|
محمد ﷺ نبينا .. للخير ينادينا سيرة سيد البشر بكل لغات العالم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#2
|
||||
|
||||
![]() تحدث الكاتب في الحلقة الأولى عن المعالم التي قادت المسلمين إلى حفظ السنة في صدر الإسلام ، ثم جهود الخلفاء (الأئمة) وكذلك الصحابة الأعلام ![]() ثانياً : جهود السلف في حفظ السنة وضبطها : بذل أئمة الإسلام جهوداً عظيمة في حفظ السنة وتنقيحها ، وحمايتها من تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، وقد تمثلت جهودهم في مسائل عديدة ، أذكر منها : 1- حفظ السنّة : اهتم السلف الصالح بحفظ حديث النبي - ![]() وقد سطر أئمة الحديث أروع الأمثلة في هذا الباب ، وأتوا بما يبهر الإنسان ويعجزه ، ومن علامات ذلك : (أ) غزارة الحفظ :
تميّز بعض الأئمة بكثرة محفوظاتهم وتنوعها ، وهناك أمثلة كثيرة جداً على ذلك ، وقد جمع الذهبي تراجم هؤلاء الحفاظ في كتابيه : (سير أعلام النبلاء) و (تذكرة الحفاظ) وذكر عجائب من علومهم وأحوالهم ، ومن أمثلة هذا الباب : المثال الأول : حفظ الإمام أحمد : كان الإمام أحمد واسع الحفظ ، جمع حديثاً كثيراً ، حتى قال أبو زرعة : (كان أحمد بن حنبل يحفظ ألف ألف حديث ، فقيل : ما يدريك ؟ قال : ذاكرته فأخذتُ عليه الأبواب) [2] . المثال الثاني : حفظ الإمام إسحاق بن راهويه : قال أبو داود الخفّاف : (سمعت إسحاق بن راهويه يقول : لكأني أنظر إلى مئة ألف حديث في كتبي ، وثلاثين ألفاً أسردها) . قال : (وأملى علينا إسحاق أحد عشر ألف حديث من حفظه ، ثم قرأها علينا ، فما زاد حرفاً ، ولا نقص حرفاً) [3] . وقال علي بن خشرم : (كان إسحاق بن راهويه يملي سبعين ألف حديث حفظاً) [4] . المثال الثالث : حفظ الإمام عبد الرحمن بن مهدي : قال القواريري : (أملى عليّ عبد الرحمن بن مهدي عشرين ألف حديث حفظاً) [5] . المثال الرابع : حفظ الإمام الحميدي : قال الإمام الشافعي : (ما رأيت صاحب بلغم أحفظ من الحميدي ، كان يحفظ لسفيان بن عيينة عشرة آلاف حديث) [6] . ب- قوة الحفظ ودقته : على الرغم من كثرة محفوظات الأئمة وتنوعها ، إلا أنهم تميزوا بقوة الحافظة ، والرعاية الشديدة لمحفوظاتهم ، حتى قال الأعمش : (كان هذا العلم عند أقوام كانأحدهم لأن يخرّ من السماء أحب إليه من أن يزيد فيه واواً أو ألفاً أو دالاً) [7] . ولهذا كان الإمام مالك يتحفظ من الباء والتاء والثاء ، في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [8] . ومن الأمثلة على قوّة الحفظ ودقته : المثال الأول : قوة حفظ الإمام الزهري : جمع الإمام الزهري علماً عظيماً ، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره ، مع قوة وإتقان ، فقد قال عن نفسه : (ما استعدت حديثاً قط ، وما شككت في حديث إلا حديثاً واحداً فسألت صاحبي فإذا هو كما حفظت) [9] . وقد أراد هشام بن عبد الملك أن يمتحنه ، فسأله أن يملي على بعض ولده أربعمائة حديث ، وخرج الزهري ، فقال : أين أنتم يا أصحاب الحديث ؟ فحدثهم بتلك الأربعمائة ، ثم لقي هشاماً بعد شهر أو نحوه ، فقال للزهري : إن ذلك الكتاب ضاع ، فدعا بكاتب فأملاها عليه ، ثم قابل بالكتاب الأول فما غادر حرفاً واحداً) [10] . المثال الثاني : قوة حفظ قتادة بن دعامة : قال الإمام أحمد : (كان قتادة أحفظ أهل البصرة ، لا يسمع شيئاً إلا حفظه ، قرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها) [11] . وقال معمر : (رأيت قتادة قال لابن أبي عروبة : أمسك عليّ المصحف ، فقرأ البقرة ، فلم يخطئ حرفاً ، فقال : يا أبا النضر ، لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة) [12] . ولهذا قال قتادة عن نفسه : (ما قلتُ لمحدث قط أَعِدْ عليّ ، وما سمعت أذنا شيئاً إلا وعاه قلبي) [13] . المثال الثالث : قوة حفظ الإمام أحمد : كان الإمام أحمد آية في الحفظ والإتقان ، على الرغم من كثرة محفوظاته ، حتى قال ابن المديني : (ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل) [14] . ومن شدة إتقانه