مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة الأخلاق الإسلامية


الصفحات : 1 2 3 4 5 [6]

محمد رافع 52
05-11-2013, 02:18 AM
صور الفتور

هناك مظاهر وصور للفتور تمثل قصورًا في العمل الصالح، أو ارتكاب لذنب، ومن هذه الصور والمظاهر:
1- قسوة القلب:
توعد الله سبحانه وتعالى القاسية قلوبهم بالضلال المبين فقال: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22-23].
وقاسي القلب لا يتأثر بالقرآن ولا بالمواعظ حتى يلين قلبه، قال السعدي في قوله تعلى: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ (أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي مُعرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشرُّ الكبير) .
وقال مالك بن دينار: (أربع من علم الشقاوة: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا) .
2- التكاسل عن الطاعة:
من مظاهر الفتور التكاسل عن الطاعات، والعبادات، فربما يؤخرها عن وقتها، ولا يؤديها كما ينبغي، خاصة التكاسل عن الفرائض، قال تعالى عن المنافقين: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 142] وقال: وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة: 54].
3- الابتعاد عن الجليس الصالح:
من صور الفتور أن يُضعِف الشخص علاقته مع إخوانه الصالحين، فيبتعد عنهم ويميل إلى العزلة، أو يصاحب قرناء السوء، قال صلى الله عليه وسلم فقال: ((مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسك إمَّا أن يحذيك، وإمَّا أن تبتاع منه، وإمَّا أن تجد منه ريحًا طيِّبة، ونافخ الكير إمَّا أن يحرق ثيابك، وإمَّا أن تجد ريحًا خبيثة)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالجماعة، وإيَّاكم والفرقة؛ فإنَّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنَّة فليلزم الجماعة)) .
4- ضياع الوقت وعدم الإفادة منه:
وتزجيته بما لا يعود عليه بالنفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشعور بالفراغ الروحي، والوقتي، وعدم البركة في الأوقات، وتمضي عليه الأيَّام لا ينجز فيها شيئًا يذكر.
5- عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتهرب من كل عمل جدِّي؛ خوفًا من أن يعود إلى حياته الأولى. هكذا يسوِّل له شيطانه زخرف القول غرورًا.
6- الفوضوية في العمل:
فلا هدف محدد، ولا عمل متقن، أعماله ارتجالًا، يبدأ في هذا العمل ثم يتركه، ويشرع في هذا الأمر ولا يتمه، ويسير في هذا الطريق ثم يتحوَّل عنه، وهكذا دواليك.
7- خداع النفس بالانشغال وهو فارغ، وبالعمل وهو عاطل، ينشغل في جزئيات لا قيمة لها، ولا أثر يذكر، ليس لها أصل في الكتاب أو السنة، وإنما هي أعمال يقنع نفسه بجدواها، ومشاريع وهمية لا تسمن ولا تغني من جوع .
8- عدم الغَضَب إذا انتهكت محارم الله:
فمن ماتت لديه الغَيرة لدين الله وأصيب بالفتور، لا تغضبه المنكرات، ولا يسعى في إنكارها، قال صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) .
قال الغزالي: (فمن مال غضبه إلى الفتور، حتى أحس من نفسه بضعف الغيرة، وخسة النفس في احتمال الذل، والضيم في غير محله، فينبغي أن يعالج نفسه حتى يقوى غضبه) .
9- عدم الشعور بالمسؤولية:
ومن مظاهر الفتور (عدم استشعار المسئولية الملقاة على عاتقه، والتساهل والتهاون بالأمانة التي حمَّله الله إياها، فلا تجد لديه الإحساس بعظم هذه الأمانة، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: 72] وقد تحدِّثه ساعة ويحدِّثك أخرى، فلا تجد أنَّ همَّ الدعوة يجري في عروقه، أو يؤرق جفونه ويقضَّ مضجعه. ومما يلحق بهذا الباب أنَّك تجد هذا الفاتر أصبح يعيش بلا هدف، أو غاية سامية، فهبطت اهتماماته، وسفلت غاياته، وذلت مطامحه ومآربه. وتبعًا لذلك فلا قضايا المسلمين تشغله، ولا مصائبهم تحزنه، ولا شئونهم تعنيه، وإن حدث شيء من ذلك فعاطفة سرعان ما تبرد وتخمد ثم تزول) .

محمد رافع 52
05-11-2013, 02:24 AM
أسباب الفتور

1- الغفلة عن ذكر الله:
إنَّ الغفلة عن ذكر الله سبب من أسباب الفتور عن الطاعات، والتكاسل عن العبادات؛ لأنَّه إذا نسي ذكر الله كان بعيدًا عنه، قال تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [الحشر: 19]، ودوام الغفلة يعتبر من التمادي في الباطل، وتختلف الغفلة عن السهو والنسيان، قال تعالى: إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يونس: 7-8].
قال ابن القيم: (فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته، كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصدأه بحسب غفلته، وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لـمَّا تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ، واسود، وركبه الران فسد تصوره وإدراكه، فلا يَقبل حقًّا، ولا ينكر باطلًا، وهذا أعظم عقوبات القلب، وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى، فإنَّهما يطمسان نور القلب، ويعميان بصره) .
وقال تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [الزمر: 9].
(لما كان الإنسان محل الفتور، والغفلة، والنسيان، وكان ذلك في محل الغفران، وكان لا يمكن صلاحه إلا بالخوف من الملك الديَّان، قال معللًا أو مستأنفًا جوابًا لمن كأنه يقول: ما له يتعب نفسه هذا التعب، ويكدها هذا الكد: يَحْذَرُ الآخِرَةَ أي عذاب الله فيها، فهو دائم التجدد لذلك كلما غفل عنه. ولما ذكر الخوف، أتبعه قرينه الذي لا يصح بدونه فقال: وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ أي الذي لم يزل ينقلب في إنعامه) .
2- التشدُّد في العبادة:
المؤمن ينبغي أن يقوم بما يطيقه من العبادة حتى لا يصاب بالملل والفتور، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عبد الله، ألم أخبر أنَّك تصوم النهار، وتقوم الليل؟ فقلت: بلى يا رسول الله، قال: فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإنَّ لجسدك عليك حقًّا، وإنَّ لعينك عليك حقًا، وإنَّ لزوجك عليك حقًّا، وإنَّ لزورك عليك حقًّا، وإنَّ بحسبك أن تصوم كل شهر ثلاثة أيَّام، فإنَّ لك بكل حسنة عشر أمثالها، فإنَّ ذلك صيام الدهر كله، فشددت فشدد عليَّ، قلت: يا رسول الله، إني أجد قوة، قال: فصم صيام نبي الله داود عليه السلام ولا تزد عليه، قلت: وما كان صيام نبي الله داود عليه السلام، قال: نصف الدهر. فكان عبد الله يقول بعد ما كبر: يا ليتني قبلت رخصة النَّبي صلى الله عليه وسلم)) .
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((خذوا من العمل ما تطيقون؛ فإنَّ الله لا يمل حتى تملوا، وأحبُّ الصلاة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم ما دووم عليه، وإن قلت)) .
قال الشاطبي (إنَّ المكلف لو قصد المشقة في عبادته، وحرص على الوقوع فيها، حتى يعرض نفسه لمضاعفة الثواب، فإنَّه يعرض نفسه في واقع الأمر لبغض عبادة الله تعالى، وكراهية أحكام الشريعة، التي غرس الله حبها في القلوب، كما يدلُّ عليه قوله تعالى: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 7]؛ وذلك لأنَّ النفس تكره ما يفرض عليها، إذا كان من *** ما يشق الدوام عليه، بحيث لا يقرب وقت ذلك العمل الشاق، إلا والنفس تشمئز منه، وتود لو لم تعمل، أو تتمنى أنها لم تلتزم) .
3- الاقتداء بالأشخاص والتعلق بهم:
فقد يتعلق الفرد بشخص يعتبره قدوة، وينظر إليه نظر قدوة، فإن زلَّ زلَّ معه، والحي لا تؤمن عليه الفتنة، يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (من كان منكم مستنًّا، فليستنَّ بمن مات، أولئك أصحاب محمد كانوا خير هذه الأمة، أبرَّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، ونقل دينه، فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فهم أصحاب محمد كانوا على الهدي المستقيم) .
4- التعلق بالدنيا وزينتها:
التعلق بالدنيا وزينتها، والغرور بمستلذاتها، يعتبر من أعظم أسباب الفتور، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ [لقمان: 33].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كانت الدنيا همه، فرَّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتبه الله له)) .
وخرج أبو الدرداء على أهل الشام ورآهم في ترف فقال لهم: (مالي أراكم تجمعون ما لا تأخذون، وتبنون ما لا تسكنون، وتؤمِّلون ما لا تأخذون، لقد جمعت الأقوام التي قبلكم وأمَّنتْ، فما هو إلا قليل حتى أصبح جمعهم بورًا، وأملهم غرورًا، وبيوتهم قبورًا. فجعل الناس يبكون حتى سمع نشيجهم من خارج المسجد) .
5- قلَّة تذكر الموت والدار الآخرة:
قال تعالى: إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [يونس: 7-8].
قال السعدي: (أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية مرامهم ونهاية قصدهم، فسعوا لها وأكبوا على لذاتها وشهواتها، بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. فكأنَّهم خلقوا للبقاء فيها، وكأنها ليست دار ممر، يتزود منها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون، وإلى نعيمها ولذاتها شمَّر الموفقون، وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولا بالآيات الأفقيَّة والنفسيَّة، والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة عن المدلول المقصود، أُوْلَـئِكَ الذين هذا وصفهم مَأْوَاهُمُ النُّارُ أي: مقرهم ومسكنهم التي لا يرحلون عنها) .
وقد حث النَّبي صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور من أجل أن يتذكر الإنسان الموت فيتعظ ويعتبر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النَّبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: ((استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)) .
قال المناوي: (ليس للقلوب سيَّما القاسية أنفع من زيارة القبور، فزيارتها وذكر الموت يردع عن المعاصي، ويلين القلب القاسي، ويذهب الفرح بالدنيا، ويهوِّن المصائب، وزيارة القبور تبلغ في دفع رين القلب، واستحكام دواعي الذنب، ما لا يبلغه غيرها) .
6- الضعف في التربية:
(يحتاج المسلم إلى تربية طويلة، مؤصلة، شاملة، وبخاصة في الجانب العبادي والعلمي.
ولقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته خير تربية عرفتها البشرية، ولم يكن هذا بالأمر السهل والهيِّن، بل مكث سنوات طويلة في مكة، وبعد ذلك في المدينة، يتعاهد صحابته، ويربيهم على عينيه صلى الله عليه وسلم، وتطلب هذا الأمر جهودًا مضاعفة، وسنوات متوالية، حتى تخرَّج على يديه الكريمتين تلك الصفوة المباركة، التي ما عرف التاريخ ولن يعرف مثلها، سجَّلوا أمجادهم بمداد من نور، واجهوا المشكلات والعقبات، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ذلوا، وما استكانوا، وما ضعفوا.
وشباب الأمة اليوم بأمس الحاجة إلى التربية الشاملة المتوازنة، المستمدة من الكتاب والسنة، وعلى هدي سلف الأمة.
والحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أنَّ هناك ضعفًا ظاهرًا في تربية رجال الأمة وشبابها، بل ونسائها، وأصبح الالتزام مظهرًا عامًّا في داخله دخن عند كثير من الملتزمين، قد لا يثبت عند مواجهة الشدائد والمحن.
فالصلة بالله ضعيفة، والعلم قليل، والتجربة محدودة، بينما المشاعر فياضة، والحماس طاغ، وقد يسرُّ الناظرين، كالسراب يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور: 39]، إلا من عصم الله، ووفق، وثبت.
ومما تجب الإشارة إليه في باب ضعف التربية ما يلي:
أ- ضعف البدايات، وعدم بناء الشخصية المسلمة على أسس قوية مؤصلة، مما يجعلها هزيلة غير متمكنة، تميل إلى ما قامت عليه وتحن إليه، مما يجعل صاحبها يعاني أيَّما معاناة.
ب- عدم التدريب على المبادرة، بل أحيانًا تربية الفرد على السلبية وانتظار التكاليف، فهو إمَّعة ومِّقلد.
ج- ضعف الثقة بالنفس، والخوف من الإحباط والفشل، والتهيب من كل جديد.
د- الغفلة عن مبدأ الثواب والعقاب، أو إساءة استخدامه.
هـ- التعنيف في المحاسبة، وتضخيم الأخطاء، وكثرة العتاب، وعدم مراعاة الفروق الفردية، والظروف الاجتماعية، مما يسبب للشاب نفورًا ووحشةً وإحباطًا.
و- إبراز الشخص وتحميله مسئوليات كبيرة قبل نضجه، وإعداده، وتربيته، وهذا بلاء عواقبه وخيمة في العاجل أو الآجل) .

محمد رافع 52
05-11-2013, 02:28 AM
الوسائل المعينة على علاج الفتور

1- الدعاء بالثبات على الدين:
قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60].
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو بالثبات على الدين، فعن أنس رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول، يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت يا رسول الله: آمنَّا وبك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله، يقلبهما كما يشاء)) .
2- الرفقة الصالحة:
فالمرء على دين خليله، وعليه فلا بد أن يرافق الصالحين، حتى يعينوه على البر والتقوى، قال صلى الله عليه وسلم: ((الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) ، وكما حثَّ على مصاحبة المؤمن فقال: ((لا تصاحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي)) .
3- ذكر الله وكثرة الاستغفار:
أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالذكر حتى يفلحوا، فقال تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأنفال: 45].
وأوصى النَّبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي أن يكون لسانه رطبا بذكر الله، فعن عبد الله بن بسر قال: ((إنَّ أعرابيًّا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأنبئني منها بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عزَّ وجلَّ)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله عزَّ وجلَّ)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم، أكثر من سبعين مرة)) .
وعن الأغر المزني أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّه ليغان http://dorar.net/images/tip.gifعلى قلبي، وإنِّي لأستغفر الله في اليوم، مائة مرة)) .
4- الإكثار من النوافل:
الإكثار من النوافل يقرِّب إلى الله سبحانه وتعالى، ويورث محبته، وفي الحديث القدسي: ((وما يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأُعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) والإكثار من النوافل يعوض ما قد يطرأ من النقص، والتقصير في الفرائض.
5- العظة من خاتمة من أصابه الفتور:
تجد بعض من يصاب بالفتور ينتكس، وتكون خاتمته سيئة، فعلى المسلم أن يتعظ بهؤلاء، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ [محمد: 25].
6- التفكر في يوم القيامة:
فالتفكر في اليوم الآخر، وما أعده الله لعباده، الممتثلين لأوامره؛ من النعيم، وما أعدَّه للكفار والعاصين، من العذاب، يحرك في قلب صاحبه العزيمة الفاترة، فيقبل على الله بقلبه، ليكون من المنيبين إليه.

محمد رافع 52
05-11-2013, 02:31 AM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg

الفُجُور

معنى الفُجُور لغةً واصطلاحًا

معنى الفُجُور لغةً:
فَجَرَ يفجر فُجورًا، أي: فَسَقَ. وهذه المادة تدل على التَّـفَتُّح في الشَّيء، ومنه: انفجَرَ الماء انفجارًا: تفتَّحَ. والفُجْرَة: موضع تفتُّح الماء. ثمَّ كثُر هذا حتَّى صار الانبعاثُ والتفتُّح في المعاصي فُجورًا؛ ولذلك سُمِّي الكَذِب فجورًا. ثمَّ كثُر هذا حتَّى سُمِّي كلُّ مائلٍ عن الحقِّ فاجرًا .
معنى الفُجُور اصطلاحًا:
قال الجرجاني: (الفُجُور: هو هيئةٌ حاصلةٌ للنَّفس بها يُـبَاشر أمورًا على خلاف الشَّرع والمروءة) .
وقيل: الفُجُور بمعنى: الانبعاث في المعاصي والتوسع فيها .
وقيل: الفُجُور: الميْلُ عن الحقِّ إلى الباطل .
وقيل: الفُجُور: اسم جامع لكلِّ شرٍّ، أي: الميْل إلى الفساد، والانطلاق إلى المعاصي .

محمد رافع 52
05-11-2013, 02:33 AM
الفرق بين الفِسْق والفُجُور

هناك فرق بين الفِسْق والفُجُور، وهو (أنَّ الفِسْق: هو الخروج مِن طاعة الله بكبيرة، والفُجُور: الانبعاث في المعاصي والتَّوسُّع فيها، وأصله مِن قولك: أَفْجَرت السِّكْر إذا خرقت فيها خَرْقًا واسعًا، فانبعث الماء كلَّ مُنْبَعث، فلا يقال لصاحب الصَّغيرة: فاجرٌ، كما لا يقال لمن خَرَق في السِّكْر خرقًا صغيرًا أنَّه قد فَجَر السِّكْر، ثمَّ كثر استعمال الفُجُور حتى خُصَّ بالزِّنا واللِّواط وما أشبه ذلك) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:28 PM
ذَمُّ الفُجُور والنَّهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2581)
أولًا: في القرآن الكريم

وردت آيات في القرآن الكريم في معنى الفُجُور مِن هذه الآيات ما يلي:
- قال تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص: 28].
وفي تفسير هذه الآية قال الطَّبري: أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ يقول: الذين اتقوا الله بطاعته وراقبوه، فحَذِرُوا معاصيه، كَالْفُجَّارِ يعني: كالكفَّار المنتهكين حُرُمَات الله .
- وقال تعالى: بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ [القيامة: 5].
وفي تفسير هذه الآية قال ابن كثير: (وقوله: بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ قال سعيد، عن ابن عبَّاس: يعني يمضي قُدُمًا.
وقال العوفي، عن ابن عبَّاس: لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يعني: الأمل، يقول الإنسان: أعمل ثمَّ أتوب قبل يوم القيامة، ويقال: هو الكفر بالحقِّ بين يدي القيامة.
وقال مجاهد: لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ ليمضي أمامه راكبًا رأسه. وقال الحسن: لا يلقى ابن آدم إلَّا تَنْزِع نفسه إلى معصية الله قُدمًا قُدمًا، إلَّا مَن عصمه الله) .
- قوله تعالى: أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: 42].
قال الآلوسي فى تفسير هذه الآية: (أُوْلَئِكَ إشارة إلى أصحاب تلك الوجوه وما فيه مِن معنى البعد للإيذان ببعد درجتهم في سوء الحال، أي: أولئك الموصوفون بما ذُكِر هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ، أي: الجامعون بين الكفر والفُجُور؛ فلذلك جمع الله تعالى لهم بين الغَبَرة والقَتَرة، وكأن الغَبَرة للفجور والقَتَرة للكفور، نعوذ بالله عزَّ وجلَّ من ذلك) .
- وقوله عزَّ وجلَّ: إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ [الانفطار: 13-14].
قال الطَّبري في تفسير هذه الآية: (قوله تعالى ذِكْرُه: وَإِنَّ الْفُجَّارَ الذين كفروا بربِّهم لَفِي جَحِيمٍ) .
- وقوله -سبحانه-: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس: 8].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (وقوله: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا أي: فأرشدها إلى فجورها وتقواها، أي: بيَّن لها ذلك، وهداها إلى ما قدَّر لها.
قال ابن عبَّاس: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا بيَّن لها الخير والشَّر. وكذا قال مجاهد، وقتادة، والضَّحاك، والثَّوري.
قال سعيد بن جبير: ألهمها الخير والشَّرَّ. وقال ابن زيد: جعل فيها فجورها وتقواها) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:31 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عبد الله رضي الله عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصِّدق، فإنَّ الصِّدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنَّة، وما يزال الرَّجل يصدق، ويتحرَّى الصِّدق حتى يُكْتَب عند الله صدِّيقًا. وإيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار، وما يزال الرَّجل يكذب، ويتحرَّى الكذب حتى يُكْتَب عند الله كذَّابًا)) .
قال المناويُّ: (عليكم بالصِّدق. أي: الزموه وداوموا عليه. فإنَّه مع البرِّ. يحتمل أنَّ المراد به العبادة. وهما في الجنَّة. أي: الصِّدق مع العبادة يُدْخِلان الجنَّة. وإيَّاكم والكذب. اجتنبوه واحذروا الوقوع فيه. فإنَّه مع الفُجُور. أي: الخروج عن الطَّاعة. وهما في النَّار. يُدْخِلان نار جهنَّم) .
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((أربعٌ مَن كنَّ فيه، كان منافقًا، أو كانت فيه خصلة مِن أربعة، كانت فيه خصلة مِن النِّفاق، حتى يدعها: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) .
قال ابن رجب: (ويعني بالفُجُور: أن يخرج عن الحقِّ عمدًا حتى يصير الحقُّ باطلًا والباطل حقًّا، وهذا ممَّا يدعو إليه الكذب، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكم والكذب، فإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور، وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار)) ) .
قال ابن حجر: (الفُجُور: الميْل عن الحقِّ والاحتيال في ردِّه) .
وقال ابن بطال: (الفُجُور: الكذب والرِّيبة، وذلك حرام، ألَا ترى أنَّ النَّبيَّ -عليه السلام- قد جعل ذلك خصلة مِن النِّفاق) .
- عن أبي قتادة بن ربعي، أنَّه كان يحدِّث أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَرَّ عليه بجنازة، فقال: ((مستريح ومستراح منه. قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ قال: العبد المؤمن يستريح مِن نصب الدُّنيا وأذاها إلى رحمة الله، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشَّجر والدَّواب)) .
قال الباجيُّ: (قوله صلى الله عليه وسلم لما رأى الجنازة: مستريح ومستراح منه. يريد أنَّ مَن توفي مِن النَّاس على ضربين: ضرب يستريح، وضرب يُسْتَراح منه، فسألوه عن تفسير مراده بذلك، فأخبر أنَّ المستريح: هو العبد المؤمن يصير إلى رحمة الله وما أُعِدَّ له مِن الجنَّة والنِّعمة، ويستريح مِن نصب الدُّنيا وتعبها وأذاها، والمستراح منه هو العبد الفاجر، فإنَّه يستريح منه العباد والبلاد والشَّجر والدَّواب، ويحتمل أن يكون أذاه للعباد بظلمهم، وأذاه للأرض والشَّجر: بغصبها مِن حقِّها وصرفها إلى غير وجهها، وإتعاب الدَّواب بما لا يجوز له مِن ذلك، فهذا مستراح منه) .
قال ابن حجر: (والفاجر يَحْتَمِل أن يُرِيد به الكافر، ويَحْتَمِل أن يدخل فيه العاصي) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:34 PM
أقوال السَّلف والعلماء في الفُجُور

- قال الحسن بن علي رضي الله عنه: (أكيس الكيس التُّقَى، وأحمق الحمق الفُجُور) .
- وقال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (لا تعرضنَّ فيما لا يعنيك، واعتزل عدوَّك، واحتفظ مِن خليلك إلَّا الأمين، فإنَّ الأمين مِن القوم لا يعدله شيء، ولا تصحب الفاجر يعلِّمك مِن فجوره، ولا تفش إليه سرَّك، واستشر في دينك الذين يخشون الله عزَّ وجلَّ).
- وعن ابن مسعود موقوفًا: (إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه قاعدٌ تحت جبلٍ، يخاف أن يقع عليه، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مَرَّ على أنفه، فقال به هكذا- أي بيده- فذبَّه عنه) .
- وقال الشَّعبي: (اتَّقوا الفاجر مِن العلماء، والجاهل مِن المتعبِّدين، فإنَّهما آفة كلِّ مفتون) .
- وعن سفيان قال: كان يقال: (تعوَّذوا بالله مِن فتنة العابد الجاهل، وفتنة العالم الفاجر، فإنَّ فتنتهما فتنة كلِّ مفتون) .
- وقال علي رضي الله عنه: (الحِرفة مع العفَّة خير مِن الغِنَى مع الفُجُور) .
- وقال -أيضًا-: (خالط المؤمن بقلبك، وخالط الفاجر بخلقك، كان يقال: يُمْتَحن الرَّجل في ثلاثة أشياء: عند هواه إذا هوى، وعند غضبه إذا غضب، وعند طمعه إذا طمع) .
- وقال -أيضًا-: (لا تواخ الفاجر؛ فإنَّه يزيِّن لك فعله، ويحبُّ لو أنَّك مثله، ومدخله عليك ومخرجك مِن عنده شَيْنٌ وعار) .
- ورُوِي عن الحسين أنَّه قال: (يا بني؛ ليس مع قطيعة الرَّحم نَمَاء، ولا مع الفُجُور غِنًى) .
- وقال مالك بن دينار: (إنَّ للمؤمن نيَّة في الخير هي أمامه لا يبلغها عمله، وإنَّ للفاجر نيَّة في الشَّرِّ هي أمامه لا يبلغها عمله) .
- وقال سفيان الثَّوري: (إيَّاك والحدَّة والغضب، فإنَّهما يجرَّان إلى الفُجُور، والفُجُور يجرُّ إلى النَّار) .
- وقيل للحسن: الفاجر المعلن بفجوره، ذِكْرِي له بما فيه غيبة؟ قال: لا، ولا كرامة.
- وقال الحسن البصري: (إنَّ المؤمن أحسن الظَّنَّ بربِّه فأحسن العمل، وإنَّ الفاجر أساء الظَّنَّ بربِّه فأساء العمل، فكيف يكون يحسن الظَّنَّ بربِّه مَن هو شارد عنه، حالٌّ مرتحل في سخطه؟!) .
- وفي أثرٍ عن بعض السَّلف: أنَّ المؤمن ينضي شيطانه كما ينضي الرَّجل بعيره في السَّفر؛ لأنَّه كلَّما اعترضه صبَّ عليه سياط الذِّكر والتوجُّه والاستغفار والطاعة، فشيطانه معه في عذاب شديد، ليس بمنزلة شيطان الفاجر الذي هو معه في راحة ودعة، ولهذا يكون قويًّا عاتيًا شديدًا .
-وقال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (لا تعرض لما لا يعنيك، واعتزل عدوَّك، واحذر صديقك مِن القوم إلَّا الأمين، ولا أمين إلَّا مَن خشي الله تعالى، ولا تصحب الفاجر فيعلِّمك مِن فجوره، ولا تُطْلِعه على سرِّك، واستشر في أمرك الذين يخشون الله) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:35 PM
آثارُ الفُجُور

1- الفُجُور مِن الطُّرق الموصلة إلى النَّار، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وإنَّ الفُجُور يهدي إلى النَّار)).
2- الفُجُور دليلٌ على خِسَّة النَّفس، وعلامة مِن علامات الدَّناءة في الشَّخص، وعنوانٌ للانحطاط الأخلاقي.
3- الفُجُور خُلُقٌ يدعو لكراهية صاحبه، ويجعله ممقوتًا مِن الخَلْق، ممَّا يزرع الشَّحناء والبغضاء في المجتمع.
4- كما أنَّ هذه الصِّفة ليس ضررها محصورًا على الفاجر وحده، بل إنَّ تداعيات فجوره قد تُلْحِق الأذى على الأفراد وعلى المجتمع.

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:36 PM
أسباب الوقوع في الفُجُور

1- هشاشة الإيمان في قلب الموصوف بالفُجُور، وضعف الوازع الدِّيني، وعدم الخوف مِن الله سبحانه وتعالى ومراقبته.
2- قد تُسَبِّب بعض الظَّواهر الاجتماعيَّة في الوقوع في الفُجُور، كأن يكون المجتمع مجتمع غير منضبط بضوابط الشَّرع، وقد تكون التَّنشئة والتَّربية هي السَّبب في ظهور هذه الظَّاهرة.
3- غياب فريضة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
4- التَّساهل بالمعاصي الصَّغيرة واستمرائها، يصل بالمرء إلى مرتبة الفُجُور والعياذ بالله، وكما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((وإنَّ الكذب يهدي إلى الفُجُور)).

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:38 PM
مِن الأقوال والأمثال في الفُجُور

1- كان يقال: (اثنان لا يجتمعان: القُنُوع والحسد، واثنان لا يفترقان أبدًا: الحرص والفُجُور) .
2- وقال بعضهم -وتُروَى عن الجاحظ-: (خير الدُّنيا والآخرة في خصلتين: التُّقى والغِنى. وشرُّ الدُّنيا والآخرة خصلتين: الفُجُور والفقر) .
3- وقال ابن المقفَّع: (النَّاس على دين السُّلطان إلَّا القليل؛ فليكن للبِرِّ والمروءة عنده نفاق، ف****د بذلك الفُجُور والدَّناءة) .
4- وقال أبان بن تغلب: (سمعت امرأة توصي ابنًا لها وأراد سفرًا، فقالت: أي بني، أوصيك بتقوى الله، فإنَّ قليله أجدى عليك مِن كثير عقلك، وإيَّاك والنَّمائم. فإنَّها تورث الضَّغائن، وتفرِّق بين المحبِّين؛ ومثِّل لنفسك مثال ما تستحسن لغيرك ثمَّ اتَّخذه إمامًا، وما تستقبح مِن غيرك فاجتنبه، وإيَّاك والتَّعرُّض للعيوب فتصير نفسك غرضًا، وخليق ألَّا يلبث الغرض على كثرة السِّهام، وإيَّاك والبخل بمالك، والجود بدينك. فقالت أعرابيَّة معها: أسألك إلَّا زدته يا فلانة في وصيتَّك. قالت: إي والله؛ والغدر أقبح ما يعامل به الإخوان، وكفى بالوفاء جامعًا لما تشتَّت مِن الإخاء، ومَن جمع العلم والسَّخاء فقد استجاد الحُلَّة، والفُجُور أقبح خُلَّة وأبقى عارًا) .
4- وعن صعصعة بن صوحان أنَّه قال لابن زيد بن صوحان: (أنا كنت أكرم على أبيك منك، وأنت أكرم عليَّ مِن ابني، إذا لقيت المؤمن فخالصه. وإذا لقيت الفاجر فخالفه، ودينك لا تُكلِّمنَّه) .
5- وقال أبو عمرو بن العلاء: (يا عبد الملك: كن مِن الكريم على حذر إن أهنته، ومِن اللَّئيم إذا أكرمته، ومِن العاقل إذا أحرجته، ومِن الأحمق إذا مازحته، ومِن الفاجر إذا عاشرته، وليس مِن الأدب أن تجيب مَن لا يسألك، ولا تسأل مَن لا يجيبك، أو تحدث مَن لا ينصت لك) .
6- وقال بعض أهل الأدب: (عشر خصالٍ تزري، ومنها تتفرَّع النَّذالة: الحسب الرَّديء، والخُلُق الدَّنيء، وقلَّة العقل، وسوء الفعل، ودناءة النَّفس، والجبن، والبخل، والفُجُور، والكذب، والغش للنَّاس والوقيعة فيهم) .
7- وقال الأصمعي: (قال بعض العرب: ليست الفُتُوَّة الفِسْق ولا الفُجُور، ولا شرب الخمور، وإنَّما الفُتُوَّة طعام موضوع، وصنيع مصنوع، ومكان مرفوع، ولسان معسول، ونائل مبذول، وعفاف معروف، وأذى مكفوف) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:42 PM
ذم الفُجُور في واحة الشِّعر

قال زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله تعالى عنه:

ألم تعلمْ بأنَّ اللهَ أفنَى *** رجالًا كان شأنُهم الفُجُور


وقال مروان بن الحكم:

وللشَّرِّ أهلٌ يُعرفون بسلبِهم *** تشيرُ إليهم بالفُجُورِ الأصابعُ


وقال أحمد بن يوسف:

وعامل بالفُجُورِ يأمرُ بالبِرِّ *** كهادٍ يخوضُ في الظُّلَم



أو كطبيبٍ قد شَفَّهُ سَقَمٌ *** وهو يداوى مِن ذلك السَّقم



يا واعظَ النَّاسِ غيرَ متَّعظٍ *** ثوبَك طهِّرْ أولًا فلا تلم


وقال الزُّبير بن عبد المطَّلب:

كمالُ المرءِ حسنُ الدِّينِ منه *** وينقصُه وإن كَمَل الفُجُورُ


وقال الشَّاعر:

فيا محنةَ الإسلامِ مِن كلِّ فاجرٍ *** وكلُّ جهولٍ بالحدودِ وغاشمِ



ومِن مُدَّعٍ للدِّينِ والحقِّ ثمَّ لا *** يحامي عن الإسلامِ عند التَّزاحمِ



ومنتسبٌ للعلمِ أضحَى بعلمِه *** يسوسُ به الدُّنيا وجمع الدَّراهمِ



ولكنَّه أضحَى عن الحقِّ ناكبًا *** بتركِ الهدى ميلًا إلى كلِّ ظالمِ

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:45 PM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg

الفحش والبذاءة

معنى الفحش والبذاءة لغةً واصطلاحًا
معنى الفحش لغةً:
أصل هذه المادة يدلُّ على قُبح في شيء وشَناعَة، يقال: فحش الشيء فحشًا، مثل قبح قبحًا وزنًا ومعنًى، وفي لغة من باب ***، وهو فاحش، وكل شيء جاوز الحد فهو فاحش، وأفحش الرجل أتى بالفحش، وهو القول السيئ، وتفحش في كلامه .
معنى الفحش اصطلاحًا:
ما ينفر عنه الطبع السليم، ويستنقصه العقل المستقيم .
وقال الراغب: (الفحش، والفحشاء، والفاحشة: ما عظم قبحه، من الأفعال، والأقوال) .
(وقال الحرالي: ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة، كما ينكره العقل ويستخبثه الشرع، فيتفق في حكمه آيات الله الثلاث، من الشرع، والعقل والطبع، وبذلك يفحش الفعل) .
معنى البذاءة لغةً:
بَذَأَ بَذْءًا، وبذاءً: فحش قوله، والبذاء، بالمد: الفحش. وفلان بذي اللسان، والمرأة بذية، بذؤ بذاء وبذاءة، فهو بذيء. وبَذئ بَذْءًا، وبذوت على القوم، وأبذيتهم وأبذيت عليهم: من البذاء وهو الكلام القبيح. والبَذِيء: الرجل الفاحش اللسان .
معنى البذاءة اصطلاحًا:
هو الفحش والقبح في المنطق وإن كان الكلام صدقًا .
وقال الكفوي: البذاء (هو التعبير عن الأمور المستقبحة، بالعبارات الصريحة) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:47 PM
الفرق بين الفحش والقبح

قال أبو هلال العسكري: (إنَّ الفاحش الشديد القبح، ويستعمل القبح في الصور فيقال: القرد قبيح الصورة، ولا يقال فاحش الصورة، ويقال: هو فاحش القبح، وهو فاحش الطول، وكلُّ شيء جاوز حدَّ الاعتدال مجاوزة شديدةً فهو فاحش، وليس كذلك القبيح) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:49 PM
ذم الفحش والبذاءة في السنة النبوية

- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء)) .
قال ابن بطال في قوله: (... ((ولا الفاحش)). أي: فاعل الفحش أو قائله. وفي النهاية أي: من له الفحش في كلامه، وفعاله، قيل أي: الشاتم. والظاهر أنَّ المراد به الشتم القبيح الذي يقبح ذكره. ((ولا البذيء))... وهو الذي لا حياء له، كما قاله بعض الشُرَّاح. وفي النهاية: البذاء بالمد، الفحش في القول، وهو بذيء اللسان، وقد يقال بالهمز وليس بكثير. اهـ. فعلى هذا يخص الفاحش بالفعل لئلا يلزم التكرار، أو يحمل على العموم، والثاني يكون تخصيصًا بعد تعميم بزيادة الاهتمام به؛ لأنه متعد) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ائذنوا له، بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام. قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام. قال: أي عائشة، إنَّ شرَّ الناس من تركه الناس- أو ودعه- الناس اتقاء فحشه)) .
(قال الخطابي: جمع هذا الحديث علمًا وأدبًا، وليس في قول النَّبي صلى الله عليه وسلم في أمته بالأمور التي يسميهم بها، ويضيفها إليهم من المكروه غِيبة، وإنَّما يكون ذلك من بعضهم في بعض، بل الواجب عليه أن يبين ذلك، ويفصح به، ويعرف النَّاس أمره، فإنَّ ذلك من باب النصيحة، والشفقة على الأمة، ولكنه لما جبل عليه من الكرم، وأعطيه من حسن الخلق، أظهر له البشاشة، ولم يجبهه بالمكروه؛ لتقتدي به أمته في اتقاء شرِّ مَن هذا سبيله وفي مداراته؛ ليسلموا من شرِّه وغائلته) .
(والفحش، والبذاء، مذموم كله، وليس من أخلاق المؤمنين. وقد روى مالك عن يحيى بن سعيد أن عيسى بن مريم لقي خنزيرًا في طريق فقال له: انفذ بسلام. فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال عيسى ابن مريم: إني أخاف أن أعود لساني المنطق السوء. فينبغي لمن ألهمه الله رشده، أن يجنبه ويعود لسانه طيب القول، ويقتدي في ذلك بالأنبياء عليهم السلام، فهم الأسوة الحسنة. وفى حديث عائشة أنه، لا غِيبة في الفاسق المعلن، وإن ذكر بقبيح أفعاله. وفيه: جواز مصانعة الفاسق، وإلانة القول لمنفعة ترجى منه) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:52 PM
أقوال السلف والعلماء في الفحش والبذاءة

- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (ألأَمُ خُلق المؤمن، الفحش) .
- و(رأى أبو الدرداء رضي الله عنه امرأة سليطة اللسان، فقال: لو كانت هذه خرساء، كان خيرًا لها) .
- وعن إبراهيم بن ميسرة قال: (يقال: الفاحش المتفحش يوم القيامة، في صورة كلب، أو في جوف كلب) .
- وعن عون بن عبد الله قال: (ألا أنَّ الفحش والبذاء من النفاق، وهن مما يزدن في الدنيا، وينقصن في الآخرة، وما ينقصن في الآخرة أكثر مما يزدن في الدنيا) .
- وقال الأحنف بن قيس: (أولا أخبركم بأدوأ الداء: اللسان البذيء، والخلق الدنيء) .
- وقال أسماء بن خارجة: (ما شتمت أحدًا قط؛ لأنَّ الذي يشتمني أحد رجلين ؛كريم كانت منه زلة وهفوة، فأنا أحق من غفرها، وأخذ الفضل فيها، أو لئيم فلم أكن لأجعل عرضي له غرضًا... وكان يتمثَّل:

وأغفر عوراء الكريم ادخاره *** وأعرض عن شتم اللئيم تكرما- وقال سعيد بن العاص: (ما شتمت رجلًا منذ كنت رجلًا، ولا زاحمت ركبتي ركبته، وإذا أنا لم أصل زائري حتى يرشح جبينه كما يرشح السقاء، فوالله ما وصلته) .
- وعن الأصمعي قال: (جرى بين رجلين كلام، فقال أحدهما لصاحبه: لمثل هذا اليوم كنت أدع الفحش على الرجال. فقال له خصمه: فإني أدع الفحش عليك اليوم؛ لما تركت قبل اليوم) .
- وعن ابن عائشة، عن أبيه؛ قال: (قال بعض الحكماء: لا تضع معروفك عند فاحش، ولا أحمق، ولا لئيم؛ فإن الفاحش يرى ذلك ضعفًا، والأحمق لا يعرف قدر ما أتيت إليه، واللئيم سبخة لا ينبت ولا يثمر، ولكن إذا أصبت المؤمن؛ فازرعه معروفك تحصد به شكرًا) .
- وقال ابن حبان البستي: (إنَّ الوقح إذا لزم البذاء، كان وجود الخير منه معدومًا، وتواتر الشر منه موجودًا، لأنَّ الحياء هو الحائل بين المرء وبين المزجورات كلها، فبقوة الحياء يضعف ارتكابه إياها، وبضعف الحياء تقوى مباشرته إياها) .
- وقال الماوردي: (ومما يجري مجرى فحش القول وهُجْره في وجوب اجتنابه، ولزوم تنكبه، ما كان شنيع البديهة، مستنكر الظاهر، وإن كان عقب التأمل سليمًا، وبعد الكشف والرويَّة مستقيمًا) .
- وقال القاسمي: (كلام الإنسان، بيان فضله، وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل، وإياك وما يستقبح من الكلام؛ فإنه يُنَفِّر عنك الكرام، ويُوَثِّب عليك اللئام) .

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:53 PM
آثار الفحش والبذاء

1- فاعل الفحش، أو قائله، يستحق العقوبة من الله في الدنيا والآخرة.
2- يتحاشاه الناس، خوفًا من شرِّ لسانه:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ شرِّ الناس منزلةً عند الله يوم القيامة، من تُرك اتقاء فحشه)) .
3- البذاء والفحش من علامات النفاق.
4- ليس من صفات المؤمن الكامل الإيمان، الفحش والبذاء.
5- الفاحش المتفحش يبغضه الله:
قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله تَعَالى يبغض الْفاحِشَ المتَفَحِّشَ)) .
6- الفاحش يكون بعيدًا من الله ومن الناس.

محمد رافع 52
07-11-2013, 11:57 PM
المقصود بالفحش والفحشاء

تطلق لفظة الفحش والفحشاء على عدة أمور منها:
1- إطلاقها على الزنا:
تطلق كلمة فاحشة على الزنا قال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً [الإسراء: 32]، وقال عز من قائل: إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ [الطلاق: 1] .
(قال ابن بكير: إذا نعتت الفاحشة بمبينة، فهي من باب البذاء باللسان، وإذا لم تنعت وأطلقت فهي الزنى، وقيل إذا كانت الفاحشة بالألف واللام فهي الزنى، واللواط) .
وقال ابن الأثير: (وكثيرًا ما ترد الفاحشة بمعنى الزنا) .
2- وتطلق على البخيل، الفاحش:
قال طرفة:

أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي *** عقيلة مال الفاحش المتشدد


يعني: الذي جاوز الحدَّ في البخل، وقال ابن بري: الفاحش، السيئ الخلق، المتشدد البخيل .
3- وتطلق على كل أمر لا يكون موافقًا للحق والقدر:
قال ابن جرير: (وأصل الفحش: القبح، والخروج عن الحد والمقدار في كلِّ شيء. ومنه قيل للطويل المفرط الطول:إنه لفاحش الطول، يراد به: قبيح الطول، خارج عن المقدار المستحسن. ومنه قيل للكلام القبيح غير القصد:كلام فاحش، وقيل للمتكلم به: أفحش في كلامه، إذا نطق بفُحش) .
4- وتطلق على كلِّ خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال:
قال ابن الجوزي في تفسيره لقوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ: (والفاحشة القبيحة، وكل شيء جاوز قدره فهو فاحش، والمراد بها هاهنا قولان أحدهما: أنها الزنى، قاله جابر بن زيد والسدي ومقاتل.
والثاني: أنها كل كبيرة: قاله جماعة من المفسرين) .
وقال الآلوسي: (قيل: الفاحشة المعصية الفعلية، وظلم النفس المعصية القولية، وقيل الفاحشة ما يتعدى، ومنه إفشاء الذنب؛ لأنَّه سبب اجتراء الناس عليه، ووقوعهم فيه، وظلم النفس ما ليس كذلك، وقيل: الفاحشة كلُّ ما يشتد قبحه من المعاصي والذنوب، وتقال لكل خصلة قبيحة من الأقوال والأفعال .
5- وتطلق على الفحش في الكلام:
والفحش في الكلام:
أ- إما أن يكون بمعنى السب والشتم وقول الخنا، كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: ((لم يكن النَّبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا...)).
ب- وإما أن يكون بالتعدي في القول والجواب، كما في حديث عائشة، رضي الله عنها: ((أنَّ يهودًا أتوا النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم. فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله، وغضب الله عليكم. قال: مهلا يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك وال*** والفحش. قالت: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: أولم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في)) .
وقال الماوردي: (وما قدح في الأعراض من الكلام نوعان: أحدهما: ما قدح في عرض صاحبه ولم يتجاوزه إلى غيره، وذلك شيئان: الكذب وفحش القول. والثاني: ما تجاوزه إلى غيره، وذلك أربعة أشياء: الغِيبة والنَّمِيمَة والسعاية والسب بقذف أو شتم. وربما كان السب أنكاها للقلوب، وأبلغها أثرًا في النفوس. ولذلك زجر الله عنه بالحدِّ تغليظًا، وبالتفسيق تشديدًا وتصعيبًا. وقد يكون ذلك لأحد شيئين: إما انتقام يصدر عن سفه، أو بذاء يحدث عن لؤم. وقد روى أبو سلمة عن أبي هريرة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن غر كريم ، والفاجر خب لئيم )) . وقال ابن المقفع: الاستطالة لسان الجهال. وكف النفس عن هذه الحال بما يصدها من الزواجر أسلم، وهو بذوي المروءة أجمل) .
ج- وإمَّا بالتعبير عن الأمور المستقبحة بعبارة صريحة:
بعض الناس يستخدم عبارات يقبح استخدامها، حتى لو كانت هذه العبارات مطابقة للواقع ينبغي تجنبها، وعليه أن يستعمل الكناية، وأن لا يصرح به، ويعبر عنه بكلام يفهم منه المقصود، قال النووي: (قال العلماء: فينبغي أن يستعمل في هذا وما أشبهه من العبارات التي يستحيى من ذكرها بصريح اسمها، الكنايات المفهمة، فيكني عن جماع المرأة؛ بالإفضاء، والدخول، والمعاشرة، والوقاع، ونحوها... وكذلك يكني عن البول والتغوط، بقضاء الحاجة، والذهاب إلى الخلاء، ولا يصرح بالخراءة والبول ونحوهما، وكذلك ذكر العيوب؛ كالبرص، والبخر، والصنان، وغيرها، يعبر عنها بعبارات جميلة يفهم منها الغرض، ويلحق بما ذكرناه من الأمثلة ما سواه. واعلم أنَّ هذا كلَّه إذا لم تدع حاجة إلى التصريح بصريح اسمه، فإن دعت حاجة لغرض البيان والتعليم، وخيف أن المخاطب لا يفهم المجاز، أو يفهم غير المراد، صُرِّح حينئذ باسمه الصريح ليحصل الإفهام الحقيقي، وعلى هذا يحمل ما جاء في الأحاديث من التصريح بمثل هذا، فإنَّ ذلك محمول على الحاجة كما ذكرنا، فإن تحصيل الإفهام في هذا أولى من مراعاة مجرد الأدب) .
وقال الغزالي: (فإنَّ لأهل الفساد عبارات صريحة فاحشة يستعملونها فيه، وأهل الصلاح يتحاشون عنها بل يكنون عنها، ويدلون عليها بالرموز، فيذكرون ما يقرِّبها ويتعلق بها، وقال ابن عباس: إنَّ الله حي كريم، يعفو ويكنو، كنى باللمس عن الجماع، فالمسيس واللمس، والدخول والصحبة، كنايات عن الوقاع وليست بفاحشة، وهناك عبارات فاحشة، يستقبح ذكرها ويستعمل أكثرها في الشتم والتعيير، وهذه العبارات متفاوتة في الفحش، وبعضها أفحش من بعض، وربما اختلف ذلك بعادة البلاد، وأوائلها مكروهة وأواخرها محظورة وبينهما درجات يتردد فيها، وليس يختص هذا بالوقاع، بل بالكناية بقضاء الحاجة عن البول والغائط أولى من لفظ التغوط والخراء وغيرهما، فإنَّ هذا أيضًا ما يخفى، وكل ما يخفى يستحيا منه فلا ينبغي أن يذكر ألفاظه الصريحة فإنَّه فحش، وكذلك يستحسن في العادة الكناية عن النساء، فلا يقال قالت زوجتك كذا، بل يقال: قيل في الحجرة، أو من وراء الستر، أو قالت أم الأولاد، فالتلطف في هذه الألفاظ محمود، والتصريح فيها يفضي إلى الفحش، وكذلك من به عيوب يستحيا منها، فلا ينبغي أن يعبر عنها بصريح لفظها كالبرص، والقرع، والبواسير، بل يقال: العارض الذي يشكوه وما يجري مجراه، فالتصريح بذلك داخل في الفحش، وجميع ذلك من آفات اللسان) .

