إذا لم يكرهها المدعو بها، وأما الألقاب التي تكسب حمدًا ومدحًا تكون حقًّا وصدقًا فلا يكره، كما قيل لأبي بكر: عتيق، ولعمر: الفاروق، ولعثمان: ذو النورين، ولعلي: أبو تراب، ولخالد سيف الله، ونحو ذلك) .
4- التعيير والتهكم:
معنى التعيير (أن يريد الإنسان ذم رجل، وتنقصه وإظهار عيبه؛ لينفر الناس عنه؛ إما محبة لإيذائه أو لعداوته؛ أو مخافة من مزاحمته على مال أو رئاسة أو غير ذلك من الأسباب المذمومة، فلا يتوصل إلى ذلك إلا بإظهار الطعن فيه بسبب...) .
وقال الكفوي في معنى التهكم: (هو ما كان ظاهره جدًّا وباطنه هزلًا، والهزل الذي يراد به الجد بالعكس، ولا تخلو ألفاظ التهكم من لفظة من اللفظ الدال على نوع من أنواع الذم، أو لفظة من معناها الهجو) .
وعن المعرور بن سويد قال: ((لقيت أبا ذر بالربذة، وعليه حلة ، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلًا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)) .

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:37 PM
أسباب السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) والاستهزاء

أسباب السخرية (http://dorar.net/enc/akhlaq/2224) ودوافعها كثيرة منها:
1- الكبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2642) الذي يلازمه بطر الحق وغمط الناس.
2- الرغبة بتحطيم مكانة الآخرين.
3- التسلية والضحك على حساب آلام الآخرين.
4- الاستهانة بأقوال الآخرين وأعمالهم، أو خلقتهم، أو طبائعهم، أو أسرهم، أو أنسابهم، إلى غير ذلك.
5- الفراغ وحب إضحاك الآخرين.

alea2009
22-09-2013, 10:40 PM
جزاك الله خيرآ على هذه الموسوعة الراااااااائعة.

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:42 PM
http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=PVU_UvLpNcOw0QXksYCwCg&psig=AFQjCNGQc72lYqJ7TKdejOoiBOP3LDHcfg&ust=1379968701923977)

السَّفَه والحمق

معنى السَّفَه والحمق لغةً واصطلاحًا

معنى السَّفَه لغةً:
السَّفَه: خِفَّة الحِلْمِ أو نَقِيضُه أو الجَهْلُ، والسَّفَهُ نَقْصٌ في العَقل وأصله الخِفَّة، من سفه سفهًا من باب تعب، وسفه بالضم سفاهة وسَفاهًا، أي: صار سَفِيهًا، فهو سفيه، والأنثى سفيهة، والجمع سفهاء. وسفه الحق جهله، وسَفِهه تسفيهًا: نسبه إلى السَّفَه .
معنى السَّفَه اصطلاحًا:
السَّفَه: نقيض الحِلْم وهو سرعة الغضب، والطَّيش مِن يسير الأمور، والمبادرة في البطش، والإيقاع بالمؤذي، والسَّرف في العقوبة، وإظهارالجزع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1978) مِن أدنى ضررٍ، والسَّبُّ الفاحش .
وقال الجرجاني: (السَّفَه: عبارة عن خِفَّة تعرض للإنسان مِن الفرح والغضب، فتحمله على العمل بخلاف طور العقل، وموجب الشَّرع) .
وقال ابن القيِّم: (السَّفَه غاية الجهل، وهو مركَّبٌ مِن عدم العلم بما يُصْلِح معاشه ومعاده، وإرادته بخلافه) .
معنى الحُمْق لغةً:
الحُمْق قلَّة العقل وفَسَادٌ فِيه. وقد حَمُق الرَّجل -بالضَّم- حماقةً فهو أَحْمَق. وحَمِق -أيضًا بالكسر- يَحْمُق حُمْقًا، فهو حَمِق. وامرأة حَمْقاء، وقوم ونسوة حُمْق وحَمْقَى وحَماقى .
معنى الحُمْق اصطلاحًا:
قال ابن الأثير: (حقيقة الحُمْق: وضع الشَّيء في غير موضعه مع العلم بقُبْحه) .
وقال النَّوويُّ: (حقيقة الأَحْمَق: مَن يعمل ما يضرُّه مع علمه بقُبْحه) .

محمد رافع 52
22-09-2013, 10:46 PM
الفرق بين السَّفَه والحُمْق وبعض الصِّفات

- الفرق بين الحُمْق والجهل:
في الفرق بين الحُمْق والجهل وجهان: أحدهما أنَّ الأَحْمَق هو الذي يتصوَّر الممتنع بصورة الممكن، والجاهل هو الذي لا يعرف الممتنع مِن الممكن.
والوجه الثَّاني: أنَّ الأَحْمَق هو الذي يعرف الصَّواب ولا يعمل به، والجاهل هو الذي لا يعرف الصَّواب، ولو عرفه لعمل به .
- الفرق بين الحَمَاقَة والرَّقَاعَة:
الرَّقَاعَة: حُمْقٌ مع رِفْعَةٍ وعلوِّ رتبة، ولا يقال للأحْمَق إذا كان وضيعًا رَقِيعًا، وإنَّما يقال ذلك للأحْمَق إذا كان سيِّدًا أو رئيسًا أو ذا مال وجاه .
- الفرق بين السَّفَه والطَّيش:
السَّفَه: نقيض الحكمة، ويستعار في الكلام القبيح، فيقال: سَفِه عليه إذا أسمعه القبيح، ويقال للجاهل: سَفِيهٌ.
والطَّيش: خِفَّةٌ معها خطأ في الفعل، وهو مِن قولك: طاش السَّهم. إذا خَفَّ فمضى فوق الهدف، فشُبِّه به الخفيف المفارق لصَواب الفِعْل .
- الفرق بين السَّفَه والشَّتم:
الشَّتم: يكون حسنًا، وذلك إذا كان المشتوم يستحقُّ الشَّتم.
والسَّفَه: لا يكون إلَّا قبيحًا، وجاء عن السَّلف في تفسير قوله تعالى: صُمٌّ بُكْمٌ [البقرة: 18]، إنَّ الله وصفهم بذلك على وجه الشَّتم، ولم يقل على وجه السَّفَه لما قلناه .
- الفرق بين الأَحْمَق والمائِق:
المائِق: هو السَّريع البكاء، القليل الحزم والثَّبات، والماقَة: البكاء. وفي المثل: أنا يَئِق وصاحبي مَئِق فكيف نتَّفق. وقال بعضهم: المائِق: السَّيِّئ الخُلُق، وحكى ابن الأنباري أنَّ قولهم: أَحْمَق مائق، بمنزلة: عطشان نطشان وجائع نائع .
- الفرق بين الحُمْق والجنون:
الحُمْق والتَّغفيل: هو الغَلَط في الوسيلة والطَّريق إلى المطلوب، مع صحَّة المقصود، بخلاف الجنون.
أمَّا الجنون: فإنَّه عبارة عن الخَلل في الوسيلة والمقصود جميعًا، فالأَحْمَق مقصوده صحيح، ولكن سلوكه الطَّريق فاسد، ورويَّته في الطَّريق الوصَّال إلى الغرض غير صحيحة، والمجنون أصل إشارته فاسد، فهو يختار ما لا يُخْتَار .
- الفرق بين السَّفَه والعَبَث:
العَبَث: هو ما يخلو عن الفائدة، والسَّفَه: ما لا يخلو عنها، ويلزم منه المضرَّة، والسَّفَه أقبح مِن العَبَث، كما أنَّ الظُّلم أقبح مِن الجهل. قال بدر الدِّين الكردي: العَبَث هو الفعل الذي فيه غرض لكن ليس بشرعيٍّ، والسَّفَه ما لا غرض فيه أصلًا .

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:08 AM
ذَمُّ السَّفَه والحُمْق والنهي عنهما (http://dorar.net/enc/akhlaq/2248)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ [البقرة: 282].
قال الشَّافعي: (السَّفيه: المبَذِّر المفسد لماله أو في دينه) .
- قال تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللّهُ لَكُمْ قِيَاماً [النِّساء: 5].
قال البغوي: (والسَّفيه الذي لا يجوز لوليِّه أن يؤتيه ماله هو المستحِقُّ للحَجْرِ عليه، وهو أن يكون مبذِّرًا في ماله، أو مفسدًا في دينه) .
- قال تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 140].
(ثمَّ بيَّن خسرانهم وسَفَاهة عقولهم، فقال: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 140]، أي: خسروا دينهم وأولادهم وعقولهم، وصار وصْفُهم -بعد العقول الرَّزينة- السَّفَه المرْدِي، والضَّلال) .

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:10 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن جابر بن عبد الله: (أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن عجرة: أعاذك الله مِن إمارة السُّفَهاء. قال: وما إمارة السُّفَهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي، لا يقتدون بهديي، ولا يستنُّون بسنَّتي، فمَن صدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا منِّي ولست منهم، ولا يردوا على حوضي، ومَن لم يصدِّقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك منِّي وأنا منهم، وسيردوا على حوضي..) .
(إمارة السُّفَهاء، وهو فعلهم المستفاد منه مِن الظُّلم والكذب وما يؤدِّي إليه جهلهم وطيشهم) .
قال المناوي: (إمارة السُّفَهاء -بكسر الهمزة-. أي: ولايتهم على الرِّقاب؛ لما يحدث منهم مِن ال*** والطَّيش والخِفَّة، جمع سَفِيهٍ، وهو ناقص العقل، والسَّفَه) .
- عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصَّالح والجليس السُّوء، كمثل صاحب المسك وكِير الحدَّاد ، لا يعدمك مِن صاحب المسك إمَّا تشتريه أو تجد ريحه، وكِير الحدَّاد يحرق بدنك أو ثوبك، أو تجد منه ريحًا خبيثة)) .
قال أبو حاتم: (والواجب على العاقل ترك صحبة الأَحْمَق، ومجانبة معاشرة النَّوكى ، كما يجب عليه لزوم صحبة العاقل الأريب، وعشرة الفَطِن اللَّبيب؛ لأنَّ العاقل -وإن لم يصبك الحظُّ مِن عقله- أصابك مِن الاعتبار به، والأَحْمَق إن لم يَعْدِك حُمْقُه تدنَّستَ بعِشْرَته) .
- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج في آخر الزَّمان أقوامٌ أحداث الأسنان، سُفَهَاء الأحلام، يقولون مِن خير قول البريَّة، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، فأينما لقيتموهم فا***وهم، فإنَّ في ***هم أجرٌ لمن ***هم يوم القيامة)) .
قال ملا علي القاري: (أي: ضعفاء العقول، والسَّفَهُ -في الأصل-: الخِفَّة والطَّيش، وسَفِه فلان رأيه: إذا كان مضطربًا لا استقامة فيه، والأحْلَام: العقول، واحدها حِلْم، بالكسر) .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّها ستأتي على النَّاس سنونٌ خَدَّاعَة، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويُكَذَّب فيها الصَّادق، ويُؤْتَمَن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرُّويبضة. قيل: وما الرُّويبضة؟ قال: السَّفيه يتكلَّم في أمر العامَّة)) .
قال ابن رجب: (ومضمون ما ذُكِر مِن أشراط السَّاعة في هذا الحديث يرجع إلى أنَّ الأمور تُوَسَّد إلى غير أهلها) .

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:13 AM
أقوال السَّلف والعلماء في السَّفَه والحُمْق

- عن مجاهد قال: (كنت عند ابن عبَّاس، فجاءه رجل، فقال: إنَّه طلَّق امرأته ثلاثًا، فسكت حتى ظننت أنَّه سيردُّها إليه، فقال: ينطلق أحدكم فيركب الأُحْمُوقة ، ثمَّ يقول: يا ابن عبَّاس! يا ابن عبَّاس، إنَّ الله قال: وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا [الطلاق: 2]، وإنَّك لم تتَّق الله، فلا أجد لك مخرجًا، عصيت ربَّك، وبانت منك امرأتك) .
- وعن أنس بن سيرين قال: سمعت ابن عمر، قال: (طلَّق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ليراجعها. قلت: تُحْتَسب؟ قال: فمه. وعن قتادة، عن يونس بن جبير، عن ابن عمر، قال: مُرْهُ فليراجعها. قلت: تُحْتَسب؟ قال: أرأيت إن عجز واستَحْمَقَ؟ ) .
- وعن يسير بن عمرو -وكان قد أدرك الصَّحابة- قال: (اهجر الأَحْمَقَ؛ فليس للأَحْمَق خيرٌ مِن هجرانه) .
عن أبي جعفر الخطمي أنَّ جدَّه عمير بن حبيب -وكان قد بايع النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أوصى بنيه، قال لهم: (أي بني! إيَّاكم ومخالطة السُّفَهاء؛ فإنَّ مجالستهم داء، وإنَّه مَن يَحْلم عن السَّفيه، يُسَرَّ بحلمه، ومَن يُجِبه يندم) .
- وعن وهب بن منبِّه قال: (الأَحْمَق كالثَّوب الخَلق: إن رفأته مِن جانبٍ انخرق مِن جانبٍ آخر، مثل الفَخَّار المكسور، لا يُرَقَّع ولا يُشعب ولا يُعاد طينًا) .
- وسأل سليمان بن عبد الملك أبا حازم: مَن أَحْمَقُ النَّاس؟ قال أبو حازم: (مَن حطَّ في هوى رجل وهو ظالم، فباع آخرته بدنيا غيره) .
- وكان شريح يقول: (لئن أزاول الأَحْمَق أحبُّ إليَّ مِن أن أزاول نصف الأَحْمَق، قيل: يا أبا أميَّة ومَن نصف الأَحْمَق؟ قال: الأَحْمَق المتعاقل) .
- وقال الحسن: (هجر الأَحْمَق قُرْبةً) .
- وقال العاملي: (السُّكوت عن الأَحْمَق جوابه) .
- وقال يحيى بن خالد البرمكي: (السَّفيه إذا تنسَّك تعاظم) .
- وأوصى المنذر بن ماء السَّماء ابنه النُّعمان بن المنذر، فقال: (آمرك بما أمرني به أبي، وأنهاك عمَّا نهاني عنه: آمرك بالشُّح في عِرْضك، والانخِدَاع في مالك، وأنهاك عن ملاحاة الرِّجال وسيَّما الملوك، وعن ممازحة السُّفَهاء..) .
- وقال ابن الجوزي: (السَّفَه نباح الإنسان) .

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:14 AM
آثار الحُمْق

1- الأَحْمَق مُبْغَضٌ في النَّاس.
2- الأَحْمَق غير مَرْضِيِّ العمل، ولا محمود الأمر عند الله، وعند الصَّالحين .
3- الحَمْقى عباداتهم عادات .
4- الحُمْق داءٌ لا شِفاء له .
5- الأحمق كاسد العقل والرأي، لا يحسن شيئًا.
6- سرعة الانفعال والتدخل في شئون الناس.
7- الخفة وسرعة الجواب من غير روية.
8- الأحمق عدو نفسه لما يسبب لنفسه من الضرر .
9- السَّفَه والحُمْق دليلٌ على سوء الخُلُق.
10- السَّفَه والحُمْق مِن خوارم المروءة.
11- السَّفِيه يقع في الغيبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2515) وأعراض النَّاس.
12- السَّفِيه بذيء اللِّسان.

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:16 AM
أقسام السَّفَه

السَّفَه ينقسم إلى قسمين:
1- سفه في الأمور الدُّنيويَّة، وهو التَّصرُّف في الأموال بالتَّبذير والإسراف، قال الله تعالى: وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ [النِّساء: 5].
2- سفه في الدِّين، قال تعالى: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء [البقرة: 13]، وقوله تعالى: سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا [البقرة: 142] والمراد بالسُّفَهاء هنا الكفَّار والمنافقين.

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:18 AM
مِن علامات السَّفيه والأحمق

من علامات السفيه:
1- الشُّح.
2- سوء الخُلُق.
3- كثرة طلب الحوائج إلى النَّاس .
4- إنفاق المال على وجه التَّبذير وفيما لا ينبغي.
5- الفُحْش وبذاءة اللِّسان.
مِن علامات الأَحْمَق:
1- التَّخلُّق بالعجلة، والخِفَّة، والجفاء، والغُرُور، والفجور.
2- التَّخَلُّق بالجهل، والتَّواني، والخيانة، والظُّلم، والضَّياع.
3- التَّخَلُّق بالتَّفريط، والغفلة.
4- التَّخَلُّق بالسُّرور، والخيلاء، والفجر، والمكر.
5- إذا استغنى بَطِر، وإن افتقر قَنَط، وإن فرح أَشَر.
6- إن قال فَحُش، وإن سأل ألحَّ.
7- إن قال لم يُحْسِن، وإن قيل له لم يَفْقَه.
8- إن ضحك نَهِق، وإن بكى خار .
9- يغضب مِن غير شيءٍ، ويعطي في غير حقٍّ.
10- يتكلَّم مِن غير منفعة، ويفشي السِّرَّ.
11- لا يفرِّق بين عدوِّه وصديقه.
12- يتكلَّم ما يخطر على قلبه.
13- يتوهَّم أنَّه أعقل النَّاس .
14- لا يتثبَّت، ويُفْرِط في الضَّحك.
15- الوقيعة في الأخيار.
16- الاختلاط بالأشرار .
17- إذا أعرضت عنه اغتمَّ، وإن أقبلت عليه اغترَّ.
18- إن حَلُمت عنه جَهِل عليك، وإن جَهَلْتَ عليه حَلُم عنك.
19- إن أسأت إليه أحسن إليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك.
20- إذا ظلمته انتصفت منه، ويظلمك إذا أنصفته .
21- سرعة الجواب، وكثرة الالتفاف، والثِّقة بكلِّ أحد .
مِن شيم الأَحْمَق:
قال أبو حاتم: (ومِن شيم الأَحْمَق: العجلة، والخِفَّة، والعجز، والفجور، والجهل، والمقت، والوَهَن، والمهابة، والتَّعَرض، والتَّحاسد، والظُّلم، والخيانة، والغفلة، والسَّهو، والغيِّ، والفُحْش، والفخر، والخيلاء، والعدوان، والبغضاء) .
مِن أعظم أمارات الحُمْق:
قال أبو حاتم: (وإنَّ مِن أعظم أمارات الحُمْق في الأَحْمَق لسانه؛ فإنَّه يكون قلبه في طرف لسانه، ما خطر على قلبه نَطَق به لسانه. والأَحْمَق يتكلَّم في ساعة بكلام يعجز عنه سحبان وائل، ويتكلَّم في السَّاعة الأخرى بكلام لا يعجز عنه باقل، والعاقل يجب عليه مجانبة مَن هذا نعته ومخالطة مَن هذه صفته؛ فإنَّهم يجترئون على مَن عاشرهم) .

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:21 AM
مُعَاشَرة الأَحْمَق
قال أبو حاتم: (مَثَلُ الأَحْمَق إن صَحِبته عنَّاك، وإن اعتزلته شتمك، وإن أعطاك مَنَّ عليك، وإن أعطيته كفرك، وإن أسرَّ إليك اتَّهمك، وإن أسررت إليه خانك، وإن كان فوقك حَقِرَك، وإن كان دونك غمزك) .
وقال محمد بن إسحاق الواسطي:

لي صديق يرى حقوقي عليه *** نافلات وحقَّه كان فرضًا



لو قطَّعت الجبال طولًا إليه *** ثمَّ مِن بعد طولها سرت عرضًا



لرأى ما صنعت غير كبير *** واشتهى أن أزيد في الأرض أرضًا


وقال الماوردي: (والأَحْمَق ضالٌّ مُضِلٌّ، إن أُونِس تَكَبَّر، وإن أُوحِش تَكَدَّر، وإن استُنْطِق تَخَلَّف، وإن تُرِك تكلَّف. مجالسته مِهْنَة، ومعاتبته مِحْنَة، ومحاورته تَعَرُّ، وموالاته تَضُرُّ، ومقاربته عَمَى، ومقارنته شَقَا) .
قيل: (أربعة تصعب معاشرتهم: النَّديم المعَرْبِد ، والجليس الأَحْمَق، والمغنِّي التَّائه، والسِّفْلَة إذا تقرَّأ) .
وعن أبي وائل، أنَّ عمر قال: (ما يمنعكم إذا رأيتم السَّفِيه يَخْرِق أعراض النَّاس أن تُعْربُوا عليه؟ قالوا: نخاف لسانه. قال: ذاك أدنى أن لا تكونوا شهداء) .
الحُمْق أظلم الظُّلمات:
قال أبو حاتم: (أظلم الظُّلمات الحُمْق، كما أنَّ أنفذ البصائر العقل، فإذا امتُحِن المرء بعِشْرَة الأَحْمَق كان الواجب عليه اللُّزوم لأخلاق نفسه، والمباينة لأخلاقه مع الإكثار مِن الحمد لله على ما وهب له مِن الانتباه لـمَّا حُرِمَ غيره التَّوفِيق له... والعاقل يجب عليه مجانبة مَن هذا نعته) .

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:24 AM
الحِكَم والأمثال في السَّفَه والحُمْق
- عدوُّ الرَّجل حُمْقُه، وصديقه عقله .
- معاداة العاقل خيرٌ مِن مصادقة الأَحْمَق .
- أَحْمَق بَلَغ.
يقال لمن يبلغ حاجته مع حُمْقِه .
- أَحْمَق مِن الممْهُورة إحدى خَدَمَتَيْهَا.
وذلك أنَّ رجلًا كانت له امرأة حمقاء، فطلبت مهرها منه، فنزع إحدى خلخاليها مِن رجلها -وهما الخَدَمَتَان- ودفعه إليها، وقال: هذا مهرك فرضيت به .
- علامة العيِّ السَّفَه .
- إنّما الأَحْمَق كالثَّوب الخَلق .
- سفيه لم يجد مُسَافِهًا:
هذا المثل يروى عن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما، قاله لعمرو بن الزبير حين شتمه عمرو .
- عَرَفَ حُمَيْقٌ جَمَلَهُ.
يُضْرَب في الإفراط في مؤانسة النَّاس، ويقال: معناه عَرَف قَدْرَه، ويقال: يُضْرب لمن يَسْتَضعِف إنسانًا ويُولَع به، فلا يزال يؤذيه ويظلمه .
- أكْثَر مِن الحَمْقَى فأُورِد الماءَ.
يُضْرَب لمن اتَّخذ ناصرًا سفيهًا .
- قال وهب: (مكتوب في الحكمة: قصر السَّفَه النَّصب، وقصر الحِلْم الرَّاحة، وقصر الصَّبر الظَّفر، وقصر الشَّيء وقصاراه غايته وثمرته) .
- (قال بعض الحكماء: آخِ مَن شئت، واجتنب ثلاثة: الأَحْمَق: فإنَّه يريد أن ينفعك فيضرَّك. والمملوك: فإنَّه أوثق ما تكون به لطول الصُّحبة وتأكُّدها يخذلك، والكذَّاب: فإنَّه يجني عليك آمن ما كنت فيه مِن حيث لا تشعر) .
- وقال العاملي: (قال بعض الحكماء: غضب الأَحْمَق في قوله، وغضب العاقل في فعله) .
- وقال -أيضًا-: (مِن كلامهم: عداوة العاقل أقلُّ ضررًا مِن صداقة الأَحْمَق) .
- وقال -أيضًا-: (لا يجد الأَحْمَق لذَّة الحكمة، كما لا يلتذُّ بالورد صاحب الزَّكْمَة) .
- وقيل لبعض الحكماء: ما كمال الحُمْق؟ قال: (طلب منازل الأخيار بأعمال الأشرار، وبغض أهل الحقِّ، ومحبَّة أهل الباطل) .
- وقال العتبي سمعت أعرابيًّا يقول: العاقل بخشونة العيش مع العقلاء أسَرُّ منه بلين العيش مع السُّفَهاء .

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:35 AM
من أخبار الحمقى
هذه بعض أخبار الحمقى ذكرناها لثلاث فوائد:
الأول: أن العاقل إذا سمع أخبارهم عرف قدر ما وهب له مما حرموه، فحثه ذلك على الشكر.
والثاني: أن ذكر المغفلين يحث المتيقظ على اتقاء أسباب الغفلة إذا كان ذلك داخلًا تحت الكسب وعامله فيه الرياضة، وأما إذا كانت الغفلة مجبولةً في الطباع، فإنها لا تكاد تقبل التغيير.
والثالث: أن يروح الإنسان قلبه بالنظر في سير هؤلاء المبخوسين حظوظًا يوم القسمة، فإن النفس قد تمل من الدؤوب في الجد، وترتاح إلى بعض المباح من اللهو، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحنظلة: ((ساعة وساعة)) .
- عن أبي عثمان المازني أنه قال: قدم أعرابي على بعض أقاربه بالبصرة، فدفعوا له ثوبًا ليقطع منه قميصًا، فدفع الثوب إلى الخياط فقدر عليه ثم خرق منه، قال: لم خرقت ثوبي؟ قال: لا يجوز خياطته إلا بتخريقه، وكان مع الأعرابي هراوة من أرزن فشج بها الخياط، فرمى بالثوب وهرب، فتبعه الأعرابي وأنشد يقول:


ما إن رأيت ولا سمعت بمثله *** فيما مضى من سالف الأحقاب
من فعل علج جئته ليخيط لى *** ثوبًا فخرقه كفعل مصاب
فعلوته بهراوةٍ كانت معي *** فسعى وأدبر هاربًا للباب
أيشق ثوبي ثم يقعد آمنًا *** كلا ومنزل سورة الأحزاب

- وكان رجل من الأعراب يعمل في معمل للذهب فلم يصب شيئًا، فأنشأ يقول: الرجز:

يا رب قدر لي في حماسي

وفي طلاب الرزق بالتماس

صفراء تجلو كسل النعاس
فضربته عقرب صفراء، سهرته طول الليلة وجعل يقول: يا رب، الذنب لي إذ لم أبين لك ما أريده، اللهم لك الحمد والشكر، فقيل له: ما تصنع أما سمعت قول الله تعالى: لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم: 7]. فوثب جزعًا وقال: لا شكرًا، لا شكرًا .
- تذاكر قوم قيام الليل وعندهم أعرابي، فقالوا له: أتقوم بالليل؟ قال: إي والله. قال: فما تصنع؟ قال: أبول وأرجع أنام .
- وعن أبي العيناء قال: كان المدني في الصف من وراء الإمام، فذكر الإمام شيئًا فقطع الصلاة، وقدم المدني ليؤمهم، فوقف طويلًا، فلما أعيا الناس سبحوا له، وهو لا يتحرك فنحوه وقدموا غيره، فعاتبوه فقال: ظننته يقول لي: احفظ مكاني حتى أجيء .
- من أخبار هبنقة واسمه يزيد بن ثروان، من حمقه أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظام وخزف وقال: أخشى أن أضل نفسي ففعلت ذلك لأعرفها به. فحولت القلادة ذات ليلة من عنقه لعنق أخيه فلما أصبح قال: يا أخي أنت أنا، فمن أنا؟ .
- وأضل بعيرًا فجعل ينادي: من وجده فهو له. فقيل له: فلم تنشده؟ قال: فأين حلاوة الوجدان؟ .
- واختصمت طفاوة وبنو راسب في رجل ادعى كل فريق أنه في عرافتهم، فقال هبنقة: حكمه أن يلقى في الماء، فإن طفا فهو من طفاوة، وإن رسب فهو من راسب. فقال الرجل: إن كان الحكم هذا فقد زهدت في الديوان .
- ومنهم عجل بن لجيم، من حمقه أنه قيل له: ما سميت فرسك؟ فقام إليه ففقأ إحدى عينيه وقال: سميته الأعور.
قال العنزي:

رمتني بنو عجلٍ بداء أبيهم *** وأي امرىءٍ في الناس أحمق من عجل

ألبس أبوهم عار عين جواده*** فصارت به الأمثال تضرب بالجهل

- وعن الأصمعي أنه قال: حج أعرابي فدخل مكة قبل الناس، وتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم اغفر لي قبل أن يدهمك الناس

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:48 AM
ذم السَّفَه والحُمْق في واحة الشِّعر

قال دعبل الخزاعي:

عداوةُ العاقلِ خيرٌ إذا *** حُصِّلتها مِن خلَّةِ الأَحْمَقِ



لأنَّ ذا العقلِ إذا لم يَرعِ *** عن ظلمك استحيا فلم يخرقِ



ولن ترَى الأَحْمَقَ يُبْقِي على *** دينٍ ولا ودٍّ ولا يتَّقِي


وقال الشَّافعي:

يخاطبني السَّفِيهُ بكلِّ قبْحٍ *** فأكرهُ أن أكونَ له مجيبَا



يزيدُ سَفَاهَةً فأزيدُ حلمًا *** كعودٍ زاده الإحراقُ طِيبَا


وقال ابن الوردي:

وادَّرعْ جدًّا وكدًّا واجتنبْ *** صحبةَ الحَمْقى وأربابِ البخلِ


وقال المتوكل الليثي:

لا تتَّبعْ سُبُلَ السَّفاهةِ والخَنَا *** إنَّ السَّفِيهَ مُعَنَّفٌ مَشْتُومُ


وقال مسكين الدارمي:

اتَّقِ الأَحْمَقَ أن تصحبَه *** إنَّما الأَحْمَقُ كالثَّوبِ الخَلقْ



كلَّما رقَّعتَ منه جانبًا *** حرَّكته الرِّيحُ وَهنًا فانخرقْ



أو كصدعٍ في زجاجٍ فاحشٍ *** هل ترَى صدعَ زجاجٍ متَّفقْ



وإذا جالستَه في مجلسٍ *** أفسدَ المجلسَ منه بالخرقْ



وإذا نهنهه كي يرعوي *** زاد جهلًا وتمادى في الحمقْ


وقال آخر:

لن يسمعَ الأَحْمَقُ مِن واعظٍ *** في رفعِه الصَّوت وفي همِّه



لن تبلغَ الأعداءُ مِن جاهلٍ *** ما يبلغُ الجاهلُ مِن نفسِه



والحُمْقُ داءٌ ما له حيلةٌ *** تُرْجَى كبعدِ النَّجمِ في لمسِه


وقال سالم بن ميمون الخوَّاص:

إذا نطق السَّفِيه فلا تجِبْه *** فخيرٌ مِن إجابتِه السُّكوتُ



سكتُّ عن السَّفِيه فظنَّ أني *** عييتُ عن الجوابِ وما عييتُ



شرارُ النَّاسِ لو كانوا جميعًا *** قذى في جوفِ عيني ما قذيتُ



فلستُ مجاوبًا أبدًا سفيهًا *** خزيتُ لمن يجافيه خزيتُ


وقال صالح بن عبد القدوس:

ولأن يعادي عاقلًا خيرٌ له *** مِن أن يكونَ له صديقٌ أَحْمَقُ



فاربَأْ بنفسِك أن تصادقَ أَحْمَقًا *** إنَّ الصَّديقَ على الصَّديقِ مصدِّقُ


وقال الشَّاعر:

عدوُّك ذو العقلِ أبقَى عليك *** وأجدَى مِن الصَّاحبِ الأَحْمَقِ


وقال آخر:

تحامقْ مع الحَمْقَى إذا ما لقيتَهم *** ولا تلقَهم بالعقلِ إن كنتَ ذا عقلِ!


وقال آخر:

فلا تودعنَّ الدَّهرَ سرَّك أَحْمَقًا *** فإنَّك إن أودعتَه منه أَحْمَقُ


قال الشَّاعر:

لكلِّ داءٍ دواءٌ يُسْتَطَّبُّ به *** إلَّا الحماقةَ أعيتْ مَن يُداويها


وقال آخر:

ما تمَّ حِلْمٌ ولا علمٌ بلا أدبٍ *** ولا تجاهل في قومٍ حليمان



وما التَّجاهلُ إلَّا ثوبُ ذي دَنَسٍ *** وليس يلبسُه إلَّا سفيهان


وأنشد الكريزي:

تجرَّدْ ما استطعتَ مِن السَّفيهِ *** بحسنِ الحِلْم إنَّ العزَّ فيه



فقد يعصي السَّفِيهُ مؤدبيه *** ويُبرمُ باللَّجاجةِ منصفيه



تلينُ له فيغلظُ جانباه *** كعيرِ السُّوءِ يرمحُ عالقيه


وأنشد محمد بن عبد العزيز لموسى بن سعيد بن عبد الرَّحمن بن المقنع الأنصاري:

ثلاثُ خِلال كلُّها غيرُ طائلٍ *** يَطُفْنَ بقلبِ المرءِ دونَ غشائِه



هوى النَّفسِ ما لا خيرَ فيه وشحُّها *** وإعجابُ ذي الرَّأي السَّفِيه برأيه

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=D8VAUoXkEofHtAbCloHoCQ&psig=AFQjCNGkjdtZPcW4DVIB7ZDXoX8tDWCNtA&ust=1380062863340656)

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:50 AM
معنى سوء الظن لغةً واصطلاحًا
معنى السوء لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ القبح، يقال: ساء الشيء: إذا قَـبُح. والسُّوء: الاسم الجامع للآفات والداء، والسُّوءُ أيضًا بمعنى الفُجور والمنكر، ويقال: ساءه يسوءه سوءًا وسواء: فعل به ما يكره، نقيض سرَّه. والاسم: السوء بالضم. وسؤت الرجل سواية ومساية، يخففان، أي ساءه ما رآه مني. وسؤت به ظنًّا، وأسأت به الظن. ويقال: أسأت به وإليه وعليه وله .
معنى الظنِّ لغةً:
ظنَّ الشَّيء ظنًّا: علمه بغير يقين، وقد تأتي بمعنى اليقين. و: فلانًا. و: به: اتهمه. والظِّنة: التهمة. والظَّنين: المتهم الذي تظن به التهمة، ومصدره الظنة، والجمع الظنن. ورجل ظنين: متهم من قوم أظناء .
معنى سوء الظن اصطلاحًا:
قال الماوردي: (سوء الظن: هو عدم الثقة بمن هو لها أهل) .
وقال ابن القيم: (سوء الظن: هو امتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس؛ حتى يطفح على اللسان والجوارح) .
وقال ابن كثير: سوء الظن (هو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله) .

محمد رافع 52
24-09-2013, 12:52 AM
الفرق بين سوء الظن (http://dorar.net/enc/akhlaq/2270) وبعض الصفات
- الفرق بين سوء الظن (http://dorar.net/enc/akhlaq/2270) والاحتراز:
قال ابن القيم: (الفرق بين الاحتراز وسوء الظن:
أن المحترز يكون مع التأهب والاستعداد، وأخذ الأسباب التي بها ينجو من المكروه، فالمحترز كالمتسلح المتطوع الذي قد تأهب للقاء عدوه، وأعد له عدته؛ فهمُّه في تهيئة أسباب النجاة ومحاربة عدوه، قد أشغلته عن سوء الظنِّ به، وكلما ساء به الظنُّ أخذ في أنواع العدة والتأهب، بمنزلة رجل قد خرج بماله ومركوبه مسافرًا، فهو يحترز بجهده من كلِّ قاطع للطريق، وكلِّ مكان يتوقع منه الشرَّ.
وأما سوء الظن (http://dorar.net/enc/akhlaq/2270) فهو امتلاء قلبه بالظنون السيئة بالناس؛ حتى يطفح على لسانه وجوارحه، فهم معه أبدًا في الهمز واللمز والطعن والعيب والبغض، ببغضهم ويبغضونه، ويلعنهم ويلعنونه، ويحذرهم ويحذرون منه، فالأول يخالطهم ويحترز منهم، والثاني يتجنبهم ويلحقه أذاهم، الأول داخل فيهم بالنصيحة والإحسان مع الاحتراز، والثاني خارج منهم مع الغش (http://dorar.net/enc/akhlaq/2458) والدغل والبغض) .
- الفرق بين الفراسة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1121) وسوء الظن:
قال أبو طالب المكي: (الفرق بين الفراسة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1121) وسوء الظن: أنَّ الفراسة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1121) ما توسمته من أخيك بدليل يظهر لك، أو شاهد يبدو منه، أو علامة تشهدها فيه، فتتفرس من ذلك فيه ولا تنطق به إنْ كان سوءًا، ولا تظهره ولا تحكم عليه ولا تقطع به فتأثم.
وسوء الظن ما ظننته من سوء رأيك فيه، أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نية تكون أو خبث حال فيك، تعرفها من نفسك فتحمل حال أخيك عليها وتقيسه بك، فهذا هو سوء الظن (http://dorar.net/enc/akhlaq/2270) والإثم) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 07:45 PM
ذم سوء الظن والنهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2274)
أولًا: من القرآن الكريم

- قال تعالى في ذم سوء الظن بالله تعالى وعاقبة من فعل ذلك: ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَى طَآئِفَةً مِّنكُمْ وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الأَمْرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَّا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران: 154].
قال ابن القيم: (فُسِّر هذا الظنُّ الذي لا يليق بالله بأنه سبحانه لا ينصر رسوله، وأنَّ أمره سيضمحل، وأنه يسلمه لل***، وقد فسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضائه وقدره، ولا حكمة له فيه، ففسر بإنكار الحكمة، وإنكار القدر، وإنكار أن يتم أمر رسوله، ويظهره على الدين كله. وإنما كان هذا ظن السوء، وظن الجاهلية المنسوب إلى أهل الجهل، وظن غير الحق، لأنه ظن غير ما يليق بأسمائه الحسنى وصفاته العليا وذاته المبرأة من كل عيب وسوء، بخلاف ما يليق بحكمته وحمده وتفرده بالربوبية والإلهيه، وما يليق بوعده الصادق الذي لا يخلفه، وبكلمته التي سبقت لرسله أنه ينصرهم ولا يخذلهم، ولجنده بأنهم هم الغالبون، فمن ظن بأنه لا ينصر رسوله، ولا يتم أمره، ولا يؤيده ويؤيد حزبه، ويعليهم ويظفرهم بأعدائه، ويظهرهم عليهم، وأنه لا ينصر دينه وكتابه، وأنه يديل الشرك على التوحيد، والباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها التوحيد والحق اضمحلالًا لا يقوم بعده أبدًا، فقد ظن بالله ظن السوء، ونسبه إلى خلاف ما يليق بكماله وجلاله وصفاته ونعوته، فإن حمده وعزته وحكمته وإلهيته تأبى ذلك، وتأبى أن يذل حزبه وجنده، وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لأعدائه المشركين به العادلين به، فمن ظن به ذلك فما عرفه ولا عرف أسماءه ولا عرف صفاته وكماله) ((زاد المعاد)) بتصرف يسير، ((فتح القدير)) للشوكاني .
- وقال سبحانه في عاقبة من ظن به السوء: وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 22- 23].
قال أبو حيان الأندلسي: (هذا الظن كفر وجهل بالله وسوء معتقد يؤدي إلى تكذيب الرسل والشك في علم الإله) ((البحر المحيط)) .
قال السعدي: (وَلَكِن ظَنَنتُمْ بإقدامكم على المعاصي أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ فلذلك صدر منكم ما صدر، وهذا الظن، صار سبب هلاكهم وشقائهم ولهذا قال: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ الظن السيئ، حيث ظننتم به، ما لا يليق بجلاله. أَرْدَاكُمْ أي: أهلككم فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ لأنفسهم وأهليهم وأديانهم بسبب الأعمال التي أوجبها لكم ظنكم القبيح بربكم، فحقت عليكم كلمة العقاب والشقاء، ووجب عليكم الخلود الدائم، في العذاب، الذي لا يفتر عنهم ساعة) ((تيسير الكريم الرحمن)) .
- ثم أوضح سبحانه صورة هذا الهلاك والخسران بقوله تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6].
قال ابن القيم: (توعد الله سبحانه الظانين به ظنَّ السوء بما لم يتوعد به غيرهم، كما قال تعالى: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6]) ((الداء والدواء)) .
وقال الشوكاني في قوله تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ أي: يعذبهم في الدنيا بما يصل إليهم من الهموم والغموم بسبب ما يشاهدونه من ظهور كلمة الإسلام، وقهر المخالفين له، وبما يصابون به من القهر وال*** والأسر، وفي الآخرة بعذاب جهنم.. عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين دائر عليهم، حائق بهم، والمعنى: أن العذاب والهلاك الذي يتوقعونه للمؤمنين واقعان عليهم نازلان بهم... وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرًا) انظر: ((فتح القدير)) بتصرف يسير. .
- وقال سبحانه في ذم سوء الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12].
قال ابن كثير: (قال تعالى ناهيًا عباده المؤمنين عن كثير من الظن، وهو التهمة والتخون للأهل والأقارب والناس في غير محله؛ لأن بعض ذلك يكون إثمًا محضًا، فليجتنب كثير منه احتياطًا) ((تفسير القرآن العظيم)) .
وقال السعدي: (نهى الله تعالى عن كثير من الظن السوء بالمؤمنين، فــ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وذلك، كالظن الخالي من الحقيقة والقرينة، وكظن السوء، الذي يقترن به كثير من الأقوال، والأفعال المحرمة، فإن بقاء ظن السوء بالقلب، لا يقتصر صاحبه على مجرد ذلك، بل لا يزال به، حتى يقول ما لا ينبغي، ويفعل ما لا ينبغي، وفي ذلك أيضًا، إساءة الظن بالمسلم، وبغضه، وعداوته المأمور بخلاف ذلك منه) ((تيسير الكريم الرحمن)) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 07:48 PM
ثانيًا: من السنة النبوية

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث)) .
قال الصنعاني: (المراد بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم والظنَّ)) سوء الظنِّ به تعالى، وبكلِّ من ظاهره العدالة من المسلمين وقوله: ((فإن الظن أكذب الحديث)). سماه حديثًا؛ لأنَّه حديث النفس، وإنما كان الظنُّ أكذب الحديث؛ لأنَّ الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره. وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء، فيخفى على السامع كونه كاذبًا بحسب الغالب، فكان أكذب الحديث، والحديث وارد في حقِّ من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور) .
وقال الملا علي القاري: (... ((إياكم والظن)). أي: احذروا اتباع الظن في أمر الدين الذي مبناه على اليقين، قال تعالى: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس: 36]، قال القاضي: التحذير عن الظن فيما يجب فيه القطع، أو التحدث به عند الاستغناء عنه أو عما يظن كذبه.. أو اجتنبوا الظن في التحديث والإخبار، ويؤيده قوله: ((فإنَّ الظنَّ)). في موضع الظاهر زيادة تمكين في ذهن السامع حثًّا على الاجتناب أكذب الحديث) .
- وعن صفية بنت حيي قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما، إنها صفية بنت حيي. فقالا: سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شرًا أو قال: شيئًا)) .
قال النووي: (الحديث فيه فوائد، منها بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته، ومراعاته لمصالحهم، وصيانة قلوبهم وجوارحهم، وكان بالمؤمنين رحيمًا؛ فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقي الشيطان فى قلوبهما فيهلكا؛ فإنَّ ظنَّ السوء بالأنبياء كفر بالإجماع، والكبائر غير جائزة عليهم، وفيه أنَّ من ظنَّ شيئًا من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر .. وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان، وطلب السلامة، والاعتذار بالأعذار الصحيحة، وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق، وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظنَّ السوء) .
- وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم)) .
قال المناوي: (... ((إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة)). أي: طلب الريبة، أي: التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم، وجاهرهم بسوء الظن فيها، فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل، وعدم تتبع العورات؛ فإن بذلك يقوم النظام ويحصل الانتظام، والإنسان قل ما يسلم من عيبه، فلو عاملهم بكل ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع، واتسع المجال، بل يستر عيوبهم، ويتغافل ويصفح، ولا يتبع عوراتهم، ولا يتجسس عليهم) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 07:50 PM
أقوال السلف والعلماء في سوء الظن

- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (إذا استولى الصلاح على الزمان وأهله، ثم أساء رجل الظن برجل لم تظهر منه خزية فقد ظلم) .
- وعنه أيضًا: (ليس من العدل القضاء على الثقة بالظن) .
- وقال ابن عباس: (إنَّ الله قد حرم على المؤمن من المؤمن دمه وماله وعرضه، وأن يظنَّ به ظنَّ السوء) .
- وقال ابن مسعود: (الأمانة خير من الخاتم، والخاتم خير من ظنِّ السوء) .
- وقال سلمان الفارسي: (إني لأعد غراف قدري مخافة الظن) .
- وقال ابن عطية: (كان أبو العالية يختم على بقية طعامه؛ مخافة سوء الظن بخادمه) .
- وقال القاضي عياض: (ظن السوء بالأنبياء كفر) .
- وقال الغزالي: (سوء الظن غيبة بالقلب) .
- وقال الخطابي: (الظن منشأ أكثر الكذب) .
- وقال إسماعيل بن أمية: (ثلاث لا يعجزن ابن آدم: الطيرة وسوء الظن والحسد. قال: فينجيك من الطيرة ألا تعمل بها، وينجيك من سوء الظن ألا تتكلم به، وينجيك من الحسد ألا تبغي أخاك سوءًا) .
- وقال الحارث المحاسبي: (احم القلب عن سوء الظن بحسن التأويل) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 07:55 PM
آثار سوء الظن

