اهلا وسهلا بك فى بوابة الثانوية العامة ... سجل الان

العودة   بوابة الثانوية العامة المصرية > القسم الإداري > أرشيف المنتدى

أرشيف المنتدى هنا نقل الموضوعات المكررة والروابط التى لا تعمل

 
 
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #31  
قديم 08-11-2013, 12:12 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

منزلتها عند النَّبي صلَّى الله عليه وسلم
كان لعائشة رضي الله عنها مكانة خاصة في قلب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم؛ وذلك لأنَّا كانت ابنة صاحبه الأكبر أبي بكر الصِّدِّيق، وكانت أيضًا أحبَّ زوجاته إليه. وقد كان صلَّ الله عليه وسلم يظهر حبَّه لعائشة رضي الله عنها، ولا يخفيه، حتى
أنَّ عمرو بن العاص رضي الله عنه، سأله فقال: ((أيُّ النَّاس أحبُّ إليك؟ قال: عائشة. قال: مِن الرجال؟ قال: أبوها)).
وهذا الحديث فيه منقبة ظاهرة لأُمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، وهي أنَّا كانت أحبَّ النَّاس إلى النَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم.
فعمرو بن العاص رضي الله عنه، يلقي السؤال بين يدي النَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم: مَن أحبُّ النَّاس إليك؟ فيُكسى هذا العموم في كلمة (الناس) كسوة الخصوصية في قلب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فيجيب: عائشة. وكم في هذا التخصيص من دلالة على منزلة أُمِّنا عند نبينا أبي القاسم صلَّ الله عليه وسلم! وكم في مبادرته بالجواب قبل البحث عن المقصود بالناس هنا، من إشارة إلى حبِّه لها صلَّ الله عليه وسلم، وكأنَّ لفظة الحبِّ إذا انصرفت، فإنما هي المقصودة رضي الله عنها! فلما قال له: فمِن الرجال؟ لم يغادر الجواب البيان الأول، فعبَّ عن الصِّدِّيق رضي الله عنه، تعبيرًا يصله بأُمِّنا الصِّدِّيقة، فقال: أبوها، ولم يقل: أبو بكر. فكأنَّ
في أطواء شهادته بالحبِّ لأبي بكر شهادةً أخرى لأُمِّنا بالحبِّ، وكان في التعبير عن صِدِّيق الأمة بصفته أبًا لعائشة، وليس باسمه، ما فيه من الروعة البيانية عن منزلة
أُمِّنا رضي الله عنها، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!
وكان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يعلن هذا الحبَّ الشديد لأُمِّنا عائشة، كما قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي رحمه الله: (وأحبَّها حبًّا شديدًا كان يتظاهر به)
.وبلغ من حبِّه لها وخوفه عليها أنَّه كان يأمرها أن تسترقي من العين، فعن عائشة قالت: ((كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يأمرني أن أسترقي من العين)).

وكان صلَّ الله عليه وسلم يفسح لها المجال للَّعِب، ولم يحرمها من هذه المتعة، بل إنَّه كان يفرح بلعبها، ويضحك حتى تُرى نواجذه، فعنها رضي الله عنها قالت:


((كنت ألعب بالبنات عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يَلعبنَ معي، فكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم إذا دخل يتقمَّعْنَ منه، فيُسَّربهنَّإليَّ فيلعبنَ معي)).وكان صلَّ الله عليه وسلم دائمً يحبُّ أن يُدخل الفرح والبهجة على قلبها،
فيحملها على عاتقه؛ لتشاهد الحبشة وهم يلعبون، فعنها قالت:

((والله، لقد رأيت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي، والحبشة يلعبون بحرابهم،
في مسجد رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، يسترني بردائه، لكي أنظر إلى لعبهم، ثمَّ يقوم من أجلي، حتى أكون أنا التي أنصرف

. ولا يكون إطلالها على هذا المشهد الطريف، إلا وهي مسندة رأسها على كتف النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، ما بين أذنه وعاتقه، وهي تطيل الوقوف، لا استزادة من النظر، بل إظهارًا لمكانتها عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فتقول أُمُّنا: ((فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: حسبك، فقلت: يا رسول الله، لا تعجل، فقام لي، ثمَّ قال: حسبك. فقلت: لا تعجل يارسول الله. قالت: وما بي حبُّ النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني منه)).