محمد رافع 52
10-11-2013, 11:05 PM
الأسباب الدافعة للفحش والبذاءة

1- الخبث واللؤم:
الفُسَّاق وأهل الخبث واللؤم من عادتهم، السب، والكلام الفاحش، والبذيء.
قال القرطبي: (والبذي اللسان يسمَّى سفيهًا؛ لأنَّه لا تكاد تتفق البذاءة إلا في جهال الناس، وأصحاب العقول الخفيفة) .
وقال الراغب الأصفهاني: (البذاء: الكلام القبيح، ويكون من القوة الشهوية طورًا؛ كالرفث والسخف، ويكون من القوة الغَضَبية طورًا، فمتى كان معه استعانة بالقوة الفكرة يكون فيه السباب، ومتى كان من مجرد الغَضَب كان صوتًا مجردًا لا يفيد نطقًا، كما ترى كثيرًا ممن فار غضبه وهاج هائجه) .
2- قصد الإيذاء:
ربما يكون سبب الكلام الفاحش والبذيء (لردة فعل من تصرف أو قول ضدك، فتثور نفسك لتثأر لما سمعته من إيذاء، أو قابلته من تصرف مشين. وقد قال صلى الله عليه وسلم لجابر بن سليم: ((وإن امرؤ شتمك، أو عيَّرك بشيء يعلمه فيك، فلا تعيِّره بشيء تعلمه فيه، ودعه يكون وباله عليه وأجره لك فلا تسبنَّ شيئًا)) .
وما أجمل اللجوء إلى الهدوء لمعالجة هذه القضايا بالتي هي أحسن، وبالحكمة والموعظة الحسنة، وفي ذلك خزيٌ للشيطان الذي يتربص بالإنسان المؤمن، فإذا غضب المؤمن كانت فرصة الشيطان في غرس الشقاق، وإذهاب المودة والمحبة بين الإخوان) .
3- الاعتياد على مخالطة الفساق:
من خالط الفساق وأهل الخبث واللؤم يصبح مثلهم؛ لأنَّ من عادتهم السب والشتم والبذاءة (ولذا يجب على المسلم مجانبة أهل الباطل والفحش، وأن يبحث عن أهل الخير ليخالطهم، ويستمع إلى الكلمة الطيبة منهم، لتصفو بها نفسه؛ لأنَّ المؤمنين الأتقياء أصحاب الكلمة الطيبة الكريمة الفاضلة، يجعلون كلامهم من وراء قلوبهم، يمحصون الكلمة، فإن أرضت الله أمضوها على ألسنتهم، وإلا استغفروا الله وصمتوا، فهم لا يتكلمون بالكلمة النابية، ولا يلعنون ولا يسبون) .
قال الشاعر:

فصاحب تقيًّا عالـمًا تنتفع به *** فصحبة أهل الخير ترجى وتطلب



وإياك والفساق لا تصحبنهم *** فقربهم يعدي وهذا مجرب



فإنا رأينا المرء يسرق طبعه *** من الإلف ثم الشر للناس أغلب

محمد رافع 52
10-11-2013, 11:10 PM
الوسائل المعينة على ترك الفحش والبذاءة

1- الإكثار من ذكر الله:
أنَّ أعرابيًّا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأنبئني منها بشيء أتشبث به ، قال: لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله عزَّ وجلَّ)) .
وذكر ابن القيم من فوائد الذكر: (أنَّه سبب اشتغال اللسان عن الغِيبة، والنَّمِيمَة، والكذب، والفحش، والباطل، فإنَّ العبد لا بدَّ له من أن يتكلم، فإن لم يتكلَّم بذكر الله تعالى وذكر أوامره، تكلَّم بهذه المحرمات، أو بعضها، ولا سبيل إلى السلامة منها البتة إلا بذكر الله تعالى، والمشاهدة والتجربة شاهدان بذلك، فمن عوَّد لسانه ذكر الله، صان لسانه عن الباطل واللغو، ومن يبَّس لسانه عن ذكر الله تعالى، ترطَّب بكلِّ باطل ولغو وفحش، ولا حول ولا قوة إلا بالله) .
2- لزوم الصمت:
قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء: 36].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) .
3- تعويد اللسان على الكلام الجميل:
فيبعده ذلك عن فحش الكلام وبذيئه.
4- تجنب الألفاظ المستقبحة وإن كانت صدقًا، والتكنية عنها:
قال الماوردي: (يتجافى هجر القول، ومستقبح الكلام، وليعدل إلى الكناية عما يستقبح صريحه، ويستهجن فصيحه؛ ليبلغ الغرض ولسانه نزه، وأدبه مصون) .
وقال العلاء بن هارون: (كان عمر بن عبد العزيز يتحفظ في منطقه، فخرج تحت إبطه خراج، فأتيناه نسأله لنرى ما يقول، فقلنا: من أين خرج فقال: من باطن اليد) .
5- أن لا يتحدث فيما لا يعنيه:
قال صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) .
وكان عبد الله بن عمر يقول: ((دع ما لست منه في شيء، ولا تنطق فيما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك)) .
وقال رجل للأحنف بن قيس: بم سُدت قومك - وأراد عيبه -؟ فقال الأحنف: بتركي من أمرك ما لا يعنيني، كما أعناك من أمري ما لا يعنيك .
6- أن لا يعتاد لعن الدواب والأماكن:
قال صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا ينبغي لصِدِّيق أن يكون لعَّانًا)) .
وعن أبي برزة الأسلمي، قال: ((بينما جارية على ناقة، عليها بعض متاع القوم، إذ بصرت بالنَّبي صلى الله عليه وسلم، وتضايق بهم الجبل، فقالت: حل ، اللهم العنها. قال: فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: لا تصاحبنا ناقة عليها لعنة)) .
7- التخلق بخلق الحياء:
الحياء يمنع من كثير من الفحش، والبذاء، ويحمل على كثير من أعمال الخير، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كان الحياء في شيء قط إلا زانه، ولا كان الفحش في شيء قط إلا شانه)) .
قال ابن عبد البر: (إنَّ الحياء يمنع من كثير من الفحش والفواحش، ويشتمل على كثير من أعمال البر، وبهذا صار جزءًا وشعبة من الإيمان؛ لأنَّه وإن كان غريزة مركبة في المرء، فإنَّ المستحي يندفع بالحياء عن كثير من المعاصي، كما يندفع بالإيمان عنها إذا عصمه الله، فكأنه شعبة منه، لأنَّه يعمل عمله، فلما صار الحياء والإيمان يعملان عملًا واحدًا، جعلا كالشيء الواحد، وإن كان الإيمان اكتسابًا والحياء غريزةً) .
8- مصاحبة ومجالسة الأخيار:
من جالس الأخيار يعينونه على طريق الخير، ويحمدونه إذا أحسن، وينصحونه إذا أخطأ، قال صلى الله عليه وسلم: ((المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) .
قال الشاعر:

إذا ما صحبت القوم فاصحب خيارهم *** ولا تصحبِ الأردى فتردى مع الردي


وقال الحسن بن علي الخلال: (قال بعض الحكماء: مجالسة أهل الديانة، تجلو عن القلوب صدأ الذنوب، ومجالسة ذوي المروءة، تدل على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء، تنتج ذكاء القلوب، ومن عرف تقلب الزمان لم يركن إليه) .

محمد رافع 52
10-11-2013, 11:26 PM
ذم الفحش والبذاءة في واحة الشعر

قال الشاعر:

بُــسُــطُ الأَيْـدِي إِذَا ما سُـئِلُوا *** نُفُعُ النَّائِـلِ إِنْ شيءٌ نَـفَعْ



مِنْ أُناسِ لَيْسَ في أَخْلاقِهِمْ *** عَاجِلُ الفُحْشِ ولا سُوءُ الجَزَعْ





وقال طلحة بن عبيد الله:

فلا تعجلْ على أحدٍ بظلمٍ *** فإنَّ الظلمَ مرتعُه وخيمُ


ولا تفحشْ وإن مُلئتَ غيظًا *** على أحدٍ فإنَّ الفحشَ لومُ

وقال آخر:

لسانُك خيرٌ وحدَه مِن قبيلةٍ *** وما عُدَّ بعدُ في الفتى أنت حاملُه


سوى البخلِ والفحشاءِ واللؤمِ والخنا *** أبتْ ذلكم أخلاقُه وشمائلُه


إذا القومُ أمُّوا سُنةً فهو عامدٌ *** لأكبرِ ما ظنوا به فهو فاعلُه

وقال مسكين الدارمي:

وإذا الفاحشُ لاقَى فاحشًا *** فهناكم وافق الشَّنُّ الطَّبق


إنما الفحشُ ومَن يُعنى به *** كغرابِ السوءِ ما شاء نعق


أو حمارِ السوءِ إن أشبعتَه *** رمَح الناسَ وإن جاع نهق


أو غلامِ السوءِ إن جوعتَه *** سرقَ الجارَ وإن يشبعْ فسق


أو كعذرى رفعتْ عن ذيلِها *** ثم أرختْه ضرارًا فانمزق


أيُّها السائلُ عما قد مضَى *** هل جديدٌ مثلُ ملبوسٍ خَلق

وقال آخر:

توقَّ مِن الناسِ فحشَ الكلامِ *** فكلٌّ ينالُ جنى غرسِه


فمَن جرَّب الذمَّ في عرضِه *** كمَن جرَّب السمَّ في نفسِه

وقال الشاعر:

أحبُّ مكارمَ الأخلاقِ جهدي *** وأكرهُ أن أجيبَ وأن أُجابا


وأصفحُ عن سبابِ الناسِ حِلمًا *** وشرُّ الناسِ مَن يهوَى السِّبابا


http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=0Pl_UqDWE8bN0QXe74DIAQ&psig=AFQjCNFIUq-hzv9eODmdfJ-xjpK2zaNDTQ&ust=1384205124793213)

محمد رافع 52
10-11-2013, 11:30 PM
القسوة والغلظة والفظاظة
معنى القسوة والغلظة والفظاظة لغةً واصطلاحًا

معنى القسوة لغةً:
القسوة اسم من قَسا القَلْب يَقْسُو قَسْوة وقَساوة وقَساء، وهو غلظ القلب، وشدَّته، وهو قاسٍ وقَسِي على فعيل، وأقساه الذنب، ويقال: الذنب مقساةٌ للقلب، والقَسْوَةُ الصلابة في كل شيء، وأصل هذه المادة يَدُلُّ عَلَى شِدَّةٍ وَصَلَابَةٍ .
معنى القَسْوة اصطلاحًا:
قال ابن منظور: (القسوة في القلب، ذهاب اللين، والرحمة، والخشوع منه) .
وقال الجاحظ: (القساوة: وهو خلقٌ مركبٌ من البغض، والشَّجَاعَة، والقساوة، وهو التهاون بما يلحق الغير من الألم والأذى) .
وقال القاري: (هي النبو عن سماع الحق، والميل إلى مخالطة الخلق، وقلة الخشية، وعدم الخشوع والبكاء، وكثرة الغفلة عن دار البقاء) .
معنى الغِلْظَة لغةً:
الغلظة اسم من غلظ يغلظ غلظًا صار غليظًا، واستغلظ مثله وهو غليظ وغلاظ، والأنثى غليظة وجمعها غلاظٌ، ورجل غليظ فظ فيه غلظة، بكسر الغين وضمِّها وفتحها، أي: غير لين ولا سلس، وذو غلظةٍ وفظاظةٍ وقساوةٍ وشدةٍ، وأَغْلَظَ له في القول، والغلظ ضد الرِّقة في الخلق، والطبع، والفعل، والمنطق، والعيش، ونحو ذلك) .
معنى الغِلْظَة اصطلاحًا:
قال الشوكاني (غلظ القلب: قساوته، وقلة إشفاقه،وعدم انفعاله للخير) .
معنى الفَظَاظَة لغةً:
الفَظَاظَةُ من فظَّ يفِظُّ- من باب تعب- فَظاظة: إذا غلظ، حتى يهاب في غير موضعه، ورجل فَظٌّ شديد، غليظ القلب، وذو فظاظةٍ: أي غلظٍ في منطقه وتجهمٍ. والفظاظة والفظظ: خشونة الكلام .
معنى الفظاظة اصطلاحًا:
قال الفيروزآبادي: (الفَظُّ: الغليظ الجانب، السيِّئ الخلق، القاسي الخشن الكلام) .

محمد رافع 52
10-11-2013, 11:33 PM
الفرق بين الغِلْظَة والفَظَاظَة وبعض الصفات
- الفرق بين الغِلْظَة والفَظَاظَة:
يري البعض أنَّهما بمعنى واحد، كما قال العز بن عبد السلام .
ويرى آخرون أنَّهما يختلفان من وجوه:
أنَّ الفظاظة في القول، والغلظة في الفعل، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما .
الفظ: هو سيئ الخلق، وغليظ القلب: هو الذي لا يتأثر قلبه عن شيء .
الفظاظة خشونة القلب، والغلظة قسوة القلب .
- الفرق بين القَسْوة والصَّلابة:
(الفرق بين القسوة والصلابة: أن القسوة تستعمل فيما لا يقبل العلاج، ولهذا يوصف بها القلب، وإن لم يكن صلبًا) .
- الفرق بين القَسْوة والصَّبر:
قال ابن القيم: (الفرق بين الصبر والقسوة: أنَّ الصبر خلقٌ كسبي يتخلق به العبد، وهو: حبس النفس عن الجزع، والهلع، والتشكي، فيحبس النفس عن التسخط، واللسان عن الشكوى، والجوارح عما لا ينبغي فعله، وهو ثبات القلب على الأحكام القدريَّة والشرعيَّة.
وأما القسوة: فيبس في القلب يمنعه من الانفعال، وغلظة تمنعه من التأثير بالنوازل، فلا يتأثر لغلظته وقساوته لا لصبره واحتماله) .

محمد رافع 52
12-11-2013, 11:52 PM
ذم القسوة والغلظة والفظاظة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2620)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ [البقرة: 74].
قال الشوكاني: (القسوة: الصلابة واليبس، وهي: عبارة عن خلوها من الإنابة، والإذعان لآيات الله، مع وجود ما يقتضي خلاف هذه القسوة) [6880] ((فتح القدير)) (1/118). .
قال السعدي: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم (أي: اشتدت وغلظت، فلم تؤثر فيها الموعظة، مِّن بَعْدِ ذَلِكَ أي: من بعد ما أنعم عليكم بالنعم العظيمة وأراكم الآيات، ولم يكن ينبغي أن تقسو قلوبكم، لأنَّ ما شاهدتم، مما يوجب رقة القلب وانقياده، ثم وصف قسوتها بأنها كَالْحِجَارَةِ التي هي أشد قسوة من الحديد، لأنَّ الحديد والرصاص إذا أذيب في النار، ذاب بخلاف الأحجار. وقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً أي: إنها لا تقصر عن قساوة الأحجار) [6881] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/55). .
قال الطبري: (فقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً يعني فقلوبكم كالحجارة صلابةً، ويبسًا، وغلظًا، وشدةً، أو أشد قسوة) [6882] ((جامع البيان)) (2/234). .
قال الرازي: (وقوله: أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً إنَّما وصفها بأنها أشد قسوة لوجوه.. منها: أنَّ الحجارة ليس فيها امتناع مما يحدث فيها بأمر الله تعالى وإن كانت قاسية، بل هي منصرفة على مراد الله غير ممتنعة من تسخيره، وهؤلاء مع ما وصفنا من أحوالهم، في اتصال الآيات عندهم، وتتابع النعم من الله عليهم يمتنعون من طاعته، ولا تلين قلوبهم لمعرفة حقه.. وكأنَّ المعنى أن الحيوانات من غير بني آدم أمم، سخر كل واحد منها لشيء، وهو منقاد لما أريد منه، وهؤلاء الكفار يمتنعون عما أراد الله منهم..-و- الأحجار ينتفع بها من بعض الوجوه، ويظهر منها الماء في بعض الأحوال، أما قلوب هؤلاء فلا نفع فيها البتة، ولا تلين لطاعة الله بوجه من الوجوه) [6883] ((مفاتيح الغيب)) للرازي (3/556). .
- وقوله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأنعام: 43].
قال الألوسي: (ومعنى قَسَتْ إلخ، استمرت على ما هي عليه من القساوة، أو ازدادت قساوة) [6884] ((روح المعاني)) (4/143). .
قال ابن كثير: (قال الله تعالى: فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ أي: فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا إلينا وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أي: ما رقَّت ولا خشعت وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ أي: من الشرك والمعاصي) [6885] ((تفسير القرآن العظيم)) (3/256). .
قال ابن عاشور: (ولكن اعتراهم ما في خلقتهم من المكابرة وعدم الرجوع عن الباطل كأنَّ قلوبهم لا تتأثر فشبهت بالشيء القاسي - والقسوة: الصلابة - وقد وجد الشيطان من طباعهم عونًا على نفث مراده فيهم فحسَّن لهم تلك القساوة وأغراهم بالاستمرار على آثامهم وأعمالهم) [6886] ((التحرير والتنوير)) (7/229). .
- وقال تعالى: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: 53].
قال السعدي: ( وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ أي: الغليظة، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان، جعلوه حجة لهم على باطلهم، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله) [6887] ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)) (1/542). .
قال أبوبكر البقاعي: (وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ عن فهم الآيات، وهم من علت قلوبهم عن ذلك الجدال أن صارت حجرية، وهم المصارحون بالعداوة، فهم في ريب من أمرهم وجدال للمؤمنين، قد انتقشت فيها الشبه، فصارت أبعد شيء عن الزوال) [6888] ((نظم الدرر في تناسب الآيات والسور)) (13/72). .
- وقال تعالى: أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزمر: 22].
قال الشوكاني: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22]والمعنى: أنه غلظ قلبه، وجفا عن قبول ذكر الله، يقال: قسا القلب إذا صلب، وقلب قاس، أي: صلب لا يرق، ولا يلين) [6889] ((فتح القدير)) (4/526). .
قال السعدي: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئنُّ بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشر الكبير) [6890] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/722). .
قال الألوسي: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أي من أجل ذكره سبحانه الذي حقه أن تلين منه القلوب، أي إذا ذكر الله تعالى عندهم أو آياته عزَّ وجلَّ اشمأزوا من ذلك، وزادت قلوبهم قساوة) [6891] ((روح المعاني)) (12/246). .
- وقوله تعالى: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ [الحديد: 16].
قال ابن كثير: (وقوله: وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب قبلهم من اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الأمد بدَّلوا كتاب الله الذي بأيديهم، واشتروا به ثمنًا قليلًا، ونبذوه وراء ظهورهم، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة، وقلدوا الرجال في دين الله، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله، فعند ذلك قست قلوبهم، فلا يقبلون موعظةً، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَأي: في الأعمال، فقلوبهم فاسدة، وأعمالهم باطلة) [6892] ((تفسير القرآن العظيم)) (8/20). .
قال الطبري: (وقوله: فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ عن الخيرات، واشتدت على السكون إلى معاصي الله) [6893] ((جامع البيان)) (23/189). .
- قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [آل عمران: 159].
قال العز بن عبد السلام: ( فَظًّا الفظ: الجافي، والغليظ: القاسي القلب، معناهما واحد، فجمع بينهما تأكيدًا) [6894] ((تفسير ابن عبد السلام)) (1/290). .
وقال ابن كثير: (قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ الفظ: الغليظ، والمراد به هاهنا غليظ الكلام؛ لقوله بعد ذلك: غَلِيظَ الْقَلْبِ أي: لو كنت سيئ الكلام قاسي القلب عليهم لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفًا لقلوبهم) [6895] ((تفسير القرآن العظيم)) (2/148)، ((جامع البيان في تأويل القرآن)) للطبري (7/341). .
وقال السعدي: (وَلَوْ كُنتَ فَظًّا أي: سيئ الخلق غَلِيظَ الْقَلْبِأي: قاسيه، لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَلأنَّ هذا ينفرهم ويبغضهم لمن قام به هذا الخلق السيئ، فالأخلاق الحسنة من الرئيس في الدين، تجذب الناس إلى دين الله، وترغبهم فيه، مع ما لصاحبه من المدح والثواب الخاص، والأخلاق السيئة من الرئيس في الدين، تنفر الناس عن الدين، وتبغضهم إليه، مع ما لصاحبها من الذم والعقاب الخاص، فهذا الرسول المعصوم يقول الله له ما يقول، فكيف بغيره؟!) [6896] ((تيسير الكريم الرحمن)) (1/154). .

محمد رافع 52
12-11-2013, 11:55 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أبي مسعود قال: أشار النَّبي صلى الله عليه و سلم بيده نحو اليمين وقال: ((الإيمان هاهنا - مرتين - ألا وإنَّ القسوة وغلظ القلوب في الفدادين - حيث يطلع قرنا الشيطان - ربيعة ومضر)) .
قال الخطابي: (إنمَّا ذم هؤلاء، لاشتغالهم بمعالجة ما هم عليه عن أمور دينهم، وتلهيهم عن أمر الآخرة، وتكون منها قساوة القلب) .
- وعن عبد الله بن عمرو قال عن صفة النَّبي صلى الله عليه وسلم في التوراة: (قال: والله إنه لموصوفٌ في التوراة ببعض صفته في القرآن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الأحزاب: 45] وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظٍ ولا غليظٍ) .
قال القاري: (والمعنى ليس بسيئ الخلق أو القول ولا غليظ أي: ضخم كريه الخلق، أو سيئ الفعل، أو غليظ القلب، وهو الأظهر؛ لقوله تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ [آل عمران: 159] أي: شديده، وقاسيه، فيناسب حينئذ أن يكون الفظ معناه بذاذة اللسان، ففيه إيماء إلى طهارة عضويه الكريمين من دنس الطبع، ووسخ هوى النفس الذميمين، وقد قال الكلبي: فظًّا في القول، غليظ القلب في الفعل) .
وقال المناوي: (ليس بفظ. أي: شديدًا، ولا قاسي القلب على المؤمنين. ولا غليظ. أي: سيئ) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، قال: ((إن أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامسح برأس اليتيم)) .
قال الملا علي القاري في شرحه للحديث: (أي: قساوته، وشدته، وقلة رقته، وعدم ألفته، ورحمته، قال: امسح رأس اليتيم، لتتذكر الموت، فيغتنم الحياة، فإنَّ القسوة منشؤها الغفلة، وأطعم المسكين لترى آثار نعمة الله عليك حيث أغناك، وأحوج إليك سواك، فيرق قلبك، ويزول قسوته، ولعل وجه تخصيصهما بالذكر أنَّ الرحمة على الصغير والكبير موجبة لرحمة الله تعالى على عبده، المتخلق ببعض صفاته، فينزل عليه الرحمة، ويرتفع عنه القسوة، وحاصله أنَّه لا بد من ارتكاب أسباب تحصيل الأخلاق بالمعالجة العلمية، أو بالعملية، أو بالمعجون المركب منهما) .
- وعن حارثة بن وهبٍ أنه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ألا أدلكم على أهل الجنة؟ كلُّ ضعيفٍ متضعفٍ، لو أقسم على الله لأبره. وقال: أهل النار كل جواظٍ عتلٍ مستكبرٍ)) .
فسر بعض العلماء العتل: بأنَّه الفظ الشديد من كل شيء، والغليظ: العنيف، والجواظ: بالفظ الغليظ، والجعظري: بالفظ الغليظ .
وقال ابن عثيمين: (فالعتل: الشديد الغليظ، الذي لا يلين للحق ولا للخلق) .

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:02 AM
أقوال السلف والعلماء في القسوة

- قال مالك بن دينار: (أربع من علم الشقاوة: قسوة القلب، وجمود العين، وطول الأمل، والحرص على الدنيا) .
- وقال سهل بن عبدالله: (كل عقوبة طهارة، إلا عقوبة القلب فإنها قسوة) .
- وسئل ذا النون: (ما أساس قسوة القلب للمريد؟ فقال: ببحثه عن علوم رضي نفسه بتعليمها دون استعمالها، والوصول إلى حقائقها) .
- وقال عبد الله الداري: (كان أهل العلم بالله والقبول منه يقولون:...إن الشبع يقسي القلب، ويفتر البدن) .
- وقال أبو عبد الله الساجي: (الذكر لغير ما يوصل إلى الله قسوة في القلب) .
- وقال حذيفة المرعشي: (ما ابتلي أحد بمصيبة، أعظم عليه من قسوة قلبه) .
- وقال الأوزاعي: (إنَّ معاني معالي المسائل تحدث قسوةً في القلوب، وغفلةً وإعجابًا) .
- قال مالك بن دينار: (ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب، وما غضب الله عزَّ وجلَّ على قوم إلا نزع منهم الرحمة) .
- وقال ابن القيم: (ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله.
- خلقت النار لإذابة القلوب القاسية.
- أبعد القلوب من الله القلب القاسي) .

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:05 AM
آثار قسوة القلب والغلظة والفظاظة

قال ابن القيم: (سبحانه الذي جعل بعض القلوب مخبتًا إليه، وبعضها قاسيًا، وجعل للقسوة آثارًا، وللإخبات آثارًا، فمن آثار القسوة:
1- تحريف الكلم عن مواضعه، وذلك من سوء الفهم، وسوء القصد وكلاهما ناشئ عن قسوة القلب.
2- نسيان ما ذكر به، وهو ترك ما أمر به علمًا وعملًا) .
قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ [المائدة: 13].
3- زوال النعم ونزول المصائب والنقم والهلاك:
قال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ [الأنعام: 42-44].
( يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أي: استحجرت فلا تلين للحق. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ فظنوا أنَّ ما هم عليه دين الحق، فتمتعوا في باطلهم برهة من الزمان، ولعب بعقولهم الشيطان.
فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ من الدنيا ولذاتها وغفلاتها. حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ أي: آيسون من كل خير، وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة، ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم.) .
فمعنى قوله: وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ أنه (لم يكن فيها لين يوجب التضرع، ولم ينزجروا وإنما ابتلوا به وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ أي: من الشرك. فالاستدراك على المعنى لبيان الصارف لهم عن التضرع. وأنه لا مانع لهم إلا قساوة قلوبهم، وإعجابهم بأعمالهم المزينة لهم) .
4- القلب القاسي أضعف القلوب إيمانًا، وأسرعها قبولًا للشبهات، والوقوع في الفتنة والضلال، قال تعالي: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [الحج: 53].
فمعنى قوله: وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ (أي: الغليظة، التي لا يؤثر فيها زجر ولا تذكير، ولا تفهم عن الله وعن رسوله لقسوتها، فإذا سمعوا ما ألقاه الشيطان، جعلوه حجة لهم على باطلهم، وجادلوا به وشاقوا الله ورسوله، ولهذا قال: وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ أي: مشاقة لله، ومعاندة للحق، ومخالفة له، بعيد من الصواب، فما يلقيه الشيطان، يكون فتنة لهؤلاء الطائفتين، فيظهر به ما في قلوبهم، من الخبث الكامن فيها) .
5- سبب في الضلال، واستحقاق لعنة الله، وسخطه، وعقابه:
قال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ [الزمر: 22].
(قوله: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أي: لا تلين لكتابه، ولا تتذكر آياته، ولا تطمئن بذكره، بل هي معرضة عن ربها، ملتفتة إلى غيره، فهؤلاء لهم الويل الشديد، والشرُّ الكبير.
أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وأيُّ ضلال أعظم من ضلال من أعرض عن وليِّه، ومَن كلُّ السعادة في الإقبال عليه، وقسا قلبه عن ذكره، وأقبل على كلِّ ما يضرُّه؟!) .
6- الفتور عن الطاعة، والوقوع في المحرمات، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
7- الوحشة، والخوف الدائم، وعبوس الوجه، والكآبة.
8- التنافر بين القلوب، وشيوع الكراهية والبغضاء.
قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159].
و(الفظاظة تنفر الأصحاب والجلساء، وتفرق الجموع) .
9- غلظة القلب من علامة الشقاوة في الدنيا والآخرة.
10- قسوة القلب، والغلظة، والفظاظة، من صفات الظلمة المتكبرين.
11- قسوة القلب، والغلظة، والفظاظة، سبب في دخول النار.
فعن حارثة بن وهب عن النَّبي صلى الله عليه وسلم وفيه: ((أهل النار كلُّ جواظٍ عتلٍ مستكبرٍ)) .

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:09 AM
ما يباح من القسوة والغلظة والفظاظة

(اللين ورقة القلب هي الأصل في الكلام والتعامل حتى مع المخالفين، كما قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [العنكبوت: 46] ولكن قد يعدل عنه إلى غيره حسب ما تقتضيه الحكمة، ومقامات الأحوال) .
قال أبو حامد الغزالي: (قال سفيان لأصحابه: تدرون ما الرفق؟ قالوا: قل يا أبا محمد، قال: أن تضع الأمور في مواضعها: الشدة في مواضعها، واللين في موضعه، والسيف في موضعه، والسوط في موضعه؛ وهذه إشارة إلى أنه لا بد من مزج الغلظة باللين والفظاظة بالرفق) .
وقال الجاحظ: (القساوة مكروهة من كل أحد، إلا من الجند وأصحاب السلاح، والمتولين للحروب؛ فإنَّ ذلك غير مكروه منهم إذا كان في موضعه) .
وهذه المواطن التي يباح فيها القسوة، والغلظة، والفظاظة، تخضع لقاعدة مراعاة المصالح والمفاسد.
لذا فلا (يظننَّ أحد، أنَّه إذا وجدت تلك الأحوال أو بعضها، شرع في استخدام الشدة والقسوة في الدعوة، من غير النظر إلى العواقب والنتائج.. بل يجب مراعاة ما يتوقع حدوثه عند استخدام الشدة والقسوة، فإن تأكد لديه أنَّ لجوءه إلى الشدة سيكون سبب حدوث منكر، أعظم من المنكر الذي أراد إزالته، أو ترك معروف أهم منه، فليس له أن يلجأ إليها آنذاك) والكلام وإن كان عن الدعوة، فإنه عام في جميع الأحوال.
ومن المواطن التي تباح فيها القسوة، والغلظة، والفظاظة:
1- في الجهاد:
- جاء في قصة الحديبية حينما قال عروة بن مسعود الثقفي للرسول صلى الله عليه وسلم: ((فإني والله لأرى وجوهًا، وإني لأرى أوشابًا من الناس خليقًا أن يفرُّوا ويدعوك. فقال له أبو بكر: امصص بظر اللات، أنحن نفر عنه وندعه، فقال: من ذا؟ قالوا: أبو بكر. قال: أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك)) .
- ((تناول عروة بن مسعودٍ الثقفي لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمغيرة بن شعبة واقفٌ على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد -أي لابس سلاح المقاتل من درع ونحوه- قال: فقرع يده، ثم قال: أمسك يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل- والله- لا تصل إليك. قال: ويحك! ما أفظك وأغلظك)) .
2- مجادلة الظالم المتعد من أهل الكتاب:
قال تعالى: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46].
(وقوله: إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ. استثناء من الذين يجادلون بالتي هي أحسن، أى: ناقشوهم وأرشدوهم إلى الحق بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم. بأن أساءوا إليكم، ولم يستعملوا الأدب في جدالهم، فقابلوهم بما يليق بحالهم من الإغلاظ والتأديب.
وعلى هذا التفسير يكون المقصود بالآية الكريمة، دعوة المؤمنين إلى استعمال الطريقة الحسنى في مجادلتهم لأهل الكتاب عموما، ما عدا الظالمين منهم فعلى المؤمنين أن يعاملوهم بالأسلوب المناسب لردعهم وزجرهم وتأديبهم) .
3- عند إقامة الحدود:
قال تعالى في حق الزناة: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ [النور: 2].
يقول الطبري: (يقول تعالى ذكره: لا تأخذكم بالزاني والزانية أيها المؤمنون رأفة، وهي رقة الرحمة. دِينِ اللَّهِ، يعني في طاعة الله فيما أمركم به من إقامة الحد عليهما على ما ألزمكم به)
وعن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: ((والله ما انتقم لنفسه في شيء يؤتى إليه قط حتى تنتهك حرمات الله فينتقم لله)) .
4- عند ظهور العناد والاستهزاء بالدين.
5- عند بدور مخالفة الشرع لدى من لا يتوقع منه ذلك :
كما في حديث شفاعة أسامة في المرأة المخزومية التي سرقت: ((فكلم فيها أسامة بن زيدٍ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله)) .

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:12 AM
علامات قسوة القلب والغلظة

1- عدم التأثر بالقرآن الكريم:
قال تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر: 23].
يقول ابن كثير: (هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد. والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف، ُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه، فهم مخالفون لغيرهم من الكفار من وجوه:
أحدها: أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات لأبيات، من أصوات القينات.
الثاني: أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدًا وبكيًّا، بأدب وخشية، ورجاء ومحبة، وفهم وعلم، كما قال: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4] وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا [الفرقان:73] أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها، بل مصغين إليها، فاهمين بصيرين بمعانيها؛ فلهذا إنما يعملون بها، ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم أي يرون غيرهم قد سجد فيسجدون تبعًا له. الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها، كما كان الصحابة، رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقشعر جلودهم، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله، لم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون ما ليس فيهم، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك؛ ولهذا فازوا بالقدح المعلى في الدنيا والآخرة) .
2- جمود العين وقلة دمعها من خشية الله:
قال تعالى مادحًا المؤمنين من أهل الكتاب: وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [المائدة: 83].
قال ابن القيم: (متى أقحطت العين من البكاء من خشية الله تعالى، فاعلم أنَّ قحطها من قسوة القلب، وأبعد القلوب من الله القلب القاسي) .
3- عدم الاعتبار بالموت والضحك عند القبور:
قال الغزالي: (الآن لا ننظر إلى جماعة يحضرون جنازة إلا وأكثرهم يضحكون، ويلهون، ولا يتكلمون إلا في ميراثه، وما خلفه لورثته، ولا يتفكر أقرانه وأقاربه إلا في الحيلة التي بها يتناول بعض ما خلفه، ولا يتفكر واحد منهم إلا ما شاء الله في جنازة نفسه، وفي حاله إذا حمل عليها، ولا سبب لهذه الغفلة إلا قسوة القلوب، بكثرة المعاصي والذنوب، حتى نسينا الله تعالى واليوم الآخر، والأهوال التي بين أيدينا، فصرنا نلهو، ونغفل، ونشتغل بما لا يعنينا) .
4- الكبر وعدم قبول الحق:
كما في حديث حارثة بن وهبٍ وفيه أنه سمع النَّبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((أهل النار كل جواظٍ عتلٍ مستكبرٍ)) .
قال المناوي: (إذ القلب القاسي لا يقبل الحق، وإن كثرت دلائله) .
5- عدم الاهتمام بما يصيب الآخرين من أذى والسعادة بذلك:
فقد قيل في بيان معنى القساوة: أنها (التهاون بما يلحق الغير من الألم والأذى) .

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:18 AM
أسباب قسوة القلب والغلظة والفظاظة

1- الغفلة عن ذكر الله وتدبر القرآن، والتأمل في آياته الكونية:
قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: 142].
قال أبو السعود في قوله تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21]: (أُريدَ به توبيخ الإنسانِ على قسوةِ قلبهِ، وعدم تخشعِه عندَ تلاوتِه، وقلةِ تدبرِه فيه) .
وقال تعالى في الإعراض عن تدبر الآيات الكونية: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
2- كثرة المعاصي:
عَنْ أَبِي هُــرَيْــرَةَ، قَالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر، صقل http://dorar.net/images/tip.gifقلبه، وإن زاد زادت، حتَّى يعلو قلبه ذاك الرَّان الذي ذكر الله عزَّ وجلَّ في القرآن: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14])) .
قال المحاسبي: (اعلم أنَّ الذنوب تورث الغفلة، والغفلة تورث القسوة، والقسوة تورث البعد من الله، والبعد من الله يورث النار، وإنَّما يتفكر في هذا الأحياء، وأما الأموات فقد أماتوا أنفسهم بحب الدنيا) .
فـ(قسوة القلوب من ثمرات المعاصي) .
قال عبد الله بن المبارك:

رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذُّل إدمانها


وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانها

3- التفريط في الفرائض وانتهاك المحرمات:
قال الله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً [المائدة: 13] وبيَّن ذلك بقوله تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 155].
4- الانشغال بالدنيا والانهماك في طلبها والمنافسة عليها:
لحديث أبي مسعود، عن النَّبي صلى الله عليه و سلم وفيه: ((وإنَّ القسوة وغلظ القلوب في الفدادين - حيث يطلع قرنا الشيطان - ربيعة ومضر)) قال الخطابي: (إنَّما ذمهم لاشتغالهم بمعالجة ما هم فيه عن أمر دينهم، وذلك يفضي إلى قسوة القلب) .
قال ابن القيم: (متى رأيت القلب قد ترحل عنه حب الله والاستعداد للقائه، وحلَّ فيه حب المخلوق، والرضا بالحياة الدنيا، والطمأنينة بها، فاعلم أنه قد خسف به) .
وقال في موضع آخر: (شغلوا قلوبهم بالدنيا، ولو شغلوها بالله والدار الآخرة، لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة، ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم وطرف الفوائد. إذا غذي القلب بالتذكر، وسقي بالتفكر، ونقى من الدغل، رأى العجائب وألهم الحكمة،..إذا زهدت القلوب في موائد الدنيا، قعدت على موائد الآخرة بين أهل تلك الدعوة، وإذا رضيت بموائد الدنيا فاتتها تلك الموائد) .
5- طول الأمل والتمني:
قال المناوي: (طول الأمل غرور وخداع، إذ لا ساعة من ساعات العمر إلا ويمكن فيها انقضاء الأجل، فلا معنى لطول الأمل المورث قسوة القلب، وتسليط الشيطان، وربما جرَّ إلى الطغيان) .
6- التوسع المذموم في المباحات:
فإنَّ قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة، الأكل، والنوم، والكلام، والمخالطة.
قال أبو سعيد الخادمي: (وفي كثرة النوم ضياع العمر، وفوت التهجد، وبلادة الطبع، وقسوة القلب، وفي كثرة الطعام، قسوة القلب) .
قال الفضيل: (ثلاث خصال تقسي القلب:كثرة الأكل، وكثرة النوم، وكثرة الكلام).
قال أبو سليمان الداراني: (إنَّ النفس إذا جاعت وعطشت، صفا القلب ورقَّ، وإذا شبعت ورويت، عمي القلبُ) .
7- كثرة مخالطة الناس في غير مصلحة:
قال المناوي: (مخالطة غير التقي، يخل بالدين، ويوقع في الشبه والمحظورات،..إذ لا تخلو عن فساد، إمَّا بمتابعة في فعل، أو مسامحة في إغضاء عن منكر، فإن سلم من ذلك- ولا يكاد - فلا تخطئه فتنة الغير به) .
وقال ابن القيم: (إن فضول المخالطة هي الداء العضال، الجالب لكلِّ شرٍّ، وكم سلبت المخالطة والمعاشرة من نعمة، وكم زرعت من عداوة، وكم غرست في القلب من حزازات، تزول الجبال الراسيات، وهي في القلوب لا تزول، ففضول المخالطة فيه خسارة الدنيا والآخرة، وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة) .
8- عدم الرحمة بالخلق والإحسان إليهم:
عن عائشة، رضي الله عنها قالت: جاء أعرابيٌّ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: تقبِّلون الصِّبيان؟ فما نقبِّلهم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرَّحمة)) .
قال المناوي: (لأنَّ الرحمة تتخطى إلى الإحسان إلى الغير، وكل من رحمته رقَّ قلبك له فأحسنت إليه، ومن لم يعط حظه من الرحمة غلظ قلبه وصار فظًّا، لا يرقُّ لأحد ولا لنفسه، فالشديد يشدُّ على نفسه ويعسر ويضيق، فهو من نفسه في تعب، والخلق منه في نصب، مكدوح الروح، مظلم الصدر، عابس الوجه، منكر الطلعة، ذاهبًا بنفسه، تيهًا وعظمةً، سمين الكلام، عظيم النفاق، قليل الذكر لله وللدار الآخرة، فهو أهل لأن يسخط عليه، ويغاضبه ليعاقبه) .
وفي الحديث ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه، وهو يعلم به)) .
قال المناوي: (المراد نفي الإيمان الكامل، وذلك لأنَّه يدل على قسوة قلبه، وكثرة شحه، وسقوط مروءته، وعظيم لؤمه، وخبث طويته) .
9- الكسل والفتور:
وقد استعاذ الرسول صلى الله عليه وسلم من الكسل، كما في الحديث: ((اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل)) .
قال المناوي: (الكسل.. والفتور عن القيام بالطاعات الفرضية، والنفلية، الذي من ثمراته قسوة القلب) .
10- التعصب للرأي وكثرة الجدال:
قال تعالى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [الجاثية: 23].
قال الشافعي: (المراء في العلم، يقسي القلوب، ويورث الضغائن ) .
11– الابتداع في الدين:
قال تعالى: وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ [الصف: 5].
وقال تعالى: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود: 112].
قال السعدي: (أمر نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومن معه، من المؤمنين، أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغوا عن ذلك يمنةً ولا يسرةً، ويدوموا على ذلك، ولا يطغوا بأن يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة) .
12- ظلم الضعفاء، وأكل المال الحرام، وعدم التورع عن الشبهات.
13- كبر النفس واحتقار الآخرين.