1- سبب للوقوع في الشرك والبدعة والضلال:
سوء الظن بالله سبب في الوقوع في الشرك، قال ابن القيم: (الشرك والتعطيل مبنيان على سوء الظن بالله تعالى.. لأن الشرك هضم لحق الربوبية، وتنقيص لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين ، ولهذا قال إبراهيم إمام الحنفاء لخصمائه من المشركين: أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 86-87]) .
قال المقريزي: (اعلم أنك إذا تأملت جميع طوائف الضلال والبدع وجدت أصل ضلالهم راجعًا إلى شيئين: أحدهما:.. الظن بالله ظن السوء) .
2- أنها صفة كل مُبطل ومبتدع :
قال تعالى: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ [فصلت: 23]
قال ابن القيم: (كلُّ مبطل وكافر ومبتدع مقهور مستذل، فهو يظن بربه هذا الظن وأنه أولى بالنصر والظفر والعلو من خصومه، فأكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول: ظلمني ربي، ومنعني ما أستحقه. ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها رأى ذلك فيها كامنًا كمون النار في الزناد) .
3- سبب في استحقاق لعنة الله وغضبه:
قال تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6].
قال ابن القيم: (توعَّد الله سبحانه الظانين به ظنَّ السوء بما لم يتوعد به غيرهم، كما قال تعالى: عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6]) .
4- يورث الإنسان الأخلاق السيئة:
سوء الظن يورث الإنسان الأخلاق السيئة كالجبن والبخل والشح والحقد والحسد والتباغض
قال ابن عباس: (الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل) .
وقال ابن القيم: (الشحُّ فهو خلق ذميم يتولد من سوء الظن، وضعف النفس، ويمده وعد الشيطان) .
وقال المهلب: (التباغض والتحاسد أصلهما سوء الظنِّ، وذلك أن المباغض والمحاسد يتأول أفعال من يبغضه ويحسده على أسوأ التأويل) .
5 - من أساء الظن أساء العمل:
قال الطبري -بسنده إلى الحسن-: (تلا الحسن: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ [فصلت: 23] فقال: إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم؛ فأما المؤمن فأحسن بالله الظن، فأحسن العمل، وأما الكافر والمنافق، فأساءا الظن فأساءا العمل) .
6- سبب في وجود الأحقاد والعداوة:
فإن الظن السيئ (يزرع الشقاق بين المسلمين، ويقطع حبال الأخوة، ويمزق وشائج المحبة، ويزرع العداء والبغضاء والشحناء) .
قال ابن القيم: (أما سوء الظن فهو امتلاء قلبه بالظنون السيئة بالناس، حتى يطفح على لسانه وجوارحه فهم معه أبدًا في الهمز واللمز والطعن والعيب والبغض، يبغضهم ويبغضونه ويلعنهم ويلعنونه ويحذرهم ويحذرون منه ... ويلحقه أذاهم ..خارج منهم مع الغش والدغل والبغض) .
7- يؤدي إلى تتبع عورات المسلمين:
قال الغزالي: (من ثمرات سوء الظن التجسس، فإنَّ القلب لا يقنع بالظنِّ، ويطلب التحقيق فيشتغل بالتجسس وهو أيضًا منهي عنه، قال الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12]. فالغيبة وسوء الظن والتجسس منهي عنه في آية واحدة، ومعنى التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستر الله، فيتوصل إلى الاطلاع وهتك الستر؛ حتى ينكشف له ما لو كان مستورًا عنه كان أسلم لقلبه ودينه) .
8- سبب للمشكلات العائلية:
فـ(من أسباب المشاكل العائلية سوء الظن من أحدهما وغضبه قبل التذكر والتثبت؛ فيقع النزاع وربما حصل فراق، ثم تبين الأمر خلاف الظن) .
وقال ابن القيم: (الغيرة مذمومة منها غيرة يحمل عليها سوء الظن، فيؤذى بها المحب محبوبه، ويغري عليه قلبه بالغضب، وهذه الغيرة يكرهها الله إذا كانت في غير ريبة، ومنها غيرة تحمله على عقوبة المحبوب بأكثر مما يستحقه) .
9- إضعاف الثقة بين المؤمنين .
10- من مداخل الشيطان الموقعة في كبائر الذنوب:
قال الغزالي: (من عظيم حيل الشيطان.. سوء الظن بالمسلمين، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [الحجرات: 12]، فمن يحكم بشرٍّ على غيره بالظن بعثه الشيطان على أن يطول فيه اللسان بالغيبة، فيهلك أو يقصر في القيام بحقوقه، أو يتوانى في إكرامه، وينظر إليه بعين الاحتقار، ويرى نفسه خيرًا منه، وكلُّ ذلك من المهلكات) .
11- سبب في مرض القلب، وعلامة على خبث الباطن:
قال الغزالي: (مهما رأيت إنسانًا يسيء الظن بالناس طالبًا للعيوب، فاعلم أنه خبيث الباطن وأنَّ ذلك خبثه يترشح منه، وإنما رأى غيره من حيث هو، فإن المؤمن يطلب المعاذير، والمنافق يطلب العيوب، والمؤمن سليم الصدر في حق كافة الخلق) .
12- يسبب عدم الثقة بالآخرين:
قال الزمخشري: (قيل لعالم: من أسوأ الناس حالًا؟ قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنَّه، ولا يثق به أحد لسوء فعله) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 07:58 PM
أقسام سوء الظن وحكم كل قسم منها

الحكم على سوء الظن يشمل قسمين: سوء ظن الذي يؤاخذ به صاحبه، وسوء الظن الذي لا يؤاخذ به صاحبه.
القسم الأول: سوء الظن الذي يؤاخذ به صاحبه:
وضابط هذا النوع: هو كل ظن ليس عليه دليل صحيح معتبر شرعًا، استقر في النفس، وصدقه صاحبه، واستمر عليه، وتكلم به، وسعى في التحقق منه .
وهو أنواع ولكل نوع حكم خاص وهو كالتالي:
1- سوء الظن المحرم: ويشمل سوء الظن بالله تعالى، وسوء الظن بالمؤمنين.
فسوء الظن بالله تعالى من أعظم الذنوب: قال ابن القيم: (أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به) . وقال الماوردي: (سوء الظن هو عدم الثقة بمن هو لها أهل، فإن كان بالخالق كان شكًّا يؤول إلى ضلال) .
أما سوء الظن بالمؤمنين: ويشمل سوء الظن بالأنبياء وهو كفر، قال النووي: (ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع) ، وسوء الظن بمن ظاهره العدالة من المسلمين، وقد عدَّ الهيثمي سوء الظنِّ بالمسلم الذي ظاهره العدالة من الكبائر .
2- سوء الظن الجائز: ويشمل: سوء الظن بمن اشتهر بين الناس بمخالطة الريب، والمجاهرة بالمعاصي، وسوء الظن بالكافر، قال ابن عثيمين: (يحرم سوء الظن بمسلم، أما الكافر فلا يحرم سوء الظن فيه؛ لأنه أهل لذلك، وأما من عرف بالفسوق والفجور، فلا حرج أن نسيء الظن به؛ لأنه أهل لذلك، ومع هذا لا ينبغي للإنسان أن يتتبع عورات الناس، ويبحث عنها؛ لأنَّه قد يكون متجسسًا بهذا العمل) .
3- سوء الظنِّ المستحب: وهو ما كان بين الإنسان وعدوه، قال أبو حاتم البستي في سوء الظن المستحب (كمن بينه وبينه عداوة أو شحناء في دين أو دنيا، يخاف على نفسه، مكره، فحينئذ يلزمه سوء الظن بمكائده ومكره؛ لئلا يصادفه على غرة بمكره فيهلكه) .
4- سوء الظن الواجب: وهو ما احتيج لتحقيق مصلحة شرعية، كجرح الشهود ورواة الحديث .

محمد رافع 52
01-10-2013, 08:01 PM
حكم سوء الظن بالنفس

سوء الظن بالنفس اختلف فيه العلماء، فمنهم من رأى الاستحباب. قال ابن القيم: (أما سوء الظن بالنفس فإنما احتاج إليه؛ لأنَّ حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش، ويلبس عليه، فيرى المساوئ محاسن، والعيوب كمالًا، فإنَّ المحبَّ يرى مساوئ محبوبه وعيوبه كذلك.
ولا يسيء الظن بنفسه إلا من عرفها، ومن أحسن ظنه بنفسه فهو من أجهل الناس بنفسه) .
وضابط سوء الظن بالنفس (هو اتهام النفس، فلا يتهم ربه، وإنما يتهم الإنسان نفسه بالتقصير، ويعاملها بالاتهام ليدفع عنها الغرور والعجب، دون أن يخرجه ذلك إلى حدِّ سوء الظنِّ بالله، أو اليأس من رحمته؛ لأنَّه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، فلا ييأس الإنسان من روح الله، ولا يقنط من رحمته، لكن ليجتهد في الطاعات، ومع ذلك يتهم نفسه وعمله، ولا يدري أقبل عمله أم لم يقبل؟ مع ثقته في أن الله سبحانه وتعالى لن يضيع عمل عامل من المؤمنين أبدًا) .
ومنهم من رأى الكراهة؛ قال الماوردي: (منهم من كرهه لما فيه من اتهام طاعتها، وردِّ مناصحتها. فإنَّ النفس وإن كان لها مكر يردي، فلها نصح يهدي. فلما كان حسن الظن بها يعمي عن مساوئها، كان سوء الظن بها يعمي عن محاسنها. ومن عمي عن محاسن نفسه كان كمن عمي عن مساوئها، فلم ينف عنها قبيحًا، ولم يهد إليها حسنًا. وقال الأحنف بن قيس: من ظلم نفسه كان لغيره أظلم، ومن هدم دينه كان لمجده أهدم) .
- ومنهم من قال بالموازنة بين سوء الظن وحسن الظن. ينبغي على المرء أن - (يكون في التهمة لنفسه معتدلًا، وفي حسن الظن بها مقتصدًا، فإنه إن تجاوز مقدار الحقَّ في التهمة لنفسه ظلمها؛ فأودعها ذلة المظلومين، وإن تجاوز الحق في مقدار حسن الظن بها آمنها؛ فأودعها تهاون الآمنين. ولكل ذلك مقدار من الشغل، ولكل شغل مقدار من الوهن، ولكل وهن مقدار من الجهل) .
القسم الثاني: سوء الظن الذي لا يؤاخذ به صاحبه:
وضابطه: هو الخواطر الطارئة غير المستقرة التي يجاهدها صاحبها، ولا يسعى للتحقق منها.
قال النووي: (الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفو عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه، ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل)). قال العلماء: المراد به الخواطر التي لا تستقر، قالوا: وسواء كان ذلك الخاطر غيبة أو كفرًا أو غيره، فمن خطر له الكفر مجرد خطر من غير تعمد لتحصيله، ثم صرفه في الحال، فليس بكافر، ولا شيء عليه... وسبب العفو ما ذكرناه من تعذر اجتنابه، وإنما الممكن اجتناب الاستمرار عليه، فلهذا كان الاستمرار وعقد القلب حرامًا، ومهما عرض لك هذا الخاطر بالغيبة وغيرها من المعاصي، وجب عليك دفعه بالإعراض عنه، وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 08:04 PM
أسباب الوقوع في سوء الظن

1- الجهل وسوء القصد والفهم:
فالجهل من الأسباب التي تؤدي إلى سوء الظنِّ بسبب عدم فهم حقيقة (ما يرى وما يقرأ ومرمى ذلك، وعدم إدراك حكم الشرع الدقيق في هذه المواقف خصوصًا إذا كانت المواقف غريبة، تحتاج إلى فقه دقيق، ونظر بعيد، يجعل صاحبه يبادر إلى سوء الظن، والاتهام بالعيب، والانتقاص من القدر، فانظر إلى ذي الخويصرة الجهول، لماذا أساء الظنَّ بالرسول واتهمه بعدم الإخلاص، فقال: اعدل يا محمد، فما عدلت، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، لقد دفعه إلى الظن السيئ والفعل القبيح جهله وسطحية فهمه، وقلة فقهه لمقاصد الشريعة ومصالح الدين الشرعية) .
2- اتباع الهوى وتعميم الأحكام على الناس:
قال الغزالي: (المسلم يستحق بإسلامه عليك أن لا تسيء الظنَّ به، فإن أسأت الظنَّ به في عينه؛ لأنك رأيت فسادًا من غيره، فقد جنيت عليه، وأثمت به في الحال.. ويدلُّ عليه أنا نعلم أنَّ الصحابة رضي الله عنهم في غزواتهم وأسفارهم كانوا ينزلون في القرى، ولا يردون القرى، ويدخلون البلاد، ولا يحترزون من الأسواق، وكان الحرام أيضًا موجودًا في زمانهم، وما نقل عنهم سؤال إلا عن ريبة، إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه، بل سأل في أول قدومه إلى المدينة عما يحمل إليه أصدقة أم هدية؟! لأنَّ قرينة الحال تدل، وهو دخول المهاجرين المدينة وهم فقراء، فغلب على الظن أن ما يحمل إليهم بطريق الصدقة) .
3- مصاحبة أهل الفسق والفجور:
قال أبو حاتم البستي: (صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب؛ لئلا يكون مريبًا، فكما أنَّ صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشرَّ) .
4- التواجد في مواطن التهم والريب:
من أسباب إساءة الناس الظنِّ بالمرء تواجده في أماكن الريب والفجور، ولهذا قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: (من أقام نفسه مقام التهم فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ) .
5- الحقد والحسد على المظنون به:
قال أبو طالب المكي: (سوء الظنِّ ما ظننته من سوء رأيك فيه، أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نية تكون أو خبث حال فيك، تعرفها من نفسك؛ فتحمل حال أخيك عليها وتقيسه بك، فهذا هو سوء الظن والإثم) .
6- الإسراف في الغيرة:
((إنَّ من الغيرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يكره الله، فالغيرة التي يحبها الله الغيرة في الريبة، والغيرة التي يكرهها الله الغيرة في غير ريبة)) .
قال الغزالي: (لأنَّ ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه فإنَّ بعض الظنِّ إثم.
وقال علي رضي الله عنه: لا تكثر الغيرة على أهلك، فتُرمى بالسوء من أجلك) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 08:04 PM
أسباب الوقوع في سوء الظن

1- الجهل وسوء القصد والفهم:
فالجهل من الأسباب التي تؤدي إلى سوء الظنِّ بسبب عدم فهم حقيقة (ما يرى وما يقرأ ومرمى ذلك، وعدم إدراك حكم الشرع الدقيق في هذه المواقف خصوصًا إذا كانت المواقف غريبة، تحتاج إلى فقه دقيق، ونظر بعيد، يجعل صاحبه يبادر إلى سوء الظن، والاتهام بالعيب، والانتقاص من القدر، فانظر إلى ذي الخويصرة الجهول، لماذا أساء الظنَّ بالرسول واتهمه بعدم الإخلاص، فقال: اعدل يا محمد، فما عدلت، هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، لقد دفعه إلى الظن السيئ والفعل القبيح جهله وسطحية فهمه، وقلة فقهه لمقاصد الشريعة ومصالح الدين الشرعية) .
2- اتباع الهوى وتعميم الأحكام على الناس:
قال الغزالي: (المسلم يستحق بإسلامه عليك أن لا تسيء الظنَّ به، فإن أسأت الظنَّ به في عينه؛ لأنك رأيت فسادًا من غيره، فقد جنيت عليه، وأثمت به في الحال.. ويدلُّ عليه أنا نعلم أنَّ الصحابة رضي الله عنهم في غزواتهم وأسفارهم كانوا ينزلون في القرى، ولا يردون القرى، ويدخلون البلاد، ولا يحترزون من الأسواق، وكان الحرام أيضًا موجودًا في زمانهم، وما نقل عنهم سؤال إلا عن ريبة، إذ كان صلى الله عليه وسلم لا يسأل عن كل ما يحمل إليه، بل سأل في أول قدومه إلى المدينة عما يحمل إليه أصدقة أم هدية؟! لأنَّ قرينة الحال تدل، وهو دخول المهاجرين المدينة وهم فقراء، فغلب على الظن أن ما يحمل إليهم بطريق الصدقة) .
3- مصاحبة أهل الفسق والفجور:
قال أبو حاتم البستي: (صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خادن الأشرار لم يسلم من الدخول في جملتهم، فالواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب؛ لئلا يكون مريبًا، فكما أنَّ صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشرَّ) .
4- التواجد في مواطن التهم والريب:
من أسباب إساءة الناس الظنِّ بالمرء تواجده في أماكن الريب والفجور، ولهذا قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: (من أقام نفسه مقام التهم فلا يلومنَّ من أساء به الظنَّ) .
5- الحقد والحسد على المظنون به:
قال أبو طالب المكي: (سوء الظنِّ ما ظننته من سوء رأيك فيه، أو لأجل حقد في نفسك عليه، أو لسوء نية تكون أو خبث حال فيك، تعرفها من نفسك؛ فتحمل حال أخيك عليها وتقيسه بك، فهذا هو سوء الظن والإثم) .
6- الإسراف في الغيرة:
((إنَّ من الغيرة ما يحبُّ الله، ومنها ما يكره الله، فالغيرة التي يحبها الله الغيرة في الريبة، والغيرة التي يكرهها الله الغيرة في غير ريبة)) .
قال الغزالي: (لأنَّ ذلك من سوء الظن الذي نهينا عنه فإنَّ بعض الظنِّ إثم.
وقال علي رضي الله عنه: لا تكثر الغيرة على أهلك، فتُرمى بالسوء من أجلك) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 08:20 PM
الوسائل المعينة على ترك سوء الظن

1- الاستعاذة بالله والتوقف عن الاسترسال في الظنون:
إذا كان سوء الظن الوارد متعلق بالله سبحانه وتعالى فمما ورد في علاج ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته)) .
2- معرفة أسماء الله وصفاته:
قال ابن القيم: (أكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظنَّ السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله وعرف أسماءه وصفاته، وعرف موجب حمده وحكمته، فمن قنط من رحمته وأيس من روحه، فقد ظن به ظن السوء) .
3- سوء الظن بالنفس واتهامها بالتقصير:
قال ابن القيم: (ليظنَّ – العبد - السوء بنفسه التي هي مأوى كلِّ سوء، ومنبع كلِّ شرٍّ، المركبة على الجهل والظلم، فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين وأعدل العادلين وأرحم الراحمين، الغني الحميد الذي له الغنى التام والحمد التام والحكمة التامة، المنزه عن كلِّ سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه، فذاته لها الكمال المطلق من كلِّ وجه، وصفاته كذلك، وأفعاله كذلك، كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل، وأسماؤه كلُّها حسنى) .
4 - المداومة على محاسبة النفس والاستغفار
قال ابن القيم: (فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى، وليستغفره كلَّ وقت من ظنه بربه ظن السوء) .
5- ترك التحقق من الظنون السيئة:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12].
6- أن يتأول ما ظاهره السوء وأن يجد له مخرجًا:
قال عمر بن الخطاب: (لا يحل لامرئٍ مسلم سمع من أخيه كلمة أن يظنَّ بها سوءًا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجًا) .
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (ما بلغني عن أخٍ مكروه قطُّ إلا أنزلته إِحدى ثلاث منازل: إن كان فوقي عرفت له قدره، وإن كان نظيري تفضلت عليه، وإن كان دوني لم أحفل به. هذه سيرتي في نفسي، فمن رغب عنها فأرض الله واسعة) .
7- عدم مصاحبة من ابتلي بإساءة الظن:
قال أبو حاتم البستي: (الواجب على العاقل أن يجتنب أهل الريب لئلا يكون مريبًا، فكما أن صحبة الأخيار تورث الخير كذلك صحبة الأشرار تورث الشرَّ) .
8- البعد عن مواطن التهم والريب:
عن صفية بنت حيي رضي الله عنها، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم معتكفًا، فأتيته أزوره ليلًا، فحدثته ثم قمت فانقلبت، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمر رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا سبحان الله يا رسول الله، قال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما سوءًا، أو قال: شيئًا)) .
قال ابن بطال: (في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنها صفية)) السنة الحسنة لأمته، أن يتمثلوا فعله ذلك في البعد عن التهم ومواقف الريب) .
وقال الغزالي: (حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول: مثلي لا يظنُّ به إلا الخير؛ إعجابًا منه بنفسه، فإنَّ أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة، بل بعين الرضا بعضهم وبعين السخط بعضهم... فيجب الاحتراز عن ظنِّ السوء، وعن تهمة الأشرار، فإنَّ الأشرار لا يظنون بالناس كلِّهم إلا الشرَّ) .
وقال أيضًا: -ينبغي على المرء– (أن يتقي مواضع التهم صيانة لقلوب الناس عن سوء الظن، ولألسنتهم عن الغيبة، فإنهم إذا عصوا الله بذكره وكان هو السبب فيه كان شريكًا، قال الله تعالى: وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام: 108]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((كيف ترون من يسبُّ أبويه؟! فقالوا: وهل من أحد يسب أبويه؟! فقال: نعم، يسبُّ أبوي غيره فيسبون أبويه).)) .

محمد رافع 52
01-10-2013, 08:29 PM
ذم سوء الظن في واحة الشعر

قال أبو الطيب المتنبي:


إذا ساء فعلُ المرءِ ساءتْ ظنونُه *** وصدَّق ما يعتادُه مِن توهُّمِ



وعادى محبِّيه بقولِ عُداتِه *** وأصبح في ليلٍ من الشكِّ مظلمِ



وقال الشاعر:


وإني بها في كلِّ حالٍ لواثقٌ *** ولكنَّ سوءَ الظنِّ من شدةِ الحبِّ



وقال ابن القيم:


فلا تظننَّ بربِّك ظنَّ سوءٍ *** فإنَّ الله أولى بالجميلِ



ولا تظننَّ بنفسِك قطُّ خيرًا *** فكيف بظالمٍ جانٍ جهولِ



وقلْ: يا نفسُ مأوَى كلِّ سوءٍ *** أترجو الخيرَ مِن مَيْتٍ بخيلِ



وظنَّ بنفسِك السُّوأى تجدْها *** كذاك وخيرُها كالمستحيلِ



وما بك مِن تُقًى فيها وخيرٍ *** فتلك مواهبُ الربِّ الجليلِ



وليس لها ولا منها ولكن *** مِن الرحمنِ فاشكرْ للدليلِ



وقال الشاعر:


وحسنُ الظنِّ يحسنُ في أُمورٍ *** ويمكنُ في عواقبِه ندامه



وسوءُ الظنِّ يسمجُ في وجوهٍ *** وفيه مِن سماجتِه حزامه



وقال بلعاء بن قيس:


وأبغي صوابَ الظنِّ أعلمُ أنَّه *** إذا طاش ظنُّ المرءِ طاشتْ مقادرُه

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=YhRLUoaEFIjXtQbezYHADw&psig=AFQjCNGr33A0d4hwQ63xnRovhs92ERWzig&ust=1380738530365044)

محمد رافع 52
01-10-2013, 08:31 PM
الشَّمَاتَة

معنى الشَّمَاتَة

أصل هذه الكلمة يدلُّ على فَرَح عَدُوٍّ بِبَلِيَّة تُصِيب مَنْ يُعَادِيه، يقال: شَمِتَ العَدُوُّ كفَرِحَ وزْنًا ومعْنًى، يَشْمَتُ شَماتَةً وشماتًا، وشَمِتَ الرَّجُلُ: إِذا فَرِحَ ببَلِيَّةِ العَدُوِّ، وباتَ فلانٌ بلَيْلَة الشَّوامِت، أي بلَيْلَةٍ تُشْمِتُ الشَّوامتَ .
فالشَّمَاتَة: هي الفَرَح ببليِّة مَن تعاديه ويعاديك .
وقال أبو حامد الغزَّالى: (الشَّمَاتَة: الفَرَح بالشَّرِّ الواصل إلى غير المستَحِق، ممَّن يعرفه الشَّامت) .
وقيل: الشَّمَاتَة: سرور النَّفس بما يصيب غيرها مِن الأضرار، وإنَّما تحصل مِن العداوة والحسد .

البطل السيناوي
02-10-2013, 01:30 AM
لك الشكر من كل قلبى

محمد رافع 52
02-10-2013, 08:41 PM
لك الشكر من كل قلبى


ولك كل التقدير والاحترام

محمد رافع 52
02-10-2013, 08:46 PM
ذَمُّ الشَّمَاتَة في الكتاب والسنة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2296)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأعراف: 150].
أي: فلا تفعل بي ما هو أمنيَّتهم مِن الاستهانة بي والإساءة إليَّ، وقُرِئ: ((فلا يَشْمَت بي الأعداء))، على نهي الأعداء عن الشَّمَاتَة. والمراد أن لا يحلَّ به ما يَشْمَتون به لأجله ((الكشاف)) للزمخشري .
- وقال تعالى: إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا [آل عمران:120].
وهذا الفَرَح شماتة، والحسد والشَّمَاتَة متلازمان انظر: ((مفاتيح الغيب)) للرازي .
- قال تعالى: قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ [آل عمران: 12]. لـمَّا شَمَت اليهود بالمسلمين يوم أحد، قيل لهم: ستغلبون وتحشرون إلى جهنم انظر: ((العجاب في بيان الأسباب)) لابن حجر .

محمد رافع 52
02-10-2013, 08:49 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ مِن سوء القضاء، ومِن درك الشَّقاء، ومِن شَمَاتَة الأعداء، ومِن جهد البلاء)). قال عمرو في حديثه: قال سفيان: أشكُّ أنِّي زدت واحدة منها .
قال النَّوويُّ: (شماتة الأعداء: هي فَرَح العدوِّ ببليَّةٍ تنزل بعدوِّه، يقال منه: شَمِت بكسر الميم، وشَمَت بفتحها) .
(وقال الشَّوكانيُّ: استعاذ صلى الله عليه وسلم مِن شَمَاتَة الأعداء وأمر بالاستعاذة منها؛ لعظم موقعها، وشدَّة تأثيرها في الأنفس البَشريَّة، ونُفُور طباع العباد عنها، وقد يتسبَّب عن ذلك تعاظم العداوة المفْضِية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه وتعالى . وقال ابن بطال: شَمَاتَة الأعداء ما ينكأ القلب، ويبلغ مِن النَّفس أشدَّ مبلغ، وإنَّما تعوَّذ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِن ذلك تعليمًا لأمَّته، فإنَّ الله تعالى آمنه مِن جميع ذلك. قال الحافظ: ولا يتعيَّن ذلك، بل يُحْتَمل أن يكون استعاذ بربِّه مِن وقوع ذلك بأمَّته) .
وقال المناويُّ: (إنَّما حَسُنَ الدَّعاء بدفع شَمَاتَة الأعداء؛ لأنَّ مَن له صِيْتٌ عند النَّاس وتأمل، وَجَدَ نفسه بينهم كبَهْلَوان يمشي على حبلٍ عالٍ بقُبْقَاب، وجميع الأقران والحُسَّاد واقفون ينتظرون متى يَــزْلَق فيَشْمَتُون به، ومِن أشقِّ ما على الزَّالق أن يُغْلَب عليه رعاية مقامه عند الخَلْق؛ فإنَّه يذوب قهرًا، بخلاف مَن يراعي الحقَّ؛ فإنَّ الأذى يَخِفُّ عليه، ولو أَظْهَروا كلُّهم الشَّمَاتَة) .

محمد رافع 52
02-10-2013, 09:02 PM
أقوال السَّلف والعلماء في الشَّمَاتَه
قال ابن الكلبي: لـمَّا مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، شَمَتَت به نساء كِنْدة وحضرموت، وخَضَّبن أيديهن، وأظهرن السُّرور لموته، وضربن بالدُّفوف، فقال شاعر منهم:

أبلغ أبا بكر إذا ما جئته *** أنَّ البغايا رُمْن شرَّ مرام



أظهرن مِن موت النَّبيِّ شَمَاتةً *** وخَضَّبن أيديهنَّ بِالْعَلَّام



فاقطع هُدِيت أَكُفَّهنَّ بصارم *** كالبرق أَوْمَض من متون غمام


- وعن عبد الرَّحمن بن أبي ليلى قال: جاء أبو موسى إلى الحسن بن علي يعوده، فقال له عليٌّ: أعائدًا جئت أم شامتًا؟ قال: لا، بل عائدًا. قال: فقال له عليٌّ: إن كنت جئت عائدًا، فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا عاد الرَّجل أخاه المسلم، مشى في خِرَافة الجنَّة حتى يجلس، فإن جلس غمرته الرَّحمة، فإن كان غُدْوَة صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساءً صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح)) .
- وعن عمر بن عبد العزيز: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم مِن الحاسد؛ غمٌّ دائمٌ، ونفس متتابع. وقيل: إذا رأى الحاسد نعمةً، بُهِت، وإذا رأى عثرةً، شَمَت) .
- وقال آخر: (عِبْتُ شخصًا قد ذهب بعض أسنانه، فذهبت أسناني، ونظرت إلى امرأة لا تحلُّ لي، فنظر زوجتي مَن لا أريد) .
- وقال ابن سيرين: (عيَّرت رجلًا بالإفلاس، فأفلستُ). قال ابن الجوزي: (ومثل هذا كثير، وما نزلت بي آفةٌ ولا غمٌّ ولا ضيق صدر إلَّا بزللٍ أعرفه، حتى يمكنني أن أقول: هذا بالشَّيء الفلاني، وربَّما تأوَّلت تأويلًا فيه بُعْد، فأرى العقوبة) .

محمد رافع 52
02-10-2013, 09:16 PM
آثار الشَّمَاتَة


1- الشَّمَاتَة بالتَّعيير بالذَّنب أعظم مِن مُرْتَكِب الذَّنب:
يقول ابن القيِّم: (إنَّ تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثمًا مِن ذنبه، وأشدُّ مِن معصيته؛ لما فيه مِن صولة الطَّاعة، وتزكية النَّفس وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب، وأنَّ أخاك باء به، ولعلَّ كسرته بذنبه، وما أحدث له مِن الذِّلَّة والخضوع والإزراء على نفسه، والتَّخلُّص مِن مرض الدَّعوى والكِبْر والعُجْب، ووقوفه بين يدي الله ناكس الرَّأس، خاشع الطَّرف، منكسر القلب أنفع له، وخيرٌ مِن صولة طاعتك، وتكثُّرك بها، والاعتداد بها، والمنَّة على الله وخَلْقِه بها، فما أقرب هذا العاصي مِن رحمة الله، وما أقرب هذا المدِل مِن مقت الله، فذنب تَذِلُّ به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه، وإنَّك أن تَبِيتَ نائمًا وتصبح نادمًا خيرٌ مِن أن تَبِيتَ قائمًا وتصبح مُعْجَبًا؛ فإنَّ المعْجَب لا يَصْعَد له عملٌ، وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ، خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مُدِلٌّ، وأنين المذنبين أحبُّ إلى الله مِن زجل المسبحين المدِلِّين، ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلًا هو فيك ولا تشعر، فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلَّا هو، ولا يطالعها إلَّا أهل البصائر، فيعرفون منها بقَدْرِ ما تناله معارف البَشَر) .
2- الشَّامت قد تنعكس المصيبة عليه:
يقول إبراهيم النخعي: (إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبْتَلَى بمثله).
فالفَرَح بمصيبة العدوِّ مذمومٌ جدًّا؛ لكونه سببًا لانعكاس المصيبة عليه بابتلاء مَن شَمَت، وعافية مَن شَمَت عليه، أو لأنَّه ارتكاب المنهيِّ عنه، خصوصًا إذا حملها -أي: تلك المصيبة- على كرامة نفسه، يعني: يقول الحاقد: إنَّ مصيبة عدوِّي إنَّما هي مِن كرامتي، أو على إجابة دعائه، كأن يقول: ما ابتُلِي به عدوِّي مِن هذه المصيبة، إنَّما هو بإجابة دعوتي عليه؛ لأنَّه حينئذ عُجْبٌ وتزكية نفسٍ وغُرورٌ، بل يجب على الحاقد أن يخاف مِن مصيبة عدوِّه أن تكون مكرًا مِن الله تعالى له، واستدراجًا للحاقد، حيث ابتلى عدوَّه وعافاه، ويجب على الحاقد أن يَحْزَن على احتمال كونه مَكْر الله تعالى ، و يجب -أيضًا- أن يدعو الله بإزالة بلائه -أي: العدو- ويدعو بأن يُخْلِفه الله تعالى خيرًا ممَّا فات مِن النِّعم بتلك المصيبة. في الوجوب هذا نظرٌ، إلَّا أن يُرَاد بالوجوب معنى مجازي، ثمَّ إنَّ هذا الدُّعاء سبب لخلاص الحاقد مِن تلك المصيبة، كما قال الله تعالى: مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا [النِّساء: 85] .
3- الشَّمَاتَة لها تأثيرٌ سلبيٌّ على الفرد والمجتمع؛ تربِّي الحقد والحسد والعداوة.
وهذا أمرٌ معلوم مشهود.
4- الشماتة تؤدي إلى قساوة القلب.

محمد رافع 52
02-10-2013, 09:22 PM
حُكْم الشَّمَاتَة

لا يجوز الشَّمَاتَة بالمسلم؛ لكنها في حق الكفار المحاربين والمنافقين تجوز، قال تعالى: قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [التوبة: 14-15].
قال السعدي: (فإنَّ في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم ما يكون قتالهم و***هم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله ساعين في إطفاء نور الله، وزوالًا للغيظ الذي في قلوبهم، وهذا يدل على محبة الله لعباده المؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل -من جملة المقاصد الشرعية- شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم) .

محمد رافع 52
02-10-2013, 09:27 PM
أسباب الوقوع في الشَّمَاتَة

1- الابتعاد عن منهج الرَّسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
2- ضعف الإيمان.
3- حبُّ التَّشفِّي النَّاس.
4- حبُّ الدُّنيا والتَّعلُّق بها، ونسيان الآخرة.
5- تعاظم العداوة المفضية إلى استحلال ما حرَّمه الله سبحانه .
6- الحقد والكراهية:
فإنَّ خُلُق الشَّمَاتَة يقوم في النَّفس حين تخلو مِن المودَّة والحبِّ والعطف، وتمتلئ بالكراهية والحقد والبغض، فإنَّ الإنسان يتألَّم لألم الغير إلَّا إذا كان يحبُّ هذا الغير، ويودُّ الخير له، أمَّا إذا مقته وأبغضه، فإنَّه يفرح لحزنه، ويَشْمَت في مصيبته .

محمد رافع 52
02-10-2013, 09:32 PM
شماتة المنافقين بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه

- في غزوة أحد أظهر اليهود والمنافقون الشَّماتَة بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه:
فحينما وصل صلى الله عليه وسلم المدينة -بعد غزوة أحد- أظهر المنافقون واليهود الشَّمَاتَة والسُّرور، وصاروا يُظْهِرون أقبح القول، أي ومنه: ما محمد إلَّا طالب مُلْك، ما أصيب بمثل هذا نبيٌّ قطُّ؛ أُصيب في بدنه، وأُصيب في أصحابه، ويقولون: لو كان مَن قُتِل منكم عندنا ما قُتِل.
واستأذن عمر في *** هؤلاء المنافقين، فقال له النبي: أليس يظهرون شهادة أن لا إله إلَّا الله وأنِّي رسول الله؟ قال بلى: ولكن تعوُّذًا مِن السَّيف، فقد بان أمرهم، وأبدى الله تعالى أضغانهم. فقال صلى الله عليه وسلم: نُهِيت عن *** مَن أظهر ذلك. وصار ابن أُبَي -لعنه الله- يوبِّخ ابنه عبد الله -رضي الله تعالى عنه-، وقد أثبتته الجراحة ، فقال له ابنه: الذي صنع الله لرسوله والمسلمين خيرٌ .

محمد رافع 52
07-10-2013, 12:32 AM
معنى تَشْمِيت العاطس وعلاقته بالشَّمَاتَة

بيَّن ابن القيِّم علَّة الحمد بعد العطاس، ومعنى تَشْمِيت العاطس، وأنَّ الدُّعاء للعاطس بالرَّحمة تَشْمِيتًا له لما في ضمنه مِن شَمَاتَتِه بعدوِّه، فقال: (ولـمَّا كان العاطس قد حصلت له بالعطاس نعمة ومنفعة بخروج الأبخرة المحتقنة في دماغه، التي لو بقيت فيه أحدثت له أدواء عَسِرة، شُرِع له حمدُ الله على هذه النِّعمة، مع بقاء أعضائه على التئامها وهيئتها بعد هذه الزَّلزَلة، التي هي للبدن كزَلزَلة الأرض لها، ولهذا يقال: سمَّته وشمَّته بالسِّين والشِّين، فقيل: هما بمعنى واحد، قاله أبو عبيدة وغيره. قال: وكلُّ داعٍ بخير فهو مشمِّت ومسمِّت. وقيل: بالمهملة دعاء له بحسن السَّمت، وبعوده إلى حالته مِن السُّكون والدَّعة، فإنَّ العطاس يُحْدِث في الأعضاء حركة وانزعاجًا. وبالمعجمة دعاء له بأن يصرف الله عنه ما يُشَمِّت به أعداءه، فشَمَّته إذا أزال عنه الشَّمَاتَة، كقَرَّد البعير: إذا أزال قُـرَاده عنه، وقيل: هو دعاء له بثباته على قوائمه في طاعة الله، مأخوذٌ مِن الشَّوامت وهي القوائم. وقيل: هو تشميت له بالشَّيطان لإغاظته بحمد الله على نعمة العطاس، وما حصل له به مِن محابِّ الله؛ فإنَّ الله يحبُّه، فإذا ذَكَر العبدُ الله وحمده، ساء ذلك الشَّيطان مِن وجوه، منها: نَفْسُ العطاس الذي يحبُّه الله، وحمد الله عليه، ودعاء المسلمين له بالرَّحمة، ودعاؤه لهم بالهداية وإصلاح البال، وذلك كلُّه غائظٌ للشَّيطان، مُحْزِنٌ له، فتَشْمِيت المؤمن بغيظ عدوِّه وحُزْنِه وكآبته، فسُمِّي الدُّعاء له بالرَّحمة تَشْمِيتًا له، لما في ضمنه مِن شماتته بعدوِّه، وهذا معنى لطيف إذا تنبَّه له العاطس والمشمِّت انتفعا به، وعظمت عندهما منفعة نعمة العطاس في البدن والقلب، وتبيَّن السِّرُّ في محبَّة الله له، فلله الحمد الذي هو أهله، كما ينبغي لكريم وجهه، وعزِّ جلاله) .

محمد رافع 52
07-10-2013, 12:33 AM
أقوالٌ وأمثال في الشَّمَاتَة

- الشَّمَاتَة لؤم .
- أنت أجدت طبخه فأحِسَّ وذُق.
يُضْرَب في الشَّمَاتَة بالجاني على نفسه .
- أُشِئْتَ عُقَيلُ إلى عَقْلِك:
أي أُلْجِئتَ واضطررت إلى رأيك، فجلب عليك ما تكره، يُضْرَب في الشَّمَاتَة بالجاني على نفسه .
- لا بظبي أعفر:
أي جعل الله ما أصابه لازمًا له مؤثِّـرًا فيه، ولا كان مثل الظَّبي في سلامته منه، يُضْرَب في الشَّمَاتَة .
- وقال أكثم بن صيفي: (ليس مِن الكرم أن يَشْمَت الرَّجل بصاحبه إذا زلَّت به النَّعل، أو نزل به أمرٌ) .

محمد رافع 52
07-10-2013, 12:43 AM
ذم الشَّمَاتَة في واحة الشِّعر

رَدَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه على الشَّامتين في موت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:

لعمري لقد أيقنتُ أنَّك ميِّتٌ *** ولكنَّما أَبْدَى الذي قلتُه الجَزَع



وقلتُ يغيبُ الوحي عنَّا لفقدِه *** كما غاب موسى، ثمَّ يرجعُ كما رجع



وكان هواي أن تطولَ حياتُه *** وليس لحيٍّ في بقا ميِّتٍ طمع



فلمَّا كشفنا البردَ عن حرِّ وجهِه *** إذا الأمرُ بالجزع الموهب قد وقع



فلم تكُ لي عندَ المصيبةِ حيلةٌ *** أردُّ بها أهلَ الشَّمَاتَة والقَذَع



سوى آذن الله في كتابه *** وما آذن الله العبادَ به يقع



وقد قلتُ مِن بعدِ المقالةِ قولةً *** لها في حلوقِ الشَّامتين به بشع



أَلَا إنَّما كان النَّبيُّ محمدٌ *** إلى أجلٍ وافى به الوقتَ فانقطع



ندينُ على العلات منَّا بدينِه *** ونعطي الذي أعطى، ونمنعُ ما منع



ووليت محزونًا بعينٍ سخينةٍ *** أكفكفُ دمعي والفؤادُ قد انصدع



وقلت لعيني: كلُّ دمعٍ ذخرتُه *** فجودي به إنَّ الشَّجيَّ له دفع


وقال العلاء بن قرضة:

إذا ما الدَّهرُ جرَّ على أناسٍ *** كَلَاكِلَه أناخ بآخرينا



فقلْ للشَّامتين بنا أفيقوا *** سيلقَى الشَّامتون كما لقينا


وقال أبو العبَّاس المبرِّد: وهلك أخ لبعض الأعراب، فأظهر له الشَّمَاتَة بعض بني عمِّه؛ فأنشأ الأعرابيُّ يقول:

ولقد أقولُ لذي الشَّمَاتَةِ إذ رأى فجعي *** ومَن يذقِ الفجيعةَ يجزعِ
اشمتْ فقد قَرَع الحوادثُ مروتي *** وافرحْ بمروتِك التي لم تُقْرَعِ
إن تبقَ تُفْجَعْ بالأحبةِ كلِّهم *** أو تُرْدِك الأحداثُ إن لم تُفْجَع


وقال نهشل بن حري:

ومَن يرَ بالأقوامِ يومًا يرونه *** معرَّةَ يومٍ لا تُوَازَى كواكبُه



فقلْ للذي يُبدي الشَّمَاتَةَ جاهلًا *** سيأتيك كأسٌ أنت لا بدَّ شاربُه


وقال حارثة بن بدر:

يا أيُّها الشَّامتُ المبدي عداوتَه *** ما بالمنايا التي عيَّرت مِن عارِ



تراك تنجو سليمًا مِن غوائلِها *** هيهاتَ لا بدَّ أن يسري بك السَّاري

محمد رافع 52
07-10-2013, 12:48 AM
http://www.dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=4OJ3BBw18IF6UM&tbnid=AR5DTrI8QwiyZM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fwww.dorar.net%2Fenc%2Fakhlaq&ei=l-dRUvHtL-au0QWs24HoDg&psig=AFQjCNG_VTWd8PtFn8h6M4nSSPWT1VPQow&ust=1381185797923520)

الطَّمع
معنى الطَّمع لغةً واصطلاحًا

معنى الطَّمع لغةً: طَمِعَ طَمَعًا وطماعة وطماعية مخفف، فهو طامِعٌ، وإنه لطَمِعٌ: حريص، والطمَّاع: الكثير الطَّمع.
والطَّمع: الأمل والرجاء، وأكثر ما يُسْتَعمل فيما يقرب حُصُوله. ويتعدى بالهمزة فيقال: أطمعته. وأصل هذه المادة يدُلُّ على رجاء في القلب قويٍّ للشَّيء .
معنى الطَّمع اصطلاحًا: قال الرَّاغب: (نزوع النَّفس إلى الشَّيء شهوةً له) .
وقال المناوي: (الطَّمع تعلُّق البال بالشَّيء من غير تقدُّم سبب له) .
وقال العضد: (الطَّمع ذلٌّ ينشأ من الحرص، والبطالة، والجهل بحكمة الباري) .

محمد رافع 52
07-10-2013, 12:51 AM
الفرق بين الطَّمع وبعض الصفات

- الفرق بين الحرص والطَّمع: قيل: الحرص أشد الطَّمع، وعليه جرى قوله تعالى: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ [البقرة: 75].
لأنَّ الخطاب فيه للمؤمنين، وقوله سبحانه: إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ [النحل: 37]، فإنَّ الخطاب فيه مقصور على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شك أنَّ رغبته صلى الله عليه وآله في إسلامهم، وهدايتهم، كان أشدَّ وأكثر من رغبة المؤمنين، المشاركين له في الخطاب الأول في ذلك .
- الفرق بين الأمل والطَّمع: قيل: أكثر ما يستعمل الأمل فيما يستبعد حصوله، فإنَّ من عزم على سفر إلى بلد بعيد يقول: (أملت الوصول إليه) ولا يقول: (طمعت) إلا إذا قرب منه، فإن الطَّمع لا يكون إلا فيما قرب حصوله. وقد يكون الأمل بمعنى الطَّمع .
- الفرق بين الرَّجاء والطَّمع: أنَّ الرَّجاء: هو الظَّنُّ بوقوع الخير الذي يعتري صاحبه الشَّك فيه، إلا أنَّ ظنَّه فيه أغلب، وليس هو من قبيل العلم، والشاهد أنه لا يقال: أرجو أن يدخل النبي الجنَّة. لكون ذلك متيقنًا.
ويقال: أرجو أن يدخل الجنَّة إذا لم يعلم ذلك.
والرَّجاء: الأمل في الخير، والخشية والخوف في الشرِّ، لأنَّهما يكونان مع الشك في المرجو والمخوف، ولا يكون الرَّجاء إلا عن سبب يدعو إليه؛ من كرم المرجو أو ما به إليه، ويتعدى بنفسه تقول: رجوت زيدًا، والمراد رجوت الخير من زيد، لأنَّ الرَّجاء لا يتعدى إلى أعيان الرجال.
والطَّمع: ما يكون من غير سبب يدعو إليه، فإذا طمعت في الشيء فكأنَّك حدَّثت نفسك به، من غير أن يكون هناك سبب يدعو إليه، ولهذا ذُمَّ الطَّمع ولم يُذَّم الرَّجاء، والطَّمع يتعدى إلى المفعول بحرف فتقول: طمعت فيه، كما تقول: فرقت منه، وحذرت منه، واسم الفاعل طمع مثل: حذر، وفرق، ودئب؛ إذا جعلته كالنسبة، وإذا بنيته على الفعل قلت: طامع .
- الفرق بين الطَّمع والرَّجاء والأمل: الطَّمع يقارب الرجاء، والأمل، لكن الطَّمع أكثر ما يقال، فيما يقتضيه الهوى.
والأمل والرجاء قد يكونان فيما يقتضيه الفكر والرويَّة.
ولهذا أكثرُ ذمِّ الحكماء للطَّمع، حتى قيل الطَّمع طبع، والطَّمع يدنس الثياب، ويفرق الإهاب .