__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 08-11-2013 الساعة 12:18 AM
  #32  
قديم 08-11-2013, 12:29 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

ففي هيئة الوقوف ما فيها من حنان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وحبِّه لها، وقد كان بوسعه أن يجعلها تشاهد المشهد وحدها، بتهيئة مكان تطلُّ منه على لعب الحبشة بالحراب، وقد كان ممكنًا أن يقف إلى جوارها، دون أن يجعل من كتفه الكريم موئلً لرأسها، تستند عليه وتطلُّ على المشهد من خلاله، وقد كان ممكنًا أيضًا أن لا يقف معها حتى تنتهي- وقد أطالت- بل كان مقبولً أن يقف قليلً ثمَّ ينصرف لشأنه، وقد حمل ما حمل من أعباء الدعوة وأمر الأمة!
لكن هذا الإمكان كله منفي في حقِّ الصِّدِّيقة، ففي إفساحه الوقت لها، شاهد حبٍّ لا يتلعثم، وفي إطالة الوقوف شاهد آخر، وفي هيئة الوقوف شاهدٌ ثالث، وفي احتماله إطالة الوقوف شاهد رابع، وفي رعايته لحداثة سنها، وصبره الودود، ولطفه الحاني، شاهدٌ وشاهدٌ، فهو موقف زاخر بشواهد الفضل - التي لا تنتهي - على عظيم مكانة أُمِّنا الصِّدِّيقة عند خير الخلق صلَّ الله عليه وسلم.
كما كان صلَّ الله عليه وسلم يسمح لها بالترفيه عن نفسها يوم العيد، ويشاركها في مرحها، فعنها رضي الله عنها قالت: ((دخل النَّبي صلَّ الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث، فاضطجع على الفراش وحَوَّل وجهه، فدخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرني وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله صلَّ الله عليه وسلم؟ فأقبل عليه رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وقال: دعهما. فلما غفل غمزتُما فخَرَجتا)).

وكان صلَّ الله عليه وسلم من شدة حبِّه لها ينزل إلى رغباتها، ويشاركها في لعبها، فعنها رضي الله عنها: ((أنَّا كانت مع النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في سفرٍ، قالتْ: فسابقتُه فسبقْتُه على رجلي، فلما حمَلتُ اللحمسابقتُه فسبقني، فقال: هذه بتلك السبقة)).

وكان صلى الله عليه وسلم حريصًا على تطييب خاطرها، ومراعاة مشاعرها، تقول عائشة رضي الله عنها: ((خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم لا نذكر إلَّ الحج، فلما جئنا سرِف طمثتُ، فدخل عليَّ النبىُّ صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي، فقال: ما يبكيك؟ قلت: لوددت والله أنِّ لم أحجَّ العام. قال: لعلك نفست؟ قلت: نعم. قال: فإنَّ ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم، فافعلي ما يفعل الحاجُّ، غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري. وفي رواية أنَّه قال لها: ((فلا يضرُّكِ، فكوني في حجِّك، فعسى الله أن يرزقكيها)).

فلما طهرت وطافت قالت عائشة رضي الله عنها: ((يا رسول الله، أتنطلقون بحجة وعمرة، وأنطلق بحجة؟ قال: ثم أمر عبد الرحمن بن أبي بكر الصِّدِّيق أن ينطلق معها إلى التنعيم، فاعتمرت عمرة في ذي الحجة بعد أيام الحج)). وفي رواية: ((وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلً سهلً، إذا هويتْ الشيء تابعها عليه، فأرسلها مع عبدالرحمن بن أبي بكر، فأهلَّت بعمرة من التنعيم)).
وقد وجعتْ يومًا فقالت: ((وارأساه. فقال النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه)). قال بدر الدين الزركشي رحمه الله: (فيه إشارة للغاية في الموافقة حتى تألَّ بألمها، فكأنَّه أخبرها بصدق محبته حتى واساها في الألم).

__________________
  #33  
قديم 08-11-2013, 12:53 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وقال ابن القيم: (قول النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: لما قالت عائشة: وارأساه! فقال: ((بل أنا وارأساه)) . أي: الوجع القوي بي أنا دونك، فتأسَّىْ بي فلا تشتكي، ويلوح لي فيه معنًى آخر، وهو أنَّا كانت حبيبة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، بل
كانت أحبَّ النساء إليه على الإطلاق، فلمَّ اشتكت إليه رأسها، أخبرها أنَّ بمُحبِّها من الألم مثل الَّذي بها، وهذا غاية الموافقة من المحبِّ ومحبوبه؛ يتألَّ بتألمه، ويُسرُّ
بسروره، حتى إذا آلمه عضو من أعضائه آلم المحبَّ ذلك العضو بعينه، وهذا من صدق المحبة وصفاء المودة.
فالمعنى الأول: يُفهم أنك لا تشتكي واصبري، فبي من الوجع مثل ما بك، فتأسَّىْ بي في الصبر وعدم الشكوى.
والمعنى الثاني: يُفهم إعلامها بصدق محبته لها، أي: انظري قوة محبتي لك، كيف واسيتُك في ألمك ووجع رأسك، فلِمَ تكوني متوجعة، وأنا سليم من الوجع، بل يُؤلمني ما يُؤلمك، كما يسرُّني ما يسرُّكِ، كما قيل:
وإنَّ أوْلَى البرايَا أنْ تُواسِيَه *** عندَ السُّورِ الَّذي واسَاكَ في الحزنِ))
وكان صلَّ الله عليه وسلم ربَّما جلس يستمع إلى حديثها لا يملُّ منه، كما في حديث أُمِّ زرع الطويل، الَّذي حكت فيه عائشة أحوال إحدى عشرة امرأة مع أزواجهنَّ. ثم قال لها في آخره: ((كنِتُ لك كأبي زرع لأُمِّ زرع)).
قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: ((كنت لك