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:24 AM
الوسائل المعينة على التخلص من قسوة القلب والغلظة والفظاظة

قال ابن القيم: (القلب يمرض كما يمرض البدن، وشفاؤه في التوبة، والحمية، ويصدأ كما تصدأ المرآة، وجلاؤه بالذكر، ويعري كما يعري الجسم وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة، والتوكل، والإنابة، والخدمة) .
ومن هذه الوسائل:
1- الدعاء:
قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186].
قال ابن القيم: (قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إنِّي لا أحمل هم الإجابة، ولكن هم الدعاء، فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه . وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك، يكون توفيقه سبحانه، وإعانته، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم، وثباتهم، ورغبتهم، ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك، فالله سبحانه أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين، يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به، والخذلان في مواضعه اللائقة به، هو العليم الحكيم، وما أتي من أتي إلا من قبل إضاعة الشكر، وإهمال الافتقار، والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه، إلا بقيامه بالشكر، وصدق الافتقار، والدعاء، وملاك ذلك الصبر) .
حيث كان من دعاء النَّبي صلى الله عليه وسلم التعوذ من جمود العين، وعدم خشوع القلب، كما في حديث زيد بن أَرْقمَ، وفيه كان رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ((... ومن قلب لا يخشع)) .
2- قراءة القرآن وتدبر آياته:
قال تعالى: وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف: 204].
أما (الاستماع له، فهو أن يلقي سمعه، ويحضر قلبه، ويتدبر ما يستمع،.. فإنه ينال خيرًا كثيرًا، وعلمًا غزيرًا، وإيمانًا مستمرًا متجددًا، وهدى متزايدًا، وبصيرة في دينه، ولهذا رتب الله حصول الرحمة عليهما، فدلَّ ذلك على أنَّ من تُلِيَ عليه الكتاب، فلم يستمع له وينصت، أنه محروم الحظ من الرحمة، قد فاته خير كثير) .
وقال تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر: 21].
هذه دعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده بتدبر القرآن (وإن كانوا في القسوة وصلابة القلوب كالجبال الرواسي، فإنَّ هذا القرآن لو أنزل على جبل لرأيته خاشعًا متصدعًا من خشية الله، لكمال تأثيره في القلوب، فإنَّ مواعظ القرآن أعظم المواعظ على الإطلاق، وأوامره ونواهيه محتوية على الحكم والمصالح المقرونة بها، وهي من أسهل شيء على النفوس، وأيسرها على الأبدان، خالية من التكلف لا تناقض فيها ولا اختلاف، ولا صعوبة فيها ولا اعتساف، تصلح لكل زمان ومكان، ولا أنفع للعبد من التفكر في القرآن والتدبر لمعانيه، فإن التفكر فيها يفتح للعبد خزائن العلم، ويبين له طرق الخير والشر، ويحثه على مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم، ويزجره عن مساوئ الأخلاق) .
3- الإكثار من ذكر الله:
قال تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد: 28].
قال رجل للحسن: (يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي، قال: أدنه من الذكر) .
4- الإكثار من الاستغفار والتوبة:
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53].
عن أبي هريرة: عن النَّبي صلى الله عليه و سلم فيما يحكي عن ربه عز و جل قال: ((أذنب عبد ذنبًا فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا فعلم أن له ربًّا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)) .
قال ابن رجب الحنبلي: (والمعنى: ما دام على هذا الحال كلَّما أذنب استغفر. والظاهر أنَّ مرادهُ الاستغفارُ المقرون بعدم الإصرار) .
قال العظيم آبادي: (إنَّ القلب إنَّما خلق لأن يتخشع لبارئه، وينشرح لذلك الصدر، ويقذف النور فيه، فإذا لم يكن كذلك كان قاسيًا، فيجب أن يستعاذ منه، قال تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22]) .
5- تذكر الموت وزيارة القبور:
وعن سعيد بن جبير قال: (لو فارق ذكر الموت قلبي خشيت أن يفسد عليَّ قلبي) .
كان سفيان الثوري: (لا ينام إلَّا في أوَّل اللَّيل، ثمَّ ينتفض فزعًا، مرعوبًا، ينادي: النَّار، شغلني ذكر النَّار عن النَّوم والشَّهوات) .
قال المناوي: (من أعظم أدوية قسوة القلوب، زيارة القبور، وتأمل حال المقبور، وما بعده من البعث والنشور، الباعث على ذكر هاذم اللذات، ومفرق الجماعات، وكذا مشاهدة المحتضرين، وتغسيل الموتى والصلاة على الجنائز، فإن في ذلك موعظة بليغة) .
6- مصاحبة الصالحين، ومجالستهم، وقراءة سير السلف الصالح:
قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 25].
وقال تعالى: الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ [الزخرف: 67].
ومصاحبة الصالحين كلها خير، يذكِّرون بالله، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويعلِّمون الجاهل، وسبب في مغفرة الذنوب، كما في حديث أبي هريرة أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة، فضلًا يتتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسًا فيه ذكر قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضًا بأجنحتهم، حتى يملئوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله عزَّ وجلَّ، وهو أعلم بهم: من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عباد لك في الأرض، يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك، قال: وماذا يسألوني؟ قالوا: يسألونك جنتك، قال: وهل رأوا جنتي؟ قالوا: لا، أي رب قال: فكيف لو رأوا جنتي؟ قالوا: ويستجيرونك، قال: ومم يستجيرونني؟ قالوا: من نارك يا رب، قال: وهل رأوا ناري؟ قالوا: لا، قال: فكيف لو رأوا ناري؟ قالوا: ويستغفرونك، قال: فيقول: قد غفرت لهم فأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال: فيقولون: رب فيهم فلان عبد خطَّاء، إنما مرَّ فجلس معهم، قال: فيقول: وله غفرت هم القوم لا يشقى بهم جليسهم)) .
قال ابن الجوزي: (ينبغي للمنفرد لطاعة الله تعالى عن الخلق أن يجعل خلوته أنيسه، والنظر في سير السلف جليسه) .
7– الإحسان إلى الضعفاء:
قال تعالى: وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: 77].
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه قال: ((إن أردت أن يلين قلبك، فأطعم المسكين، وامسح برأس اليتيم)) .
قال مالك بن دينار: (المؤمن كريم في كل حالة، لا يحب أن يؤذي جاره، ولا يفتقر أحد من أقربائه، وهو والله مع ذلك غني القلب، لا يملك من الدنيا شيئا،..إن أتاه منها شيء فرقه، وإن زوي عنه كل شيء فيها لم يطلبه قال: ثم يبكي ويقول: هذا والله الكرم، هذا والله الكرم) .
8- زيارة المرضى:
عن أبي موسى الأشعري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني )) .
عن ثوبان، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((من عاد مريضًا لم يزل في خرفة الجنة، قيل يا رسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: جناها)) .
قال ابن عثيمين: (في ذلك تذكير للعائد بنعمة الله عليه بالصحة؛ لأنه إذا رأى هذا المريض، ورأى ما هو فيه من المرض، ثم رجع إلى نفسه، ورأى ما فيها من الصحة والعافية عرف قدر نعمة الله عليه بهذه العافية؛ لأن الشيء إنما يعرف بضده) .
عن (مالك أنَّه بلغه، أنَّ عيسى ابن مريم كان يقول: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسو قلوبكم، فإنَّ القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب النَّاس كأنَّكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنَّكم عبيد، فإنَّما النَّاس مبتلى، ومعافى، فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية) .
9- الاعتبار بقصص أهل القسوة، والغلظة، والفظاظة.
10- تجنب قراءة كتب أهل البدع والفجور.

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:27 AM
قصص في القسوة والغلظة والفظاظة

كان السلف رحمهم الله يسعون في علاج قلوبهم إذا قست، وفي ذلك نماذج كثيرة منها:
ما رواه عمرو بن ميمون، أنَّ أباه ميمون بن مهران قال للحسن البصري: (يا أبا سعيد قد أنست من قلبي غلظة فاستَلِنْ لي منه، فقرأ الحسن بسم الله الرحمن الرحيم أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ [الشعراء: 205-207]، قال: فسقط الشيخ فرأيته يفحص برجله كما تفحص الشاة المذبوحة، فأقام طويلًا ثم أفاق، فجاءت الجارية فقالت: قد أتعبتم الشيخ قوموا، تفرقوا، فأخذت بيد أبي فخرجت به، ثم قلت: يا أبتاه، هذا الحسن قد كنت أحسب أنه أكبر من هذا، قال: فوكزني في صدري وكزة، ثم قال: يا بني، لقد قرأ علينا آية لو فهمتها بقلبك لأبقى لها فيك كلوم) .
(وكان الربيع بن خثيم إذا وجد في قلبه قسوةً أتى منزل صديق له قد مات في الليل، فنادى يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان. ثم يقول: ليت شعري ما فعلت، وما فعل بك، ثم يبكي حتى تسيل دموعه، فيعرف ذاك فيه إلى مثلها) .
وقال مالك: (كان محمد بن المنكدر سيد القراء، وكان كثير البكاء عند الحديث، وكنت إذا وجدت من نفسي قسوة آتيه، فأنظر إليه فأتعظ به) .
وقال ابن القيم: (روي عن بعض الأكابر: أنه كان له مملوك سيئ الخلق فظ غليظ لا يناسبه، فسئل عن ذلك فقال: أدرس عليه مكارم الأخلاق، وهذا يكون بمعرفة مكارم الأخلاق في ضد أخلاقه، ويكون بتمرين النفس على مصاحبته، ومعاشرته، والصبر عليه) .
وكان (أحمد بن أبي خالد، أبو العباس، وزير المأمون ذا رأي وفطنة، إلا أنه كانت له أخلاق وفظاظة، فقال له رجل: والله لقد أُعطيتَ ما لم يُعطَه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لئن لم تخرج مما قلت لأعاقبنك فقال: قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]. وأنت فظٌّ غليظُ القلب، ولا ينفضون من حولك) .
ومن أحمد بن طولون إلى ابنه العباس بن أحمد، حين عصى عليه: (قد كتبت إليك يا بني كتابًا يصل بوصول هذه الرقعة، وعظتك فيه بالعظات النوافع، واحتججت عليك فيه بالحجج البوالغ، وذكرتك بالدنيا والدين، وخلطت لك الغلظة باللين: أردت بالغلظة تسكين نفارك، وباللين أن أثني إلي قيادك، فلا تحسب الغلظة يا بني دعتني إليها فظاظة، ولا اللين حملتني عليه ضراعة، وكن على أوثق الثقة، وأصح المعرفة بأن قلبي لك سليم، وأنك عليَّ كريم) .
واستخدم السلف القسوة في جهاد الكفار، قال المغيرة بن زرارة الأسدي ليزدجرد قبل معركة القادسية: (اختر إن شئت الجزية عن يد وأنت صاغر، وإن شئت فالسيف، أو تسلم فتنجي نفسك. فقال: أتستقبلني بمثل هذا- الكلام الشديد- فقال: ما استقبلت إلا من كلمني، ولو كلمني غيرك لم أستقبلك به. فقال: لولا أن الرسل لا ت*** ل***تكم، لا شيء لكم عندي) .
ما يوصف به القاسي:
يوصف من ابتلي بالقسوة بعدة أوصاف وهي من المرادفات (قاسي القلب، غليظ الكبد، جافي الطبع، خشن الجانب، فظ الأخلاق، وفيه قسوة، وقساوة، وغلظة، وجفاء، وخشونة، وفظاظة) .

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:33 AM
ذم القسوة والغلظة والفظاظة في واحة الشعر

قال أمية بن أبي الصلت، وهو يعتب على ابنه في عقوقه له:

فلمَّا بلغتَ السِّنَّ والغايةَ التي *** إليها مدَى ما كنتُ فيك أُؤمِّلُ


جعلتَ جزائي غلْظةً وفظاظةً *** كأنَّك أنت المنْعِمُ المتَفضِّلُ

وقال علي بن الجهم:

يا أُمَّنا أفديك مِن أُمٍّ *** أشكو إليك فظاظةَ الجهمِ



قد سرَّح الصبيانَ كلَّهمُ *** وبقيت محصورًا بلا جرمِ

وقال الشاعر:

ومن لم يشكرِ النعماءَ فظُّ *** غليظُ الطبعِ لم ينفعْه وعظُ



لأنَّ الشكرَ للأنعامِ حفظُ *** ولم يفتِ الفتى بالعجزِ حظُّ


وقال العباس بن الأحنف:

وصالُكمُ هجرٌ، وحبُّكمُ قلى *** وعطفُكمُ صدٌّ، وسلمُكمُ حربُ



وأنتم بحمدِ اللهِ فيكم فظاظةٌ *** وكلُّ ذلولٍ مِن مراكبِكم صعبُ


وقيل:

يُبْكَى عَلَيْنا ولا نَبْكي على أحدٍ *** لَنَحْنُ أَغْلَظُ أَكبادًا من الإبلِ


وقال الفرزدق:

أَمِسكينُ، أَبْكى الله عَيْنَك إِنَّما *** جَرَى في ضَلالٍ دَمْعُها فَتحدَّرَا


بَكَيْتَ امْرأً فَظًّا غَليظًا مُبَغَّضًا *** ككِسْرَى، عَلَى عِدَّانِهِ، أوْ كقَيْصَرَا

وقيل:

تنكرتُ حالَ الصديقِ فبعدُه *** عني ومضحرُه لديَّ سواءُ


وبدتْ عليَّ مِن الأعادي رقةٌ *** ومن الصديقِ فظاظةٌ وجفاءُ

وقال الشاعر:

وإذا رأيتَ مِن الكريمِ فظاظةً *** فإليه مِن أخلاقِه أتظلمُ

وقال الشاعر:

فتى لم يكن جَهْمًا ولا ذا فَظاظةٍ *** ولا بالقَطوبِ الباخل المتكبِّرِ


ولكن سَموحًا بالودادِ وبالنَّدى *** ومبتسمًا في الحادثِ المتنمِّرِ

وقال آخر:

وليس بفظٍّ في الأداني والأولى *** يؤمون جدواه ولكنه سهلُ


وفظٌّ على أعدائِه يحذرونه *** فسطوتُه حتفٌ ونائلُه جزلُ

وقال سعد بن ناشب:

وما بي على من لان لي من فظاظةٍ *** ولكنَّني فظٌّ أبيٌّ على القسرِ

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:36 AM
http://www.dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=4OJ3BBw18IF6UM&tbnid=AR5DTrI8QwiyZM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fwww.dorar.net%2Fenc%2Fakhlaq&ei=qq2CUt7qJaGk0QXt14GwCg&psig=AFQjCNGpOhgqOuRMO-uXIOJL1hg9g3wnVw&ust=1384382250668923)

الكِبْر

معنى الكِبْر لغةً واصطلاحًا

معنى الكِبْر لغةً:
الكِبْر: العَظَمَة والتَّجَبُّر، كالكِبْرِياء، وقد تَكَــبَّرَ واسْتَكْبَرَ وَتَكابَرَ، والتَّكَبُّر والاسْتِكْبار: التَّعَظُّم، والكِبْر بالكسر: اسم من التكبر .
معنى الكِبْر اصطلاحًا:
معنى الكِبْر جاء تعريفه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم فقد قال: ((الكِبْر بطر الحق، وغمط الناس)) .
وقال الزَّبيدي: (الكِبْر: حالةٌ يتخصَّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسَه أَكْبَر من غيره) .
وقيل الكِبْر هو: (استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على من يجب التواضع له) .

محمد رافع 52
13-11-2013, 12:42 AM
الفرق بين الكِبْر ومرادفاته
- الفرق بين الكِبْر والزهو:
أنَّ الكِبْر إظهار عظم الشأن، وهو فينا خاصة رفع النفس فوق الاستحقاق، والزهو على ما يقتضيه الاستعمال رفع شيء إياها، من مال، أو جاه، وما أشبه ذلك، ألا ترى أنه يقال: زها الرجل وهو مزهو، كأنَّ شيئًا زهاه، أي: رفع قدره عنده، وهو من قولك: زهت الريح الشيء إذا رفعته، والزهو: التزيد في الكلام .
- الفرق بين الكِبْر والكِبْرياء:
أنَّ الكِبْر ما ذكرناه ، والكِبْرياء هي العز والملك، وليست من الكِبْر في شيء، والشاهد قوله تعالى: وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ [يونس: 78]. يعني الملك، والسلطان، والعزة، وأما التَّكبر فهو إظهار الكِبْر، مثل: التشجع، إظهار الشَّجَاعَة .
وقال أبو العباس القرطبي: (الكِبْر والكِبْريَاء في اللغة: هو العظمة، يقال منه: كَـبُرَ الشيءُ، بضمِّ الباء، أي: عَظُمَ، فهو كبيرٌ وكُبَار، فإذا أفرَطَ قيل: كُبَّار، بالتشديد؛ وعلى هذا يكونُ الكِبْر والعظمةُ اسمَيْن لمسمًّى واحد.
وقد جاء في الحديث ما يُشْعِر بالفرق بينهما؛ وذلك أنَّ الله تعالى قال: ((الكبرياء ردائي، والعظمة إِزاري، فمن نازعني واحِدًا منهما...)) ؛ فقد فرَّق بينهما بأنْ عبَّر عن أحدهما بالرداء، وعن الآخر بالإزار، وهما مختلفان، ويَدُلُّ أيضًا على ذلك: قوله تعالى: ((فمن نازعني واحِدًا منهما))؛ إذ لو كانا واحدًا، لقال: فمن نازعنيه) .
- الفرق بين الكِبْر والتيه:
أنَّ الكِبْر هو إظهار عظم الشأن، وهو في صفات الله تعالى مدح؛ لأنَّ شأنه عظيم، وفي صفاتنا ذمٌّ؛ لأنَّ شأننا صغير، وهو أهل للعظمة، ولسنا لها بأهل، والشأن هاهنا معنى صفاته التي هي في أعلى مراتب التعظيم، ويستحيل مساواة الأصغر له فيها على وجه من الوجوه، والكبير الشخص، والكبير في السن، والكبير في الشرف والعلم يمكن مساواة الصغير له، أما في السن فبتضاعف مدة البقاء في الشخص تتضاعف أجزاؤه، وأمَّا بالعلم فباكتساب مثل ذلك العلم.
والتيه أصله الحيرة والضلال، وإنَّما سمِّي المتكبر تائهًا على وجه التشبيه بالضلال والتحير، ... والتيه من الأرض ما يُتَحيَّر فيه، وفي القرآن يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ [المائدة: 26] أي: يتحيرون .
- الفرق بين الجَبَروت والجبرية والكِبْر:
الفرق بين الجَبرية، والجبروت، والكِبْر: أنَّ الجبريَّة أبلغ من الكِبْر وكذلك الجبروت، ويدل على هذا فخامة لفظها، وفخامة اللفظ تدل على فخامة المعنى، فيما يجري هذا المجرى .
- الفرق بين العُجْب والكِبْر:
أنَّ العجب بالشيء شدة السرور به حتى لا يعادله شيء عند صاحبه، تقول: هو مُعجب بفلانة، إذا كان شديد السرور بها، وهو معجب بنفسه، إذا كان مسرورًا بخصالها.
ولهذا يقال: أعجبه، كما يقال: سُرَّ به، فليس العجب من الكِبْر في شيء، وقال علي بن عيسى: (العجب: عقد النفس على فضيلة لها ينبغي أن يتعجب منها، وليست هي لها) .
- الفرق بين الاستنكاف، والاستكبار، والتكبر:
الاستنكاف: تكبر في تركه أنفة، وليس في الاستكبار ذلك، وإنَّما يستعمل الاستكبار حيث لا استخفاف، بخلاف التَّكبر، فإنَّه قد يكون باستخفاف. والتَّكبر: هو أن يرى المرء نفسه أكبر من غيره، والاستكبار طلب ذلك بالتَّشبع وهو التزين بأكثر ما عنده .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:08 AM
ذم الكِبْر والنهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2646)
أولًا: في القرآن الكريم

- الكِبْر من أوَّل الذنوب التي عُصي الله تبارك وتعالى بها، قال الله تعالى مبيِّنًا سبب امتناع إبليس عن السجود لآدم: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 34].
قال الطبري: (وهذا، وإن كان من الله جل ثناؤه خبرًا عن إبليس، فإنه تقريعٌ لضُربائه من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقيادِ لطاعته فيما أمرهم به وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق) .
وقال عوف بن عبد الله للفضل بن المهلب: إنِّي أريد أن أعظك بشيء، إيَّاك والكِبْر، فإنَّه أول ذنب عصى الله به إبليس، ثم قرأ: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ [البقرة: 34] .
- والكِبْر سبب رئيس في هلاك الأمم السابقة: فهؤلاء قوم نوح ما منعهم عن قبول الدعوة، والاستماع لنداء الفطرة والإيمان، إلا الكِبْر، فقد قال الله تعالى على لسان نبيِّهم نوح عليه السلام: وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا [نوح: 7].
وهؤلاء قوم عاد ظنوا بسبب تكبرهم أنَّه لا قوة أشدُّ من قوتهم، فقد قال الله عنهم: فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنصَرُونَ [فصلت: 15-16].
وها هي ثمود من بعدهم ينهجون نفس النهج في الاستكبار والتعالي، فيردون دعوة الله عزَّ وجلَّ، ويكذبون نبيه عليه السلام: قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ 75 قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ [الأعراف: 75-76].
وقال الله تعالى عن قوم نبي الله شعيب عليه السلام: قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ [الأعراف: 88].
أما فرعون فقد ملأ الدنيا كبرًا وعجبًا وخيلاءً، حتى وصل به الحال أن ادَّعى الربوبية والألوهية، قال الله تبارك وتعالى: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ [القصص: 38-40].
- والكِبْر سبب في الإعراض عن آيات الله والصد عنها، قال الله تبارك وتعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [الجاثية: 7-8].
- وهو سبب للصرف عن دين الله، قال الله تبارك وتعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ [الأعراف: 146].
- وهو سبب لدخول النَّار والخلود فيها، قال الله تبارك وتعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ [الأحقاف: 20].

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:12 AM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقال ذرَّة من كبر! فقال رجل: إنَّ الرَّجل يحبُّ أن يكون ثوبه حسنًا، ونعله حسنة؟ قال: إنَّ اللَه جميل يحبُّ الجمال، الكبر: بطر الحقِّ وغمط النَّاس)) .
قال النووي في شرح الحديث: (قد اختلف في تأويله. فذكر الخطابي فيه وجهين:
أحدهما: أن المراد التكبر عن الإيمان، فصاحبه لا يدخل الجنة أصلًا إذا مات عليه.
والثاني: أنَّه لا يكون في قلبه كبر، حال دخوله الجنَّة، كما قال الله تعالى: وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ [الأعراف: 43].
وهذان التأويلان فيهما بعد، فإن هذا الحديث ورد في سياق النهي عن الكِبْر المعروف، وهو الارتفاع على الناس، واحتقارهم، ودفع الحق، فلا ينبغي أن يحمل على هذين التأويلين المخرجين له عن المطلوب. بل الظاهر ما اختاره القاضي عياض وغيره من المحققين، أنَّه لا يدخل الجنة دون مجازاة إن جازاه. وقيل: هذا جزاؤه لو جازاه، وقد يتكرم بأنه لا يجازيه، بل لا بد أن يدخل كل الموحدين الجنة إمَّا أولًا، وإمَّا ثانيًا بعد ***** بعض أصحاب الكبائر الذين ماتوا مصرين عليها. وقيل: لا يدخل مع المتقين أوَّل وهلة)
وقال ابن القيم: (فسر النَّبي الكِبْر بضده فقال: الكِبْر بطر الحق وغمص الناس. فبطر الحق: رده، وجحده، والدفع في صدره، كدفع الصائل. وغمص الناس: احتقارهم، وازدراؤهم. ومتى احتقرهم وازدراهم: دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها) .
- وعن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بأهل الجنَّة؟ كل ضعيف متضاعف؛ لو أقسم على الله لأبرَّه، ألا أخبركم بأهل النَّار؟ كل عتلٍّ ، جواظٍ مستكبرٍ)) .
- وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((احتجَّت الجنة والنار، فقالت النَّار: فيَّ الجبَّارون والمتكبرون. وقالت الجنة: فيَّ ضعفاء الناس ومساكينهم، فقضى الله بينهما: إنَّك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنَّك النار عذابي أعذب بك من أشاء، ولكليكما عليَّ ملؤها)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلِّمهم الله يوم القيامة، ولا يزكِّيهم، ولا ينظر إليهم، ولهم عذابٌ أليم: شيخ زان، وملك كذَّاب، وعائلٌ مستكبر )) .
يقول ابن تيمية: (فهؤلاء الثلاثة: اشتركوا في هذا الوعيد، واشتركوا في فعل هذه الذنوب مع ضعف دواعيهم؛ فإنَّ داعية الزنا في الشيخ ضعيفة، وكذلك داعية الكذب في الملك ضعيفة؛ لاستغنائه عنه وكذلك داعية الكِبْر في الفقير، فإذا أتوا بهذه الذنوب- مع ضعف الداعي- دلَّ على أنَّ في نفوسهم من الشرِّ الذي يستحقون به من الوعيد ما لا يستحقه غيرهم) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:16 AM
أقوال السلف والعلماء في الكِبْر

- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنَّ العبد إذا تواضع لله رفع الله حَكَمَتَه ، وقال له: انتعش نعشك الله، فهو في نفسه حقير، وفي أعين الناس كبير، وإذا تكبَّر وعتا وَهَصَه الله إلى الأرض، وقال له: اخسأ خسأكَ الله، فهو في نفسه كبير، وفي أعين الناس حقير، حتى يكون عندهم أحقر من الخنزير) .
- وعوتب علي رضي الله عنه في لبوسه فقال: (إن لبوسي هذا أبعد من الكِبْر، وأجدر أن يقتدي بي المسلم) .
- وقال الحسن: (إنَّ أقوامًا جعلوا الكِبْر في قلوبهم، والتواضع في ثيابهم، فصاحب الكساء بكسائه أعجب من صاحب المطرف بمطرفه ما لم تفاقروا) .
- وقال وهب: (لما خلق الله جنة عدن نظر إليها، فقال: أنت حرام على كل متكبر) .
- وقال يحيى بن جعدة: (من وضع وجهه لله عزَّ وجلَّ ساجدًا فقد برئ من الكِبْر) .
- وقال أبو عثمان النيسابوري: (ما ترك أحد شيئًا من السنة إلا لكبر في نفسه، ثم هذا مظنة لغيره، فينسلخ القلب عن حقيقة اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، ويصير فيه من الكِبْر وضعف الإيمان ما يفسد عليه دينه، أو يكاد، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا) .
- وقال الأحنف بن قيس: (عجبًا لابن آدم يتكبر وقد خرج من مجرى البول مرتين) .
- وقال محمد بن الحسين بن علي: (ما دخل قلب امرئ شيء من الكِبْر قط، إلا نقص من عقله بقدر ما دخل من ذلك أو كثر) .
- وسئل سليمان عن السيِّئة التي لا تنفع معها حسنة فقال: الكِبْر .
- وقال النعمان بن بشير على المنبر: (إنَّ للشيطان مصالي وفخوخًا ، وإنَّ من مصالي الشيطان وفخوخه البطر بأنعم الله، والفخر بإعطاء الله، والكِبْر على عباد الله، واتباع الهوى في غير ذات الله) .
- وقال سعد بن أبي وقَّاص لابنه: (يا بني: إيَّاك والكبر، وليكن فيما تستعين به على تركه: علمك بالذي منه كنت، والذي إليه تصير، وكيف الكبر مع النِّطفة التي منها خلقت، والرحم التي منها قذفت، والغذاء الذي به غذيت) .
- ويقول ابن تيمية: (الكبر ينافي حقيقة العبوديَّة، كما ثبت في الصَّحيح: عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((يقول الله: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذَّبته)). فالعظمة والكبرياء من خصائص الرُّبوبيَّة، والكبرياء أعلى من العظمة؛ ولهذا جعلها بمنزلة الرِّداء، كما جعل العظمة بمنزلة الإزار) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:19 AM
من آثار الكِبْر

1- الحرمان من النظر والاعتبار:
أي أنَّ الأثر الأول الذي يتركه التكبر على المسلم إنما هو الحرمان من النظر والاعتبار... ومن حرم النظر والاعتبار، كانت عاقبته البوار والخسران المبين؛ لأنه سيبقى مقيمًا على عيوبه وأخطائه، غارقًا في أوحاله، حتى تنتهي الحياة.
2- القلق والاضطراب النفسي:
ذلك أن المتكبر يحبُّ إشباعًا لرغبة الترفع والتعالي، أن يحني الناس رؤوسهم له، وأن يكونوا دومًا في ركابه، ولأنَّ أعزة الناس وكرامهم يأبون ذلك، بل ليسوا مستعدين له أصلًا، فإنه يصاب بخيبة أمل، تكون عاقبتها القلق والاضطراب النفسي، هذا فضلًا عن أن اشتغال هذا المتكبر بنفسه يجعله في إعراض تام عن معرفة الله وذكره، وذلك له عواقب أدناها في هذه الدنيا القلق والاضطراب النفسي.
3- الملازمة للعيوب والنقائص:
وذلك أن المتكبر لظنه أنَّه بلغ الكمال في كلِّ شيء لا يفتش في نفسه، حتى يعرف أبعادها ومعالمها، فيصلح ما هو في حاجة منها إلى إصلاح، ولا يقبل كذلك نصحًا أو توجيهًا أو إرشادًا من الآخرين، ومثل هذا يبقى غارقًا في عيوبه ونقائصه، ملازمًا لها إلى أن تنقضي الحياة، ويدخل النار مع الداخلين.
4- الحرمان من الجنة واستحقاق العذاب في النَّار:
وذلك أمر بدهي، فإنَّ من يعتدي على مقام الألوهية، ويظلُّ مقيمًا على عيوبه ورذائله، ستنتهي به الحياة حتمًا، وما حصَّل خيرًا يستحق به ثوابًا أو مكافأة، فيحرم الجنة مؤبدًا أو مؤقتًا.
5- قلة كسب الأنصار بل والفرقة والتمزق، والشعور بالعزلة:
ذلك أنَّ القلوب جُبلت على حبِّ من ألان لها الجانب، وخفض لها الجناح، ونظر إليها من دونٍ لا من علٍ.
6- الحرمان من العون والتأييد الإلهي:
ذلك أنَّ الحقَّ سبحانه مضت سنته أنَّه لا يعطى عونه وتأييده، إلا لمن هضموا نفوسهم، حتى استخرجوا حظَّ الشيطان من نفوسهم، بل حظَّ نفوسهم من نفوسهم، والمتكبرون قوم كبرت نفوسهم، ومن كانت هذه صفته، فلا حق له في عون أو تأييد إلهي.
7- استحقاق غضب الله والتعرض لسخطه.

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:21 AM
حكم الكِبْر

إن من الكِبْر ما يكون كفرًا أكبر مخرجًا من الملة، يستحق صاحبه الخلود في النار، ومنه ما يكون صاحبه مرتكبًا لكبيرة من الكبائر يستحق العقوبة، ومع ذلك هو تحت مشيئة الله تبارك وتعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، يقول أبو العباس القرطبي:
(لما تقرَّر أنَّ الكِبْر يستدعي متكبرًا عليه، فالمتكبر عليه:
إنْ كان هو اللهَ تعالى، أو رُسُلَهُ، أو الحَقَّ الذي جاءتْ به رسلُهُ: فذلك الكِبْر كُفْر.
وإن كان غَيْـرَ ذلك: فذلك الكِبْر معصيةٌ وكبيرة، يُخَاف على المتلبِّس بها المصِرِّ عليها أنْ تُـفْضِيَ به إلى الكُفْر، فلا يدخُل الجنَّة أبدًا.
فإن سَلِم مِنْ ذلك، ونفَذ عليه الوعيد، عوقبَ بالإذلالِ والصَّغار، أو بما شاء الله مِنْ عذاب النار، حتَّى لا يبقى في قلبه مِن ذلك الكِبر مثقالُ ذَرَّه، وخَلُص من خَبَث كِبره حتى يصيرَ كالذَّرَّه؛ فحينئذ يتداركُهُ الله تعالى برحمتِه، ويخلِّصه بإيمانه وبركته. وقد نصَّ على هذا المعنى النَّبي صلى الله عليه وسلم في المحبوسين على الصِّرَاط لما قال: ((حتَّى إِذَا هُذِّبُوا ونُـقُّوا، أُذِن لهم في دُخُول الجنَّة)) ) .
(فالذي في قلبه كبر، إمَّا أن يكون كبرًا عن الحق وكراهة له، فهذا كافر مخلد في النار ولا يدخل الجنة، لقول الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ [محمد: 9]، ولا يحبط العمل إلا بالكفر لقوله تعالى: وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ[البقرة: 217]، وأمَّا إذا كان كبرًا على الخلق وتعاظمًا على الخلق، لكنه لم يستكبر عن عبادة الله، فهذا لا يدخل الجنة دخولًا كاملًا مطلقًا، لم يسبق بعذاب، بل لابد من عذاب على ما حصل من كبره وعلوائه على الخلق، ثم إذا طهر دخل الجنة) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:23 AM
أقسام الكِبْر

ينقسم الكِبْر إلى ثلاثة أقسام: بعضها أشد من بعض، وإن كانت كلها مذمومة إلى الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والناس جميعًا، وقد ذكر هذه الأقسام ابن حجر الهيتمي فقال: (الكِبْر:
- إمَّا على الله تعالى، وهو أفحش أنواع الكبر. كتكبُّر فرعون ونمرود حيث استنكفا أن يكونا عبدين له تعالى وادَّعيا الرُّبوبيَّة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60]، أَي: صَاغِرِينَ. لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ الْآيَةَ [النساء: 172].
- وإمَّا على رسوله، بأن يمتنع من الانقياد له تكـبُّرًا، جهلًا وعنادًا، كما حكى الله ذلك عن كفَّار مكَّة وغيرهم من الأمم.
- وإمَّا على العباد، بأن يستعظم نفسه، ويحتقر غيره، ويزدريه، فيأبى على الانقياد له، أو يترفَّع عليه، ويأنف من مساواته، وهذا، وإن كان دون الأوَّلين إلَّا أنَّه عظيم إثمه أيضًا؛ لأنَّ الكبرياء والعظمة إنَّما يليقان بالملك القادر القوي المتين، دون العبد العاجز الضَّعيف، فتكبُّره فيه منازعة للَّه في صفة لا تليق إلَّا بجلاله، فهو كعبد أخذ تاج ملك وجلس على سريره، فما أعظم استحقاقه للمقت، وأقرب استعجاله للخزي، ومن ثمَّ قال تعالى كما مرَّ في أحاديث: إنَّ من نازعه العظمة والكبرياء أهلكه، أي لأنَّهما من صفاته الخاصَّة به تعالى) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:25 AM
درجات الكِبْر

يقول ابن قدامة المقدسي: (واعلم‏‏ أنَّ العلماء والعباد في آفة الكِبْر على ثلاثة درجات‏:‏
- الأولى‏:‏ أن يكون الكِبْر مستقرًّا في قلب الإنسان منهم، فهو يرى نفسه خيرًا من غيره، إلَّا أنه يجتهد ويتواضع، فهذا في قلبه شجرة الكِبْر مغروسة، إلا أنَّه قد قطع أغصانها‏.‏
- الثانية‏:‏ أن يظهر لك بأفعاله من الترفع في المجالس، والتقدم على الأقران، والإنكار على من يقصر في حقه، فترى العالم يصعر خده للناس، كأنه معرض عنهم، والعابد يعيش ووجهه كأنه مستقذر لهم، وهذان قد جهلا ما أدَّب الله به نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، حين قال‏: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: ‏215].
- الدرجة الثالثة‏:‏ أن يظهر الكِبْر بلسانه، كالدعاوى والمفاخر، وتزكية النفس، وحكايات الأحوال في معرض المفاخرة لغيره، وكذلك التكبر بالنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملًا‏.‏ قال ابن عباس‏:‏ يقول الرجل للرجل‏:‏ أنا أكرم منك، وليس أحد أكرم من أحد إلا بالتقوى‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [‏الحجرات‏: ‏13]، ‏وكذلك التكبر بالمال، والجمال، والقوة، وكثرة الأتباع، ونحو ذلك، فالكِبْر بالمال أكثر ما يجري بين الملوك والتجار ونحوهم‏. ‏والتكبر بالجمال أكثر ما يجري بين النساء، ويدعوهن إلى التنقص، والغيبة وذكر العيوب‏.‏ وأما التكبر بالأتباع والأنصار، فيجري بين الملوك بالمكاثرة بكثرة الجنود، وبين العلماء بالمكاثرة بالمستفيدين‏) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:29 AM
مظاهر الكِبْر:

هناك مظاهر وسمات تظهر على المتكبر، في صفاته، وحركاته، وسكناته، تدل على ما وصل إليه من الكِبْر والعجب بالنفس، والازدراء للآخرين، ومن ذلك :
- أن يحب قيام الناس له أو بين يديه:
وقد قال علي رضي الله عنه: (من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل النار، فلينظر إلى رجل قاعد وبين يديه قوم قيام).
وقال أنس رضي الله عنه: (لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له، لما يعلمون من كراهته لذلك) .
- أن لا يمشي إلا ومعه غيره يمشي خلفه:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: (لا يزال العبد يزداد من الله بعدًا، ما مشي خلفه) .
وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه لا يُعرف من عبيده، إذ كان لا يتميز عنهم في صورة ظاهرة.
ومشى قوم خلف الحسن البصري، فمنعهم وقال: ما يبقي هذا من قلب العبد.
- أن لا يزور غيره وإن كان يحصل من زيارته خير لغيره في الدين:
روي أن سفيان الثوري قدم الرملة فبعث إليه إبراهيم بن أدهم: أن تعالَ فحدِّثنا. فجاء سفيان، فقيل له: يا أبا إسحاق، تبعث إليه بمثل هذا؟ فقال: أردت أن أنظر كيف تواضعه.
- أن يستنكف من جلوس غيره بالقرب منه، إلا أن يجلس بين يديه:
قال ابن وهب: (جلست إلى عبد العزيز بن أبي رواد، فمس فخذي فخذه، فنحيت نفسي عنه، فأخذ ثيابي فجرَّني إلى نفسه، وقال لي: لم تفعلون بي ما تفعلون بالجبابرة؟ وإني لا أعرف رجلًا منكم شرًّا مني.
وقال أنس ((كانت الوليدة من ولائد المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا ينزع يده منها حتى تذهب به حيث تشاء)) .
- أن يتوقى من مجالسة المرضى والمعلولين ويتحاشى عنهم:
(دخل رجل وعليه جدري قد تقشر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده ناس من أصحابه يأكلون، فما جلس إلى أحد إلا قام من جنبه، فأجلسه النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه) .
(وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يحبس عن طعامه مجذومًا، ولا أبرص، ولا مبتلى، إلا أقعدهم على مائدته) .
- أن لا يتعاطى بيده شغلًا في بيته:
رُوي أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيف، وكان يكتب، فكاد السراج يطفأ، فقال الضيف: أقوم إلى المصباح فأصلحه. فقال: ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه. قال: أفأنبه الغلام؟ فقال: هي أول نومة نامها. فقام وأخذ البطة ، وملأ المصباح زيتًا، فقال الضيف: قمت أنت بنفسك يا أمير المؤمنين؟ فقال: ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعًا.
- أن لا يأخذ متاعه ويحمله إلى بيته، وهو خلاف عادة المتواضعين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك.
وقال علي رضي الله عنه: (لا ينقص الرجل الكامل من كماله، ما حمل من شيء إلى عياله) . وكان أبو عبيدة بن الجراح -وهو أمير- يحمل سطلًا له من خشب إلى الحمام.
- أن يميز في إجابة الدعوة بين الغني، والفقير:
فتراه يسارع في إجابة دعوة الغني إذا دعاه، ويستنكف من إجابة دعوة الفقير.

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:31 AM
أسباب الكبر

بيان البواعث على التكبر وأسبابه المهيجة له:
الكِبْر الظاهر أسبابه ثلاثة :
1- سبب في المتكبر: وهو العجب، فهو يورث الكِبْر الباطن، والكِبْر يثمر التكبر الظاهر في الأعمال، والأقوال، والأحوال.
2- وسبب في المتكبر عليه: وهو الحقد والحسد، فأما الحقد فإنه يحمل على التكبر من غير عجب، كالذي يتكبر على من يرى أنه مثله، أو فوقه، ولكن قد غضب عليه بسبب سبق منه، فأورثه الغضب حقدًا، ورسخ في قلبه بغضه فهو لذلك لا تطاوعه نفسه أن يتواضع له، وإن كان عنده مستحقًّا للتواضع، فكم من رذل لا تطاوعه نفسه على التواضع لواحد من الأكابر؛ لحقده عليه، أو بغضه له، ويحمله ذلك على ردِّ الحق إذا جاء من جهته، وعلى الأنفة من قبول نصحه، وعلى أن يجتهد في التقدم عليه، وإن علم أنه لا يستحق ذلك، وعلى أن لا يستحله وإن ظلمه، فلا يعتذر إليه وإن جنى عليه، ولا يسأله عما هو جاهل به.
وأما الحسد فإنه أيضًا يوجب البغض للمحسود، وإن لم يكن من جهته إيذاء وسبب يقتضي الغضب والحقد، ويدعو الحسد أيضًا إلى جحد الحق، حتى يمنع من قبول النصيحة وتعلم العلم، فكم من جاهل يشتاق إلى العلم، وقد بقي في رذيلة الجهل؛ لاستنكافه أن يستفيد من واحد من أهل بلده أو أقاربه حسدًا وبغيًا عليه، فهو يعرض عنه، ويتكبر عليه، مع معرفته بأنه يستحق التواضع بفضل علمه، ولكن الحسد يبعثه على أن يعامله بأخلاق المتكبرين، وإن كان في باطنه ليس يرى نفسه فوقه.
3- وسبب فيما يتعلق بغيرهما: وهو الرياء، فهو أيضًا يدعو إلى أخلاق المتكبرين حتى إن الرجل ليناظر من يعلم أنه أفضل منه، وليس بينه وبينه معرفة، ولا محاسدة، ولا حقد، ولكن يمتنع من قبول الحق منه، ولا يتواضع له في الاستفادة، خيفة من أن يقول الناس إنه أفضل منه، فيكون باعثه على التكبر عليه الرياء المجرد، ولو خلا معه بنفسه لكان لا يتكبر عليه.
وأما الذي يتكبر بالعجب، أو الحسد، أو الحقد، فإنه يتكبر أيضًا عند الخلوة به، مهما لم يكن معهما ثالث، وكذلك قد ينتمي إلى نسب شريف كاذبًا، وهو يعلم أنه كاذب، ثم يتكبر به على من ليس ينتسب إلى ذلك النسب، ويترفع عليه في المجالس، ويتقدم عليه في الطريق، ولا يرضى بمساواته في الكرامة، والتوقير، وهو عالم باطنًا، بأنَّه لا يستحق ذلك، ولا كبر في باطنه لمعرفته بأنه كاذب في دعوى النسب، ولكن يحمله الرياء على أفعال المتكبرين، وكأنَّ اسم المتكبر إنَّما يطلق في الأكثر على من يفعل هذه الأفعال عن كبر في الباطن، صادر عن العجب والنظر إلى الغير، بعين الاحتقار، وهو إن سمي متكبرًا، فلأجل التشبه بأفعال الكِبْر، فتصير الأسباب بهذا الاعتبار أربعة: العجب، والحقد، والحسد، والرياء.

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:33 AM
بماذا يكون التكبر

قال ابن قدامة المقدسي: (في الجملة، فكلُّ ما يمكن أن يُعتقد كمالًا- وإن لم يكن كمالًا- أمكن أن يتكبر به، حتى الفاسق قد يفتخر بكثرة شرب الخمر والفجور؛ لظنِّه أنَّ ذلك كمال) . وقال الغزالي: (اعلم أنَّه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي، فالديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار، فهذه سبعة أسباب:
الأول: العلم وما أسرع الكِبْر إلى العلماء... فلا يلبث العالم أن يتعزز بعزة العلم، يستشعر في نفسه جمال العلم وكماله، ويستعظم نفسه ويستحقر الناس، وينظر إليهم نظره إلى البهائم، ويستجهلهم... هذا فيما يتعلق بالدنيا، أما في أمر الآخرة فتكبره عليهم؛ بأن يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم، فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم... فإن قلت: فما بال بعض الناس يزداد بالعلم كبرًا وأمنًا؟ فاعلم أنَّ لذلك سببين:
أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمَّى علمًا، وليس علمًا حقيقيًّا، وإنما العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه، ونفسه، وخطر أمره في لقاء الله، والحجاب منه، وهذا يورث الخشية، والتواضع، دون الكِبْر والأمن، قال الله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء [فاطر: 28].
السبب الثاني: أن يخوض العبد في العلم، وهو خبيث الدخلة، رديء النفس، سيئ الأخلاق.
الثاني: العمل والعبادة، وليس يخلو عن رذيلة العزِّ والكِبْر، واستمالة قلوب الناس الزهاد، والعباد، ويترشح الكِبْر منهم في الدين والدنيا، أما في الدنيا فهو أنهم يرون غيرهم بزيارتهم أولى منهم بزيارة غيرهم، ويتوقعون قيام الناس بقضاء حوائجهم، وتوقيرهم، والتوسع لهم في المجالس، وذكرهم بالورع، والتقوى، وتقديمهم على سائر الناس في الحظوظ... وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين، ويرى نفسه ناجيًا، وهو الهالك تحقيقًا.
الثالث: التكبر بالحسب والنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب، وإن كان أرفع منه عملًا وعلمًا، وقد يتكبر بعضهم، فيرى أنَّ الناس له أموال وعبيد، ويأنف من مخالطتهم ومجالستهم.
الرابع: التفاخر بالجمال، وذلك أكثر ما يجري بين النساء، ويدعو ذلك إلى التنقص، والثلب، والغيبة، وذكر عيوب الناس.
الخامس: الكِبْر بالمال، وذلك يجري بين الملوك في خزائنهم، وبين التجار في بضائعهم، وبين الدهاقين في أراضيهم، وبين المتجملين في لباسهم وخيولهم، ومراكبهم، فيستحقر الغني الفقير، ويتكبر عليه.
السادس: الكِبْر بالقوة وشدة البطش، والتكبر به على أهل الضعف.
السابع: التكبر بالأتباع والأنصار، والتلامذة والغلمان، وبالعشيرة، والأقارب، والبنين، ويجري ذلك بين الملوك في المكاثرة بالجنود، وبين العلماء في المكاثرة بالمستفيدين...
فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض، فيتكبر من يدلي بشيء منه على من لا يدلي به، أو على من يدلي بما هو دونه في اعتقاده، وربما كان مثله أو فوقه عند الله تعالى، كالعالم الذي يتكبر بعلمه على من هو أعلم منه، لظنه أنه هو الأعلم، ولحسن اعتقاده في نفسه) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:34 AM
أشرُّ الكِبْر

يحدثنا الذهبي عن أشرِّ أنواع الكبر فيقول: (وأشرُّ الكِبْر الذي فيه من يتكبر على العباد بعلمه، ويتعاظم في نفسه بفضيلته، فإنَّ هذا لم ينفعه علمه، فإنَّ من طلب العلم للآخرة كسره علمه، وخشع قلبه، واستكانت نفسه، وكان على نفسه بالمرصاد، فلا يفتر عنها، بل يحاسبها كلَّ وقت، ويتفقدها، فإن غفل عنها جمحت عن الطريق المستقيم وأهلكته، ومن طلب العلم للفخر والرياسة، وبطر على المسلمين، وتحامق عليهم، وازدراهم، فهذا من أكبر الكِبْر، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:37 AM
الوسائل المعينة على ترك الكِبْر

1- تذكير النفس بالعواقب والآثار المترتبة على التكبر، سواء كانت عواقب ذاتية، أو متصلة بالعمل الإسلامي، وسواء كانت دنيوية، أو أخروية، فلعل هذا التذكير يحرك النفس من داخلها، ويحملها على أن تتوب، وتتدارك أمرها، قبل ضياع العمر وفوات الأوان.
2- عيادة المرضى، ومشاهدة المحتضرين، وأهل البلاء، وتشييع الجنائز، وزيارة القبور، فلعل ذلك أيضًا يحركه من داخله، ويجعله يرجع إلى ربه بالإخبات، والتواضع.
3- الانسلاخ من صحبة المتكبرين، والارتماء في أحضان المتواضعين المخبتين، فربما تعكس هذه الصحبة بمرور الأيام شعاعها عليه، فيعود له سناؤه، وضياؤه الفطري، كما كان عند ولادته.
4- مجالسة ضعاف الناس وفقرائهم، وذوى العاهات منهم، بل ومؤاكلتهم ومشاربتهم، كما كان يصنع النَّبي صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام، وكثير من السلف، فإن هذا مما يهذب النفس، ويجعلها تقلع عن غيها، وتعود إلى رشدها.
5- التفكر في النفس، وفي الكون، بل وفي كلِّ النعم التي تحيط به، من أعلاه إلى أدناه، مَن مصدر ذلك كله؟ ومَن ممسكه؟ وبأيِّ شيء استحقه العباد؟ وكيف تكون حاله لو سلبت منه نعمة واحدة، فضلًا عن باقي النعم؟ فإن ذلك التفكر لو كانت معه جدِّية، يحرك النفس ويجعلها تشعر بخطر ما هي فيه، إن لم تبادر بالتوبة والرجوع إلى ربها.
6- النظر في سير وأخبار المتكبرين، كيف كانوا؟ وإلى أي شيء صاروا؟ من إبليس والنمرود إلى فرعون، إلى هامان، إلى قارون، إلى أبي جهل، إلى أبي بن خلف، إلى سائر الطغاة والجبارين والمجرمين، في كلِّ العصور والبيئات، فإنَّ ذلك مما يخوِّف النفس، ويحملها على التوبة والإقلاع، خشية أن تصير إلى نفس المصير، وكتاب الله عزَّ وجلَّ، وسنة النَّبي صلى الله عليه وسلم، وكتب التراجم، والتاريخ، خير ما يُعين على ذلك.
7- حضور مجالس العلم التي يقوم عليها علماء ثقات نابهون، لاسيما مجالس التذكير والتزكية، فإنَّ هذه المجالس لا تزال بالقلوب حتى ترقَّ، وتلين، وتعود إليها الحياة من جديد.
8- حمل النفس على ممارسة بعض الأعمال التي يتأفف منها كثير من الناس ممارسة ذاتية، ما دامت مشروعة، كأن يقوم هذا المتكبر بشراء طعامه، وشرابه، وسائر ما يلزمه بنفسه، ويحرص على حمله، والمشي به بين الناس، حتى لو كان له خادم، على نحو ما كان يصنع النَّبي صلى الله عليه وسلم، وصحبه، والسلف، فإن هذا يساعد كثيرًا في تهذيب النفس، وتأديبها، والرجوع بها إلى سيرتها الأولى الفطرية، بعيدًا عن أي التواء، أو اعوجاج.
9- الاعتذار لمن تعالى وتطاول عليهم بسخرية أو استهزاء، بل ووضع الخدِّ على التراب وإلصاقه به، وتمكينه من القصاص على نحو ما صنع أبو ذر مع بلال، لما عاب عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم تعييره بسواد أمه.
10- إظهار الآخرين بنعمة الله عليهم، وتحدثهم بها- لاسيما أمام المستكبرين- علهم يثوبون إلى رشدهم وصوابهم، ويتوبون ويرجعون إلى ربهم، قبل أن يأتيهم أمر الله.
11- التذكير دومًا بمعايير التفاضل، والتقدم في الإسلام:
إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13].
((كلكم بنو آدم، وآدم من تراب، ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان )) .
12- المواظبة على الطاعات: فإنها إذا واظب عليها، وكانت متقنة لا يراد بها إلا وجه الله، طهرت النفس من كل الرذائل، بل زكتها.