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:28 PM
ذم الطَّمع في الكتاب والسنة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2322)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ [البقرة: 41].
قال السُّدِّي: (لا تأخذوا طمَعًا قليلًا وتكتُموا اسمَ الله، وذلك الثمن هو الطَّمع) .
وعن قتادة، قال: (أنبأكم الله بمكانهم من الطَّمع) .
- وقال جل في علاه: وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ص: 24].
(لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: بسائق الطَّمع والحرص، وحب التكاثر بالأموال التي تميل بذويها إلى الباطل إن لم يتولَّهم الله بلطفه) .

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:31 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن كعب بن مالك الأنصاري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها، من حرص المرء على المال، والشرف لدينه)) .
قال ابن رجب في شرحه للحديث السابق: (فهذا مثل عظيم جدًّا ضربه النبي -صلى الله عليه وسلم- لفساد دين المسلم بالحرص على المال والشرف في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بدون فساد الغنم بذئبين جائعين ضاريين يأتيا في الغنم، وقد غاب عنها رعاؤها ليلًا، فهما يأكلان في الغنم ويفترسان فيها.
ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين- والحالة هذه- إلا قليل، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن حرص المرء على المال والشرف: إفساده لدينه ليس بأقل من إفساد الذئبين لهذه الغنم؛ بل إما أن يكون مساويا وإما أكثر، يشير إلى أنه لا يسلم من دين المسلم مع حرصه على المال والشرف في الدنيا إلا القليل، كما أنه لا يسلم من الغنم مع إفساد الذئبين المذكورين فيها إلا القليل.
فهذا المثل العظيم يتضمن غاية التحذير من شر الحرص على المال والشرف في الدنيا) .
وقال القاري: (والمعنى أنَّ حرص المرء عليهما أكثر فسادًا لدينه المشبه بالغنم، لضعفه بجنب حرصه من إفساد الذئبين للغنم) .
وقال المناوي: (فمقصود الحديث أنَّ الحرص على المال والشرف أكثر إفسادًا للدين من إفساد الذئبين للغنم؛ لأنَّ ذلك الأشر والبطر يستفز صاحبه، ويأخذ به إلى ما يضره، وذلك مذموم لاستدعائه العلو في الأرض والفساد المذمومين شرعًا) .
- وعن عبد الله بن عمر، عن أبيه، قال: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يقول: ((قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالًا، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا، فلا تتبعه نفسك)) .
قال القاري: (قال الطيبي: الإشراف الاطلاع على شيء والتعرض له، والمقصود منه الطَّمع، أي: والحال أنك غير طامع له. ((ولا سائل فخذه)). أي: فاقبله وتصدق به، إن لم تكن محتاجًا. ((وما لا)). أي: وما لا يكون كذلك بأن لا يجيئك هنالك إلا بتطلع إليه واستشراف عليه. ((فلا تتبعه نفسك)). من الإتباع بالتخفيف، أي: فلا تجعل نفسك تابعة له ولا توصل المشقة إليها في طلبه) .
- وعن أبي بن كعب رضي الله عنه، قال: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن قال: فقرأ: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ [البينة: 1]، قال: فقرأ فيها: ولو أنَّ ابن آدم سأل واديًا من مال فأعطيه، لسأل ثانيًا، ولو سأل ثانيًا فأعطيه، لسأل ثالثًا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب، وإن ذلك الدِّين القيِّم عند الله الحنيفية، غير المشركة، ولا اليهودية، ولا النصرانية، ومن يفعل خيرًا، فلن يكفره)) .
قال ابن بطَّال: (وأشار صلى الله عليه وسلم بهذا المثل، إلى ذمِّ الحرص على الدنيا، والشره على الازدياد منها؛ ولذلك آثر أكثر السلف التقلل من الدنيا، والقناعة، والكفاف، فرارًا من التعرض لما لا يعلم كيف النجاة من شرِّ فتنته، واستعاذ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من شرِّ فتنة الغنى، وقد علم كلُّ مؤمن أنَّ الله تعالى قد أعاذه من شرِّ كلِّ فتنة، وإنما دعاؤه بذلك صلى الله عليه وسلم تواضعًا لله، وتعليمًا لأمته، وحضًّا لهم على إيثار الزهد في الدنيا) .
- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غزا في سبيل الله، ولم ينوِ إلا عقالًا ، فله ما نوى)) .
قال الطيبي: (هو مبالغة في قطع الطَّمع عن الغنيمة، بل ينبغي أن يكون خالصًا لله تعالى، غير مشوب بأغراض دنيوية) .
- وعن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيم رقيق القلب لكلِّ ذي قرب ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال. وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين فيكم تبع، لا يبغون أهلًا ولا مالًا، والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دقَّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك، وذكر البخل أو الكذب. والشنظير: الفحاش)) .
قال القاري: (... ((والخائن الذي لا يخفى له طمع- وإن دقَّ- إلا خانه)): هو إغراق في وصف الطَّمع، والخيانة تابعة له، والمعنى أنه لا يتعدَّى عن الطَّمع، ولو احتاج إلى الخيانة، ولهذا قال الحسن البصري: الطَّمع فساد الدين والورع صلاحه) .
- وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشحَّ؛ فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم)) .
قال ابن عثيمين: (ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((واتقوا الشحَّ)) يعني الطَّمع في حقوق الغير. اتقوه: أي احذروا منه، واجتنبوه) .

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:34 PM
أقوال السلف والعلماء في الطَّمع

- قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (تعلمن أنَّ الطَّمع فقر، وأنَّ اليأس غنى) .
- وقال عليٌّ رضي الله عنه: (أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع) .
- وقال أيضًا: (ما الخمر صرفًا بأذهب لعقول الرِّجال من الطَّمع) .
- وقال أيضًا: (الطامع في وثاق الذلِّ) .
- وعنه أيضًا: (الطَّمع رقٌّ مؤبد) .
- وقال أيضًا: (إياك أن ترجف بك مطايا الطَّمع، فتوردك مناهل الهلكة) .
- وقال ابن عباس: (قلوب الجهال تستفزها الأطماع، وترتهن بالمنى، وتستغلق) .
- واجتمع كعب وعبد الله بن سلام، فقال له كعب: (يا ابن سلام: مَن أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فما أذهب العلم عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطَّمع، وشره النَّفس، وطلب الحوائج إلى النَّاس) .
- وقال الحسن البصري: (صلاح الدين الورع، وفساده الطَّمع) .
- (واجتمع الفضيل وسفيان وابن كريمة اليربوعي فتواصوا، فافترقوا وهم مجمعون على أنَّ أفضل الأعمال الحلم عند الغضب، والصبر عند الطَّمع) .
- وقال وهب بن منبه: (الكفر أربعة أركان: فركن منه الغضب، وركن منه الشهوة، وركن منه الخوف، وركن منه الطَّمع) .
- وقال الورَّاق: (لو قيل للطَّمع: من أبوك؟ قال: الشَّك في المقدور. ولو قيل: ما حرفتك؟ قال: اكتساب الذلِّ. ولو قيل: ما غايتك؟ قال: الحرمان) .
- وقال المأمون: (صدق والله أبو العتاهية، ما عرفت من رجل قطُّ حرصًا، ولا طمعًا، فرأيت فيه مصطنعًا) .
- (وقال الحرالي: والطَّمع تعلُّق البال بالشيء، من غير تقدم سبب له، فينبغي للعالم أن لا يشين علمه وتعليمه بالطَّمع،ولو ممن يعلمه، بنحو مال، أو خدمة، وإن قلَّ، ولو على صورة الهدية التي لولا اشتغاله عليه لم يهدها) .
- وقال أيضًا: (الطَّمع يشرب القلب الحرص، ويختم عليه بطابع حبِّ الدنيا، وحبُّ الدنيا مفتاح كلِّ شرٍّ، وسبب إحباط كلِّ خير) .
- وقال ابن خبيق الأنطاكي: (من أراد أن يعيش حرًّا أيَّام حياته فلا يسكن الطَّمع قلبه) .
- وقال بكر بن عبد الله: (لا يكون الرجل تقيًّا حتى يكون نقي الطَّمع، نقي الغضب) .
- وقال هزَّال القريعي: (مفتاح الحرص الطَّمع، ومفتاح الاستغناء الغنى عن الناس، واليأس مما في أيديهم) .

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:36 PM
آثار الطَّمع

1- الانشغال الدائم والتعب الذي لا ينقطع.
2- يؤدي إلى غياب فضيلة البذل والتضحية والإيثار بين أفراد المجتمع.
3- دليل على سوء الظن بالله.
4- دليل على ضعف الثقة بالله، وقلَّة الإيمان.
5- طريق موصل إلى النار.
6- يجعل صاحبه حقيرًا في عيون الآخرين.
7- يُذِلُّ أعناق الرجال.
8- يُشعر النفس بفقر دائم، مهما كثر المال.
9- يُعمي الإنسان عن الطريق المستقيم.
10- يعود على صاحبه بالخسران في الدنيا والآخرة.
11- يمحق البركة.
12- ينشر العداوة، والكراهية، وعدم الثقة بين أفراد المتجمع.
13- ينشر الفوضى في المجتمع، ويزعزع أمنه.
14- ينقص من قدر الفرد، ولا يزيد في رزقه.
15- يؤدِّي إلى الظلم، والاضطهاد، إذا كان الطامع من أصحاب النفوذ.
16- يؤدِّي إلى الغش والكذب.
17- يؤدِّي إلى زيادة الأسعار، واحتكار البضائع، مما يلحق الضرر بالمجتمع.
18- يؤدِّي بالفرد إلى ارتكاب الذنوب والمعاصي.

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:37 PM
أنواع الطَّمع

والطَّمع نوعان هما:
1- الطَّمع المحمود، وذلك مثل:
الطَّمع في طلب مغفرة الله للإنسان.
الطَّمع في دخول الجنة.
الطَّمع في كرم الله.
2- الطَّمع المذموم، وذلك مثل:
الطَّمع في طلب الدنيا وجمع المال.
الطَّمع في سلطة أو منصب.
الطَّمع في المأكل والمشرب والملذات.

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:39 PM
الأسباب المؤدية إلى الطَّمع

1- الجهل بالآثار السيئة للطَّمع.
2- حبُّ الدنيا وكراهية الموت.
3- ضعف الإيمان.
4- عدم الاهتمام بتزكية النَّفس، وتهذيبها.
5- الانجراف وراء المغريات، من أموال، ومناصب، وغيرها.
6- مجالسة أهل الطَّمع ومصاحبتهم.
7- ضعف التربية، ونشوء الفرد في مجتمع لا يلتزم بتعاليم الدين الحنيف.

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:40 PM
الوسائل المعينة على ترك الطَّمع

1- الاهتمام بتهذيب النفس.
2- التَّأمُّل في العواقب الوخيمة التي تنتج عن الطَّمع.
3- التَّأمُّل في نعم الله الكثيرة والمختلفة، وشكره عليها.
4- التَّحلِّي بالورع عند الميل إلى الطَّمع.
5- التَّسليم لقضاء الله وقدره.
6- الطَّمع في الجنة وما عند الله من نعيم في الدار الآخرة.
7- اللجوء إلى الله، والاستعانة به، في الابتعاد عن الطَّمع.
8- مجاهدة النفس، وتعويدها على القناعة، والتعفف.
9- مطالعة سير السلف، وأحوال الصالحين.
10- العلم بأنَّ الإنسان لن يأخذ من رزقه أكثر مما كُتِب له مهما حرص.
11- أنْ يعلم بأنَّ الدنيا دنيئة وحقيرة.
12- معرفة أن القناعة طمأنينة للقلب وراحة للنفس.
13- نشر العلم بين أفراد المجتمع، والقضاء على الجهل.
14- النظر إلى من هو أدنى في أمور الدنيا؛ كالفقراء، والمبتلين، والمرضى.
15- اليقين بأن الإنسان لن يموت حتى يستكمل رزقه.
16- تذكر الموت والدار الآخرة.
17- مجالسة ومصاحبة القَنوع.
18- إخراج الزَّكاة، والصَّدقة، والإنفاق في وجوه الخير.
وصية في التحذير من الطَّمع:
- قال سعد بن أبي وقاص لابنه: (يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة فإنه من لم يكن له قناعة لم يغنه مال) .
- عن سعيد بن عمارة أنه قال لابنه: (أظهر اليأس فإنه غنى، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر) .

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:42 PM
ما قيل في الطَّمع

- وقال بعض العارفين: (الطَّمع طمعان: طمع يوجب الذُّل لله، وهو إظهار الافتقار، وغايته العجز والانكسار، وغايته الشرف والعز والسعادة الأبدية، وطمع يوجب الذُّل في الدارين، أي: وهو المراد هنا، وهو رأس حب الدنيا، وحب الدنيا رأس كلِّ خطيئة، والخطيئة ذلٌّ وخزي، وحقيقة الطَّمع: أن تعلِّق همتك، وقلبك، وأملك، بما ليس عندك، فإذا أمطرت مياه الآمال على أرض الوجود، وألقي فيها بذر الطَّمع بسقت أغصانها بالذُّل ومتى طمعت في الآخرة وأنت غارق في بحر الهوى ضللت وأضللت) .
- وقال بعضهم: (من أراد أن يعيش حرًّا أيَّام حياته فلا يسكن قلبه الطَّمع) .
- وأراد رجل أن يقبل يد هشام بن عبد الملك فقال: (لا تفعل، فإنما يفعله من العرب الطَّمع، ومن العجم الطبع) .
- وقال بعضهم: (الحرص ينقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه) .
- وكان يقال: (حين خلق الله آدم عجن بطينته ثلاثة أشياء: الحرص، والطَّمع، والحسد. فهي تجري في أولاده إلى يوم القيامة، فالعاقل يخفيها، والجاهل يبديها، ومعناه أن الله تعالى خلق شهوتها فيه) .
- وقيل: (الطَّمع ثلاثة أحرف كلها مجوَّفة، فهو بطن كله فلذا صاحبه لا يشبع أبدًا) .

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:43 PM
أشعب والطَّمع

- قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: أرى دخان جاري فأثرد .
- وقيل له: هل رأيت أطمع منك؟ قال: نعم، امرأتي، كل شيء ظنناه فهي تتيقنه. وقال: شاة لي كانت على السطح فأبصرت قوس قزح فحسبتها حبلًا من قتٍّ، فوثبت إليها فطاحت، فاندق عنقها.
- قال أشعب أيضًا: ما رأيت أطمع مني إلا كلبًا تبعني على مضغ العلك فرسخًا .
- قال المدائني: (كان سالم بن عبد الله يستخف أشعب، ويمازحه، ويضحك منه كثيرًا، ويحسن إليه. فقال له ذات يوم: أخبرني عن طمعك يا أشعب. فقال: نعم، قلت لصبيان مجتمعين: إن سالـمًا قد فتح باب صدقة عمر، فامضوا إليه حتى يطعمكم تمرًا، فمضوا. فلما غابوا عن بصري، وقع في نفسي أنَّ الذي قلت لهم حق، فتبعتهم.
- وقال أيضًا: مرَّ أشعب برجل يعمل زِبيلًا ، فقال له: أحب أن توسعه، قال: لمَ ذاك؟ قال: لعل الذي يشتريه منك يهدي إليَّ فيه شيئًا.
- وقال بعض الرواة: قيل لأشعب: ما بلغ من طمعك؟ قال: ما تناجى اثنان قط إلا ظننت أنهما يأمران لي بشيء.
- وقال أيضًا: تعلَّق أشعب بأستار الكعبة، وسأل الله أن يخرج الحرص من قلبه. فلما انصرف، مرَّ بمجالس قريش، فسألهم، فما أعطاه أحد منهم شيئًا. فرجع إلى أمه فقالت له: يا بني كيف جئتني خائبًا. فقال: إني سألت الله أن يخرج الحرص من قلبي، فقالت: ارجع يا بني، فاستقله ذاك. قال أشعب: فرجعت، فتعلقت بأستار الكعبة وقلت: يا رب، كنت سألتك أن تخرج الطَّمع من قلبي، فأقلني. ثم مررت بمجالس قريش فسألتهم فأعطوني. ووهب لي رجل غلامًا، فجئت إلى أمي بحمار موقر من كلِّ شيء، وبغلام، فقالت لي: ما هذا الغلام؟ فأشفقت من أن أقول: وهب لي، فتموت فرحًا، فقلت: غينٌ. فقالت: وما غينٌ؟ قلت: لامٌ. قالت: وما لامٌ؟ قلت: ألفٌ. قالت: وما ألفٌ؟ قلت: ميمٌ. قالت: وما ميمٌ؟ قلت: وُهِب لي غُلامٌ. فغشي عليها من الفرح، ولو لم أقطِّع الحروف لماتت) .
- ويقال: كان ثلاثة نفر في العرب في عصر واحد: أحدهم آية في السخاء، وهو حاتم الطائي، والثاني آية في البخل وهو أبو حباحب، والثالث آية في الطَّمع وهو أشعب، كان طمَّاعًا، وكان من طمعه إذا رأى عروسًا تزفُّ إلى موضع جعل يكنس باب داره لكي تدخل داره، وكان إذا رأى إنسانًا يحكُّ عنقه، فيظنُّ أنه ينزع القميص ليدفعه إليه .
من مرادفات الطمع: من مرادفات الطمع: الحرص، والجشع، والشَّره، والرتع .

محمد رافع 52
09-10-2013, 10:45 PM
حكم وأمثال في الطَّمع

- هو أطمع من أشعب .
- قطع أعناق الرِّجال المطامعُ.
- ويقال: (مصارع الرجال تحت بروق المطامع). يضرب في ذم الطَّمع والجشع .
- عتود عند الفزع، ذئب عند الطَّمع .

محمد رافع 52
09-10-2013, 11:02 PM
ذم الطَّمع في واحة الشعر

قال سابق البربري:

يخادعُ ريبَ الدهرِ عن نفسِه الفتى *** سفاهًا وريبُ الدهرِ عنها يخادعُه



ويطمعُ في سوف ويهلِكُ دونها *** وكم مِن حريصٍ أهلكتْه مطامعُه


وقال آخر:

حسبي بعلمي إن نفعْ *** ما الذُّل إلَّا في الطَّمعْ



مَن راقب اللهَ نزعْ *** عن سوءِ ما كان صنعْ



ما طار طيرٌ فارتفعْ *** إلا كما طار وقعْ


قال أبو العتاهية:

لقد لعبتُ وجدَّ الموتُ في طلبي *** وإنَّ في الموتِ لي شغلًا عن اللَّعبِ



لو شمَّرت فكرتي فيما خُلقتُ له *** ما اشتدَّ حرصي على الدُّنيا ولا طلبي


وقال أيضًا:

تعالى اللهُ يا سلمَ بنَ عمرٍو *** أذلَّ الحرصُ أعناقَ الرِّجالِ



هبِ الدُّنيا تُقادُ إليك عفوًا *** أليس مصيرُ ذلك للزَّوالِ


وقال جابر بن أحمد الشيباني:

كلُّ ابنِ أُنثى مخلدٌ إلى طمع *** ما ضاق أمرٌ ضيِّقٌ إلَّا اتسع


وقال الحلَّاج عند ***ه، عليه من الله ما يستحق:

طلبتُ المستقرَّ بكلِّ أرضٍ *** فلم أرَ لي بأرضٍ مستقرَّا



أطعتُ مطامعي فاستعبدَتْني *** ولو أنِّي قنعتُ لكنتُ حُرَّا


وقال ثابت بن قطنة:

لا خيرَ في طمعٍ يهدي إلى طبع *** وغفَّةٌ مِن قوامِ العيشِ تكفيني


وقال آخر:

لا تغضبنَّ على امرئٍ *** لك مانعٌ ما في يديه



واغضبْ على الطَّمعِ الذي *** استدعاك تطلبُ ما لديه


وقال علي بن عبد العزيز القاضي الجرجاني:

ولم أقضِ حقَّ العلمِ إن كان كلَّما *** بدا طمعٌ صيَّرتُه لي سلَّما



ولم أبتذلْ في خدمةِ العلمِ مُهجتي *** لأخدمَ من لاقيتُ لكن لأُخدَم



إذا قيل هذا مشرب قلتُ قد أرى *** ولكنَّ نفسَ الحرِّ تحتملُ الظَّما



أُنَهْنِهُها عن بعضِ ما لا يشينُها *** مخافةَ أقوالِ العدا فيم أو لما؟



وما كلُّ برقٍ لاح لي يستفزُّني *** ولا كلُّ مَن في الأرض أرضاه منعما



أأشقَى به غرسًا وأجنيه ذلَّة؟ *** إذًا فاتِّباع الجهلِ قد كان أحزما



ولو أنَّ أهلَ العلمِ صانوه صانهم *** ولو عظَّموه في النُّفوسِ لعُظِّما



ولكن أهانوه فهان ودنَّسوا *** محيَّاه بالأطماعِ حتَّى تجهَّما


وقال آخر:

يا جامعًا مانعًا والدهرُ يرمقُه *** مقدرًا أيَّ بابٍ منه يغلقُه



مفكرًا كيف تأتيه منيتُه *** أغاديًا أم بها يسري فتطرقُه



جمعتَ مالًا فقل لي هل جمعتَ له *** يا جامعَ المالِ أيامًا تفرقُه



المالُ عندك مخزونٌ لوارثِه *** ما المالُ مالَك إلا يومَ تنفقُه



أرفهْ ببالِ فتى يغدو على ثقةٍ *** أنَّ الذي قسم الأرزاقَ يرزقُه



فالعرضُ منه مصونٌ ما يدنِّسُه *** والوجهُ منه جديدٌ ليس يخلقُه



إنَّ القناعةَ مَن يحللْ بساحتِها *** لم يبقَ في ظلِّها همٌّ يؤرِّقُه


وقال الحادرة الذبياني:

إنَّا نعفُّ فلا نريبُ حليفَنا *** ونكفُّ شحَّ نفوسِنا في المطمعِ


وقال آخر:

من كان يرجو بقاءً لا نفادَ له *** فلا يكنْ عرضُ الدنيا له شجنا


وقال آخر:

لا تخضعنَّ لمخلوقٍ على طمعٍ *** فإنَّ ذاك مضرٌّ منك بالدينِ



واسترزقِ الله مما في خزائنِه *** فإنما هي بينَ الكافِ والنونِ


وقال آخر:

إذا حكى لي طمعٌ راحةً *** قلتُ له: الراحةُ في الياسِ



وإصلاحُ ما عندي وترقيعُه *** أفضلُ من مسألةِ الناسِ


وقال آخر:

ومن يطلبِ الأعلى من العيشِ لم يزلْ *** حزينًا على الدنيا رهينَ غبونِها



إذا شئتَ أن تحيا سعيدًا فلا تكنْ *** على حالةٍ إلا رضيتَ بدونِها


وقال آخر:

إذا أنت لم تأخذْ من الناسِ عصمةً *** تشدُّ بها من راحتيك الأصابع



شربتَ بريق الماءِ حيثُ وجدتَه *** على كدرٍ واستعبدَتْك المطامع



وإني لأبلي الثوبَ، والثوبُ ضيقٌ *** وأترك فضلَ الثوبِ والثوبُ أوسعُ


قال أبو جعفر الأموي شيخ أهل الحجاز لأعرابي من عذرة:

عليك بتقوَى الله واقنعْ برزقِه *** فخيرُ عبادِ الله من هو قانعُ



ولا تُـلْهِكَ الدنيا ولا طمعٌ بها *** فقد أهلك المغرورَ فيها المطامعُ



وصبرًا على نوباتِ ما ناب واعترفْ *** فما يستوي عبدٌ صبورٌ وجازعُ



ألم ترَ أهلَ الصبرِ يُجزوا بصبرِهم *** بما صبروا والله راءٍ وسامعُ



ومن لم يكنْ في نعمةِ الله عنده *** سوى ما حوتْ يومًا عليه الأضالعُ



فقد ضاع في الدنيا وخيَّب سعيَه *** وليس لرزقٍ ساقه الله مانعُ


وقال بعضهم:

رأيتُ مخيلةً فطمعتُ فيها *** وفي الطَّمعِ المذلةُ للرقابِ


وقال آخر:

العبدُ حرٌّ إن قنع *** والحرُّ عبد إن طمع



فاقنعْ ولا تطمعْ فما *** شيءٌ يشينُ سوى الطَّمع


وقال آخر:

اللؤمُ والذُّلُّ والضراعةُ والفا *** قةُ في أصلِ أذنِ مَن طمعا


وقال آخر:

يا ويحَ مَن جعل المطامعَ قائدًا *** يقتادُه نحو الرَّدى بزمامِ



مَن كان قائدُه المطامعَ لم يفُزْ *** يومًا بعيشِ مسرةٍ وسلامِ


وقال الأصمعي:

وما زلتُ أسمعُ أنَّ العقو *** لَ مصارُعها بين أيدي الطَّمع


أنشد العتبي الرشيد:

النفسُ تطمعُ والأسبابُ عاجزةٌ *** والنفسُ تهلِك بين اليأسِ والطَّمعِ

محمد رافع 52
09-10-2013, 11:04 PM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg
الظلم

معنى الظلم لغةً واصطلاحًا

معنى الظلم لغةً: أصل الظلم: الجور ومجاوزة الحد، يقال: ظَلَمه، يَظْلِمُه ظَلْمًا، وظُلْمًا، ومَظْلمةً، فالظَّلْمُ مَصْدرٌ حقيقيٌّ، والظُّلم الاسم، وهو ظالم وظَلوم. وأصل الظلم، وضع الشيء في غير موضعه .
معنى الظلم اصطلاحًا: هو: (وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إمَّا بنقصان أو بزيادة؛ وإما بعدول عن وقته أو مكانه) .
وقيل: (هو عبارة عن التعدِّي عن الحق إلى الباطل وهو الجور. وقيل: هو التصرُّف في ملك الغير، ومجاوزة الحد) .

محمد رافع 52
09-10-2013, 11:07 PM
الفرق بين الظلم ومترادفاته

- الفرق بين الجور والظلم: (الجور خلاف الاستقامة في الحكم، وفي السيرة السلطانية تقول: جار الحاكم في حكمه، والسلطان في سيرته، إذا فارق الاستقامة في ذلك. والظلم ضرر لا يستحق ولا يعقب عوضًا، سواء كان من سلطان، أو حاكم، أو غيرهما، ألا ترى أنَّ خيانة الدانق والدرهم تسمَّى ظلمًا، ولا تسمى جورًا، فإن أخذ ذلك على وجه القهر أو الميل سمِّي جورًا وهذا واضح، وأصل الظلم نقصان الحق، والجور العدول عن الحق، من قولنا: جار عن الطريق. إذا عدل عنه، وخلف بين النقيضين، فقيل في نقيض الظلم الإنصاف، وهو إعطاء الحق على التمام، وفي نقيض الجور العدل، وهو العدول بالفعل إلى الحق) .
- الفرق بين الغشم والظلم: (الغشم كره الظلم، وعمومه توصف به الولاة؛ لأنَّ ظلمهم يعمُّ، ولا يكاد يقال غشمني في المعاملة، كما يقال: ظلمني فيها، وفي المثل: وَالٍ غشوم خير من فتنة تدوم، وقال أبو بكر: الغشم اعتسافك الشيء، ثم قال: يقال: غشم السلطان الرعية يغشمهم، قال الشيخ أبو هلال رحمه الله: الاعتساف خبط الطريق على غير هداية، فكأنه جعل الغشم ظلما يجري على غير طرائق الظلم المعهودة) .
- الفرق بين الهضم والظلم: (أن الهضم نقصان بعض الحق ولا يقال لمن أخذ جميع حقه قد هضم.
والظلم يكون في البعض والكل، وفي القرآن فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا [طه:112]، أي: لا يمنع حقه ولا بعض حقه، وأصل الهضم في العربية النقصان، ومنه قيل للمنخفض من الأرض: هضم. والجمع أهضام) .

....رولا....
10-10-2013, 09:32 AM
جزاك الله خيرا وبارك الله فيكم على هذة المعلومات القيمة

محمد رافع 52
10-10-2013, 09:46 AM
جزاك الله خيرا وبارك الله فيكم على هذة المعلومات القيمة
ربنا يكرمك ويرضى عنكِ ويبارك فيكِ

محمد رافع 52
13-10-2013, 02:07 PM
ذم الظلم والنهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2350)
أولًا: في القرآن الكريم

الآيات الواردة في ذم الظلم والظالمين كثيرة ومتنوعة فمنها:
- آيات وردت في تنزيه الله تعالى نفسه عن الظلم، قال تعالى: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ [غافر: 31]، وقال: وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46 ]، وقال: وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ [آل عمران: 108]،
(أي: ليس بظالم لهم بل هو الحَكَم العدل الذي لا يجور؛ لأنه القادر على كل شيء، العالم بكل شيء، فلا يحتاج مع ذلك إلى أن يظلم أحدًا من خلقه؛ ولهذا قال: وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ [آل عمران:109]، أي: الجميع ملْك له وعبيد له. وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ [آل عمران:109]، أي: هو المتصرف في الدنيا والآخرة، الحاكم في الدنيا والآخرة) .
- وقال سبحانه: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء: 40]، وقال: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس: 44].
قال القرطبي: (أي لا يبخسهم ولا ينقصهم من ثواب عملهم وزن ذرة، بل يجازيهم بها ويثيبهم عليها. والمراد من الكلام أنَّ الله تعالى لا يظلم قليلًا ولا كثيرًا) .
- آيات تتحدث عن إهلاك الله تعالى للظالمين، وتوعدهم بعقوبات في الدنيا والآخرة، يقول تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102]، (يقول تعالى: وكما أهلكنا أولئك القرون الظالمة المكذبة لرسلنا كذلك نفعل بنظائرهم وأشباههم وأمثالهم، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) .
- وقوله تعالى: وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ [سبأ: 42]، وقال الله تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18].
(أي: ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كلِّ خير) .
- وقال تعالى: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ [الحج:71]، أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]، وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ [الزمر:24]، إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام: 21]، وقال: إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51].
- آيات جاء فيها وصف المعاصي بالظلم: ومنها قوله تعالى: وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق: 1]، وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10].

محمد رافع 52
13-10-2013, 02:13 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا؛ فلا تظالموا...)) .
قال ابن تيمية: (هذا الحديث قد تضمن من قواعد الدين العظيمة في العلوم والأعمال والأصول والفروع؛ فإن تلك الجملة الأولى وهي قوله: ((حرمت الظلم على نفسي)). يتضمن جلَّ مسائل الصفات والقدر إذا أعطيت حقَّها من التفسير، وإنما ذكرنا فيها ما لا بدَّ من التنبيه عليه من أوائل النكت الجامعة. وأما هذه الجملة الثانية وهي قوله: ((وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا)). فإنها تجمع الدين كله؛ فإنَّ ما نهى الله عنه راجع إلى الظلم، وكل ما أمر به راجع إلى العدل) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ظلم قِيد شبر من الأرض طُوِّقه من سبع أرضين)) .
- وعن جابر رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ((اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ؛ فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم)) .
قال ابن القيم: (سبحان الله! كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم، وجرت دمعة مسكين كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ [المرسلات: 46]، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص:88]، ما ابيضَّ لون رغيفهم حتى اسود لون ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه، لا تحتقر دعاء المظلوم، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك، ويحك نبال أدعيته مصيبة، وإن تأخر الوقت، قوسه قلبه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب ((لأنصرنك ولو بعد حين)) وقد رأيت ولكن لست تعتبر، احذر عداوة من ينام وطرفه باكٍ، يقلب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك، فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها، ما تساوي لذة سنة غمَّ ساعة، فكيف والأمر بالعكس، كم في يمِّ الغرور من تمساح، فاحذر يا غائص، ستعلم أيها الغريم قصتك عند علق الغرماء بك:

إذا التقى كل ذي دَين وماطله *** ستعلم ليلى أي دين تداينت


من لم يتتبع بمنقاش العدل شوك الظلم من أيدي التصرف أثر ما لا يؤمن تعديه إلى القلب) .
- وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله ليُملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته. ثم قرأ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102])) .
قال ابن عثيمين: (... ((يملي له)) يعني: يمهل له حتى يتمادى في ظلمه، والعياذ بالله، فلا يعجل له العقوبة، وهذا من البلاء نسأل الله أن يعيذنا وإياكم، فمن الاستدراج أن يملي للإنسان في ظلمه، فلا يعاقب له سريعًا حتى تتكدس على الإنسان المظالم، فإذا أخذه الله لم يفلته، أخذه أخذ عزيز مقتدر، ثم قرأ النبي صلى الله عليه وسلم وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102]، فعلى الإنسان الظالم أن لا يغترَّ بنفسه، ولا بإملاء الله له، فإنَّ ذلك مصيبة فوق مصيبته؛ لأنَّ الإنسان إذا عُوقِب بالظلم عاجلًا، فربما يتذكر ويتعظ ويدع الظلم، لكن إذا أُملي له واكتسب آثامًا، أو ازداد ظلمًا ازدادت عقوبته، والعياذ بالله، فيُؤخذ على غرَّة حتى إذا أخذه الله لم يُفلته) .
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)) .
أقوال السلف والعلماء في الظلم:
- قال معاوية رضي الله عنه: (إني لأستحي أن أظلم من لا يجد عليَّ ناصرًا إلا الله) .
- وقال رجل عند أبي هريرة: (إنَّ الظالم لا يظلم إلا نفسه، فقال أبو هريرة: كذبت، والذي نفس أبي هريرة بيده، إنَّ الحبارى لتموت في وكرها من ظلم الظالم) .
- (وكتب إلى عمر بن عبد العزيز رحمه الله بعض عماله يستأذنه في تحصين مدينته. فكتب إليه: حصنها بالعدل، ونقِّ طرقها من الظلم) .
- (ودخل طاوس اليماني على هشام بن عبد الملك فقال له: اتق يوم الأذان؛ قال هشام: وما يوم الأذان؟ قال: قوله تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف:44]، فصعق هشام، فقال طاوس: هذا ذلُّ الصفة، فكيف المعاينة؟) .
- (وقال المهدي للربيع بن أبي الجهم، وهو والي أرض فارس: يا ربيع، آثر الحق، والزم القصد، وابسط العدل، وارفق بالرعية، واعلم أنَّ أعدل الناس من أنصف من نفسه، وأظلمهم من ظلم الناس لغيره) .
- (وقال ابن أبي الزناد: عن هشام بن عروة قال: استعمل ابن عامر عمرو ابن أصبغ على الأهواز، فلما عزله، قال له: ما جئت به؟ قال له: ما معي إلا مائة درهم وأثواب. قال: كيف ذلك؟ قال: أرسلتني إلى بلد أهله رجلان: رجل مسلم له ما لي، وعليه ما عليَّ، ورجل له ذمة الله ورسوله، فوالله ما دريت أين أضع يدي. قال: فأعطاه عشرين ألفًا) .
- وكان شريح القاضي يقول: (سيعلم الظالمون حقَّ من انتقصوا، إنَّ الظالم لينتظر العقاب، والمظلوم ينتظر النصر والثواب) .
- وقال جعفر بن يحيى: (الخراج عمود الملك، وما استغزر بمثل العدل، وما استنزر بمثل الظلم) .

محمد رافع 52
13-10-2013, 02:18 PM
آثار الظلم

1- الظالم مصروف عن الهداية:
قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة: 51].
2- الظالم لا يفلح أبدًا:
قال تعالى: إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21].
3- الظالم عليه اللعنة من الله:
يقول الله عزَّ وجلَّ: يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ [غافر: 52].
4- الظالم يحرم من الشفاعة:
قال تعالى: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ [غافر: 18]، ويقول عليه الصلاة والسلام: ((صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي: إمام ظلوم غشوم، وكل غالٍ مارق)) .
5- تصيبه دعوة المظلوم ولا تخطئه:
قال عليه الصلاة والسلام: ((واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) .
6- بالظلم يرتفع الأمن:
قال الله تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ [الأنعام:82].
7- الظلم سبب للبلاء والعقاب:
قال تعالى: فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ [الحج:45].
وقال تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102].
وقال سبحانه: وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا [الكهف: 59].
8- توعد الظالم بدخول النار:
عن خولة الأنصارية رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حقٍّ، فلهم النار يوم القيامة)) قال ابن حجر: (قوله يتخوضون- بالمعجمتين- في مال الله بغير حق، أي: يتصرفون في مال المسلمين بالباطل) .

محمد رافع 52
13-10-2013, 02:25 PM
أقسام الظلم

الظلم ثلاثة: الأول، ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر، والشرك، والنفاق، ولذلك قال: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]، وإياه قصد بقوله: أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود:18]، وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الإنسان: 31]، في آي كثيرة، وقال: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ [الزمر: 32]، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا [الأنعام: 93].
والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا إلى قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ الآية وبقوله: إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ [الشورى: 42]، وبقوله: وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا [الإسراء: 33].
والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ [فاطر: 32]، وقوله: ظَلَمْتُ نَفْسِي [النمل: 44]، إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ [النساء:64]، فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ [البقرة:35]، أي: من الظالمين أنفسهم، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [البقرة:231].
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس؛ فإنَّ الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذا الظالم أبدًا مبتدئ في الظلم، ولهذا قال تعالى في غير موضع: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:33]، وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57]، وقوله: وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [الأنعام:82] .