كأبي زرع لأم زرع)). قال العلماء: هو تطييب لنفسها، وإيضاح لحسن عشرته إياها، ومعناه أنا لك كأبي زرع
)).
وكان صلَّ الله عليه وسلم يتبادل معها أطراف الحديث بعد الفراغ من تهجُّده صلَّ الله عليه وسلم، قالت رضي الله عنها: ((كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يصلي ركعتي الفجر، فإن كنتُ مستيقظة تحدَّث معي، وإلا اضطجع حتى يؤذَّن
بالصلاة))وفي رواية: ((اضطجع على شِقِّه الأيمن)).
وكذلك في أسفاره كان يتجاذب معها الحديث خاصة إذا جنَّ الليل، فعن عائشة رضي الله عنها: ((أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم كان إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدَّث.
وكان يُدنيها منه صلَّ الله عليه وسلم، ويبسط عليها من حنانه ورحمته، ويُترجم
قوله إلى فعل شريف، تأنس به أُمُّنا رضي الله عنها، فيتتبع مواضع طعامها وشرابها
ليشرب منه، فتقول رضي الله عنها: ((كنت أشرب وأنا حائض، ثم أُناوله النبي
ص لىالله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرَّق العَرْق، وأنا
حائض، ثم أُناوله النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع فاه على موضع فيَّ)). ويلطف لها الخطاب، فيقول صلَّ الله عليه وسلم: ((إنِّ لأعلم إذا كنت عني راضيةً، وإذا كنت عليَّ غضبى. فتقول رضي الله عنها: من أين تعرف ذلك؟ فقال: أما إذا كنتِ
عنِّي راضيةً، فإنَّك تقولين: لا، وربِّ محمدٍ، وإذا كنت عليَّ غضبى، قلت: لا، وربِّ إبراهيم، قالت: قلت: أجل والله يا رسول الله، ما أهجر إلا اسمك)).. فبادلته حبًّا بحبٍّ ولطفًا بلطف، صلَّ الله عليه وسلم.
ويوم أن همَّ بها والدها الصِّدِّيق رضي الله عنه حين سماع ارتفاع صوتها، وهي
تتحدَّث مع رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في بيتهما، فتناولها ليلطمها، وقال: ((ألا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم - وفي رواية: يا بنت فلانة، ترفعين صوتك على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم - فجعل النَّبي صلَّ
الله عليه وسلم يحجزه، وخرج أبو بكر مغضبًا، فقال النَّبي صلَّ الله عليه وسلم حين خرج أبو بكر: كيف رأيتني أنقذتك من الرجل؟ قال: فمكث أبو بكر أيامًا ثمَّ استأذن على رسول الله صلَّ الله عليه وسلم فوجدهما قد اصطلحا، -وفي رواية:
فسمع تضاحكهما-، فقال: لهما أدخلاني في سِلمكما، كما أدخلتماني في حربكما. فقال
النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: قد فعلنا قد فعلنا)).
فقد قطع عنها النَّبي صلَّ الله عليه وسلم ما يؤذيها، ولو من والدها حميةً لها،وجعل يترضَّاها ويُلاطفها تطييبًا لخاطرها، وإسعادًا لنفسها، وفي هذا ما فيه من حبِّه لها رضي الله عنها. ولم يكن يرضى بأن ينالها أمرٌ ولو من أبيها رضي الله عنه، فعن عائشة: ((أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم استعذر أبا بكر عن عائشة، ولم يظنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم أن ينالها بالذي نالها، فرفع أبو بكر يده فلطمها، وصكَّ في صدرها، فوجد من ذلك
النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وقال: يا أبا بكر، ما أنا بمستعذرك منها بعدها أبدًا)).
ومن دلائل هذه المحبة أيضًا ما جرى في قصة التخيير، تقول عائشة: ((لمَّ أُمر رسول الله صلَّ الله عليه وسلم بتخيير أزواجه، بدأ بي، فقال: إنِّ ذاكرٌ لك أمرًا،
فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك. قالت: قد علم أنَّ أبويَّ لم يكونا ليأمراني بفراقه...)).
قال القرطبي: (العلماء: وأمَّا أمر النبَّي صلى الله عليه
وسلم عائشة أن تشاور أبويها؛ لأنَّه كان يحبُّها، وكان يخاف أن يحملها فرط الشباب على أن تختار فراقه، ويعلم من أبويها أنَّما لا يُشيران عليها بفراقه).
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 08-11-2013 الساعة 12:57 AM
  #34  
قديم 08-11-2013, 12:56 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وظلَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم متمسِّكًا بحُبِّها حتى فارق الدنيا، فقد اختار صلَّ الله عليه وسلم أن يُمرَّض في بيتها، وتُوُفِّ بين سَحْرها ونَحْرها، ودُفنِ في بيتها رضي الله عنها .
وقد سرى ضياء هذا الحب النبوي لأُمِّنا الصِّدِّيقة رضي الله عنها في جنبات الكون، وجاوز الأفق، فنالت الثناء الحسن والذكر الجميل، وعُوملت بالإجلال الَّذي يليق بمكانتها.
وقد كان صحابة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم على عِلمٍ بحبِّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لزوجه عائشة، بل كانوا يتحيَّنون بهديتهم له صلَّ الله عليه وسلم اليوم الَّذي يكون فيه عندها، فقد صحَّ عنها رضي الله عنها أنَّا قالت: ((إنَّ نساء رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كن حِزبين؛ فحزب فيه عائشة وحفصة وسودة، والحزب الآخر أُمُّ سلمةوسائر نساء رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وكان
المسلمون قد علموا حُبَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم عائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، أخَّرها حتى إذا كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في بيت عائشة، بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم في بيت عائشة، فكلَّمَ حزبُ أُمِّ سلمة أمَّ سلمة فقلن لها: كلِّمي رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يكلِّم الناس، فيقول: من أراد أن يُدي إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم هدية، فليهده إليه حيث كان من بيوت نسائه، فكلَّمَتْه أُمُّ سلمة بما قلن، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها:
فكلِّميه. قالت: فكلَّمَتْه حين دار إليها أيضًا، فلم يقل لها شيئًا، فسألنها، فقالت: ما قال لي شيئًا، فقلن لها: كلِّميه حتى يكلِّمك. فدار إليها فكلَّمْته، فقال لها: لا تؤذيني في عائشة، فإنَّ الوحي لم يأتني وأنا في ثوب امرأةٍ، إلا عائشة، قالت: فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله