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:39 AM
أقوال الأدباء في ذم الكِبْر والمتكبرين


- الكِبْر قائد البغض.
- التعزز بالتكبر ذلٌّ.
- الكِبْر فضل حمقٍ، لم يدر صاحبه أين يضعه.
التكبر على الملوك تعرضٌ للحتوف، وعلى الأنذال من ضعة النفس، وعلى الأكفاء جهلٌ عظيمٌ، وسخف.
- الكِبْر داءٌ يُعدي.
- الإفراط في الكِبْر يوجب البغضة، كما أن الإفراط في التواضع يوجب الذلة.
- قال ابن المعتز: لما عرف أهل النقص حالهم عند ذوي الكمال، استعانوا بالكِبْر، ليعظم صغيرًا، ويرفع حقيرًا، وليس بفاعلٍ.
- ووصف بليغٌ متكبرًا فقال: كأنَّ كسرى حامل غاشيته ، وقارون وكيل نفقته، وبلقيس إحدى داياته، وكأنَّ يوسف لم ينظر إلا بمقلته، ولقمان لم ينطق إلا بحكمته) .
- وكان يقال: من عرف حق أخيه دام له إخاؤه، ومن تكبر على الناس، ورجا أن يكون له صديق فقد غرَّ نفسه.
- وقيل: ليس للجوج تدبير، ولا لسيئ الخلق عيش، ولا لمتكبر صديق .
- وقال بعضهم: من أثبت لنفسه تواضعًا، فهو المتكبر حقًّا، إذ ليس التواضع إلا عن رفعة، فمتى أثبتَّ لنفسك تواضعًا فأنت من المتكبرين .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:40 AM
أسماء المتكبر والتكبر

أسماء المتكبر: الطاغية، الأشوز، الشمخر، السامد، السمغد، النفَّاخ، أصيد، أسوس، أصور، أزور، العنجهي، الجفاخ، المطاخ، البلخ، الأزوش، النابخة، المصبوع، الغطرس، الغطريس.
أسماء التكبر: التغطرس، التغطرق، التصلف، الزهو، الجمخ، الشمخرة، الغترفة، الغطرفة، الفجس، التفجس، التغترف، التغطرف، البهلكة، التطاول، التبختر هو الشمخ بالأنف، الذيخ، الطرمحانية، الخيلاء، الخيل، الخيلة، المخيلة، الأخيل، العبية، الغطرسة، الصبع، المصبغة .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:42 AM
ترتيب أوصاف الكِبْر

يقال: (رَجُل مُعْجَب، ثُمَّ تائِهٌ، ثُمَّ مَزْهُوٌّ، ومَنْخُوٌّ، مِنَ الزَّهْوِ والنَّخْوَةِ، ثُمَّ بِاذِخ مِن البَذَخِ، ثُمَّ أَصْيَدُ، إذا كَانَ لا يلتَفِتُ يَمْنَةً وَيسْرَةً مِنْ كِبْرِهِ، ثُمَّ مُتَغَطْرِف، إذا تَشبَّهَ بالغَطَارِفَةِ كِــبْرًا، ثُمَّ متَغَطْرِس إِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:48 AM
ذم الكِبْر في واحة الشعر

قال منصور الفقيه:

تتيهُ وجسمُك مِن نطفةٍ *** وأنت وعاءٌ لما تعلمُ

وقال آخر:

جمعت أمرين ضاع الحزمُ بينهما *** تيهَ الملوكِ وأخلاقَ المماليكِ

وقال آخر:

وَكم ملكٍ قاسي العقابِ مُمَنَّعٍ *** قديرٍ على قبضِ النُّفُوسِ مُطاعِ


أَراهُ فيعديِنِي من الكِبْرِ ما به *** فأُكْرِمُ عَنه شيمتِي وطِباعِي

وقال آخر:

كم جاهلٍ متواضعٍ *** سترَ التواضعُ جهلَه


ومميزٍ في علمِه *** هدم التكبرُ فضلَه


فدعِ التكبرَ ما حييتَ *** ولا تصاحبْ أهلَه


فالكِبْرُ عيبٌ للفتى *** أبدًا يُقبِّحُ فعلَه

وأنشد ثعلب:

ولا تأنفا أن تسألا وتسلما *** فما حُشِيَ الإنسانُ شرًّا من الكِبْرِ

وقال محمود الوراق:

التِّيهُ مَفسدةٌ للدِّينِ منقصةٌ *** للعَقلِ مجلبةٌ للذمِّ والسخَطِ


مَنْعُ العطاءِ وبَسْطُ الوجهِ أحسنُ مِن *** بَذْلِ العطاءِ بوَجْهٍ غيرِ منبسطِ

وقال أيضًا:

بِشْرُ البخيلِ يكادُ يُصْلِحُ بُخلَه *** والتِّيهُ مَفْسدةٌ لكلِّ جوادِ


ونقيصةٌ تبْقَى على أيامِه *** ومَسبَّةٌ في الأهلِ والأولادِ

وقال آخر في الكِبْر:

مع الأرضِ يا بنَ الأرضِ في الطَّيرانِ *** أَتأْمُلُ أن ترْقى إلى الدبَرَانِ


فواللهِ ما أبصرتُ يومًا مُحلِّقًا *** ولو حَلَّ بين الجَدْي والسَّرطانِ


حَمَاهُ مكانُ البُعدِ مِن أَن تَنالَه *** بسَهْمٍ من البَلْوى يدُ الحَدثانِ

وقال الحيص بيص:

فتى لم يكنْ جَهْمًا ولا ذا فَظاظةٍ *** ولا بالقَطوبِ الباخلِ المتكبر


ولكن سَموحًا بالودادِ وبالنَّدى *** ومبتسمًا في الحادثِ المتنمِّرِ



http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=LvaHUvzbHuir0AWN8YHYBg&psig=AFQjCNECRbdTYc9Ws5lRxdUspLfDnMwnWA&ust=1384728494562678)

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:51 AM
الكذب

معنى الكذب لغةً واصطلاحًا
معنى الكذب لغةً:
الكَذِب نقيض الصِّدْقِ، كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِبًا وكِذْبًا. فهو كَاذِب وكَذَّاب وكَذُوب، تقول: كذَّبت الرجل، إذا نسبته إلى الكذب، وأكْذَبتُه إذا أخبرت أن الذي يحدث به كذب .
معنى الكذب اصطلاحًا:
هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء كان عمدًا أم خطئًا .
وقال النووي: (الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمدًا كان أو سهوًا، سواء كان الإخبار عن ماض أو مستقبل) .

محمد رافع 52
17-11-2013, 12:54 AM
الفرق بين الكذب وبعض الألفاظ المترادفة

- الفرق بين الخرص والكذب:
(أنَّ الخرص هو الحزر، وليس من الكذب في شيء، والخرص ما يحزر من الشيء، يقال: كم خرص نخلك، أي: كم يجئ من ثمرته، وإنما استعمل الخرص في موضع الكذب؛ لأنَّ الخرص يجري على غير تحقيق، فشُبِّه بالكذب، واستُعمل في موضعه.
وأما التكذيب فالتصميم، على أنَّ الخبر كذب بالقطع عليه، ونقيضه التصديق) .
- الفرق بين الكذب والافتراء والبهتان:
(الكذب: هو عدم مطابقة الخبر للواقع، أو لاعتقاد المخبر لهما على خلاف في ذلك.
والافتراء: أخص منه؛ لأنَّه الكذب في حق الغير بما لا يرتضيه، بخلاف الكذب فإنه قد يكون في حق المتكلم نفسه، ولذا يقال لمن قال: فعلت كذا ولم أفعل كذا. مع عدم صدقه في ذلك: هو كاذب، ولا يقال: هو مفتر، وكذا من مدح أحدًا بما ليس فيه، يقال: إنه كاذب في وصفه، ولا يقال: هو مفتر؛ لأنَّ في ذلك مما يرتضيه المقول فيه غالبًا.
وقال سبحانه حكاية عن الكفار: افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا [الأنعام: 93]؛ لزعمهم أنه أتاهم بما لا يرتضيه الله سبحانه مع نسبته إليه.
وأيضًا قد يحسن الكذب على بعض الوجوه، كالكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وعدة الزوجة، كما وردت به الرواية، بخلاف الافتراء.
وأما البهتان: فهو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له) .
- الفرق بين الكذب والإفك:
(الكذب: اسم موضوع للخبر الذي لا مخبر له على ما هو به، وأصله في العربية التقصير، ومنه قولهم: كذب عن قرنه في الحرب. إذا ترك الحملة عليه، وسواء كان الكذب فاحش القبح، أو غير فاحش القبح.
والإفك: هو الكذب الفاحش القبح، مثل الكذب على الله ورسوله، أو على القرآن، ومثل قذف المحصنة، وغير ذلك مما يفحش قبحه، وجاء في القرآن على هذا الوجه، قال الله تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية: 7]) .
- الفرق بين الخُلف والكذب:
(الكذب فيما مضى، وهو أن تقول: فعلت كذا، ولم تفعله، والخلف لما يستقبل، وهو أن تقول: سأفعل كذا. ولا تفعله) .

فاى 11
17-11-2013, 05:37 PM
بارك الله فيك

محمد رافع 52
17-11-2013, 09:05 PM
بارك الله فيك
جزاك الله عنا خيراً

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:29 PM
ذم الكذب والنهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2684)

أولًا: في القرآن الكريم

- قال الله تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل: 105].
(إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ على الله وعلى رسوله شِرارُ الخلق، الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ من الكفرة والملحدين المعروفين، بالكذب عند الناس) .
- وقال سبحانه: وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ [الجاثية: 7].
(أي: كذَّاب في مقاله، أثيم في فعاله. وأخبر أنَّ له عذابًا أليمًا، وأنَّ مِن وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ [الجاثية: 10] تكفي في عقوبتهم البليغة) .
- وقال عزَّ وجلَّ: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ [الشعراء: 221-223].
- وقال سبحانه: لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النور: 13]
- وقال في وصف المنافقين: أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لا يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنصَرُونَ [الحشر: 11-12].
قال السعدي في قوله: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ: (في هذا الوعد الذي غروا به إخوانهم، ولا يستكثر هذا عليهم، فإنَّ الكذب وصفهم، والغرور والخداع مقارنهم، والنفاق والجبن يصحبهم، ولهذا كذبهم الله بقوله، الذي وجد مخبره كما أخبر الله به، ووقع طبق ما قال، فقال: لَئِنْ أُخْرِجُوا من ديارهم جلاءً ونفيًا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ لمحبتهم للأوطان، وعدم صبرهم على القتال، وعدم وفائهم بوعدهم) .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:32 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان)) .
- وعنه أيضًا رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء كذبًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع)) .
قال ابن الجوزي: (فيه تأويلان، أحدها: أن يروي ما يعلمه كذبًا، ولا يبينه فهو أحد الكاذبين، والثاني: أنَّ يكون المعنى بحسب المرء أن يكذب؛ لأنَّه ليس كلُّ مسموع يصدق به، فينبغي تحديث الناس بما تحتمله عقولهم) .
- وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من حلف بملة غير الإسلام كاذبًا متعمدًا فهو كما قال، ومن *** نفسه بحديدة عُذِّب بها في نار جهنم)) .
(ومعنى الحديث النهي عن الحلف بما حلف به من ذلك، والزجر عنه، وتقدير الكلام: من حلف بملة غير الإسلام، كاذبًا متعمدًا، فهو كما قال، يعنى فهو كاذب حقًّا؛ لأنَّه حين حلف بذلك ظنَّ أنَّ إثم الكذب واسمه ساقطان عنه؛ لاعتقاده أنَّه لا حرمة لما حلف به، لكن لما تعمد ترك الصدق في يمينه، وعدل عن الحق في ذلك، لزمه اسم الكذب، وإثم الحلف، فهو كاذب كذبتين: كاذب بإظهار تعظيم ما يعتقد خلافه، وكذب بنفيه ما يعلم إثباته، أو بإثبات ما يعلم نفيه. فإن ظنَّ ظانٌّ أنَّ في هذا الحديث دليلًا على إباحة الحلف بملة غير الإسلام صادقًا، لاشتراطه في الحديث أن يحلف به كاذبًا، قيل له: ليس كما توهمت؛ لورود نهي النَّبي صلى الله عليه وسلم، عن الحلف بغير الله، نهيًا مطلقًا، فاستوى في ذلك الكاذب والصادق، وفي النهي عنه) .
- وعن أبي محمد، الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؛ فإنَّ الصدق طمأنينة، والكذب ريبة)) .
قال ابن رجب: (يشير إلى أنَّه لا ينبغي الاعتماد على قول كلِّ قائل، كما قال في حديث وابصة: ((وإن أفتاك الناس وأفتوك)) . وإنما يعتمد على قول من يقول الصدق، وعلامة الصدق أنَّه تطمئن به القلوب، وعلامة الكذب؛ أنه تحصل به الريبة، فلا تسكن القلوب إليه، بل تنفر منه.
ومن هنا كان العقلاء في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم إذا سمعوا كلامه وما يدعو إليه، عرفوا أنه صادق، وأنه جاء بالحق، وإذا سمعوا كلام مسيلمة، عرفوا أنه كاذب، وأنه جاء بالباطل، وقد روي أن عمرو بن العاص سمعه قبل إسلامه يدعي أنه أنزل عليه: يا وبر يا وبر، لك أذنان وصدر، وإنك لتعلم يا عمرو. فقال: والله إني لأعلم أنك تكذب) .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:34 PM
أقوال السلف والعلماء في الكذب

- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لأن يضعني الصدق- وقلَّما يضع- أحبُّ إليَّ من أن يرفعني الكذب، وقلَّما يفعل) .
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أعظم الخطايا الكذب، ومن يعفَّ يعفُ الله عنه) .
- وروي عنه أيضًا أنه قال: (الكذب لا يصلح منه جدٌّ ولا هزل) .
- وكان ابن عباس يقول: (الكذب فجور، والنَّمِيمَة سحرٌ، فمن كذب فقد فجر، ومن نمَّ فقد سحر) .
- وقال ابن عمر: (زعموا زاملة الكذب) .
- وقال الأحنف: (ما خان شريفٌ، ولا كذب عاقلٌ، ولا اغتاب مؤمنٌ. وكانوا يحلفون فيحنثون، ويقولون فلا يكذبون) .
- وقال أيضًا: (اثنان لا يجتمعان أبدًا: الكذب والمروءة) .
- وقال ميمون بن ميمون: (من عُرف بالصدق جاز كذبه، ومن عُرف بالكذب لم يجز صدقه) .
- وقال ابن القيم: (إياك والكذب؛ فإنه يفسد عليك تصور المعلومات على ما هي عليه، ويفسد عليك تصويرها وتعليمها للناس) .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:36 PM
آثار الكذب

1- الكذب يقرب البعيد، ويبعد القريب خلاف الواقع.
3- الكذب يذهب بالمروءة.
4- الكذب يعرض صاحبه للإهانة.
5- (الكاذب يصور المعدوم موجودًا، والموجود معدومًا. والحقَّ باطلًا، والباطل حقًّا، والخير شرًّا والشرَّ خيرًا، فيفسد عليه تصوره وعلمه عقوبة له، ثم يصور ذلك في نفس المخاطب) .
6- الكذب يهدي إلى الفجور.
7- الكذاب لا تسكن القلوب إليه بل تنفر منه.
8- الكذاب لا يفلح أبدًا.
9- الكذب من علامات النفاق.
10- الكذاب توعده الله بجهنم.

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:39 PM
حكم الكذب وما يباح منه

قال النووي: (قد تظاهرتْ نصوصُ الكتاب والسنة على تحريم الكذب في الجملة، وهو من قبائح الذنوب وفواحش العيوب. وإجماعُ الأمة منعقدٌ على تحريمه مع النصوص المتظاهرة، فلا ضرورة إلى نقل أفرادها، وإنما المهمُّ بيان ما يُستثنى منه، والتنبيه على دقائقه) .
ثم قال: (وقد ضبط العلماءُ ما يُباح منه. وأحسنُ ما رأيتُه في ضبطه، ما ذكرَه الإِمامُ أبو حامد الغزالي فقال: الكلامُ وسيلةٌ إلى المقاصد، فكلُّ مقصودٍ محمودٍ يُمكن التوصلُ إليه بالصدق والكذب جميعًا، فالكذبُ فيه حرامٌ؛ لعدم الحاجة إليه، وإن أمكنَ التوصل إليه بالكذب، ولم يمكن بالصدق، فالكذبُ فيه مباحٌ إن كان تحصيل ذلك المقصود مباحًا، وواجبٌ إن كان المقصود واجبًا، فإذا اختفى مسلم من ظالم، وسأل عنه، وجبَ الكذبُ بإخفائه، وكذا لو كان عندَه أو عندَ غيره وديعة، وسأل عنها ظالمٌ يُريدُ أخذَها، وجبَ عليه الكذب بإخفائها، حتى لو أخبرَه بوديعةٍ عندَه فأخذَها الظالم قهرًا، وجبَ ضمانُها على المودع المخبر، ولو استحلفَه عليها، لزمَه أن يَحلفَ ويورِّي في يمينه، فإن حلفَ ولم يورِّ، حنثَ على الأصحِّ، وقيل: لا يحنثُ. وكذلك لو كان مقصودُ حَرْبٍ، أو إصلاحِ ذاتِ البين، أو استمالة قلب المجني عليه في العفو عن الجناية لا يحصل إلا بكذب، فالكذبُ ليس بحرام، وهذا إذا لم يحصل الغرضُ إلا بالكذب، والاحتياطُ في هذا كلِّه أن يورِّي، ومعنى التورية أن يقصدَ بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ.
ولو لم يقصد هذا، بل أطلق عبارةَ الكذب، فليس بحرام في هذا الموضع.
قال أبو حامد الغزالي: وكذلك كلُّ ما ارتبط به غرضٌ مقصودٌ صحيح له أو لغيره، فالذي له، مثل أن يأخذَه ظالم، ويسألَه عن ماله ليأخذَه، فله أن ينكرَه، أو يسألَه السلطانُ عن فاحشةٍ بينَه وبينَ الله تعالى ارتكبَها، فله أن ينكرَها ويقول: ما زنيتُ، أو ما شربتُ مثلًا.
وقد اشتهرتِ الأحاديث بتلقين الذين أقرُّوا بالحدود الرجوع عن الإِقرار.
وأما غرضُ غيره، فمثل أن يُسأَل عن سرِّ أخيه فينكرَهُ ونحو ذلك، وينبغي أن يُقابِلَ بين مَفسدةِ الكذب والمفسدةِ المترتبة على الصدق، فإن كانت المفسدةُ في الصدق أشدَّ ضررًا، فله الكذبُ، وإن كان عكسُه، أو شكَّ، حَرُم عليه الكذب، ومتى جازَ الكذب، فإن كان المبيحُ غرضًا يتعلَّق بنفسه، فيستحبُّ أن لا يكذبَ، ومتى كان متعلقًا بغيره، لم تجزِ المسامحةُ بحقِّ غيره، والحزمُ تركه في كلِّ موضعٍ أُبيحَ، إلا إذا كان واجبًا) .
وهذه بعض الحالات التي يباح فيها الكذب، وهي:
1- (في الحرب؛ لأنَّ الحرب خدعة، ومقتضياتها تستدعي التمويه على الأعداء، وإيهامهم بأشياء قد لا تكون موجودة، واستعمال أساليب الحرب النفسية ما أمكن، ولكن بصورة ذكية لبقة.
2- في الصلح بين المتخاصمين؛ حيث إنَّ ذلك يستدعي أحيانًا أن يحاول المصلح تبرير أعمال كل طرف وأقواله بما يحقق التقارب ويزيل أسباب الشقاق، وأحيانًا ينسب إلى كل من الأقوال الحسنة في حق صاحبه ما لم يقله، وينفي عنه بعض ما قاله؛ وهو ما يعوق الصلح ويزيد شقة الخلاف والخصام.
3- في الحياة الزوجية؛ حيث يحتاج الأمر أحيانًا إلى أن تكذب الزوجة على زوجها، أو يكذب الزوج على زوجته، ويخفي كل منهما عن الآخر ما من شأنه أن يوغر الصدور، أو يولد النفور، أو يثير الفتن والنزاع والشقاق بين الزوجين، كما يجوز أن يزف كل منهما للآخر من معسول القول ما يزيد الحب، ويسر النفس، ويجمل الحياة بينهما، وإن كان ما يقال كذبًا؛ لأن هذا الرباط الخطير يستحق أن يهتم به غاية الاهتمام، وأن يبذل الجهد الكافي ليظل قويًا جميلًا مثمرًا) .
فعن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من المهاجرات الأول اللاتي بايعن النَّبي صلى الله عليه وسلم أخبرته: أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرًا، وينمي خيرًا)). قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب، إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:44 PM
صور الكذب

للكذب صور كثيرة منها:
1- الكذب على الله تعالى ورسوله:
وهذا أعظم أنواع الكذب، (والكذب على الله نوعان:
النوع الأول أن يقول: قال الله كذا، وهو يكذب.
والنوع الثاني: أن يفسر كلام الله بغير ما أراد الله، لأن المقصود من الكلام معناه، فإذا قال: أراد الله بكذا كذا وكذا، فهو كاذب على الله، شاهد على الله بما لم يرده الله عزَّ وجلَّ، لكن الثاني إذا كان عن اجتهاد وأخطأ في تفسير الآية، فإنَّ الله تعالى يعفو عنه؛ لأنَّ الله قال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] وقال: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة: 286] وأما إذا تعمَّد أن يفسِّر كلام الله بغير ما أراد الله، اتباعًا لهواه أو إرضاء لمصالح أو ما أشبه ذلك، فإنَّه كاذب على الله عزَّ وجلَّ) .
وقال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام: 93].
(يقول تعالى: لا أحد أعظم ظلمًا، ولا أكبر جرمًا، ممن كذب على الله. بأن نسب إلى الله قولًا أو حكمًا، وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق، لأنَّ فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها، وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله ما هو من أكبر المفاسد.
ويدخل في ذلك، ادعاء النبوة، وأنَّ الله يوحي إليه، وهو كاذب في ذلك، فإنه -مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه يوجب على الخلق أن يتبعوه، ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم.
ويدخل في هذه الآية، كل من ادعى النبوة، كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي، والمختار، وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثلاثين كلُّهم يزعم أنَّه رسول الله)) .
قال الله تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر: 60].
وقال سبحانه: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ [الأعراف: 37].
وقوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33].
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم ((من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار)) .
وقال: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين)) .
(وأكثر الناس كذبًا على رسول الله هم الرافضة الشيعة، فإنه لا يوجد في طوائف أهل البدع أحد أكثر منهم كذبًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما نص على هذا علماء مصطلح الحديث رحمهم الله، لما تكلموا على الحديث الموضوع قالوا: إن أكثر من يكذب على الرسول هم الرافضة الشيعة، وهذا شيء مشاهد ومعروف لمن تتبع كتبهم) .
2- الكذب على الناس بادِّعاء الإيمان:
(كذب يظهر الإنسان فيه أنَّه من أهل الخير والصلاح، والتقى والإيمان، وهو ليس كذلك، بل هو من أهل الكفر والطغيان - والعياذ بالله - فهذا هو النفاق، النفاق الأكبر الذين قال الله فيهم: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ [البقرة: 8] لكنَّهم يقولون بألسنتهم، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون، وشواهد ذلك في القرآن والسنة كثيرة، إنهم - أعني المنافقين أهل الكذب يكذبون على الناس في دعوى الإيمان وهم كاذبون، وانظر إلى قول الله تعالى في سورة (المنافقون) حيث صدر هذه السورة ببيان كذبهم حيث قال تعالى: إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ [المنافقون: 1] أكدوا هذه الجملة بكم مؤكد؟ بثلاثة مؤكدات، (نشهد) (إن) (اللام) ثلاثة مؤكدات، يؤكدون أنهم يشهدون أنَّ محمدًا رسول الله، فقال الله تعالى: وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [المنافقون: 1] في قولهم (نشهد إنك لرسول الله) هذا أيضًا من أنواع الكذب، وهو أشدُّ أنواع الكذب على الناس؛ لأنَّ فاعله والعياذ بالله منافق) .
3- الكذب في الحديث بين الناس:
(الكذب في الحديث الجاري بين الناس يقول: قلت لفلان كذا. وهو لم يقله. قال فلان كذا. وهو لم يقله. جاء فلان. وهو لم يأت وهكذا، هذا أيضًا محرم ومن علامات النفاق، كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب))...) .
4- الكذب لإضحاك الناس:
روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ويل للذي يحدث بالحديث، ليضحك به القوم فيكذب، ويل له، ويل له)) .
قال المناوي في شرحه للحديث: (كرره إيذانًا بشدة هلكته؛ وذلك لأنَّ الكذب وحده رأس كلِّ مذموم، وجماع كلِّ فضيحة، فإذا انضم إليه استجلاب الضحك الذي يميت القلب، ويجلب النسيان، ويورث الرعونة كان أقبح القبائح، ومن ثم قال الحكماء: إيراد المضحكات على سبيل السخف نهاية القباحة) .
قال ابن عثيمين: (وهذا يفعله بعض الناس ويسمونها النكت، يتكلم بكلام كذب ولكن من أجل أن يضحك الناس، هذا غلط، تكلم بكلام مباح من أجل أن تدخل السرور على قلوبهم، وأما الكلام الكذب فهو حرام) .
(والحكمة من هذا المنع أنَّه يجر إلى وضع أكاذيب ملفقة على أشخاص معينين، يؤذيهم الحديث عنهم، كما أنه يعطي ملكة التدرب على اصطناع الكذب، وإشاعته فيختلط في المجتمع الحق بالباطل، والباطل بالحق) .
5- المبالغة في الإطراء والمدح:
(تمدح الناس مدرجة إلى الكذب، والمسلم يجب أن يحاذر حينما يثني على غيره، فلا يذكر إلا ما يعلم من خير، ولا يجنح إلى المبالغة في تضخيم المحامد، وطيِّ المثالب، ومهما كان الممدوح جديرًا بالثناء، فإنَّ المبالغة في إطرائه ضرب من الكذب المحرم) .
فعن المقداد رضي الله عنه، قال: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نحثو في وجوه المداحين التراب)) .
قال النووي: (اعلم أنَّ مدح الإنسان والثناء عليه بجميل صفاته قد يكون في حضور الممدوح، وقد يكون بغير حضوره، فأمَّا الذي في غير حضوره، فلا منع منه إلا أن يجازف المادح، ويدخل في الكذب، فيحرم عليه بسبب الكذب لا لكونه مدحًا، ويستحب هذا المدح الذي لا كذب فيه إذا ترتب عليه مصلحة، ولم يجرَّ إلى مفسدة، بأن يبلغ الممدوح فيفتتن به، أو غير ذلك) .
6- كذب التاجر في بيان سلعته:
عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: ((أن رجلًا أقام سلعة في السوق، فحلف فيها، لقد أعطى بها ما لم يعطه، ليوقع فيها رجلًا من المسلمين))، فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً [آل عمران: 77] .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم: رجل حلف على سلعة لقد أعطي بها أكثر مما أعطي وهو كاذب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر؛ ليقتطع بها مال رجل مسلم...)) .
8- الكذب على الأولاد:
فكثيرًا ما يكذب الوالدان على أولادهما الصغار؛ رغبةً في التخلص منهم، أو تخويفًا لهم؛ كي يكفُّوا عن العبث واللعب، أو حفزًا لهم كي يجِدُّوا في أمر ما، أو غير ذلك .
9- شهادة الزور:
(الحيف في الشهادة من أشنع الكذب، فالمسلم لا يبالي إذا قام بشهادة ما أن يقرر الحقَّ، ولو على أدنى الناس منه وأحبهم إليه، لا تميل به قرابة ولا عصبية، ولا تزيغه رغبة أو رهبة.
وتزكية المرشحين لمجالس الشورى، أو المناصب العامة، نوع من أنواع الشهادة فمن انتخب المغموط في كفايته وأمانته، فقد كذب وزوَّر، ولم يقم بالقسط) .
فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا، قلنا: بلى. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، و*** النفس. وكان متكئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور. فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت)) .
10- المبالغة في المعاريض:
لا ريب أنَّ في المعاريض مندوحةً عن الكذب، ولكن هناك من يبالغ في المعاريض، ويتوسَّع فيها توسُّعًا يخرجه عن طوره، ويجعله يدخل فيها ما ليس منها، فتجده يقلب الحقائق، وينال من الآخرين، ويُلبس عليهم، ويحصل على مآربه بالمراوغة والمخاتلة، مما يوقعه في الكذب، فَتُفْقَدُ الثقة به، وبحديثه .
11- الكذب السياسي:
الكذب الذي يقوم على القاعدة الميكافيلية التي تقول: (إن الغاية تبرر الوسيلة) أو (الغاية تسوغ الواسطة). وهذه القاعدة يأخذ بها غالبية السياسيين .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:46 PM
أسباب الوقوع في الكذب

(دوافع الكذب كثيرة، منها الخوف من النقد، والخوف من العقاب أو العتاب، ومنها إيثار المصلحة العاجلة، ومنها قلة مراقبة الله والخوفِ منه، ومنها اعتياد الكذب وإلفه، ومنها البيئة والمجتمع، ومنها سوء التربية إلى غير ذلك من دوافع الكذب) .
قال الماوردي: (وأما دواعي الكذب فمنها:
- اجتلاب النفع واستدفاع الضر، فيرى أن الكذب أسلم وأغنم، فيرخص لنفسه فيه اغترارًا بالخدع، واستشفافًا للطمع. وربما كان الكذب أبعد لما يؤمِّل، وأقرب لما يخاف؛ لأنَّ القبيح لا يكون حسنًا، والشر لا يصير خيرًا. وليس يجنى من الشوك العنب ولا من الكرم الحنظل...
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لأن يضعني الصدق وقلَّما يفعل، أحب إليَّ من أن يرفعني الكذب وقلَّما يفعل.
وقال بعض الحكماء: الصدق منجيك وإن خفته، والكذب مرديك وإن أمنته.
وقال الجاحظ: الصدق والوفاء توأمان، والصبر والحلم توأمان، فيهن تمام كلِّ دين، وصلاح كلِّ دنيا، وأضدادهنَّ سبب كلِّ فرقة، وأصل كلِّ فساد.
- ومنها: أن يؤثر أن يكون حديثه مستعذبًا وكلامه مستظرفًا، فلا يجد صدقًا يعذب ولا حديثًا يستظرف، فيستحلي الكذب الذي ليست غرائبه معوزة، ولا ظرائفه معجزة.
وهذا النوع أسوأ حالًا مما قبل؛ لأنه يصدر عن مهانة النفس، ودناءة الهمة.
وقد قال الجاحظ: لم يكذب أحد قط إلا لصغر قدر نفسه عنده.
وقال ابن المقفع: لا تتهاون بإرسال الكذبة من الهزل، فإنها تسرع إلى إبطال الحق.
- ومنها: أن يقصد بالكذب التشفي من عدوه، فيسمه بقبائح يخترعها عليه، ويصفه بفضائح ينسبها إليه.
ويرى أن معرة الكذب غنم، وأن إرسالها في العدو سهم وسم.
وهذا أسوأ حالًا من النوعين الأوَّلَين؛ لأنَّه قد جمع بين الكذب المعر، والشر المضر.
ولذلك ورد الشرع برد شهادة العدو على عدوه.
- ومنها: أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها، فصار الكذب له عادة، ونفسه إليه منقادة، حتى لو رام مجانبة الكذب عسر عليه؛ لأنَّ العادة طبع ثان.
وقد قالت الحكماء: من استحلى رضاع الكذب عسر فطامه.
وقيل في منثور الحكم: لا يلزم الكذاب شيءٌ إلا غلب عليه) .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:51 PM
1- كذبة إبريل

يقوم بعض الناس في الدول الغربية في اليوم الأول من شهر إبريل بإطلاق الأكاذيب، وقلدهم في ذلك بعض المسلمين، ويُطلقون على من يُصدِّق هذه الأكاذيب اسم ضحية كذبة إبريل.
ويقصدون بفعلهم هذا المزاح، ولا شك أن هذا من الكذب الحرام، ويضاف إليه أنه من التشبه بالكفار، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقوم فهو منهم)) .
قال ابن عثيمين: (أُحذِّر إخواني المسلمين مما يصنعه بعض السفهاء من كذبة إبريل، هذه الكذبة التي تلقوها عن اليهود، والنصارى، والمجوس، وأصحاب الكفر، فهي مع كونها كذبٌ، والكذب محرم شرعًا؛ ففيها تشبه بغير المسلمين، والتشبه بغير المسلمين محرم، وقد قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من تشبه بقومٍ فهو منهم)) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إسناده جيد، وأقل أحواله التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، وهي مع تضمنها لهذين المحظورين فيها إذلالٌ للمسلم أمام عدوه؛ لأنَّ من المعلوم بطبيعة البشر أن المقلد يفخر على من قلده، ويرى أنه أقدر منه، ولذلك ضعف مقلده حتى قلده فهي فيها إذلالٌ للمؤمن بكونه ذليلًا، وتبعًا للكفار، المحظور الرابع: أن غالب هذه الكذبة الخبيثة تتضمن أكلًا للمال بالباطل، أو ترويعًا للمسلم، فإنه ربما يكذب فيكلم أهل البيت ويقول: إن فلانًا يقول: ترى عندنا جماعة اليوم فيطبخون غداءً كثيرًا ولحمًا وما أشبه ذلك، أو ربما يخبرهم بأمرٍ يروعهم، كأن يقول: قيِّمكم دعسته سيارة. وما أشبه ذلك من الأمور التي لا تجوز بدون أن تكون بهذه الحال، فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يكون عزيزًا بدينه فخورًا به) .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:52 PM
2- الكذب الأبيض والأسود

يظن بعض الناس أن هناك كذبًا أبيض وهو حلال، وكذبًا أسود وهو حرام، والأمر ليس كذلك، فالكذب كله حرام، قال ابن عثيمين: (والكذب حرام وكلما كانت آثاره أسوأ، كان أشد إثمًا، وليس في الكذب شيء حلالًا وأما ما ادعاه بعض العامة، حيث يقولون: إن الكذب نوعان: أسود، وأبيض، فالحرام هو الأسود، والحلال هو الأبيض، فجوابه: أن الكذب كله أسود، ليس فيه شيء أبيض، لكن يتضاعف إثمه بحسب ما يترتب عليه، فإذا كان يترتب عليه أكل مال المسلم أو غرر على مسلم صار أشد إثمًا، وإذا كان لا يترتب عليه أي شيء من الأضرار فإنه أخف ولكنه حرام) .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:55 PM
علامات تدل على الكذاب

قال ابن أبي الدنيا: (واعلم أن للكذاب قبل خبرته أمارات دالة عليه.
فمنها: أنك إذا لقَّنته الحديث تَلَقَّنَه، ولم يكن بين ما لقنته وبين ما أورده فرق عنده.
ومنها: أنك إذا شككته فيه تشكَّك حتى يكاد يرجع فيه، ولولاك ما تخالجه الشك فيه.
ومنها: أنك إذا رددت عليه قوله حصر وارتبك، ولم يكن عنده نصرة المحتجين، ولا برهان الصادقين. ولذلك قال علي بن أبي طالب: الكذاب كالسراب.
ومنها: ما يظهر عليه من ريبة الكذابين وينم عليه من ذلة المتوهمين؛ لأنَّ هذه أمور لا يمكن الإنسان دفعها عن نفسه؛ لما في الطبع من آثارها. ولذلك قالت الحكماء: العينان أنم من اللسان. وقال بعض البلغاء: الوجوه مرايا تريك أسرار البرايا.
وقال بعض الشعراء:

تريك أعينهم ما في صدورهم *** إنَّ العيون يؤدي سرَّها النظر

وإذا اتسم بالكذب نسبت إليه شوارد الكذب المجهولة، وأضيفت إلى أكاذيبه زيادات مفتعلة، حتى يصير الكاذب مكذوبًا عليه، فيجمع بين معرة الكذب منه ومضرة الكذب عليه) .

محمد رافع 52
20-11-2013, 11:58 PM
ما قيل في المعاريض

عن عمران بن حصين أنه قال: (إنَّ في المعاريض لمندوحة عن الكذب) .
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (ما في المعاريض ما يغنى الرجل عن الكذب) .
(والمعاريض: أن يريد الرجل أن يتكلم الرجل بالكلام الذي إن صرح به كان كذبًا، فيعارضه بكلام آخر يوافق ذلك الكلام في اللفظ، ويخالفه في المعنى، فيتوهم السامع أنَّه أراد ذلك) .
قال النووي: (اعلم أنَّ هذا الباب من أهم الأبواب، فإنه مما يكثر استعماله، وتعم به البلوى، فينبغي لنا أن نعتني بتحقيقه، وينبغي للواقف عليه أن يتأمله ويعمل به) .
وقال أيضًا: (واعلم أن التورية والتعريض معناهما: أن تطلق لفظًا هو ظاهر في معنى، وتريد به معنى آخر يتناوله ذلك اللفظ، لكنه خلاف ظاهره، وهذا ضرب من التغرير والخداع.
قال العلماء: فإن دعت إلى ذلك مصلحة شرعية راجحة على خداع المخاطب، أو حاجة لا مندوحة عنها إلا بالكذب، فلا بأس بالتعريض، وإن لم يكن شيء من ذلك فهو مكروه وليس بحرام، إلا أن يتوصل به إلى أخذ باطل أو دفع حقٍّ، فيصير حينئذ حرامًا، هذا ضابط الباب) .
أمثلة للمعاريض:
(لما هَزم الحجاجُ عبدَ الرحمن بن الأشعث وقتَل أصحابَه وأسرَ بعضهم، كتب إليه عبدُ الملك بن مَرْوان أن يَعْرِض الأسرى على السيف، فمَن أقرَّ منهم بالكفر خلَّى سبيلَه، ومَن أبَى يَقْتله، فأُتي منهم بعامر الشعبي، ومطرِّف بن عبد الله بن الشِّخِّير وسعيد بن جُبَير؟ فأمَّا الشعبي ومطرِّف فذَهبا إلى التعريض والكناية، ولم يُصرِّحا بالكفر، فَقبِل كلامهما وعفا عنهما؟ وأمَّا سعيد ابن جُبير فأبى ذلك ف***.
وكان مما عرَّض به الشعبي، فقال: أَصلح الله الأمير، نَبا المنزل، وأَحْزَن بنا الجَناب، واستَحلَسْنا الخوفَ، واكتَحلنا السهرَ، وخَبطتنا فتنةٌ لم نكن فيها برَرَة أتقياء، ولا فَجَرة أقوياء. قال: صدقَ والله، ما بَرُّوا بخروجهم علينا ولا قَوُوا. خَلِّيا عنه.
ثم قُدِّم إليه مُطرِّف بن عبد الله، فقال له الحجَّاج: أَتُقِرُّ على نفسِك بالكفر؟ قال: إنَّ مَن شقَّ العصا، وسَفَك الدماء، ونكث الـبَيْعة، وأخاف المسلمين لجديرٌ بالكفر. قال: خلِّيا عنه. ثمّ قُدِّم إليه سعيد بن جُبير، فقال له: أتقِرُّ على نفسك بالكُفر؟ قال: ما كفرتُ بالله مذ آمنت به؟ قال: اضربوا عُنقه) .
وقال النخعي: (إذا بلغ الرجل عنك شيء قلته فقل: الله يعلم ما قلت من ذلك من شيء. فيتوهم السامع النفي، ومقصودك الله يعلم الذي قلته) .
(وكان النخعي إذا طلبه رجل قال للجارية: قولي له اطلبه في المسجد.
وقال غيره: خرج أبي في وقت قبل هذا.
وكان الشعبي يخط دائرة ويقول للجارية: ضعي أصبعك فيها، وقولي: ليس هو هاهنا) .

محمد رافع 52
21-11-2013, 12:01 AM
الأمثال والحكم في الكذب

- (إنَّ الكَذُوب قد يَصْدُق: يقال في الرجل المعروف بالكذب تكون منه الصدقة الواحدة أحيانًا) .
- (جاء بالحَظِر الرطب : إذا جاء بكثرة الكذب) .
- (عند النوى يكذبك الصادق: قالوا: يضرب مثلًا للرجل يُعرف بالصدق ثم يحتاج إلى الكذب) .
- (أكذب من دبَّ ودرَج: أي: أكذب الكبار والصغار، دبَّ؛ لضعف الكِبر، ودرج؛ لضعف الصغر، وقيل: بل معناه: أكذب الأحياء والأموات. والدبيب: للحي، والدروج: للميت يقال: درج القوم. إذا انقرضوا) .
ما قيل في الحكم:
- (قيل في منثور الحكم: الكذاب لصٌّ؛ لأنَّ اللص يسرق مالك، والكذاب يسرق عقلك.
- وقال بعض البلغاء: الصادق مصان خليل، والكاذب مهان ذليل) .
- (وقيل لكذوب: أصدقت قط؟ قال: أكره أن أقول لا فأصدق) .
- (ويقال: الأذلاء أربعة: النمام، والكذاب، والمدين، والفقير) .
الألفاظ المرادفة للكذب:
من الألفاظ المرادفة للكذب: (الميْن، والزُّور، والتَّخرُّص، والإفك، والباطل، والخطل، والفند، والتَّزيَّد، واللفت، والانتحال، والبَهت) .