محمد رافع 52
13-10-2013, 02:40 PM
صور الظلم

لا شكَّ أنَّ الظلم له صور كثيرة، وسنقتصر على ذكر بعضها حتى نكون منها على حذر، وهذه الصور منها:
أولًا: ظلم العبد نفسه
1- أعظمه الشرك بالله:
قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13].
قال ابن تيمية: (ومما ينبغي أن يُعلم أنَّ كثيرًا من الناس لا يعلمون كون الشرك من الظلم، وأنَّه لا ظلم إلا ظلم الحكام أو ظلم العبد نفسه، وإن علموا ذلك من جهة الاتباع، والتقليد للكتاب، والسنة، والإجماع، لم يفهموا وجه ذلك، ولذلك لم يسبق ذلك إلى فهم جماعة من الصحابة لما سمعوا قوله: الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ [الأنعام:82]، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن مسعود أنهم قالوا: أيُّنا لم يظلم نفسه؟! فقال رسول الله: ((ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؟)). وذلك أنهم ظنُّوا أنَّ الظلم- كما حدَّه طائفة من المتكلمين- هو إضرار غير مستحقٍّ، ولا يرون الظلم إلا ما فيه إضرار بالمظلوم، إن كان المراد أنهم لن يضروا دين الله وعباده المؤمنين، فإنَّ ضرر دين الله وضرر المؤمنين بالشرك والمعاصي أبلغ وأبلغ) .
2- التعدِّي على حدود الله:
تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:229].
قال ابن جرير: (تلك معالم فصوله، بين ما أحل لكم، وما حرم عليكم أيها الناس، قلا تعتدوا ما أحل لكم من الأمور التي بينها وفصلها لكم من الحلال، إلى ما حرم عليكم، فتجاوزوا طاعته إلى معصيته، وإنما عنى تعالى ذكره بقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا، هذه الأشياء التي بينت لكم في هذه الآيات التي مضت: من نكاح المشركات الوثنيات، وإنكاح المشركين المسلمات، وإتيان النساء في المحيض، وما قد بين في الآيات الماضية قبل قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ، مما أحل لعباده وحرم عليهم، وما أمر ونهى) .
3- الصدُّ عن مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [البقرة: 114].
قال ابن جرير: (وأي امرئ أشد تعديًا وجراءة على الله وخلافًا لأمره، من امرئ منع مساجد الله أن يعبد الله فيها) .
4- كتم الشهادة:
قال تعالى: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَـقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 140].
قال السعدي: (فهي شهادة عندهم، مودعة من الله، لا من الخلق، فيقتضي الاهتمام بإقامتها، فكتموها، وأظهروا ضدها، جمعوا بين كتم الحق، وعدم النطق به، وإظهار الباطل، والدعوة إليه، أليس هذا أعظم الظلم؟ بلى والله، وسيعاقبهم عليه أشد العقوبة) .
5- الإعراض عن آيات الله بتعطيل أحكامها:
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا [الكهف: 57].
قال ابن كثير: (يقول تعالى: وأي عباد الله أظلم ممن ذكر بآيات الله فأعرض عنها، أي: تناساها وأعرض عنها، ولم يصغ لها، ولا ألقى إليها بالًا) .
6-الكذب على الله:
قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 144].
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: (يقول: فمن أشد ظلمًا لنفسه، وأبعد عن الحق ممن تخرص على الله قيل الكذب، وأضاف إليه تحريم ما لم يحرم، وتحليل ما لم يحلل) .
ثانيًا: ظلم العباد بعضهم لبعض
وظلم العباد بعضهم لبعض أنواع، وهو أشهر أنواع الظلم وأكثرها.قال سفيان الثوري: (إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنبًا فيما بينك وبين الله تعالى؛ أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد) ويمكن تقسيمه إلى ظلم قولي، وظلم فعلي:
من صور الظلم القولي:
التعرض إلى الناس بالغيبة، والنَّمِيمَة، والسباب والشتم، والاحتقار، والتنابز بالألقاب، والسخرية، والاستهزاء، والقذف،...ونحو ذلك.
من صور الظلم الفعلي:
1- ال*** بغير حق:
قال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا [الإسراء: 33].
قال السعدي في تفسير قوله تعالىوَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ. (وهي: النفس المسلمة، من ذكر وأنثى، صغير وكبير، بر وفاجر، والكافرة التي قد عصمت بالعهد والميثاق. إِلاَّ بِالحَقِّ كالزاني المحصن، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة... وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا أي: بغير حق فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ وهو أقرب عصباته وورثته إليه سُلْطَانًا أي: حجة ظاهرة على القصاص من القاتل) .
2- الظلم الواقع على المسلمين بسبب تمسكهم بدينهم.
3- أخذ أرض الغير أو شيء منها:
قال صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا؛ فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين)) .
وفي هذا الحديث (التحذير الشديد من السطو على أرض الغير وأخذ شيء منها ظلمًا، والوعيد الشديد لمن فعل ذلك بالخسف به يوم القيامة)
4- الظلم الواقع في الأُسَر:
ومنه:
- ظلم الأولاد لوالديهما بعقوقهما.
- ظلم الأزواج لزوجاتهم في حقهنَّ سواء كان صداقًا، أو نفقةً، أو كسوةً.
- ظلم الزوجات لأزواجهنَّ بـتقصيرهن في حقهم، وتنكُّر فضلهم.
- ظلم البنات بعضلهنَّ عن الزواج. قال تعالى: وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ [النساء: 19].
(العضل : التضييق، والمنع، والشدة ... والمعنى: لا يحل لكم إرث النساء، ولا عضلهن، أي ولا التضييق عليهن، لأجل أن تذهبوا ببعض ما آتيتموهن، أي أعطيتموهن من ميراث، أو صداق، أو غير ذلك. والخطاب لمجموع المؤمنين لتكافلهم فيصدق بما أعطوه للنساء من ميراث، ومهر زواج، وغير ذلك، وجعله بعضهم للأزواج، وبعضهم للورثة، وكل منهم كان يعضل النساء) .
- الدعاء على الأولاد، والقسوة في التعامل معهم.
- تَفضيل بعض الأولاد على بعض:
عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، قال: ((سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله، ثم بدا له فوهبها لي، فقالت: لا أرضى حتى تشهد النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ بيدي وأنا غلام، فأتى بي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا، قال: ألك ولد سواه؟ قال: نعم، قال: فأراه قال: لا تشهدني على جور)) .
5- ظلم أصحاب الولايات والمناصب:
ومنه:
- نبذ كتاب الله وتحكيم القوانين الوضعية.
- عدم إعطاء الرعية حقوقهم.
- تقديم شخص في وظيفة ما وهناك من هو أكفأ منه وأقدر على العمل.
6- ظلم العمال:
ومنه:
- أن يعمل له عمل ولا يعطيه أجره:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره)) .
- أن يبخسه حقوقَه أو أن يؤخرها عن وقتها.
- تكليفه بأمور غير ما اتفق عليها معه، أو بأمور لم تجرِ العادة تكليفه بها:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم)) .
7- أكل مال الغير بغير حق:
وهو أنواع ومنه:
أ- أكل أموال الناس بالباطل:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا [النساء: 29-30]
(ينادي الله تعالى عباده المؤمنين بعنوان الإيمان فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ. وينهاهم عن أكل أموالهم بينهم بالباطل بالسرقة أو الغش أو القمار أو الربا وما إلى ذلك من وجوه التحريم العديدة فيقول: لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، أي: بغير عوض مباح، أو طيب نفس، ثم يستثني ما كان حاصلًا عن تجارة قائمة على مبدأ التراضي بين البيعين لحديث: ((إنما البيع عن تراض)) و((البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)) فقال تعالى: إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ. فلا بأس بأكله فإنه حلال لكم. هذا ما تضمنته الآية كما قد تضمنت حرمة *** المؤمنين لبعضهم بعضًا، فقال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ. والنهي شامل ل*** الإنسان نفسه و***ه أخاه المسلم؛ لأن المسلمين كجسم واحد، فالذي ي*** مسلمًا منهم كأنما *** نفسه. وعلل تعالى هذا التحريم لنا فقال: إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا، فلذا حرم عليكم *** بعضكم بعضًا.
هذا ما تضمنته الآية الأولى، أما الآية الثانية فقد تضمنت وعيدًا شديدًا بالإصلاء بالنار والإحراق فيها كل من ي*** مؤمنًا عدوانًا وظلمًا، أي: بالعمد والإصرار والظلم المحض، فقال تعالى: وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ أي: ال*** عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ أي: الإصلاء والإحراق في النار عَلَى اللّهِ يَسِيرًا لكمال قدرته بهذا العذاب إذا لا يستطيع أن يدفع ذلك عن نفسه بحال من الأحوال) .
ب- أكل أموال الضعفاء كاليتامى:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10].
يقول الفخر الرازي: (اعلم أنه تعالى أكد الوعيد في أكل مال اليتيم ظلمًا، وقد كثر الوعيد في هذه الآيات مرة بعد أخرى على من يفعل ذلك، كقوله: وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا [النساء: 2]. وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا [النساء: 9] ثم ذكر بعدها هذه الآية مفردة في وعيد من يأكل أموالهم، وذلك كله رحمة من الله تعالى باليتامى؛ لأنهم لكمال ضعفهم وعجزهم استحقوا من الله مزيد العناية والكرامة، وما أشد دلالة هذا الوعيد على سعة رحمته وكثرة عفوه وفضله؛ لأن اليتامى لما بلغوا في الضعف إلى الغاية القصوى بلغت عناية الله بهم إلى الغاية القصوى) .
ج- الرِّبا:
قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [النساء: 160-161].
(ما زال السياق في اليهود من أهل الكتاب يبين جرائمهم ويكشف الستار عن عظائم ذنوبهم، ففي الآية الأولى سجل عليهم الظلم العظيم والذي به استوجبوا عقاب الله تعالى حيث حرم عليهم طيبات كثيرة كانت حلالًا لهم، كما سجل عليهم أقبح الجرائم، وهي صدهم أنفسهم وصد غيرهم عن سبيل الله تعالى، وذلك بجحودهم الحق وتحريفهم كلام الله، وقبولهم الرشوة في إبطال الأحكام الشرعية. هذا ما تضمنته الآية الأولى، أما الثانية فقد تضمنت تسجيل جرائم أخرى على اليهود وهي أولًا استباحتهم للربا وهو حرام، وقد نهوا عنه، وثانيًا أكلهم أموال الناس بالباطل؛ كالرشوة والفتاوى الباطلة التي كانوا يأكلون بها. وأما قوله تعالى في ختام الآية: وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا فهو زيادة على عقابهم به في الدنيا أعد لمن كفر منهم ومات على كفره عذابًا أليمًا موجعًا يعذبون به يوم القيامة) .
د- الرشوة:
قال صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الرَّاشي والمرتشي)) .
يقول المناوي: (الرشوة على تبديل أحكام الله إنما هي خصلة نشأت من اليهود المستحقين اللعنة، فإذا سرت الخصلتان إلى أهل الإسلام استحقوا من اللعن ما استحقه اليهود) .
هـ- الغشُّ في المعاملات:
قال صلى الله عليه وسلم: ((من غشَّنا فليس منا)) .
قال المناوي معلقًا على هذا الحديث: (أي ليس على منهاجنا؛ لأن وصف المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وطريقته الزهد في الدنيا والرغبة فيها، وعدم الشره والطمع الباعثين علي الغش) .
ويقول ابن حجر الهيتمي: (ليتأمل الغشاش بخصوصه قوله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)) يعلم أن أمر الغش عظيم، وأن عاقبته وخيمة جدًّا فإنه ربما أدت إلى الخروج عن الإسلام والعياذ بالله تعالى، فإن الغالب أنه صلى الله عليه وسلم لا يقول ليس منا إلا في شيء قبيح جدًّا يؤدي بصاحبه إلى أمر خطير ويخشى منه الكفر، فإن لمن يعرض دينه إلى زوال ويسمع قوله صلى الله عليه وسلم: ((من غش فليس منا))، ولا ينتهي عن الغش إيثارًا لمحبة الدنيا على الدين ورضا بسلوك سبيل الضالين) .
و- الميسر:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ 90 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة:90-91].
(هذه الأهداف التي يريدها الشيطان أمور واقعة يستطيع المسلمون أن يروها في عالم الواقع بعد تصديقها من خلال القول الإلهي الصادق بذاته. فما يحتاج الإنسان إلى طول بحث حتى يرى أن الشيطان يوقع العداوة والبغضاء- في الخمر والميسر- بين الناس. فالخمر بما تفقد من الوعي وبما تثير من عرامة اللحم والدم، وبما تهيج من نزوات ودفعات. والميسر الذي يصاحبها وتصاحبه بما يتركه في النفوس من خسارات وأحقاد إذ المقمور لا بد أن يحقد على قامره الذي يستولي على ماله أمام عينيه، ويذهب به غانمًا وصاحبه مقمور مقهور.. إن من طبيعة هذه الأمور أن تثير العداوة والبغضاء، مهما جمعت بين القرناء في مجالات من العربدة والانطلاق اللذين يخيل للنظرة السطحية أنهما أنس وسعادة! وأما الصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فلا يحتاجان إلى نظر.. فالخمر تنسي، والميسر يلهي، وغيبوبة الميسر لا تقل عن غيبوبة الخمر عند المقامرين، وعالم المقامر كعالم السكير لا يتعدى الموائد والأقداح والقداح) .
ز- الغلول:
قال تعالى: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [آل عمران: 161].
(الغلول هو: الكتمان من الغنيمة، والخيانة في كل مال يتولاه الإنسان وهو محرم إجماعا، بل هو من الكبائر، كما تدل عليه هذه الآية الكريمة وغيرها من النصوص، فأخبر الله تعالى أنه ما ينبغي ولا يليق بنبي أن يغل، لأن الغلول -كما علمت- من أعظم الذنوب وأشر العيوب....ثم ذكر الوعيد على من غل، فقال: وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أي: يأت به حامله على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة، ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ الغال وغيره، كل يوفى أجره ووزره على مقدار كسبه، وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ أي: لا يزاد في سيئاتهم، ولا يهضمون شيئا من حسناتهم.) .
ح- الهدايا التي تهدى للموظف بسبب وظيفته:
عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: ((استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم، وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا. ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولَّاني الله، فيأتي فيقول: هذا مالكم وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته، والله لا يأخذ أحدًا منكم شيئًا بغير حقِّه، إلا لقي الله يحمله يوم القيامة، فلَأَعرفنَّ أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاةً تيعر . ثم رفع يده حتى رئي بياض إبطه يقول: اللهم! هل بلغت، بصر عيني وسمع أذني)) .
التحذير من دعوة المظلوم:
قال صلى الله عليه وسلم: ((واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)) .
(أي: مانع بل هي معروضة عليه تعالى. قال السيوطي: أي ليس لها ما يصرفها ولو كان المظلوم فيه ما يقتضي أنه لا يستجاب لمثله من كون مطعمه حرامًا أو نحو ذلك، حتى ورد في بعض طرقه (وإن كان كافرًا) رواه أحمد من حديث أنس. قال ابن العربي: ليس بين الله وبين شيء حجاب عن قدرته، وعلمه، وإرادته، وسمعه، وبصره، ولا يخفى عليه شيء، وإذا أخبر عن شيء أنَّ بينه وبينه حجابًا، فإنما يريد منعه) .
ولربما تأخرت إجابة الدعوة، ولكن الله ليس بغافل عما يعمل الظالمون، قال سبحانه: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [إبراهيم:42-43].
وقال ميمون بن مهران: في قوله تبارك وتعالى: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ. قال: (تعزية للمظلوم، ووعيد للظالم) http://dorar.net/images/tip.gif .
(وقيل: لما حبس بعض البرامكة وولده قال: يا أبت، بعد العزِّ صرنا في القيد والحبس.
فقال: يا بني، دعوة مظلوم سرت بليل غفلنا عنها، ولم يغفل الله عزَّ وجلَّ عنها) http://dorar.net/images/tip.gif .
(وكان يزيد بن حكيم يقول: ما هبت أحدًا قطُّ هيبتي رجلًا ظلمته، وأنا أعلم أنه لا ناصر له إلا الله، يقول لي: حسبي الله، الله بيني وبينك) http://dorar.net/images/tip.gif .
وقيل لإبراهيم بن نصر الكرماني: (إنَّ القرمطي دخل مكة، و*** فيها، وفعل، وصنع، وقد كثر الدعاء عليه، فلم يستجب للداعين؟ فقال: لأن فيهم عشر خصال، فكيف يستجاب لهم؟ فقلت: وما هنَّ؟ قال: أوَّلهنَّ: أقرُّوا بالله وتركوا أمره، والثاني: قالوا: نحبُّ الرَّسول، ولم يتبعوا سنته، والثالث: قرؤوا القرآن ولم يعملوا به، والرابع: قالوا: نحبُّ الجنَّة، وتركوا طريقها، والخامس: قالوا: نكره النَّار، وزاحموا طريقها، والسادس: قالوا: إنَّ إبليس عدُّونا، فوافقوه، والسابع: دفنوا أمواتهم فلم يعتبروا، والثَّامن: اشتغلوا بعيوب إخوانهم ونسوا عيوبهم، والتَّاسع: جمعوا المال ونسوا الحساب، والعاشر: نقضوا القبور وبنوا القصور) http://dorar.net/images/tip.gif .

محمد رافع 52
13-10-2013, 02:43 PM
معاونة الظالم على ظلمه
من يعين الظالم فهو ظالم مثله، ومشارك له في الإثم:
الظلم من الإثم والعدوان والله سبحانه وتعالى أمر بالتعاون على البرِّ والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان فقال: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [المائدة:2]. وعن جَابِرٍ رضي الله عنه قال: ((لَعَن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكِلَ الرِّبَا وموكله وَكَاتِبَه وَشَاهِدَيْه وقال: هُم سَواء)) .
قال النووي: (هذا تصريح بتحريم كتابة المبايعة بين المترابين والشهادة عليهما وفيه: تحريم الإعانة على الباطل) .
وقال ميمون بن مهران: (الظالم، والمعين على الظلم، والمحب له سواء) .

محمد رافع 52
13-10-2013, 02:53 PM
هل للظالم توبة؟

باب التوبة مفتوح لكل من عصى الله إذا توفرت شروطها، قال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء:110]. وقال تعالى: فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [المائدة:39].
شروط التوبة كما ذكرها العلماء:
- أن يقلع عن الذنب.
- وأن يندم على ما قد مضى.
- وأن يعزم في المستقبل على ألا يعود إليه.
- وإذا كان الأمر يتعلق بحقوق الآدميين، سواء بأموالهم، أو أعراضهم، أو أبدانهم، فعليه أن يطلب المسامحة ممن له عليه حق، أو يؤدي الحقوق إلى أهلها.
قال ابن القيم: (والظلم عند الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة له دواوين ثلاثة: ديوان لا يغفر الله منه شيئًا، وهو الشرك به، فإن الله لا يغفر أن يُشْرَك به. وديوان لا يترك الله تعالى منه شيئًا، وهو ظلم العباد بعضهم بعضًا، فإن الله تعالى يستوفيه كله. وديوان لا يعبأ الله به شيئًا، وهو ظلم العبد نفسه بينه
وبين ربه عزَّ وجلَّ، فإن هذا الديوان أخف الدواوين وأسرعها محوًا، فإنه يُمحى بالتوبة والاستغفار، والحسنات الماحية، والمصائب المكفرة، ونحو ذلك. بخلاف ديوان الشرك؛ فإنه لا يُمحى إلا بالتوحيد، وديوان المظالم لا يُمحى إلا بالخروج منها إلى أربابها واستحلالهم منها) .
فمن ابتلي بشيء من الظلم، والتسلط على الناس سواء كان بأخذ مال، أو بغيره من أنواع الظلم، فليتحلل منه في هذه الدنيا الفانية، فليس في الآخرة دينار ولا درهم، وإنما هي الحسنات والسيئات يؤخذ من حسناته بقدر مظلمته ويعطى للمظلوم، فإن نفدت حسناته أُخذ من سيئات المظلوم وحمله الظالم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء، فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء)) .
وعن عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلًا بهمًا ، فيناديهم مناد بصوت يسمعه مَن بعُد كما يسمعه مَن قرُب: أنا الملك، أنا الديَّان، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وأحد من أهل النار يطلبه بمظلمة، حتى اللطمة فما فوقها، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعنده مظلمة، حتى اللطمة فما فوقها وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49]،قلنا: يا رسول الله، كيف وإنما نأتي حفاة عراة غرلًا بهمًا؟ قال: بالحسنات والسيئات جزاءً وفاقًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)) .
وقال أبو الزناد: (كان عمرُ بنُ عبد العزيز يردُّ المظالم إلى أهلها بغير البينة القاطعة، كان يكتفي باليسير، إذا عرف وجه مَظْلِمةِ الرَّجُلِ ردَّها عليه، ولم يكلِّفْه تحقيق البيِّنة، لما يعرف من غشم الوُلاة قبله على الناس، ولقد أنفد بيت مال العراق في ردِّ المظالم حتى حُمِلَ إليها من الشَّام) .
وذكر صاحب (العقد الفريد) قصةً للمأمون: (وأنه جلس يومًا لردِّ المظالم، فكان آخر من تقدم إليه - وقد همَّ بالقيام - امرأة عليها هيئة السفر، وعليها ثياب رثَّة، فوقفت بين يديه فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فنظر المأمون إلى يحيى بن أكثم. فقال لها يحيى: وعليك السلام يا أمة الله، تكلَّمي بحاجتك. فقالت:
يا خير منتصف يهدى له الرشد *** ويا إمامًا به قد أشرق البلد



تشكو إليك عميد القوم أرملة *** عدى عليها فلم يترك لها سبد



وابتز مني ضياعي بعد منعتها *** ظلمًا وفرق مني الأهل والولد


فأطرق المأمون حينًا، ثم رفع رأسه إليها وهو يقول:

في دون ما قلت زال الصبر والجلد *** عني وأقرح مني القلب والكبد



هذا أذان صلاة العصر فانصرفي *** وأحضري الخصم في اليوم الذي أعد



فالمجلس السبت إن يقض الجلوس لنا *** ننصفك منه وإلا المجلس الأحد


قال: فلما كان يوم الأحد جلس، فكان أول من تقدم إليه تلك المرأة، فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته. فقال: وعليك السلام ثم قال: أين الخصم؟ فقالت: الواقف على رأسك يا أمير المؤمنين - وأومأت إلى العباس ابنه - فقال: يا أحمد بن أبي خالد، خذ بيده فأجلسه معها مجلس الخصوم. فجعل كلامها يعلو كلام العباس. فقال لها أحمد بن أبي خالد: يا أمة الله، إنك بين يدي أمير المؤمنين، وإنك تكلمين الأمير، فاخفضي من صوتك. فقال المأمون: دعها يا أحمد، فإنَّ الحق أنطقها والباطل أخرسه. ثم قضى لها برد ضيعتها إليها، وظلم العباس بظلمه لها، وأمر بالكتاب لها إلى العامل الذي ببلدها أن يوغر لها ضيعتها، ويحسن معاونتها، وأمر لها بنفقة) .
قصص في الظلم... عبر وعظات:
1- من القصص في الظلم التي حدثت في زمن الصحابة، قصة الرجل الذي ظلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فدعا عليه سعد، وقد كان مستجاب الدعوة، فاستجاب الله دعاءه، والقصة كما رواها البخاري في (صحيحه) عن جابر بن سمرة، قال: (شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر، رضي الله عنه، فعزله، واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا، حتى ذكروا أنه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إنَّ هؤلاء يزعمون أنك لا تحسن تصلي؟ قال أبو إسحاق: أما أنا والله، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين، وأخف في الأخريين، قال: ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه، رجلًا، أو رجالًا، إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم، يقال له: أسامة بن قتادة، يكنى أبا سعدة، قال: أما إذ نشدتنا، فإنَّ سعدًا كان لا يسير بالسرية http://dorar.net/images/tip.gif ، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهم إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياءً وسمعةً، فأطل عمره، وأطل فقره، وعرضه بالفتن، وكان بعد إذا سئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك: فأنا رأيته بعد قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنه ليتعرض للجواري في الطرق يغمزهنَّ) .
2- ومنها أيضًا: قصة سعيد بن زيد رضي الله عنه، فقد روى مسلم في (صحيحه): ((أن أروى بنت أويس ادعت على سعيد بن زيد أنَّه أخذ شيئًا من أرضها، فخاصمته إلى مروان بن الحكم. فقال سعيد: أنا كنت آخذ من أرضها شيئًا بعد الذي سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أخذ شبرًا من الأرض ظلمًا طُوِّقه إلى سبع أرضين. فقال له مروان: لا أسألك بينة بعد هذا. فقال اللهم إن كانت كاذبة فعمِّ بصرها، وا***ها في أرضها. قال: فما ماتت حتى ذهب بصرها، ثم بينا هي تمشي في أرضها إذ وقعت في حفرة فماتت)) .
3- قصة أوردها الهيثمي في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) قال:
(وقال بعضهم: رأيت رجلًا مقطوع اليد من الكتف، وهو ينادي من رآني فلا يظلمنَّ أحدًا، فتقدمت إليه وقلت له: يا أخي ما قصتك؟ فقال: يا أخي قصتي عجيبة، وذلك أني كنت من أعوان الظلمة، فرأيت يومًا صيادًا قد اصطاد سمكة كبيرة، فأعجبتني، فجئت إليه فقلت: أعطني هذه السمكة. فقال: لا أعطيكها، أنا آخذ بثمنها قوتًا لعيالي. فضربته وأخذتها منه قهرًا، ومضيت بها، قال: فبينما أنا ماشٍ بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية، فلما جئت بها إلى بيتي، وألقيتها من يدي ضربت علي إبهامي، وآلمتني ألـمًا شديدًا، حتى لم أنم من شدة الوجع، وورمت يدي، فلما أصبحت أتيت الطبيب، وشكوت إليه الألم، فقال: هذه بدو أكلة ، اقطعها وإلا تلفت يدك كلُّها، فقطعت إبهامي ثم ضربت يدي، فلم أطق النوم ولا القرار من شدة الألم، فقيل لي: اقطع كفك. فقطعتها، وانتشر الألم إلى الساعد، وآلمني ألما شديدًا، ولم أطق النوم ولا القرار، وجعلت أستغيث من شدة الألم، فقيل لي: اقطعها من المرفق. فانتشر الألم إلى العضد، وضربت علي عضدي أشد من الألم، فقيل لي: اقطع يدك من كتفك، وإلا سرى إلى جسدك كلِّه. فقطعتها، فقال لي بعض الناس: ما سبب ألمك؟ فذكرت له قصة السمكة، فقال لي: لو كنت رجعت من أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة، فاستحللت منه، واسترضيته ولا قطعت يدك، فاذهب الآن إليه، واطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك.
قال: فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته، فوقعت على رجليه أقبلهما وأبكي، وقلت: يا سيدي، سألتك بالله إلا ما عفوت عني. فقال لي: ومن أنت؟ فقلت: أنا الذي أخذت منك السمكة غصبًا. وذكرت له ما جرى وأريته يدي، فبكى حين رآها، ثم قال: يا أخي، قد حاللتك منها لما قد رأيت بك من هذا البلاء. فقلت له: بالله يا سيدي، هل كنت دعوت علي لما أخذتها منك؟ قال: نعم.
قلت: اللهم، هذا تقوَّى عليَّ بقوته على ضعفي، وأخذ مني ما رزقتني ظلمًا، فأرني فيه قدرتك. فقلت له: يا سيدي، قد أراك الله قدرته في، وأنا تائب إلى الله عزَّ وجلَّ عما كنت عليه) .
4- قصة تبين نهاية الظالمين، وهي أنَّ أحمد بن أبي دؤاد، ومحمد بن عبدالملك بن الزيات، وهرثمة، كانوا ممن ظلموا الإمام أحمد في محنة القول بخلق القرآن، فكانت نهايتهم كما ذكرها ابن كثير في (البداية والنهاية) قال: (دخل عبد العزيز بن يحيى الكتاني - صاحب كتاب الحيدة - على المتوكل وكان من خيار الخلفاء -لأنَّه أحسن الصنيع لأهل السنة، بخلاف أخيه الواثق وأبيه المعتصم وعمه المأمون، فإنهم أساؤوا إلى أهل السنة وقربوا أهل البدع والضلال من المعتزلة وغيرهم - فأمره أن ينزل جثة أحمد بن نصر ويدفنه ففعل، وقد كان المتوكل يكرم الإمام أحمد بن حنبل إكرامًا زائدًا جدًّا.
والمقصود أن عبد العزيز صاحب كتاب الحيدة قال للمتوكل: يا أمير المؤمنين ما رأيت أو ما رئي أعجب من أمر الواثق، *** أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن.
فوجل المتوكل من كلامه، وساءه ما سمع في أخيه الواثق، فلما دخل عليه الوزير محمد بن عبد الملك بن الزيات قال له المتوكل: في قلبي شيء من *** أحمد بن نصر.
فقال: يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار إن ***ه أمير المؤمنين الواثق إلا كافرًا، ودخل عليه هرثمة فقال له في ذلك، فقال: قطعني الله إربًا إربًا إن ***ه إلا كافرًا.
ودخل عليه القاضي أحمد بن أبي دؤاد، فقال له مثل ذلك فقال: ضربني الله بالفالج إن ***ه الواثق إلا كافرًا.
قال المتوكل: فأما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار.
وأما هرثمة فإنه هرب فاجتاز بقبيلة خزاعة فعرفه رجل من الحي، فقال: يا معشر خزاعة هذا الذي *** ابن عمكم أحمد بن نصر فقطعوه. فقطعوه إربًا إربًا. وأما ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده - يعني بالفالج - ضربه الله قبل موته بأربع سنين، وصودر من صلب ماله بمال جزيل جدًّا) .

محمد رافع 52
13-10-2013, 03:03 PM
ذم الظلم في واحة الشعر

قال أبو العتاهية:

أمَا واللَّهِ إنَّ الظُّلمَ لؤمٌ *** ولكن المسيءُ هو الظلوم



إلى ديَّانِ يومِ الدِّينِ نمضي *** وعندَ اللهِ تجتمعُ الخصومُ


وقال آخر:

وما مِن يدٍ إلَّا يدُ اللهِ فوقها *** وما ظالمٌ إلا سيبلَى بأظلمِ


قال محمود الورَّاق:

اصبرْ على الظُّلمِ ولا تنتصرْ *** فالظُّلمُ مردودٌ على الظَّالمِ



وكِلْ إلى اللهِ ظلومًا فما *** ربِّي عن الظَّالمِ بالنَّائمِ


وقيل:

الظلمُ نارٌ فلا تحقرْ صغيرتَه *** لعلَّ جذوةَ نارٍ أحرقتْ بلدا


وقيل:

توقَّ دُعا المظلومِ إنَّ دعاءَه *** ليُرفعُ فوقَ السحبِ ثم يجابُ



توقَّ دُعا مَن ليس بينَ دعائِه *** وبينَ إلهِ العالمين حجابُ


وقال ابن القيم:

كذا دُعا المضطرِّ أيضًا صاعدٌ *** أبدًا إليه عندَ كلِّ أوانِ



وكذا دُعا المظلومِ أيضًا صاعدٌ *** حقًّا إليه قاطع الأكوانِ


وقال ابن الوردي:

إيَّاك مِن عسفِ الأنامِ وظلمِهم *** واحذرْ مِن الدعواتِ في الأسحارِ


وقال علي رضي الله عنه:

أدِّ الأمانةَ والخيانةَ فاجتنبْ *** واعدلْ ولا تظلمْ يطيبُ المكسبُ



واحذرْ مِن المظلومِ سهمًا صائبًا *** واعلمْ بأنَّ دعاءَه لا يُحجبُ


وقال آخر:

يا أيُّها الظَّالمُ في فعلِه *** فالظُّلمُ مردودٌ على من ظلمْ



إلى متى أنت وحتَّى متى *** تسلو المصيباتِ وتنسى النَّقمْ


وقال آخر:

لا تظلمنَّ إذا ما كنتَ مقتدرًا *** فالظلمُ آخرُه يأتيك بالندمِ



نامتْ عيونُك والمظلومُ منتبهٌ *** يدعو عليك وعينُ اللهِ لم تنمِ


وأنشد أحمد بن الطيب:

ولا تعجلْ على أحدٍ بظلمٍ *** فإنَّ الظلمَ مرتعُه وخيمُ


وقال آخر:

إذا الظالمُ استحْسن الظلمَ مذهبًا *** ولـجَّ عتوًّا في قبيحِ اكتسابِـهِ



فكِلْه إلى رَيْبِ الزمانِ فإنَّـهُ *** سيُبدي له ما لم يكنْ في حسابِه



فكم قد رأينا ظالمــًا متجبرًا *** يرَى النجمَ تيهًا تحت ظِلِّ ركابِه



فلما تمادَى واستطــال بظلمِه *** أناخَت صروفُ الحادثاتِ ببابِه



وعُوقِب بالظلمِ الذي كان يقْتفي *** وصَبَّ عليـه الله سوطَ عذابِه

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=8JlaUqG2GIra0QWWtYGgCw&psig=AFQjCNHLmqnZT1CX_zHoSHDHk0dACBGhug&ust=1381755760451997)

محمد رافع 52
13-10-2013, 03:05 PM
العُجْب

معنى العُجْب لغةً واصطلاحًا

معنى العُجْب لغةً:
العُجْب بالضم: الزَّهْوُ والكِبْـرُ، ورجلٌ مُعْجَبٌ: مَزْهُوٌّ بِمَا يكون منه حسنًا أَو قبيحًا. وقيل: المعْجَبُ، الإِنسانُ المعْجَب بنفسه أَو بِالشَّيْءِ. وقد أُعْجِبَ فلان بنفسه إذا ترفع وتكبر فهو مُعْجَب برأْيه وبنفسه. والاسم العُجْبُ وهذه المادة مما تدلُّ عليه كبر واستكبار للشَّيء .
معنى العُجْب اصطلاحًا:
قال الجرجاني: (العُجْب: هو عبارة عن تصور استحقاق الشخص رتبة لا يكون مستحقًّا لها) .
وقال الغزالي: (العُجْب: هو استعظام النعمة، والركون إليها، مع نسيان إضافتها إلى المنعم) .
وقال أحمد بن يحيى بن المرتضى: (العُجْب: مسرة بحصول أمر، يصحبها تطاول به على من لم يحصل له مثله، بقول أو ما في حكمه، من فعل، أو ترك، أو اعتقاد) .

محمد رافع 52
13-10-2013, 03:08 PM
الفرق بين العُجْب ومرادفاته

قال ابن حزم: (الْعُجْب أصل يتفرع عنه التيه، والزهو، والكبر، والنخوة، والتعالي، وهذه أسماء واقعة على معان متقاربة. ولذلك صعب الفرق بينها على أكثر الناس) .
ومع ذلك فقد تكلم العلماء وخاصة أهل اللغة عن الفروق بين العُجْب ومترادفاته، ونذكر منها ما يلي:
- الفرق بين العُجْب والكبر:
قال أبو هلال العسكري: (إنَّ العُجْب بالشيء، شدة السرور به حتى لا يعادله شيء عند صاحبه، تقول: هو معجب بفلانة. إذا كان شديد السرور بها، وهو معجب بنفسه. إذا كان مسرورًا بخصالها.
ولهذا يقال أعجبه كما يقال سر به فليس العُجْب من الكبر في شيء، وقال علي بن عيسى: العُجْب عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها، وليست هي لها) .
وقال الغزالي: (فإنَّ الكبر يستدعي متكبرًا عليه، ومتكبرًا به، وبه ينفصل الكبر عن العُجْب ... فإن العُجْب لا يستدعي غير المعجب، بل لو لم يخلق الإنسان إلا وحده تصور أن يكون معجبًا، ولا يتصور أن يكون متكبرًا إلا أن يكون مع غيره) .
- الفرق بين العُجْب والتيه:
قال مرتضى الزَّبيدي: (ونقل شيخنا عن الرَّاغب في الفرق بين المعْجب والتائه، فقال: المعْجب يصدق نفسه فيما يظنُّ بها وهمًا. والتَّائه يصدقها قطعًا) .
- الفرق بين العُجْب والإدلال:
يقول المحاسبي: (إن الإدلال معنى زائد في العُجْب وهو أن يعجب بعمله أو علمه، فيرى أنَّ له عند الله قدرًا عظيمًا قد استحق به الثواب على عمله، فإنَّ رجاء المغفرة مع الخوف لم يكن إدلالًا، وإن زايل الخوف ذلك فهو إدلال) .

محمد رافع 52
18-10-2013, 04:26 PM
ذم العُجْب والنهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2372)
أولًا: في القرآن الكريم

أما العُجْب في القرآن الكريم فقد وردت فيه عدة آيات تبين خطره، وتنبه على أنه آفة تجرُّ وراءها آفات دنيوية وعقوبات أخروية، فمن تلك الآيات:
- قال الله تبارك وتعالى: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة: 25].
(قال جعفر: استجلاب النصر في شيء واحد، وهو الذلة والافتقار والعجز... وحلول الخذلان بشيء واحد وهو العُجْب...) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا [الكهف: 32-36].
قال ابن عاشور: (ضرب مثلًا للفريقين: للمشركين، وللمؤمنين، بمثل رجلين كان حال أحدهما معجبًا مؤنقًا، وحال الآخر بخلاف ذلك، فكانت عاقبة صاحب الحال المونقة تبابًا وخسارةً، وكانت عاقبة الآخر نجاحًا، ليظهر للفريقين ما يجرُّه الغرور والإعجاب والجبروت إلى صاحبه من الإزراء، وما يلقاه المؤمن المتواضع، العارف بسنن الله في العالم، من التذكير، والتدبر في العواقب، فيكون معرضًا للصلاح والنجاح) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيٍّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء: 37-38].
يقول العزُّ بن عبد السلام: (زجره عن التطاول الذي لا يدرك به غرضًا، أو يريد: كما أنك لا تخرق الأرض ولا تبلغ الجبال طولًا، فلذلك لا تبلغ ما تريده بكبرك وعجبك، إياسًا له من بلوغ إرادته) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [لقمان: 18].
قال ابن كثير: (لا تعرض بوجهك عن الناس إذا كلمتهم أو كلموك، احتقارًا منك لهم واستكبارًا عليهم، ولكن ألن جانبك وابسط وجهك إليهم... وقوله تعالى: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا. أي: خيلاءً متكبرًا جبارًا عنيدًا، لا تفعل ذلك يبغضك الله، ولهذا قال: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. أي: مختال معجب في نفسه فَخُورٍ. أي: على غيره) .
- وقال الله تعالى: فَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الزمر: 49].
قال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن الإنسان أنه في حال الضراء يضرع إلى الله عز وجل، وينيب إليه ويدعوه، وإذا خوله منه نعمة بغى وطغى، وقال: إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ أي: لما يعلم الله من استحقاقي له ولولا أني عند الله تعالى خصيص لما خولني هذا) .

محمد رافع 52
18-10-2013, 04:29 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أَبي هريرة رضي الله عنه: ((بينا رجل يمشي في حلة، تعجبه نفسه، مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة)) .
قال أبو العباس القرطبي: (يفيد هذا الحديث ترك الأمن من تعجيل المؤاخذة على الذنوب، وأن عجب المرء بنفسه وثوبه وهيئته حرام وكبيرة) .
- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لو لم تذنبوا، لخشيت عليكم ما هو أكبر منه العُجْب)) .
قال المناوي تعليقًا على هذا الحديث: (لأن العاصي يعترف بنقصه، فترجى له التوبة، والمعجب مغرور بعمله فتوبته بعيدة) .
- وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يدخلون الجنة: الشيخ الزاني، والإمام الكذَّاب، والعائل المزهو)) .

محمد رافع 52
18-10-2013, 04:31 PM
أقوال السلف والعلماء في العُجْب

- قال عمر رضي الله عنه: (أخوف ما أخاف عليكم أن تهلكوا فيه ثلاث خلال: شحٌّ مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه) .
- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الإعجاب ضدُّ الصواب، وآفة الألباب) .
- وقالت عائشة رضي الله عنها: (لبست مرة درعًا جديدًا، فجعلت أنظر إليه، وأعجب به، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أما علمت أنَّ العبد إذا دخله العجب بزينة الدنيا، مقته ربُّه حتى يفارق تلك الزينة؟ قالت: فنزعته فتصدقت به. فقال أبو بكر رضي الله عنه: عسى ذلك أن يكفِّر عنك) .
- وقالت أيضًا: (وإنَّ العُجْب لو كان رجلًا كان رجل سوء) .
- وعن كعب أنه قال لرجل رآه يتبع الأحاديث: (اتق الله، وارض بالدون من المجلس، ولا تؤذ أحدًا؛ فإنَّه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العُجْب، ما زادك الله به إلا سفالًا ونقصانًا) .
- وقال أبو الدرداء: (علامة الجهل ثلاث: العُجْب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه) .
- وعن مسروق قال: (كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلًا أن يُعجب بعلمه) .
- وقال أبو وهب المروزي: (سألت ابن المبارك: ما الكبر؟ قال: أن تزدري الناس. فسألته عن العُجْب؟ قال: أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك، لا أعلم في المصلين شيئًا شرًّا من العُجْب) .
- وقال علي بن ثابت: (المال آفته التبذير والنهب، والعلم آفته الإعجاب والغضب) .
- وعن خالد بن يزيد بن معاوية قال: (إذا رأيت الرجل لجوجًا، مماريًا، معجبًا بنفسه، فقد تمت خسارته) .
- وكان يحيى بن معاذ يقول: (إِياكم والعُجْب، فإِنَّ العُجْب مهلكة لأهله، وإِنَّ العُجْب ليأكل الحسَنات كما تأكل النَّار الحطب) .
- وكان ذو النون يقول: (أربع خلال لها ثمرة: العجلة، والعُجْب، واللجاجة، والشره، فثمرة العجلة الندامة، وثمرة العُجْب البغض، وثمرة اللجاجة الحيرة، وثمرة الشَّره الفاقة) .
- وقال عبد الله بن المبارك: (اثنتان منجيتان، واثنتان مهلكتان، فالمنجيتان: النية، والنهي، فالنية؛ أن تنوي أن تطيع الله فيما يستقبل، والنهي؛ أن تنهى نفسك عما حرم الله عزَّ وجلَّ، والمهلكتان: العُجْب، والقنوط) .
- وقال الحارث بن نبهان: سمعت محمد بن واسع يقول: (وا أصحاباه! ذهب أصحابي قال: قلت: يرحمك الله، أليس قد نشأ شباب يقرؤون القرآن، ويقومون الليل، ويصومون النهار، ويحجون ويقرؤون؟ قال: فبزق، وقال: أفسدهم العُجْب) .

محمد رافع 52
18-10-2013, 04:33 PM
آثار العُجْب

1- أنه يدعو إلى الكبر؛ لأنَّه أحد أسبابه. قال ابن الجوزِيِّ: (اعلم أَنَّ من أَسباب الْكِبْرِ العُجْب، فَإِنَّ من أُعْجِب بِشَيْءٍ تكبَّر به) .
وقال المحاسبي: (إن أوَّل بدوِّ الكبر العُجْب، فمن العُجْب يكون أكثر الكبر، ولا يكاد المعجب أن ينجو من الكبر...) .
2- أنه يتولد عنه الكثير من الأخلاق السيِّئة والصِّفات الرديئة، كالتيه وازدراء الآخرين، لذا قيل فِي تَعْرِيفِ التِّيهِ: (هو خلق متولد بين أمرين: إعجابه بنفسه، وإزراؤه بغيره، فيتولَّد من بين هذين التيه) .
3- يدعو إلى إهمال الذنوب ونسيانها، فلا يحدث العبد بعد ذلك توبة.
قال المحاسبي: (يجمع العُجْب خصالًا شتى: يعمى عليه كثير من ذنوبه، وينسى مما لم يعم عليه منها أكثرها، وما ذكر منها كان له مستصغرًا، وتعمى عليه أخطاؤه، وقوله بغير الحق) .
4- يجعل العبد يستعظم أعماله، وطاعاته، ويمنُّ على الله بفعلها.
5- يدعو العبد إلى الاغترار بنفسه، وبرأيه، ويأمن مكر الله، وعذابه، ويظن أنه عند الله بمكان، ولا يسمع نصح ناصح، ولا وعظ واعظ.
6- يمنعه عن سؤال أهل العلم.
7- يفتره عن السعي، لظنه أنه قد فاز، واستغنى، وهو الهلاك الصريح .
8- يخفي المحاسن، ويظهر المساوئ، ويصدُّ عن الفضائل .
9- يحبط العمل، ويفسده، ويذهب به.
ويقول ابن القيم: (لا شيء أفسد للأعمال من العُجْب ورؤية النفس) .
10- يدعو العبد إلى المنِّ بما يقدم من معروف، وإلى تعظيم ما يسدي من خير، قال المحاسبي: (ويخرجه المن بمعروفه وصدقته. لأنه عظم عنده ما تصدق به، أو تفضل به، وينسى منة الله عزَّ وجلَّ عليه، وأنه مضيع لشكره على ذلك، فمن بما اصطنع من معروفه فحبط أجره، كما قال الله عزَّ وجلَّ: لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ [البقرة: 264] .
11- طريق إلى خذلان العبد، بحيث يكله الله إلى نفسه فلا ينصره، ولا يؤيده. وقد قال جل وعلا: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ [التوبة: 25].
12- من اتصف به ساءت عاقبته في الدنيا والآخرة .

محمد رافع 52
18-10-2013, 04:36 PM
حكم العُجْب

العُجْب كبيرة من كبائر الذنوب التي تستحق غضب الله، ومقته، وعذابه في الدنيا والآخرة.
فهو سجيَّة مذمومة، وطبع سيِّئ مبغوض، قال ابن حزم: (إن العُجْب من أعظم الذنوب وأمحقها للأعمال. فتحفظوا، حفظنا الله وإيَّاكم من العُجْب والرياء) .
ويقول الغزالي: (اعلم أن العُجْب مذموم في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا [التوبة: 25]، ذكر ذلك في معرض الإنكار وقال عزَّ وجلَّ: وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا [الحشر: 2]، فردَّ على الكفَّار في إعجابهم بحصونهم، وشوكتهم، وقال تعالى: وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104]) .
بل عده ابن تيمية من باب الإشراك بالنفس فقال: (وكثيرًا ما يقرن الرياء بالعُجْب، فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعُجْب من باب الإشراك بالنفس، وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ والمعجب لا يُحقِّق قوله: وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ فمن حقَّق قوله إِيَّاكَ نَعْبُدُ خرج عن الرِّياء، ومن حقَّق قوله: وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ خرج عن الإعجاب) .

محمد رافع 52
18-10-2013, 04:38 PM
صور العُجْب

قد يحصل العُجْب بصفات اضطرارية وقد يحصل بصفات اختيارية، والفرق بينهما أن الصفات الاضطرارية هي ما خلقت في الإنسان ابتداء دون أن يكون له تدخل فيها، كالجمال والنسب وغيرها، أما الاختيارية فهي ما تحصل عليها ببذل مجهود واكتسبها بعد أن لم يكن متصفًا بها، كالعلم والمال والجاه وغيرها. وكلها العُجْب بها مذموم، (ولا فرق بين أن تكون تلك الخصلة التي حصل بها الإعجاب اضطرارية، كجمال، أو فصاحة، أو كثرة عشيرة، أو مال، أو بنين، أم اختيارية، كإقدام، أو كثرة علم، أو طاعة، أو نحو ذلك، فإن العُجْب بذلك كله قبيح شرعًا، ولا أعرف فيه خلافًا) .
ونذكر هنا الإعجاب ببعض الصفات الاضطرارية والاختيارية ومنها:
- الإعجاب بالعقل الراجح، والذكاء.
- الإعجاب بالرأي السديد.
- الإعجاب بالعلم وغزارته، والتفوق على الأقران فيه.
- الإعجاب بالشَّجَاعَة، والإقدام، والقوة والبأس.
- الإعجاب بجمال الصورة، وحسن المظهر.
- الإعجاب بالجاه، والمنصب، والرئاسة، والتصدر.
- الإعجاب بالعبادة، والطاعة.
- الإعجاب بما يقدمه من خير، ومنفعة للناس.
- الإعجاب بالنسب، والشرف، أو العشيرة، والقبيلة.
- الإعجاب بالمال، والغنى، والتجارة، وسعة الرزق.
- الإعجاب بكثرة الأتباع، والأنصار والمريدين.
- الإعجاب بكثرة الأبناء.
وغير ذلك من الخصال التي يحصل بها العُجْب.

محمد رافع 52
18-10-2013, 04:41 PM
أسباب العُجْب

1- جهل المرء بحقيقة نفسه وغفلته عنها، و(أنَّ جهله بنفسه، وصفاتها، وآفاتها، وعيوب عمله، وجهله بربه، وحقوقه، وما ينبغي أن يعامل به، يتولد منهما رضاه بطاعته، وإحسان ظنه بها، ويتولد من ذلك من العُجْب والكبر والآفات ما هو أكبر من الكبائر الظاهرة، من الزنا، وشرب الخمر، والفرار من الزحف ونحوها) .
2- المدح والثناء، والإطراء في الوجه، سبب قوي من أسباب العُجْب، قال الماوردي: (من أقوى أسبابه – أي العُجْب - كثرة مديح المتقربين، وإطراء المتملقين، الذين جعلوا النفاق عادةً ومكسبًا، والتملق خديعةً وملعبًا، فإذا وجدوه مقبولًا في العقول الضعيفة أغروا أربابها باعتقاد كذبهم، وجعلوا ذلك ذريعةً إلى الاستهزاء بهم) .
وقال ابن حجر: (قال ابن بطال: من أفرط في مدح آخر بما ليس فيه لم يأمن على الممدوح العُجْب؛ لظنه أنه بتلك المنزلة، فربما ضيَّع العمل والازدياد من الخير اتكالًا على ما وصف به) .
و((أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك)) . أي: أهلكته .
3- ومما يوصل الإنسان إلى العُجْب بنفسه، مقارنته لنفسه بمن هو دونه في العمل، والفضل، واعتقاده أنَّ الناس هلكى بالذنوب والمعاصي، وأنَّه على خير كبير إذا قورن بغيره. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((إذا قال الرجل هلك الناسُ، فهو أهلكهم )) .
4- النشأة والتربية، فقد ينشأ الإنسان في بيئة غلب عليها طبع العُجْب والكبر فيتأثر بها. فـ(قد ينشأ بين أبوين يلمس منهما أو من أحدهما: حب المحمدة، ودوام تزكية النفس، إن بالحق وإن بالباطل، والاستعصاء على النصح والإرشاد، ونحو ذلك من مظاهر الإعجاب بالنفس، فيحاكيهما، وبمرور الزمن يتأثر بهما، ويصبح الإعجاب بالنفس جزء من شخصيته إلا من رحم الله) .
وكما قال الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منَّا *** على ما كان عوده أبوه


5- الرفقة والصحبة سبب من أسباب الإعجاب بالنفس، ذلك أن الإنسان شديد المحاكاة والتأثر بصاحبه، لا سيما إذا كان هذا الصاحب قويَّ الشخصية، ذا خبرة ودراية بالحياة، وكان المصحوب غافلًا على سجيته، يتأثر بكلِّ ما يلقى عليه، وعليه فإذا كان الصاحب مصابًا بداء الإعجاب، فإنَّ عدواه تصل إلى قرينه فيصير مثله .
6- الاغترار بالنعمة والركون إليها، مع نسيان ذكر المنعم تبارك وتعالى، (فإذا حباه الله نعمة من المال، أو علم، أو قوة، أو جاه، أو نحوه وقف عند نعمة ونسي المنعم، وتحت تأثير بريق المواهب وسلطانها تحدثه نفسه أنه ما أصابته هذه النعمة إلا لما لديه من علم، على حدِّ قول قارون: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص: 78]، ولا يزال هذا الحديث يُلِحُّ عليه حتى يرى أنَّه بلغ الغاية أو المنتهى، ويُسرُّ ويفرح بنفسه، وبما يصدر عنها، ولو كان باطلًا، وذلك هو الإعجاب بالنفس) .
7- تولِّي المناصب القيادية، من سلطة أو قضاء، أو إدارة أو إشراف، وغير ذلك من المسؤوليات.
8- التمتع بصفة أو مزيَّة تجعله يتميز عن غيره فيها، سواء كانت هذه الصفة اضطرارية كالجمال، أو فصاحة اللسان، أو النسب، أو العشيرة، أو المال والبنين، أو غيرها، أو كانت تلك الصفة اختيارية، كالعلم، والطاعة، والإقدام، وغيرها.
9- المبالغة في التوقير، والاحترام، من الأتباع، وفي ذلك قاصمة ظهر للمتبوع.
10- قلَّة الورع، والتقوى، وضعف المراقبة لله عزَّ وجلَّ.
11- قلَّة الناصح والموجه، أو فقده بالكلية.
12- عدم التفكر في حال الدنيا، والافتتان بها، وبزخرفها الفاني، بالإضافة إلى اتباع هوى النفس ومتابعتها فيها.
13- الغفلة عن نهاية العُجْب والمعجبين، ومآلهم في الدنيا والآخرة.
14- عدم التأمل في النصوص الشرعية من القرآن والسنة النبوية، الناهية عن هذه السجيَّة القبيحة، الآمرة بضدها من تواضع وخفض جناح.
15- الأمن من مكر الله عزَّ وجلَّ، والركون إلى عفوه ومغفرته.