. ثمَّ إنَّنَّ دعون فاطمة بنت رسول الله صلَّى الله
عليه وسلم، فأرسلت إلى رسول الله صلَّ الله عليه وسلم تقول: إنَّ نساءك ينشدنك اللهالعدل في بنت أبي بكر، فكلَّمَتْه فقال: يا بنية، ألا تُحِبِّين ما أُحبُّ؟ قالت: بلى. فرجعت إليهنَّ، فأخبرتهنَّ، فقلن: ارجعي إليه، فأبت أن ترجع، فأرسلنَ زينب بنت جحش، فأتته، فأغلظت، وقالت: إنَّ نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة، فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبَّتها، حتى إنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم لينظر إلى عائشة، هل تكلَّم، قال: فتكلَّمَتْ عائشة تردُّ على زينب حتى أسكتتها، قالت: فنظر النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إلى عائشة، وقال: إنَّا بنت أبي بكرٍ)).
وكما علم الصحابة بهذا الحبِّ فقد كان نساء النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يعرفونه، ومن دلائل ذلك ما جاء من حديث أبي قيس في شأن القُبلة للصائم قال: ((أرسلني عبد الله بن عمرو إلى أُمِّ سلمة أسألها، هل كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم؟ فإن قالت: لا، فقل لها: إنَّ عائشة تخبر النَّاس أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كان يُقَبِّل وهو صائم، قال: فسألها: أكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم؟ قالت: لا. قلتُ: إنَّ عائشة تخبر النَّاس أنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم كان يُقَبِّل وهو صائم. قالت: لعلَّه إياها كان لا يتمالك عنها حبًّا، أمَّا إيَّاي فلا)).