محمد رافع 52
21-11-2013, 12:16 AM
ذم الكذب في واحة الشعر

قال الشاعر:

لا يكذبُ المرءُ إِلا من مهانتِه *** أو عادةِ السوءِ أو من قلةِ الأدبِ


لَبعضُ جيفةِ كلبٍ خيرُ رائحةٍ *** من كذبةِ المرءِ في جدٍّ وفي لعبِ

وقال آخر:

لا عُذْرَ للسيدِ حين يكذبُ *** إِذ ليس يرجو أحدًا أو يرهبُ


وليس معذورًا إِذا ما يغضَبُ *** إِذا العقابُ عندَه لا يصعبُ

وقال آخر:

الكذبُ عارٌ وخيرُ القولِ أصدقُهُ *** والحقُّ ما مسَّه مِن باطلٍ زهقا

وقال آخر:

الكذبُ راقَكَ أنه متجملٌ *** والصدقُ ساءكَ أنه عريانُ


من ساءَ من مرضٍ عضالٍ طبعهُ *** يستقبحُ الأيامَ وهي حسانُ

وقال آخر:

الكذبُ مرديك وإن لم تخفْ *** والصدقُ منجيك على كلِّ حالِ


فانطقْ بما شئتَ تجدْ غبَّه *** لم تُبتخسْ وزنة مثقالِ

وقال آخر:

إِنَّ الكريمَ إِذا ما كانَ ذا كذبٍ *** شانَ التكرمَ منه ذلكَ الكذبُ


الصدقُ أفضلُ شيءٍ أنت فاعلهُ *** لا شيءَ كالصدقِ لا فخرٌ ولا حسبُ

وقال آخر:

إِذا عُرِف الكذابُ بالكذبِ لم يزلْ *** لدى الناسِ كذابًا وإِن كان صادقًا


ومن آفةِ الكذابِ نسيانُ كذبِهِ *** وتلقاهُ ذا ذهنٍ إذا كان حاذقًا

محمد رافع 52
21-11-2013, 12:20 AM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg
الكَسَل
معنى الكَسَل لغةً واصطلاحًا

معنى الكَسَل لغةً:
الكَسَل: التَّثَاقُل عمَّا لا يَنْبَغِي أن يُتَثاقل عنه. والفعل: كَسِلَ يَكْسَل كَسَلًا، ورجلٌ كَسْلان، وامرأةٌ كَسْلَى، وكسْلانة: لغةً رَدِيئَة. ويُقَال: فلانٌ لا تُكْسِله المكَاسِلُ، يقول: لا تُثْقِلُهُ وُجُوهُ الكَسَل، وامرأةٌ مِكْسالٌ، وهي التي لا تكاد تبرحُ مجلسها .
معنى الكَسَل اصطلاحًا:
قال أبو حيَّان: (الكَسَل: التَّثاقُل، والتَّثبُّط، والفُتُور عن الشَّيء) .
وقال المناويُّ: (الكَسَل: التَّثاقُل والتَّراخي عمَّا ينبغي مع القُدْرة، أو هو عدم انبعاث النَّفس لفعل الخير) .
- الفرق بين العَجْز والكَسَل:
قال ابن حجر: (الفرق بين العَجْز والكَسَل: أنَّ الكَسَل تَرْكُ الشَّيء مع القُدْرَة على الأخذ في عمله، والعَجْز: عدم القُدْرَة) .
وقال ابن القيِّم: (والعَجْز والكَسَل قرينان، وهما مِن أسباب الألم؛ لأنَّهما يستلزمان فوات المحبوب، فالعَجْز يستلزم عدم القُدْرَة، والكَسَل يستلزم عدم إرادته، فتتألَّم الرُّوح لفواته بحسب تعلُّقها به، والْتِذَاذِها بإدراكه لو حصل.
وقال -أيضًا-: وأمَّا الكَسَل فيتولَّد عنه الإضاعة والتَّفريط والحِرْمَان وأشدُّ النَّدامة، وهو منافٍ للإرادة.... والعَجْز والكَسَل قرينان، فإن تخلَّف مصلحة العبد وكماله ولذَّته وسروره عنه إمَّا أن يكون مصدره عدم القُدْرَة فهو العَجْز، أو يكون قادرًا عليه، لكن تخلَّف لعدم إرادته فهو الكَسَل، وصاحبه يُلَام عليه ما لا يُلَام على العَجْز، وقد يكون العَجْز ثمرة الكَسَل، فيُلَام عليه -أيضًا-، فكثيرًا ما يَكْسَل المرء عن الشَّيء الذي هو قادرٌ عليه وتَضْعُف عنه إرادته، فيفضي به إلى العَجْز عنه ... وإلَّا فالعَجْز الذي لم تُخْلَق له قُدْرَةٌ على دفعه، ولا يدخل معجوزه تحت القُدْرَة لا يُلَام عليه. قال بعض الحكماء في وصيَّته: إيَّاك والكَسَل والضَّجر؛ فإنَّ الكَسَل لا ينهض لمَكْرُمة، والضَّجر إذا نَهِض إليها لا يصبر عليها، والضَّجر متولَّدٌ عن الكَسَل والعَجْز) .

هبــة أحمـد
22-11-2013, 12:14 PM
جزاك الله خيرااااااااااااا

محمد رافع 52
24-11-2013, 02:41 AM
جزاك الله خيرااااااااااااا
بارك الله فيكِ

محمد رافع 52
24-11-2013, 02:46 AM
ذَمُّ الكَسَل والنهي عنه
أولًا: في القرآن الكريم

- قال الله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النَّساء: 142].
- وقال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التَّوبة: 54].
قال الطَّبري: (وأمَّا قوله وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ [النساء: 142]، فإنَّه يعني: أنَّ المنافقين لا يعملون شيئًا مِن الأعمال التي فرضها الله على المؤمنين على وجه التَّقرُّب بها إلى الله؛ لأنَّهم غير موقنين بمعاد ولا ثواب ولا عقاب، وإنَّما يعملون ما عملوا مِن الأعمال الظَّاهرة إبقاءً على أنفسهم، وحِذَارًا مِن المؤمنين عليها أن يُقْتَلوا أو يُسْلَبوا أموالهم. فهم إذا قاموا إلى الصَّلاة -التي هي مِن الفرائض الظَّاهرة- قاموا كُسَالَى إليها، رياءً للمؤمنين ليحسبوهم منهم وليسوا منهم؛ لأنَّهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم، فهم في قيامهم إليها كُسَالَى) .
قال البغويُّ: (وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى [التَّوبة: 54] متثاقلون؛ لأنَّهم لا يرجون على أدائها ثوابًا، ولا يخافون على تركها عقابًا، فإن قيل: كيف ذَمَّ الكَسَل في الصَّلاة، ولا صلاة لهم أصلًا؟ قيل: الذَمُّ واقعٌ على الكفر الذي يبعث على الكَسَل، فإنَّ الكفر مُكْسِل، والإيمان منشِّط) .
وقال السعدي: (متثاقلين لها متبرِّمين مِن فِعْلِها، والكَسَل لا يكون إلَّا مِن فَقْد الرَّغبة مِن قلوبهم، فلولا أنَّ قلوبهم فارغة مِن الرَّغبة إلى الله وإلى ما عنده، عادمة للإيمان، لم يصدر منهم الكَسَل) .
- قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التَّوبة: 38].
أي: تكاسلتم، ومِلْتُم إلى الأرض والدَّعة والسُّكون فيها .

محمد رافع 52
24-11-2013, 02:48 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يَعْقِد الشَّيطان على قافية رأس أحدكم -إذا هو نام- ثلاث عقد، يضرب كلَّ عقدة: عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدةٌ، فإن توضَّأ انحلَّت عقدةٌ، فإن صلَّى انحلَّت عقدةٌ، فأصبح نشيطًا طيِّب النَّفس، وإلَّا أصبح خبيث النَّفس كسلانَ)) .
قال النَّوويُّ: (وقوله صلى الله عليه وسلم (وإلَّا أصبح خبيث النَّفس كسلانَ) معناه: لما عليه مِن عُقَد الشَّيطان وآثار تثبيطه واستيلائه مع أنَّه لم يزل ذلك عنه، وظاهر الحديث أنَّ مَن لم يجمع بين الأمور الثَّلاثة -وهي الذِّكر والوضوء والصَّلاة- فهو داخل فيمن يصبح خبيث النَّفس كسلان) .
- عن أنس بن مالك، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك مِن العَجْز، والكَسَل، والجبن، والهرم، والبخل، وأعوذ بك مِن عذاب القبر، ومِن فتنة المحيا والممات)) .

محمد رافع 52
24-11-2013, 02:52 AM
أقوال السَّلف والعلماء في الكَسَل

- قال أبو حاتم: (سبب النَّجاح تَـرْك التَّواني، ودواعي الحِرْمَان الكَسَل؛ لأنَّ الكَسَل عدوُّ المروءة، وعذابٌ على الفُتُوَّة، ومِن التَّواني والعَجْز أُنتجت الهلكة، وكما أنَّ الأناة بعد الفرصة أعظم الخطأ، كذلك العجلة قبل الإمكان نفس الخطأ، والرَّشيد مَن رشد عن العجلة، والخائب مَن خاب عن الأناة، والعَجِل مخطئ أبدًا، كما أنَّ المتثبِّت مصيب أبدًا) .
- وقال القنُّوجي: (قيل: مَن دام كسله خاب أمله) .
- وقال بعض الحكماء: (نكح العَجْز التَّواني فخرج منهما النَّدامة، ونكح الشُّؤم الكَسَل فخرج منهما الحِرْمَان) .
- وقال آخر: (ما لزم أحدٌ الدَّعة إلَّا ذلَّ، وحبُّ الهوينا يُكْسِب الذُّلَّ، وحبُّ الكفاية مفتاح العجز) .
- وقال الصَّاحب الطَّالقاني: (إنَّ الرَّاحة حيث تعب الكِرَام أوْدَع، لكنَّها أَوْضَع، والقعود حيث قام الكِرَام أسهل، لكنَّه أسفل) .
- ويقول ابن القيِّم: (إذا جنَّ اللَّيل وقع الحرب بين النَّوم والسَّهر، فكان الشَّوق والخوف في مقدمة عسكر اليقظة، وصار الكَسَل والتَّواني في كتيبة الغفلة، فإذا حمل الغريم حملة صادقة هزم جنود الفُتُور والنَّوم، فحصل الظَّفر والغنيمة، فما يطلع الفجر إلَّا وقد قسِّمت السُّهمان، وما عند النَّائمين خبر) .
- وقال الرَّاغب:(مَن تعوَّد الكَسَل ومال إلى الرَّاحة، فَقَدَ الرَّاحة، فحبُّ الهوينا يُكْسِب النَّصبَ) .
- وقيل: إن أردت أن لا تتعب فاتعب؛ لئلَّا تتعب. وقيل: إيَّاك والكَسَل والضَّجر؛ فإنَّك إن كسلت لم تؤدِّ حقًّا، وإن ضَجِرت لم تصبر على الحقِّ .
- (وقد قيل: الكَسَل مزلقة الرِّبح، وآفة الصَّنَائع، وأَرَضَة البضائع، وإذا رَقَدَت النَّفس في فراش الكَسَل استغرقها نوم الغفلة عن صالح العمل) .

- و(وقف قوم على عالم، فقالوا: إنَّا سائلوك أفمجيبنا أنت؟ قال: سلوا، ولا تكثروا؛ فإنَّ النَّهار لن يرجع والعمر لن يعود، والطَّالب حثيث في طلبه. قالوا: فأوصنا. قال: تزوَّدوا على قَدْرِ سفركم؛ فإنَّ خير الزَّاد ما أبلغ البغية. ثمَّ قال: الأيَّام صحائف الأعمار، فخلِّدوها أحسن الأعمال، فإنَّ الفرص تمرُّ مرَّ السَّحاب، والتَّواني مِن أخلاق الكسالى والخوالف، ومَن استوطن مركب العَجْز عثر به. وتزوَّج التَّواني بالكَسَل فولد بينهما الخسران. ا.هـ .
- وقال بعضهم:


تزوَّجت البطالة بالتَّواني *** فأولدها غلامًا مع غلامه


فأمَّا الابن سمَّوه بفقر *** وأما البنت سمَّوها ندامة


- وقيل: (مَن ركب ظهر التَّفريط والتَّواني والكَسَل نزل بدار العُسْرة والنَّدامة. مَن أدلج في غياهب اللَّيل على نجائب الصَّبر صبح منزل السُّرور، ومَن نام على فراش الكَسَل أصبح مُلْقًا بوادي الأسف) .

محمد رافع 52
24-11-2013, 02:55 AM
ما يباح مِن الكَسَل

إذا أحس الإنسان في نفسه بشيء مِن الكَسَل بعد جهد كبير في الطَّاعة، فليرقد حتى يعود إليه نشاطه، كما بيَّن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك لزينب حينما دخل المسجد، فإذا حبلٌ ممدودٌ بين ساريتين، فقال: ((ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبلٌ لزينب، فإذا فَتَرت تعلَّقت به، فقال صلى الله عليه وسلم: لا، حلُّوه، ليصلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فَتَرَ فليرقد)) .
وقال: (إنَّ لكلِّ عمل شِرَّة ، والشِّرَّة إلى فَتْرة ، فمَن كانت فَتْرَته إلى سنَّتي فقد اهتدى، ومَن كانت فَتْرَته إلى غير ذلك فقد ضلَّ) .
قال ابن القيِّم: (فتخلُّل الفترات للسَّالكين أمرٌ لازمٌ لا بدَّ منه، فمَن كانت فَتْرَته إلى مُقَاربة وتسديد، ولم تُخْرِجه مِن فرضٍ، ولم تُدْخِله في محرَّمٍ، رُجِي له أن يعود خيرًا ممَّا كان، قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه وأرضاه: إنَّ لهذه القلوب إقبالًا وإدبارًا، فإذا أقبلت فخذوها بالنَّوافل، وإن أدبرت فألزموها الفرائض.
وفي هذه الفترات والغيوم والحُجُب -التي تَعْرِض للسَّالكين- مِن الحِكَم ما لا يعلم تفصيله إلَّا الله، وبها يتبيَّن الصَّادق مِن الكاذب، فالكاذب ينقلب على عقبيه، ويعود إلى رسوم طبيعته وهواه، والصَّادق ينتظر الفرج ولا ييأس مِن روح الله، ويلقي نفسه بالباب طريحًا ذليلًا مسكينًا مستكينًا، كالإناء الفارغ الذي لا شيء فيه البتَّة، ينتظر أن يضع فيه مالك الإناء وصانعه ما يصلح له، لا بسبب مِن العبد، وإن كان هذا الافتقار مِن أعظم الأسباب، لكن ليس هو منك، بل هو الذي مَنَّ عليك به، وجرَّدك منك وأخلاك عنك، وهو الذي يحول بين المرء وقلبه) .

محمد رافع 52
24-11-2013, 02:58 AM
آثار الكَسَل

1- التَّكاسل عن العبادات والطَّاعات، مع ضعف وثِقل أثناء أدائها.
2- الشُّعور بقسوة القلب وخشونته، فلم يعد يتأثَّر بالقرآن والمواعظ، ورانت عليه الذُّنوب والمعاصي، قال سبحانه: كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين: 14].
3- عدم استشعار المسئوليَّة الملْقَاة على عاتقه، والتَّساهل والتَّهاون بالأمانة التي حمَّله الله إيَّاها، والله سبحانه وتعالى يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً [الأحزاب: 72].
4- كثرة الكلام دون عمل يفيد الأمَّة وينفع الأجيال، فتجد هذا النَّوع يتحدَّثون عمَّا عملوا سابقًا، وكنَّا وكنَّا! وكنت وكنت! ويتسلَّون بهذا القول عن العمل الجاد المثمر، والله -جلَّ وعلا- يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصَّف: 2-3].
5- ضياع الوقت وعدم الإفادة منه، وتزجيته بما لا يعود عليه بالنَّفع، وتقديم غير المهم على المهم، والشُّعور بالفراغ الرُّوحي والوقتي، وعدم البركة في الأوقات.
6- عدم الاستعداد للالتزام بشيء، والتَّهرُّب مِن كلِّ عملٍ جِدِّي؛ خوفًا مِن أن يعود إلى حياته الأولى.
7- خداع النَّفس بالانشغال وهو فارغ، وبالعمل وهو عاطل، ينشغل في جزئيَّات لا قيمة لها ولا أثر يُذْكَر، ليس لها أصل في الكتاب أو السُّنَّة، وإنَّما هي أعمال يقنع نفسه بجدواها، ومشاريع وهميَّة لا تسمن ولا تغني مِن جوع.
8- النَّقد لكلِّ عمل إيجابي؛ تنصُّلًا مِن المشاركة والعمل، وتضخيم الأخطاء والسَّلبيَّات؛ تبريرًا لعجزه وفتوره، تراه يبحث عن المعاذير، ويصطنع الأسباب؛ للتَّخلُّص والفرار: وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ [التَّوبة: 81] .

محمد رافع 52
24-11-2013, 03:03 AM
أقسام الكَسَل

وينقسم الكَسَل إلى عدَّة أقسام، أهمها :
1- كسلٌ وفُتُورٌ عام في جميع الطَّاعات، مع كُرْهٍ لها وعدم رغبة فيها، وهذه حال المنافقين؛ فإنَّهم مِن أشدِّ النَّاس كسلًا وفتورًا ونفورًا.
قال الله -جل وعلا- فيهم: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً [النَّساء: 142]، وقال: وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ [التَّوبة: 54].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((أثقل الصَّلاة على المنافقين: صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما؛ لأتوهما ولو حبوًا)) .
ولفظ (أثقل) على صيغة (أفعل) يدلُّ على أنَّ غيرهما ثقيل، وليس الثُّقل مقتصرًا عليهما.
2- كسلٌ وفُـتُور في بعض الطَّاعات، يصاحبه عدم رغبة فيها دون كُرْهٍ لها، أو ضعف في الرَّغبة مع وجودها، وهذه حال كثير مِن فُسَّاق المسلمين وأصحاب الشَّهوات.
وهذان القسمان سببهما مرض في القلب، ويقوى هذا المرض ويضعف بحسب حال صاحبه، فمرض المنافقين أشدُّ مِن مرض الفُسَّاق وأصحاب الشَّهوات، فهم يتمتَّعون بصحَّة في أجسامهم وأبدانهم، قال -سبحانه-: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ[المنافقون: 4]، ولكن قلوبهم مريضة. قال -سبحانه-: فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً [البقرة: 10].
3- كسلٌ وفُـتُورٌ عامٌّ سببه بدنيٌّ لا قلبيٌّ؛ فتجد عنده الرَّغبة في العبادة، والمحبَّة للقيام بها، وقد يحزن إذا فاتته، ولكنَّه مستمرٌّ في كسله وفُتُوره، فقد تمرُّ عليه اللَّيالي وهو يريد قيام اللَّيل، ولكنَّه لا يفعل- مع استيقاظه وانتباهه- ويقول: سأختم القرآن في كلِّ شهر. وتمضي عليه الأشهر ولم يتمَّه، ويحبُّ الصَّوم، لكنَّه قليلًا ما يفعل. وهذه حال كثيرٍ مِن المسلمين الذين يصابون بهذا الدَّاء، ومنهم أناس صالحون، وآخرون مِن أصحاب الشَّهوة والفِسْق. قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ [التَّوبة: 38] وقد يؤدِّي هذا النَّوع إلى أن يشترك بعض المصابين به مع النَّوع الثَّاني، وهو الثُّقل القلبي في بعض العبادات.
4- كسلٌ وفُـتُورٌ عارضٌ يشعر به الإنسان بين حين وآخر، ولكنَّه لا يستمر معه، ولا تطول مدَّته، ولا يوقع في معصية، ولا يخرج عن طاعة. وهذا لا يسلم منه أحد، إلَّا أنَّ النَّاس يتفاوتون فيه -أيضًا-، وسببه -غالبًا- أمرٌ عارض، كتعب أو انشغال أو مرض ونحوها.
وهذا النَّوع هو الذي يذكره الصَّحابة -رضي الله عنهم-، ومنه ما رواه مسلم في صحيحه عن حنظلة الأسيدي، وكان مِن كُتَّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - لقيني أبو بكر فقال: ((كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكِّرنا بالنَّار والجنَّة، حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا مِن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضَّيعات، فنسينا كثيرًا.
قال أبو بكر: فو الله إنَّا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال له مثلما قال لأبي بكر، فقال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم: والذي نفسي بيده! إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذِّكر؛ لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة: ساعة وساعة. ثلاث مرات)) .
وروى أحمد عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لعبد الله بن قيس: - ((لا تدع قيام اللَّيل، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا)).

محمد رافع 52
24-11-2013, 03:07 AM
أسباب الوقوع في الكَسَل

1- النِّفاق يورث الكَسَل في العبادة لا محالة.
2-التَّسويف، وهو داء عضال ومرض قتَّال، إذ إنَّ (سوف) جندٌّ مِن جنود إبليس، قال الشَّاعر:

ولا أؤخر شغل اليوم عن كسلٍ *** إلى غدٍ إن يوم العاجزين غد

3- شِبَع البطن، قال ابن قدامة: (كثرة الأكل تورث الكَسَل والفُتُور) .
4- عدم الذِّكر والوضوء والصَّلاة عند الاستيقاظ كما في الحديث: ((يعقد الشَّيطان على قافية رأس أحدكم -إذا هو نام- ثلاث عقد، يضرب كلَّ عقدة عليك ليلٌ طويلٌ فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلَّت عقدة، فإن توضَّأ انحلَّت عقدة، فإن صلَّى انحلَّت عقدة، فأصبح نشيطًا طيِّب النَّفس، وإلَّا أصبح خبيث النَّفس كسلان)) .
4- فتح الفم عند التَّثاؤب وعدم دفعه، عن أبي سعيد -رضي الله تعالى عنه- مرفوعًا: ((إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيهِ)) ؛ لأنَّه سبب الكَسَل عن الطَّاعة والحضور فيها، ولذا صار منسوبًا إلى الشَّيطان، كما قال -صلَّى الله تعالى عليه وسلَّم-: ((التَّثاؤب مِن الشَّيطان)) .
5- التَّواكل، وذلك بسبب فهم بعض النَّاس أنَّه لا حاجة للعمل؛ لأنَّ قَدَر الله ماض، سواء عمل أم لم يعمل، فيؤدِّى بهم ذلك التَّواكل إلى العَجْز والكَسَل.
6- السَّهر باللَّيل يوجب الكَسَل بالنَّهار عمَّا تجب الحقوق فيه مِن الطَّاعات ومصالح الدُّنيا والدِّين .
7- حبُّ الرَّاحة والدَّعة، وإيثار البطالة.

محمد رافع 52
24-11-2013, 03:12 AM
الوسائل المعينة على ترك الكَسَل

1- اللُّجوء إلى الله بالدعاء والاستعاذة، كما ورد عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: (اللَّهمَّ إنِّي أعوذ بك مِن العَجْز والكَسَل) .
2- اتِّباع الوسطيَّة: فإنَّ الوسطيَّة منهج حياة، لذا وُصِفَت بها الأمَّة، قال تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة: 143]، وذُمَّ المتشدِّدون كما في حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون)) .
3- المسارعة إلى الخيرات والمسابقة إليها، وقد أثنى الله عز وجل على المؤمنين الذين يسارعون في الخيرات، وأمر بالمسابقة والمسارعة، فقال -سبحانه-: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران: 133] وقال: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ [الحديد: 21]، وأثنى على الأنبياء فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [ الأنبياء: 90]، وقال في سورة الواقعة مبيِّنًا أجر السَّابقين إلى الخيرات والإيمان: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [الواقعة: 10-11].
4- مجالسة أرباب الجِدِّ والسَّعي: فإنَّ الصُّحبة سارية، والطَّبيعة سارقة، وعليه يُحْمَل قول بعض السَّلف: (استكثر مِن الإخوان ما قدرت؛ فإنَّ لكلِّ مؤمنٍ شفاعة)، في ((تعليم المتعلِّم)) قيل:


عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه *** فكلُّ قرين بالمقارن يقتدي


فإن كان ذا شرٍّ فجنبه سرعة *** وإن كان ذا خير فقارنه تهتدي


وينبغي أن يحبَّهم حتى تنعكس منهم أحواله كما قيل، ومِن آثار حبِّ الله تعالى أن يتعدَّى مِن المحبوب إلى مَن يتعلَّق به ويناسبه... وينبغي فيمن تريد صحبته خمس خصال: العقل، وحسن الخُلُق، وترك الفِسْق والابتداع، والحرص على الدُّنيا، ومجانبة الكسالى والبطَّالين، قال الله تعالى: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الكهف: 28] لئلَّا يسري إليه حالهم .
5- تحريك الهمَّة بخوف فوات القَصْد:
فقد (ذكر أحد العلماء علاج الكَسَل -وهو سهل لمن وفَّقه الله- فقال: هو تحريك الهمَّة بخوف فوات القَصْد، وبالوقوع في اللَّوم، أو التَّأسُّف، فإنَّ أَسَف المفرِّط -إذا عاين أجر المجتهد- أعظم مِن كلِّ عقاب، وليفكِّر العاقل في سوء مغبَّة الكَسَل والعَجْز، والاشتغال بالدُّنيا عن الآخرة، فرُبَّ راحة أوجبت حسرات وندمًا، فمَن رأى زميله اجتهد وثابر على دروسه ونجح، زادت حسرته وأسفه، ومَن رأى جاره قد سافر ورجع بالأرباح والفوائد، زادت حسرة أسفه وندامته على لذَّة كسله وعَجْزه.
قال: وقد أجمع الحكماء على أنَّ الحكمة لا تُدرك بالرَّاحة، فمَن تلمَّح ثمرة الكَسَل اجتنبه، ومَن مدَّ فطنته إلى ثمرات الجِدِّ والاجتهاد نسي مشاق الطَّريق، ثمَّ إنَّ اللَّبيب الذَّكي يعلم أنَّه لم يُخْلَق عبثًا، وإنَّما هو في الدُّنيا كالأجير أو كالتَّاجر، ثمَّ إنَّ زمان العمل بالإضافة إلى مدَّة البقاء في القبر كلحظة، ثمَّ إنَّ إضافة ذلك إلى البقاء السَّرمدي -إما في الجنَّة وإما في النَّار- ليس بشيء) .
6- النَّظر في سير المجتهدين الذين يعرفون قيمة العلم النَّافع والعمل الصَّالح والوقت ، وأضرب لذلك مثالًا: كان شيخ الإسلام زكريَّا الأنصاري يصلِّي (النَّوافل مِن قيام -مع كِبَر سنِّه وبلوغه مائة سنة أو أكثر- وهو يميل يمينًا وشمالًا، لا يتمالك أن يقف بغير مَيْل للكِبَر والمرض، فقيل له في ذلك، فقال: يا ولدي، النَّفس مِن شأنها الكَسَل، وأخاف أن تغلبني، وأختم عمري بذلك) .
7- يُعَوَّد في بعض النَّهار المشي والحركة والرِّياضة حتى لا يغلب عليه الكَسَل .
8- ينبغي أن يُمْنَع مِن النَّوم نهارًا؛ فإنَّ ذلك يورث الكَسَل في حقه، ولا يمنع مِن النَّوم ليلًا، لأنَّ منعه مِن النَّوم في اللَّيل يورث الملَالة، ويُضْعِف عن مكابدة النَّوم وشدَّة النُّعاس .

محمد رافع 52
24-11-2013, 03:19 AM
ذم الكَسَل في واحة الشِّعر
إذا دُعِيت إلى قوت أَجِبْه ولو *** تُدعى إلى قريةٍ واحذرْ مِن الكَسَلِ


لا تحقرِ النَّاسَ واشكرْ ما قد اصطنعوا *** إنَّ احتقارَك كَبْوٌ بيِّنُ الخللِ

وقال أبو بكر الخوارزمي:

لا تصحبِ الكَسَلانَ في حالاتِه *** كم صالحٍ بفسادِ آخرَ يفسدُ


عدوى البليدِ إلى الجليدِ سريعةٌ *** والجمرُ يُوضعُ في الرمادِ فيخمدُ

وقال آخر:

يا بنيَّ اسمعْ وصايا جمعتْ *** حكمًا خصَّت بها خيرُ الملل


اطلبِ العلمَ ولا تكسلْ فما *** أبعدَ الخيرَ على أهلِ الكَسَل

وقال آخر:

ضيَّعت عمرَك يا مغرورُ في غفلٍ *** قمْ للتَّلاقي فأنت اليوم في مهلِ


بادرْ إلى صالحِ الأعمالِ مجتهدًا *** فالنُّجْحُ في الجِدِّ والحِرْمَانُ في الكَسَلِ


كنْ لا محالةَ في الدُّنيا كمغتربٍ *** على رحيلٍ دنا أو عابرِ السُّبلِ


دارُ الخلودِ مقامًا دارُ آخرةٍ *** إنَّ الإقامةَ في الدُّنيا إلى أجلِ

وقال آخر:

العلمُ نورٌ فلا تهملْ مجالسَه *** واعملْ جميلًا يُرَى فالفضلُ في العملِ


لا ترقدِ اللَّيل ما في النَّومِ فائدةٌ *** لا تكسلنَّ ترى الحِرْمَانَ في الكَسَلِ

وقال آخر:

الجِدُّ بالجِدِّ والحِرْمَان في الكَسَلِ *** فانصبْ تُصِبْ عن قريبٍ غايةَ الأملِ


وقال آخر:

يا أيُّها المغرورُ ما هذا العملْ *** إلى متى هذا التَّراخي والكَسَلْ



لو يعلمُ الإنسانُ قدرَ موتِه *** ما ذاق طولَ الدَّهر طعمَ قوتِه



ما لي أراك لم تُفِد فيك العبرْ *** ويحك هذا القلبُ أقسى مِن حجرْ



وأفلسُ النَّاسِ طويلُ الأملِ *** مضيِّعُ العمرِ كثيرُ الخطلِ



نهارُه ممضيه في البطالة *** وليلُه في النَّومِ بئس الحالة





http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=7lORUvSBGZS2hAeIk4CYDA&psig=AFQjCNGndXce3OndOVhCQdodpMq1tA31AA&ust=1385342318454811)

محمد رافع 52
24-11-2013, 03:22 AM
اللُّؤْم

معنى اللُّؤْم لغةً واصطلاحًا

معنى اللُّؤْم لغةً:
لَؤُم الرَّجل -بالضَّم- يَلْؤُمُ لُؤْمًا على فُعْلٍ، ومَلأَمةً على مَفْعَلةٍ، ولآمةً على فَعالةَ، فهو لئيم. وأَلأَمَ إلْئامًا، إذا صنع ما يدعوه النَّاس عليه لئيمًا. والملْأَم والملآم: الذي يَعْذِر اللِّئام .
معنى اللُّؤْم اصطلاحًا:
اللَّئيم هو: الشَّحيح والدَّنيء النَّفس والمهين، واللُّؤْم ضدُّ الكَرَم .
وقال أكثم بن صيفي: (اللُّؤْم: سوء الفِطْنَة وسوء التَّغافل) .
وقال القاضي المهدي: (اللَّئيم: الدَّنيء الأصل، والشَّحيح النَّفس) .

محمد رافع 52
24-11-2013, 03:25 AM
الفرق بين اللُّؤْم والبخل

اللَّئيم عند العرب: الشَّحيح المهِين النَّفس الخسيس الآباء، فإن كان الرَّجل شحيحًا، ولم تجتمع فيه هذه الخصال قيل له: بخيل، ولم يُقَل له: لئيم، يقال لكلِّ لئيم: بخيل، ولا يقال لكلِّ بخيل: لئيم، والعامَّة تخطئ فيهما فتسوِّي بينهما .
وقال ابن قتيبة الدِّينوري: (يذهب النَّاس إلى أنَّهما سواء، وليس كذلك؛ إنَّما البخيل: الشَّحيح الضَّنِين، واللَّئيم: الذي جمع الشُّحَّ، ومَهَانة النَّفس، ودناءة الآباء، يقال: كلُّ لئيم بخيل، وليس كلُّ بخيل لئيمًا) .

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:35 PM
ذَمُّ اللُّؤْم والنَّهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2739)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال الله تعالى: عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ [القلم: 13].
قال الماورديُّ: (وفيه تسعة أوجه.. الوجه الثَّامن: هو الفاحش اللَّئيم، قاله معمر) .

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:36 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن أبي بن كعب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((... رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنَّه عَجِل لرأى العجب... فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية لئامًا)) .
قال القرطبيُّ: (والمراد به هنا: أنَّهما سألا الضِّيافة، بدليل قوله تعالى: فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا [الكهف: 77]؛ فاستحقَّ أهل القرية أن يُذَمُّوا، ويُنْسَبوا إلى اللُّؤْم كما وصفهم بذلك نبيُّنا صلى الله عليه وسلم) .

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:39 PM
أقوال السَّلف والعلماء في اللُّؤْم

- كان زيد بن أسلم يقول: (يا ابن آدم! أمرك ربُّك أن تكون كريمًا وتدخل الجنَّة، ونهاك أن تكون لئيمًا وتدخل النَّار) .
- وقال الشَّعبي: (النَّاس مِن نبات الأرض، فمَن دخل الجنَّة فهو كريم، ومَن دخل النَّار فهو لئيم) .
- وقال الشَّافعي: (طُبِع ابن آدم على اللُّؤْم، فمِن شأنه أن يتقرَّب ممَّن يتباعد منه، ويتباعد ممَّن يتقرَّب منه) .
- وقال -أيضًا-: (أصل كلِّ عداوة: اصطناع المعروف إلى اللِّئام) .
- وقال الأصمعيُّ: (قال بزرجمهر الحكيم: احذروا صولة اللَّئيم إذا شبع، وصولة الكريم إذا جاع) .
- وقال ابن القيِّم: (مَن لم يعرف الطَّريق إلى ربِّه ولم يتعرَّفها، فهذا هو اللَّئيم الذي قال الله تعالى فيه: وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ [الحج: 18]) .
- وقال ابن أبي سبرة: (قيل لحُبَّى المدنية: ما الجُرْح الذي لا يَنْدَمِل ؟ قالت: حاجة الكريم إلى اللَّئيم ثمَّ يردُّه) .
- وقال بعض الحكماء: (لا تضع معروفك عند فاحش ولا أحمق ولا لئيم؛ فإنَّ الفاحش يرى ذلك ضعفًا، والأحمق لا يعرف قَدْر ما أتيت إليه، واللَّئيم سبخة لا ينبت ولا يثمر، ولكن إذا أصبت المؤمن؛ فازرعه معروفك تحصد به شكرًا) .
- وقال الجاحظ: (اللَّئيم الذي يفسده الإحسان) .
- وقال ابن عبد ربِّه: (قالوا: وَعْدُ اللَّئيم تسويف) .
- وقال أبو حيَّان التَّوحيديُّ: (قيل لرجل: ما اللُّؤْم؟ قال: الاستقصاء على الملهوف) .
- وقال الماورديُّ: (قال بعض الفصحاء: الكريم شكور أو مشكور، واللَّئيم كفور أو مكفور) .
وقال -أيضًا-: (اللَّئيم إذا غاب عاب، وإذا حضر اغتاب) .
- وقال بعض الحكماء: (أربعة مِن علامات اللُّؤْم: إفشاء السِّرِّ، واعتقاد الغَدْر، وغيبة الأحرار، وإساءة الجوار) .
- وقالوا: (اللَّئيم كذوب الوعد، خؤون العهد، قليل الرِّفْد، وقالوا: اللَّئيم إذا استغنى بَطِر، وإذا افتقر قنط، وإذا قال أفحش، وإذا سُئِل بخل، وإن سأل ألحَّ، وإن أُسْدِي إليه صنيعٌ أخفاه، وإن استُكْتِم سرًّا أفشاه، فصديقه منه على حذر، وعدوُّه منه على غرر) .

ريماس20006
27-11-2013, 10:40 PM
اجمل من خلق على الارض

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:41 PM
آثار اللُّؤْم

1- لئام النَّاس أبطؤهم مودَّة، وأسرعهم عداوة، مثل الكُوب مِن الفَخَّار: يُسْرِع الانكسار، ويُبْطِئ الانجبار .
2- اللَّئيم لا يقضي الحاجة ديانةً ولا مروءةً، وإنَّما يقضيها -إذا قضاها- طلبًا للذِّكر والمحْمَدَة في النَّاس .
3- اللِّئام أصبر النَّاس في طاعة أهوائهم وشهواتهم، وأقلُّ النَّاس صبرًا في طاعة ربِّهم.
قال ابن القيِّم: (وأمَّا اللَّئيم فإنَّه يصبر اضطرارًا؛ فإنَّه يحوم حول ساحة الجزع، فلا يراها تُجْدِي عليه شيئًا، فيصبر صبر الموثَق للضَّرب، وأيضًا فالكريم يصبر في طاعة الرَّحمن، واللَّئيم يصبر في طاعة الشَّيطان، فاللِّئام أصبر النَّاس في طاعة أهوائهم وشهواتهم، وأقلُّ النَّاس صبرًا في طاعة ربِّهم، فيصبر على البذل في طاعة الشَّيطان أتمَّ صبرٍ، ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء، ويصبر في تحمُّل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوِّه، ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربِّه، ويصبر على ما يُقَال في عرضه في المعصية، ولا يصبر على ما يُقَال في عرضه إذا أُوذِي في الله، بل يفرُّ مِن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر خشية أن يتكلَّم في عرضه في ذات الله، ويبذل عرضه في هوى نفسه ومرضاته، صابرًا على ما يُقَال فيه، وكذلك يصبر على التَّبذُّل بنفسه وجاهه في هوى نفسه ومراده، ولا يصبر على التَّبذُّل لله في مرضاته وطاعته، فهو أصبر شيء على التَّبذُّل في طاعة الشَّيطان ومراد النَّفس، وأعجز شيء عن الصَّبر على ذلك في الله، وهذا أعظم اللُّؤْم، ولا يكون صاحبه كريمًا عند الله ولا يقوم مع أهل الكَرَم إذا نُودِي بهم يوم القيامة على رؤوس الأشهاد ليَعلم أهل الجمع مَن أَوْلَى بالكرم..) .
4- اتِّباع الهفوات والإعراض عن الحسنات:
قال الغزَّالي: (والطَّبع اللَّئيم يميل إلى اتِّباع الهفوات والإعراض عن الحسنات، بل إلى تقدير الهفوة فيما لا هفوة فيه بالتَّنزيل على مقتضى الشَّهوة ليتعلَّل به، وهو مِن دقائق مكايد الشَّيطان) .
5- اللُّؤْم يؤدِّي إلى الفُحْش والسَّبِّ وبذاءة اللِّسان:
قال الغزَّالي: (الفُحْش والسَّبُّ وبذاءة اللِّسان: وهو مذموم ومنهي عنه، ومصدره الخُبْث واللُّؤْم) .
6- اللَّئيم رقيق المروءة:
قال عمر بن الخطَّاب -رضوان الله عليه-: (ما وجدت لئيمًا قطُّ إلَّا وجدته رقيق المروءة) .
7- اللَّئيم يقسو إذا أُلْطِف:
قال علي بن أبي طالب -رضوان الله عليه-: (الكريم يلين إذا استُعْطِف، واللَّئيم يقسو إذا أُلْطِف) .
8- مخالطة اللئيم تفسد الشِّيم:
(قال بعض البلغاء: صلاح الشِّيم بمعاشرة الكرام، وفسادها بمخالطة اللِّئام) .
9- اللُّؤْم يسوق الإنسان إلى أخبث المطامع .
10- اللَّئيم يزيد مع النِّعمة لُؤْمًا .
11- اللَّئيم جاحدٌ للفضيلة.
12- يُسْرِع في السُّؤال، ويُعْرِض عن النَّوال.
13- اللَّئيم كالحيَّة الصمَّاء، لا يوجد عندها إلَّا اللَّدغ والسُّم .
14- اللَّئيم لئيم القَدْرِ إذا طال استطال .
15- أنَّ اللَّئيم تتمكَّن القساوة والجفاء مِن طبعه.

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:44 PM
صور اللُّؤْم

1- ظُلْم القَرَابة:
قال القاضي المهدي: (لئيم مَن يظلم قرابته: إذا كان الظُّلم كلَّه سيِّئ، فإنَّ مِن أسوأ الظُّلم: ظُلْم القَرَابَة؛ فهو يدلُّ على الخساسة والنَّذالة والدَّناءة) .
2- السَّبُّ وبذاءة اللِّسان:
قال الغزَّالي: (الفُحْش والسَّبُّ وبذاءة اللِّسان: مذموم ومنهي عنه، ومصدره الخُبْث واللُّؤْم) .
3- البخل:
قال ابن قتيبة الدِّينوري: (اللَّئيم: الذي جمع الشُّحَّ، ومَهَانة النَّفس ودناءة الآباء، يقال: كلُّ لئيم بخيل، وليس كلُّ بخيل لئيمًا) .
4- إفشاء السِّرِّ:
قال الغزَّالي: (إفشاء السِّرِّ خيانة؛ وهو حرامٌ إذا كان فيه إضْرَارٌ، ولُؤْمٌ إن لم يكن فيه إضْرَارٌ) .
5- النَّمِيمَة ولو بالصِّدق:
قال الغزَّاليُّ: (اتقوا السَّاعي؛ فلو كان صادقًا في قوله لكان لئيمًا في صدقه حيث لم يحفظ الحُرْمَة، ولم يستر العورة، والسِّعاية هي النَّمِيمَة، إلَّا إنَّها إذا كانت إلى مَن يُخَاف جانبه سُمِّيت سعاية) .
6- التَّطفيل:
قال ابن عبد ربِّه: (ومِن اللُّؤْم: التَّطفيل، وهو التعرُّض للطَّعام مِن غير أن يُدْعى إليه) .
7- كفر النِّعمة:
يقول الأحنف بن قيس في ذلك: (... واعلم أنَّ كفر النِّعمة لُؤْمٌ) .

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:45 PM
أسباب الوقوع في اللُّؤْم

1- معاشرة اللِّئام:
عن إبراهيم بن شِكلة قال: (إنَّ لكلِّ شيء حياة وموتًا، وإنَّ ممَّا يحيي الكرم مواصلة الكرماء، وإنَّ ممَّا يحيى اللُّؤْم معاشرة اللِّئام) .
2- الحسد، والبخل، والكذب، والغيبة.
3- ضعف الحياء:
قال أبو حاتم: (ابن آدم مطبوعٌ على الكرم واللُّؤْم معًا في المعاملة بينه وبين الله، والعِشْرة بينه وبين المخلوقين، وإذا قَوِيَ حياؤه قَوِيَ كرمه وضَعُف لُؤْمُه، وإذا ضَعُف حياؤه قَوِيَ لُؤْمُه وضَعُف كرمه) .
4- التَّعامل بالخَدِيعَة:
قال عليٌّ رضي الله عنه: (لا تُعَامِل بالخَدِيعَة؛ فإنَّها خُلُق اللِّئام..) .
5- طاعة الشَّيطان واتِّباع الأهواء والشَّهوات:
قال ابن القيِّم: (اللَّئيم يصبر في طاعة الشَّيطان، فاللِّئام أصبر النَّاس في طاعة أهوائهم وشهواتهم، وأقلُّ النَّاس صبرًا في طاعة ربِّهم، فيصبر على البذل في طاعة الشَّيطان أتمَّ صبر، ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء) .

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:47 PM
صفات اللَّئيم

يُوصَف اللَّئيم بصفات سيِّئةٍ منها الظُّلم للضَّعيف، وقِلَّة المروءة، والكِبْر، والخيانة، وغيرها مِن الصِّفات التي لا تليق بالكريم، قال الجاحظ: (ومِن صفة اللَّئيم: أن يظلم الضَّعيف، ويظلم نفسه للقوىِّ، وي*** الصَّريع، ويجهز على الجريح، ويطلب الهارب، ويهرب من الطَّالب، ولا يطلب مِن الطَّوائل إلَّا ما لا خِطار فيه، ولا يتكبَّر إلَّا حيث لا ترجع مضرَّته عليه، ولا يقفو التَّقيَّة ولا المروءة، ولا يعمل على حقيقته.
ومَن اختار أن يبغي تبدَّى، ومَن أراد أن يسمع قوله ساء خُلُقه، إذ كان لا يحفل ببُغْضِ النَّاس له ووحشة قلوبهم منه، واحتيالهم في مباعدته، وقلَّة ملابسته.
وليس يأمن اللَّئيم على إتيان جميع ما اشتمل عليه اسم اللُّؤْم إلَّا حاسد.
فإذا رأيته يعقُّ أباه، ويحسد أخاه، ويظلم الضَّعيف، ويستخفُّ بالأديب، فلا تبعده مِن الخيانة، إذ كانت الخيانة لُؤْمًا، ولا مِن الكذب، إذ كان الكذب لُؤْمًا، ولا مِن النَّمِيمَة، إذ كانت النَّمِيمَة لُؤْمًا، ولا تأمنه على الكفر، فإنَّه أَلْأَم اللُّؤْم، وأقبح الغدر.
ومَن رأيته منصرفًا عن بعض اللُّؤْم، وتاركًا لبعض القبيح، فإيَّاك أن توجِّه ذلك منه على التجنُّب له، والرَّغبة عنه، والإيثار لخلافه، ولكن على أنَّه لا يشتهيه أو لا يقدر عليه، أو يخاف مِن مرارة العاقبة أمرًا يعفي على حلاوة العاجل، لأنَّ اللُّؤْم كلَّه أصلٌ واحدٌ وإن تفرَّقت فروعه، و***ٌ واحدٌ وإن اختلفت صوره، والفعل محمول على غلبته، تابع لسَمْتِه. والشَّكل ذاهب على شكله، منقطعٌ إلى أصله، صائرٌ إليه وإن أبطأ عنه، ونازع إليه وإن حيل دونه. وكذلك تناسب الكرم وحنين بعضه لبعض) .
وقال أبو حاتم: (الكريم مَن أعطاه، شَكَرَهُ. ومَن منعه، عَذَرَه. ومَن قطعه، وَصَلَه. ومَن وصله، فضله. ومَن سأله، أعطاه. ومَن لم يسأله، ابتدأه. وإذا استضعف أحدًا، رَحِمَه. وإذا استضعفه أحد رأى الموت أكرم له منه، واللَّئيم بضدِّ ما وصفنا مِن الخصال كلِّها) .

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:48 PM
وصف أحوال اللَّئيم

إذا كان ضدًّا للكريم فهو لئيم، فإذا كان رَذْلًا، نذلًا، لا مروءة له، ولا جَلَد، فهو فَسْل.
فإذا كان مع لؤمه وخِسَّته ضعيفًا فهو نُكْسٌ، وغُسٌّ، وجِبْسٌ، وجِبْزٌ، فإذا زاد لُؤْمه وتناهت خِسَّته فهو عُكْلٌ، وقِذَعْلٌ، وزَمَّحٌ، فإذا كان لا يُدْرَك ما عنده مِن اللُّؤْم فهو أَبَلٌّ .

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:51 PM
الأمثال في اللُّؤْم


- أَلْأَم مِن ابن قَـرْصَع:
هو رجل بمنى كان متعالمـًا باللُّؤْم .
- أَلْأَم مِن أسلم:
هو أسلم بن زرعة جبا أهل خراسان جباية لم يجبها أحد، ثمَّ بلغه أنَّ الفُرْس كانت تضع في فم الميِّت درهمًا، فنبش القبور واستخرج الدَّراهم .
- أَلْأَم مِن ضَبَارَة .
- أَلْأَم مِن جَدْرَةَ:
هو وضَبَارَة كانا مثلين في اللُّؤْم، وعن بعض ملوكهم أنَّه سأل عن أَلْأَم مَن في العرب ليمثل به، فدُلَّ عليهما، فجَدَع أنف جَدْرَة، ففَرَّ ضَبَارَة لـمَّا رأى أن نظيره لقي ما لقي .
- أَلْأَم مِن ذئبٍ:
لأنَّه لا يتجافى عن التَّعرُّض لما يتعرَّض له وقتًا مِن أوقاته، وربَّما عرض للإنسان اثنان فتساندا وأقبلا عليه إقبالًا واحدًا، فإذا أدمى أحدهما وثب عليه الآخر فمزَّقه وأكله وترك الإنسان .
- أَلْأَم مِن راضع:
والرَّاضع هو الذي يأكل الخِلَالة التي تتعلق بطرف الخِلَال لئلَّا تفوته، كأنَّه يرْتَضِع ذلك، وقيل هو الرَّاعي الذي لا يمسك مِحْلَبًا ليعتلَّ للمُعْتر بفقده، فإذا أراد شُرْب اللَّبن رَضَعَه. وقيل: هو الشَّرِه الذي لا يصبر ريثما يَحْتَلِب، فيحمله فَرْط الشَّرَه على الرَّضَع قُبَيْل الحَلْب، وقيل: هو الذي يسأل النَّاس كأنَّه يَرْضَعهم، وقيل: هو الذي لم يزل لئيمًا كأنَّه رَضَع اللُّؤْم مِن ثدي أمِّه، ولكثرة ذلك سَمَّوا اللَّئيم راضعًا، وقالوا: رَضُعَ، كما قالوا: لؤُمَ .
- أَلْأَم مِن سَقْبٍ رَيَّان:
لا تكاد تَدُرُّ النَّاقة إلَّا إذا مَرَى ضرعها الفصيل بلسانه، فإذا كان ريَّان امتنع مِن المرِي إذا أُدْنِي إلى أمِّه لتُحْتَلب، فجعلوا ذلك لؤمًا له .
- أَلْأَم مِن كلب على عِرْق:
قال الشَّاعر:

سَرَتْ ما سَرَتْ مِن ليلها ثم عَرَّجَتْ *** على رَجُلٍ بالعَرْج أَلْأَم مِن كلب


- الهوان للَّئيم مَرْأمَةٌ أي: مَعْطَفَة.
يُضْرَب في الانتفاع باللَّئيم عند إهانته .