محمد رافع 52
18-10-2013, 04:43 PM
علامات العُجْب

هناك بعض العلامات والأمارات التي تظهر في سلوك المعجب بنفسه منها:
1- تزكية النفس، والرفع من شأنها.
2- عدم سماع النصيحة، والاستعصاء على التوجيه والإرشاد.
3- الفرح بسماع عيوب الآخرين خاصة الأقران.
4- رد الحق والترفع عن الاستجابة لداعيه.
5- احتقار الناس، وتصعير الخد لهم.
6- الاستنكاف عن استشارة العقلاء، والفضلاء.
7- الاختيال والتبختر في المشي.
8- استعظام الطاعة واستكثارها، والمنة على الله بها.
9- المباهاة بالعلم، والتفاخر به، وجعله وسيلة للمماراة والجدل.
10- التباهي بالأحساب والأنساب، واحتقار الناس من أجل ذلك.
11- التفاخر بحسن الخلقة وجمال المنظر.
12- تعمد التقليل من شأن أهل الفضل من العلماء، والمشايخ، والأتقياء.
13- التكبر عن الاستماع لأهل العلم.
14- الإصرار على الأخطاء، وتعمد مخالفة الناس.
15- الاتكال على ما قد عمل ظنًا منه أنه قد وصل إلى مرحلة الكمال.
16- التصدر في المجالس وإن لم يكن أهلًا لذلك، لظنه أنه الأجدر بالصدارة.

محمد رافع 52
20-10-2013, 09:53 PM
الوسائل المعينة على ترك العُجْب

يصف ابن حزم علاج العُجْب، ويجعل له علاجًا عامًّا يتداوى به كلُّ من أصيب بهذا الداء العضال، والآفة القاتلة، وهذا العلاج يكمن في التفكر في عيوب النفس، والنظر إلى نقصها وضعفها فيقول: (من امتحن بالعُجْب فليفكِّر في عيوبه، فإن أعجب بفضائله، فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنية، فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنَّه لا عيب فيه، فليعلم أنَّه مصيبة للأبد، وأنَّه أتمُّ الناس نقصًا، وأعظمهم عيوبًا، وأضعفهم تمييزًا... فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها، وعن عيوب غيره التي لا تضره لا في الدنيا ولا في الآخرة...
ثم تقول للمعجب: ارجع إلى نفسك، فإذا ميَّزت عيوبها فقد داويت عجبك، ولا تميل بين نفسك وبين من هو أكثر منها عيوبًا فتستسهل الرذائل، وتكون مقلدًا لأهل الشرِّ) .
ثم يتكلم ابن حزم عن علاج لبعض الحالات الخاصة من حالات العُجْب ننقلها هنا بتصرف يسير:
- علاج من أعجب بعقله:
(فإن أعجبت بعقلك، ففكر في كلِّ فكرة سوء تمرُّ بخاطرك، وفي أضاليل الأماني الطائفة بك، فإنَّك تعلم نقص عقلك حينئذ.
- علاج من أعجب برأيه:
وإن أعجبت بآرائك، فتفكَّر في سقطاتك، واحفظها ولا تنسها، وفي كلِّ رأي قدرته صوابًا، فخرج بخلاف تقديرك، وأصاب غيرك وأخطأت أنت، فإنَّك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك صوابه، فتخرج لا لك ولا عليك، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك. وهكذا كلُّ أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم.
- علاج من أعجب بما يقدمه من الخير:
وإن أعجبت بخيرك، فتفكَّر في معاصيك، وتقصيرك، وفي معايبك ووجوهها، فوالله لتجدنَّ من ذلك ما يغلب على خيرك، ويعفي على حسناتك، فليطل همك حينئذ من ذلك، وأبدل من العُجْب تنقيصًا لنفسك.
- علاج من أعجب بعلمه:
وإن أعجبت بعلمك، فاعلم أنه لا خصلة لك فيه، وأنه موهبة من الله مجردة، وهبك إياها ربك تعالى، فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت...
واعلم أنَّ كثيرًا من أهل الحرص على العلم يجدون في القراءة، والإكباب على الدرس والطلب، ثم لا يرزقون منه حظًّا، فليعلم ذو العلم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه، فصحَّ أنه موهبة من الله تعالى، فأي مكان للعجب ها هنا! ما هذا إلا موضع تواضع، وشكر لله تعالى، واستزادة من نعمه، واستعاذة من سلبها.
ثم تفكر أيضًا، في أنَّ ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلم الذي تختص به، والذي أعجبت بنفاذك فيه، أكثر مما تعلم من ذلك، فاجعل مكان العُجْب استنقاصًا لنفسك واستقصارًا لها، فهو أولى، وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيرًا، فلتهن نفسك عندك حينئذ.
وتفكر في إخلالك بعلمك، فإنك لا تعمل بما علمت منه، فعلمك عليك حجة حينئذ، لقد كان أسلم لك لو لم تكن عالـمًا، واعلم أنَّ الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالًا وأعذر، فليسقط عجبك بالكلية.
ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه، من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها، كالشعر، وما جرى مجراه، فانظر حينئذ إلى من علمه أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة، فتهون نفسك عليك.
- علاج من أعجب بشجاعته:
وإن أعجبت بشجاعتك، فتفكر فيمن هو أشجع منك، ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله تعالى فيما صرفتها، فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق، لأنك بذلت نفسك فيما ليس بثمن لها، وإن كنت صرفتها في طاعة فقد أفسدتها بعجبك، ثم تفكر في زوالها عنك بالشيخ، وإنك إن عشت فستصير في عداد العيال وكالصبي ضعفًا...
- علاج من أعجب بجاهه:
وإن أعجبت بجاهك في دنياك، فتفكر في مخالفيك، وأندادك، ونظائرك، ولعلهم أخساء، وضعاء، سقاط، فاعلم أنهم أمثالك فيما أنت فيه، ولعلهم ممن يستحيي من التشبه بهم، لفرط رذالتهم، وخساستهم في أنفسهم، وفي أخلاقهم، ومنابتهم، فاستهن بكل منزلة شارك فيها من ذكرت لك.
إن كنت مالك الأرض كلها ولا خليفة عليك - وهذا بعيد جدًّا في الإمكان- فما نعلم أحدًا ملك معمور الأرض كلها على قلته وضيق مساحته بالإضافة إلى غامرها، فكيف إذا أضيف إلى الفلك المحيط...
وإن كنت ملك المسلمين كلهم، فاعلم أنَّ ملك السودان وهو رجل أسود مكشوف العورة جاهل، يملك أوسع من ملكك، فإن قلت أخذته بحقٍّ، فلعمري ما أخذته بحقٍّ إذ استعملت فيه رذيلة العُجْب، وإذا لم تعدل فيه فاستحي من حالك، فهي حالة لا حالة يجب العُجْب فيها.
- علاج من أعجب بماله:
وإن أعجبت بمالك، فهذه أسوأ مراتب العُجْب، فانظر في كلِّ ساقط خسيس فهو أغنى منك، فلا تغتبط بحالة يفوقك فيها من ذكرت، واعلم أنَّ عجبك بالمال حمق؛ لأنَّه أحجار لا تنتفع بها إلا بأن تخرجها عن ملكك بنفقتها في وجهها فقط، والمال أيضًا غاد ورائح، وربما زال عنك، ورأيته بعينه في يد غيرك، ولعل ذلك يكون في يد عدوك، فالعُجْب بمثل هذا سخف، والثقة به غرور وضعف.
- علاج من أعجب بجماله وحسن منظره:
وإن أعجبت بحسنك، ففكر فيما عليك مما نستحيي نحن من إثباته، وتستحي أنت منه إذا ذهب عنك بدخولك في السنِّ.
- علاج من أعجب بمدح الناس له:
وإن أعجبت بمدح إخوانك لك، ففكر في ذمِّ أعدائك إياك، فحينئذ ينجلي عنك العُجْب، فإن لم يكن لك عدو فلا خير فيكن ولا منزلة أسقط من منزلة من لا عدو له، فليست إلا منزلة من ليس الله تعالى عنده نعمة يحسد عليها، عافانا الله.
فإن استحقرت عيوبك، ففكر فيها لو ظهرت إلى الناس، وتمثل اطلاعهم عليها، فحينئذ تخجل وتعرف قدر نقصك إن كانت لك مسكة من تمييز...
- علاج من أعجب بنسبه:
وإن أعجبت بنسبك، فهذه أسوأ من كلِّ ما ذكرنا؛ لأنَّ هذا الذي أعجبت به لا فائدة له أصلًا في دنيا ولا آخرة. وانظر هل يدفع عنك جوعة، أو يستر لك عورة، أو ينفعك في آخرتك.
ثم انظر إلى من يساهمك في نسبك، وربما فيما هو أعلى منه ممن نالته ولادة الأنبياء عليهم السلام، ثم ولادة الخلفاء، ثم ولادة الفضلاء من الصحابة والعلماء، ثم ولادة ملوك العجم، من الأكاسرة والقياصرة، ثم ولادة التبابعة وسائر ملوك الإسلام، فتأمل غبراتهم وبقاياهم، ومن يدلي بمثل ما تدلي به من ذلك، تجد أكثرهم أمثال الكلاب خساسة، وتلقهم في غاية السقوط والرذالة، والتبذل والتحلي بالصفات المذمومة، فلا تغتبط بمنزلة هم نظراؤك أو فوقك.
- علاج من أعجب بفضل آبائه:
فإن أعجبت بولادة الفضلاء إياك، فما أخلى يدك من فضلهم إن لم تكن أنت فاضلًا، وما أقلَّ غناءهم عنك في الدنيا والآخرة، إن لم تكن محسنًا، والناس كلُّهم ولد آدم الذي خلقه الله تعالى بيده، وأسكنه جنته وأسجد له ملائكته، ولكن ما أقلَّ نفعه لهم، وفيهم كلُّ عيب، وكلُّ فاسق، وكلُّ كافر.
وإذا فكر العاقل في أنَّ فضائل آبائه لا تقربه من ربه تعالى، ولا تكسبه وجاهة، لم يحزها هو بسعده، أو بفضله في نفسه، ولا ماله، فأي معنى للإعجاب بما لا منفعة فيه...
- علاج من طلب المدح عجبًا بنفسه:
فإن تعدى بك العُجْب إلى الامتداح، فقد تضاعف سقوطك؛ لأنَّه قد عجز عقلك عن مفارقة ما فيك من العُجْب، هذا إن امتدحت بحق، فكيف إن امتدحت بكذب! وقد كان ابن نوح وأبو إبراهيم وأبو لهب، عم النبي صلى الله عليه وعلى نوح وإبراهيم وسلم، أقرب الناس من أفضل خلق الله تعالى من ولد آدم وممن الشرف كله في اتباعهم، فما انتفعوا بذلك.
- علاج من أعجب بقوة جسمه أو خفته:
وإن أعجبت بقوة جسمك، فتفكر في أنَّ البغل، والحمار، والثور، أقوى منك وأحمل للأثقال، وإن أعجبت بخفتك، فاعلم أن الكلب والأرنب يفوقانك في هذا الباب. فمن أعجب العجيب إعجاب ناطق بخصلة يفوقه فيها غير الناطق...)) .

محمد رافع 52
20-10-2013, 09:55 PM
العُجْب عند الحكماء والأدباء

- قال ابن المقفع: (العُجْب آفةُ العقل، واللجاجةُ قُعودُ الهوى، والبُخل لقاحُ الحرصِ، والمراءُ فسادُ اللسانِ، والحميةُ سببُ الجهلِ، والأنفُ توأمُ السفهِ، والمنافسة أختُ العداوةِ) .
- وقال أيضًا: (واعلم أن خفضَ الصوتِ، وسكون الريحِ، ومشي القصدِ، من دواعي المودةِ، إذا لم يخالط ذلك بأْو ولا عجبٌ. أما العُجْب فهو من دواعي المقتِ والشنآن) .
- وقال فيلسوف: (العُجْب فضيلة، يراها صاحبها في غيره، فيدعيها لنفسه) .
- وقيل لبزرجمهر: (ما النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها، قال: التواضع، قيل له: فما البلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه، قال: العُجْب) .
- وقال أبو عمرو بن العلاء: (الأخلاق المانعة للسؤدد، الكذب، والكبر، والسخف، والتعرض للعيب، وفرط العُجْب) .
- تكلم ربيعة الرأي يوما بكلام في العلم فأكثر، فكأن العجب داخله، فالتفت إلى أعرابي إلى جنبه، فقال: ما تعدون البلاغة يا أعرابي؟ قال: قلة الكلام، وإيجاز الصواب؛ قال: فما تعدون العي؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم. فكأنما ألقمه حجرًا .
- وكان يقال: (المعجب لحوح، والعاقل منه في مؤونة، وأما العجب فإنه الجهل والكبر) .
- وقيل: (ما أسلب العُجْب للمحاسن!) .
- وقيل: (العُجْب أكذب، ومعرفة الرجل نفسه أصوب) .
- وقيل: (ثمرة العُجْب المقت) .
- وقيل: (سوء العادة كمين لا يؤمن. وأحسن من العُجْب بالقول ألا تقول. وكفى بالمرء خيانة أن يكون أمينًا للخونة) .
- وسئل أنيس بن جندل: (ما أجلب الأشياء للمقت؟ فقال: العُجْب والخرق) .
- وقيل: (إعجاب المرء بنفسه، دليل على ضعف عقله) .
- وقالوا: (من أعجب برأيه ضلَّ، ومن استغنى بعقله زلَّ، ومن تكبر على الناس ذلَّ، ومن خالط الأنذال حقِّر، ومن جالس العلماء وقِّر) .

محمد رافع 52
20-10-2013, 09:59 PM
ذم العُجْب في واحة الشعر

قال أحد الشعراء:

يا مظهرَ الكبرِ إعجابًا بصورتِه *** انظرْ خلاك فإنَّ النتنَ تثريبُ



لو فكَّرَ الناسُ فيما في بطونِهمُ *** ما استشعرَ الكبرَ شبانٌ ولا شيبُ



هل في ابنِ آدمَ مثلُ الرأسِ مكرُمةً *** وهو بخمسٍ من الأقذارِ مضروبُ



أنفٌ يسيلُ وأذنٌ ريحُها سهكٌ *** والعينُ مُرمصةٌ والثغرُ ملعوبُ



يا ابنَ الترابِ ومأكولَ الترابِ غدًا *** أقصرْ فإنَّك مأكولٌ ومشروبُ


وقال آخر:

يا من غلا في العُجْب والتيهِ *** وغــرَّه طـولُ تـمـادِيــه



أمـلَى لـك اللـهُ فـبـارزتـَه *** ولم تخفْ غبَّ معاصِيه


وقال منصور الفقيه:

تتيهُ وجسمُك مِن نطفةٍ *** وأنت وعاءٌ لما تعلمُ

محمد رافع 52
20-10-2013, 10:02 PM
http://www.dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=4OJ3BBw18IF6UM&tbnid=AR5DTrI8QwiyZM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fwww.dorar.net%2Fenc%2Fakhlaq&ei=l-dRUvHtL-au0QWs24HoDg&psig=AFQjCNG_VTWd8PtFn8h6M4nSSPWT1VPQow&ust=1381185797923520)
العُدْوَان

معنى العُدْوَان لغةً واصطلاحًا

معنى العُدْوَان لغةً:
العُدْوَان: الظُّلم الصُّراح، وقد عدا عَدْوًا وعَدَاءً وعُدُوًّا وعُدْوَانًا وعِدْوَانًا وعُدْوَى وتَعَدَّى واعْتَدَى، كُلُّه ظَلَمه، وتجاوز الحدَّ .
معنى العُدْوَان اصطلاحًا:
قال الرَّاغب الأصفهانيُّ: (العُدْوَان: الإخلال بالعدالة في المعاملة) .
وقال المناويُّ: (العُدْوَان: سوء الاعتداء في قول أو فعل أو حال) .
وقال أبو البقاء الكفويُّ: (العُدْوَان: تجاوز المقدار المأمور به بالانتهاء إليه والوقوف عنده) .

محمد رافع 52
20-10-2013, 10:04 PM
التَّفسير النَّفسي للعُدْوَان

عرَّف علماءُ السُّلوك العُدْوَانَ بتعريفات عدَّة خلاصتها:
(أنَّ العُدْوَان سلوكٌ عَمْدِي بقصد إيذاء الغير أو الإضرار بهم، ويأخذ صورًا وأشكالًا متعدِّدة، منها العُدْوَان البدني واللَّفظي) .
وقيل -أيضًا- بأنَّه (شعور داخليٌّ بالغضب والاستياء، ويُعَبَّر عنه ظاهريًّا في صورة فعل أو سلوك يقر به شخص أو جماعة بقصد إيقاع الأذى لشخص، ويأخذ صور ال*** الجسمي متمثِّلًا في: (الضَّرب، والتَّشاجر، كما يتَّخذ صور التَّدمير وإتلاف الأشياء)، والعُدْوَان اللَّفظي متمثِّلًا في: (الكيد، والتَّشهير، والفتنة، والتَّهديد، والغمز، واللَّمز، والنُّكتة اللَّاذعة، والإيذاء النَّفسي) .

محمد رافع 52
20-10-2013, 10:07 PM
الفرق بين العُدْوَان وبعض الصِّفات

- الفرق بين العُدْوَان والإثم:
قال أبو هلال العسكري: (الإثم: الجُرْم كائنًا ما كان. والعُدْوَان: الظُّلم. قاله الطبرسي، وعلى هذا فقوله تعالى: يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 62] مِن عطف الخاص على العام .
قال الرَّاغب: (الإثم أعمُّ مِن العُدْوَان) .
- الفرق بين العُدْوَان والطُّغيان:
قال أبو البقاء الكفويُّ: (الطُّغيان: هو تجاوز الحدِّ الذي كان عليه مِن قبل، وعلى ذلك إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء [الحاقة: 11] والعُدْوَان: تجاوز المقدار المأمور به بالانتهاء إليه والوقوف عنده، وعلى ذلك فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ [البقرة: 194]) .
- الفرق بين العُدْوَان والبغي:
قال أبو البقاء الكفوي: (والعُدْوَان: تجاوز المقدار المأمور به بالانتهاء إليه والوقوف عنده، وعلى ذلك فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ [البقرة: 194] والبغي: طلب تجاوز قَدْرِ الاستحقاق -تجاوزه أو لم يتجاوزه-، ويستعمل في المتكَبِّر) .
- الفرق بين العُدْوَان والظُّلم:
قال ابن رجب: (وقد يُفَرَّق بين الظُّلم والعُدْوَان: بأنَّ الظُّلم ما كان بغير حقٍّ بالكلِّيَّة، كأخذ مال بغير استحقاق لشيء منه، و*** نفس لا يحلُّ ***ها، وأما العُدْوَان: فهو مجاوزة الحدود وتعدِّيها فيما أصله مباح، مثل أن يكون له على أحد حقٌّ مِن مالٍ أو دمٍ أو عرضٍ فيستوفي أكثر منه، فهذا هو العُدْوَان، وهو تجاوز ما يجوز أخذه، فيأخذ ما له أخذه وما ليس له أخذه..) .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:11 PM
ذَمُّ العُدْوَان والنَّهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2402)
أولًا: في القرآن الكريم

حذَّر الإسلام مِن العُدْوَان؛ لأنَّها صفة مذمومة ومقيتة، ونهى عن التَّعاون عليها، وقد وردت آياتٌ تحذِّر مِن العُدْوَان، منها قوله تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة: 2].
قال الطَّبري: (وَالْعُدْوَانِ يقول: ولا على أن تتجاوزوا ما حدَّ الله لكم في دينكم، وفرض لكم في أنفسكم وفي غيركم) .
- قال تعالى: وَتَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [المائدة: 62].
قال ابن كثير: (أي: يبادرون إلى ذلك مِن تعاطي المآثم والمحارم، والاعتداء على النَّاس، وأكلهم أموالهم بالباطل، لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ أي: لبئس العمل كان عملهم، وبئس الاعتداء اعتداؤهم) .
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [المائدة: 87].
قال السعدي: (والله قد نهى عن الاعتداء فقال: وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. بل يبغضهم ويمقتهم ويعاقبهم على ذلك) .
- قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55].
قال السعدي: (إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ أي: المتجاوزين للحدِّ في كلِّ الأمور، ومِن الاعتداء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصلح له، أو يتنطَّع في السُّؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدُّعاء، فكلُّ هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه) .
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 178].
قال ابن جرير: (يعني تعالى ذكره بقوله: فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ، فمن تجاوز ما جعله الله له بعد أخذه الدية، اعتداء وظلمًا إلى ما لم يجعل له من *** قاتل وليه وسفك دمه، فله بفعله ذلك وتعديه إلى ما قد حرمته عليه، عذاب أليم) .
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ [المجادلة: 9].
قال ابن كثير: (ثمَّ قال الله مُؤدِّبًا عباده المؤمنين ألَّا يكونوا مثل الكفرة والمنافقين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ أي: كما يتناجى به الجهلة مِن كفرة أهل الكتاب، ومَن مَالأهم على ضلالهم مِن المنافقين) .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:13 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن عائشة، قالت: ((أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أناس مِن اليهود، فقالوا: السَّام عليك يا أبا القاسم. قال: وعليكم. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السَّام والذَّام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لا تكوني فاحشة. فقالت: ما سمعتَ ما قالوا؟ فقال: أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلتُ: وعليكم)) .
والمراد بالفحش هنا هو: (عُدْوَان الجواب) .
- عن أبي هريرة أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المستبَّان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم)) .
قال النَّوويُّ: (معناه أنَّ إثم السُّباب الواقع مِن اثنين مختصٌّ بالبادئ منهما كلُّه، إلَّا أن يتجاوز الثَّاني قدر الانتصار، فيقول للبادئ أكثر ممَّا قال له) .
- (عن عبد الله بن مغفل ((أنَّه سمع ابنه يقول: اللَّهمَّ إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنَّة إذا دخلتها. فقال: أي بني، سل الله الجنَّة، وتعوَّذ به مِن النَّار؛ فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّه سيكون في هذه الأمَّة قوم يعتدون في الطُّهور والدُّعاء)) .
قال القاري: (... ((قومٌ يعتدون)) -بتخفيف الدَّال-: يتجاوزون عن الحدِّ الشَّرعي... والاعتداء في الدُّعاء يكون مِن وجوهٍ كثيرة، والأصل فيه أن يتجاوز عن موقف الافتقار إلى بساط الانبساط، ويميل إلى أحد طرفي الإفراط والتَّفريط في خاصَّة نفسه، وفي غيره إذا دعا له أو عليه، والاعتداء في الطُّهور استعماله فوق الحاجة، والمبالغة في تحرِّي طهوريته حتى يفضي إلى الوساوس) .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:15 PM
أقوال السَّلف والعلماء في العُدْوَان

- عن أيوب قال: (مَرَّ ابن عمر برجل يكيل كيلًا كأنَّه يعتدي فيه، فقال له: ويحك! ما هذا؟ فقال له: أمر الله بالوفاء. قال ابن عمر: ونهى عن العُدْوَان) .
- عن ابن الحنفيَّة قال: (دخل علينا ابن ملجم الحمَّام وأنا وحسن وحسين جلوسٌ في الحمَّام، فلمَّا دخل كأنَّهما اشمأزَّا منه، وقالا: ما أجرأك تدخل علينا! قال فقلت لهما: دعاه عنكما، فلعمري ما يريد بكما أحشم مِن هذا، فلمَّا كان يوم أُتِي به أسيرًا، قال ابن الحنفيَّة: ما أنا اليوم بأعرف به منِّي يوم دخل علينا الحمَّام، فقال عليٌّ: إنَّه أسيرٌ فأحسنوا نزله وأكرموا مثواه، فإن بَقِيتُ ***تُ أو عفوت، وإن متُّ فا***وه قِتْلَتِي ولا تعتدوا؛ إنَّ الله لا يحبُّ المعتدين) .
- عن الرَّبيع قال: (سمعت الشَّافعي يقول: أنفع الذَّخائر التَّقوى، وأضرُّها العُدْوَان) .
- كتب الفضل بن يحيى إلى عامل له: (بئس الزَّاد إلى المعاد العُدْوَانُ على العباد) .
- كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الموسم: (أمَّا بعد: فإنِّي أُشهد الله، وأبرأ إليه في الشَّهر الحرام والبلد الحرام ويوم الحجِّ الأكبر أنِّي بريء مِن ظُلْم مَن ظلمكم، وعُدْوَان مَن اعتدى عليكم، أن أكون أمَرْت بذلك أو رضيته أو تعمَّدته، إلَّا أن يكون وهمًا منِّي، أو أمرًا خفي عليَّ لم أتعمَّده، وأرجو أن يكون ذلك موضوعًا عنِّي مغفورًا لي إذا علم منِّي الحرص والاجتهاد) .
- كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عمَّاله: (إن قَدَرت أن تكون في العدل والإحسان والإصلاح كقَدْر مَن كان قبلك في الجور والعُدْوَان والظُّلم فافعل، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله) .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:17 PM
آثار العُدْوَان

1- العُدْوَان سبب للعقوبة العاجلة في الدُّنيا:
قال تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ [آل عمران:110-112].
(هؤلاء اليهود يجانب ضرب الذلة عليهم حيثما حلوا، قد صاروا في غضب من الله، وأصبحوا أحقاء به، وضربت عليهم كذلك المسكنة التي تجعلهم يحسون بالصغار مهما ملكوا من قوة ومال.ثم ذكر- سبحانه- الأسباب التي جعلتهم أحقاء بهذه العقوبات ... ذلك الذي أصابهم من عقوبات رادعة، سببه أنهم كانوا يكفرون بآيات الله وأدلته الدالة على وحدانيته وعلى صدق رسله- عليهم الصلاة والسلام- وتلك هي جريمة بنى إسرائيل الأولى. أما جريمتهم الثانية فقد عبر عنها- سبحانه- بقوله: وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ أى: أنهم لم يكتفوا بالكفر، بل امتدت أيديهم الأثيمة إلى دعاة الحق وهم أنبياء الله- تعالى- الذين أرسلهم لهدايتهم ف***وهم بدون أدنى شبهة تحمل على الإساءة إليهم فضلا عن ***هم. وقال- سبحانه- بِغَيْرِ حَقٍّ مع أن *** الأنبياء لا يكون بحق أبدا. لإفادة أن ***هم لهم كان بغير وجه معتبر في شريعتهم لأنها تحرمه) .
2- توعُّد المعتدي بدخول النَّار:
قال تعالى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ [ق: 24-25].
(قال لمن استحق النار: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ أي: كثير الكفر والعناد لآيات الله، المكثر من المعاصي، المجترئ على المحارم والمآثم. مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ أي: يمنع الخير الذي عنده الذي أعظمه، الإيمان بالله وملائكته وكتبه، ورسله مناع، لنفع ماله وبدنه، مُعْتَدٍ على عباد الله، وعلى حدوده مُّرِيبٍ أي: شاك في وعد الله ووعيده، فلا إيمان ولا إحسان ولكن وصفه الكفر والعدوان، والشك والريب، والشح، واتخاذ الآلهة من دون الرحمن) .
3- المعتدي بعيد عن محبَّة الله والقرب منه:
قال تعالى: ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55].
قال الطبري: (وأما قوله: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [الأعراف: 55]، فإن معناه: إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حده الذي حده لعباده في دعائه ومسألته ربه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حد لهم في دعائهم إياه ومسألتهم وفي غير ذلك من الأمور) .
4- المعتدي على مال الغير دمه هدر:
نقل القرطبي عن أهل العلم قوله: (قال علماؤنا: ويُنَاشَد اللِّصُّ بالله تعالى، فإن كفَّ تُرِك، وإن أَبَى قُوتِل، فإن أنت ***ته فشَرُّ قتيلٍ، ودمه هدرٌ) .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:19 PM
ما يباح مِن العُدْوَان

يباح مِن العُدْوَان الرَّدُّ على المبتدئ به على سبيل مُجازاته:
قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194].
قال الطَّبري: (فالعُدْوَان الأوَّل ظُلْمٌ، والثَّاني جزاءٌ لا ظُلْم، بل هو عدلٌ؛ لأنَّه عقوبةً للظَّالم على ظلمه، وإن وافق لفظه لفظ الأوَّل) .
قال السَّمعاني: (وإنَّما سمَّى الجزاء على الظُّلم: اعتداء، على ازدواج الكلام، ومثله قوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [الشُّورى:40] وتقول العرب: ظلمني فلان فظلمته، أي: جازيته على الظُّلم. ويقال: جهل فلان عليَّ فجهلت عليه) .
قال الرَّاغب: (أي: قابلوه بحسب اعتدائه، وتجاوزوا إليه بحسب تجاوزه... ومِن العُدْوَان الذي هو على سبيل المجازاة، ويصحُّ أن يُتعاطى مع مَن ابتدأ، قوله : فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ [البقرة: 193]، وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا [النِّساء: 30]) .
(ويصحُّ أن يتعاطى مع مَن ابتدأ، كقوله تعالى فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة: 194]، أي: قابلوه بحقِّ اعتدائه، سُمِّي بمثل اسمه؛ لأنَّ صورة الفعلين واحدة، وإن كان أحدهما طاعة والآخر معصية) .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:23 PM
صور العُدْوَان

1- ال***:
مِن صور العُدْوَان *** النَّفس بغير حقٍّ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا [النِّساء: 29-30].
قال السعدي: (لا ي*** بعضكم بعضًا، ولا ي*** الإنسان نفسه. ويدخل في ذلك الإلقاءُ بالنفس إلى التهلكة، وفعلُ الأخطار المفضية إلى التلف والهلاك إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ومن رحمته أن صان نفوسكم وأموالكم، ونهاكم عن إضاعتها وإتلافها، ورتب على ذلك ما رتبه من الحدود) .
ومن صور العدوان في ال*** *** النفس بالانتحار، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تردى من جبل ف*** نفسه ، فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، ومن تحسى سمًا ف*** نفسه ، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ، ومن *** نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا)).
قال ابن بطال: (هذا الحديث يشهد لصحة نهى الله تعالى فى كتابه المؤمن عن *** نفسه فقال تعالى: وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا الآية [النساء: 29-30]) .
2- أكل مال الغير بغير حقٍّ:
سواء بالسَّرقة أو الغصب أو النَّهب أو الاختلاس والاحتيال..، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا [النِّساء: 29-30].
يقول ابن كثير: (نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وإن ظهرت في غالب الحكم الشرعي مما يعلم الله أن متعاطيها إنما يريد الحيلة على الربا) .
3- العُدْوَان في القول:
عن عائشة، قالت: ((أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أناسٌ مِن اليهود، فقالوا: السَّام عليك يا أبا القاسم. قال: وعليكم. قالت عائشة: قلت: بل عليكم السَّام والذَّام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة لا تكوني فاحشة. فقالت: ما سمعت ما قالوا؟ فقال: أوليس قد رددت عليهم الذي قالوا؟ قلتُ: وعليكم)).
4- العُدْوَان على الأعراض:
قال صلى الله عليه وسلم: ((فإنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحُرمة يومكم هذا)) .
ويشمل التَّعدِّي على الأعراض: الغيبة والسَّبَّ والشَّتم والقذف وغير ذلك.
5- العدوان بابتغاء الشهوات المحرمة من زنا ولواط وغيرها:
قال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون: 5-7].
قال ابن عباس: نهاهم الله نهيًا شديدًا، فقال: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون: 7] فسمى الزاني من العادين .
وقال الطبري: (فمن التمس لفرجه منكحا سوى زوجته، أو ملك يمينه، ففاعلو ذلك هم العادون، الذي عدوا ما أحل الله لهم إلى ما حرم عليهم فهم الملومون) .
6- العُدْوَان في الدُّعاء:
فقد ورد في الحديث: ((أنَّ عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللَّهمَّ إنِّي أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنَّة إذا دخلتها، فقال: أي بني، سل الله الجنَّة وتعوَّذ به مِن النَّار؛ فإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنَّه سيكون في هذه الأمَّة قوم يعتدون في الطُّهور والدُّعاء)) .
أسباب الوقوع في العُدْوَان:
1- مخالفة أوامر الله:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 178].
2- اتَّباع الهوى:
قال تعالى: وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ [الأنعام: 119].
يقول ابن كثير: (بين تعالى جهالة المشركين في آرائهم الفاسدة، من استحلالهم الميتات، وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى: فقال وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ أي: هو أعلم باعتدائهم وكذبهم وافترائهم).
3- لعب الميسر وشرب الخمر سببٌ للعَدَاوَة بين النَّاس:
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة: 90-91].
قال ابن عباس رضي الله عنه في سبب نزول هذه الآية: إنما نزل تحريم الخمر في قبيلتين من قبائل الأنصار، شربوا فلما أن ثمل عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل الرجل يرى الأثر بوجهه ورأسه ولحيته، فيقول: صنع هذا بي، أخي فلان -وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن والله لو كان بي رؤوفا رحيما ما صنع هذا بي، حتى وقعت الضغائن في قلوبهم فأنزل الله هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان، وقد *** يوم أحد، فأنزل الله: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 93])
فقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ [المائدة: 91] يفيد (أن هذه موجبة للعداوة والبغضاء بين الناس، والشيطان حريص على بثها، خصوصا الخمر والميسر، ليوقع بين المؤمنين العداوة والبغضاء. فإن في الخمر من انغلاب العقل وذهاب حجاه، ما يدعو إلى البغضاء بينه وبين إخوانه المؤمنين، خصوصا إذا اقترن بذلك من السباب ما هو من لوازم شارب الخمر، فإنه ربما أوصل إلى ال***. وما في الميسر من غلبة أحدهما للآخر، وأخذ ماله الكثير في غير مقابلة، ما هو من أكبر الأسباب للعداوة والبغضاء) .
4- الكراهية والبغضاء.

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:25 PM
الملامح الأساسيَّة للشَّخصيَّة العُدْوَانيَّة

يرى الأطباء النَّفسانيون أنَّ هناك سلوكيات يُعْرَف به الشَّخص العُدْوَاني مِن غيره، وهذه السُّلوكيَّات كالتَّالي:
1- المماطلة، حيث التَّأخير في إنجاز الأشياء التي يجب أداؤها.
2- سرعة التَّهيج، والمجادلة وعبوس الوجه، والتَّجهُّم عندما يطلب منه أن يؤدِّي عملًا غير مرغوب لديه.
3- يتعمَّد العمل ببطء أو بدون إتقان في المهام التي لا يريدها.
4- يحتجُّ كثيرًا دون تبرير بأنَّ النَّاس تطلب أشياء غير معقولة.
5- يتجنَّب المسؤوليات، بأن يتظاهر بالنِّسيان.
6- يستاء مِن الاقتراحات المفيدة مِن الآخرين لتحسين الإنتاج.
7- دائم الانتقاد للنَّاس الموجودين في مراكز السُّلطة بدون مبرِّرٍ، بسببٍ أو بدون سببٍ .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:26 PM
الوسائل المعينة على ترك العُدْوَان

1- طاعة أوامر الله عزَّ وجلَّ.
2- البعد عن الهوى وزلَّات النَّفس.
3- تذكُّر الموت والعاقبة.
4- التَّضرُّع والدُّعاء.
5- البعد عن الوساوس في جميع أموره.
6- البعد عن المنافسة غير الشَّريفة.
7- تجنُّب الكراهية والحقد والحسد.
8 – الشُّعور بالأخوَّة الإسلاميَّة.

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:28 PM
الحِكَم والأمثال في العُدْوَان
- أَعْدَى مِن الحيَّة:
أي: مِن العُدْوَان .
- أَعْدَى مِن الأيْم:
هو الحيَّة، أي: أَظْلَم .
- أَعْدَى مِن الذِّئب .
- قيل: مَن طال عُدْوَانه زال سلطانه.
- وقيل: مَن جمح به العُدْوَان، جنح عليه الإخوان .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:34 PM
ذم العُدْوَان في واحة الشِّعر

قال ابن الرُّومي:

ولا يرَى الظُّلمَ والعُدْوَانَ فاعلُهم *** إلَّا إذا رابهُ ظُلْمٌ وعُدْوَانُ


وقال عبد الله بن علي آل عبد القادر:

ونادَى منادٍ باغي الخيرِ أقبلنْ *** ويا باغي العُدْوَان لا تنسَ عُقْبَاه


قال الشوكانيُّ:

وكُفَّ يدَ العُدْوَانِ عن كلِّ مسلمٍ *** سوى ما أتَى في شرعِ ربِّ العوالمِ


قال أحمد محرَّم:

ولا ابتغت صالحُ الأعمالِ ناهضةً *** إلَّا انبرى ناهضُ العُدْوَانِ يُثنيها


وقال ابن وكيع التِّنِّيسيُّ:

لا تجمعِ الإثمَ مع البهتانِ *** وكنْ على خوفٍ مِن العُدْوَانِ


وقال آخر:

ومَن يبغِ أو يسعى على النَّاس ظالـمًا *** يقع غيرَ شكٍّ لليدين وللفمِ



أنصفتَ مظلومًا فأنصف ظالـمًا *** في ذلَّةِ المظلومِ عذرُ الظالمِ



مَن يَرْضَ عُدْوَانًا عليه يَضِيرُه *** شرٌّ مِن العادي عليه الغانمِ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=QeFmUvLuMuTD0QX-yIDQDA&psig=AFQjCNEwl9ut106XVYtpb-0njgfn36jDog&ust=1382560436509168)

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:36 PM
الغدر

معنى الغدر لغةً واصطلاحًا

معنى الغدر لغةً:
الغدر ضدُّ الوفاء بالعهد. يقال: غَدَرَه وبه، كنَصَرَ وضَرَبَ وسَمِعَ، غَدْرًا وغَدَرانًا- محركةً- إذا نقض عهده وترك الوفاء، وهي غَدُور وغَدَّار وغَدَّارَة، وهو غادِرٌ وغَدَّار وغِدِّير وغدور وغُدَرٌ، وأصل هذه المادة يدلُّ على تَرك الشيء. ومن ذلك الغَدْر: وهو تَـرْك الوفاءِ بالعهد .
معنى الغدر اصطلاحًا:
قال الجاحظ: (هو الرُّجوع عمَّا يبذله الإنسان من نفسه ويضمن الوفاء به) .
وقال المناوي: (الغدر: نقض العهد والإخلال بالشَّيء وتركه) .
وقيل هو: (نقض العهد مطلقًا في لحظة لم تكن متوقعة ولا منتظرة) .

محمد رافع 52
22-10-2013, 10:38 PM
الفرق بين المكر والغدر

الفرق بينهما: أن الغدر: نقض العهد وترك الوفاء به .
بينما قد يكون المكر ابتداءً من غير عهد

محمد رافع 52
26-10-2013, 11:42 PM
ذم الغدر والنهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2428)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ [النحل: 94].
(أي تجعلون أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم موفون بالعهد لمن عاقدتم- خديعةً، وغرورًا، ليطمئنوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنَّقلة إلى غيرهم، من أجل أنهم أكثر منهم عَددًا وعُددًا وأعز نفرًا، بل عليكم بالوفاء بالعهود، والمحافظة عليها في كل حال) [6344] ((تفسير المراغي)) .
وقال ابن زيد، في قوله: تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ [النحل: 92] يغر بها، يعطيه العهد، يؤمنه وينزله من مأمنه، فتزل قدمه وهو في مأمن، ثم يعود يريد الغدر، دَخَلاً بَيْنَكُمْ [النحل: 92] قال قتادة: خيانة وغدرًا [6345] ((جامع البيان)) للطبري .
قال ابن كثير: (...لأن الكافر إذا رأى المؤمن قد عاهده، ثم غدر به لم يبق له وثوق بالدين، فانصدَّ بسببه عن الدخول في الإسلام) [6346] ((تفسير القرآن العظيم)) .
- قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ [النحل: 91].
قال الطبري: (إنَّ الله تعالى أمر في هذه الآية عباده بالوفاء بعهوده التي يجعلونها على أنفسهم، ونهاهم عن نقض الأيمان، بعد توكيدها على أنفسهم لآخرين بعقود تكون بينهم بحق مما لا يكرهه الله) [6347] ((جامع البيان في تأويل آي القرآن)).
قال الماوردي: (لا تنقضوها بالغدر، بعد توكيدها بالوفاء) [6348] ((النكت والعيون)) .
- قوله تعالى: وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ [الأنفال: 58].
قال ابن كثير: (يقول تعالى لنبيه، صلوات الله وسلامه عليه وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ قد عاهدتهم خِيَانَةً أي: نقضًا لما بينك وبينهم من المواثيق والعهود، فَانبِذْ إِلَيْهِمْ أي: عهدهم عَلَى سَوَاء أي: أعلمهم بأنك قد نقضت عهدهم حتى يبقى علمك وعلمهم بأنك حرب لهم، وهم حرب لك، وأنه لا عهد بينك وبينهم على السواء، أي: تستوي أنت وهم في ذلك) [6349] ((تفسير القرآن العظيم)) .
وقال السعدي: (وإذا كان بينك وبين قوم عهد وميثاق على ترك القتال فخفت منهم خيانة، بأن ظهر من قرائن أحوالهم ما يدل على خيانتهم من غير تصريح منهم بالخيانة. فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عهدهم، أي: ارمه عليهم، وأخبرهم أنه لا عهد بينك وبينهم. عَلَى سَوَاء أي: حتى يستوي علمك وعلمهم بذلك، ولا يحل لك أن تغدرهم، أو تسعى في شيءٍ مما منعه موجب العهد، حتى تخبرهم بذلك. إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ بل يبغضهم أشد البغض، فلا بد من أمر بيِّنٍ يبرئكم من الخيانة... ودلَّ مفهومها أيضًا أنه إذا لم يُخَفْ منهم خيانة، بأن لم يوجد منهم ما يدل على ذلك، أنه لا يجوز نبذ العهد إليهم، بل يجب الوفاء إلى أن تتم مدته) [6350] ((تيسير الكريم الرحمن)) (ص 324). .
- قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34].
قال القاسمي: (لا تنقضوا العهود الجائزة بينكم وبين من عاهدتموهم، فتخفروها وتغدروا بمن أعطيتموه إياها) [6351] ((محاسن التأويل)) .
وقال الراغب: (ولكون الوفاء سببًا لعامة الصلاح، والغدر سببًا لعامة الفساد، عظَّم الله أمرهما، وأعاد في عدة مواضع ذكرهما، فقال: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34]، وقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ [البقرة: 177]) [6352] ((تفسير الراغب)) .
وقال ابن رجب: (ويدخل في العُهود التي يجب الوفاءُ بها، ويحرم الغَدْرُ فيها: جميعُ عقود المسلمين فيما بينهم، إذا تَرَاضَوا عليها من المبايعات والمناكحات وغيرها من العقود اللازمة التي يجب الوفاءُ بها، وكذلك ما يجبُ الوفاء به لله عزَّ وجلَّ ممَّا يعاهدُ العبدُ ربَّه عليه من نذرِ التَّبرُّرِ ونحوه) [6353] ((جامع العلوم والحكم)) .

