|
حي على الفلاح موضوعات وحوارات ومقالات إسلامية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#7
|
||||
|
||||
![]() فقه المصريين في إبطال الطلاق الشفوي للمتزوجين بالوثائق الرسمية
دكتور سعد الدين هلالي أستاذ الفقه المقارن - جامعة الأزهر تعريف الطلاق الشفوي وتأصيله التاريخي أولًا: تعريف الطلاق الشفوي المقصود بالطلاق الشفوي أو الشفهي هو التلفظ به عن طريق الشفتين من الإنسان وهما طبقا الفم دون تحرير هذا الطلاق في وثيقة رسمية، فهو نسبة إلى الشفة - بفتح الشين مشددة - على وزن فعة، فهي منقوصة بحذف اللام. أما التاء المربوطة في الشفة فهي تاء التأنيث. واختلفوا في أصل هذه اللام على قولين. أحدهما: أن الناقص من الشفة واو. فأصل الكلمة: شفوة؛ لأنه يقال في الجمع شفوات بالواو مثل سنوات. الثاني: أن الناقص من الشفة هاء. فأصل الكلمة شفهة؛ لأن تصغيرها شفيهة وجمعها شفاه بالهاء. قال ابن منظور في "لسان العرب": والهاء أقيس والواو أعم. ثانيًا: التأصيل التاريخي لقضية الطلاق الشفوي بدأت قضية "الطلاق الشفوي" تظهر كمشكلة فقهية في مقابلة "الطلاق الرسمي" لأول مرة في تاريخ المصريين منذ أكثر من ثمانين عامًا من يومنا هذا، وبالتحديد اعتبارًا من أول أغسطس سنة 1931م، عندما صدرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931م، والذي ينص في مادته رقم (17) على أنه: "لا تقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج في الوقائع اللاحقة على أول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية". وكانت الدولة المصرية قد تدرجت بالرفق على رعاياها المواطنين للأخذ بأيديهم إلى نظام توثيق عقود زواجهم وطلاقهم كتطور طبيعي للدولة الحضارية التي تجدد نفسها بحسب التراكم المعرفي للأجيال السابقة، فقد بدأ التعليم ينشط بين المصريين بمطلع القرن العشرين الميلادي، ويكثر عدد الذين يجيدون القراءة والكتابة بحسب قواعد الإملاء الصحيحة وقواعد الخطوط العربية السليمة، وذلك في ظل عودة المبتعثين من خيرة شباب المصريين الذين أوفدوا إلى فرنسا وبعض الدول الأوربية لتحصيل فنون القانون والإدارة والسياسة، ووجدوا في تلك الدول انضباطًا للمعاملات بتحرير عقود رسمية في التصرفات ذات الأثر لقراءة أحوال المجتمع وحركته بما يساعد متخذي القرار على الارتقاء بالمستوى العام للمواطنين عن طريق علم الاحصاء البياني لأعداد المتزوجين والمنفصلين والعزاب، كما تفيد تلك العقود الرسمية أطراف التعاقد لاشتمالها على شروط المتعاقدين بحسب تراضيهم ورؤيتهم المستقبلية لمآل عقودهم؛ حتى يكون أطراف التعاقد هم أسياد أنفسهم في آثار عقودهم دون تدخل طرف ثالث بينهم ولو كان هذا الطرف هو القاضي، وحتى يلتزم أطراف التعاقد بما وقع الاتفاق عليه فلا يظلم أحد المتعاقدين صاحبه بدعوى النسيان أو بعدوان الظلم والإنكار. وكانت عقود الزواج والطلاق في مصر تبرم بالمشافهة، ويقع الزوجان في خطر التزامهما بالأمانة والمروءة أخلاقيًا؛ لعدم وجود ما يلزمهما توثيقيًا، كما كان يكثر النزاع بين الزوجين بسبب ممارسة أحدهما شيئًا لم يحسم عند إبرام عقد الزواج فيرفضه الآخر مثل عمل الزوجة واحتفاظها بدخلها، ومثل الزواج الثاني للزوج على زوجته، وعدم إنفاق الزوج على علاج زوجته أو سفرها لصلة رحمها، وغير ذلك مما يستلزم تدخل أطراف التحكيم أو القضاء للفصل في تلك النزاعات. فلو أن الزوجين قد أثبتا في عقد زواجهما رؤيتهما عن تراض لما عساه أن يكون مثارًا للنزاع بينهما لقل احتياجهما إلى طرف ثالث لفض نزاعاتهما المعيشية. ومن هنا كانت فكرة تحرير عقود الزواج والطلاق، وظهرت وظيفة جديدة في المجتمع المصري يتكسب منها أصحابها هي وظيفة المأذونين التي بدأت سنة 1890م عندما صرحت المحاكم الشرعية لهم بتحرير عقود الزواج والطلاق عن طريق تصاريح خاصة، ثم صدرت أول لائحة لعمل