محمد رافع 52
27-11-2013, 10:58 PM
ذم اللُّؤْم في واحة الشِّعر

قال أبو شراعة القيسي:

إنَّ الغِنَى عن لئامِ النَّاسِ مَكْرُمةٌ *** وعن كرامِهم أدنَى إلى الكرمِ


وقال مؤمل الشَّاعر:

إذا نطق اللَّئيمُ فلا تجبْه *** فخيرٌ مِن إجابتِه السُّكوتُ



لئيمُ القومِ يَشْتُمُني فيحظَ *** ولو دمَه سفكتُ لما حظيتُ



فلستُ مُشَاتِمًا أبدًا لئيمًا *** خَزِيتُ لمِن يُشَاتِمُني خَزِيتُ


وقال آخر:

واحذرْ مصاحبةَ اللَّئيمِ فإنَّه *** يُعْدِي كما يُعْدِي الصَّحيحَ الأجربُ


وقال عبد الله فريج:

واحذرْ مصاحبةَ اللَّئيمِ فإنَّه *** كالقحطِ في أفعالِ خيرٍ مُجْدِب


وقال أبو العتاهية:

وإن امرأً لم يربحِ النَّاسُ نفعَه *** ولم يأمنوا منه الأذى للئيمُ


وأنشد الكريزي:

وما بالُ قومٍ لئامٍ ليس عندهم *** عهدٌ وليس لهم دينٌ إذا ائتمنوا



إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحًا *** منَّا وما سمعوا مِن صالحٍ دَفَنُوا



صمٌّ إذا سمعوا خيرًا ذُكِرْت به *** وإن ذُكِرْت بسوءٍ عندهم أَذِنُوا


وقال المتوكل الليثي:

إنَّ الأذلَّةَ واللِّئامَ معاشرٌ *** مولاهم المتهضِّمُ المظلومُ



وإذا أهنتَ أخاك أو أفردتَه *** عمدًا فأنت الواهنُ المذمومُ


وقال آخر:

إن اللَّئيمَ وإن أراك بشاشةً *** فالغيبُ منه والفعالُ لئيمُ


قال الشَّاعر:

رأيتُ الحقَّ يعرفُه الكريمُ *** لصاحبِه وينكرُه اللَّئيمُ



إذا كان الفتى حسنًا كريمًا





*** فكلُّ فعالِه حسنٌ كريمُ



إذا ألفيتَه سمجًا لئيمًا *** فكلُّ فعالِه سمجٌ لئيمُ


وقال المتنبي:

إذا أنت أكرمتَ الكريمَ ملكتَه *** وإن أنت أكرمتَ اللَّئيمَ تمرَّدا


قال الشَّاعر:

إذا جاريتَ في خُلقٍ لئيمًا *** فأنت ومَن تجاريه سواءُ


وقال الشَّاعر:

ثقْ بالكريمِ إذا تهلَّل بِشْرُه *** فهو البشيرُ بنيلِ كلِّ مرادِ



والبِشْرُ في وجهِ اللَّئيمِ تملُّقٌ *** فاحذرْ به استدراجَه بفسادِ


وقال الشَّاعر:

ولقد أَمُرُّ على اللَّئيمِ يسبُّني *** فأجوزُ ثمَّ أقولُ لا يعنيني


وقال آخر:

إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ *** واللُّؤْمُ مقرونٌ بذي الإخلافِ



وترى الكريمَ لمن يعاشرُ منصفًا *** وترى اللَّئيمَ مجانبَ الإنصافِ

محمد رافع 52
27-11-2013, 11:01 PM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg
المكْر والكيد

معنى المكْر والكيد لغةً واصطلاحًا
معنى المكْر لغةً:
المكْر: الاحتيالُ والخَدِيعَة. وقد مَكَرَ به يَمْكُرُ فهو ماكِرٌ ومَكَّارٌ. والمكْر -أيضًا-: المغْرَةُ. وقد مَكَرَهُ فامْتَكَرَ، ومَكَرَ بِهِ: كادَه .
معنى المكْر اصطلاحًا:
قال السيوطي: (المكْر: ما يَقْصد فَاعله في بَاطِنه خلاف ما يَقْتَضِيه ظَاهره) .
وقال الجرجاني: (هو إيصال المكْروه إلى الإنسان مِن حيث لا يشعر) .
وقال الرَّاغب: (المكْر: صرف الغير عمَّا يقصده بحيلة) .
معنى الكَيْد لغةً:
الكَيْد: المكر والخبث، كادَهُ يَكيدُه كَيْدًا ومَكيدَةً. وكذلك المكايَدَةُ. وربَّما سُمِّي الحربُ كَيْدًا. يقال: غزا فلانٌ فلم يَلْقَ كَيْدًا. وكلُّ شيء تعالجه فأنت تكيده .
معنى الكَيْد اصطلاحًا:
قال السيوطي: (الكَيْد: إرَادَةٌ متضمِّنةٌ لاستتار مَا يُرَاد عَمَّن يُرَاد بِه) .
وقال الجرجاني: (الكَيْد: إرَادَةُ مضرَّة الغير خُفْيَة، وهو مِن الخَلْق: الحِيلة السَّيئة، ومِن الله: التَّدبير بالحقِّ لمجازاة أعمال الخَلْق) .

محمد رافع 52
27-11-2013, 11:04 PM
الفرق بين المكْر والكَيْد وبعض الصِّفات

- الفرق بين المكْر والكَيْد:
المكْر مِثل الكَيْد في أنَّه لا يكون إلَّا مع تدبُّرٍ وفِكْرٍ، إلَّا أنَّ الكَيْد أقوى مِن المكْر.
الكَيْد يتعدَّى بنفسه، والمكْر يتعدَّى بحرف، فيقال: كادَه يَكِيدُه، ومَكَرَ به، ولا يقال: مَكَرَه والذي يتعدَّى بنفسه أقوى.
المكْر -أيضًا- تقدير ضرر الغير مِن أن يفعل به، أَلَا ترى أنَّه لو قال له: أقدر أن أفعل بك كذا، لم يكن ذلك مَكْرًا، وإنَّما يكون مَكْرًا إذا لم يُعْلِمْه به.
والكَيْد اسم لإيقاع المكْروه بالغير قهرًا، سواءً علم أو لا .
قال الزبيدي: (قال شيخنا: وظاهر كلامهم أن الكيد والمكر مترادفان، وهو الظاهر، وقد فرق بينهما بعض فقهاء اللغة، فقال: الكيد: المضرة، والمكر: إخفاء الكيد وإيصال المضرة، وقيل: الكيد: الأخذ على خفاء، ولا يعتبر فيه إظهار خلاف ما أبطنه، ويعتبر ذلك في المكر. والله أعلم) .
- الفرق بين المكْر والحِيَل:
أنَّ مِن الحِيَل ما ليس بمَكْر، وهو أن يقدِّر نفع الغير لا مِن وجهه، فيُسَمَّى ذلك حيلة مع كونه نفعًا، والمكْر لا يكون نفعًا.
أنَّ المكْر بقدر ضرر الغير مِن غير أن يعلم به، وسواءً كان مِن وجهه أو لا.
والحيلة لا تكون مِن غير وجهه، وسمَّى الله تعالى ما توعَّد به الكفَّار: مكرًا، في قوله تعالى: فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف: 99]، وذلك أنَّ الماكر يُنْزِل المكْروه بالممْكُور به حيث لا يعلم، فلمَّا كان هذا سبيل ما توعَّدهم به مِن العذاب سمَّاه مكرًا .
- الفرق بين المكْر والغَدْر:
أنَّ الغَدْر نقض العهد الذي يجب الوفاء به.
والمكْر: قد يكون ابتداءً مِن غير عقد .
- الفرق بين الخِدَاع والكَيْد:
الخِدَاع: هو إظهار ما يُبْطِن خلافه، أراد اجتلاب نفعٍ أَو دفع ضرٍّ، ولا يَقْتَضِي أَن يكون بعد تدبُّرٍ ونَظَرٍ وفِكْرٍ، أَلَا ترى أَنَّه يُقَال: خدعه في البيع، إذا غشَّه مِن جَشَع، وأوهمه الإنصاف، وإن كان ذلك بديهةً مِن غير فِكْر ونَظَر، والكَيْد لا يكون إلَّا بعد تدبُّر وفِكْر ونَظَر، ولهذا قال أهل العربيَّة: الكَيْد التَّدْبِير على العَدوِّ، وإرادة إهلاكه، وسُمِّيت الحِيَل التي يَفْعَلهَا أصحاب الحروب بقصد إهلاك أعدائهم: مكايد؛ لأنَّها تكون بعد تدبُّرٍ ونَظَرٍ، ويجيء الكَيْد بمعنى الإرادة، وقوله تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف: 76] أَي أردنَا، ودلَّ على ذلك بقوله: إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ[يوسف: 76]، و(إن شاء الله) بمعنى المشِيئَة، ويجوز أن يُقَال: الكَيْد: الحِيلَة التي تقرِّب وُقُوع المقصود بِه مِن المكروه، وهو مِن قولهم: كَاد يفعل كذا، أَي قَرُب، إِلَّا أَنه قيل هذا يكَاد، وفي الأولى: يَكِيد؛ للتَّصَرُّف في الكلام، والتَّفرقة بين المعْنيين.
ويجوز أَن يُقَال: إنَّ الفرق بين الخِدَاع والكَيْد أَنَّ الكَيْد اسم لفعل المكْروه بالغير قهرًا، تقول: كايدني فلانٌ، أَي: ضرَّني قهرًا، والخَدِيعَة اسم لفعل المكروه بالغير مِن غير قهر، بل بأن يُرِيد بأنَّه يَنْفَعه، ومنه الخَدِيعَة في المعاملة، وسمَّى الله تعالى قصد أصحاب الفيل مكَّة كيدًا في قوله تعالى: أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ [الفيل: 3]؛ وذلك أنَّه كان على وَجه القَهْر .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:24 AM
ذَمُّ المكْر والكَيْد والنهي عنهما (http://dorar.net/enc/akhlaq/2765)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ [النَّمل: 50-51].
قال السعدي: (وَمَكَرُوا مَكْرًا دبَّروا أمرهم على *** صالح وأهله على وجه الخُفْية -حتى مِن قومهم- خوفًا مِن أوليائه، وَمَكَرْنَا مَكْرًا بنصر نبيِّنا صالح -عليه السَّلام- وتيسير أمره، وإهلاك قومه المكذِّبين، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ. هل حصل مقصودهم، وأدركوا -بذلك المكْر- مطلوبهم أم انتقض عليهم الأمر؟ ولهذا قال: أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ أهلكناهم واستأصلنا شأفتهم، فجاءتهم صيحة عذاب، فأهلكوا عن آخرهم) .
وقال ابن عاشور: (سمَّى الله تآمرهم مكرًا؛ لأنَّه كان تدبير ضرٍّ في خفاء. وأكَّد مكرهم بالمفعول المطلق للدِّلالة على قوَّته في *** المكر، وتنوينه للتَّعظيم) .
- وقال سبحانه: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا 42اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً [فاطر: 43].
قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن قريش والعرب أنَّهم أقسموا بالله جهد أيمانهم، قبل إرسال الرَّسول إليهم: لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأُمَمِ أي: من جميع الأمم الذين أُرْسِل إليهم الرُّسل... قال الله تعالى: فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ -وهو: محمد صلى الله عليه وسلم بما أنزل معه مِن الكتاب العظيم، وهو القرآن المبين، مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا، أي: ما ازدادوا إلَّا كفرًا إلى كفرهم، ثمَّ بيَّن ذلك بقوله: اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ أي: استكبروا عن اتِّباع آيات الله، اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ أي: ومكروا بالنَّاس في صدِّهم إيَّاهم عن سبيل الله، وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ أي: وما يعود وبال ذلك إلَّا عليهم أنفسهم دون غيرهم) .
- وقوله عزَّ وجلَّ: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ[الأنعام: 123].
قال ابن عاشور: (والمراد بالمكْر هنا تَحُيُّل زعماء المشركين على النَّاس في صرفهم عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وعن متابعة الإسلام، قال مجاهد: كانوا جَلَسُوا على كلِّ عقبة ينفِّرون النَّاس عن اتِّباع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ... ظنًّا منهم بأنَّ صدَّ النَّاس عن متابعته يَضرُّه ويُحْزِنه، وأنَّه لا يعلم بذلك، ولعلَّ هذا العمل منهم كان لـمَّا كَثُر المسلمون في آخر مدَّة إقامتهم بمكَّة قُبَيْل الهجرة إلى المدينة، ولذلك قال الله تعالى: وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ. فالواو للحال، أي: هم في مكرهم ذلك إنَّما يضرُّون أنفسهم، فأطلق المكر على مآله وهو الضُّر، على سبيل المجَاز المرسَل، فإنَّ غاية المكر ومآله إضرار الممكور به) .
- وقال تعالى: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [الأنفال: 17-18].
(يقول تعالى لما انهزم المشركون يوم بدر، و***هم المسلمون: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ بحولكم وقوَّتكم، وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ حيث أعانكم على ذلك... ذَلِكُمْ النَّصر مِن الله لكم، وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ أي: مُضْعِف كلِّ مَكْرٍ وكيدٍ يكيدون به الإسلام وأهله، وجاعلٌ مكرَهم مُحِيقًا بهم) .
- وقال- سبحانه-: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يوسف: 5].
- وقوله تعالى حكايةً عن امرأة العزيز: ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ [يوسف: 52].

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:28 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((أنَّ أناسًا مِن عُكل وعُرَيْنَة قَدِمُوا المدينة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتكلَّموا بالإسلام، فقالوا: يا نبيَّ الله، إنَّا كنَّا أهل ضرع ، ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيه، فيشربوا مِن ألبانها وأبوالها. فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحَرَّة، كفروا بعد إسلامهم، و***وا راعي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الذَّود، فبلغ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فبعث الطَّلب في آثارهم، فأَمَر بهم فسَمَرُوا أعينهم، وقَطَعُوا أيديهم، وتُرِكُوا في ناحية الحرَّة حتى ماتوا على حالهم)) .
- وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: سمعت سعدًا رضي الله عنه قال: سمعت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يكيد أهل المدينة أحدٌ إلَّا انماع كما ينماع الملح في الماء)) .
قال المهَلَّب: (وقوله: ((لا يكيد أهل المدينة أحدٌ)). أي: لا يدخلها بمكيدة، ولا يمكن يطلب فيها غرَّتهم، ويفترس عورتهم. وقوله: ((إلَّا انماع)). أي: إلَّا ذاب كما يذوب الملح في الماء) .
وقال العيني: (أنَّ الذي يكيد أهل المدينة يذيبه الله تعالى في النَّار ذوب الرصاص، ولا يستحقُّ هذا ذاك العذاب إلَّا عن ارتكابه إثمًا عظيمًا) .
أقوال السَّلف والعلماء في المكْر والكَيْد:
- قال محمَّد بن كعب القرظي: ثلاث خصال مَن كُنَّ فيه كُنَّ عليه: البَغْي، والنُّكْث، والمكر. وقرأ: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم [يونس: 23]، فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10] .
- وقال ابن قتيبة: (ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه كُنَّ عليه: البَغْي، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم [يونس: 23]، والمكر، قال الله تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43] والنُّكْث، قال عزَّ وجلَّ: فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ .
- وقال ابن القيِّم: (إنَّ المؤمن المتوكِّل على الله إذا كاده الخَلْق، فإنَّ الله يكيد له وينتصر له بغير حول منه ولا قوَّة) .
- وقال: (في قصَّة يوسف -عليه السَّلام- تنبيه على أنَّ مَن كاد غيره كيدًا محرَّمًا فإنَّ الله سبحانه وتعالى لا بدَّ أن يكيده، وأنَّه لا بدَّ أن يكيد للمظلوم إذا صبر على كيد كائده وتلطَّف به) .
- وروى عمرو بن دينار أنَّه قال: (قال قيس بن سعد: لولا الإسلام لمكرت مكرًا لا تطيقه العرب) .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:30 AM
حُكْم المكْر

عدَّه أهل العلم - ومنهم ابن حجر الهيتمي- مِن الكبائر، وهم يعنون الضَّرب المذموم منه، وهو المكْر السَّيِّئ.
قال ابن حجر الهيتمي: (عُدَّ هذا كبيرةً، صرَّح به بعضهم، وهو ظاهرٌ مِن أحاديث الغِشِّ ... إذْ كون المكْر والخَدِيعَة في النَّار ليس المراد بهما إلَّا أنَّ صاحبهما فيها، وهذا وعيد شديد) .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:32 AM
أقسام المكْر

قال الرَّاغب: (المكْر: صرف الغير عمَّا يقصده بحيلة، وذلك ضربان: مَكْرٌ محمودٌ، وذلك أن يُتَحرَّى بذلك فعلٌ جميل... ومذموم، وهو أن يُتَحرَّى به فعلٌ قبيح) .
وقال ابن القيِّم: (المكْر ينقسم إلى محمود ومذموم، فإنَّ حقيقته إظهار أمرٍ وإخفاء خلافه؛ ليُتَوصَّل به إلى مراده.
فمِن المحمود: مَكْرُه تعالى بأهل المكر، مقابلةً لهم بفعلهم، وجزاءً لهم ب*** عملهم.
قال تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال: 30] وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النَّمل: 50]) .
وقال الرَّاغب الأصفهاني: (المكْر والخَدِيعَة: متقاربان، وهما اسمان لكلِّ فعل يَقْصِد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره، وذلك ضربان:
1- أحدهما مذموم: وهو الأشهر عند النَّاس والأكثر، وذلك أن يقصد فاعله إنزال مكروه بالمخدوع، وهو الذي قصده النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقوله: ((المكر والخَدِيعَة في النَّار))، والمعنى: أنَّهما يؤدِّيان بقاصدهما إلى النَّار.
2- والثَّاني: على عكس ذلك، وهو أن يقصد فاعلهما إلى استجرار المخدوع والممكور به إلى مصلحة لهما، كما يُفْعَل بالصَّبي إذا امتنع مِن تعلُّم خيرٍ .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:36 AM
أقسام الكَيْد

وينقسم الكَيْد -أيضًا- إلى قسمين:
1- محمود: وهو ما قُصِد به الخير.
2- مذموم: وهو ما قُصِد به الشَّر.
قال ابن القيِّم: (الكَيْد ينقسم إلى نوعين. قال تعالى: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف: 183] وقال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [يوسف: 76] وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 15-16]) .
وقال الرَّاغب الأصفهاني: (الكَيْد: إرَادَة متضمِّنة لاستتار ما يُرَاد عمَّن يُرَاد به، وأكثر ما يُسْتَعمَل ذلك في الشَّرِّ، ومتى قُصِد به الشَّرُّ فمذموم، ومتى قُصِد به خيرٌ فمحمود، وعلى الوجه المحمود قال - عزَّ وجلَّ-: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ [يوسف: 76] .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:39 AM
وسائل النَّجاة مِن كيد الكائدين

1- الصَّبر والتَّقوى:
إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ [آل عمران: 120].
2-إخفاء النِّعمة التي رزقك الله بها عن أعين الحاسدين:
كما قال يعقوب ليوسف -عليهما السَّلام-: قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ [يوسف: 5].
3- دعاء الله عزَّ وجلَّ بصدق وإخلاص:
كما قال يوسف -عليه السَّلام-: قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [يوسف: 33-34].
4- التَّوكُّل على الله عزَّ وجلَّ:
قال تعالى عن نبيِّه هود -عليه السَّلام- وقومه: إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [هود: 54–56].

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:41 AM
عاقبة مَن يصبر على كيد الكائد

قال ابن القيِّم: (يوسف الصِّدِّيق كان قد كِيد غير مرَّة، أوَّلها أنَّ إخوته كادوا به كيدًا، حيث احتالوا به في التَّفريق بينه وبين أبيه، ثمَّ إنَّ امرأة العزيز كادته بما أظهرت أنَّه راودها عن نفسها، ثمَّ أودع السِّجن، ثمَّ إنَّ النِّسوة كادوه حتى استعاذ بالله مِن كيدهنَّ، فصرفه عنه، وقال له يعقوب: لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا، وقال الشَّاهد لامرأة العزيز: إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يوسف: 28]. وقال تعالى في حق النِّسوة: فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ [يوسف: 34]. وقال للرَّسول: قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ [يوسف: 50]. فكاد الله له أحسن كيدٍ وألطفه وأعدله، بأن جمع بينه وبين أخيه، وأخرجه مِن أيدي إخوته بغير اختيارهم، كما أخرجوا يوسف مِن يد أبيه بغير اختياره، وكاد له عوض كيد المرأة بأن أخرجه مِن ضيق السِّجن إلى فضاء الملك، ومكَّنه في الأرض يتبوَّأ منها حيث يشاء، وكاد له في تصديق النِّسوة اللَّاتي كذَّبنه وراودنه حتى شهدن ببراءته وعفَّته، وكاد له في تكذيب امرأة العزيز لنفسها، واعترافها بأنَّها هي التي راودته، وأنَّه مِن الصَّادقين، فهذه عاقبة مَن صبر على كيد الكائد له بغيًا وعُدْوَانًا) .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:44 AM
كيد الشَّيطان

1- كيده لنفسه:
(أمَّا كيده لنفسه: فإنَّ الله -سبحانه- لما أمره بالسُّجود لآدم -عليه السَّلام- كان في امتثال أمره وطاعته سعادته وفلاحه وعزُّه ونجاته، فسوَّلت له نفسه الجاهلة الظَّالمة: أنَّ في سجوده لآدم -عليه السَّلام- غضاضة عليه وهضمًا لنفسه؛ إذ يخضع ويقع ساجدًا لمن خُلِق مِن طين، وهو مخلوق مِن نار، والنَّار -بزعمه- أشرف مِن الطِّين، فالمخلوق منه خيرٌ مِن المخلوق منها، وخضوع الأفضل لمِن هو دونه غضاضةٌ عليه، وهضمٌ لمنزلته، فلمَّا قام بقلبه هذا الهوس، وقارنه الحسد لآدم لـمَّا رأى ربَّه -سبحانه- قد خصَّه به مِن أنواع الكرامة، فإنَّه خَلَقَه بيده، ونفخ فيه مِن روحه، وأسجد له ملائكته، وعلَّمه أسماء كلِّ شيء وميَّزه بذلك عن الملائكة... ثمَّ قرَّر ذلك بحجَّته الدَّاحضة في تفضيل مادَّته وأصله على مادَّة آدم -عليه السَّلام- وأصله، فأنتجت له هذه المقدمات إباءَه وامتناعه مِن السُّجود، ومعصيته الرَّبَّ المعبود) .
2- كيده للأبوين آدم وحوَّاء:
قال ابن القيِّم: (وأمَّا كيده للأبوين فقد قصَّ الله -سبحانه- علينا قصَّته معهما، وأنَّه لم يزل يخدعهما ويَعِدُهما ويمنِّيهما الخلود في الجنَّة، حتى حلف لهما بالله جهد يمينه: إنَّه ناصح لهما، حتى اطمأنَّا إلى قوله وأجاباه إلى ما طلب منهما، فجرى عليهما مِن المحنة والخروج مِن الجنَّة ونَزْع لباسهما عنهما ما جرى، وكان ذلك بكيده ومكره الذي جرى به القلم وسبق به القَدَر، وردَّ الله -سبحانه- كيده عليه، وتدارك الأبوين برحمته ومغفرته، فأعادهما إلى الجنَّة على أحسن الأحوال وأجملها، وعاد عاقبة مكره عليه ولا يحيق المكْر السَّيِّئ إلَّا بأهله) .
3- كيده لأحد وَلَدَي آدم:
قال ابن القيِّم: (ثمَّ كاد أحدَ وَلَدَي آدم، ولم يزل يتلاعب به حتى *** أخاه، وأسخط أباه، وعصى مولاه، فسنَّ للذرِّية *** النُّفوس، وقد ثبت في الصَّحيح عنه أنَّه قال: ((ما مِن نفس تُقْتَل ظُلْمًا إلَّا كان على ابن آدم الأوَّل كِفْلٌ مِن دمها؛ لأنَّه أوَّل مَن سنَّ ال***)) فكاد العدوُّ هذا القاتل بقطيعة رحمه، وعقوق والديه، وإسخاط ربِّه، ونقص عدده، وظُلْم نفسه، وعرَّضه لأعظم العقاب، وحَرَمَه حظَّه مِن جزيل الثَّواب) .
4- كيده بتزيين عبادة غير الله:
لم يقتصر كيده على نفسه ولا على آدم وحوَّاء، حتى كاد ذريَّة نفسه وذريَّة آدم، فكان مشؤومًا على نفسه وعلى ذريَّته وأوليائه وأهل طاعته مِن الجنِّ والإنس .
وكان أوَّل ما كاد به عبادة الأصنام مِن جهة العكوف على القبور وتصاوير أهلها ليتذكَّروهم بها، كما قصَّ الله -سبحانه- قصصهم في كتابه، فقال: وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا [نوح: 23]، قال البخاريُّ في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: هذه أسماء رجال صالحين مِن قوم نوح، فلمَّا هلكوا أوحى الشَّيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا، وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعْبَد حتى إذا هلك أولئك ونُسِخَ العِلم عُبِدت .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:46 AM
غاية كيد الشَّيطان

غاية كيد الشَّيطان الوسوسة، فإنَّ شيطان الجِنِّ إذا غُلِب وسوس، وشيطان الإنس إذا غُلِب كذب، والوسواس يعرض لكلِّ مَن توجَّه إلى الله تعالى بذكر أو غيره، لا بدَّ له مِن ذلك، فينبغي للعبد أن يَثْبُت ويصبر، ويلازم ما هو فيه مِن الذِّكر والصَّلاة، ولا يضجر، فإنَّه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشَّيطان، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا [النَّساء: 76] .
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جاء رجل إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال ((إنَّ أحدنا ليجد في نفسه ما يتعاظم أن يتكلَّم به، فقال: الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة)) .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:49 AM
الحكم والأمثال في المكْر

- امكر وأنت في الحديد !
- ضرب أخماس لأسداس.
يضرب مثلًا للمُمَاكَرة والخِدَاع، وأصله في إوراد الإبل، وهو أن يُظْهِر الرَّجل أن وِرْدَه سدس وإنَّما يريد الخمس .
وأنشد ابن الأعرابي:

وذلك ضرب أخماس أريدت *** لأسداس عسى ألَّا تكونا


ويقال للذي لا يعرف المكْر والحيلة: إنَّه لا يعرف ضرب أخماس لأسداس؛ وذلك إذا لم يكن له دهاء .
- رُبَّ حيلة كانت على صاحبها وبيلة.
- رُبَّ حيلة أهلكت المحتال.
- مَن حفر مُغَوَّاة وقع فيها .

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:55 AM
ذم الكَيْد والمكْر في واحة الشِّعر

قال الشَّاعر:

لم يبقَ في النَّاسِ إلَّا المكرُ والملَقُ *** شوكٌ إذا اختبروا زهرٌ إذا رمقوا



فإن دعاك إلى ائتلافِهم قَدَرٌ *** فكن جحيمًا لعلَّ الشوكَ يحترقُ


وقال آخر:

وكم مِن حافرٍ لأخيه ليلًا *** تردَّى في حفيرتِه نهارًا


وقال تقي الدِّين الهلالي:

وليس يحيقُ المكْرُ إلَّا بأهلِه *** وحافرُ بئرِ الغَدْرِ يسقطُ في البئرِ


وكم حافرٍ لحدًا ليدفنَ غيرَه *** على نفسِه قد جَرَّ في ذلك الحفرِ


وكم رائشٍ سهمًا ليصطادَ غيرَه *** أُصِيب بذاك السَّهمِ في ثغرة النَّحرِ

وقال أبو عبد الله محمد بن عثمان المعروف بابن الحداد:

فلا مهجة إلَّا إليك نزاعُها *** وما زال يُطوى عن سواك لها كَشْحُ



وليس يحيقُ المكْرُ إلَّا بأهلِه *** وكم موقدٍ يغشاه مِن وقدِه لفحُ


وقال آخر:

لا تأمننَّ كيدَ العدوِّ *** فأمنُ كيدِهم غرَرْ



كنْ منه إن كان القويَّ *** أو الضَّعيفَ على حذرْ


وقال أبو هلال العسكري: أحسن ما قيل في الكَيْد والحرب قول أبي تمَّام:

هززتَ له سيفًا مِن الكَيْد إنَّما *** تُجذُّ به الأعناقُ ما لم يجرَّدِ



يسرُّ الذي يسطو بهِ وهو مغمدٌ *** ويفضحُ مَن يسطو به غيرَ مُغَمدِ


يقول: إن أخفيت الكَيْد ظفرت وسُرِرْت، وإن أظهرته افتُضِحْتَ وخِبْت .

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRwwAA&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=RfmaUq7NB8aVhQfLm4GAAQ&psig=AFQjCNFVRnItiXyZd6OZmV6MkzvQbgbvXA&ust=1385974469253613)

محمد رافع 52
01-12-2013, 10:58 AM
نقض العهد
معنى نقض العهد لغةً واصطلاحًا
معنى النقض:
النقض ضد الإبرام، وهو إفساد ما أبرمت من عقد أو بناء، نقض الشَّيء نقضًا أفسده بعد إحكامه، يُقال: نقض البناء. هدمه، و: نقض الحبل أو الغزل. حلَّ طاقاته. والنقيض: المنقوض، وأصل هذه المادة يدلُّ على نكث شيء .
وقال الرَّاغب: (النَّقض: انتثار العقد من البناء والحبل والعقد، وهو ضدُّ الإبرام، ومن نقض الحبل والعقد استعير نقض العهد) .
معنى العهد لغةً:
العهد: الوصية، والأمان، والموثق، والذمة، ومنه قيل للحربي يدخل بالأمان: ذو عهد ومعاهد، وقد عَهِدْتُ إليه، أي أوصيته، ومنه اشتُقَّ العَهْدُ الذي يكتب للوُلاةِ، وأصل هذه المادة يدل على الاحتفاظ بالشَّيء .
معنى العهد اصطلاحًا:
قال الجرجانيُّ: (العهد: حفظ الشَّيء ومراعاته حالا بعد حال. هذا أصله ثمَّ استخدم في الموثق الذي يلزم مراعاته) .
معاني العهد:
ويأتي العهد على عدة معان، وهي :
1- العهد: الموثق واليمين يحلف بها الرجل والجمع كالجمع، تقول: علي عهد الله وميثاقه، وقيل: ولي العهد، لأنه ولي الميثاق الذي يؤخذ على من بايع الخليفة.
2- والعهد: الوصية، يقال عهد إليَّ في كذا: أوصاني.
3- والعهد: التقدم للمرء في الشيء، ومنه العهد الذي يكتب للولاة، والجمع: عهود، وقد عهد إليه عهدًا.
4- والعهد: الوفاء والحفاظ ورعاية الحرمة.
5- والعهد: الأمان، قال شمر: العهد الأمان، وكذلك الذمة، تقول: أنا أعهدك من هذا الأمر، أي: أؤمنك منه، ومنه اشتقاق العهدة.
6- والعهد: الالتقاء، وعهد الشيء عهدًا عرفه، وعهدته بمكان كذا أي لقيته وعهدي به قريب.
7- والعهد: ما عهدته فثافنته، يقال: عهدي بفلان وهو شاب، أي: أدركته فرأيته كذلك.
8- والعهد: المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتأوا عنه رجعوا إليه، ويقال له: المعهد - أيضًا- وكذلك المنزل المعهود به الشيء يقال له: العهد، قال ذو الرمة:
هل تعرف العهد المحيل رسمه
9- والعهد: أول مطر، والولي الذي يليه من الأمطار، وفي الصحاح: العهد: المطر الذي يكون بعد المطر، وقد عهدت الأرض فهي معهودة أي: ممطورة.
10- والعهد: الزمان، كالعهدان بالكسر.
11- والعهد: التوحيد.
12- والعهد: الضمان.
معنى نقض العهد اصطلاحًا:
هو عدم الوفاء بما أعلن الإنسان الالتزام به، أو قطعه على نفسه من عهد أو ميثاق، سواء فيما بينه وبين الله تعالى، أو فيما بينه وبين النَّاس .

محمد رافع 52
01-12-2013, 11:00 AM
الفرق بين العهد والنقض وبعض الكلمات

- الفرق بين العهد والوعد:
قيل: العهد ما يكون من الجانبين، وأمَّا ما يكون من جانب فوعد، ونقضه خلف وعد .
- الفرق بين النَّقض والخيانة:
أنَّ الخيانة تقتضي نقض العهد سرًّا، أمَّا النَّقض فإنَّه يكون سرًّا وجهرًا، ومن ثمَّ يكون النَّقض أعمُّ من الخيانة ويرادفه الغدر، وضدُّ الخيانة الأمانة، وضدُّ النَّقض: الإبرام .

محمد رافع 52
05-12-2013, 12:02 PM
ذم نقض العهد والنهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2793)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ [التوبة: 12].
قال السدي: (إن نكثوا عهدهم الذي عاهدوا على الإسلام وطعنوا فيه، فقاتلوهم) ((جامع البيان)) للطبري .
وقال القرطبيُّ: (إذا حارب الذمي نقضَ عهدَه، وكان ماله وولده فيئًا معه) ((الجامع لأحكام القرآن)) .
وقال الرازي: (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم أي: نقضوا عهودهم) ((مفاتيح الغيب)) .
- وقوله تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ [البقرة: 27].
قال الطبري: (وما يضلُّ به إلا التاركين طاعة الله، الخارجين عن اتباع أمره ونهيه، الناكثين عهود الله التي عهدها إليهم في الكتب التي أنزلها إلى رسله، وعلى ألسن أنبيائه باتباع أمر رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وما جاء به، وطاعة الله فيما افترض عليهم في التوراة من تبيين أمره للناس، وإخبارهم إياهم أنهم يجدونه مكتوبًا عندهم، أنه رسول من عند الله مفترضة طاعته. وترك كتمان ذلك لهم ونكثهم ذلك، ونقضهم إياه هو مخالفتهم الله في عهده إليهم، فيما وصفت أنه عهد إليهم، بعد إعطائهم ربهم الميثاق بالوفاء بذلك، كما وصفهم به جلَّ ذكره) ((جامع البيان)) للطبري .
وقال السدي: (هو ما عهد إليهم في القرآن فأقروا به، ثم كفروا فنقضوه) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير.
وقال السعدي: (وهذا يعمُّ العهد الذي بينهم وبينه، والذي بينهم وبين عباده الذي أكده عليهم بالمواثيق الثقيلة والإلزامات، فلا يبالون بتلك المواثيق؛ بل ينقضونها، ويتركون أوامره ويرتكبون نواهيه؛ وينقضون العهود التي بينهم وبين الخلق) ((تيسير الكريم الرحمن)) .
- وقال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 155].
قال ابن كثير: (وهذه من الذنوب التي ارتكبوها، مما أوجب لعنتهم، وطردهم، وإبعادهم عن الهدى، وهو نقضهم المواثيق والعهود التي أخذت عليهم) ((تفسير القرآن العظيم)) .
قال ابن عباس: (هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه) رواه الطبري في ((تفسيره)) .
قال الزمخشري: (وأما التوكيد فمعناه تحقيق أنَّ العقاب، أو تحريم الطيبات، لم يكن إلا بنقض العهد، وما عطف عليه من الكفر و*** الأنبياء وغير ذلك) ((الكشاف)) .
قال الخازن: (فبسبب نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم، وسخطنا عليهم، وفعلنا بهم ما فعلنا) ((لباب التأويل في معاني التنزيل)) .
- وقَوْله تَعَالَى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 13].
قال الطبري: (معنى الكلام: فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلَّ سواء السبيل، فنقضوا الميثاق، فلعنتهم، فبما نقضهم ميثاقهم لعنَّاهم، فاكتفى بقوله: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ من ذكر فنقضوا) ((جامع البيان )) .
قال ابن كثير: (أي: فبسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعنَّاهم، أي: أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى) ((تفسير القرآن العظيم)) .
- وقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 10].
قال ابن كثير: (إنَّما يعود وبال ذلك على الناكث، والله غنيٌّ عنه) ((تفسير القرآن العظيم)) .
قال السمرقندي: (فمن نكث يعني: نقض العهد، والبيعة فإنَّما ينكث على نفسه يعني: عقوبته على نفسه) ((بحر العلوم)) .
وقال ابن عطية: (أنَّ من نكث يعني من نقض هذا العهد، فإنَّما يجني على نفسه، وإيَّاها يهلك، فنكثه عليه لا له) ((المحرر الوجيز)) .
- وقال الله تعالى: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ [النحل: 92] الآية.
وقال ابن عطية في تفسير هذه الآية: (شبهت هذه الآية الذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقدة، بالمرأة التي تغزل غزلها وتفتله محكمًا، وشبه الذي ينقض عهده بعد الإحكام، بتلك الغازلة إذا نقضت قوى ذلك الغزل فحلته بعد إبرامه) ((المحرر الوجيز)) .

محمد رافع 52
05-12-2013, 11:50 PM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن علي رضي الله عنه قال: (ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النَّبي صلى الله عليه وسلم... ذمة المسلمين واحدة، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله، والملائكة، والناس أجمعين، لا يقبل منه صرفٌ ولا عدل) .
وفي رواية مسلم: ((ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)) .
قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: ((ذمَّة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم)). المراد بالذمة هنا الأمان. معناه: أنَّ أمان المسلمين للكافر صحيح، فإذا أمَّنه به أحد المسلمين، حرُم على غيره التعرُّض له، ما دام في أمان المسلم، وللأمان شروط معروفة... وقوله صلى الله عليه وسلم: ((فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)). معناه: من نقض أمانَ مسلم فتعرَّض لكافر أمَّنه مسلم، قال أهل اللغة: يقال: أخفرتُ الرجل إذا نقضتُ عهده، وخفرته إذا أمَّنته) .
وقال ابن حجر: (قوله: ((ذمَّة المسلمين واحدة)) أي: أمانهم صحيح، فإذا أمَّن الكافرَ واحدٌ منهم حرُم على غيره التعرُّض له... وقوله: ((يسعى بها)) أي: يتولَّاها ويذهب ويجيء، والمعنى: أنَّ ذمَّة المسلمين سواء صدرت من واحد أو أكثر، شريف أو وضيع، فإذا أمَّن أحد من المسلمين كافرًا وأعطاه ذمَّةً لم يكن لأحد نقضه، فيستوي في ذلك الرجل والمرأة، والحرَّ والعبد؛ لأنَّ المسلمين كنفس واحدة... وقوله: ((فمن أخفر)) بالخاء المعجمة والفاء أي: نقض العهد، يقال: خفرته بغير ألف أمَّنته، وأخفرته نقضت عهده) .
قال ابن تيمية: (جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود، والشروط والمواثيق والعقود، وبأداء الأمانة ورعاية ذلك، والنهي عن الغدر، ونقض العهود، والخيانة، والتشديد على من يفعل ذلك)
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته)) .
قال ابن رجب: (... ((فلا تخفروا الله في ذمته)). أي: لا تغدروا بمن له عهد من الله ورسوله، فلا تفوا له بالضمان، بل أوفوا له بالعهد) .
وقال القاري: (أي: لا تخونوا الله في عهده، ولا تتعرَّضوا في حقِّه من ماله، ودمه، وعرضه، أو الضمير للمسلم أي: فلا تنقضوا عهد الله) ، (ولا تخونوه بانتهاك حقوقه، فإنَّ أي اعتداء عليه هو خيانة لله ورسوله، ونقض لعهدهما، وإهدار لكرامة الإسلام) .

محمد رافع 52
05-12-2013, 11:55 PM
أقوال السلف والعلماء في نقض العهد

- قال ابن حجر: (الغدر حرمته غليظة، لا سيَّما من صاحب الولاية العامَّة؛ لأنَّ غدره يتعدَّى ضرره إلى خلق كثير؛ ولأنَّه غير مضطرٍّ إلى الغدر لقدرته على الوفاء) .
- وقال ابن كثير: (إنَّ من صفات المنافقين، أنَّ أحدهم إذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر، وإذا حدَّث كذب، وإذا ائتمن خان؛ ولذلك كان حال هؤلاء الأشقياء، ومصيرهم إلى خلاف ما صار إليه المؤمنون، كما أنَّهم اتَّصفوا بخلاف صفاتهم في الدُّنيا، فأولئك كانوا يوفون بعهد الله، ويصلون ما أمر الله به أن يوصل، وهؤلاء ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه) .
- وقال محمد بن كعب القرظيُّ رحمه اللّه تعالى: (ثلاث خصال مَن كُنَّ فيه كُنَّ عليه: البَغْي، والنُّكْث، والمكر. وقرأ: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم [يونس: 23]، فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10]) .
- وصف أعرابيٌّ قومًا فقال: (أولئك قوم أدَّبتهم الحكمة، وأحكمتهم التَّجارب، ولم تغررهم السَّلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التَّسويف الذي قطع النَّاس به مسافة آجالهم، فقالت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال، كان يقال: آفة المروءة خلف الوعد) .
- (دخل بعض السلف على مريض مكروب فقال له: عاهد الله على التوبة، لعله أن يقيلك صرعتك. فقال: كنت كلَّما مرضت عاهدت الله على التوبة فيقيلني، فلما كان هذه المرة ذهبت أعاهد كما كنت أعاهد، فهتف بي هاتف من ناحية البيت: قد أقلناك مرارًا فوجدناك كذَّابًا. ثم مات عن قريب) .
- وتاب بعض من تقدم ثم نقض فهتف به هاتف بالليل:

سأترك ما بيني وبينك واقفًا *** فإن عدت عدنا والوداد مقيم



تواصل قومًا لا وفاء لعهدهم *** وتترك مثلي والحفاظ قديم


- وقال أبو العالية: (ستُّ خصال في المنافقين، إذا كانت فيهم الظَّهرة على النَّاس أظهروا هذه الخصال: إذا حدَّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، وإذا كانت الظَّهرة عليهم أظهروا الخصال الثَّلاث: إذا حدَّثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا ائتمنوا خانوا) .

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:00 AM
آثار نقض العهد

كما أنَّ الوفاء بالعهد والميثاق له آثاره النافعة، فإنَّ نقض العهد والميثاق يترك آثارًا ضارة يقع ضررها على الفرد والمجتمع، ومن هذه المضار :
1- كفر من نقض عهد الله:
قرن الله سبحانه وتعالى بين الكفر ونقض العهد في أكثر من موضع في القرآن الكريم، ولا شك في كفر من نقض عهده مع الله وأخلَّ بميثاقه الذي أخذه عليه، فقال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ [البقرة: 93].
2- الخسران:
الخسران عاقبة من نكث بعهده ونقض ميثاقه، قال تعالى: الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ [البقرة: 27].
قال ابن حجر: (كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النَّبي صلى الله عليه وسلم- أن غزاهم المسلمون، حتَّى فتحوا مكَّة، واضطرُّوا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزَّة والقوَّة في غاية الوهن، إلى أن دخلوا في الإسلام، وأكثرهم لذلك كاره) .
3- اللعن وقسوة القلوب والطبع عليها:
قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً [المائدة: 13].
4- الإغراء بالعداوة والبغضاء:
لما نقض النصارى الميثاق والعهود وبدَّلوا دينهم، وضيَّعوا أمر الله، أورثهم الله العداوة والبغضاء، قال تعالى: وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ [المائدة: 14].
5- تحريم الطيبات:
عندما نقض بنو إسرائيل الميثاق، حرَّم الله عليهم الطيبات، قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا [النساء: 160].
6- ال*** والتشريد:
فنقضُ المواثيق يؤدي إلى ال*** والتشريد، قال تعالى: الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَّنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [الأنفال: 56-57].
7- الضلال عن سواء السبيل:
لما كفر بنو إسرائيل بالله، وخانوا مواثيقه، أضلَّهم الله عن الطريق المستقيم، قال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ [المائدة: 12]. ثم قال في آخر الآية بعد تفصيل الميثاق: فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ [المائدة: 12].
8- الخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة:
لما ذكر الله تعالى المواثيق التي أخذها على بني إسرائيل، ذكر خيانتهم وغدرهم ونكثهم للعهود والمواثيق، ثم هددهم قائلًا: أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ[البقرة: 85].
9- الجناية على النفس:
نقض العهود تعود جنايتها على النفس، قال تعالى: فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ [الفتح: 10] فالناقض لعهده يجني على نفسه ويوبقها، وهذه الآثار هو سببها، وهو حطبها ووقودها.

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:03 AM
حكم نقض العهد

نقض العهد كبيرة من كبائر الذنوب: وقد أمر الله المؤمنين بالوفاء بالعهود، وحرمَّ عليهم نقضها فقال: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34]، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة: 1]، وتوجد الكثير من الأدلة في الكتاب والسنة التي تأمر بوجوب الوفاء بالعهد وتحرم نقضه، قال ابن عطية: (وكل عهد جائز بين المسلمين فنقضه لا يحلُّ) .
وقد عدَّ بعض العلماء نقض العهود من الكبائر، ومنهم الذهبي، فقد عدها كبيرة من الكبائر حيث قال: الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد .
وقال ابن حجر: (عَدُّ هذا من الكبائر هو ما وقع في كلام غير واحد) .