محمد رافع 52
26-10-2013, 11:46 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة، يقال: هذه غدرة فلان)) .
قال ابن بطال: (وهذه مبالغة في العقوبة وشدة الشهرة والفضيحة) .
وقال النووي: (لكل غادر لواء. أي: علامة يشتهر بها في الناس؛ لأن موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له، وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر؛ لتشهيره بذلك) .
(وفي هذا الحديث دليل على أن الغدر من كبائر الذنوب، لأن فيه هذا الوعيد الشديد) .
- وعن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) .
قال المناوي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد .
وقال العظيم آبادي: (وإذا عاهد غدر) أي: نقض العهد وترك الوفاء بما عاهد عليه .
وقال ابن عثيمين: (... ((وإذا عاهد غدر)) يعني: إذا أعطى عهدًا على أي شيء من الأشياء غدر به، ونقض العهد، وهذا يشمل المعاهدة مع الكفار، والمعاهدة مع المسلم في بعض الأشياء ثم يغدر بذلك .
- وفي حديث هرقل الطويل مع أبي سفيان عندما سأله عن النبي: ((فهل يغدر؟ قال: لا، ثم قال هرقل: وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أن لا، وكذلك الرسل لا يغدرون)) .
قال ابن بطال: (قد جاء فضل الوفاء بالعهد، وذم الختر في غير موضع في الكتاب والسنة، وإنما أشار البخاري في هذا الحديث إلى سؤال هرقل لأبي سفيان، هل يغدر؟ إذ كان الغدر عند كلِّ أمة مذمومًا قبيحًا، وليس هو من صفات رسل الله، فأراد أن يمتحن بذلك صدق النبي؛ لأن من غدر ولم يفِ بعهد لا يجوز أن يكون نبيًّا؛ لأنَّ الأنبياء والرسل عليهم السلام أخبرت عن الله بفضل من وفى بعهد، وذم من غدر وختر) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا ثم أكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعط أجره)) .
قال المهلب: قوله: ((أعطى بي ثم غدر)) يريد: نقض عهدًا عاهده عليه .
وقال المناوي: (... ((ثم غدر)). أي: نقض العهد الذي عاهد عليه؛ لأنَّه جعل الله كفيلًا له فيما لزمه من وفاء ما أعطى، والكفيل خصم المكفول به للمكفول له) .
وقال الصنعاني: (فيه دلالة على شدة جرم من ذكر، وأنه تعالى يخصمهم يوم القيامة نيابة عمن ظلموه، وقوله أعطى بي، أي: حلف باسمي وعاهد، أو أعطى الأمان باسمي وبما شرعته من ديني، وتحريم الغدر والنكث مجمع عليه) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به)) .
قال ابن بطال: (دلَّ أنَّ الغدر حرام لجميع الناس، برهم، وفاجرهم؛ لأن الغدر ظلم، وظلم الفاجر حرام كظلم البرِّ التقي. فإن قال قائل: فما وجه موافقة حديث ابن عباس للترجمة؟ قيل: وجه ذلك- والله أعلم- أنَّ محارم الله عهود إلى عباده، فمن انتهك منها شيئًا لم يف بما عاهد الله عليه، ومن لم يفِ فهو من الغادرين، وأيضًا فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة مَنَّ على أهلها كلِّهم، مؤمنهم، ومنافقهم، ومعلوم أنه كان فيهم منافقون، ثم أخبر صلى الله عليه وسلم، أنَّ مكة حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وأنَّه لا يحلُّ قتال أحد فيها، وإذا كان هذا، فلا يجوز الغدر ببرٍّ منهم ولا فاجر؛ إذ شمل جميعهم أمان النبي وعفوه عنهم) .
- وعن أبي سعيد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة)) . وفي رواية: ((لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره ألا ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة)) .
قال النووي: (وفي هذه الأحاديث بيان غلظ تحريم الغدر، لاسيما من صاحب الولاية العامة؛ لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثيرين) .

محمد رافع 52
26-10-2013, 11:49 PM
أقوال السلف والعلماء في الغدر

- قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: (الوفاء توأم الصدق، ولا أعلم جُنَّة أوقى منه، وما يغدر من علم كيف المرجع. ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كَيسًا ، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة. ما لهم قاتلهم الله؟ قد يرى الحول القلب وجه الحيلة، ودونها مانع من الله ونهيه، فيدعها رأي عين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا خريجة له في الدين) .
- وقال أيضًا: (إذا كان الغدر طبعًا، فالثقة بكل أحد عجز) .
- وقال عديُّ بن حاتم: (أتينا عمر في وفد، فجعل يدعو رجلًا رجلًا ويسمِّيهم. فقلت: أما تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى. أسلمت إذ كفروا، وأقبلت إذ أدبروا، ووفيت إذ غدروا، وعرفت إذ أنكروا. فقال عديُّ: فلا أبالي إذًا) .
- وقال ابن حزم: (الغدر، وهو الذي لا يحتمله أحد ولا يغضي عليه كريم، وهو المسلاة حقًّا، ولا يلام السالي عنه على أي وجه كان، ناسيًا أو متصبرًا، بل اللائمة لاحقة لمن صبر عليه) .
- ولـمَّا حلف محمد الأمين للمأمون في بيت الله الحرام- وهما وليَّا عهد- طالبه جعفر بن يحيى أن يقول: خذلني الله إن خذلته. فقال ذلك ثلاث مرَّات. قال الفضل بن الرَّبيع: قال لي الأمين في ذلك الوقت عند خروجه من بيت الله: يا أبا العبَّاس أجد نفسي أنَّ أمري لا يتمُّ. فقلت له ولم ذلك أعزَّ الله الأمير؟ قال: لأنِّي كنت أحلف وأنا أنوي الغدر. وكان كذلك لم يتمَّ أمره .
- قال الأبشيهي: (وكم أوقع القدر في المهالك من غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوقه غدره طوق خزي، فهو على فكِّه غير قادر) .
- وقال أيضًا: (أيُّ سوء أقبح، من غدر يسوق إلى النِّفاق، وأيُّ عار أفضح، من نقض العهد إذا عُدَّت مساوئ الأخلاق) .
- وقال ملك لصاحب ملك آخر: أطلعني على سرِّ صاحبك، قال: إليَّ تقول هذا؟ وما ذاق أحد كأسًا أمرَّ من الغدر، والله لو حول ثواب الوفاء إليه لما كان فيه عوض منه، ولكن سماجة اسمه وبشاعة ذكره ناهيان عنه .
قال مروان لعبد الحميد الكاتب عند زوال أمره: صِر إلى هؤلاء القوم، يعني بني العباس، فإني أرجو أن تنفعني في مخلفي. فقال: وكيف لي بعلم الناس جميعًا أنَّ هذا رأيك؟ كلهم يقولون: إني قد غدرت بك. وأنشد:

وغدري ظاهر لا شك فيه *** لمبصرة وعذري بالمغيب


ولما أتى به المنصور قال له: استبقني فإني فرد الدهر بالبلاغة. فقطع يديه ورجليه، ثم ضرب عنقه .

محمد رافع 52
26-10-2013, 11:55 PM
آثار الغدر

للغدر آثار سيئة وعواقب وخيمة ، ومن أبرز هذه الآثار وتلك العواقب ما يلي:
1- الغواية والضلال:
إن الذين يتصفون بالغدر هم بعيدون عن كتاب الله وسنة رسوله، وبسبب ذلك فقد أغواهم الله تعالى وأضلهم، فلا يوفقون إلى خير. قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَـذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة: 26-27].
2- قسوة القلب:
لقد كانت قسوة القلب سمة بارزة في أهل الكتاب، لاسيما اليهود لكثرة نقضهم العهد والمواثيق، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 13-14].
3- ضياع المروءة، وذهاب الهيبة، وتسليط الأعداء:
ولا يقف العقاب الإلهي عند هذا الحد، بل يكون معه ضياع المروءة، وذهاب الهيبة، وتسليط الأعداء، وما يتبع ذلك من السيطرة على الأوطان، واستنزاف الخيرات والثروات، وتغيير هوية الأمة وثقافتها وقيمها وأخلاقها، وسوم أبنائها سوء العذاب.
قال تعالى: فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10].
قال محمد بن كعب القرظي رضي الله تعالى عنه: (ثلاث خصال من كنَّ فيه، كنَّ عليه: البغي، والنكث ، والمكر) .
4- تحمل الجزاء المترتب على الغدر:
ذلك أنَّ الغدر يؤدي إلى خسائر بدنية أو نفسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية وقد تكون هذه جميعًا، ولابد من ضمان التلف في جزاء يتولاه ولي الأمر أو نائبه، أو تتولاه الرعية حين يغدر ولي الأمر، فيضيع من هم في رعايته.
5- براءة النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الغدر:
ذلك أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم جاء بمنهاج يدعو إلى الوفاء مع الخالق، والمخلوق، ومع العدو، والصديق، بل حتى مع الدواب، والجمادات، ثم طبق ذلك عمليًّا على نفسه حين استبقى عليًّا مكانه في فراشه ليلة الهجرة، ليرد الودائع إلى أصحابها، ووفى بعهده مع اليهود، لولا أنهم غدروا، ووفى مع المشركين في مكة والطائف وغيرهما، لولا غدرهم وخيانتهم.
6- حلول اللعنة على الغادر من الله، والملائكة، والناس أجمعين:
ذلك أن الله يغار حين يرى العبد أكل نعمته، ثم غدر فاستخدمها في معصيته وحربه، وتمثل هذه الغيرة في حلول اللعنة، ومعه سبحانه الملائكة، والناس أجمعين برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم.
7- الانتظام في سلك المنافقين:
ذلك أنَّ الغادر أظهر شيئًا في الوقت الذي أبطن فيه خلافه، ومثل هذا الصنف من الناس يجب توقيه، والحذر منه؛ لأنه لم يعد محل ثقة ولا أمانة، إذ يظهر الموافقة على العهود والالتزام، ثم يخفي النقض والغدر.
8-الفضيحة على رؤوس الأشهاد:
ذلك أنَّ الله لا يُوقف عقابه للغادرين على الدنيا، بل يضمُّ إلى ذلك عقاب الآخرة، وأوَّله الفضيحة على رؤوس الأشهاد وما أعظمه وما أشده من عقاب.

محمد رافع 52
26-10-2013, 11:58 PM
صور الغدر

للغدر صور كثيرة، نذكر منها ما يلي :
1- نقض العهد الذي أخذ الله على بني آدم حين استخرجهم من ظهره، إذ يقول سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف: 172-173].
2- نقض العهد الذي وصى الله به خلقه، من فعل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال، والأفعال، وترك ما لا يحبه الله ولا يرضاه، من الأقوال، والأفعال، والذي تضمنته كتبه المنزلة، وبلغه رسله عليهم الصلاة والسلام، ومعنى نقض هذا العهد ترك العمل به.
3- نقض العهد المأخوذ على بني آدم من النظر في أدلة وحدانيته، وكمالاته المنصورة في الكون، وفي النفس، والذي تحدث به عنه رب العزة في قوله تعالى: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:20-21].
4- نقض العهد الذي أخذه الله على النبيين وأتباعهم أن يؤمنوا بهذا النبي، وأن ينصروه، وذلك في قوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [آل عمران: 81-82].
5- نقض العهد الذي للإمام ونائبه على المسلمين، من وجوب الطاعة في المعروف، ونصرة دين الله عزَّ وجلَّ، دون مبرر شرعي يقتضي ذلك.
6- نقض العهد الذي أعطاه الشارع الحكيم للكفار غير المحاربين، من أهل الذمة والمستأمنين، وكذلك المعاهدين، دون مبرر شرعي يقتضي ذلك، كأن يتحول نفر من هؤلاء إلى أن يكون محاربًا، أو على الأقل يأتي أعمالًا تخالف نظام الإسلام؛ إذ في الحديث: ((ألا من *** نفسًا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة سبعين خريفًا)) .
7- خلف الموعد بأن يعطي موعدًا، وفي نيته عدم الوفاء، أما إذا أعطى موعدًا، وفي نيته الوفاء، ولم يفِ لأمر خارج عن إرادته، فلا يعدُّ ذلك نقضًا؛ لحديث: ((إذا وعد الرجل أخاه، ومن نيته أن يفي فلم يف، ولم يجئ للميعاد فلا إثم عليه)) .
8- نقض الحكام ونوابهم ما عاهدوا الله عليه حين بويعوا من العمل لصالح الرعية، وفق منهج الله، بحيث يتحول الواحد منهم بعد توليه الأمر، إلى أن يكون سيفًا مصلتًا على رقاب العباد، يطلق العنان لزبانيته، فيصادروا حرية الناس العقدية، والفكرية، والسياسية، والإعلامية، ويهدروا حرمتهم في دمائهم، وعقولهم، وأعراضهم، وأموالهم، فالناس مابين عاطل عن العمل، أو منفي بعيدًا عن أهله وعشيرته، أو في إقامة جبرية، أو مسجون بلا تهمة، ولا محاكمة.

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:00 AM
أسباب الوقوع في الغدر

1- ضعف التربية وفساد البيئة.
2- حب الكفار وموالاتهم.
3- صحبة الذين اشتهروا بالغدر.
4- ضعف الإيمان بالله.
5- عدم التأمل في العواقب الوخيمة للغدر.
6- اللهث وراء الدنيا وملذاتها.

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:02 AM
الوسائل المعينة على ترك الغدر

1- تقوية الإيمان بالله تعالى.
2- البعد عن أصدقاء السوء ومجالسة أهل الصلاح.
3- التأمل في الآثار الوخيمة للغدر على الفرد والمجتمع.
4- تدبر الآيات القرآنية التي حذرت من الغدر، وعدم الوفاء.
5- ترك الطَّمع واللهث وراء الدنيا.
6- مجاهدة النفس، وتربيتها على التحلي بالوفاء والصدق.

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:06 AM
حكم وأمثال في الغدر

- قولهم: قد خلس فلانٌ بما كان عليه.
- قال أبو بكر: معناه: قد غدر به .
- أغدر من غَدِير.
قيل سمي الغدير غديرًا؛ لأنه يغدر بصاحبه، أي يجفُّ بعد قليل، وينضُب ماؤه
- أغدر من كناة الغدر.
وهم بنو سعد بن تميم، وكانوا يسمون الغدر كيسان، قال النمر بن تولب:

إذا كنت في سعد وأمك منهم *** غريبًا فلا يغررك خالك من سعد



إذا ما دعوا كيسان كانت كهولهم *** إلى الغدر أدنى من شبابهم المرد


- أغدر من قيس بن عاصم.
وذلك أن بعض التجار جاوره، فأخذ متاعه، وشرب خمره، وسكر، وجعل يقول:

وتاجر فاجر جاء الإله به *** كأن لحيته أذناب أجمال


وجبى صدقة بني منقر للنبي صلى الله عليه وسلم ثم بلغه موته فقسمها في قومه وقال:

ألا أبلغا عنى قريشا رسالة *** إذا ما أتتهم مهديات الودائع



حبوت بما صدقت في العام منقرًا *** وأيأست منها كل أطلس طامع


- أغدر من عتيبة بن الحارث:
وذلك أن أنيس بن مرة بن مرداس السلمي نزل به في صرم من بني سليم فأخذ أموالها وربط رجالها حتى افتدوا .
- الوفاء من شيم الكرام، والغدر من همم اللئام.
- لا تلبس ثيابك على الغدر .
تقال في الحث على الوفاء ومدحه.
- أسرع غدرة من الذئب .

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:09 AM
من أقوال الحكماء

- قالوا: الغالب بالغدر مغلول، والناكث للعهد ممقوت مخذول .
- وقالوا: لا عذر في الغدر. والعذر يصلح في كلِّ المواطن، ولا عذر لغادر ولا خائن .
- (وفي بعض الكتب المنزَّلة: إنَّ مما تعجَّل عقوبته من الذنوب، ولا يؤخر، الإحسان يُكفر، والذِّمة تُخفر ) .
- من عاشر الناس بالمكر كافؤوه بالغدر .
- وقالوا: الغدر ضامن العثرة، قاطع ليد النُّصرة .
- كان يقال:لم يغدر غادر قط إلا لصغر همته عن الوفاء، واتضاع قدره عن احتمال المكاره في جنب نيل المكارم .
- (وقال أعرابي: إنَّ الناس يأكلون أماناتهم لقمًا، وفلان يحسوها حسوًا.
- ويقال: فلان أغدر من الذئب.
قال الشاعر:
هو الذئب أو للذِّئب أوفى أمانة
- وقيل: الذئب يأدو الغزال. أي يختله .
- واستبطأ عبيد الله بن يحيى أبا العيناء فقال: أنا والله ببابك أكثر من الغدر في آل خاقان.
- وقال الخبزارزي:

ولِم تتعاطى ما تعودت ضدَّه *** إذا كنت خوَّانًا فلم تدَّعي الوفا


- وقال الباذاني في أبي دلف وكان نقش خاتمه الوفاء:

الغدر أكثر فعله *** وكتاب خاتمه الوفا

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:13 AM
حكايات عن الغدر

- قيل: أغار خيثمة بن مالك الجعفي على حيِّ من بني القين، فاستاق منهم إبلًا، فلحقوه ليستنقذوها منه، فلم يطمعوا فيه، ثم ذكروا يدًا كانت لبعضهم عنده، فخلَّى عما كان في يده، وولَّى منصرفًا، فنادوه وقالوا: إنَّ المفازة أمامك، ولا ماء معك، وقد فعلت جميلًا، فانزل ولك الذِّمام، والحباء، فنزل فلما اطمأنًّ وسكن، واستمكنوا منه غدروا به ف***وه، ففي ذلك تقول عمرة ابنته:

غدرتم بمن لو كان ساعة غدركم *** بكفيه مفتوق الغرارين قاضب



أذادكم عنه بضرب كأنَّه *** سهام المنايا كلَّهن صوائب


- وتلاحى بنو مقرون بن عمرو بن محارب، وبنو جهم بن مرَّة بن محارب، على ماء لهم، فغلبتهم بنو مقرون فظهرت عليهم، وكان في بني جهم شيخ له تجربة وسنٌّ، فلما رأى ظهورهم، قال: يا بنى مقرون، نحن بنو أب واحد، فلِمَ نتفانى؟ هلمُّوا إلى الصلح، ولكم عهد الله تعالى وميثاقه وذمَّة آبائنا، أن لا نهيجكم أبدًا، ولا نزاحمكم في هذا الماء. فأجابتهم بنو مقرون إلى ذلك، فلما اطمأَنوا ووضعوا السلاح عدا عليهم بنو جهم، فنالوا منهم منالًا عظيمًا، و***وا جماعةً من أشرافهم، ففي ذلك يقول أبو ظفر الحارثي:

هلَّا غدرتم بمقرون وأسرته *** والبيض مصلته والحرب تستعر



لما اطمأنوا وشاموا في سيوفهم *** ثرتم إليهم وعرَّ الغدر مشتهر



غدرتموهم بأيمان مؤكدة *** والورد من بعده للغادر الصَّدر



- وغدرت ابنة الضَّيزن بن معاوية بأبيها صاحب الحصن، ودلَّت سابور على طريق فتحه، ففتحه و*** أباها وتزوَّجها، ثم ***ها .
- وممن اشتهر بالغدر عمرو بن جرموز: غدر بالزُّبير بن العوَّام، و***ه بوادي السباع .
نار الغدر:
كانت العرب إذا غدر الرجل بجاره، أوقدوا له نارًا بمنى، أيام الحج على الأخشب (وهو الجبل المطلُّ على منى). ثم صاحوا: هذه غدرة فلان.
قالت امرأة من هاشم:

فإن نهلك فلم نعرف عقوقًا *** ولم توقد لنا بالغدر نار

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:16 AM
غدر اليهود بالمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

إن المتأمل لتاريخ اليهود، والمتتبع للأحداث التاريخية، يجد أنَّ الغدر من أبرز الصفات التي اتصفت بها الأمة اليهودية، فقد اشتهروا بالغدر والخيانة لكل من يخالفهم.
والقرآن الكريم قد بيَّن لنا حقيقة هذه الأمة، وسرد لنا الأحداث التي تبين تجذُّر هذه الصفة القبيحة فيهم.
وقد سجل التاريخ طرفًا من غدر اليهود عبر تاريخهم المظلم المليء بالصفحات السوداء، منذ فجر الإسلام، ومن تلك المواقف:
بعدما أبرمت وثيقة بين الرسول واليهود بعد الهجرة، وتقوت دولة الإسلام وتجذَّرت، بدأ اليهود يتحيَّنون الفرص للغدر بالمسلمين، فكان أوَّل من غدر منهم بنو قينقاع عندما اعتدوا على حجاب امرأة مسلمة في سوقهم وكشفوا عن عورتها، وعندها حاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيش من المسلمين حتى أجلاهم عن المدينة، وأبعدهم إلى بلاد الشام جزاء غدرهم وخيانتهم للعهد .
ثم تلاهم في الغدر بنو النضير، عندما دبروا مؤامرة لاغتيال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في دورهم، يكلمهم ويتحدث إليهم، فدبروا خطة لإلقاء صخرة عليه من أعلى السطح، فكشف الله له أمرهم، فحاصرهم بجيش من المسلمين، حتى تم إجلاؤهم إلى بلاد الشام كذلك .
وأخيرًا كان الغدر الأكبر من بني قريظة يوم الأحزاب، حيث تجمع على المسلمين سائر طوائف الشرك من القبائل العربية، فلما رأى اليهود الضيق والحرج قد استبدَّ بالمسلمين اهتبلوها فرصة، وأعلنوا نقض العهد والالتحام مع المشركين، وكشف الله مكرهم، ثم بعد أن انهزم الأحزاب تفرغ لهم رسول الله صلى الله علي وسلم وأدب بهم من خلفهم، وكانت نهايتهم أن *** مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وأموالهم .

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:18 AM
غدر النصارى بالمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

كان أول غدر أحدثه النصارى تجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما ***وا رسوله الحارث بن عمير الأزدي، الذي أرسله إلى عامل بصرى الشام من قبل الروم، واسمه شرحبيل بن عمر الغساني؛ ليدعوه إلى الإسلام، فما كان من شرحبيل إلا أن *** مبعوث النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وكان من عادة الدول تأمين الرسل بينهم، وكانت هذه الحادثة سببًا لغزوة مؤتة .

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:19 AM
غدر المشركين بالمسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم

إن مواقف المشركين من الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وغدرهم بهم من الكثرة ما لا يدخل تحت حصر، وهي من الشهرة بما لا يحتاج معها إلى تدليل وإثبات، ولعل أبرز مواقفهم نقض قريش لصلح الحديبية، الذي وقعته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام السادس للهجرة، ورضي فيه المسلمون بالشروط المجحفة احترامًا للحرم وقدسيته، معتبرين هذا الصلح هو أوَّل اعتراف رسمي من قريش، بوجود كيان للمسلمين ودولة لها مقوماتها وقراراتها الخاصة، ثم لم تلبث قريش أن نقضت هذا العهد وغدرت بأحلاف رسول الله الخزاعيين، مما كان سببًا لتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا من المسلمين، يفتح مكة المكرمة بعد ذلك.

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:30 AM
ذم الغدر في واحة الشعر

قال حسَّان، يهجو الحارثَ بن عوفٍ المرِّيَّ من غطفان:

إنْ تغدِروا فالغَدرُ منكم شيمةٌ *** والغَدْرُ يَنبت في أصولِ السخبرِ


وقال أبو حنبل الطَّائي:

قد آلَيتُ أغدرُ في جداعٍ *** وإِن مُنِّيت أُمَّاتِ الرباعِ



لأنَّ الغدرَ فِي الأقوامِ عارٌ *** وإِنَّ الحرَّ يجزأُ بالكُراعِ


وقال أبو فراس بن حمدان:

تناساني الأصحابُ إلا عُصيبَةً *** ستلحقُ بالأخرى غدًا وتحولُ



فمن قبلُ كان الغدرُ في الناس سُبَّهً *** وذمَّ زمانٍ واستلامَ خليل


وقال سعيد بن حميد:

جعلتُ لأهلِ الودِّ ألا أريبَهم *** بغدرٍ، وإن مالوا إلى جانبِ الغدرِ



وأن أجزي الودَّ الجميلَ بمثلِه *** وأقبلُ عذرًا جاء من جهةِ العذرِ


وقال عتبة بن عتيبة بن الحارث بن شهاب صياد الفوارس:

غدرتم غدرةً وغدرتُ أخرى *** فليس إلى توافينا سبيلُ


وقال عارف الطائي:

أذلُّ لوطءِ الناسِ مِن خشبِ الجسرِ *** إذا استحقبَتْها العيسُ جاءتْ من البعدِ



أيوعدني والرمحُ بيني وبينه *** تبينُ رويدًا ما أُمامةُ مِن هندِ



ومن أَجَأٍ حولي رعانٌ كأنها *** قنابلُ خيلٍ من كميتٍ ومن وردِ



غدرتَ بأمرٍ كنت أنت اجتذبتنا *** إليه وبئس الشيمةُ الغدرُ بالعهدِ


وقال حسان يهجو هذيلًا فيما صنعوا بخبيب بن عدي:

أبلغْ بني عمرٍو بأنَّ أخاهم *** شراه أمرٌ وقد كان للغدرِ لازما



شراه زهيرُ بنُ الأغرِّ وجامع *** وكانا جميعًا يركبان المحارما



أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم *** وكنتم بأكنافِ الرجيعِ لهاذما



فليت خبيبًا لم تخنه أمانةٌ *** وليت خبيبًا كان بالقومِ عالما


وقال ثابت قطنة:

لا تحسبنَّ الغدرَ حزمًا فربما *** ترقَّتْ به الأقدامُ يومًا فزلتِ


وقال آخر:

فكم فيهم من واعدٍ غيرِ منجزٍ *** وكم فيهم من قائلٍ غيرِ صادقِ



وفاءٌ كأنبوبِ اليراعِ لصاحبٍ *** وغدرٌ كأطرافِ الرِّماحِ الدَّوالقِ


وقال حاتم الطائي:

فأقسمت لا أمشي إلى سرِّ جارةٍ *** يد الدَّهر مادام الحمامُ يغرِّدُ



ولا أشتري مالًا بغدرٍ علمتُه *** ألا كلُّ مالٍ خالط الغدرَ أنكدُ

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:32 AM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg
الغش

معنى الغش لغةً واصطلاحًا

معنى الغش لغةً:
الغِشُّ: نقيض النُّصح، وهو مأخوذ من الغشش: المشرب الكدِر، وغشَّه يغشَّه غشًّا من باب ***:لم يمحضه النُّصح، وأظهر له خلاف ما أضمره، وزين له غير المصلحة. والغشُّ: الغلُّ والحقد، ولبن مغشوش مخلوط بالماء، وغَشَّشَه تغشيشًا، مبالغة في الغِشِّ .
معنى الغش اصطلاحًا:
قال صاحب التنبيهات: (الغِشُّ: كتم كل ما لو علمه المبتاع كرهه) .
قال المناوي: (الغشُّ ما يخلط من الرَّديء بالجيِّد) .

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:36 AM
ذم الغش والنهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2460)
أولًا: في القرآن الكريم

- وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا [الحشر: 10].
قال الماوردي: (في الغلِّ وجهان: أحدهما: الغش، قاله مقاتل. الثاني: العداوة، قاله الأعمش) .
وقال الواحدي وذكره البغوي أيضًا : (أي: غشًّا وحسدًا وبغضًا).
- قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].
من الأمانة (أمانة العبد مع الناس، ومن ذلك رد الودائع إلى أربابها وعدم الغش وحفظ السر ونحو ذلك) .
(والأمانة حقٌّ عند المكلف، يتعلَّق به حقُّ غيره، ويُودِعه لأجل أن يوصله إلى ذلك الغير؛ كالمال والعلم، سواء كان المودَع عنده ذلك الحق، قد تَعاقَد مع المودِع على ذلك بعقد قولي خاص صرَّح فيه... أم لم يكن كذلك، فإنَّ ما جرى عليه التعامُل بين الناس في الأمور العامَّة هو بمثابة ما يَتعاقَد عليه الأفراد في الأمور الخاصة) .
- وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ [المائدة: 13].
قال الواحدي: (أي: على خيانة، قال مقاتل: يعني بالخيانة: الغش للنبي صلى الله عليه وسلم) .
- وقال تعالى: تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ [النحل: 92].
قال الواحدي: (الدخل والدغل: الغش والخيانة، قال الزجاج: غشًّا ودغلًا) .
وقال الماوردي: (الدخل: الغل والغش) .
- وقال تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ [الأعراف:43].
قال السمعاني: (الغل: الغِشُّ والحقد) .
قال مقاتل: (يعني ما كان فِي الدُّنْيَا فِي قلوبهم من غش، يعني بعضهم لبعض) .
وقال البغوي: (من غشِّ وعداوةٍ كانت بينهم في الدنيا) .

محمد رافع 52
27-10-2013, 12:39 AM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام، فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا. فقال: ((ما هذا يا صاحب الطَّعام؟ قال: أصابته السَّماء يا رسول الله. قال: أفلا جعلته فوق الطَّعام كي يراه النَّاس؟ من غشَّ فليس منِّي)) .
قال الخطَّابي: (معناه ليس على سيرتنا ومذهبنا، يريد أنَّ من غشَّ أخاه وترك مناصحته، فإنَّه قد ترك اتباعي والتمسك بسنَّتي) .
وقال القاضي عياض: (معناه بيِّن في التحذير من غشِّ المسلمين، لمن قلده الله تعالى شيئًا من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم) .
وقال العظيم آبادي: (والحديث دليلٌ على تحريم الغشِّ، وهو مُجمَع عليه) .
وقال الغزالي: (يدلُّ على تحريم الغش...) .
- وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم من حديث معقل بن يسار رضِي الله عنه: ((ما من عبدٍ يستَرعِيه الله رعيَّة، يموت يوم يموت وهو غاشٌّ لرعيَّته؛ إلا حرَّم الله عليه الجنة)) .
قال النووي: (معناه: بَيِّن في التحذير من غشِّ المسلِمين لِمَن قلَّده الله تعالى شيئًا من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإذا خانَ فيما اؤتُمِن عليه فلم ينصح فيما قلَّده، إمَّا بتضييعه تعريفَهم ما يلزمهم من دينهم، وأخذهم به، وإمَّا بالقِيام بما يتعيَّن عليه، من حفظ شرائعهم، والذبِّ عنها... وقد نبَّه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على أنَّ ذلك من الكبائر الموبقة المبعدة من الجنَّة) .
وقال المناوي: (وأفاد التحذير من غش الرعية لمن قلد شيئًا من أمرهم؛ فإذا لم ينصح فيما قلد، أو أهمل فلم يقم بإقامة الحدود، واستخلاص الحقوق، وحماية البيضة، ومجاهدة العدو، وحفظ الشريعة، ورد المبتدعة والخوارج؛ فهو داخل في هذا الوعيد الشديد المفيد: لكون ذلك من أكبر الكبائر المبعدة عن الجنة، وأفاد بقوله يوم يموت، أن التوبة قبل حالة الموت مفيدة) .
وقال ابن عثيمين: (فيه التحذير من غش الرعيَّة، وأنَّه ما من عبد يسترعيه الله على رعيته ثم يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة، وأنَّه إذا لم يحطهم بنصيحته فإنه لا يدخل معهم الجنَّة) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام، فإن ردها رد معها صاعًا من طعام، لا سمراء)) .
قال ابن عبد البر: (وهذا الحديث أصل في النهي عن الغش، وأصل فيمن دلَّس عليه بعيب، أو وجد عيبًا بما ابتاعه، أنه بالخيار في الاستمساك أو الرد) .
وقال الأمير الصنعاني: (الحديث أصل في النَّهي عن الغش، وفي ثبوت الخيار لمن دلَّس عليه) .

محمد رافع 52
28-10-2013, 12:43 AM
أقوال السلف والعلماء في الغش

- قال ابن عباس رضي الله عنهما: (لا يزال الرَّجل يزداد في صحَّة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشَّه سلبه الله نصحه ورأيه) .
- وقال الراغب: (لا يلتفتنَّ إلى من قال: إذا نصحت الرَّجل فلم يقبل منك فتقرَّب إلى الله بغشِّه، فذلك قول ألقاه الشَّيطان على لسانه، اللهمَّ إلَّا أن يريد بغشِّه السُّكوت عنه، فقد قيل: كثرة النَّصيحة تورث الظَّنَّة، ومعرفة النَّاصح من الغاشِّ صعبة جدًّا، فالإنسان- لمكره- يصعب الاطِّلاع على سرِّه، إذ هو قد يبدي خلاف ما يخفي، وليس كالحيوانات الَّتي يمكن الاطِّلاع على طبائعها) .
- (وكان جرير بن عبد الله إذا قام إلى السلعة يبيعها بصَّر عيوبها ثم خيَّره، وقال: إنْ شئت فخذ، وإنْ شئت فاترك، فقيل له: إنك إذا فعلت مثل هذا لم ينفذ لك بيع، فقال إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم) .
- (وكان واثلة بن الأسقع واقفًا؛ فباع رجل ناقة له بثلاثمائة درهم، فغفل واثلة وقد ذهب الرجل بالناقة؛ فسعى وراءه وجعل يصيح به: يا هذا أشتريتها للحم أو للظهر؟ فقال: بل للظهر، فقال: إن بخفها نقبًا قد رأيته، وإنها لا تتابع السير، فعاد فردها فنقصها البائع مائة درهم، وقال لواثلة: رحمك الله أفسدت عليَّ بيعي، فقال: إنا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم) .
- وقال ابن حجر الهيتمي: (ولهذه القبائح -أي الغش- التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألوانًا. وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أن أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة، وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتحايلات الباطلة على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يراقبون الله المطَّلِع عليهم) .
- وكان بعضهم يقول: (لا أشتري الويل من الله بحبة؛ فكان إذا أخذ نقص نصف حبة، وإذا أعطى زاد حبة، وكان يقول: ويل لمن باع بحبة جنة عرضها السموات والأرض، وما أخسر من باع طوبى بويل) .
- وقال المنصور: (لا تنفِّروا أطراف النعم بقلة الشكر، فتحلَّ بكم النقمة، ولا تُسرُّوا غشَّ الأئمة فإنَّ أحدًا لا يُسِرُّ منكرًا إلَّا ظهر في فلتات لسانه، وصفحات وجهه، وطوالع نظره) .
- وباع ابن سيرين شاة فقال للمشتري: (أبرأ إليك من عيب فيها، أنها تقلِّب العلف برجلها) .

محمد رافع 52
28-10-2013, 12:45 AM
آثار الغش

1- براءة النبي صلى الله عليه وسلم من مرتكب جريمة الغش.
2- الغاش بعيد عن الناس بعيد عن الله.
3- الغاش قليل التحصيل، دنيء الهمة.
4- الغاش متهاون بنظر الله إليه.
5- الغاش مرتكب كبيرة من الكبائر المحرمة.
6- الغاش ممحوق البركة.
7- الغش خيانة للأمانة التي كلف الإنسان بحملها.
8- الغش دليل ضعف الإيمان.
9- الغش سبب من أسباب الفرقة بين المسلمين.
10- الغش طريق موصل للنار.
11- الغش فيه أكل أموال الناس بالباطل.
12- الغش من أسباب عدم إجابة الدعاء، لأن صاحبه يأكل المال الحرام.
13- الغش يخرج أجيال فاشلة غير قادرة على تحمل المسئولية.
14- الغش يولد ضعف الثقة بين أفراد المجتمع.

محمد رافع 52
28-10-2013, 12:48 AM
حكم الغش

لا شك أن الغش حرام، وبعض العلماء مثل الذهبي عدُّوه كبيرة من كبائر الذنوب .
قال ابن حجر الهيتمي: (... فذلك أعني ما حكي من صور ذلك الغش التي يفعلها التجار، والعطَّارون، والبزَّازون، والصوَّاغون، والصَّيارفة، والحيَّاكون، وسائر أرباب البضائع، والمتاجر، والحرف، والصنائع، كله حرام شديد التحريم، موجب لصاحبه أنه فاسق غشاش، خائن يأكل أموال الناس بالباطل، ويخادع الله ورسوله وما يخادع إلا نفسه، لأن عقاب ذلك ليس إلا عليه) .
وقال الغزالي: (والغش حرام في البيوع والصنائع جميعًا، ولا ينبغي أن يتهاون الصانع بعمله على وجه لو عامله به غيره لما ارتضاه لنفسه، بل ينبغي أن يحسن الصنعة، ويحكمها ثم يبيِّن عيبها إن كان فيها عيب، فبذلك يتخلص) .
وقال ابن باز: (الغش في جميع المواد حرام ومنكر؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)) .
وهذا لفظ عام، يعم الغشَّ في المعاملات، وفي النصيحة، والمشورة، وفي العلم، بجميع مواده الدينية والدنيوية، ولا يجوز للطالب ولا للمدرس فعل ذلك، ولا التساهل فيه، ولا التغاضي عنه؛ لعموم الحديث المذكور، وما جاء في معناه، ولما يترتب على الغش من المفاسد والأضرار والعواقب الوخيمة.) .
وقال ابن عثيمين: (ويجتنب الغش في جميع المعاملات، من بيعٍ، وإجارةٍ وصناعةٍ، ورهنٍ، وغيرها، وفي جميع المناصحات والمشورات؛ فإنَّ الغش من كبائر الذنوب، وقد تبرأ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من فاعله فقال صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((من غشَّنا فليس منا))، وفي لفظ: ((من غشَّ فليس مني))، والغش: خديعة، وخيانة، وضياع للأمانة، وفقد للثقة بين الناس، وكل كسب من الغش فإنه كسب خبيث حرام، لا يزيد صاحبَه إلا بعدًا من الله) .

محمد رافع 52
28-10-2013, 12:54 AM
أنواع الغش وصوره

1- الغش في البيع والشراء وغيرها من المعاملات المالية:
كأن يَحصُل الشخص على المال بطرق محرمة، إمَّا عن طريق الكذب، أو كتمان عيب السلعة، أو البخس في ثمنها، أو التطفيف في وزنها، أو خلط الجيِّد بالرديء، وغيرها من الطرق المحرمة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللًا فقال: ((ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني)).
قال ابن حجر الهيتمي مبينًا هذا النوع من الغش في البيع والشراء: (الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع، أو مشتر فيها شيئًا، لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل) .
وما أكثر (ضروب الغشِّ والاحتيال، كما يقع من السماسرة من التَّلبيس والتَّدليس، فيزيِّنون للناس السلع الرديئة، والبضائع المزجاة، ويورطونهم في شرائها، ويوهمونهم ما لا حقيقة له، بحيث لو عرفوا الخفايا ما باعوا وما اشتروا) .
وقال ابن تيمية: (والغش يدخل في البيوع بكتمان العيوب، وتدليس السلع، مثل أن يكون ظاهر المبيع خيرًا من باطنه، كالذي مرَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر عليه. ويدخل في الصناعات مثل الذين يصنعون المطعومات من الخبز، والطبخ، والعدس، والشواء وغير ذلك، أو يصنعون الملبوسات كالنسَّاجين، والخيَّاطين، ونحوهم، أو يصنعون غير ذلك من الصناعات، فيجب نهيهم عن الغش والخيانة والكتمان) .
2- غش الرَّاعي للرَّعيَّة، وغش الرَّعيَّة للرَّاعي:
فغش الرعية للراعي يكون بمدحه وإطرائه بما ليس فيه؛ كأن يذكروا له أعمالًا وإنجازات لم يعملها، أو بعدم نصحه إذا رأوا منه منكرًا، وغير ذلك.
وأما غش الراعي للرعية:
ويقصد بالراعي: الرؤساء، والحكام، والمدراء، والرجل في أهله، وغيرهم ممن لهم الرعاية على الناس، ويكون الغش بظلمهم، وعدم النصح لهم.
فعن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرَّم الله عليه الجنة)).
قال ابن القيم: (وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوَّت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء) .
وقال ابن عثيمين: (السبب التاسع من الأسباب التي يستحق فاعلها دخول النار دون الخلود فيها: الغش للرعية، وعدم النصح لهم، بحيث يتصرف تصرفًا ليس في مصلحتهم، ولا مصلحة العمل، لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه قال: سمعت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ((ما من عبد يسترعيه الله على رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة))، وهذا يعم رعاية الرجل في أهله، والسلطان في سلطانه، وغيرهم لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلكم راع ومسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته)) ) .
3- الغش في القول:
وذلك عند إدلاء الشاهد بالشهادة، فيشهد بشهادة فيها زور وبهتان وكذب، ونحو ذلك.
4- الغش في النصيحة:
ويكون الغش في النصيحة، بعدم الصدق، والإخلاص فيها، وهذا من علامات المنافقين.
فعن جرير بن عبد الله، قال: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم)) .
وعن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم)) .
5- الغش في تعلُّم العلم:
كأن يغش في الامتحانات ويحصل على شهادة لا يستحقها، وقد يتبوأ بها منصبًا، وهو ليس أهلًا لذلك المنصب، وبهذا الغش يخرج جيل جاهل، غير مؤهل لقيادة الأمة.
وقد تكلم بعض العلماء عن هذا الجانب من الغش؛ نذكر من ذلك:
سؤال قدم للجنة الدائمة للإفتاء؛ مفاده: ما حكم من يغش في امتحانات الدراسة كمواد الكيمياء والطبيعة؟
فكان رد اللجنة ما يلي: الغش حرام في امتحانات الدراسة أو غيرها، وفاعله مرتكب كبيرة من كبائر الذنوب؛ لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من غشنا فليس منا)). ولا فرق في ذلك بين كون المواد الدراسية دينية أو غير دينية .
وقال ابن باز: (الغش محرَّم في الاختِبارات، كما أنَّه محرَّم في المعاملات، فليس لأحدٍ أن يغشَّ في الاختِبارات في أيَّة مادَّة، وإذا رضي الأستاذ بذلك فهو شريكُه في الإثم والخيانة) .
وقُدم له سؤال مفاده: ما قولُكم فيمَن يقول: إنَّ الغشَّ حرام فقط إذا كان في المواد والعلوم الشرعيَّة، ويكون مباحًا إذا كان في غيرها؛ كاللغة الإنجليزية، أو التاريخ، أو الرياضيات، أو الهندسة، أو نحوها؟
فقال: (الغش في جميع المواد حرام ومنكر؛ لعموم قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن غشنا فليس مِنَّا))، وهذا لفظ عام، يعمُّ الغش في المعاملات، وفي النصيحة والمشورة، وفي العلم بجميع مواده؛ الدينية والدنيوية، ولا يجوز للطالب ولا للمدرِّس فعل ذلك، ولا التساهُل فيه، ولا التغاضِي عنه؛ لعموم الحديث المذكور وما جاء في معناه، ولما يترتَّب على الغشِّ من المفاسِد والأضرار والعَواقِب الوخيمة) .
وقال ابن عثيمين: (وإنَّ مما يؤسف له أن بعض الطلاب يستأجرون من يعد لهم بحوثًا، أو رسائل يحصلون على شهادات علمية، أو من يحقق بعض الكتب، فيقول لشخص حضِّر لي تراجم هؤلاء، وراجع البحث الفلاني، ثم يقدمه رسالة ينال بها درجة يستوجب بها أن يكون في عداد المعلمين أو ما أشبه ذلك، فهذا في الحقيقة مخالف لمقصود الجامعة، ومخالف للواقع، وأرى أنَّه نوع من الخيانة؛ لأنه لابد أن يكون المقصود من الرسالة هو الدراسة والعلم قبل كل شيء، فإذا كان المقصود من ذلك الشهادة فقط، فإنه لو سئل بعد أيام عن الموضوع الذي حصل على الشهادة فيه لم يجب؛ لهذا أحذر إخواني الذي يحققون الكتب، أو الذين يحضِّرون رسائل على هذا النحو، من العاقبة الوخيمة...) .
وسئل فضيلته أيضًا: ما نصائحكم للطلبة في أيام الامتحانات والإجازات؟
فأجاب بقوله: (نصيحتي للطلبة في أيام الامتحانات، وفي غير أيام الامتحانات وفي الإجازة: أن يتقوا الله عزَّ وجلَّ، وأن يخلصوا له النية في طلب العلم، وأن يؤدوا الأمانة في الامتحانات بحيث لا يحاول أحد منهم الغش، لا لنفسه ولا لغيره؛ لأنه مؤتمن، ولأن من نجح بالغش فليس بناجح في الحقيقة، ثم إنه يترتب على غشه أنه سينال بشهادته مرتبة لا تحل إلا بالشهادة الحقيقة المبنيَّة على الصدق، والإنسان إذا لم ينجح إلا بالغش، فإنه لم ينجح في الحقيقة، ثم إنَّه سوف يكون فاشلًا ليتولى منصبًا يتولاه من حصل على الشهادة التي غش فيها، إذ أنَّه ليس عنده علم، فيبقي فاشلًا في أداء مهمته، ولا فرق في ذلك بين مادَّة وأخرى، فجميع المواد لا يجوز فيها الغش، وما اشتهر عند بعضهم بأنَّه يجوز الغش في بعض المواد فإنه لا وجه له) .
6- عدم الوفاء بالعقود:
كالعقود التي تعمل في الإنشاءات والمقاولات، وغيرها من المعاملات التي أبرمت فيها العقود، فعدم الوفاء بها يعتبر من الغش المحرم، والله سبحانه يأمر بالوفاء وعدم الغش حيث يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1].
7- ومن صور الغش أيضًا: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم الإنكار على الأصحاب والأقارب محاباة لهم ومداهنة.
فحق هؤلاء على المسلم أن ينصحهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، فإن لم يفعل فقد غشهم.