وعن عمر رضي الله عنه أنَّه ((دخل على حفصة، فقال: يا بنيَّة، لا يغرنَّكِ هذه التي أعجبها حسنها حبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إيَّاها. يريد عائشة، فقصصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتبسَّم)) وقد ترجم له البخاري
(باب حبِّ الرجل بعض نسائه أفضل من بعض).
وبلغ من علمهم بشدة محبة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لها أن صار شأنها شفيعًا عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، فهذه أُمُّنا سودة رضي الله عنها، عندما حاك في صدرها هاجسٌ ما، وخشيت أن لا تقوم بحقِّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم عليها في أمور البيت والزوجية، ولم يكن بها حاجة للرجال، وخشيت فراق النَّبي صلَّ الله
عليه وسلم لها، تترك يومها الَّذي هو لها لأُمِّنا الصِّدِّيقة، ولم تذهب لزوجة أخرى من زوجات نبينا صلَّ الله عليه وسلم؛ لعلمها بالمحل الأسنى لأُمِّنا الصِّدِّيقة،
والذي لا يشاركها فيه أحد.
وشواهد هذا الفضل لا تنتهي، حتى صارت أُمُّنا عَلمً على سموِّ القدر، وشرف المنزلة عند الله، وعند رسوله صلَّ الله عليه وسلم، حتى كان مسروق رحمه الله إذا


حدث عنها، يقول: (حدَّثتني المبرَّأة المصدَّقة بنت الصِّدِّيق، حبيبة حبيب الله)
.

__________________
  #35  
قديم 10-11-2013, 11:51 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عائشة والأيام الأخيرة من حياة النَّبي صلَّى الله عليه وسلم
ما أشدَّ لحظات الفراق، وما أصعبها على النفس، لولا الصبر والرضا بقضاء الله عزَّ وجلَّ، وها هي عائشة رضي الله عنها تعيش اللحظات الأخيرة من حياة حبيبها صلَّ الله عليه وسلم، بينما لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة.
وكان ابتداء المرض برسول الله صلَّ الله عليه وسلم بوجع في رأسه؛ إذ دخل رسول الله صلَّ الله عليه وسلم على عائشة فقالت: ((
وارأساه، فقال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه)). ومنذ ذلك الحين ابتدأ به صلَّى الله عليه وسلم وجعه، وكان وجعًا في رأسه الكريم، وكان أكثر ما يعتريه صلَّ الله عليه
وسلم الصداع، فجعل مع هذا يدور على نسائه، فما أن اشتدَّ به بالمرض حتى أخذ يسأل: أين أنا غدًا؟ أين أنا غدًا
؟ استبطاءً ليوم عائشة، فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها.
تقول عائشة رضي الله عنها: ((لما ثَقُل رسول الله صلَّ الله عليه وسلم واشتدَّ به وجعه، استأذن أزواجه أن يُمرَّض في بيتي، فأذِنَّ له، فخرج وهو بين الرجلين تخطُّ رجلاه في الأرض؛ بين عباس بن عبد المطلب وبين رجل آخر، قال عبيد الله:
فأخبرت عبد الله بالذي قالت عائشة، فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الَّذي لم تُسَمِّ عائشة؟ قال: قلت: لا. قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب
. وكانت عائشة زوج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم تُحدِّث أنَّ رسول الله
صلَّ الله عليه وسلم لما دخل بيتي واشتد به وجعه قال: هَرِيقوا
عليَّ من سَبْع قِرَب لم تُلل أَوْكِيتهنَّلعلِّي أعهد إلى الناس، فأجلسناه في مِخْضبلحفصة زوج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، ثمَّ طَفِقنا نَصُبُّ عليه من تلك القِرَب حتى طَفِق يشير إلينا بيده أن قد فعلتنَّ، قالت: ثمَّ خرج إلى النَّاس فصلَّى بهم وخطبهم)).

وربما يفهم البعض أنَّ سبب رغبته صلَّ الله عليه وسلم في التمريض في بيت عائشة رضي الله عنها هو حبُّه لها وهو حقٌّ، ولكن لما خصَّ الله سبحانه وتعالى السيدة عائشة رضي الله عنها بكثير من الفضائل والمزايا الفطرية، ووهبها حظًّا وافرًا
من كمال العقل، وقوة الذاكرة، وسرعة الفهم، والذكاء المتوقِّد، والبديهة الواعية، وقدرة التحصيل، والإحاطة بكلِّ ما يقع في متناول ذهنها، ومَلَكة في الاستنباط والاستخراج، وقوة نادرة للاجتهاد، إذًا فلا غرابة أن يكون غرض الرسول صلَّ الله عليه وسلم من التمريض في بيت عائشة، والاستقرار فيه - أن تقوم عائشة بحفظ كلِّ الأقوال والأفعال الصادرة من النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في أيامه الأخيرة.
والحقُّ الَّذي لا مِراء فيه أنَّ المسلمين قد عرفوا الكثير من أمر نبيِّهم وأمر دينهم، وأحواله صلَّ الله عليه وسلم عند الاحتضار، من أحاديث عائشة عن زوجها
المحبوب عليه الصلاة والسلام
.