أنه كان يقول لابنه عبد الله : (خذ أي كتاب شئت من كتب وكيع ، فإن شئت أن تسألني عن الكلام حتى أخبرك بالإسناد ، وإن شئت بالإسناد حتى أخبرك عن الكلام) [15] . المثال الرابع : قوة حفظ ابن أبي شيبة : قال عمرو الفلاس : (ما رأيت أحداً أحفظ للحديث من ابن أبي شيبة ، قدم علينا مع ابن المديني ، فسرد للشيباني أربعمائة حديث حفظاً وقام) [16] . ولهذا قال الخطيب البغدادي : (كان متقنا حافظاً مكثراً) [17] . وقال الذهبي : (كان بحراً من بحور العلم ، وبه يضرب المثل في قوة الحفظ) [18] . المثال الخامس : قوة حفظ الإمام البخاري : قال محمد بن حاتم : (قلت لأبي عبد الله : كيف كان بدء أمرك في طلب الحديث ؟ قال : ألهمتُ حفظ الحديث وأنا في الكُتّاب قال : وكم أتى عليك إذ ذاك ؟ قال : عشر سنين أو أقل ، ثم خرجت من الكُتّاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره ، وقال يوماً فيما كان يقرأ للناس : سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم ، فقلت له : يا أبا فلان ، إن أبا الزبير لم يرو عن إبراهيم ، فانتهرني ، فقلت له : ارجع إلى الأصل إن كان عندك ، فدخل ونظر فيه ثم خرج وقال لي : كيف هو يا غلام ؟ قلت : هو الزبير بن عدي عن إبراهيم ، فأخذ القلم مني وأحكم كتابه ، فقال : صدقت ، فقال له بعض أصحابه : ابن كم كنت إذ رددت عليه ؟ قال : ابن إحدى عشرة) [19] . وقصة البخاري لمّا قلبت عليه عشرة أحاديث بأسانيدها ومتونها لامتحانه ، فأعادها عليهم ، ثم ساقها على وجهها الصحيح ، قصة عجيبة تدل على إمامته في هذا العلم ، وقدرته العظيمة على الحفظ والاستيعاب) [20] . 2- جمع السنّة وتدوينها : حرص العلماء على سماع حديث النبي - ![]() المرحلة الأولى : جمع السنة في أواخر القرن الأول : لعل من أوائل المحاولات لجمع السنة : ما قام به عبد العزيز بن مروان ، حيث كتب إلى كثير بن مرة وكان قد أدرك بحمص سبعين بدرياً من أصحاب رسول الله - ![]() ![]() ولما جاء بعده ابنه عمر بن عبد العزيز حرص على جمع السنة ، وسلك في ذلك طريقين : الأول : كتب إلى أبي بكر ابن حزم : (انظر ما كان من حديث رسول الله - ![]() الثاني : أمر الزهري بجمع السنة ، حيث قال الزهري : (أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن ، فكتبناها دفتراً دفتراً ، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً) [23] . ولهذا قال الترمذي : (هو واضع علم الحديث بأمر عمر بن عبد العزيز ، مخافة ضياعه بضياع أهله) [24] . المرحلة الثانية : تدوين السنة في منتصف القرن الثاني : قال الذهبي : (لم ينتصف القرن الثاني حتى نشطت حركة تدوين الحديث ، وكان من سبق إليها من رجال هذا القرن : ابن جريج المكي ، وابن إسحاق ،ومعمر ابن راشد ، وسعيد بن أبي عروبة ، وربيع بن صبيح ، وسفيان الثوري ،ومالك بن أنس ، والليث بن سعد ، وابن المبارك ، ثم تتابع الناس ) [25] . وقال ابن حجر : (ثم حدث في أواخر عصر التابعين تدوين الآثار ، وتبويب الأخبار لمّا انتشر العلماء في الأمصار ، وكثر الابتداع من الخوارج والروافض ومنكري الأقدار) [26] . المرحلة الثالثة : تصنيف السنّة في القرن الثالث : في بدايات القرن الثالث أخذ التصنيف دوراً جديداً ، فظهرت المصنفات : كمصنف عبد الرزاق [ت211هـ] وابن أبي شيبة [235هـ] ، والمسانيد : كمسانيد الحميدي [ت219هـ] ، وأحمد [ت241هـ] ، والدارمي [ت هـ] ، والجوامع : كجامع البخاري [ت 256هـ] ، وجامع مسلم [ت261هـ] ، وجامع الترمذي [ت279هـ] ، والسنن : كسنن أبي داود [ت 275هـ] ، وابن ماجه [ت 273هـ] ، والنسائي [ت303 هـ] . وبهذا نتبين أن أئمة السنة بذلوا جهداً عظيماً في جمع السنة وتبويبها ، وتركوا لنا تراثاً غزيراً في عشرات المصنفات والدواوين ، حتى أصبحت هذه الأمة تمتلك بحق أغنى تراث عرفته البشرية ، فاللهم لك الحمد والمنة على هذه النعمة العظيمة . ============= يتبـــــــــــع :
__________________
Be the type of person you want to meet
|
العلامات المرجعية |
|
|