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:05 AM
صور نقض العهد

من صور نقض العهد :
1- نقض العهد الذي وصى الله به خلقه من فعل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال، وترك ما لا يحبه الله ولا يرضاه من الأقوال والأفعال، والذي تضمنته كتبه المنزلة، وبلَّغه رسله عليهم الصلاة والسلام، ومعنى نقض هذا العهد ترك العمل به.
2- نقض العهد الذي للإمام ونائبه على المسلمين، من وجوب الطاعة في المعروف، ونصرة دين الله عزَّ وجلَّ دون مبرر شرعي يقتضي ذلك.
3- نقض العهد الذي أعطاه الشارع الحكيم للكفار غير المحاربين، من أهل الذمة والمستأمنين، وكذلك المعاهدين، دون مبرر شرعي يقتضي ذلك، قال صلى الله عليه وسلم ((ألا من *** نفسًا معاهدة له ذمة الله وذمة رسوله، فقد أخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة، وإنَّ ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفًا)) .
4- خلف الموعد بأن يعطي موعدًا وفي نيته عدم الوفاء، أما إذا أعطى موعدًا وفي نيته الوفاء ولم يف لأمر خارج عن إرادته فلا يعد ذلك نقضًا للوعد.
نقض الحكام والولاة عهد الله بعدم تطبيقهم لشرعه والسير على منهجه.

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:06 AM
أسباب الوقوع في نقض العهد

1- ضعف الإيمان بالله.
2- النسيان.
3- الحرص على المصالح الدنيوية.
4- طول الأمد قد يتسبب في نقض العهد، كما حصل مع قوم موسى.
5- عدم وفاء الطرف الآخر بالعهد.
6- خوف الإنسان من المخلوق، ومراعاته دون خالقه.

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:09 AM
مثل لناقض العهد في القرآن

وضرب الله في ناقض العهد مثلًا فقال: وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ [النحل: 92]. فقال مثل الَّذي نقض العَهْد كَمثل الْغَزل الَّتِي نقضت تِلْكَ الْمَرْأَة الحمقاء. كان لعمرو بن كعب بن سعد بنت، تسمى ريطة، وكانت إذا غزلت الصوف أو شيئًا آخر نقضته لحمقها، فقال: ولا تنقضوا أي: لا تنكثوا العهود بعد توكيدها كما نقضت تلك الحمقاء غزلها، من بعد قوة من بعد إبرامه أنكاثًا، يعني نقضًا، فلا هو غزل تنتفع به، ولا صوف ينتفع به، فكذا الذي يعطي العهد ثم ينقضه لا هو وفى بالعهد إذا أعطاه، ولا هو ترك العهد فلم يعطه، وضرب مثلًا آخر لناقض العهد فقال: وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل: 94] أي: عهودكم بالمكر والخديعة، فتزل قدم بعد ثبوتها، يقول: إنَّ ناقض العهد يزل في دينه عن الطاعة كما تزل قدم الرجل بعد الاستقامة .

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:10 AM
نار الحلف في الجاهلية

كانوا في الجاهلية إذا أرادوا عقد حلف، أوقدوا النَّار وعقدوا الحلف عندها، ويذكرون خيرها، ويدعون بالحرمان من خيرها على من نقض العهد، وحلَّ العقد. قال العسكري: (وإنَّما كانوا يخصُّون النار بذلك؛ لأنَّ منفعتها تختص بالإنسان، لا يشاركه فيها شيءٌ من الحيوان غيره) .
قال الزمخشري: (كانوا يوقدون نارًا عند التحالف، فيدعون الله بحرمان منافعها، وإصابة مضارها على من ينقض العهد، ويخيس بالعقد، ويقولون في الحلف: الدم الدم، والهدم الهدم، لا يزيده طلوع الشمس إلا شدًّا، وطول الليالي إلا مدًّا، ما بلَّ بحر صوفة، وما أقام رضوى بمكانه) .

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:12 AM
نقض العهد عند اليهود

إنَّ تاريخ اليهود مليءٌ بصفحاته السوداء، التي تبين حالهم تجاه العهود والمواثيق، فكم مرةً نقض اليهود عقودًا عقدوها، ومواثيق أبرموها، فلا يحفظون لأحد عهدًا، ولا يرعون له وعدًا، والقرآن الكريم سطر لنا الكثير من المواقف التي نقض فيها اليهود، العهود والمواثيق مع الأنبياء والمرسلين، ولم يحترموا عهودهم مع النَّبي صلى الله عليه وسلم بل نقضوها وحاولوا ***ه أكثر من مرة، كما حاولوا إشعال نار الفتنة بين صفوف المسلمين.
قال ابن تيمية: (إن المدينة كان فيما حولها ثلاثة أصناف من اليهود، وهم: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة، وكان بنو قينقاع والنضير حلفاء الخزرج، وكانت قريظة حلفاء الأوس، فلما قدم النَّبي صلى الله عليه وسلم هادنهم، ووادعهم مع إقراره لهم، ولمن كان حول المدينة من المشركين من حلفاء الأنصار على حلفهم، وعهدهم الذي كانوا عليه، حتى أنه عاهد اليهود على أن يعينوه إذا حارب، ثم نقض العهد بنو قينقاع، ثم النضير، ثم قريظة) .
وقال ابن إسحاق: (حدَّثني عاصم بن عمر بن قتادة: أنَّ بني قينقاع كانوا أوَّل يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحاربوا فيما بين بدر وأحد. قال ابن هشام: وذكر عبد الله بن جعفر بن المسور بن مخرمة عن أبي عون قال: كان من أمر بني قينقاع أنَّ امرأة من العرب قدمت بجلب لها، فباعته بسوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ بها، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها فأبت، فعمد الصَّائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها، فلمَّا قامت انكشفت سوءتها فضحكوا بها، فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصَّائغ ف***ه، وكان يهوديًّا، وشدَّ اليهود على المسلم ف***وه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون، فوقع الشَّرُّ بينهم وبين بني قينقاع) .

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:14 AM
من أقوال الحكماء

- قالوا: من نقض عهده، ومنع رفده ، فلا خير عنده .
- وقالوا: من علامات النفاق، نقض العهد والميثاق .
- وقالوا: الغالب بالغدر مغلول، والناكث للعهد ممقوت مخذول .

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:20 AM
ذم نقض العهد في واحة الشعر

قال كعب بن زهير:

لشتَّانَ مَن يدعو فيوفي بعهدِه *** ومَن هو للعهدِ المؤكدِ خالعُ


وقال المعري:

تجنبِ الوعدَ يومًا أن تفوهَ به *** فإن وعدتَ فلا يذممك إنجازُ



واصمتْ فإنَّ كلامَ المرءِ يهلكُه *** وإن نطقتَ فإفصاحٌ وإيجازُ



وإن عجزتَ عن الخيراتِ تفعلُها *** فلا يكنْ دونَ تركِ الشرِّ إعجازُ


وقال الغطفاني:

أسميَّ ويحكِ هل سمعتِ بغدرةٍ *** رُفِع اللِّواءُ لنا، بها في مجمعِ


وقال كعب بن مالك:

فدونك واعلمْ أنَّ نقضَ عهودِنا *** أباه الملا منا الذين تبايعوا



أباه البراءُ وابنُ عمروٍ كلاهما *** وأسعدُ يأباه عليكَ ورافعُ


وقال آخر:

نقض العهدَ خائسٌ بالأمانِ *** مستحلُّ محارمِ الرحمنِ



سلبتنا الوفاءَ والحلمَ طوعًا *** فاعتلينا به بنو مروانِ



ليتني كنتُ فيهم حسب العيـ *** ـشِ طليقًا أجرُّ حبلَ الأماني



كلُّ عتبٍ تُعيرُنِيه الليالي *** فبسيفي جنيتُه ولساني


وقال آخر:

النَّاسُ من الْهوَى على أَصْنَافِ *** هَذَا نقض العَهْدِ وهذَا وافِ



هَيْهَاتَ مِن الكدورِ تبغي الصافي *** لَا يصلحُ للحضرةِ قلبٌ جَافِ


وقال آخر:

يا بني الإسلامِ مَن علَّمكم *** بعد إذ عاهدتم نقضَ العهود



كلُّ شيءٍ في الهوى مستحسنٌ *** ما خلا الغدرَ وإخلافَ الوعود

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:23 AM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg
النَّمِيمَة

معنى النَّمِيمَة لغةً واصطلاحًا

معنى النَّمِيمَة لغةً:
النَّمُّ: رَفْع الحديثِ على وجه الإشاعةِ والإفْسادِ. وقيل: تَزْيينُ الكلام بالكذب. من نمَّ يَنِمُّ ويَنُمُّ، فهو نَمومٌ ونَمَّامٌ ومِنَمٌّ، ونَمٌّ، من قَوْمٍ نَمِّينَ وأنِمَّاءَ ونُمٍّ، وهي نَمَّةٌ، ويقال للنَّمَّام القَتَّاتُ، ونَمَّامٌ مُبَالَغَةٌ، والاسمُ النَّمِيمَة، وأصل هذه المادة يدلُّ على إظهار شيء وإبرازه .
معنى النَّمِيمَة اصطلاحًا:
النَّمِيمَة: (نَـقْلُ الحديث من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرِّ) .
وعرفها الغزالي بقوله: (إفشاء السرِّ، وهتك الستر عما يكره كشفه) .
وقيل هي: (التحريش بين النَّاس والسعي بينهم بالإفساد) .

محمد رافع 52
06-12-2013, 12:25 AM
الفرق بين النَّمِيمَة وبعض الصفات

- الفرق بين الغيبة والنَّمِيمَة:
قال ابن حجر: (اختُلِفَ في الغيبة والنَّمِيمَة، هل هما متغايرتان أو متَّحدتان، والراجح التغاير، وأن بينهما عمومًا وخصوصًا وجيهًا؛ وذلك لأنَّ النَّمِيمَة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه، سواء كان بعلمه أم بغير علمه.
والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النَّمِيمَة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة.
وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركا في ما عدا ذلك.
ومن العلماء من يشترط في الغيبة أن يكون المقول فيه غائبًا، والله أعلم) .
وقال ابن حجر الهيتمي: (كل نميمة غيبة، وليس كل غيبة نميمة، فإن الإنسان قد يذكر عن غيره ما يكرهه، ولا إفساد فيه بينه وبين أحد، وهذا غيبة، وقد يذكر عن غيره ما يكرهه وفيه إفساد، وهذا غيبة، ونميمة معًا) .
- الفرق بين القتَّات والنَّمَّام:
(القتَّات والنَّمام بمعنى واحد.
وقيل: النمام الذي يكون مع جماعة يتحدثون حديثا فينم عليهم.
والقتَّات: الذي يتسمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم) .

محمد رافع 52
10-12-2013, 08:11 PM
جزاك الله خيرآ على هذه الموسوعة الراااااااائعة.
بارك الله فيك

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:13 AM
ذم النَّمِيمَة والنهي عنها (http://dorar.net/enc/akhlaq/2823)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ [القلم: 10-13].
قال ابن كثير في قوله تعالى: (مَّشَّاء بِنَمِيمٍ يعني: الذي يمشي بين الناس، ويحرش بينهم وينقل الحديث لفساد ذات البين وهي الحالقة) .
- وقال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
(قيل: اللُّمزة: النَّمَّام. عن أبي الجوزاء، قال: قلت لابن عباس: من هؤلاء؟ هم الذين بدأهم الله بالويل؟ قال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون أكبر العيب) .
وقال مقاتل: (فأما الهمزة فالذي ينمُّ الكلام إلى الناس، وهو النَّمَّام) .
- وقال تعالى: حَمَّالَةَ الْحَطَبِ [المسد: 4].
(قيل: كانت نمَّامة حمَّالة للحديث إفسادًا بين النَّاس، وسمِّيت النَّمِيمَة حطبًا؛ لأنَّها تنشر العداوة بين النَّاس، كما أنَّ الحطب ينشر النَّار.
قال مجاهد: يعني حمَّالة النَّمِيمَة، تمشي بالنَّمِيمَة) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:16 AM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة نمَّام))، وفي رواية ((قتَّات)) .
وبيَّن ابن الملقن المراد بعدم دخول الجنة للنَّمام بقوله: (وحمل على ما إذا استحل بغير تأويل مع العلم بالتحريم، أو لا يدخلها دخول الفائزين) .
قال ابن بطَّال: (قال أهل التأويل: الهمَّاز الذي يأكل لحوم الناس، ويقال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة المفرقون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت. والقتَّات: النَّمام عند أهل اللغة) .
- وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه قال: إنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أُنبئكم ما العضة؟ هي النَّمِيمَة القالة بين النَّاس)). وإنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الرَّجل يصدق حتَّى يكتب صدِّيقًا، ويكذب حتَّى يكتب كذَّابًا)) .
قال المناوي: (... ((القالة بين النَّاس)). أي: كثرة القول، وإيقاع الخصومة بينهما، فيما يحكى للبعض عن البعض، وقيل: القالة بمعنى المقولة، وزعم بعضهم أنَّ القالة هنا جمع، وهم الذين ينقلون الكلام، ويوقعون الخصومة بين الناس) .
وقال ابن عثيمين: (هي النَّمِيمَة: أن ينقل الإنسان كلام النَّاس بعضهم في بعض، من أجل الإفساد بينهم، وهي من كبائر الذنوب) .
- وعن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: ((مرَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم بقبرين، فقال: إنَّهما ليعذَّبان، وما يعذَّبان في كبير أمَّا أحدهما: فكان لا يستتر من البول، وأمَّا الآخر: فكان يمشي بالنَّمِيمَة فأخذ جريدة رطبة، فشقَّها نصفين، فغرز في كلِّ قبر واحدة فقالوا: يا رسول الله، لم فعلت هذا؟ قال: لعلَّه يخفِّف عنهما ما لم ييبسا)) .
قال ابن بطَّال: (ومعنى الحديث: الحض على ترك النَّمِيمَة) .
وقال ابن دقيق العيد: (في الحديث دليل على عظم أمر النَّمِيمَة، وأنَّها سبب العذاب، وهو محمول على النَّمِيمَة المحرَّمة) .
وقال الشوكاني: (الحديث يدلُّ على نجاسة البول من الإنسان، ووجوب اجتنابه، وهو إجماع، ويدلُّ أيضًا على عظم أمره وأمر النَّمِيمَة، وأنَّهما من أعظم أسباب عذاب القبر) .
وقال السيوطي: (قد ذكر بعضهم السرَّ في تخصيص البول، والنَّمِيمَة، والغيبة بعذاب القبر، وهو أنَّ القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب، والثواب. والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حقٌّ لله، وحقٌّ لعباده، وأوَّل ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله، الصلاة، ومن حقوق العباد، الدِّماء، وأمَّا البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصَّلاة الطهَّارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدَّماء النَّمِيمَة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما.) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:18 AM
أقوال السلف والعلماء في النَّمِيمَة

- قال رجل لعمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: (يا أمير المؤمنين، احذر قاتل الثَّلاثة، قال: ويلك، من قاتل الثَّلاثة؟ قال: الرَّجل يأتي الإمام بالحديث الكذب، في*** الإمام ذلك الرَّجل بحديث هذا الكذَّاب، ليكون قد *** نفسه، وصاحبه، وإمامه) .
- وقيل لمحمد بن كعب القرظي: أي خصال المؤمن أوضع له؟ فقال: كثرة الكلام، وإفشاء السرِّ، وقبول قول كلِّ أحد .
- وروي أنَّ سليمان بن عبد الملك كان جالسًا وعنده الزهري، فجاءه رجل فقال له سليمان: بلغني أنَّك وقعت فيَّ، وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت ولا قلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق، فقال له الزهري: لا يكون النَّمام صادقًا. فقال سليمان: صدقت، ثُمَّ قال للرجل: اذهب بسلام .
- وقال الحسن: من نمَّ إليك نمَّ عليك .
- وعن عطاء بن السَّائب، قال: قدمت من مكَّة، فلقيني الشَّعبيُّ، فقال: يا أبا زيدٍ! أطرفنا ممَّا سمعت بمكَّة، فقلت: سمعت عبد الرَّحمن بن سابطٍ يقول: لا يسكن مكَّة سافك دمٍ، ولا آكل ربًا، ولا مشَّاءٍ بنميمةٍ، فعجبت منه حين عدل النَّمِيمَة بسفك الدَّم وأكل الرِّبا، فقال الشَّعبيُّ: وما يعجبك من هذا؟! وهل يسفك الدَّم وتركب العظائم إلَّا بالنَّمِيمَة؟! .
- وقال أبو موسى الأشعري: (لا يسعى على الناس إلا ولد بغي) .
- وسعى رجل إلى بلال بن أبي بردة برجل، وكان أمير البصرة، فقال له: (انصرف حتى أكشف عنك. فكشف عنه، فإذا هو لغير رشده، يعني ولد زنا) .
- وقال قتادة: (ذكر لنا أنَّ عذاب القبر ثلاثة أثلاثٍ: ثلثٌ من الغيبة، وثلثٌ من البول، وثلثٌ من النَّمِيمَة) .
- وقال ابن حزم: (وما في جميع الناس شرٌّ من الوشاة، وهم النَّمَّامون، وإنَّ النَّمِيمَة لطبع يدلُّ على نتن الأصل، ورداءة الفرع، وفساد الطبع، وخبث النشأة، ولابد لصاحبه من الكذب؛ والنَّمِيمَة فرع من فروع الكذب، ونوع من أنواعه، وكلُّ نمام كذاب) .
- وقال أبو موسى عمران بن موسى المؤدب: (وفد على أنوشروان حكيم الهند، وفيلسوف الروم، فقال للهندي: تكلم. فقال: يا خير الناس، من ألقى سخيًّا، وعند الغضب وقورًا، وفي القول متأنيًا، وفي الرفعة متواضعًا، وعلى كل ذي رحم مشفقًا. وقام الرومي، فقال: من كان بخيلًا ورث عدوه ماله، ومن قلَّ شكره لم ينل النجاح، وأهل الكذب مذمومون، وأهل النَّمِيمَة يموتون فقراء، فمن لم يرحم سُلِّط عليه من لا يرحمه) .
- ويقال: (عمل النَّمام أضرُّ من عمل الشيطان، فإنَّ عمل الشيطان بالوسوسة، وعمل النَّمام بالمواجهة) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:20 AM
آثار النَّمِيمَة

1- طريق موصل إلى النَّار.
2- تُذْكي نار العداوة بين المتآلفين.
3- تؤذي وتضرُّ، وتؤلم، وتجلب الخصام والنُّفور.
4- عنوان الدَّناءة، والجبن، والضِّعف، والدَّسُّ، والكيد، والملق، والنِّفاق.
5- مزيلة كلُّ محبَّة، ومبعدة كلُّ مودَّة، وتآلف، وتآخ .
6- عار على قائلها، وسامعها.
7- تحمل على التجسس، وتتبع أخبار الآخرين.
8- تُؤدي إلى قطع أرزاق الآخرين.
9- تُفرِّق وتُمزِّق المجتمعات الملتئمة.
10- النَّمِيمَة تحلق الدين:
قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا أخبركم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البيِّن، فإن فساد ذات البيِّن هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدِّين)) .
11- النَّمِيمَة تمنع نزول القطر من السماء:
روى كعبٌ: أنَّه أصاب بني إسرائيل قحطٌ، فاستسقى موسى صلَّى الله عليه وسلم مرَّاتٍ فما أجيب، فأوحى الله تعالى إليه أنِّي لا أستجيب لك ولا لمن معك، وفيكم نمَّامٌ، قد أصرَّ على النَّمِيمَة، فقال موسى: يا رب من هو حتَّى نخرجه من بيننا؟ فقال: يا موسى أنهاكم عن النَّمِيمَة، وأكون نمَّامًا؟! فتابوا بأجمعهم فسُقُوا .
12- النَّمِيمَة تجعل صاحبها ذليلًا محتقرًا:
اتبع رجل حكيمًا سبعمائة فرسخ في سبع كلمات، فلما قدم عليه قال: إنِّي جئتك للذي آتاك الله تعالى من العلم، أخبرني عن السماء وما أثقل منها؟ وعن الأرض وما أوسع منها؟ وعن الصخر وما أقسى منه؟ وعن النَّار وما أحرَّ منها؟ وعن الزمهرير وما أبرد منه؟ وعن البحر وما أغنى منه؟ وعن اليتيم وما أذلَّ منه؟ فقال له الحكيم: البهتان على البريء أثقل من السموات، والحق أوسع من الأرض، والقلب القانع أغنى من البحر، والحرص والحسد أحرُّ من النار، والحاجة إلى القريب إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير، وقلب الكافر أقسى من الحجر، والنَّمام إذا بان أمره أذل من اليتيم .
13- النَّمِيمَة تحرم صاحبها دخول الجنة.
14- النَّمِيمَة تفسد الدين والدنيا:
قال أبو الفرج ابن الجوزي: (النَّمِيمَة تفسد الدين والدنيا، وتغيِّر القلوب، وتولِّد البغضاء، وسفك الدماء، والشتات) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:22 AM
حكم النَّمِيمَة

النَّمِيمَة محرَّمة في الكتاب، والسُّنة، والإجماع، وهي من كبائر الذنوب.
قال تعالى: وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ [الهمزة: 1].
وقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نَمَّام).
وقال ابن باز: (هي من الكبائر ومن أسباب البغضاء والشحناء بين المسلمين، فالواجب الحذر منها) .
وقال ابن عثيمين: (النَّمِيمَة من كبائر الذنوب، وهي سببٌ لعذاب القبر، ومن أسباب حرمان دخول الجنة) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:25 AM
أقسام النَّمِيمَة

للنَّميمة ثلاثة أقسام، وهي كما يلي:
1- النَّمِيمَة المحرمة:
هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد والإيقاع بينهم، دون وجود مصلحة شرعية في نقل الكلام.
2- النَّمِيمَة الواجبة:
وهي التي تكون للتحذير من شرٍّ واقع على إنسان ما، فيُخبر بذلك الشر ليحذره.
وقال ابن الملقن وهو يتحدث عن النَّمِيمَة: (أمَّا إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر، وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة، بل قد تكون واجبة أو مستحبة) .
قال النووي: (وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية، وإلا فهي مستحبة، أو واجبة، كمن اطلع من شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذَّره منه) .
3- النَّمِيمَة المباحة:
قال ابن كثير وهو يتحدث عن النَّمِيمَة: (فأمَّا إذا كانت على وجه الإصلاح بين النَّاس وائتلاف كلمة المسلمين، كما جاء في الحديث: ((ليس بالكذاب من يَنمَّ خيرًا)) ، أو يكون على وجه التخذيل والتفريق بين جموع الكفرة، فهذا أمر مطلوب، كما جاء في الحديث: ((الحرب خدعة)) ، وكما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين قريظة، وجاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت، وإنَّما يحذو على مثل هذا الذَّكاء والبصيرة النافذة) .
قال النَّووي: (فلو دعت إلى النَّمِيمَة حاجةٌ فلا منع منها، كما إذا أخبره أنَّ إنسانًا يريد الفتك به أو بأهله أو بماله، أو أخبر الإمام أو من له ولايةٌ بأنَّ فلانًا يسعى بما فيه مفسدةٌ، ويجب على المتولِّي الكشف عن ذلك) .
وقسَّم النَّبي صلى الله عليه وسلم قسمةً، فقال رجلٌ من الأنصار: والله ما أراد محمدٌ بهذا وجه الله، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فتمعَّر وجهه، وقال: ((رحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)) .
قال ابن بطَّال: (في هذا الحديث من الفقه أنَّه يجوز للرجل أن يخبر أهل الفضل والستر من إخوانه بما يقال فيهم مما لا يليق بهم؛ ليعرفهم بذلك من يؤذيهم من الناس وينقصهم، ولا حرج عليه في مقابلته بذلك وتبليغه له. وليس ذلك من باب النَّمِيمَة؛ لأنَّ ابن مسعود حين أخبر النَّبي عليه السلام بقول الأنصاري فيه وتجويره له في القسمة، لم يقل له: أتيت بما لا يجوز، ونممت الأنصاري، والنَّمِيمَة حرام، بل رضي ذلك عليه السلام، وجاوبه عليه بقوله: ((يرحم الله موسى، لقد أُوذي بأكثر من هذا فصبر)) ، وإنَّما جاز لابن مسعود نقل ذلك إلى النَّبي عليه السلام؛ لأنَّ الأنصاري في تجويره للنَّبي عليه السلام استباح إثمًا عظيمًا، وركب جرمًا جسيمًا، فلم يكن لحديثه حرمة، ولم يكن نقله من باب النَّمِيمَة) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:26 AM
أسباب الوقوع في النَّمِيمَة

1- أن ينشأ الفرد في بيئة دأبها النَّمِيمَة والوقيعة بين الناس، فيحاكيها ويتأثر بها.
2- الإساءة للآخرين وإيقاع الإيذاء بهم.
3- الخوض في الباطل وفضول الحديث، للترويح عن النفس.
4- عدم ردع النَّمام وزجره بل استحسان عمله ومسايرته.
5- وجود الفراغ في حياة الفرد، فيشغل وقته بالحديث عن الآخرين وذكر مساوئهم.
6- الغضب والرغبة في الانتقام.
7- تتبع عورات الناس.
8- العمل لصالح أفراد أو جهات مشبوهة.
9- ضعف الإيمان في قلب النَّمَّام وعدم الخوف من الله ونسيان عذاب القبر وعذاب النار.
10- جهل النَّمَّام بالعواقب السيِّئة للنَّميمة التي تعود على الفرد والمجتمع.
11- الحسد للآخرين، وعدم حبِّ الخير لهم.
الوسائل المعينة على ترك النَّمِيمَة:
1- توعية النَّمام بخطورة النَّمِيمَة.
2- استشعار عظمة هذه المعصية وأنَّها من الكبائر.
3- حفظ اللسان.
4- تصور خطر المصيبة التي يقترفها بإفساده للقلوب وتفريقه بين الأحبة.
5- التَّقرب إلى الله سبحانه وتعالى بكثرة الأعمال الصالحة، وتقديم رضاه على رضا المخلوقين.
6- استشعار الفرد أنَّ حفظ اللسان عن النَّمِيمَة يكون سببًا في دخوله الجنة.
7- تقوية الإيمان بالعلم النافع، والعمل الصالح.
8- عدم السماع لكلام النَّمَّام الذي ينمُّ به عن الآخرين.
9- تربية الفرد تربية إسلامية سليمة، قائمة على الآداب والتعاليم الإسلامية.
10- استغلال وقت الفراغ، بما ينفع الفرد.
11- كظم الغيظ والصبر على الغضب.
12- التأمل في سيرة السلف والاقتداء والتأسي بهم.
13- أن يعلم الفرد أنَّ الذين ينمُّ عليهم اليوم هم خصماؤه عند الله يوم القيامة.

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:27 AM
موقف المسلم من سماع النَّمِيمَة

عندما نسمع أحدًا يتكلم في أعراض الناس، وينمُّ عليهم فيجب علينا نصحه وزجره عن ذلك، فإن لم ينته فعلينا عدم الجلوس معه؛ لقول الله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام:68].
وقول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) .
(ثم احذر النَّمِيمَة وسماعها، وذلك أنَّ الأشرار يدخلون بين الأخيار في صورة النصحاء فيوهمونهم النصيحة، وينقلون إليهم في عرض الأحاديث اللذيذة أخبار أصدقائهم محرَّفة مموَّهة، حتى إذا تجاسروا عليهم بالحديث المختلق يصرحون لهم، بما يفسد مودَّاتهم ويشوه وجوه أصدقائهم، إلى أن يبغض بعضهم بعضًا) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:30 AM
ماذا يفعل من حملت إليه النَّمِيمَة؟

قال الغزالي: (كل من حملت إليه النَّمِيمَة وقيل له: إنَّ فلانًا قال فيك كذا وكذا، أو فعل في حقك كذا، أو هو يدبر في إفساد أمرك، أو في ممالاة عدوك أو تقبيح حالك، أو ما يجري مجراه؛ فعليه ستة أمور:
الأوَّل: أن لا يصدقه؛ لأنَّ النَّمام فاسق، وهو مردود الشهادة، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات: 6].
الثاني: أن ينهاه عن ذلك وينصح له، ويقبح عليه فعله، قال الله تعالى: وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ [لقمان: 17]
الثالث: أن يبغضه في الله تعالى، فإنَّه بغيض عند الله تعالى، ويجب بغض من يبغضه الله تعالى.
الرابع: أن لا تظنَّ بأخيك الغائب السوء، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ [الحجرات: 12].
الخامس: أن لا يحملك ما حكي لك على التجسس والبحث لتحقق اتباعًا لقول الله تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12].
السادس: أن لا ترضى لنفسك ما نهيت النَّمام عنه ولا تحكي نميمته؛ فتقول: فلان قد حكى لي كذا وكذا، فتكون به نمَّامًا ومغتابًا، وقد تكون قد أتيت ما عنه نهيت) .
(جاء رجل إلى علي بن الحسين رضي الله عنهما فنمَّ له عن شخص، فقال: اذهب بنا إليه، فذهب معه، وهو يرى أنه ينتصر لنفسه، فلما وصل إليه قال: يا أخي، إن كان ما قلت فيَّ حقًّا يغفر الله لي، وإن كان ما قلتَ فيَّ باطلًا يغفر الله لك) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:31 AM
قصَّة نمَّام

قال حماد بن سلمة: باع رجل عبدًا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النَّمِيمَة. قال: رضيت. فاشتراه، فمكث الغلام أيَّامًا، ثم قال لزوجة مولاه: إنَّ سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات، حتى أسحره عليها فيحبَّك. ثم قال للزَّوج: إنَّ امرأتك اتخذت خليلًا، وتريد أن ت***ك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك. فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنَّها تريد ***ه، فقام إليها ف***ها، فجاء أهل المرأة ف***وا الزَّوج، ووقع القتال بين القبيلتين .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:33 AM
النَّمِيمَة ت*** صاحبها

كان رجل يغشي بعض الملوك، فيقوم بحذاء الملك، ويقول: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء ستكفيه مساوئه، فحسده رجل على ذلك المقام والكلام، فسعى به إلى الملك، فقال: إن هذا الذي يقوم بحذائك، ويقول ما يقول يزعم أن الملك أبخر . فقال له الملك: وكيف يصحُّ ذلك عندي؟ قال: تدعو به إليك، فإذا دنا منك وضع يده على أنفه؛ لئلا يشمَّ ريح البخر. فقال له الملك: انصرف حتى أنظر، فخرج من عند الملك، فدعا الرجل إلى منزله، فأطعمه طعامًا فيه ثوم، فخرج الرجل من عنده، وقام بحذاء الملك، فقال: أحسن إلى المحسن بإحسانه، والمسيء ستكفيه مساوئه. فقال له الملك: ادن مني، فدنا منه، فوضع يده على فيه، مخافة أن يشتمَّ الملك منه ريح الثوم. فقال الملك في نفسه: ما أرى فلانًا إلا وقد صدق، وكان الملك لا يكتب بخطه إلا جائزة أو صلة، فكتب له كتابًا بخطه إلى عامل من عماله: إذا أتاك حامل كتابي هذا، فا***ه، واسلخه، واحش جلده تبنًا، وابعث به إليَّ. فأخذ الرجل الكتاب، وخرج، فلقيه الرجل الذي سعى به، فقال: ما هذا الكتاب؟ قال: خط الملك لي بصلة، فقال: هبه لي. فقال: هو لك، فأخذه، ومضى إلى العامل، فقال العامل: في كتابك: أن أ***ك، وأسلخك، قال: إنَّ الكتاب ليس هو لي، الله الله في أمري حتى أرجع إلى الملك، فقال: ليس لكتاب الملك مراجعة. ف***ه، وسلخه، وحشا جلده تبنًا، وبعث به، ثم عاد الرجل إلى الملك كعادته، وقال مثل قوله، فعجب الملك وقال: ما فعل الكتاب؟ قال: لقيني فلان، فاستوهبني إيَّاه، فوهبته له، فقال الملك: إنَّه ذكر لي أنك تزعم أني أبخر. قال: ما فعلت، قال: فلم وضعت يدك على فيك؟ قال: كان أطعمني طعامًا فيه ثوم، فكرهت أن تشمه. قال: صدقت، ارجع إلى مكانك، فقد كفاك المسيء مساوئه .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:36 AM
خدمٌ في بريد الشيطان

سعى رجل بزياد الأعجم إلى سليمان بن عبد الملك، فجمع بينهما للموافقة، فأقبل زياد على الرجل وقال:

فأنت امرؤ إما ائتمنتك خاليًا --- فخنت وإما قلت قولًا بلا علم



فأنت من الأمر الذي كان بيننا --- بمنزلة بين الخيانة والإثم


وقال رجل لعمرو بن عبيد: إن الأسواري ما يزال يذكرك في قصصه بشرٍّ. فقال له عمرو: يا هذا، ما رعيت حق مجالسة الرجل، حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدَّيت حقِّي، حين أعلمتني عن أخي ما أكره، ولكن أعلمه أنَّ الموت يعمُّنا، والقبر يضمُّنا، والقيامة تجمعنا، والله تعالى يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين.
ورفع بعض السعاة إلى الصاحب بن عبَّاد رقعة نبَّه فيها على مال يتيم يحمله على أخذه لكثرته، فوقع على ظهرها: السعاية قبيحة، وإن كانت صحيحة، فإن كنت أجريتها مجرى النصح، فخسرانك فيها أفضل من الربح، ومعاذ الله أن نقبل مهتوكًا في مستور، ولولا أنَّك في خفارة شيبتك، لقابلناك بما يقتضيه فعلك في مثلك، فتوق يا ملعون العيب، فإنَّ الله أعلم بالغيب، الميِّت رحمه الله، واليتيم جبره الله، والمال ثمره الله، والساعي لعنه الله .
وصيَّة:
(قال لقمان لابنه يا بني، أوصيك بخلال، إن تمسكت بهن لم تزل سيدًا، ابسط خلقك للقريب والبعيد، وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم، واحفظ إخوانك، وصل أقاربك، وآمنهم من قبول قول ساع، أو سماع باغ، يريد فسادك، ويروم خداعك، وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك، لم تعبهم ولم يعيبوك) .
فائدة:
قال بعض العلماء: (يُفسدُ النَّمَّام في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر، ولترغيب الشارع في الإصلاح بين الناس أباح الكذب فيه، ولزجره على الإفساد حرم الصدق فيه) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:38 AM
حكم وأمثال في النَّمِيمَة

- النَّمِيمَة أرثة العداوة
الأرثة والإراث: اسم لما تؤرث به النَّار، أي: النَّميمة وقود نار العداوة
- (وقيل في منثور الحكم: النَّمِيمَة سيفٌ قاتلٌ.
- وقال بعض الأدباء: لم يمش ماشٍ شرٌّ من واشٍ.
- وقال بعض الحكماء: السَّاعي بين منزلتين قبيحتين: إمَّا أن يكون صدق فقد خان الأمانة، وإمَّا أن يكون قد كذب فخالف المروءة.
- وقال بعض الحكماء: الصِّدق يزيِّن كلِّ أحدٍ إلَّا السَّعاة، فإنَّ السَّاعي أذمُّ وآثم ما يكون إذا صدق) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:49 AM
ذم النَّمِيمَة في واحة الشعر
قال أحد الشعراء:


تنحَّ عن النَّمِيمَةِ واجتنبْها --- فإنَّ النمَّ يحبطُ كلَّ أجـرِ



يثيرُ أخو النَّمِيمَةِ كلَّ شرٍّ --- ويكشفُ للخلائقِ كلَّ سرِّ



وي***ُ نفسَه وسواه ظلمًا --- وليس النَّمُّ مِن أفعالِ حُرِّ



ولقد أحسن من قال:


عجبتُ لواشٍ ظلَّ يكشفُ أمرَنا --- وما بسوى أخبارِنا يتنفسُ



وماذا عليه من عنائي ولوعتي --- أنا آكلُ الرمانَ والوُلدُ تضرسُ



ورحم الله من قال:


وفي النَّاس من يغري الورَى بلسانِه --- وبين البرايا للنَّميمةِ يحملُ



يرى أنَّ في حملِ النَّمِيمَةِ مكسبًا --- تراه بها بين الورَى يتأكَّلُ



وقال آخر:


ويحرمُ بهتٌ واغتيابٌ نميمةٌ --- وإفشاءُ سرٍّ ثم لعنٌ مقيد



وقال آخر:


لا تقبلـنَّ نميمـةً بُلِّغتَهـا --- وتحفَظَّنَّ مِن الذي أنبأكها



إنَّ الذي أهدى إليك نميمةً --- سينمُّ عنك بمثلِها قد حاكها



ورحم الله من قال:


من نمَّ في الناسِ لم تؤمنْ عقاربُه --- على الصديقِ ولم تؤمنْ أفاعيه



كالسيلِ بالليلِ لا يدري به أحدٌ --- من أين جاء ولا من أين يأتيه



الويلُ للعهدِ منه كيف ينقضُه --- والويلُ للودِّ منه كيف يُفنيه



وقال آخر:


إذا الواشي نعى يومًا صديقًا --- فلا تدعِ الصديقَ لقولِ واشي



وقال آخر:


يسعى عليك كما يسعى إليك فلا --- تأمنْ غوائلَ ذي وجهين كياد



وقال صالح بن عبد القدوس:


من يخبرك بشتمٍ عن أخٍ --- فهو الشاتمُ لا مَن شتمك



ذاك شيءٌ لم يواجهْك به --- إنَّما اللومُ على مَن أعلمك



وقال آخر:


إن يعلموا الخيرَ أخفوه وإن علموا --- شرًّا أذاعوا وإن لم يعلموا كذبوا



وقال آخر:


إن يسمعوا ريبةً طاروا بها فرحًا --- مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا



صمٌّ إذا سمعوا خيرًا ذكرت به --- وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:52 AM
http://dorar.net/images/headers/akhlaq.jpg
الوَهن
معنى الوَهن لغةً واصطلاحًا

معنى الوَهن لغةً:
الوَهن: الضَّعف في العَمَل والأمر، وكذلك في العَظْم ونحوه، تقول: قد وَهَنَ العَظْمُ يَهِن وَهْنًا وأَوْهَنَه يُوْهِنُه، ورجلٌ واهِنٌ في الأمر والعَمَل، ومَوْهُون في العَظْم والبَدَن، وقد وَهَنَ الإنسانُ، ووَهَنَهُ غيره. يتعدَّى ولا يتعدَّى. ووَهِنَ -أيضًا- وَهْنًا، أي ضَعُفَ. وأَوْهَنْتُهُ -أيضًا- ووَهَّنْتُهُ تَوْهينًا .
معنى الوَهن اصطلاحًا:
(الوَهْن والوَهَن- مُحرَّكة- الضَّعف في العَمَل، وقيل: الضَّعف مِن حيثُ الخَلْق والخُلُق) .
وقيل: (الوَهَن: استيلاء الخوف على النَّاس) .
وقيل: (الوَهَن: ضعف يلحق القلب، والضَّعف مطلقًا اختلال القوَّة الجسمية) .

محمد رافع 52
12-12-2013, 10:56 AM
الفرق بين الضَّعف والوَهَن

هناك فرق بين الضَّعف والوَهَن، وفي ذلك قال أبو هلال العسكري:
(إنَّ الضَّعف ضدُّ القوَّة، وهو مِن فعل الله تعالى، كما أنَّ القوَّة مِن فعل الله، تقول: خلقه الله ضعيفًا، أو خلقه قويًّا. وفي القرآن: وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا [النَّساء: 28]، والوَهَن: هو أن يفعل الإنسان فِعْل الضَّعيف، تقول: وَهَن في الأمر يَهِن وَهْنًا. وهو وَاهِن إذا أخذ فيه أخذ الضَّعيف، ومنه قوله تعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ [آل عمران: 139]، أي: لا تفعلوا أفعال الضُّعفاء وأنتم أقوياء على ما تطلبونه بتذليل الله إيَّاه لكم.
ويدلُّ على صحَّة ما قلنا أنَّه لا يُقَال: خلقه الله واهِنًا، كما يقال: خلقه الله ضعيفًا، وقد يُسْتَعمل الضَّعف مكان الوَهَن مجازًا في مثل قوله تعالى: وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ [آل عمران: 146]، أي: لم يفعلوا فعل الضَّعيف.
ويجوز أن يقال: إنَّ الوَهَن هو انكسار الجسد بالخوف ونحوه، والضَّعف نقصان القوَّة، وأما الاستكانة فقيل: هي إظهار الضَّعف، قال الله تعالى: وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ أي:لم يضعفوا بنقصان القوَّة ولا استكانوا بإظهار الضَّعف عند المقاومة.) .

Dark Tulip
12-12-2013, 11:34 AM
http://www.al-7up.com/vb/imgcache/2/179346love.gif

محمد رافع 52
12-12-2013, 08:53 PM
http://www.al-7up.com/vb/imgcache/2/179346love.gif
شكراااااااً
جزاك الله عنا خيراً

أبو سارة وأميرة
15-12-2013, 04:18 PM
بارك الله فيكم

محمد رافع 52
16-12-2013, 01:02 AM
بارك الله فيكم
جزاكم الله عنا خيراً

محمد رافع 52
23-12-2013, 10:34 PM
ذَمُّ الوَهَن والنَّهي عنه (http://dorar.net/enc/akhlaq/2858)
أولًا: في القرآن الكريم


وردت آيات في القرآن الكريم تنفي صفة الوَهَن عن المؤمنين، وآيات في ذَمِّ الوَهَن، ومِن ذلك ما يلي:
- قال تعالى: وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ [آل عمران: 146].
قال الطَّبري في تفسير هذه الآية: (يعني بقوله -تعالى ذكره-: فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ، فما عجزوا لما نالهم مِن أَلَم الجراح الذي نالهم في سبيل الله، ولا ل*** مَن قُتِل منهم، عن حرب أعداء الله، ولا نَكَلوا عن جهادهم: وَمَا ضَعُفُواْ، يقول: وما ضَعُفَت قواهم ل*** نبيِّهم: وَمَا اسْتَكَانُواْ، يعني وما ذَلُّوا فيتخشَّعوا لعدوِّهم بالدُّخول في دينهم ومداهنتهم فيه خِيفَة منهم، ولكن مضوا قُدُمًا على بصائرهم ومنهاج نبيِّهم، صبرًا على أمر الله وأمر نبيِّهم، وطاعة لله واتِّباعًا لتنزيله ووحيه) .
وقال البيضاوي: (فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ [آل عمران: 146]، فما فتروا ولم ينكسر جِدُّهم لما أصابهم مِن *** النَّبيِّ أو بعضهم. وما ضعفوا عن العدو أو في الدِّين. وما استكانوا وما خضعوا للعدو) .
(وكم من نبي قاتلت معه جماعات كثيرة. فما ضعفت نفوسهم لما أصابهم مِن البلاء والكرب والشِّدَّة والجراح. وما ضَعُفَت قواهم عن الاستمرار في الكفاح، وما استسلموا للجزع ولا للأعداء.. فهذا هو شأن المؤمنين، المنافحين عن عقيدة ودين..
وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران: 146].. الذين لا تضعف نفوسهم، ولا تتضَعْضَع قواهم، ولا تلين عزائمهم، ولا يستكينون أو يستسلمون.. والتَّعبير بالحبِّ مِن الله للصَّابرين له وقعه، وله إيحاؤه؛ فهو الحبُّ الذي يأسو الجراح، ويمسح على القَرْح، ويعوِّض ويَـرْبُو عن الضُّرِّ والقَرْح، والكفاح المرير) .
- وقال تعالى: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران: 139].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: (قال الله تعالى مسلِّيًا للمؤمنين: وَلاَ تَهِنُوا أي: لا تضعفوا بسبب ما جرى، وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ أي: العاقبة والنُّصرة لكم أيُّها المؤمنون) .
(فقوله سبحانه: وَلاَ تَهِنُوا (مِن الوَهَن والضَّعف، وَلاَ تَحْزَنُوا لما أصابكم ولما فاتكم، وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ.. عقيدتكم أعلى؛ فأنتم تسجدون لله وحده، وهم يسجدون لشيء مِن خلقه أو لبعضٍ مِن خلقه! ومنهجكم أعلى؛ فأنتم تسيرون على منهج مِن صنع الله، وهم يسيرون على منهج مِن صنع خلق الله! ودَوْرُكم أعلى، فأنتم الأوصياء على هذه البشريَّة كلِّها، الهداة لهذه البشريَّة كلِّها، وهم شاردون عن النَّهج، ضالُّون عن الطَّريق. ومكانكم في الأرض أعلى، فلكم وِرَاثة الأرض التي وعدكم الله بها، وهم إلى الفناء والنِّسيان صائرون.. فإن كنتم مؤمنين حقًّا فأنتم الأعلون. وإن كنتم مؤمنين حقًّا فلا تهنوا ولا تحزنوا. فإنَّما هي سنَّة الله أن تُصَابوا وتُصِيبُوا، على أن تكون لكم العقبى بعد الجهاد والابتلاء) .
- ويقول تبارك وتعالى:فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35].
قال الكيا الهراسي: (فيه دليل على منع مهادنة الكفَّار إلَّا عند الضَّرورة، وتحريم ترك الجهاد إلَّا عند العَجْز عن مقابلتهم، لضعفٍ يكون بالمسلمين) .
(فهذا هو الذي يحذِّر المؤمنين إيَّاه، ويضع أمامهم مصير الكفَّار المشاقِّين للرَّسول؛ ليحذروا شبحه مِن بعيد! وهذا التَّحذير يشي بوجود أفراد مِن المسلمين كانوا يستثقلون تكاليف الجهاد الطَّويل ومشقَّته الدَّائمة، وتهن عزائمهم دونه، ويرغبون في السِّلم والمهادنة ليستريحوا مِن مشقَّة الحروب. وربَّما كان بعضهم ذوي قرابة في المشركين ورحم، أو ذوي مصالح وأموال وكان هذا يجنح بهم إلى السِّلم والمهادنة. فالنَّفس البشريَّة هي هي؛ والتَّربية الإسلاميَّة تعالج هذا الوَهَن وهذه الخواطر الفطريَّة بوسائلها. وقد نجحت نجاحًا خارقًا. ولكن هذا لا ينفي أن تكون هناك رواسب في بعض النُّفوس، وبخاصَّة في ذلك الوقت المبكِّر مِن العهد المدني. وهذه الآية بعض العلاج لهذه الرَّواسب. فلننظر كيف كان القرآن يأخذ النُّفوس. فنحن في حاجة إلى تحرِّي خطوات القرآن في التَّربية، والنُّفوس هي النُّفوس:
فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35].. أنتم الأعلون. فلا تهنوا وتدعوا إلى السِّلم. وأنتم الأعلون اعتقادًا وتصوُّرًا للحياة. وأنتم الأعلون ارتباطًا وصلةً بالعلي الأعلى. وأنتم الأعلون منهجًا وهدفًا وغايةً. وأنتم الأعلون شعورًا وخلقًا وسلوكًا.. ثمَّ.. أنتم الأعلون قوَّة ومكانًا ونصرةً. فمعكم القوَّة الكبرى: وَاللَّهُ مَعَكُمْ.. فلستم وحدكم. إنَّكم في صحبة العلي الجبَّار القادر القهَّار. وهو لكم نصير حاضر معكم. يدافع عنكم. فما يكون أعداؤكم هؤلاء والله معكم؟! وكلُّ ما تبذلون، وكلُّ ما تفعلون، وكلُّ ما يصيبكم مِن تضحيات محسوبٌ لكم، لا يضيع منه شيء عليكم:
وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ.. ولن يقطع منها شيئًا لا يصل إليكم أثره ونتيجته وجزاؤه.
فعلام يهن ويضعف ويدعو إلى السِّلم مَن يقرِّر الله سبحانه له أنَّه الأعلى، وأنَّه معه، وأنَّه لن يفقد شيئًا مِن عمله؟! فهو مكرَّم منصور مأجور) .