قالت عائشة رضي الله عنها:
((كان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يقول في مرضه الَّذي مات فيه: يا عائشة، ما أزال أجِد ألم الطعام الَّذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أَبْهَريمن ذلك السُّمِّ)).

__________________
  #36  
قديم 11-11-2013, 12:01 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

واشتدَّ المرض بالنَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم على مرِّ الأيام، حتى لم يسعه أن يصلِّ بالناس في المسجد، وكانت هناك أدعية كان النَّبي صلَّ الله عليه وسلم إذا مرض نفث بها على نفسه، فعائشة رضي الله عنها كذلك كانت تنفث عليه بتلك المعوذات والأدعية، وتمسح بيده، وكان النَّاس عكوفًا ينتظرون النَّبي صلَّ الله عليه


وسلم في المسجد لصلاة الصبح، فكلما ذهب لينوء
أُغمي عليه، فقال: ((مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. قالت عائشة: يا رسول الله، إنَّ أبا بكر رجل رقيق، إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، فلو أمرت غير أبي بكر، قالت: والله ما بي إلا كراهية أن يتشاءم النَّاس بأوَّل من يقوم في مقام رسول الله صلَّ الله عليه وسلم. قالت: فراجعته
مرتين أو ثلاثًا، فقال: ليصلِّ بالناس أبو بكر، فإنكنَّ صواحب يوسف)).
وكان صلَّ الله عليه وسلم قد ترك شيئًا من الذهب عند عائشة رضي الله عنها قبل مرضه الَّذي مات فيه، فتذكَّره في مرضه، فقال لعائشة: ((يا عائشة، ما فعلتِ بالذهب؟ فجاءت ما بين الخمسة إلى السبعة أو الثمانية أو التسعة، فجعل يُقلِّبها
بيده، ويقول: ما ظنُّ محمد بالله عزَّ وجلَّ لو لقيه وهذه عنده، أنفقيها)) وحانت اللحظة الأخيرة من حياة سيد المرسلين صلَّ الله عليه وسلم، وكانت عائشة مسندة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، تقول: ((دخل عليَّ عبد الرحمن وبيده السِّواك، وأنا مسندة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فرأيتُه ينظر إليه، وعرَفت أنَّه يحبُّ السِّواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فتناولته، فاشتدَّ عليه، وقلت: أُليِّنه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، فلَيَّنته، فأمَرَّه، وفي رواية: فاستنَّ بها كأحسن ما رأيته مستنًّا قط)).
وكان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يُعَوِّذ بهذه الكلمات:((


اللهم ربَّ النَّاس، أذهب الباس، واشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سَقَمً)).
تقول عائشة:


((ثقل في مرضه الَّذي مات فيه، أخذت بيده، فجعلتُ أمسحه بها وأقولها، فنزع يده من يدي، وقال: اللهم اغفر لي، وألحقني بالرفيق الأعلى. قالت:
فكان هذا آخر ما سمعت من كلامه

)).
وكانت رضي الله عنها تقول:


((كان رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: إنَّه لم يُقبَض نبيٌّ قطُّ حتى يُرى مقعده من الجنة، ثمَّ يحيا أو يُيَّ. فلما اشتكى وحضره القبض، ورأسه على فخذ عائشة، غُشي عليه، فلما أفاق شَخَص بصرهنحو سقف البيت، ثمَّ قال: اللهمَّ في الرفيق الأعلى. فقلت: إذًا لا يجاورنا، فعرَفت
أنَّه الحديث الَّذي كان يُدِّثنا وهو صحيح

))
وقالت: مات النَّبي صلَّ الله عليه وسلَّم، وإنَّه لبين حاقِنَتِي

وذاقِنَتِي، فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا بعد النَّبي صلَّ الله عليه وسلم.
ومما لا شكَّ فيه أنَّ من أعظم الفضائل، وأهمِّ المناقب للسيدة عائشة رضي الله عنها، أنَّ حجرتها الشريفة كانت المسكن الأخير للنبي صلَّ الله عليه وسلم، ومكان دفنه ووفاته؛ لذا كانت عائشة رضي الله عنها تعتزُّ وتفتخر بما نالت من هذه الفضيلة والكرامة، وتقول: (إنَّ من نِعم الله تعالى عليَّ أنَّ رسول الله صلَّ
الله عليه وسلم تُوُفِّ في بيتي، وفي يومي، وبين سَحْري ونَحْري، وأنَّ الله جمع بين ريقي وريقه عند موته)

.