المأذونين في مصر سنة 1915م. ولم تتجه الدولة المصرية إلى إلزام مواطنيها قسرًا بتوثيق عقود زواجهم وطلاقهم حتى تأخذ بأيديهم رفقًا إلى التوثيق من باب تحقيقه لمصالحهم وضمانه لحقوقهم. وليس من باب التسلط أو تقييد الحريات، وهذا يتكشف للمواطنين تدريجيًا شيئًا فشيئًا من خلال ما يقع من ظلم أحد الزوجين على صاحبه بسبب عدم توثيقه لعقد زواجه، كهروب الزوج أو إنكاره لعلاقة الزوجية، أو كهروب الزوجة أو زواجها بآخر أو تبليها على زوجها الشفوي ب******ها، وكغير ذلك مما يحدث بسبب خراب الذمم بحكم الانفتاح الذي لا مفر منه. ولا يستطيع القضاء أن يحسم أكثر تلك النزاعات بسبب شهود الزور الذين يستقوي بهم طرفا الدعوى وبخاصة الظالم منهما، فلو تحررت عقود الزواج والطلاق رسميًا لما استقوى أحد الزوجين على صاحبه بشهود الزور في إثباتها أو نفيها. ثم توجهت الدولة المصرية إلى سن قانون يمنح الملتزمين بتوثيق عقود زواجهم وطلاقهم ميزة الانتفاع بخدمة التقاضي إلا في إثبات النسب بالزواج المكتوب الذي يحمل إمضاء الزوج؛ مراعاة لحق الأطفال وذلك بالقانون رقم 78 لسنة 1931م. فلم يعد لمن أبرم زواجه من أول أغسطس سنة 1931م بدون توثيق رسمي حق في رفع دعوى قضائية لمقاضاة زوجه الآخر، وجعل ذلك وسيلة ضغط أدبية للمواطنين في توثيق عقود زواجهم وطلاقهم. فالمواطن العنيد الذي يرفض توثيق زواجه لن يتمكن من إرث زوجه الذي مات في حياته وفقًا للنظام القضائي الرسمي، وليس له الحق في مقاضاة زوجه الذي تنكر لمعرفته، ولا تملك الزوجة مقاضاة زوجها الممتنع عن الانفاق عليها لعدم توثيقها لعقد زواجها، ولا يملك الزوج مقاضاة زوجته التي تزوجت بغيره وهي على ذمته في عقد زواج غير موثق؛ حتى يرشد الناس ويدركوا أهمية التوثيق لحياتهم فيمتنعون من تلقاء أنفسهم عن الزواج الشفوي ويلتزمون طوعًا بالزواج الرسمي الموثق الذي يساعد المجتمع على الحضارة مبكرًا. وكان استثناء إثبات النسب في الزواج غير الموثق لمصلحة الطفل الذي لا ذنب له في إهمال والديه بشأن توثيق زواجهما، فتنص المادة السابعة من القانون رقم 78 لسنة 1931م على أنه: "لا تقبل عند الانكار دعوى الاقرار بالنسب أو الشهادة على الاقرار به بعد وفاة المورث إلا إذا وجدت أوراق رسمية أو مكتوبة بخط المتوفى وعليها إمضاؤه". ثم تفاعلت الدولة المصرية مع واقع شعبها فأصدرت تعديلًا قانونيًا يستثني من منع المتزوجين شفويًا بغير توثيق من حق رفع دعاوى قضائية ناشئة عن هذا الزواج ما لو كان رفع الدعوى لطلب التطليق أو الفسخ لفك أسر الزوجة من رباط الزوجية الديني عند هجر زوجها الشفوي لها، وذلك بعد انتشار ظاهرة الزواج الشفوي غير الموثق بين طلبة وطالبات بعض الجامعات المصرية، فصدر التعديل بالقانون رقم (1) لسنة 2000م والذي حل محل القانون رقم 78 لسنة 1931م بشأن إجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية والذي أضاف إلى المادة (17) التي تمنع قبول دعاوى ناشئة عن عقد زواج وقع لاحقًا لأول أغسطس سنة 1931م ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية ما نصه: "ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب الأحوال دون غيرها إذا كان الزواج ثابتًا بأية كتابة". ونشأ مصطلح "الزواج العرفي" وهو الزواج الشفوي في مقابلة ما عرف "بالزواج الرسمي" المقيد في وثيقة رسمية لأول مرة في مصر اعتبارًا من أول أغسطس سنة 1931م، وهو تاريخ العمل بالقانون رقم 78 لسنة 1931م بشأن لا ئحة ترتيب المحاكم الشرعية، والذي يقضي بعدم نظر الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج الواقع لاحقًا من هذا التاريخ إلا أن يكون ثابتًا بوثيقة رسمية. وقد ترتب على صفة الزواج الرسمي بقاء علاقة الزوجية بصفة رسمية إلى أن يثبت عكسها بصفة رسمية، وهذا ما أثار قضية "الطلاق الشفوي" في الفقه الديني. |
العلامات المرجعية |
|
|