محمد رافع 52
23-12-2013, 10:36 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

وردت أحاديث في السُّنَّة النَّبويَّة في ذَمِّ الوَهَن، منها:
- عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السَّيل، ولينزعنَّ الله مِن صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قلوبكم الوَهَن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حبُّ الدُّنيا، وكراهية الموت)) .
قال العظيم آبادي في شرح هذا الحديث: (... ((يوشك الأمم)). أي يَقْرُب فِرَق الكفر وأمم الضَّلالة. ((أن تداعى عليكم)). أي: تتداعى، بأن يدعو بعضهم بعضًا لمقاتلتكم، وكسر شوكتكم، وسلب ما ملكتموه مِن الدِّيار والأموال. ((كما تداعى الأكلة)). أي: يَقْرُب أنَّ فِرَق الكفر وأمم الضَّلالة... يدعو بعضهم بعضًا إلى الاجتماع لقتالكم وكسر شوكتكم؛ ليغلبوا على ما ملكتموها مِن الدِّيار، كما أنَّ الفئة الآكلة يتداعى بعضهم بعضًا إلى قصعتهم التي يتناولونها مِن غير مانع، فيأكلونها صفوًا مِن غير تعب. ((ومِن قلَّة)). أي: أنَّ ذلك التَّداعي لأجل قلَّة نحن عليها يومئذ. ((كثير)). أي: عددًا، وقليل مددًا. ((ولكنَّكم غُثَاء كغُثَاء السَّيل)). ما يحمله السَّيل مِن زَبَد ووَسَخ؛ شبَّههم به لقلَّة شجاعتهم ودناءة قدرهم. ((ولينزعنَّ)). أي: ليخرجنَّ. ((المهابة)). أي: الخوف والرُّعب. ((وليقذفنَّ)). أي: وليرمينَّ الله. ((الوَهن)). أي: الضَّعف، وكأنَّه أراد بالوَهن ما يوجبه، ولذلك فسَّره بحبِّ الدُّنيا وكراهة الموت. ((وما الوَهن؟)) أي: ما يوجبه وما سببه؟ قال الطيبيُّ رحمه الله: سؤالٌ عن نوع الوَهن، أو كأنَّه أراد منِ أي وجه يكون ذلك الوَهن. ((قال: حبُّ الدُّنيا وكراهية الموت)). وهما متلازمان، فكأنَّهما شيء واحد، يدعوهم إلى إعطاء الدَّنيَّة في الدِّين مِن العدو المبين، ونسأل الله العافية) .
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزَّرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)) .
قال المناويُّ شارحًا هذا الحديث: (... ((إذا تبايعتم بالعينة)). أن يبيع سلعةً بثمن لأجَل ثمَّ يشتريها منه بأقلَّ منه. ((وأخذتم أذناب البقر)). كناية عن الاشتغال بالحرث. ((ورضيتم بالزَّرع)). أي: بكونه همَّتكم ونهمتكم. ((وتركتم الجهاد)). أي: غزو أعداء الدِّين. ((سلَّط الله عليكم ذلًّا)). ضعفًا واستهانةً. ((لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)). أي: إلى الاهتمام بأمور دينكم، جعل ذلك بمنزلة الرِّدَّة والخروج عن الدِّين لمزيد الزَّجر والتَّهويل) .

محمد رافع 52
23-12-2013, 10:37 PM
آثار الوَهن

1- سببٌ مِن أسباب التَّعرُّض لبغض الله سبحانه وتعالى وبغض رسوله صلى الله عليه وسلم.
2- سببٌ لتسلُّط العدوِّ على الأمَّة وتكالبه عليها، وإذلالها، ونهب خيراتها، والتَّعرُّض لمقدَّساتها.
3- الوَهن ي*** الغيرة، ويهوِّن أمرها، ويسهِّل هتك الأعراض و****** الحقوق، والتَّعدِّي على الحرمات والأموال.
4- سببٌ في ضياع الأمَّة وتشرذمها وذهاب ريحها، وتفرُّق أبنائها، واختلاف قادتها.
5- الوَهن سبب لدمار الأرض، وخرابها، وإهلاك الحرث والنَّسل؛ وذلك بسبب تسلُّط المتجبِّرين وطغيانهم.

محمد رافع 52
23-12-2013, 10:39 PM
أسباب الوَهَن

1- ضعف الإيمان، فهو سببٌ لاستمراء الهوان، والرِّضا بالذُّلِّ.
2- حبُّ الدُّنيا والتعلُّق بها والحرص عليها، والانغماس في ملذَّاتها وشهواتها، كلُّ ذلك يولِّد الوَهَن في القلب؛ لذا لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوَهن قال: ((حبُّ الدُّنيا وكراهية الموت)).
3- كراهية الموت.. والحرص على حياة، أي حياة كانت، حتى لو غُمِسَت بذُلٍّ، وكُسِيت بعارٍ، وهذه صفةٌ مِن صفات اليهود الأذلَّة، ومَن اتَّصف بها كان مشابهًا لهم فيها، قال الله تبارك وتعالى: وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البقرة: 96].
4- التَّنازع والاختلاف سببٌ قويٌّ مِن أسباب بثِّ الوَهن والضَّعف في قلب الأمَّة.
5- التَّربية السَّيِّئة، والتَّنشئة الخاطئة، على الرضا بالذُّل والضَّعف والوَهَن.
6- اليأس مِن الوضع المرير الذي تعيشه الأمَّة، والقنوط مِن واقعها مِن الأسباب التي تؤدِّي إلى وهن العزائم وضعف الهمم.
7- مصاحبة المخذِّلين، والاستماع للمرجفين.

محمد رافع 52
23-12-2013, 10:41 PM
الأسباب المعينة على التخلص من الوهن

1- تقوية الإيمان وزيادته، فالإيمان جذوة تتَّقد في قلب المؤمن فتطرد منه الوَهن، وتشدُّ مِن عزمه وعزيمته.
قال الواحديُّ في تفسيره: (إنَّ الإيمان يوجب ما ذُكِر مِن ترك الوَهن والحزن، أي: مَن كان مؤمنًا يجب أن لا يَهِن ولا يحزن لثقته بالله عزَّ وجلَّ) .
2- الزُّهد في الدُّنيا وعدم التَّعلُّق بها، والتَّزوُّد منها بزاد المسافر، فذلك حريٌّ أن يقوِّي القلب، ويُبْعِد عنه الوَهن.
3- الاستعداد للموت بالعمل الصالح، وتحديث النفس بالشهادة في سبيل الله.
4- عدم استعجال النَّصر والتَّمكين، والصَّبر على الابتلاء، واليقين بنصر الله وإعزازه لجنده، وتمكينه لأوليائه.
5- مقارنة الحال -عند الإصابة والابتلاء- بأحوال الأعداء، ومعرفة أنَّ ما أصاب المسلمين مِن الألم قد أصاب الأعداء مثله، إلَّا أنَّهم يتميَّزون عنهم أنَّهم يرجون مِن الله ما لا يرجون، فالمؤمنون عند تساويهم مع أعدائهم في درجة الألم، يتمتَّعون بقوَّة إيمانهم، ونُبْل مسلكهم، وانتظار الظَّفر أو الجنَّة، قال تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [النَّساء: 104].
6- طرد الخوف مِن القلب، والتَّحلِّي بالشَّجَاعَة، مهما كانت قوَّة العدو، وتفوُّقهم عُدَّة وعتادًا، فكيد الكافرين مهما كان قويًّا فإنَّ الله عزَّ وجلَّ مُوهِنه ومُضْعِفه: ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ [الأنفال: 18].
اليقين بعلوِّ هذا الدِّين، علوًّا بنصرة الله له، وتمكينه لأهله، فإذا عرف المؤمن ذلك استنكف أن يعطي الدَّنيَّة في دينه، أو أن يدعو إلى السِّلم والموادعة، أو أن يَذِلَّ لعدوٍّ مهما كانت قوَّته وجبروته: فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ [محمد: 35].

محمد رافع 52
23-12-2013, 10:42 PM
أقوال وأمثال عن الوَهَن

- قال بعض الحكماء: (لا تشاور إلَّا الحازم غير الحسود، واللَّبيب غير الحقود، وإيَّاك ومشاورة النِّساء؛ فإنَّ رأيهنَّ إلى الأَفْن ، وعزمهنَّ إلى الوَهن) .
- ويقال: (لا تخلط يقينك بالشَّكِّ؛ فيفسد عليك العزم، ولا توقف عملك على الشَّكِّ؛ فيدخل عليك الوَهن) .
- ومِن أمثالهم في الوَهِن الضَّعيف قولهم:
- ما له بِذْمٌ. وما له صَيُّورٌ. وما له أكلٌ. أي: ليس له رأي ولا قوَّة .
- (رأس اللَّئيم يحتمل الوَهن، ولا يحتمل الدهن) .

محمد رافع 52
23-12-2013, 10:56 PM
ذم الوَهن في واحة الشِّعر
قال الملتمس:


مَن كان ذا عَضُدٍ يدرك ظلامتَه --- إنَّ الذَّليلَ الذي ليست له عَضُدُ



تنبو يداه إذا ما قلَّ ناصرُه --- ويمنعُ الضَّيمَ إن أثرى له عددُ



ولا يقيمُ على ضيمٍ يُسَامُ به --- إلَّا الأذلَّان: عِيرُ الحيِّ والوتدُ



هذا على الخسفِ مربوطٌ برمَّتِه --- وذا يُشَجُّ فلا يرثي له أحدُ



إنَّ الهوانَ حمارُ الأهلِ يعرفُه --- والحرُّ ينكرُه والجَسْرَةُ الأجُد



وقال الشَّريف المرتضى:


يا طالبَ الدُّنيا على ذلٍّ بها --- اعززْ عليَّ بأن أراك ذليلًا



ما لي أراك حَلُمتَ في طلبِ الغنى --- ولربَّما صغرتْ يداك ثقيلًا



لو كنتَ تعقلُ أو تشاورُ عاقلًا --- كان الكثيرُ وقد ذللت قليلًا



ذَلَّ امرؤٌ جعل المذلَّةَ دهرَه --- طلبَ المغانمِ منزلًا مأهولًا



عدَّ المطامعَ كيف شئتَ وخذْ بها --- ملءَ اليدين مِن العفافِ بديلًا



وإِذا فجعْتَ بماءِ وجهِكَ لم يُفدْ --- إن نلتَ مِن أيدي الرِّجالِ جزيلًا



وقال -أيضًا-:


إذا شئتَ أن تلقَى الهوانَ فلُذْ بمن --- يُرْجَى لنفعٍ أو لدفعِ مضرَّةِ



فهامُ الرِّجالِ الآنفين عزيزةٌ --- إن حُمِّلتَ منًّا لذي المنِّ ذلَّتِ



وعدِّ عن الأطماعِ فهي مذلَّةٌ --- ولو خالطتْ شُمَّ الجبالِ لخَرَّتِ



فويلٌ لنفسٍ حُلِّئَت عن مرامِها --- وويلٌ لنَفسٍ أُعطيت ما تمنَّتِ



وليس بخافٍ قبحُ حرصٍ على غنى --- ولكنْ عقولٌ بالضَّراعةِ جُنَّتِ .



وقال آخر:


إنَّ الأذلَّةَ واللِّئامَ معاشرٌ --- مولاهم متهضَّمٌ مظلومُ



فإذا أهنتَ أخاك أو أفردتَه --- عمدًا فأنت الواهِنُ المذمومُ .

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAgQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=UaO4Urz8KNCw7Aaeq4C4Bw&psig=AFQjCNFtYCiRvbx-DVCkXZxt8IqZlVAreA&ust=1387918545728664)

محمد رافع 52
23-12-2013, 10:58 PM
اليأْس والقنوط

معنى اليأْس والقنوط لغةً واصطلاحًا

معنى اليأْس لغةً:
اليأْس: القنوط، وقيل: اليأْس نقيض الرجاء أو قطع الأمل، يئس من الشيء ييأس وييئس؛ والمصدر اليأْس واليآسة واليأَس، وقد استيأس وأيأسته وإنه ليائس ويئِس ويؤوس ويَؤُس، والجمع يُؤُوس .
معنى اليأْس اصطلاحًا:
قال العسكري: (اليأْس: انقطاع الطمع من الشيء) .
وقال ابن الجوزي: (اليأْس: القطع على أنَّ المطلوب لا يتحصل لتحقيق فواته) .
معنى القنوط لغةً:
أصل هذه المادة يدُلُّ عَلَى الْيَأْسِ مِنَ الشَّيْءِ، فالقُنُوط: اليأْس، وقيل: أَشدُّ اليأْس من الشَّيْءِ. مصدر قَنَط يَقنِطُ (من باب ضرب) ويَقنُطُ (من باب قعد)، وقَنِطَ يقنَط (من باب تعب)، وهو قانِطٌ وقَنُوط وقنِط .
معنى القنوط اصطلاحًا:
قال الشوكاني: (القنوط: الإياس من الرَّحمة) .
وقيل: (القنوط: شدَّة اليأْس من الخير) .

محمد رافع 52
23-12-2013, 11:00 PM
الفرق بين اليأْس والقنوط والخيبة

- الفرق بين اليأْس والقنوط:
أكثر العلماء على أنهما بمعنى واحد .
ويرى بعض العلماء أن بينهما اختلافًا، وأن القنوط: أتم اليأس وأشده .
وقيل: إن اليأس من منعات القلب، والقنوط ظهور آثاره على ظاهر البدن .
- الفرق بين اليأْس والخيبة:
1- الخيبة لا تكون إلا بعد أمل، لأنها امتناع نيل ما أمل.
2- اليأْس: قد يكون قبل الأمل، وقد يكون بعده .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:23 AM
ذم اليأْس والقنوط والنهي عنهما (http://dorar.net/enc/akhlaq/2878)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [الحجر: 55-56].
قال الطبري: (قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقِّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلامًا عليمًا، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى،.. فقال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطؤوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله) ((جامع البيان)) (17/113). .
قال الواحدي: (فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ: من الآيسين، والقنوط: اليأْس من الخير. قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [الحجر: 56]. قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدلُّ على أنَّ إبراهيم لم يكن قانطًا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطًا، فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنَّ القانط من رحمة الله ضالٌّ) ((الوسيط في تفسير القرآن المجيد)) (3/47). .
- وقال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36].
(يخبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرَّخاء والشدة؛ أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة، وغنى، ونصر، ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي: حال تسوؤهم وذلك بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ من المعاصي، إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/642). .
قال الماوردي: (إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأْس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن) ((النكت والعيون)) (4/315). .
قال البغوي: (إذا هم يقنطون، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة) ((معالم التنزيل)) للبغوي (3/579)، ((المحرر الوجيز)) لابن عطية (4/338). .
- وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر: 53].
(لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، وال***، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (1/727). .
- وقال تعالى: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى: 28].
قال ابن كثير: (وقوله: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا أي: من بعد إياس الناس من نزول المطر، ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله: وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ [الروم: 49]. وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ أي: هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله) ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (7/206-207). .
- وقال تعالى: لا يَسْأَمُ الإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت: 49].
قال الطبري: (فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌيقول: فإنه ذو يأس من روح الله وفرجه، قنوط من رحمته، ومن أن يكشف ذلك الشر النازل به عنه) ((جامع البيان)) للطبري (21/490). .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:25 AM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلِّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلِّ الَّذي عند الله من الرَّحمة، لم ييأس من الجنَّة، ولو يعلم المسلم بكلِّ الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النَّار)) .
قال بدر الدين العيني: (... ((لم ييأس من الجنة)) من اليأْس وهو القنوط.. وقوله: ((لم ييأس من الجنة)) قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة) .
- وعَنْ أَبِي هُـرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسلم: ((لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد)) .
قال المباركفوري: (إن المؤمن قد اختص بأن يطمع في الجنة، فإذا انتفى الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفى القنوط عنه فقد انتفى عن الكل. وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:27 AM
أقوال السلف والعلماء في اليأْس والقنوط

- قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الفقيه حقُّ الفقيه: من لم يُقنِّط النَّاس من رحمة الله، ولم يرخِّص لهم في معاصي الله، ولم يؤمِّنهم من عذاب الله) .
- وقال ابن مسعود: (الهلاك في اثنتين، القنوط، والعجب) .
- وقال أيضًا: (الكبائر ثلاث: اليأْس من رَوْح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله) .
- وقال محمد بن سيرين: (الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى) .
- وقال أيضًا: (لا تيأس فتقنط فلا تعمل) .
- وقال سفيان بن عيينة: (من ذهب يقنِّط الناس من رحمة الله، أو يقنِّط نفسه فقد أخطأ) .
- وقال الطحاوي: (الأمن والإياس ينقلان عن ملة الإسلام، وسبيل الحق بينهما لأهل القبلة) .
- وقال البغوي: (القنوط من رحمة الله كبيرة، كالأمن من مكره) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:31 AM
آثار اليأْس والقنوط

1- اليأْس والقنوط من صفات الكافر والضال:
قال الله تعالى: قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [الحجر: 56].
وقال: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
قال السعدي: (يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان، أنه جاهل ظالم بأنَّ الله إذا أذاقه منه رحمة كالصحة والرزق، والأولاد، ونحو ذلك، ثم نزعها منه، فإنه يستسلم لليأس، وينقاد للقنوط) .
قال ابن عطية: (اليأْس من رحمة الله وتفريجه، من صفة الكافرين) .
2- اليأْس والقنوط ليس من صفات المؤمنين:
قال البغوي: (إذا هم يقنطون، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن فإنه يشكر الله عند النعمة، ويرجو ربه عند الشدة) .
قال القاسمي: (الجزع واليأْس من الفرج عند مسِّ شر قضى عليه. وكل ذلك مما ينافي عقد الإيمان) .
3- اليأْس والقنوط فيه تكذيب لله ولرسوله:
قال ابن عطية: (اليأْس من رحمة الله، وتفريجه من صفة الكافرين. إذ فيه إمَّا التكذيب بالربوبية، وإمَّا الجهل بصفات الله تعالى) .
قال القرطبي: (اليأْس من رحمة الله،.. فيه تكذيب القرآن، إذ يقول وقوله الحق: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ [الأعراف: 156] وهو يقول: لا يغفر له، فقد حجَّر واسعًا. هذا إذا كان معتقدًا لذلك، ولذلك قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87] ، وبعده القنوط، قال الله تعالى: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ [الحجر: 56]) .
4- اليأْس فيه سوء أدب مع الله سبحانه وتعالى:
فـ(الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله، التي سبقت غضبه، وجهل بها) .
5- اليأْس سبب في الوقوع في الكفر والهلاك والضلال:
قال القاسمي: وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا[الإسراء: 83] إشارة إلى السبب في وقوع هؤلاء الضالين في أودية الضلال. وهو حب الدنيا وإيثارها على الأخرى، وكفران نعمه تعالى. بالإعراض عن شكرها، والجزع واليأْس من الفرج عند مسِّ شر قضى عليه) .
قال محمد بن سيرين وعبيدة السلماني في تفسير قوله تعالى: وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: 195]: (الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى) .
6- الفتور والكسل عن فعل الطاعات والغفلة عن ذكر الله:
قال ابن حجر الهيتمي: (القانط آيس من نفع الأعمال، ومن لازم ذلك تركها) .
قال فخر الدين الرازي: (وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا أي: إذا مسه فقر أو مرض أو نازلة من النوازل كان يؤوسًا شديد اليأْس من رحمة الله... إن فاز بالنعمة والدولة اغتر بها فنسي ذكر الله، وإن بقي في الحرمان عن الدنيا استولى عليه الأسف والحزن ولم يتفرغ لذكر الله تعالى، فهذا المسكين محروم أبدًا عن ذكر الله) .
7- الاستمرار في الذنوب والمعاصي:
قال أبو قلابة: ( الرجل يصيب الذنب فيقول: قد هلكت ليس لي توبة. فييأس من رحمة الله، وينهمك في المعاصي، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، قال الله تعالى: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87]) .
8- سبب في الحرمان من رحمة الله ومغفرته:
قال المباركفوري: (إن اعتقد أو ظن الإنسان أن الله لا يقبلها- أعماله - وأنها لا تنفعه فهذا هو اليأْس من رحمة الله وهو من الكبائر، ومن مات على ذلك وُكِّل إلى ما ظنَّ، كما في بعض طرق حديث-: ((أنا عند ظن عبدي بي، فيظن بي عبدي ما شاء)) ) .
9- سبب لفساد القلب:
قال ابن القيم وهو يعدد الكبائر: (الكبائر:.. القنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله..، وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن) .
10- ذهاب سكينة القلب والشعور الدائم بالحرمان والحزن والهم: فـــ (اليأْس من روح الله والقنوط من رحمته؛ يؤدي إلى ترك العمل، إذ لا فائدة منه بزعمه، وهذه طامة من الطوام، وكبيرة من كبائر الذنوب، تُخرج القلب عن سكينته وأنسه، إلى انزعاجه وقلقه وهمه) .
قال الشوكاني: (إذا مسه- الإنسان - الشر من مرض، أو فقر، كان يؤوسًا شديد اليأْس من رحمة الله، وإن فاز بالمطلوب الدنيوي، وظفر بالمقصود نسي المعبود، وإن فاته شيء من ذلك استولى عليه الأسف، وغلب عليه القنوط، وكلتا الخصلتين قبيحة مذمومة) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:33 AM
حكم اليأْس والقنوط

أجمع العلماء على تحريم اليأْس والقنوط، ومن اليأْس والقنوط ما يخرج من الملة، ومنه ما لا يخرج من الملة، وإنما هو من الكبائر، بل أشد تحريمًا من الكبائر الظاهرة كالزنا، وجعلهما القرطبي في الكبائر بعد الشرك من حيث الترتيب .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (الكبائر أربع: الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله، والأمن من مكر الله) .
وقال العدوي: (الإياس من الكبائر) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:34 AM
أقسام اليأْس من رحمة الله

1- اليأْس التام: وهذا يخرج من الإسلام إذا لم يوجد الرجاء معه تمامًا.
2- يأْس العصاة: وهو يأس عصاة المسلمين بسب كثرة المعاصي، وهذا لا يخرج من الملة ولكنه من كبائر الذنوب .
قال السعدي: (الإياس من رحمة الله من أعظم المحاذير، وهو نوعان: إياس الكفار منها، وتركهم جميع سبب يقربهم منها، وإياس العصاة، بسبب كثرة جناياتهم أوحشتهم، فملكت قلوبهم، فأحدث لها الإياس) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:37 AM
ما يباح من اليأْس

اليأْس ليس مذمومًا في كل الأحوال بل قد يحمد في بعض المواضع، ومنها:
- اليأْس مما في أيدي الناس:
(كان عمر رضي الله عنه يقول في خطبته على المنبر: إنَّ الطمع فقر، وإن اليأْس غنى، وإن الإنسان إذا أيس من الشيء استغنى عنه) .
واليأْس مما في أيدي الناس شرط لتحقيق الإخلاص قال ابن القيم: (لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس، إلا كما يجتمع الماء والنار، والضب والحوت، فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص، فأقبل على الطمع أولًا فا***ه بسكين اليأْس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك *** الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص) .
- ذكر نصوص الوعيد والعذاب لمن غلب رجاؤه وانهمك في المعاصي:
قال البخاري: (كان العلاء بن زياد يذكر النار، فقال رجل لِـمَ تقنط الناس؟، قال: وأنا أقدر أن أقنط الناس، والله عزَّ وجلَّ يقول: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53] ويقول: وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ [غافر: 43] ولكنَّكم تحبون أن تبشروا بالجنة على مساوئ أعمالكم، وإنما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم مبشرًا بالجنة لمن أطاعه، ومنذرًا بالنار من عصاه) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:39 AM
صور اليأْس والقنوط

صور اليأْس والقنوط كثيرة، ومنها:
1- اليأْس والقنوط من مغفرة الله للذنوب.
2- اليأْس والقنوط من زوال الشدائد وتفريج الكروب.
3- اليأْس من التغيير للأفضل:
ويتمثل في يأس الإنسان من تحصيل ما يرجوه في أمر من أمور الدنيا كجاه، أو مال، أو زوجة، أو أولاد وغيرهم.
4- اليأْس من نصر الإسلام، وارتفاع الذُّل والمهانة عن المسلمين.
5- اليأْس والقنوط من توبة العصاة، والتخذيل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ويكون التخذيل عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعوى عدم وجود تغير ملموس وفائدة، كما قال تعالى حكاية عن بعض الناس وَإِذَ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الأعراف: 164].
قال ابن كثير: (يخبر تعالى عن أهل هذه القرية أنهم صاروا إلى ثلاث فرق: فرقة ارتكبت المحذور، واحتالوا على اصطياد السمك يوم السبت، وفرقة نهت عن ذلك، وأنكرت واعتزلتهم. وفرقة سكتت فلم تفعل ولم تنه، ولكنها قالت للمنكرة: لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا [الأعراف: 164]، أي: لم تنهون هؤلاء، وقد علمتم أنهم هلكوا واستحقوا العقوبة من الله؟ فلا فائدة في نهيكم إيَّاهم. قالت لهم المنكرة: مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي: نفعل ذلك مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ أي: فيما أخذ علينا من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يقولون: ولعل بهذا الإنكار يتَّقون ما هم فيه ويتركونه، ويرجعون إلى الله تائبين، فإذا تابوا تاب الله عليهم ورحمهم) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:42 AM
أسباب اليأْس والقنوط

1- الجهل بالله سبحانه وتعالى:
قال ابن عادل: (القنوط من رحمة الله تعالى لا يحصل إلا عند الجهل بأمور:
أحدها: أن يجهل كونه تعالى قادرًا عليه.
وثانيها: أن يجهل كونه تعالى عالـمًا باحتياج ذلك العبد إليه.
وثالثها: أن يجهل كونه تعالى، منزهًا عن البخل، والحاجة.
والجهل بكلِّ هذه الأمور سبب للضلال) .
وقال ابن القيم: (الكبائر:..القنوط من رحمة الله، واليأْس من روح الله.. وتوابع هذه الأمور إنما تنشأ من الجهل بعبودية القلب، وترك القيام بها) .
2- الغلو في الخوف من الله سبحانه وتعالي:
قال ابن القيم: (لا يدع الخوف يفضي به إلى حدٍّ يوقعه في القنوط، واليأْس من رحمة الله. فإنَّ هذا الخوف مذموم، وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: حدُّ الخوف ما حجزك عن معاصي الله. فما زاد على ذلك: فهو غير محتاج إليه، وهذا الخوف الموقع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله تعالى، التي سبقت غضبه، وجهل بها) .
ولغلبة هذا الخوف على قلب اليائس أسباب منها: (إدراك قلبه من معاني الأسماء والصفات ما يدل على عظمة الله وجبروته، وسرعة عقابه، وشدة انتقامه، وحجب قلبه عن الأسماء الدالة على الرحمة، واللطف، والتوبة، والمغفرة... إلخ، فيسيطر على القلب الخوف فيسلمه ذلك إلى اليأْس من روح الله، والقنوط من رحمته) .
3- مصاحبة اليائسين والقانطين والمقنطين:
فإنَّ مصاحبة هؤلاء تورث اليأْس والقنوط من رحمة الله إما مشابهةً، أوعقوبةً للاختلاط بهم.
4- التعلُّق بالأسباب:
قال فخر الدين الرازي: (الكافر يعتقد أن السبب في حصول تلك النعمة سبب اتفاقي، ثم إنه يستبعد حدوث ذلك الاتفاق مرة أخرى فلا جرم يستبعد عود تلك النعمة فيقع في اليأس. وأما المسلم الذي يعتقد أن تلك النعمة إنما حصلت من الله تعالى وفضله وإحسانه وطوله فإنه لا يحصل له اليأس، بل يقول لعله تعالى يردها إلي بعد ذلك أكمل وأحسن وأفضل مما كانت، وأما حال كون تلك النعمة حاصلة فإنه يكون كفورًا لأنه لما اعتقد أن حصولها إنما كان على سبيل الاتفاق أو بسبب أن الإنسان حصلها بسبب جده وجهده، فحينئذ لا يشتغل بشكر الله تعالى على تلك النعمة) .
5- التشدد في الدين وترك الأخذ بالرخص المشروعة:
قال المناوي: (قال الغزالي رحمه الله: هذا قاله – يقصد حديث إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته- تطييبًا لقلوب الضعفاء، حتى لا ينتهي بهم الضعف إلى اليأْس والقنوط، فيتركوا الميسور من الخير عليهم؛ لعجزهم عن منتهى الدرجات، فما أرسل إلا رحمةً للعالمين، كلهم على اختلاف درجاتهم وأصنافهم) .
6- قلة الصبر واستعجال النتائج:
إنَّ ضعف النفوس عن تحمل البلاء، والصبر عليه، واستعجال حصول الخير يؤدي إلى الإصابة باليأْس والقنوط، لاسيما مع طول الزمن واشتداد البلاء على الإنسان، فعن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل، قيل: يا رسول الله ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوت وقد دعوت، فلم أرَ يستجيب لي. فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء)) .
قال القرطبي: (والقائل: قد دعوت فلم أرَ يستجاب لي. ويترك قانطًا من رحمة الله، وفي صورة الممتن على ربه، ثم إنَّه جاهل بالإجابة، فإنَّه يظنها إسعافه في عين ما طلب، فقد يعلم الله تعالى أنَّ في عين ما طلب مفسدة) .
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسِّد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو لنا؟ فقال: ((قد كان من قبلكم يؤخذ لرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يُؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيُجعل نصفين، ويُمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصدُّه ذلك عن دينه، والله ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنَّكم تستعجلون)) .
وقال ابن القيم: (من استطال الطَّرِيق ضعف مَشْيه

وَمَا أَنْت بالمشتاق إِن قلت بَيْننَا --- طوال اللَّيالي أَو بعيد المفاوز)


7- تعلق القلب بالدنيا:
فمن أسباب اليأْس والقنوط الأساسية تعلق القلب بالدنيا، والفرح بأخذها، والحزن والتأسف على فواتها، بكل ما فيها من جاه، وسلطان، وزوجة، وأولاد، ومال، وعافية، قال تعالى: وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ [الروم: 36].
8- دُنوُّ الهمة والاستسلام للواقع وضعف الرغبة في التغيير:
فإنَّ (اليأْس من الإصلاح يقع فيه كثير من الناس، فإذا عاين الشرور المتراكمة، والمصائب، والمحن، والفتن، ومن الفرقة والتناحر والاختلاف الذي يسري في صفوف المسلمين، يأس من الإصلاح،.. ومثل ذلك في شأن كثير من الناس ممن يسرف على نفسه بالمعاصي، ويتيه في أودية الرذيلة، فتجده ييأس من إصلاح حاله، والرقي بها إلى الأمثل، بل ربما ظنَّ أنَّ التغيير مستحيل.. وهذا كله مظهر من مظاهر دنو الهمة، وصغر النفس، والعجز عن مواجهة المتاعب، والمصاعب) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:48 AM
الوسائل المعينة على التخلص من اليأْس والقنوط

1- الإيمان بأسماء الله وصفاته:
إنَّ العلم والإيمان بأسماء الله وصفاته، وخاصة التي تدلُّ على الرحمة، والمغفرة، والكرم، والجود، تجعل المسلم لا ييأس من رحمة الله وفضله، فـ(إذا علم العبد، وآمن بصفات الله من الرحمة، والرأفة، والتَّوْب، واللطف، والعفو، والمغفرة، والستر، وإجابة الدعاء؛ فإنه كلما وقع في ذنب؛ دعا الله أن يرحمه ويغفر له ويتوب عليه، وطمع فيما عند الله من سترٍ ولطفٍ بعباده المؤمنين، فأكسبه هذا رجعة وأوبة إلى الله كلما أذنب، ولا يجد اليأْس إلى قلبه سبيلًا، كيف ييأس من يؤمن بصفات الصبر، والحلم؟! كيف ييأس من رحمة الله من علم أنَّ الله يتصف بصفة الكرم، والجود، والعطاء) .
2- حسن الظن بالله ورجاء رحمته:
قال السفاريني: (حال السلف رجاء بلا إهمال، وخوف بلا قنوط. ولابد من حسن الظن بالله تعالى) .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عزَّ وجلَّ: أنا عند ظنِّ عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني، والله، لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته بالفلاة، ومن تقرَّب إلي شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، ومن تقرَّب إلي ذراعًا، تقربت إليه باعًا، وإذا أقبل إليَّ يمشي، أقبلت إليه أهرول)) .
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني، غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرة)) .
قال الشافعي:

ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي --- جعلت رجائي دون عفوك سلما


تعاظمني ذنبي فلما قرنته --- بعفوك ربي كان عفوك أعظما


فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل --- تجود وتعفو منة وتكرما


فإن تنتقم مني فلست بآيس --- ولو دخلت نفسي بجرمي جهنما


ولولاك لم يغو بإبليس عابد --- فكيف وقد أغوى صفيك آدما


وإني لآتي الذنب أعرف قدره --- وأعلم أن الله يعفو ترحما

3- تعلق القلب بالله والثقة به:
لا بد على المرء أن يعلق قلبه بالله، ويجعل الثقة به سبحانه وتعالى في كل أحواله و(لا يليق بالمسلم أن ييأس من روح الله ولا يقنط من رحمته، ولا يكون نظره مقصورًا على الأمور المادية والأسباب الظاهرة، بل يكون متلفتًا في قلبه في كل وقت إلى مسبب الأسباب، إلى الكريم الوهاب، متحريًا للفَرَج، واثقًا بأن الله سيجعل بعد العسر يسرًا، ومن هنا ينبعث للقيام بما يقدر عليه من النصح والإرشاد والدعوة، ويقنع باليسير إذا لم يمكن الكثير، وبزوال بعض الشر وتخفيفه إذا تعذر غير ذلك) .
4- أن يكون العبد بين الخوف والرجاء:
قال تعالى في مدح عباده المؤمنين: نَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [الأنبياء: 90].
قال السفاريني: (نص الإمام أحمد رضي الله عنه: ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحدًا. فأيهما غلب صاحبه هلك. وهذا هو العدل، ولهذا من غلب عليه حال الخوف أوقعه في نوع من اليأْس والقنوط، إمًا في نفسه، وإمًا في أمور الناس، ومن غلب عليه حال الرجاء بلا خوف أوقعه في نوع من الأمن لمكر الله، إمَّا في نفسه، وإمَّا في الناس) .
5- الإيمان بالقضاء والقدر:
إذا علم المرء وأيقن أنَّ كل ما حصل له هو بقضاء الله وقدره استراح قلبه، ولم ييأس لفوات شيء كان يرجوه، أو لوقوع أمر كان يحذر منه، قال تعالى: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22].
وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [التغابن: 11].
قال ابن القيم: (إذا جرى على العبد مقدور يكرهه، فله فيه ستة مشاهد: أحدها: مشهد التوحيد، وأن الله هو الذي قدره وشاءه وخلقه، وما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن، الثاني: مشهد العدل، وأنه ماض فيه حكمه عدل فيه قضاؤه، الثالث: مشهد الرحمة، وأن رحمته في هذا المقدور غالبه، لغضبه، وانتقامه ورحمته حشوه، الرابع: مشهد الحكمة، وأن حكمته سبحانه اقتضت ذلك لم يقدره سدًى، ولا قضاه عبثًا، الخامس: مشهد الحمد، وأنَّ له سبحانه الحمد التام على ذلك من جميع وجوهه، السادس: مشهد العبودية، وأنه عبد محض من كل وجه تجري عليه أحكام سيده وأقضيته بحكم كونه ملكه وعبده فيصرفه تحت أحكامه القدرية كما يصرفه تحت أحكامه الدينية، فهو محل لجريان هذه الأحكام عليه) .
6- الصبر عند حدوث البلاء:
وذلك أن الله سبحانه ذم اليائسين من رحمته عند حصول البلاء، واستثنى من الذم الصابرين على البلاء، وجعل لهم الثواب العظيم.
فقال تعالى: وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاء بَعْدَ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَـئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ [هود: 9-11].
ونهى النَّبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت بسبب البلاء، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنين أحدكم الموت لضرر أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا، فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)) .
7- الدعاء مع الإيقان بالإجابة:
قال تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام لما عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان، وانقطاع الأمل، وحصول اليأْس في رجوعه، قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين وإجابة دعوة المضطرين، قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [يوسف: 86].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال يستجاب للعبد، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم، ما لم يستعجل)) .
قال القرطبي: -ينبغي- (استدامة الدعاء وترك اليأْس من الإجابة، وداوم رجائهما، واستدامة الإلحاح في الدعاء، فإن الله يحب الملحِّين في الدعاء) .
والمرء مع إلحاحه في الدعاء عليه أن يوقن بأن (النَّصر مع الصَّبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) .
8- الأخذ بالأسباب:
يظهر لنا جليًّا في قصة يوسف عليه السلام أهمية الأخذ بالأسباب، وترك الاستسلام لليأس، فقد قال نبي الله يعقوب عليه السلام لأولاده لما أبلغوه فقد ابنه الثاني: يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
قال السعدي: (ورد النهي عن تمني الموت للضر الذي ينزل بالعبد، من مرض أو فقر أو خوف، أو وقوع في شدة ومهلكة، أو نحوها من الأشياء. فإن في تمني الموت لذلك مفاسد.
..منها: أنه يضعف النفس، ويحدث الخور والكسل. ويوقع في اليأْس، والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره، وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به. وذلك موجب لأمرين: اللطف الإلهي لمن أتى بالأسباب المأمور بها، والسعي النافع الذي يوجبه قوة القلب ورجاؤه.. فيجعل العبد الأمر مفوضًا إلى ربه الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له، الذي يعلم من مصالح عبده ما لا يعلم العبد، ويريد له من الخير ما لا يريده، ويلطف به في بلائه كما يلطف به في نعمائه) .
9- الزهد في الدنيا:
فمن أسباب اليأْس والقنوط الأساسية، تعلق القلب بالدنيا والفرح بأخذها، والحزن والتأسف على فواتها بكل ما فيها، من جاه، وسلطان، وزوجة، وأولاد، ومال، وعافية..إلخ، فاعلم أنَّ الله سبحانه يعطي الدنيا لمن لا يحب ومن يحب، ولا يعطي الآخرة إلا لمن أحب، وقد منع أحب الخلق إليه، وأكرمهم عليه، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الدنيا وما فيها، فخرج وما ملأ بطنه من خبز البر ثلاث أيام متواليات، وأنَّ المرء لن يأخذ أكثر مما قدر له فلا ييأس ولا يقنط لفوات شيء.

محمد رافع 52
28-12-2013, 03:57 AM
قصص في عدم اليأْس والقنوط

1- قصة نبي الله يعقوب عليه السلام:
فقصة نبي الله يعقوب عند فقد ابنه يوسف عليهما الصلاة والسلام درس عظيم في ترك اليأْس، وحسن الظن بالله، والصبر على البلاء، ورجاء الفرج من الله، في عدة مواضع منها:
- عندما جاءه نعي أحب أولاده إليه يوسف عليه الصلاة والسلام - وهذا أعظم المصائب على قلب الأب-لم يفقد صوابه، وقابل قدر الله النازل، بالصبر والحلم، والاستعانة بالله سبحانه على رفعه. قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18].
- ولما عظمت المصيبة بفقد ابنه الثاني ازداد صبره، وعظم رجاؤه في الفرج من الله سبحانه، فقال لأبنائه قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف: 83].
- حين عوتب في تذكر يوسف عليه الصلاة والسلام بعد طول الزمان، وانقطاع الأمل، وحصول اليأْس في رجوعه، قال بلسان المؤمن الواثق في وعد الله برفع البلاء عن الصابرين، وإجابة دعوة المضطرين قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [يوسف: 86].
- وأخذ بالأسباب في السعي والبحث عن يوسف وأخيه فقال لأبنائه: يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
- فكانت العاقبة لمن صبر وأمل ورضي ولم يتسخط قال تعالى: فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ من عند الحبيب مبشرًا باللقاء القريب أَلْقَاهُ قميص يوسف عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا فرجع البصر، وبلغ الأمل، وزال الكرب، وحصل الثواب لمن صبر ورضي وأناب، قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [يوسف: 96].
2- رجاء لا يخيب:
ذكر التنوخي بسنده عن: (عبيد الله بن سليمان، يقول في وزارته: قال: لي أبي: كنت يومًا في حبس محمد بن عبد الملك الزيات، في خلافة الواثق، آيس ما كنت من الفرج، وأشد محنةً وغمًّا، حتى وردت عليَّ رقعة أخي الحسن بن وهب، وفيها شعر له:

محن أبا أيوب أنت محلها --- فإذا جزعت من الخطوب فمن لها



إنَّ الذي عقد الذي انعقدت به --- عقد المكاره فيك يحسن حلها



فاصبر فإنَّ الله يعقب فرجة --- ولعلها أن تنجلي ولعلها



وعسى تكون قريبة من حيث لا --- ترجو وتمحو عن جديدك ذلها




قال: فتفاءلت بذلك، وقويت نفسي، فكتبت إليه:

صبرتني ووعظتني وأنا لها --- وستنجلي بل لا أقول لعلها



ويحلها من كان صاحب عقدها --- ثقة به إذ كان يملك حلها


قال: فلم أصلِّ العتمة ذلك اليوم، حتى أُطلقتُ، فصلَّيتها في داري، ولم يمضِ يومي ذاك، حتى فرَّج الله عني، وأُطلقت من حبسي، ورُوي أنَّ هاتين الرقعتين وقعتا بيد الواثق، الرسالة والجواب، فأمر بإطلاق سليمان، وقال: والله، لا تركت في حبسي من يرجو الفرج، ولا سيما من خدمني. فأطلقه على كره من ابن الجراح الزيات لذلك) .
3- من يائس من تعلم علم النحو، إلى إمام فيه:
قال ابن عثيمين: (قد حدَّثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي رحمه الله أنَّه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعامًا لها وتصعد به إلى الجدار، وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة، وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إمامًا في النحو، فينبغي أن نثابر ولا نيأس؛ فإن اليأْس معناه سدُّ باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم، بل نتفاءل، وأن نعِد أنفسنا خيرًا) .

محمد رافع 52
28-12-2013, 04:01 AM
ذم اليأْس والقنوط في واحة الشعر

قال ابن دريد: أنشدني أبو حاتم السجستاني:

إذا اشتملتْ على اليأْسِ القلوبُ --- وضاق لما به الصدرُ الرحيبُ



وأوطأتِ المكارهُ واطمأنتْ --- وأرستْ في أماكنِها الخطوبُ



ولم ترَ لانكشافِ الضرِّ وجهًا --- ولا أغنى بحيلتِه الأريبُ



أتاك على قنوطٍ منك غوثٌ --- يمنُّ به اللطيفُ المستجيبُ



وكلُّ الحادثاتِ إذا تناهتْ --- فموصولٌ بها الفرجُ القريبُ


وقال آخر:

ولربَّ نازلةٍ يضيقُ بها الفتى --- ذرعًا وعندَ اللهِ منها المخرجُ



كملت فلما استحكمتْ حلقاتُها --- فُرِجتْ وكان يظنُّها لا تفرجُ


وقال ابن القيِّم:

باللهِ أبلغُ ما أسعَى وأدركُه --- لا بي ولا بشفيعٍ لي مِن الناسِ



إذا أيستُ وكاد اليأْسُ يقطعُني --- جاء الرجا مسرعًا مِن جانبِ اليأْسِ


وقال النابغة في اليأس الممدوح:

واليأْسُ مما فات يُعقِبُ راحةً --- ولربَّ مطمعةٍ تكون ذباحَا


وقال القحطاني:

ولأحسمنَّ عن الأنامِ مطامعي --- بحسامِ يأسٍ لم تشبْهُ بناني

محمد رافع 52
28-12-2013, 04:06 AM
"‏الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ"
لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

Countess Doha
28-12-2013, 11:54 AM
جزاك الله كل خير

محمد رافع 52
28-12-2013, 08:57 PM
جزاك الله كل خير


اشكرك
بارك الله فيكِ

محمد رافع 52
18-03-2014, 08:55 AM
https://scontent-a-mxp.xx.fbcdn.net/hphotos-prn2/t1.0-9/1489118_275955925900766_1397850531_n.jpg