__________________
  #37  
قديم 11-11-2013, 12:28 AM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عائشة بعد وفاة النَّبي صلَّى الله عليه وسلم
كانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم صدمة كبيرة للمسلمين، وتحكي عائشة رضي الله عنها هذه اللحظات الحرجة، حينما وصل نبأ موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صحابته، وكيف ثبَّت الله أبا بكر رضي الله عنه، مع شدة وقع المصيبة عليه، إذ مات صاحبه، وأحبُّ الخلق إليه، فأخذ أبو بكر بأيدي
المسلمين ليمرُّوا بهذه المرحلة الصعبة، وتحكي لنا عائشة رضي الله عنها ما دار بين المسلمين، حتى اجتمعوا على أبي بكر، ونصبوه خليفة للمسلمين.
تقول رضي الله عنها: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسُّنح - قال إسماعيل: يعني بالعالية - فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنَّه الله، فليقطعنَّ أيدي
رجال وأرجلهم. فجاء أبو بكر، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبَّله، قال: بأبي أنت وأمي، طبت حيًّا وميتًا، والذي نفسي بيده، لا يذيقنَّك الله الموتتين أبدًا. ثم خرج فقال: أيُّا الحالف على رسلك. فلمَّ تكلَّم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم،


فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإنَّ الله حيٌّ لا يموت. وقال: ﴿
إنِكَّ مَيّت وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ(آل عمران: 14)
. وقال: ﴿
وَمَا مُحَمَّدٌ إلِّاَ رَسُول قدَ خَلتَ منِ قبَلۡهِ ٱلرُّسُلُ فإَيِنْ مَّاتَ او قُتلِ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَٰٓلىَ أعۡقَبٰكِمۚۡ
وَمَن ينَقَلبِ عَٰلىَ عَقِبَيۡه فَلَن يضَرُّ ٱلَّلَه شَيۡئا وَسَيَجۡزِي ٱلَّلُه ٱلشَّٰكِرِينَ) (آل عمران: 144)
فنشج الناس يبكون .

وفي رواية: ((أنَّ أبا بكر رضي الله عنه أقبل على فرس من مسكنه بالسُّنح، حتى نزل فدخل المسجد، فلم يُكلِّم الناس
حتى دخل على عائشة، فتيمَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مغشًّى بثوب حِبَة
، فكشف عن وجهه، ثمَّ أكبَّ عليه فقبَّله وبكى، ثمَّ قال: بأبي أنت وأمي، والله لا يجمع الله عليك موتتين، أمَّا الموتة التي كُتبت عليك فقد متَّها. قال الزُّهري: حدَّثني أبو سلمة، عن عبد الله بن عباس: أنَّ أبا بكر خرج وعمر بن الخطاب يُكلِّم

الناس، فقال: اجلس يا عمر. فأبى عمر أن يجلس، فأقبل الناس إليه وتركوا عمر، فقال أبو بكر: أمَّا بعد، فمن كان منكم يعبد محمدًا صلى الله عليه وسلم، فإنَّ محمدًا قد مات، ومن كان منكم يعبد الله، فإنَّ الله حيٌّ لا يموت. قال الله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إلِّاَ رَسُول قدَ خَلتَ منِ قبَلۡهِ ٱلرُّسُلُ فإَيِنْ مَّاتَ او قُتلِ ٱنقَلَبۡتُمۡ عَٰٓلىَ أعۡقَبٰكِمۚۡ
وَمَن ينَقَلبِ عَٰلىَ عَقِبَيۡه فَلَن يضَرُّ ٱلَّلَه شَيۡئا وَسَيَجۡزِي ٱلَّلُه ٱلشَّٰكِرِينَ)(آل عمران: 144)
. وقال: والله لكأنَّ الناس لم يعلموا أنَّ الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقَّاها منه الناس كلُّهم، فما أسمع بشرًا من الناس إلا يتلوها)) بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منَّا أمير ومنكم أمير.، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبوعبيدة بن الجراح،. فذهب عمر يتكلَّم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلَّ أنِّ قد هيَّأت كلامًا قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلَّم أبو بكر فتكلَّم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حُباب بن المنذر: لا والله، لا نفعل، منَّا أمير، ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنَّا الأمراء، وأنتم الوزارء، هم أوسط العرب دارًا، وأعربهم أحسابًا، فبايِعوا عمر أو أبا عبيدة بن الجراح. فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيِّدنا، وخيرنا، وأحبُّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس)).118




__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 11-11-2013 الساعة 12:34 AM
  #38  
قديم 12-11-2013, 11:01 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عائشة في عهد أبي بكر
تولَّ أبو بكر رضي الله عنه الخلافة بعد رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، بعد مبايعة أصحاب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم له.
ولزمت السيدة بعد وفاة النَّبي صلَّ الله عليه وسلم حُجرتها، تُعزِّي نفسها بجواره صلَّ الله عليه وسلم.
ولم يظهر للناس دورها العلمي الَّذي قامت بعد ذلك به ظهورًا بارزًا؛ نظرًا لحداثة العهد بالنبي صلَّ الله عليه وسلم، وفداحة المصيبة بموته صلَّ الله عليه وسلم، مع انشغال النَّاس بحروب الرِّدة.