محمد رافع 52
28-10-2013, 12:56 AM
الأسباب المؤدية إلى الغش

هناك أسباب كثيرة تحمل الإنسان أن يغش ومن هذه الأسباب:
1- ضعف الإيمان بالله، وقلة الخوف منه.
2- جهل الفرد بحرمة الغش، وأنه من الكبائر.
3- عدم الإخلاص لله في العمل.
4- شدة الحرص، وطلب الأموال من أي طريق كان.
5- عدم تطبيق الأحكام لمعاقبة مرتكبي جريمة الغش.
6- الرفقة السيِّئة.
7- التربية السيئة، والتي تتنافى مع الأخلاق والآداب الإسلامية.
8- انعدام القناعة بما قسم الله له.
9- عدم تذكر الموت والدار الآخرة.

محمد رافع 52
28-10-2013, 12:58 AM
الأسباب المعينة على ترك الغش

1- الابتهال والتضرع إلى الله بالدعاء بأن يغنيه الله بحلاله عن حرامه.
2- إخلاص العمل لله جل وعلا.
3- تفعيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4- تربية الفرد تربية سليمة قائمة على الالتزام بأحكام الشرع وآدابه.
5- تقوية الثقة بالله، واستشعار مراقبته.
6- زيارة القبور وتذكر الموت واليوم الآخر.
7- الصبر في تحصيل الرزق الحلال بالوسائل المباحة.
8- القناعة بما رزق.
9- مجالسة الرفقة الصالحة.
10- معاقبة مرتكبي الغش لردعهم عن ذلك.
11- العلم بحكم الغش وبيان صوره للناس.
12- النظر للعواقب الوخيمة للغش في الدنيا والآخرة.

محمد رافع 52
28-10-2013, 01:01 AM
موقف تربوي

عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن جده أسلم، قال: بينا أنا مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يعس المدينة إذ عيي ، فاتكأ إلى جانب جدار في جوف الليل، فإذا امرأة تقول لابنتها: يا ابنتاه، قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء. فقالت لها: يا أمَّاه! أو ما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم؟ قالت: وما كان من عزمته يا بنية؟ قالت: إنه أمر مناديه فنادى أن لا يشاب اللبن بالماء. فقالت لها: يا بنية! قومي إلى ذلك اللبن فامذقيه بالماء، فإنَّك بموضع لا يراك عمر ولا منادي عمر. فقالت الصبية لأمها: يا أمتاه! والله ما كنت لأطيعه في الملأ وأعصيه في الخلاء .

محمد رافع 52
28-10-2013, 01:02 AM
مترادفات الغش
من مترادفات الغش: الغُلُول، والخيانة، والمداهنة،
والدغل، والتمويه، والمخرقة، والإدهان .

محمد رافع 52
28-10-2013, 01:11 AM
ذم الغش في واحة الشعر

قال ابن زنجي البغدادي:

فكم مِن عدوٍّ معلنٍ لك نصحَه *** علانيةً والغشُّ تحت الأضالعِ



وكم مِن صديقٍ مرشدٍ قد عصيتَه *** فكنتَ له في الرشدِ غيرِ مطاوعِ



وما الأمرُ إلا بالعواقبِ إنها *** سيبدو عليها كلُّ سرٍّ وذائعِ


وقال آخر:

وذو الغشِّ مرهوبٌ وذو النصحِ آمنٌ *** وذو الطيشِ مدحوضٌ وذو الحقِّ يفلجُ



وذو الصدقِ لا يرتابُ والعدلُ قائمٌ *** على طرقاتِ الحقِّ والغبنُ أعوجُ


وقال آخر:

يا بائعًا بالغشِّ أنت مُعَرَّضٌ *** لدعوةِ مظلومٍ إلى سامعِ الشكوَى



فكلْ مِن حلالٍ وارتدعْ عن محرَّمٍ *** فلست على نارِ الجحيمِ غدًا تقوَى


قال أوس بن حجر:

مخلَّفون، ويقضي الناسُ أمرَهمُ *** غشُّ الأمانةِ صنبورٌ لصنبورِ


وقال آخر:

أيا رُبَّ من تغتشُّه لك ناصحٌ *** ومنتصحٌ بالغيبِ غيرُ أمينِ


وقال منصور بْن مُحَمَّد الكريزي:

وصاحبٍ غيرِ مأمونٍ غوائلُه *** يُبدي لي النصحَ منه وهو مشتملُ



على خلافِ الذي يبدي ويظهرُه *** وقد أحطتُ بعلمي أنَّه دغِلُ



عفوتُ عنه انتظارًا أن يثوبَ له *** عقلٌ إليه مِن الزلاتِ ينتقلُ



دهرًا فلما بدا لي أنَّ شيمتَه *** غشٌّ وليس له عَن ذاك منتقَلُ



تركته تركَ قَالٍ لا رجوعَ له *** إلى مودَّتِه ما حنَّتِ الإبلُ


وقال عقيل بن هاشم القيني:

يا آلَ عمرٍو أميتوا الضغنَ بينكم *** إنَّ الضغائنَ كسرٌ ليس ينجبرُ



قد كان في آلِ مروان لكم عبرٌ *** إذ هم ملوكٌ وإذ ما مثلُهم بشرُ



تحاسدوا بينهم بالغشِّ فاختُرِموا *** فما تحسُّ لهم عينٌ ولا أثرُ


وقال آخر:

كذاك مَن يستنصحُ الأعادي *** يردونه بالغشِّ والفسادِ


وقال آخر:

قل للذي لستُ أدري مِن تلوُّنِه *** أناصحٌ أم على غشٍّ يداجيني



إني لأكثرُ مما سُمْتَني عجبًا *** يدٌ تشجُّ وأخرى منك تأسوني



تغتابني عند أقوامٍ وتمدحُني *** في آخرين وكلٌّ عنك يأتيني



هذان أمران شتى بون بينهما *** فاكففْ لسانَك عن ذمِّي وتزييني


وقال ابن الرومي:

غَشَّ مَن أخَّر النصيحةَ عمدًا *** عن إمامٍ عليه جلُّ اعتمادِه



ليس يُوهي أخاك شدُّك إيا *** ه به بل يزيدُه في اشتدادِه
https://encrypted-tbn3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h

محمد رافع 52
28-10-2013, 01:22 AM
الغَضَب
معنى الغَضَب لغةً واصطلاحًا

معنى الغَضَب لغةً:
الغَضَب: بالتَّحْرِيكِ، ضدُّ الرِّضَا. والغَضْبة: الصَّخرة الصلبة. قالوا: ومنه اشتُقَّ الغَضَب؛ لأنَّه اشتدادُ السُّخط. يقال: غَضِب يَغْضَبُ غَضَبًا، وهو غضبان وغَضُوب .
معنى الغَضَب اصطلاحًا:
الغَضَبُ: هو ثورَانُ دم القلب لقصد الانتقام .
وقال الجرجاني: (الغَضَبُ: تغير يحصل عند غليان دم القلب، ليحصل عنه التشفي للصَّدر) .
وقيل: (هو غليانُ دم القلب، طلبًا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلبًا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه) .

محمد رافع 52
28-10-2013, 01:24 AM
الفرق بين الغَضَب وبعض الصفات

- الفرق بين الغَضَب والسخط:
(أنَّ الغَضَب يكون من الصغير على الكبير، ومن الكبير على الصغير.
والسخط لا يكون إلا من الكبير على الصغير، يقال: سخط الأمير على الحاجب، ولا يقال: سخط الحاجب على الأمير، ويستعمل الغَضَب فيهما.
والسخط إذا عديته بنفسه فهو خلاف الرضا، يقال: رضيه وسخطه، وإذا عديته بعلى فهو بمعنى الغَضَب، تقول: سخط الله عليه إذا أراد عقابه) .
- الفرق بين الغَضَب والغيظ:
(أنَّ الإنسان يجوز أن يغتاظ من نفسه، ولا يجوز أن يغضب عليها، وذلك أنَّ الغَضَب إرادة الضرر للمغضوب عليه، ولا يجوز أن يريد الإنسان الضرر لنفسه، والغيظ يقرب من باب الغم) .
- الفرق بين الغَضَب والاشتياط:
(أنَّ الاشتياط خفَّة تلحق الإنسان عند الغَضَب، وهو في الغَضَب كالطَّرب في الفرح، وقد يستعمل الطرب في الخفَّة التي تعتري من الحزن، والاشتياط لا يستعمل إلا في الغَضَب، ويجوز أن يقال: الاشتياط سرعة الغَضَب) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:04 PM
النهي عن الغَضَب في السنة النبوية

- عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أوصني قال: ((لا تغضب، فردد مرارًا، قال: لا تغضب)) .
قال الخطابي: (معنى قوله: ((لا تغضب)). اجتنب أسباب الغَضَب، ولا تتعرَّض لما يجلبه) .
وقال ابن التين: (جمع صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا تغضب)). خير الدنيا والآخرة؛ لأنَّ الغَضَب يؤول إلى التقاطع ومنع الرفق، وربما آل إلى أن يؤذي المغضوب عليه، فينتقص ذلك من الدين) .
وقال البيضاوي: (لعله لما رأى أنَّ جميع المفاسد التي تعرض للإنسان إنما هي من شهوته، ومن غضبه، وكانت شهوة السائل مكسورة، فلما سأل عما يحترز به عن القبائح نهاه عن الغَضَب، الذي هو أعظم ضررًا من غيره، وأنَّه إذا ملك نفسه عند حصوله، كان قد قهر أقوى أعدائه) .
- عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تغضب)) .
قال الباجي: (قول السائل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علمني كلمات أعيش بهن. يحتمل أن يريد به أنتفع بها مدة عيشي، ويحتمل أن يريد به -والله أعلم - أستعين بها على عيشي، ولا تُكثر عليَّ فأنسى، ولعله عرف من نفسه قلة الحفظ، فأراد الاختصار الذي يحفظه ولا ينساه، فجمع له النَّبي صلى الله عليه وسلم الخير في لفظ واحد، فقال له: ((لا تغضب))، ومعنى ذلك - والله أعلم - أنَّ الغَضَب يفسد كثيرًا من الدين؛ لأنَّه يؤدي إلى أن يُؤذِي ويُؤذَى، وأن يأتي في وقت غضبه من القول والفعل ما يأثم به، ويُؤثِم غيره، ويؤدي الغَضَب إلى البغضة التي قلنا إنها الحالقة، والغَضَب أيضًا يمنعه كثيرًا من منافع دنياه، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تغضب))، يريد -والله أعلم- لا تُمضِ ما يبعثك عليه غضبك، وامتنع منه، وكفَّ عنه) .
وقال ابن رجب في شرحه للحديث: (فهذا الرَّجلُ طلب مِن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُوصِيه وصيةً وجيزةً، جامعةً لِخصال الخيرِ، ليحفظها عنه خشيةَ أنْ لا يحفظها؛ لكثرتها، فوصَّاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ لا يغضب، ثم ردَّد هذه المسألة عليه مرارًا، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يردِّدُ عليه هذا الجوابَ، فهذا يدلُّ على أنَّ الغَضَب جِماعُ الشرِّ، وأنَّ التحرُّز منه جماعُ الخير) .
- وعن سليمان بن صرد قال: ((استبَّ رجلان عند النَّبي صلى الله عليه وسلم، ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسبُّ صاحبه مغضبًا قد احمرَّ وجهه، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: إنِّي لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقالوا للرَّجل: ألا تسمع ما يقول النَّبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني لست بمجنون)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس الشَّديد بالصُّرَعة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغَضَب)) .
قال ابن بطال: (أراد عليه السلام أن الذي يقوى على ملك نفسه عند الغضب ويردها عنه هو القوى الشديد والنهاية في الشدة لغلبته هواه المردي الذي زينه له الشيطان المغوي، فدل هذا أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبي عليه السلام جعل للذي يمكل نفسه عند الغضب من القوة والشدة ماليس للذي يغلب الناس ويصرعهم) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:06 PM
أقوال السلف والعلماء في الغَضَب

- قال عمرُ بنُ عبد العزيز: (قد أفلحَ مَنْ عُصِمَ من الهوى، والغَضَب، والطمع) .
- وقال الحسن: (أربعٌ، من كُنَّ فيه عصمه الله من الشيطان، وحرَّمه على النار: مَنْ ملك نفسَه عندَ الرغبة، والرهبة، والشهوةِ، والغَضَب) .
- (وحكي أن الفضيل بن عياض كان إذا قيل له: إنَّ فلانًا يقع في عرضك، يقول: والله لأغيظنَّ مَن أمره، يعني: إبليس، ثم يقول: اللهم إن كان صادقًا فاغفر لي، وإن كان كاذبًا فاغفر له.
- وقال جعفر بنُ محمد: الغَضَبُ مفتاحُ كلِّ شرٍّ) .
- وقال عبد الملك بن مروان: (إذا لم يغضب الرجل لم يحلم؛ لأن الحليم لا يعرف إلا عند الغَضَب) .
- وقيل لابنِ المبارك: (اجْمَعْ لنا حُسنَ الخلق في كلمة، قال: تركُ الغَضَب) .
- وقال الحسن: (المؤْمن حَليم لا يَجهل وإن جُهل عليه، وتلا قولَ الله عزَّ وجلَّ: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان: 63]) .
- وقال ميمون بن مِهران: (جاء رجلٌ إلى سلمان، فقال: يا أبا عبدِ الله أوصني. قال: لا تغضب، قال: أمرتني أنْ لا أغضب، وإنَّه ليغشاني ما لا أملِكُ، قال: فإنْ غضبتَ، فامْلِكْ لِسانك ويَدَك) http://dorar.net/images/tip.gif .
- وقال عطاءُ بنُ أبي رباح: (ما أبكى العلماءَ بكاء آخرِ العمرِ من غضبة يغضبُها أحدُهُم، فتهدِمُ عملَ خمسين سنة، أو ستين سنة، أو سبعين سنة، وربَّ غضبة قد أقحمت صاحبها مقحمًا ما استقاله) .
- وقال يزيدُ بن أبي حَبيب: (إنما غَضَبي في نَعْليَّ، فإذا سمعت ما أكره أخذتُهما ومَضيت) .
- وقال أبو حاتم: (أحسن الناس عقلًا من لم يحرد ، وأحضر الناس جوابًا من لم يغضب) .
- وقال أيضًا: (الواجب على العاقل إذا ورد عليه شيء بضد ما تهواه نفسه، أن يذكر كثرة عصيانه ربه، وتواتر حلم الله عنه، ثم يسكن غضبه، ولا يزرى بفعله الخروج إلى ما لا يليق بالعقلاء في أحوالهم، ثم تأمَّل وفور الثواب في العقبى، بالاحتمال ونفي الغَضَب) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:08 PM
آثار الغَضَب

لا شكَّ أنَّ الغَضَب له آثار سيئة على نفس الغاضب، في مظهره، وفي لسانه؛ بأن ينطق كل قبيح، وله آثاره السيئة على المجتمع الذي من حوله:
(ومن آثار هذا الغَضَب في الظاهر، تغير اللون، وشدَّة رعدة الأطراف، وخروج الأفعال عن الانتظام، واضطراب الحركة والكلام، حتى يظهر الزَّبد على الأشداق، وتشتد حمرة الأحداق، وتنقلب المناخر، وتستحيل الخلقة، ولو يرى الغَضَبان في حال غضبه صورة نفسه، لسكن غضبه حياءً من قبح صورته، لاستحالة خلقته، وقبح باطنه أعظم من قبح ظاهره، فإنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، إذ قبح ذاك إنما نشأ عن قبح هذا، فتغيُّر الظاهر ثمرة تغير الباطن، هذا أثره في الجسد.
وأما أثره في اللسان؛ فانطلاقه بالقبائح، كالشتم، والفحش، وغيرهما، مما يستحي منه ذَوُو العقول مطلقًا، وقائله عند فتور غضبه على أنَّه لا ينتظم كلامه، بل يتخبَّط نظمه، ويضطرب لفظه.
وأما أثره في الأعضاء، فالضرب فما فوقه إلى ال*** عند التمكن، فإن عجز عن التشفي رجع غضبه عليه، فمزَّق ثوبه، وضرب نفسه وغيره، حتى الحيوان والجماد - بالكسر - وغيره، وعدَا عدو الواله السكران، والمجنون الحيران، وربما سقط وعجز عن الحركة، واعتراه مثل الغشية، لشدة استيلاء الغَضَب عليه.
وأما أثره في القلب، فالحقد على المغضوب عليه، وحسده، وإظهار الشماتة بمساءته، والحزن بسروره، والعزم على إفشاء سره، وهتك ستره، والاستهزاء به، وغير ذلك من القبائح) .
قال الراغب: (واعلم أنَّ نار الغَضَب متى كانت عنيفة، تأجَّجت، واضطرمت، واحتد منه غليان الدم في القلب، وملأت الشَّرايين والدماغ دخانًا مظلمًا مضطرمًا، يسود منه مجال العقل، ويضعف به فعله، فكما أن الكهف الضيق إذا ملئ حريقًا اختنق فيه الدخان، واللهب، وعلا منه الأجيج، فيصعب علاجه وإطفاؤه، ويصير كل ما يدنو منه مادة تقويه - فكذلك النفس، إذا اشتعلت غضبًا عميت عن الرشد، وصمَّت عن الموعظة، فتصير مواعظه مادة لغضبه، ولهذا حكي عن إبليس لعنه الله، أنه يقول: متى أعجزني ابن آدم فلن يعجزني إذا غضب؛ لأنَّه ينقاد لي فيما أبتغيه منه، ويعمل بما أريده وأرتضيه. وقد قيل: الغَضَب جنون ساعة. وربما أفضى إلى تلف باختناق حرارة القلب فيه، وربما كان سببًا لأمراض صعبة مؤدية إلى التلف) .
وقال ابن رجب: (وينشأ من ذلك – أي: من الغَضَب – كثير من الأفعال المحرمة، كال*** والضربِ، وأنواعِ الظلم والعُدوان، وكثير من الأقوال المحرَّمة، كالقذفِ والسبِّ والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، كما جرى لجبلة بن الأيهم ، وكالأيمان التي لا يجوزُ التزامُها شرعًا، وكطلاق الزوجة الذي يُعقِب الندمَ) .
وقال أبو حاتم: (سرعة الغَضَب أنكى في العاقل من النار في يبس العوسج ؛ لأنَّ من غضب زايله عقله، فقال ما سوَّلت له نفسه، وعمل ما شانه وأرداه) .
وقال ابن مسكويه: (فإنَّ صاحب هذا الخلق – خلق الغَضَب - الذي ذممناه تصدر عنه أفعال رديئة كثيرة، يجور فيها على نفسه، ثُمَّ على إخوانه، ثُمَّ على الأقرب فالأقرب من معامليه، حتى ينتهي إلى عبيده، وإلى حرمه، فيكون عليهم سوط عذاب، ولا يقيلهم عثرة، ولا يرحم لهم عبرة، وإن كانوا برآء من الذنوب، غير مجترمين ولا مكتسبين سوءًا، بل يتجرَّم عليهم، ويهيج من أدنى سبب يجد به طريقًا إليهم، حتى يبسط لسانه، ويده، وهم لا يمتنعون منه، ولا يتجاسرون على رده عن أنفسهم، بل يذعنون له، ويقرُّون بذنوب لم يقترفوها استكفافًا لشره، وتسكينًا لغضبه، وهو مع ذلك مستمر على طريقته، لا يكفُّ يدًا ولا لسانًا، وربما تجاوز في هذه المعاملة الناس إلى البهائم التي لا تعقل، وإلى الأواني التي لا تحسُّ. فإن صاحب هذا الخلق الرديء... ربما عض القفل إذا تعسر عليه، وكسر الآنية التي لا يجد فيها طاعة لأمره.
وهذا النوع من رداءة الخلق، مشهور في كثير من الجهَّال، يستعملونه في الثوب، والزجاج، والحديد، وسائر الآلات) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:11 PM
أقسام الغَضَب

ينقسم الغَضَب إلى قسمين: غضب مذموم، وغضب ممدوح.
1- الغَضَب المذموم:
وهو الذي نُهي عنه وذُمَّ في الأحاديث التي وردت وهو خلق سيئ؛ (لأنه يخرج العقل والدين من سياستهما، فلا يبقى للإنسان مع ذلك نظرٌ، ولا فكرٌ، ولا اختيار) .
2- الغَضَب المحمود:
وهو أن يكون لله عزَّ وجلَّ عند ما تنتهك حرماته، والغَضَب على أعدائه؛ من الكفَّار، والمنافقين، والطَّغاة، والمتجبِّرين، وقد ذكر القرآن ذلك للرُّسل الكرام في مواضع عديدة، ووردت أحاديث كثيرة تدل على أن النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يغضب لله عزَّ وجلَّ، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [التوبة:73].
قال الكلاباذي في قوله تعالى حكاية عن موسى: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي [طه: 92 -93]، قال: (فكانت تلك الحدَّة منه، والغَضَب فيه صفة مدح له، لأنَّها كانت لله وفي الله، كما كانت رأفة النَّبي صلى الله عليه وسلم ورحمته في الله ولله، ثم كان يغضب حتى يحمرَّ وجهه، وتذَرَّ عروقه لله وفي الله، وبذلك وصف الله تعالى المؤمنين بقوله: أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، وقال تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ [المائدة: 54]) .
قال الباجي: (وأمَّا فيما يعاد إلى القيام بالحق، فالغَضَب فيه قد يكون واجبًا، وهو الغَضَب على الكفار والمبالغة فيهم بالجهاد، وكذلك الغَضَب على أهل الباطل، وإنكاره عليهم بما يجوز، وقد يكون مندوبًا إليه، وهو الغَضَب على المخطئ، إذا علمت أنَّ في إبداء غضبك عليه ردعًا له، وباعثًا على الحق، وقد روى زيد بن خالد الجهني، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمَّا سأله رجل عن ضالة الإبل... وقال: ما لك ولها. وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لـمَّا شكا إليه رجلٌ معاذَ بن جبل، أنَّه يُطوِّل بهم في الصلاة) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:12 PM
أسباب الغَضَب

من أسباب الغَضَب: (العُجب، والافتخار، والمراء، واللجاج، والمزاح، والتيه، والضيم، والاستهزاء، وطلب ما فيه التنافس، والتحاسد، وشهوة الانتقام) ، (والمضادة، والغدر، وشدة الحرص على فضول المال والجاه، وهذه أخلاق رديئة مذمومة شرعًا) .
(ومن أشد البواعث على الغَضَب عند أكثر الجهال؛ تسميتهم الغَضَب شجاعةً، ورجوليةً، وعزة نفس، وكبر همَّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة، غباوةً وجهلًا، حتى تميل النفس إليه وتستحسنه، وقد يتأكد ذلك بحكاية شدَّة الغَضَب عن الأكابر في معرض المدح بالشَّجَاعَة، والنفوس مائلة إلى التشبه بالأكابر، فيهيج الغَضَب إلى القلب بسببه، وتسمية هذا عزة نفس، وشجاعة، جهلٌ، بل هو مرض قلب، ونقصان عقل، وهو لضعف النفس، ونقصانها) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:16 PM
الأسباب المعينة على ترك الغضب

1- تغيير الحال بالجلوس والاضطجاع:
فعن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)) وقال ابن مفلح: (ويستحب لمن غضب أن يغير حاله، فإن كان جالسًا قام واضجع، وإن كان قائمًا مشى) .
2- الالتزام بوصية النَّبي صلى الله عليه وسلم في عدم الغضب.
فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، دلَّني على عمل يدخلني الجنَّة. قال: لا تغضب)) .
3- ضبط النَّفس عن الاندفاع بعوامل الغَضَب.
4- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:
فعن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: ((كنتُ جالسًا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجلانِ يَستَبَّانِ، فأحدُهما احمَرَّ وجهُه وانتفخَتْ أوداجُه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إني لأَعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ، ذهَب عنه ما يَجِدُ)) .
وقال ابن القيِّم: (ولـمَّا كان الغَضَب والشهوة جمرتين من نار في قلب ابن آدم، أمر أن يطفئهما بالوضوء، والصلاة، والاستعاذة من الشيطان الرجيم، كما قال تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ [البقرة: 44-45] الآية. وهذا إنما يحمل عليه شدة الشهوة، فأمرهم بما يطفئون بها جمرتها، وهو الاستعانة بالصبر والصلاة، وأمر تعالى بالاستعاذة من الشيطان عند نزغاته، ولـمَّا كانت المعاصي كلها تتولد من الغَضَب والشهوة، وكان نهاية قوة الغَضَب ال***، ونهاية قوة الشهوة الزنى، جمع الله تعالى بين ال*** والزنى، وجعلهما قرينين في سورة الأنعام، وسورة الإسراء، وسورة الفرقان، وسورة الممتحنة.
والمقصود: أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شر قُوتَي الغَضَب والشهوة من الصلاة والاستعاذة) .
5- السكوت:
قال ابن رجب عن السكوت: (وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأنَّ الغَضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليهِ في حال زوال غضبه كثيرًا من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُه، فإذا سكت زال هذا الشرُّ كلُّه عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي رحمه الله: ما امتلأتُ غيظًا قَطُّ، ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليه إذا رضيتُ) .
6- (أن يذكر الله عزَّ وجلَّ فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه:
قال الله تعالى: وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: 24] قال عكرمة: يعني إذا غضبت. وقال سبحانه: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ [الأعراف: 200]، ومعنى قوله ينزغنك أي: يغضبنك، فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 36]، يعني أنَّه سميع بجهل من جهل، عليمٌ بما يُذهب عنك الغَضَب...
7- أن يتذكر ما يؤول إليه الغَضَب من الندم ومذمة الانتقام.
8 - أن يذكر انعطاف القلوب عليه، وميل النفوس إليه، فلا يرى إضاعة ذلك بتغير الناس عنه، فيرغب في التألف وجميل الثناء) .
9- (أن يحذر نفسه عاقبة العداوة، والانتقام، وتشمير العدو في هدم أعراضه، والشماتة بمصائبه، فإن الإنسان لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه ذلك في الدنيا إن لم يخف في الآخرة.
10- أن يتفكَّر في قبح صورته عند الغَضَب.
11- أن يتفكَّر في السبب الذي يدعوه إلى الانتقام، مثل أن يكون سبب غضبه أن يقول له الشيطان: إن هذا يحمل منك على العجز، والذلة والمهانة، وصغر النفس، وتصير حقيرًا في أعين الناس، فليقل لنفسه: تأنفين من الاحتمال الآن، ولا تأنفين من خزي يوم القيامة والافتضاح إذا أخذ هذا بيدك وانتقم منك! وتحذرين من أن تصغري في أعين الناس، ولا تحذرين من أن تصغري عند الله تعالى وعند الملائكة والنبيين!
12- أن يعلم أن غضبه إنَّما كان من شيء جرى على وفق مراد الله تعالى، لا على وفق مراده، فكيف يقدم مراده على مراد الله تعالى) .
13- أن يذكر ثواب من كظم غيظه:
قال سبحانه: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134].
(قوله: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم من غيرهم أذية توجب غيظهم -وهو امتلاء قلوبهم من الحنق، الموجب للانتقام بالقول والفعل-، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطباع البشرية، بل يكظمون ما في القلوب من الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) .
وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37].
(أي: قد تخلَّقوا بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم، فصار الحلم لهم سجية، وحسن الخلق لهم طبيعة، حتى إذا أغضبهم أحد بمقاله أو فعاله، كظموا ذلك الغَضَب فلم ينفذوه، بل غفروه، ولم يقابلوا المسيء إلا بالإحسان والعفو والصفح، فترتب على هذا العفو والصفح، من المصالح ودفع المفاسد في أنفسهم وغيرهم شيء كثير) .
وقال ابن كثير في تفسيره للآية: (أي: سجيتهم وخلقهم وطبعهم، تقتضي الصفح والعفو عن الناس، ليس سجيتهم الانتقام من الناس) .
وقال عزَّ وجلَّ: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [الأعراف: 201].
قال سعيد بن جبير: (هو الرجل يغضب الغَضَبة، فيذكر الله تعالى، فيكظم الغيظ) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:20 PM
نماذج من غضب النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما تنتهك حرمات الله

النَّبي صلى الله عليه وسلم ما كان يغضب لنفسه، وما كان ينتصر لها، بل كان غضبه لله وحينما تنتهك حرماته.
وإليكم نماذج من غضب النَّبي صلى الله عليه وسلم عندما تنتهك حرمات الله.
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم، وفي البيت قرام فيه صور، فتلوَّن وجهه، ثم تناول الستر فهتكه، وقالت قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: من أشد النَّاس عذابًا يوم القيامة الذين يصورون هذه الصور)) .
- وعن أبي مسعود رضي الله عنه، قال: ((أتى رجل النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني لأتأخر عن صلاة الغداة من أجل فلان مما يطيل بنا، قال: فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قطُّ أشد غضبًا في موعظة منه يومئذ، قال: فقال يا أيُّها الناس، إنَّ منكم منفِّرين، فأيُّكم ما صلى بالنَّاس فليتجوز فإنَّ فيهم المريض، والكبير، وذا الحاجة)) .
- وعن عبد الله، رضي الله عنه، قال: ((بينا النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة، فحكها بيده، فتغيَّظ ثم قال: إنَّ أحدكم إذا كان في الصلاة فإنَّ الله حيال وجهه، فلا يتنخمنَّ حيال وجهه في الصلاة)) .
- وعن زيد بن خالد الجهني، أنَّ رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن اللقطة فقال: ((عرِّفها سنة، ثُمَّ اعرف وكاءها وعفاصها ، ثُمَّ استنفق بها، فإن جاء ربها فأدها إليه. قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: خذها فإنَّما هي لك، أو لأخيك، أو للذئب. قال: يا رسول الله فضالة الإبل؟ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ، أو احمر وجهه، ثم قال: ما لك ولها، معها حذاؤها ، وسقاؤها ، حتى يلقاها ربها)) .
- وعن زيد بن ثابت، رضي الله عنه، قال: ((احتجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حجيرة مخصفة ، أو حصيرًا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فيها، فتتبع إليه رجال، وجاؤوا يصلون بصلاته، ثم جاؤوا ليلةً فحضروا وأبطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفعوا أصواتهم، وحصبوا الباب، فخرج إليهم مغضبًا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم، فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإنَّ خير صلاة المرء في بيته، إلا الصلاة المكتوبة)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنَّه قال: بينما يهوديٌّ يعرض سلعة له أعطي بها شيئا، كرهه أو لم يرضه، قال: لا: والذي اصطفى موسى عليه السَّلام على البشر، فسمعه رجل من الأنصار فلطم وجهه، قال: تقول: والذي اصطفى موسى عليه السَّلام على البشر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ قال: فذهب اليهوديُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أبا القاسم، إنَّ لي ذمَّةً وعهدًا، وقال: فلان لطم وجهي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:لم لطمت وجهه؟ قال: قال يا رسول الله: والذي اصطفى موسى عليه السَّلام على البشر، وأنت بين أظهرنا؛ قال: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتَّى عُرف الغَضَب في وجهه.
ثمَّ قال: لا تفضِّلوا بين أنبياء الله، فإنَّه ينفخ في الصُّور، فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلَّا من شاء الله، ثمَّ ينفخ فيه أخرى، فأكون أوَّل من بعث، أو في أوَّل من بعث، فإذا موسى عليه السَّلام آخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطُّور، أو بعث قبلي، ولا أقول: إنَّ أحدًا أفضل من يونس بن متَّى عليه السَّلام)) .
- وعن عائشة رضي الله عنها ((أنَّها قالت: رخَّص رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر، فتنزَّه عنه ناس من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم، فغضب حتَّى بان الغَضَب في وجهه، ثمَّ قال: ما بال أقوام يرغبون عمَّا رخِّص لي فيه، فوالله لأنا أعلمهم بالله وأشدَّهم له خشيةً)) .
- وعن أبي قتادة رضي اللّه عنه، أنَّه قال: ((رجل أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف تصوم؟ فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا رأى عمر رضي الله عنه غضبه، قال: رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمَّد نبيًّا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله. فجعل عمر رضي اللّه عنه يردِّد هذا الكلام حتَّى سكن غضبه)) .
- وعن أبي سعيد الخدري قال: ((كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدْرها ، فإذا رأى شيئًا يكرهه، عرفناه في وجهه، ولما بلَّغَه ابنُ مسعودٍ قَولَ القائل: هذه قسمةٌ ما أريد بها وجه الله، شقَّ عليه صلى الله عليه وسلم، وتَغيَّر وجهه، وغَضِبَ، ولم يَزِدْ على أنْ قال: قد أوذِيَ موسى بأكثرَ من هذا فصبر)) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:23 PM
نماذج من أحوال الصحابة عند الغَضَب

عمر رضي الله عنه:
روي أن رجلًا قال لعمر: (إنَّك لا تقضي بالعدل، ولا تعطي الحق، فغضب واحمرَّ وجهه، قيل له: يا أمير المؤمنين، ألم تسمع أنَّ الله يقول: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199] وهذا جاهل، فقال: صدقت، فكأنما كان نارًا فأطفئت) .
معاوية رضي الله عنه:
(خطب معاوية يومًا، فقال له رجل: كذبت. فنزل مغضبًا فدخل منزله، ثم خرج عليهم تقطر لحيته ماءً، فصعد المنبر فقال: أيها الناس، إن الغَضَب من الشيطان، وإن الشيطان من النَّار، فإذا غضب أحدكم فليطفئه بالماء، ثم أخذ في الموضع الذي بلغه من خطبته) .
عبد الله بن عباس رضي الله عنه:
سبَّ رجل ابن عباس رضي الله عنهما، فلمَّا فرغ قال: يا عكرمة، هل للرجل حاجة فنقضيها؟ فنكس الرجل رأسه واستحى .
أبو الدَّرداء رضي الله عنه:
أسمعَ رجلٌ أبا الدرداءَ رضي الله عنه كلامًا، فقال: يا هذا، لا تغرقن في سبِّنا، ودع للصلح موضعًا، فإنَّا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه .
أبو ذر رضي الله عنه:
قال أبو ذر رضي الله عنه لغلامه: (لِمَ أرسلت الشاة على علف الفرس؟ قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعنَّ مع الغيظ أجرًا، أنت حرٌّ لوجه الله تعالى) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:26 PM
نماذج من حال السلف عند الغَضَب

علي بن الحسين:
حُكيَ أنَّ جارية كانت تصبُّ الماء لعلي بن الحسين، فسقط الإبريق من يدها على وجهه فشجَّه، أي: جرحه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: إنَّ الله يقول: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ فقال لها: قد كظمت غيظي. قالت: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ قال لها: قد عفوت عنك. قالت: وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134]، قال: اذهبي فأنت حرَّة لوجه الله.
عمر بن عبد العزيز:
(غضب يومًا عمرُ بن عبد العزيز، فقالَ لهُ ابنُه: عبدُ الملكِ رحمهما الله: أنتَ يا أميرَ المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضَّلك به تغضبُ هذا الغَضَب؟ فقال له: أو ما تغضبُ يا عبدَ الملك؟ فقال عبد الملك: وما يُغني عنِّي سعةُ جوفي إذا لم أُرَدِّدْ فيه) .
(وأسمعه رجل كلامًا، فقال له: أردتَ أن يستفزني الشيطان بعزِّ السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا، انصرف رحمك الله) .
دخل عمر بن عبد العزيز المسجد ليلة في الظلمة، فمرَّ برجل نائم فعثر به، فرفع رأسه وقال: أمجنون أنت؟ فقال عمر: لا. فهمَّ به الحرس، فقال عمر: مه، إنما سألني أمجنون؟ فقلت: لا .
المهدي:
(قيل: غضب المهدي على رجل، فدعا بالسياط، فلمَّا رأى شبيب شدَّة غضبه، وإطراق الناس، فلم يتكلموا بشيء، قال: يا أمير المؤمنين، لا تغضبنَّ لله بأشد مما غضب لنفسه. فقال: خلُّوا سبيله) .
عبد الله بن عون:
(روي عن القعنبي قال: كان ابن عون لا يغضب، فإذا أغضبه رجل قال: بارك الله فيك) .
(وكان لابن عون ناقة، يغزو عليها ويحجُّ، وكان بها مُعجبًا. قال: فأمر غلامًا له أن يستقي عليها، فجاء بها وقد ضربها على وجهها، فسالت عينها على خدها، فقلنا: إن كان من ابن عون شيء فاليوم! قال: فلم يلبث أن نزل، فلما نظر إلى الناقة قال: سبحان الله، أفلا غير الوجه، بارك الله فيك اخرج عني، اشهدوا أنه حرٌّ) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:28 PM
تفاوت الناس في سرعة الغَضَب

إنَّ طبائع الناس تتفاوت في سرعة الغَضَب ورجوعهم عنه، ويمكن تقسيمها إلى أقسام أربعة:
(الأول: بطيء الغَضَب سريع الفيء، أي: سريع الرجوع إلى حالة الهدوء واعتدال المزاج، وهذا خير الأقسام.
الثاني: سريع الغَضَب سريع الفيء، وسرعة الغَضَب خلق مذموم، إلا أنَّ سرعة الفيء فضيلة محمودة، فهذه بهذه.
الثالث: بطيء الغَضَب بطيء الفيء، أما بطء الغَضَب فخلق محمود يدل على الحلم، لكن بطء الفيء خلق مذموم، يدل على الحقد، وعدم التسامح، فهذه بهذه، ويظهر أن هذا القسم معادل للقسم الثاني.
الرابع: سريع الغَضَب بطيء الفيء، وهذا شر الأقسام؛ لأنه جمع الدائيْن معًا، وما اجتمع الداءان إلا لي***ا، فسرعة الغَضَب خلق مذموم، وبطيء الفيء خلق مذموم، ويا بؤس من تلجئه الضرورة إلى معاشرة هذا القسم من الناس) .
قال الراغب: (الغَضَب في الإنسان بمنزلة نار تشعل، والناس يختلفون فيه، فبعضهم كالحلفاء سريع الوقود وسريع الخمود، وبعضهم كالغضى بطيء الوقود بطيء الخمود، وبعضهم سريع الوقود بطيء الخمود، وبعضهم على عكس ذلك، وهو أحمدهم ما لم يكن مفضيًا به إلى زوال حميته وفقدان غيرته، واختلافهم تارة يكون بحسب الأمزجة، فمن كان طبعه حارًّا يابسًا يكثر غضبه، ومن كان بخلافه يقلُّ، وتارة يكون بحسب اختلاف العادة، فمن الناس من تعوَّد السكون والهدوء، وهو المعبر عنه بالذَّلول والهيِّن والليِّن، ومنهم من تعود الطيش والانزعاج، فيحتدُّ بأدنى ما يطرقه، ككلب يسمع صوتًا فينبح قبل أن يعرف ما هو) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:29 PM
غالب من يتَّصف بسرعة الغَضَب

ذكر بعض العلماء أنَّ أغلب من يتصف بسرعة الغَضَب هم النساء، والصبيان، والشَّرِه، والبخيل، وضعيف النفس من الرجال...
قال الراغب: (أسرع الناس غضبًا الصبيان، والنساء، وأكثرهم ضجرًا الشيوخ..) .
وقال ابن مسكويه: (ونحن نجدها في النساء – أي صفة الغَضَب - أكثر منها في الرجال، وفي المرضى أقوى منها في الأصحَّاء، ونجد الصبيان أسرع غضبًا وضجرًا من الرجال، والشيوخ أكثر من الشبان. ونجد رذيلة الشَّره. فإنَّ الشَّرِه إذا تعذر عليه ما يشتهيه غضب، وشاجر على من يهيئ طعامه، وشرابه، من نسائه، وأولاده، وخدمه، وسائر من يلابس أمره. والبخيل إذا فقد شيئًا من ماله، تسرَّع بالغَضَب على أصدقائه، ومخالطيه، وتوجَّهت تهمته إلى أهل الثِّقة، من خدمه، ومواليه. وهؤلاء الطبقة لا يحصلون من أخلاقهم إلا على فقد الصديق، وعدم النصيح، وعلى الذمِّ السريع، واللوم الوجيع) .
قال الغزالي: (وتسمية هذا – أي: الغَضَب - عزَّةُ نفس وشجاعة، جهل، بل هو مرض قلب ونقصان عقل، وهو لضعف النفس ونقصانها، وآية أنَّه لضعف النفس؛ أنَّ المريض أسرع غضبًا من الصحيح، والمرأة أسرع غضبًا من الرجل، والصبي أسرع غضبًا من الرجل الكبير، والشيخ الضعيف أسرع غضبًا من الكهل، وذو الخلق السيئ والرذائل القبيحة، أسرع غضبًا من صاحب الفضائل، فالرَّذِل يغضب لشهوته إذا فاتته اللقمة، ولبخله إذا فاتته الحبة، حتى أنَّه يغضب على أهله، وولده، وأصحابه، بل القويُّ، من يملك نفسه عند الغَضَب كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم...) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:32 PM
الألفاظ المترادفة للفظة غَضِب
من الألفاظ المترادفة للفظة غضب: (حرد، وتلظَّى، واغتاظ، وترغم، واستشاط، وتضرَّم، وحنق، وأسف، ونقم، وسخط، ووجد، وأحفظ، وأضمر) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:36 PM
ذم الغَضَب في واحة الشعر

قال الشاعر:

ولم أرَ فضلًا تمَّ إلا بشيمةٍ *** ولم أرَ عقلًا صحَّ إلا على الأدبِ



ولم أرَ في الأعداءِ حين اختبرتهم *** عدوًّا لعقلِ المرءِ أعدَى مِن الغَضَبِ


قال الشاعر:

لم يأكلِ الناسُ شيئًا مِن مآكلِهم *** أحلَى وأحمدَ عقباه مِن الغَضَبِ



ولا تلحَّف إنسانٌ بملحفةٍ *** أبهى وأزينَ مِن دينٍ ومن أدبِ


وقال الشاعر:

وكظمي الغيظَ أولى مِن محاولتي*** غيظَ العدوِّ بإضراري بإيماني



لا خيرَ في أمرٍ تُـرْدِيني مغبَّـتُه *** يومَ الحسابِ إذا ما نصَّ ميزاني


وقال الشاعر:

وإذا غضبتَ فكنْ وقورًا كاظمًا *** للغيظِ تبصرُ ما تقولُ وتسمعُ



فكفَى به شرفًا تبصُّرُ ساعةٍ *** يرضَى بها عنك الإلهُ ويدفعُ

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:38 PM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg

الغِيبة

معنى الغِيبة لغةً واصطلاحًا

معنى الغِيبة لغةً:
الغِيبة: الوَقيعة في النَّاس؛ لأنَّها لا تقال إلا في غَيْبَة، يقال: اغتابه اغتيابًا إذا وقع فيه وذكره بما يكره من العيوب وهو حق، والاسم الغيبة، وهي ذكر العيب بظهر الغيب، وغابَه: عابه، وذكره بما فيه من السُّوء، كاغتابه .
معنى الغِيبة اصطلاحًا:
قال ابن التين: (الغِيبة ذكر المرء بما يكرهه بظهر الغيب) .
وعرَّفها الجوهري بقوله: (أنْ يتكلَّم خلف إنسانٍ مستور بما يَغُمُّه لو سمعه، فإن كان صدقًا سُمِّيَ غِيبَةً، وإن كان كذبًا سمِّي بُهتانًا) .
وقال المناوي: (هي ذكر العيب بظهر الغيب بلفظٍ، أو إشارةٍ، أو محاكاةٍ) .

محمد رافع 52
30-10-2013, 08:40 PM
الفرق بين الغِيبة وبعض الصِّفات

- الفرق بين الغِيبة والإِفك والبُهتان:
قال الحسن: (الغِيبة ثلاثة أوجه -كلها في كتاب الله تعالى-: الغيبة، والإفك، والبهتان. فأمَّا الغيبة، فهو أن تقول في أخيك ما هو فيه.
وأما الإفك، فأن تقول فيه ما بلغك عنه.
وأما البهتان، فأن تقول فيه ما ليس فيه) .
وقال الجرجاني: (الغِيبة ذكر مساوئ الإنسان التي فيه في غِيبة.
والبهتان ذكر مساوئ الإنسان، وهي ليست فيه) .
- الفرق بين الغِيبة والنَّمِيمَة والغمز واللمز:
(الغيبةُ: ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض.
والنَّمِيمَة: أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرض لأذاه؛ لما فيها من مفسدة إلقاء البغضاء بين الناس، ويستثنى منها أنَّ فلانًا يقصد ***ك في موضع كذا، أو يأخذ مالك في وقت كذا، ونحو ذلك، لأنَّه من النَّصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة.
والغمز: أن تعيب الإنسان بحضوره.
واللمز: بغيبته وقيل بالعكس) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 09:59 PM
ذم الغِيبة والنهي عنها (http://dorar.net/enc/akhlaq/2519)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات:12].
قال الشوكاني: (فهذا نهي قرآني عن الغِيبة، مع إيراد مثل لذلك، يزيده شدَّةً وتغليظًا، ويوقع في النفوس من الكراهة والاستقذار لما فيه ما لا يقادر قدره، فإنَّ أكل لحم الإنسان من أعظم ما يستقذره بنو آدم جبلةً وطبعًا، ولو كان كافرًا أو عدوًّا مكافحًا، فكيف إذا كان أخًا في النسب، أو في الدين؟! فإنَّ الكراهة تتضاعف بذلك، ويزداد الاستقذار فكيف إذا كان ميِّتًا؟! فإن لحم ما يستطاب ويحل أكله يصير مستقذرًا بالموت، لا يشتهيه الطبع، ولا تقبله النفس، وبهذا يعرف ما في هذه الآية من المبالغة في تحريم الغِيبة، بعد النهي الصريح عن ذلك) .
- وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
قال مقاتل بن سليمان: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ يعني الطعان المغتاب الذي إذا غاب عنه الرجل اغتابه من خلفه) .
(وقال قتادة: يهمزه ويلمزه بلسانه وعينه، ويأكل لحوم الناس، ويطعن عليهم) .
- وقال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36].
- قال الرازي: (القفو هو البهت، وأصله من القفا، كأنه قول يقال خلفه، وهو في معنى الغِيبة وهو ذكر الرجل في غَيبته بما يسوءه) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:02 PM
ثانيًا: في السُّنة النَّبَويَّة
- عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته)) .
قال الغزالي: (اعلم أن الذكر باللسان إنما حرم؛ لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك وتعريفه بما يكرهه فالتعريض به كالتصريح والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة وهو حرام) .
- وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنَّه قال: ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين، فقال: إنَّهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، ثُمَّ قال: بلى، أمَّا أحدهما: فكان يسعى بالنَّمِيمَة، وأما الآخر: فكان لا يستتر من بوله، قال: ثُمَّ أخذ عودًا رطبًا، فكسره باثنتين، ثُمَّ غرز كل واحد منهما على قبر، ثُمَّ قال: لعله يُخفف عنهما مالم ييبسا..)) .
قال العيني: (الترجمة مشتملة على شيئين: الغِيبة والنَّمِيمَة، ومطابقة الحديث للبول ظاهرة، وأما الغِيبة فليس لها ذكر في الحديث، ولكن يوجه بوجهين، أحدهما: أنَّ الغِيبة من لوازم النَّمِيمَة؛ لأنَّ الذي ينمُّ ينقل كلام الرَّجل الذي اغتابه، ويقال: الغِيبة والنَّمِيمَة أختان، ومن نمَّ عن أحد فقد اغتابه. قيل: لا يلزم من الوعيد على النَّمِيمَة ثبوته على الغِيبة وحدها، لأنَّ مفسدة النَّمِيمَة أعظم وإذا لم تساوها لم يصح الإلحاق. قلنا: لا يلزم من اللحاق وجود المساواة، والوعيد على الغِيبة التي تضمنتها النَّمِيمَة موجود، فيصح الإلحاق لهذا الوجه. الوجه الثاني: أنه وقع في بعض طرق هذا الحديث بلفظ الغِيبة، وقد جرت عادة البخاري في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفيَّة كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته)) .
قال المناوي: (قال النووي: هذا الحديث من أعظم الزواجر عن الغِيبة أو أعظمها، وما أعلم شيئًا من الأحاديث بلغ في ذمها هذا المبلغ) .
(فإذا كانت هذه الكلمة بهذه المثابة، في مزج البحر، الذي هو من أعظم المخلوقات، فما بالك بغيبة أقوى منها) .
وقال ابن عثيمين: (معنى مزجته: خالطته مخالطة يتغير بها طعمه، أو ريحه، لشدة نتنها، وقبحها، وهذا من أبلغ الزواجر عن الغِيبة) .
- وعن أبي بكرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم النحر بمنى: ((إنَّ دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم، حرامٌ عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)) .
قال النووي: (المراد بذلك كله، بيان توكيد غلظ تحريم الأموال، والدماء، والأعراض، والتحذير من ذلك) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:05 PM
أقوال السلف والعلماء في الغِيبة

- قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: (اذكر أخاك إذا غاب عنك بما تحب أن يذكرك به، ودَع منه ما تُحِبُّ أن يَدَع منك) .
- وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه، أنَّه مرَّ على بغل ميِّت، فقال لبعض أصحابه: (لأنْ يأكل الرَّجل من هذا حتَّى يملأ بطنه، خيرٌ له من أنْ يأكل لحم رجل مسلم) .
- وعن يحيى بن الحصين عن طارق قال: (دار بين سعد بن أبي وقاصٍ وبين خالد بن الوليد كلامٌ، فذهب رجلٌ ليقع في خالدٍ عند سعدٍ، فقال سعدٌ: مه إنَّ ما بيننا لم يبلغ ديننا. أي عداوة وشر) .
- وقال محمد بن كعب القرظي: (إذا أراد الله عزَّ وجلَّ بعبد خيرًا زهده في الدنيا، وفقهه في الدِّين، وبصره عيوبه. قال: ثُمَّ التفت الفضيل إلينا، فقال: ربما قال الرَّجل: لا إله إلا الله؛ فأخشى عليه النار. قيل: وكيف ذاك؟! قال: يغتاب بين يديه رجل، فيعجبه، فيقول: لا إله إلا الله، وليس هذا موضعها؛ إنما هذا موضع أن ينصح له في نفسه، ويقول له: اتق الله) .
- وعن محمد بن سيرين أنه قال: (إنَّ أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكرًا لخطايا الناس) .
- وعن الشَّعبي رحمه الله (أنَّ العبَّاس بن عبد المطَّلب قال لابنه عبد الله: يا بنيَّ، أرى أمير المؤمنين يدنيك، فاحفظ منِّي خصالًا ثلاثًا: لا تغتب من له سرٌّ، ولا يسمعنَّ منك كذبًا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا) .
- ومرَّ ابن سِيرين بقوم، فقام إليه رجل منهم فقال: أبا بكر، إنّا قد نِلْنا منك فحَلِّلنا. فقال: (إني لا أحِلُّ لك ما حَرَّم الله عليك. فأمَّا ما كان إليَّ فهو لكم) .
- وقال الحسن: (لا غِيبة لثلاثة: فاسق مجاهر بالفسق، وذي بدعة، وإمام جائر).
- وعن يعلى بن عبيد قال: (كنَّا عند سفيان بن سعيد الثوري، فأتانا رجل يقال له: أبو عبد الله السلال، فقال لسفيان: يا أبا عبد الله! الحديث الذي روي أن الله تبارك وتعالى يبغض أهل بيت اللحميين، أهم الذين يكثرون أكل اللحم؟ فقال سفيان: لا ولكنهم الذين يكثرون أكل لحوم الناس) .
- وقال بعض الحكماء: (عاب رجلٌ رجلًا عند بعض أهل العلم فقال له: قد استدللت على كثرة عيوبك بما تكثر من عيب الناس؛ لأنَّ الطالب للعيوب إنما يطلبها بقدر ما فيه منها) .
- وقال الأصمعي: (اغتاب رجلٌ رجلًا عند قتيبة بن مسلم، فقال له قتيبة: أمسك أيها الرجل، فوالله لقد تلمَّظت بمضغةٍ طالما لفظها الكرام) .
- وأتى رجلٌ عمرو بن مرثدٍ فسأله أن يكلم له أمير المؤمنين، فوعده أن يفعل، فلما قام قال بعض من حضر: إنه ليس مستحقًّا لما وعدته. فقال عمرو: (إن كنت صدقت في وصفك إياه فقد كذبت في ادعائك مودتنا؛ لأنَّه إن كان مستحقًّا كانت اليد موضعها، وإن لم يكن مستحقًّا، فما زدت على أن أعلمتنا أنَّ لنا بمغيبنا عنك مثل الذي حضرت به من غاب من إخواننا) .
- وقال أبو عاصم: (ما اغتبت أحدًا منذ علمت أن الغيبة تضرُّ بأهلها) .
- واغتاب رجل عند معروف الكرخي فقال له: (اذكر القطن إذا وضع على عينيك) .
- وقال ابن الكواء للربيع بن خثيم: (ما نراك تعيب أحدًا ولا تذمه. فقال: ويلك يا بن الكواء ما أنا عن نفسي براض فأتفرغ من ذنبي إِلى حديث الناس إن الناس خافوا الله على ذنوب الناس وأمنوه على نفوسهم) .
- وقال ابن المبارك: (لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والديَّ لأنَّهما أحق بحسناتي) .
- وعن الحسن البصري أنَّ رجلًا قال له: إنك تغتابني، فقال: (ما بلغ قدرك عندي أن أُحكمك في حسناتي) .
- وعن ابن سيرين؛ أنَّه ذكر الغِيبة فقال: (ألم تر إلى جيفة خضراء منتنة؟) .
- وعن مجاهد في قوله تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1]. قال: (الذي يأكل لحوم النَّاس، واللُّمزة: الطَّعَّان) .
- و(اغتاب ابن جلا بعض إخوانه فأرسل إليه يستحله فأبى قائلًا: ليس في صحيفتي حسنة أحسن منها، فكيف أمحوها!
- وقال الغزالي: الغِيبة، هي الصاعقة المهلكة للطاعات، ومثل من يغتاب كمن ينصب منجنيقًا، فهو يرمي به حسناته شرقًا، وغربًا، ويمينًا، وشمالًا.
- وقد قيل للحسن: اغتابك فلان، فبعث إليه بطبق فيه رطب وقال: أهديت إليَّ بعض حسناتك، فأحببت مكافأتك) .
- وقيل: (دُعي إبراهيم بن أدهم إلى دعوة، فحضر، فذكروا رجلًا لم يأتهم، فقالوا: إنَّه ثقيل. فقال إبراهيم: إنَّما فعل بي هذا نفسي، حيث حضرت موضعًا يُغتاب فيه الناس. فخرج، ولم يأكل ثلاثة أيام) .
- وقيل: (أوحى الله إلى موسى عليه السلام: من مات تائبًا من الغِيبة، فهو آخر من يدخل الجنَّة، ومن مات مصرًّا عليها، فهو أول من يدخل النَّار) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:09 PM
آثار الغِيبة على الفرد والمجتمع

إن للغيبة أضرار كثيرة في الدنيا والآخرة، وهذه الأضرار لها آثارها السلبية على الفرد والمجتمع، فلا بد من التنبيه عليها، والاطلاع على تبعاتها؛ كي نتجنبها ولا نقع فيها، ونحذر ارتكابها.
أضرارها على الفرد:
1- الغِيبة تزيد في رصيد السيئات، وتنقص من رصيد الحسنات:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بماء البحر لمزجته)) .
(وهذا يدل على ما يلحق المغتاب من الإثم بسبب افتياته على خلق الله تعالى الذي حرم الغِيبة، وفي نفس الوقت افتات على حق الإنسان الذي اغتابه) .
2- الغِيبة من أربى الربا:
قال الشوكاني: (معصية الربا من أشد المعاصي؛ لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها، لا شك أنها قد تجاوزت الحد في القبح وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم، ولهذا جعلها الشارع أربى الربا، وبعد الرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة ولا تزيد في ماله، ولا جاهه فيكون إثمه عند الله أشد من إثم من زنى ستًّا وثلاثين زنية، هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل) .
3- صاحب الغِيبة مفلس يوم القيامة:
عن أبى هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إنَّ المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)) .
4- الغِيبة تسبب هجر صاحبها:
قال ابن باز: (الواجب عليك وعلى غيرك من المسلمين، عدم مجالسة من يغتاب المسلمين مع نصيحته والإنكار عليه، لقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) . فإن لم يمتثل فاترك مجالسته؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليه) .
5- الغِيبة تجرح الصوم:
قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل، فليس لله حاجة، في أن يدع طعامه وشرابه)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((الصيام جنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم)) .
6- يتتبع الله عورة المغتاب ويفضحه في جوف بيته:
فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته))
7- عقوبة المغتاب النار.
8- لا يغفر لصاحب الغِيبة حتى يعفو عنه الذي وقعت عليه الغِيبة.
9- الغِيبة تترك في نفس الفرد جوانب عدائية، بسبب ما تتركه على سمعته ومكانته.
10- الغِيبة تظهر عيوب الفرد المستورة، في الوقت الذي لا يملك فيه الدفاع عن نفسه.
11- الغِيبة تدل على دناءة صاحبها، وجبنه، وخسَّته.

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:11 PM
أضرارها على المجتمع


1- كشف عورات الآخرين، ونشر عيوبهم والاستهانة بها.
2- الغِيبة تؤدي إلى الغِيبة، أي أن من اغتيب قد يدفعه غضبه إلى غيبة من اغتابه، وبهذا تنتشر هذه الصفة الذَّميمة وتصبح مرض عضال يصعب استئصاله.
3- نشر الحقد، والحسد، والكراهية، والبغضاء، بين أفراد المجتمع.
4- إفساد المودَّات، وقطع أواصر الأخوة الإيمانية، وملء القلوب بالضغائن والعداوات

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:13 PM
حكم الغِيبة

قال ابن كثير: (والغِيبةُ محرَّمةٌ بالإجماع، ولا يُستثنى من ذلك، إلا ما رجحت مصلحته، كما في الجرح والتعديل، والنصيحة) .
واعتبر ابن حجر الهيتمي الغِيبة من الكبائر حيث قال: (الذي دلت عليه الدلائل الكثيرة الصحيحة الظاهرة، أنَّها كبيرة، لكنها تختلف عظمًا، وضده بحسب اختلاف مفسدتها. وقد جعلها من أوتي جوامع الكلم عديلة غصب المال، و*** النفس، بقوله صلى اللّه عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه)) والغصب وال*** كبيرتان إجماعًا، فكذا ثلم العرض) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:15 PM
حكم سماع الغِيبة

إن سماع الغِيبة والاستماع إليها لا يجوز، فقائل الغِيبة وسامعها في الإثم سواء.
ففي فتاوى اللجنة الدائمة إجابة عن سؤال حكم سماع الغيبة: ((سماع الغيبة محرم؛ لأنه إقرار للمنكر، والغيبة كبيرة من كبائر الذنوب، يجب إنكارها على من يفعلها))
و(قال مولى لعمرو بن عتبة بن أبي سفيان: رآني عمرو بن عتبة وأنا مع رجل، وهو يقع في آخر، فقال: لي: ويلك - ولم يقلها لي قبلها ولا بعدها - نزِّه سمعك عن استماع الخنا، كما تنزه لسانك عن القول به؛ فإن المستمع شريك القائل، وإنما نظر إلى شرِّ ما في وعائه فأفرغه في وعائك، ولو رددت كلمة سفيه في فيه لسعد بها رادها، كما شقي بها قائلها) .
وكان ميمون بن سياه لا يغتاب، ولا يدع أحدًا يغتاب، ينهاه فإن انتهى، وإلا قام .
قال الشاعر:

فالسامع الذم شريك له *** ومطعم المأكول كالآكل


وقال آخر:

وسمعك صُنْ عن سماع القبيح *** كصون اللسان عن القول به



فإنَّك عند استماع القبيـح *** شـريك لقـائلـه فانتبـه

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:17 PM
فضل الدفاع عن عرض الآخرين

- عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ذبَّ عن عرض أخيه بالغِيبة، كان حقًّا على الله أن يعتقه من النَّار)) .
- وعن القاسم بن عبد الرحمن الشامي قال: (سمعت بن أم عبد يقول: من اغتيب عنده مؤمن فنصره، جزاه الله بها خيرًا في الدنيا والآخرة، ومن اغتيب عنده مؤمن فلم ينصره، جزاه الله بها في الدنيا والآخرة شرًّا، وما التقم أحد لقمة شرًا من اغتياب مؤمن، إن قال فيه ما يعلم فقد اغتابه، وإن قال فيه بما لا يعلم فقد بهته) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:20 PM
أقسام الغِيبة

للغيبة ثلاثة أقسام:
1- الغِيبة المحرمة:
وهي ذكرك أخاك المسلم في غيبته بما يكره بعيب فيه مخفي، سواء كان هذا العيب خَلْقي أم خُلُقي، في دينه أو دنياه، ولا شك أنَّه محرم في الكتاب، والسنة، والإجماع، للأدلة الواردة سلفًا في هذا الباب.
قال ابن القيم -وهو يتحدث عن الغِيبة-: (وإذا وقعت على وجه ذم أخيك، وتمزيق عرضه، والتفكه بلحمه، والغض منه، لتضع منزلته من قلوب الناس، فهي الداء العضال، ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب) .
2- الغِيبة الواجبة:
هي الغِيبة التي بها يحصل للفرد نجاة مما لا يحمد عقباه، أو مصيبة كانت محتملة الوقوع به، مثل التي تطلب للنصيحة عند الإقبال على الزواج لمعرفة حال الزوج، أو كأن يقول شخص لآخر محذرًا له من شخص شرير: إن فلان يريد ***ك في المكان الفلاني، أو يريد سرقة مالك في الساعة الفلانية، وهذا من باب النصيحة.
3- الغِيبة المباحة:
كما أن الغِيبة محرمة لما فيها من أضرار تمس الفرد، إلا أنَّها مباحة بضوابطها لغرض شرعي صحيح، لا يمكن الوصول لهذا الغرض إلا بهذه الغِيبة، وبدون هذه الضوابط تصبح محرمة.
قال النووي: (اعلم أنَّ الغِيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها وهو ستة أبواب:
الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما مما له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان كذا.
الثاني: الاستعانة على تغيير المنكر ورد المعاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه.
الثالث: الاستفتاء، فيقول: للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا.
الرابع: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم.
الخامس: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته، كالمجاهر بشرب الخمر ومصادرة الناس وأخذ المكس وغيرها.
السادس: التعريف، فإذا كان الإنسان معروفًا بلقب الأعمش، والأعرج والأصم، والأعمى والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك.
فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مجمع عليها، دلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة) .
قال ابن الأمير الصنعاني:

الذم ليس بغيبة في ستة *** متظلم ومعرف ومحذر



ولمظهر فسقًا ومستفتٍ ومن *** طلب الإعانة في إزالة منكر


(قال عيسى لا غيبة في ثلاث: إمام جائر، وفاسق معلن، وصاحب بدعة.
قال محمد بن رشد: إنما لم يكن في هؤلاء غيبة؛ لأن الغِيبة إنما هي بأن يذكر من الرجل ما يكره أن يذكر عنه لمن لا يعلم ذلك منه، والإمام الجائر، والفاسق المعلن، قد اشتهر أمرهما عند الناس، فلا غيبة في أن يذكر من جور الجائر وفسق الفاسق ما هو معلوم من كل واحد منهما، وصاحب البدعة يريد ببدعته، ويعتقد أنه على الحق فيها، وأنَّ غيره على الخطأ في مخالفته في بدعته، فلا غيبة فيه؛ لأنَّه إن كان معلنًا بها فهو يحب أن يذكر بها، وإن كان مستترًا بها فواجب أن يذكر بها، ويحفظ الناس من اتباعه عليها) .
فإذا وقعت الغِيبة على وجه النصيحة لله، ورسوله، وعباده المسلمين، فهي قربة إلى الله من جملة الحسنات .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:21 PM
أمورٌ ينبغي مراعاتها عند الغِيبة المباحة

إن للغيبة المباحة -التي أباحها الشارع للضرورة- ضوابط ينبغي مراعاتها، ومن هذه الضوابط:
(1- الإخلاص لله تعالى في النية، فلا تقل ما أبيح لك من الغِيبة تشفِّيًا لغيظ، أو نيلًا من أخيك، أو تنقيصًا منه.
2- عدم تعيين الشخص ما أمكنك ذلك.
3- أن تذكر أخاك بما فيه، بما يباح لك، ولا تفتح لنفسك باب الغِيبة على مصراعيه، فتذكر ما تشتهي نفسك من عيوبه.
4- التأكد من عدم وقوع مفسدة أكبر من هذه الفائدة) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:23 PM
صور الغِيبة

الغِيبة تكون في جميع الصفات الخُلُقِيَّة والخِلْقِيَّة وفي جميع أمور الدنيا والدين.
وقال الغزالي: (حدُّ الغِيبة: أن تذكر أخاك بما يكرهه لو بلغه، سواء ذكرته بنقص في بدنه، أو نسبه، أو في خلقه، أو في فعله، أو في قوله، أو في دينه، أو في دنياه.. حتى في ثوبه، وداره، ودابته.
أما البدن، فذكرك العمش، والحول، والقرع، والقصر، والطول، والسواد، والصفرة، وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه، كيفما كان.
وأما النسب، فبأن تقول: أبوه نبطي، أو يحذف، أو فاسق، أو خسيس، أو إسكاف، أو زبال، أو شيء مما يكرهه، كيفما كان.
وأما الخُلق، فبأن تقول: هو سيئ الخلق، بخيل، متكبر، مراء شديد الغَضَب، جبان، عاجز، ضعيف القلب، متهور.. وما يجري مجراه.
وأما في أفعاله المتعلقة بالدين، فكقولك: هو سارق، أو كذَّاب، أو شارب خمر، أو خائن، أو ظالم، أو متهاون بالصلاة، أو الزكاة، أو لا يحسن الركوع، أو السجود، أو لا يحسن قسمتها، أو لا يحرس صومه عن الرفث، والغِيبة، والتعرض لأعراض الناس.
وأما فعله المتعلق بالدنيا، فكقولك: إنَّه قليل الأدب، متهاون بالناس، أو لا يرى لأحد على نفسه حقًّا، أو يرى لنفسه الحق على الناس، أو أنه كثير الكلام، كثير الأكل، نئوم، ينام في غير وقت النوم، ويجلس في غير موضعه.
وأما ثوبه، فكقولك: إنه واسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثياب.
وقال قوم: لا غيبة في الدِّين؛ لأنَّه ذم ما ذمه الله تعالى، فذكره بالمعاصي، وذمه بها يجوز، بدليل ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت له امرأة وكثرة صلاحها وصومها، ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: ((هي في النار)) ) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:25 PM
من صور الغِيبة التي يغفل عنها كثير من الناس

1- الإصغاء للغيبة من باب التعجب من فعل الذي اغتيب.
2- ذكر حال الذي اغتيب، وإظهار التألم والاستياء لحاله، والدعاء له أمام الآخرين.
3- أن يقول المستمع للمغتاب اسكت، لكن المستمع لم ينكر ذلك في قلبه، وإنما هو مشتهٍ بذلك، فهذا قد وقع في الغِيبة ما لم يكرهه بقلبه.
4- أن يذكر الإنسان شخص ما ويمدحه، ويذكر اهتمامه والتزامه بالدين، ثم يقول: لكنه ابتلي بما ابتلينا به كلنا من تقصير وفتور في بعض العبادات، وهو بهذا يستنقص من قدر الذي اغتيب، وبذلك وقع في الغِيبة.
5- أن يتكلم الإنسان بألفاظ أو أسلوب يحاكي فيه الآخرين، بقصد غيبتهم.
6- التشبه بالآخرين في مشيتهم بغرض السخرية منهم، كأن يمشي متعرجًا، أو يغمض أحد عينيه محاكاةً للأعور، وغيرها من الحركات التي توحي بالسخرية.
7- أن (يغتاب الرجل أخاه، وإذا أنكر عليه قال: أنا على استعداد للقول أمامه، ويرد على هذا بردود منها:
أ- أنَّك ذكرته من خلفه بما يكره بما فيه، وهذه هي الغِيبة.
ب- استعدادك للحديث أمامه، أمر آخر مستقل، لم يرد فيه دليل على أنه يسوغ لك أن تذكر أخاك من خلفه بما يكره.
8- قول القائل في جماعة من الناس عند ذكر شخص ما: نعوذ بالله من قلة الحياء. أو نعوذ بالله من الضلال. أو نحو هذا، فإنه يجمع بين ذم المذكور ومدح النفس.
9- قول القائل: فعل كذا بعض الناس، أو بعض الفقهاء، أو نحو ذلك، إذا كان المخاطب يفهمه بعينه، لحصول التفهيم.
10- قول الشخص: فعل كذا الأفندي. أو: جناب السيد. ونحو ذلك، إن كان يقصد التنقيص منه.
11- قولهم: هذا صغير تجوز غيبته. وأين الدليل على تجويز هذه الغِيبة، طالما وردت النصوص مطلقة؟!
12- التساهل في غيبة العاصي؛ لأنَّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((الغِيبة ذكرك أخاك بما يكره))، يشمل المسلم الطائع، والعاصي.
13- قولك: هذا هندي، أو مصري، أو فلسطيني، أو أردني، أو عجمي، أو عربي، أو بدوي، أو قروي، أو إسكاف، أو نجار، أو حداد، إن كان ذلك تحقيرًا أو انتقاصًا) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:27 PM
أسباب الوقوع في الغِيبة

توجد بعض الأسباب التي تجعل الإنسان يقع في براثن الغِيبة ومساوئها، ومن تلك الأسباب:
1- (كراهيته الباطنة لمن يغتاب، مع عدم رغبته بإظهار كراهيته؛ لئلا تتحول إلى عداوة ظاهرة.
2- المنافسة التي ولَّدت حسدًا، والحسود لا يحب أن يعرف عنه الحسد.
3- الرغبة بأن يبرر المغتاب في نظر الناس ما عرفوه عنه من معايب وقبائح، فإذا ذكر أمامهم من يحترمونه بأن له من العيوب والقبائح مثل عيوبه وقبائحه، خف إنكارهم عليه) .
4- تشفي الغيظ، بأن يجري من إنسان في حق آخر سبب يهيجُ غيظه، فكلَّما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه.
5- موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء، ومساعدتهم على الغِيبة، فإنه يخشى إن أنكر عليهم أن يستثقلوه.
6- إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره، فيقول: فلان جاهل وفهمه ركيك.
7- اللعب والهزل، فيذكر غيره بما يضحك له على سبيل المحاكاة.
8- كثرة الفراغ، والشعور بالملل والسأم، فيشتغل بالناس وأعراضهم وعيوبهم.
9- التقرب لدى أصحاب الأعمال، والمسئولين عن طريق ذم العاملين معه، ليرتقي لمنصب أفضل، أو ليقال عنه مواظب .
10- الظهور بمظهر الغَضَب لله على من يرتكب المنكر، فيظهر غضبه ويذكر اسمه، مثل أن يقول: فلان لا يستحيي من الله يفعل كذا وكذا، ويقع في عرضه بالغِيبة.
11- إظهار الرحمة والتَّصنُّع بمواساة الآخرين، كأن يقول لغيره من الناس: مسكين فلان قد غمني أمره وما هو فيه من المعاصي .
12- ضعف التربية الإيمانية، وعدم التنبه لعظمة من تعصي.
13- جهل المغتاب بحكم الغِيبة، وعواقبها الوخيمة والسيئة، التي تورث غضب الله وسخطه.
14- تنشئة الفرد تنشئة سيئة بعيدة عن الأخلاق والتعاليم الإسلامية.
15- صحبة الأشرار، الذين هم بعيدون عن الآداب الإسلامية السليمة فالمرء على دين خليله.
16- حضور المجالس والتجمعات التي تخلو من ذكر الله، ويكثر فيها الغِيبة والنَّمِيمَة.
17- الطمع وحب الدنيا والحرص عليها.

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:28 PM
التوبة من الغِيبة

تكون التوبة من الغِيبة بالاستغفار والندم، والاستحلال من الذي اغتيب.
قال الغزالي: (اعلم أن الواجب على المغتاب أن يندم ويتوب ويتأسف على ما فعله ليخرج به من حق الله سبحانه، ثم يستحل المغتاب ليحله فيخرج من مظلمته) .
وقال ابن القيم: (والصَّحيح أنَّه لا يحتاج إلى إعلامه بل يكفيه الاستغفار، وذكره بمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره. والذين قالوا: لا بد من إعلامه، جعلوا الغِيبة كالحقوق المالية، والفرق بينهما ظاهر؛ فإنَّ الحقوق المالية ينتفع المظلوم بعود نظير مظلمته إليه، فإن شاء أخذها، وإن شاء تصدَّق بها، وأما في الغِيبة فلا يمكن ذلك ولا يحصل له بإعلامه إلا عكس مقصود الشارع... فإنَّه يوغر صدره، ويؤذيه، إذا سمع ما رمي به، ولعله يهيج عداوته ولا يصفو له أبدًا، وما كان هذا سبيله، فإن الشارع الحكيم... لا يبيحه ولا يجوزه فضلًا عن أن يوجبه، ويأمر به ومدار الشريعة على تعطيل المفاسد وتقليلها، لا على تحصيلها وتكميلها) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:30 PM
الوسائل المعينة على ترك الغِيبة

(إنَّ الغِيبة مرض خطير، وداء فتَّاك، ومعول هدَّام، وسلوك يفرِّق بين الأحباب، وبهتان يغطِّي على محاسن الآخرين، وبذرة تنبت شرورًا بين المجتمع المسلم، وتقلِّب موازين العدالة والإنصاف إلى الكذب والجور، وعلاج هذا المرض لا يكون إلَّا بالعلم والعمل، فإذا عرف المغتاب أنَّه تعرَّض لسخط الله يوم القيامة بإحباط عمله، وإعطاء حسناته من يغتابه، أو يحمل عنه أوزاره، وأنَّه يتعرَّض لهجوم من يغتابه في الدُّنيا، وقد يسلِّطه الله عليه، إذا علم هذا وعمل بمقتضاه من خير فقد وفِّق للعلاج) .
ومن الوسائل المعينة على ترك الغِيبة والبعد عنها ما يلي:
1- التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة، وتقديم رضاه على رضا المخلوقين.
2- زيادة الإيمان، وتقويته بالعلم النافع، والعمل الصالح.
3- أن ينشغل الإنسان بالبحث عن عيوبه، ويكف عن عيوب الآخرين وتتبعها.
4- اختيار الصحبة الصالحة التي تقربك من الله وتبعدك عن المعاصي والابتعاد عن رفاق السوء.
5- تربية الفرد تربية إسلامية سليمة قائمة على الآداب والتعاليم الإسلامية.
6- استغلال وقت الفراغ، بما ينفع الفرد ويقوي إيمانه، ويقربه إلى الله سبحانه وتعالى، من طاعات، وعبادات، وعلم، وتعلم.
7- قناعة الإنسان بما رزقه الله، وشكره على هذه النعم، وأن يعلم أن ما عند الله خير وأبقى.
8- أن يضع الإنسان نفسه مكان الشخص الذي اغتيب، ليجد أنَّه لن يرضى هذا لنفسه.
9- كظم الغيظ والصبر على الغَضَب؛ كي لا يكونا دافعًا للغيبة.
10- الابتعاد عن كل ما يؤدي به إلى الغِيبة.

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:33 PM
موقف المسلم تجاه المغتاب

عن عتبان بن مالك رضي الله عنه وهو ممَّن شهد بدرًا، قال: ((كنت أصلِّي لقومي بني سالم، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار، فيشقُّ عليَّ اجتيازه قبل مسجدهم، فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له: إنِّي أنكرت بصري، وإنَّ الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار، فيشقُّ عليَّ اجتيازه، فوددت أنَّك تأتي فتصلِّي من بيتي مكانا أتَّخذه مصلَّى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سأفعل. فغدا عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه بعد ما اشتدَّ النَّهار، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذنت له، فلم يجلس حتَّى قال: أين تحبُّ أن أصلِّي من بيتك، فأشرت له إلى المكان الذي أحبُّ أن أصلِّي فيه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبَّر وصففنا وراءه فصلَّى ركعتين، ثمَّ سلَّم وسلَّمنا حين سلَّم، فحبسته على خزير يصنع له، فسمع أهل الدَّار أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فثاب رجال منهم حتَّى كثر الرِّجال في البيت، فقال رجل: ما فعل مالك؟ لا أراه. فقال: رجل منهم: ذاك منافق لا يحبُّ الله ورسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقل ذاك، ألا تراه قال لا إله إلَّا الله يبتغي بذلك وجه الله؟، فقال: الله ورسوله أعلم. أمَّا نحن فو الله ما نرى ودَّه ولا حديثه إلَّا إلى المنافقين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنَّ الله قد حرَّم على النَّار من قال لا إله إلَّا الله يبتغي بذلك وجه الله)) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:35 PM
الغِيبة لا تقتصر على اللسان

إن الشرع حرَّم الغِيبة باعتبارها تصريح باللسان يفهم منه استنقاص الآخرين وذكر عيوبهم، وكذلك فإنَّ كل فعل أو حركة أو كتابة توحي بالمقصود فهي غيبة.
غيبة العلماء ومن لهم شأن في الإسلام:
لا شك أن الوقيعة في المؤمنين حرام وأنها من كبائر الذنوب، وأن أشدَّ أنواعها (غيبة العلماء والوقيعة في العلماء، والكلام على العلماء بما يجرحهم... لأنَّه يترتب عليه فصل الأمة عن علمائها، ويترتب عليه عدم الثقة بأهل العلم، وإذا حصل هذا حصل الشر العظيم) .

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:36 PM
ذم الغِيبة في واحة الشعر

قال الشاعر:

لا تلتمسْ مِن مساوي النَّاسِ ما ستروا *** فيهتكَ الله سترًا مِن مساويكا



واذكرْ محاسنَ ما فيهم إذا ذكروا *** ولا تعبْ أحدًا منهم بما فيكا


وقال آخر:

لا تذكرِ النَّاسَ إلا في فضائلِهم *** إيَّــاك إيَّــاك أن تذكـــر عيوبَهــم



كم فيك عيب تناجي اللهَ يسترُه *** مَن يغتبِ الناسَ لا يسلمْ شرورَهم



ارجعْ إلى اللهِ من ذنبٍ وقعتَ به *** للــهُ يفــرحُ أن يغفــــر ذنوبَهــــم



كلُّ الخلائقِ خطَّاءٌ طبائعهم *** التائبــون بشــــرعِ اللـه خيرُهـــم



الهمزُ واللَّمزُ لا تحمد عواقبُه *** من يعلـم الســرَّ عـــــلام غيوبهــم



احفظْ لسانَك لا تلفظْ بنابيةٍ *** نتاجها الحقــدُ والبغضاءُ والسَّقــم



اجعل مخافته المولى مقدَّمة *** حاسب خطاك لكي لا تعثر القــدم


وقال أبو فراس الحمداني:

ويغتابني مَن لو كفاني غيبَه *** لكنتُ له العينَ البصيرةَ والأذنَا



وعندي مِن الأخبارِ ما لو ذكرتُه *** إذًا قرَع المغتابُ مِن ندمٍ سِنَّا


وقال آخر:

وأقبحُ القبائحِ الوخيمة *** الغيبةُ الشنعاءُ والنَّمِيمَة



فتلك والعياذُ بالرحمنِ *** موجبةُ الحلولِ في النيرانِ


http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=irR2UvjRJOvb7AbU0YHIDw&psig=AFQjCNGiZSYxlWvMK-hrveHD0hv3NtrAbw&ust=1383597578670061)

محمد رافع 52
03-11-2013, 10:42 PM
الفتور

معنى الفتور لغةً واصطلاحًا

معنى الفتور لغةً:
الفتور مصدر فتر، يقال: فتر يفتر فتورًا وفُتارًا، سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، والفترة: الانكسار والضعف، وفَتـَـرَ الماءُ: سَكَن حَرُّه، و: جسمه فُتُورًا: لانَت مَفاصِله، وضَعُف. وأصل هذه المادة يَدُلُّ عَلَى ضَعْفٍ في الشَّيء .
معنى الفتور اصطلاحًا:
هو الكسل، والتراخي، والتباطؤ بعد الجد، والنشاط والحيوية .

محمد رافع 52
05-11-2013, 01:38 AM
ذم الفتور: (http://dorar.net/enc/akhlaq/2559)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى عن الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 20]. لا يَفْتُـرُونَ: لا يلحقهم الفتور والكلال .
- وقال تعالى عن موسى عليه السلام: اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى [طه: 42-43].
(الونى: الفتور والتقصير. وقرئ: تنيا، بكسر حرف المضارعة للاتباع، أي: لا تنسياني ولا أزال منكما على ذكر حيثما تقلبتما، واتخذا ذكري جناحًا تصيران به مستمدين بذلك العون والتأييد مني، معتقدين أن أمرًا من الأمور لا يتمشى لأحد إلا بذكري) .
- وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن واجب الجهاد، والفتور فيه، فقال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: 38].
قال ابن كثير: (أي: إذا دعيتم إلى الجهاد في سبيل الله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أي: تكاسلتم وملتم إلى المقام في الدعة والخفض وطيب الثمار، أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ [التوبة: 38] أي: ما لكم فعلتم هكذا أرضًا منكم بالدنيا بدلا من الآخرة؟!
ثم زهد تبارك وتعالى في الدنيا، ورغب في الآخرة، فقال: فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ [التوبة: 38]) .
- وقال تعالى عن المنافقين، الذين هم أشد الناس كسلًا وأكثرهم فتورًا: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 142].
قال ابن كثير: (هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال، وأفضلها، وخيرها، وهي الصلاة. إذا قاموا إليها قاموا وهم كسالى عنها؛ لأنَّهم لا نية لهم فيها، ولا إيمان لهم بها ولا خشية، ولا يعقلون معناها... وعن ابن عباس قال: يُكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان، ولكن يقوم إليها طلق الوجه، عظيم الرغبة، شديد الفرح، فإنه يناجي الله تعالى وإن الله أمامه يغفر له ويجيبه إذا دعاه) .

محمد رافع 52
05-11-2013, 01:42 AM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ويقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الكسل، والهرم، والمأثم، والمغرم)) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((التمس لنا غلامًا من غلمانكم يخدمني. فخرج بي أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهم، والحزن، والعجز، والكسل، والبخل، والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال)) .
قال ابن بطال: (الاستعاذة من العجز والكسل؛ لأنَّهما يمنعان العبد من أداء حقوق الله، وحقوق نفسه، وأهله، وتضييع النظر في أمر معاده، وأمر دنياه، وقد أمر المؤمن بالاجتهاد في العمل، والإجمال في الطلب، ولا يكون عالةً، ولا عيالًا على غيره، ما متِّع بصحة جوارحه وعقله) .
وقال الكلاباذي: (الكسل: فتور في الإنسان عن الواجبات، فإنَّ الفتور إذا كان في الفضول وما لا ينبغي فليس بكسل، بل هو عصمة، وإذا كان في الواجبات فهو كسل، وهو الثقل، والفتور عن القيام بالواجب، وهو الخذلان، قال الله عزَّ وجلَّ: وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ [التوبة: 46]، وعاتب الله المؤمنين في التثاقل عن الواجب، والفتور فيه، فقال عزَّ وجلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التوبة: 38]. والهرم: فتور من ضعف يحل بالإنسان، فلا يكون به نهوض، ففتور الهرم فتور عجز، وفتور الكسل فتور تثبيط وتأخير، فاستعاذ النَّبي صلى الله عليه وسلم عن الفتور في أداء الحقوق، والقيام بواجب الحق من الوجهين جميعًا، من جهة عجز ضرورة، وحرمان منها، مع الإمكان) .
- وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلِّ عمل شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فَتْرة، فمن كانت فَتْرته إلى سنَّتي، فقد أفلح، ومن كانت إلى غير ذلك، فقد هلك)) .
قال ابن تيمية: (إنَّ من الناس من يكون له شدة، ونشاط، وحدة، واجتهاد عظيم في العبادة، ثم لابد من فتور في ذلك.
وهم في الفترة نوعان: منهم: من يلزم السنة فلا يترك ما أمر به، ولا يفعل ما نهي عنه، بل يلزم عبادة الله إلى الممات، ومنهم: من يخرج إلى بدعة في دينه، أو فجور في دنياه، حتى يشير إليه الناس، فيقال: هذا كان مجتهدًا في الدين ثم صار كذا وكذا، فهذا مما يخاف على من بدل عن العبادات الشرعية إلى الزيادات البدعية) .
- وعن أنس رضي الله عنه، قال: ((دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، وحبل ممدود بين ساريتين، فقال: ما هذا؟ قالوا: لزينب تصلي، فإذا كسلت، أو فترت أمسكت به، فقال: حلوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل، أو فتر قعد)) .
قال النووي: (فيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق، والأمر بالإقبال عليها بنشاط، وأنَّه إذا فتر فليقعد حتى يذهب الفتور) .
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل)) .
قال المباركفوري: (قيل: معنى قوله: ((كان يقوم الليل)). أي: غالبه أو كله. ((فترك قيام الليل)). أصلًا حين ثقل عليه، أي: فلا تزد أنت في القيام أيضًا، فإنَّه يؤدي إلى تركه رأسًا. قال السندي: يريد أنَّ الإكثار في قيام الليل قد يؤدي إلى تركه رأسًا، كما فعل فلان، فلا تفعل أنت ذاك، بل خذ فيه التوسط والقصد أي: لأنَّ التشديد في العبادة قد يؤدي إلى تركها وهو مذموم. وقال في اللمعات: فيه تنبيه على منعه من كثرة قيام الليل والإفراط فيه، بحيث يورث الملالة والسآمة) .

محمد رافع 52
05-11-2013, 02:07 AM
أقوال السلف والعلماء في الفتور

- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه: (إنَّ لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا. فإذا أقبلت فخذوها بالنوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض) .
- وقال أيضًا: (المدح هو ال***؛ وذلك لأن المذبوح هو الذي يفتر عن العمل، فكذلك الممدوح؛ لأنَّ المدح يوجب الفتور، ويورث الكبر والعجب) .
- وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لا تغالبوا هذا الليل، فإنَّكم لن تطيقوه، فإذا نعس أحدكم فلينصرف إلى فراشه؛ فإنه أسلم له) .
- و(قال بعض السلف: العمل على المخافة قد يغيره الرجاء، والعمل على المحبة لا يدخله الفتور) .
- وقال ابن القيم: (تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم؛ رُجي له أن يعود خيرًا مما كان) .
- وقال في موضع آخر: (إنَّ المقبل على الله المطيع له، يسير بجملة أعماله، وكلما زادت طاعاته وأعماله، ازداد كسبه بها وعظم، وهو بمنزلة من سافر فكسب عشرة أضعاف رأس ماله، فسافر ثانيًا برأس ماله الأول وكسبه، فكسب عشرة أضعافه أيضًا، فسافر ثالثًا أيضا بهذا المال كله، وكان ربحه كذلك، وهلم جرًّا، فإذا فتر عن السفر في آخر أمره، مرة واحدة، فاته من الربح بقدر جميع ما ربح أو أكثر منه) .
- قال بعض السلف: (العمل عن المحبة لا يداخله الفتور) .
- وقال ابن السماك: (جلاء القلوب استماع الحكمة، وصدؤها الملالة والفتور) .
- وقال علي بن موسى: (إن للقلوب إقبالًا وإدبارًا ونشاطًا وفتورًا، فإذا أقبلت أبصرت وفهمت، وإذا انصرفت كلَّت وملَّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها) .

محمد رافع 52
05-11-2013, 02:11 AM
آثار الفتور

1 - يدل على ضعف الهمة.
2- التثاقل في العبادات.
3- التعرض للأزمات النفسيَّة، والاجتماعيَّة.
4- يؤدي به إلى ترك بعض الفرائض.
5- عاقبته تكون سيِّئة إذا لم يتب.
6- تأثر من حوله به، وخاصة إذا كان قدوةً لغيره.
7- فوات المصالح الدينية، والدنيوية.

محمد رافع 52
05-11-2013, 02:14 AM
أقسام الفتور

ينقسم الفتور إلى عدة أقسام، أهمها:
1- كسل وفتور عام في جميع الطاعات، مع كره لها، وعدم رغبة فيها، وهذه حال المنافقين؛ فإنَّهم من أشد الناس كسلًا وفتورًا ونفورًا.
قال الله فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 142]. وقال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أثقل صلاةٍ على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا)) .
ولفظ (أثقل) على صيغة (أفعل) يدلُّ على أنَّ غيرهما ثقيل، وليس الثقل مقتصرًا عليهما.
2- كسل وفتور في بعض الطاعات، يصاحبه عدم رغبة فيها دون كره لها، أو ضعف في الرغبة مع وجودها، وهذه حال كثير من فساق المسلمين، وأصحاب الشهوات.
وهذان القسمان سببهما مرض في القلب، ويقوى هذا المرض ويضعف بحسب حال صاحبه، فمرض المنافقين أشد من مرض الفساق وأصحاب الشهوات.
3- كسل وفتور عام سببه بدني لا قلبي؛ فتجد عنده الرغبة في العبادة، والمحبة للقيام بها، وقد يحزن إذا فاتته، ولكنه مستمر في كسله وفتوره، فقد تمر عليه الليالي وهو يريد قيام الليل، ولكنه لا يفعل مع استيقاظه وانتباهه ويقول: سأختم القرآن في كل شهر. وتمضي عليه الأشهر ولم يتمَّه، ويحب الصوم، لكنه قليلًا ما يفعل.
وهذه حال كثير من المسلمين الذين يصابون بهذا الداء، ومنهم أناس صالحون، وآخرون من أصحاب الشهوة والفسق.
وقد يؤدي هذا النوع إلى أن يشترك بعض المصابين به مع النوع الثاني، وهو الثقل القلبي في بعض العبادات.
4- كسل وفتور عارض يشعر به الإنسان بين حين وآخر، ولكنه لا يستمر معه، ولا تطول مدته، ولا يوقع في معصية، ولا يخرج عن طاعة. وهذا لا يسلم منه أحد، إلا أنَّ الناس يتفاوتون فيه أيضًا، وسببه غالبًا أمر عارض، كتعب، أو انشغال، أو مرض ونحوها.