لكن مع ذلك لما أراد أزواج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم أن يرسلنَ عثمان
إلى أبي بكر يسألنه ميراثهنَّ من رسول الله صلَّ الله عليه وسلم قالت السيدة لهنَّ: ((أوليس قد قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: لا نُورَث، ما تركناه فهو صدقة )).
وكان أبو بكر رضي الله عنه يرجع إلى عائشة في الأمور الشرعية التي تخفى عليه، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان من حديث عائشة قالت: ((دخلت على أبي بكر فقال: في كم كفنتم النَّبي صلَّ الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سَحوليَّة


ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أيِّ يوم تُوُفِّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الاثنين. قال: فأيُّ يوم هذا؟ قالت: يوم الاثنين)).

وكانت رضي الله عنها تقوم بدورها في إجابة المستفتين في عهد أبي بكر، فيقول محمد بن أبي بكر


: (كانت عائشة قد استقلَّت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وهلمَّ جرًّا، إلى أن ماتت، يرحمها الله)

ولم تطل خلافة الصِّدِّيق؛ فكانت خلافته سنتين، وثلاثة أشهر، وعشر ليال. وامتدَّ المرض بأبي بكر خمسة عشر يومًا، والناس يعودونه، والسيدة تُشرف على تمريضه، وأثناء ذلك كانت تُعَزِّي نفسها؛ فتتمثَّل ببعض الأشعار، فيُنبِّهها رضي الله عنه، وهو في سياقة الموت، لتستبدلها بالآيات القرآنية، ولما حضرته الوفاة قالت
رضي الله عنها كلمة من قول حاتم:
لعَمْرك ما يُغني الثَّراءُ عن الفتَى *** إذا حَشْرَجتْ يومًا وضاق بها الصَّدرُ
فقال: لا تقولي هكذا يا بُنيَّة، ولكن قولي: ﴿

وَجَاءٓتَ سَكۡرَة ٱلمۡوۡتِ بٱِلۡحقَۖ ذَلٰكِ مَاكُنتَ مِنۡهُ تَحِيدُ.
وأوصى أبو بكر عائشة رضي الله عنهما أن يُدفَن إلى جنب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، فلما تُوُفِّ حُفِر له في حجرة السيدة، وجُعل رأسه عند كتفي رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وأُلصق اللَّحْد بقبر رسول الله صلَّ الله عليه وسلم


، وجُعل قبر أبي بكر مثل قبر النَّبي صلَّ الله عليه وسلم مسطَّحًا، ورُشَّ عليه الماء.
واختار أبو بكر من بين أولاده ابنته عائشة؛ لتتولَّ تنفيذ وصيته، ومنها قوله لها:
قد كنت نحلتك حائطًا


- بستانًا- وإنَّ في نفسي منه شيئًا، فرُدِّيه إلى الميراث.
قالت: نعم، فرددته، فقال: أما إنَّا منذ ولينا أمر المسلمين لم نأكل لهم دينارًا ولادرهمًا، ولكنَّا قد أكلنا من جَريشطعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير، إلا هذا العبد الحبشي، وهذا
البعير النَّاضِح


، وجَرْد هذه القطيفة، فإذا متُّ فابعثي بهنَّ إلى عمر،وأبرئي منهنَّ.
ففعلت. فلما جاء الرسولُ عمرَ بكى حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض، ويقول: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده؛ رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده

__________________
  #39  
قديم 12-11-2013, 11:16 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عائشة في عهد عمر
بدأت تظهر المكانة العلمية الكبرى لعائشة رضي الله عنها في عهد عمر رضي الله عنه، وكان عمر وغيره من كبار الصحابة إذا أشكل عليهم أمر من الأمور، لاسيما ما يتعلَّق بشؤون الإنسان الخاصة، يسألون عنه أُمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها. فعن
محمود بن لَبيد
قال: (كان أزواج النَّبي صلَّى الله عليه وسلم يحفظن من حديث النَّبي صلَّ الله عليه وسلم كثيرًا، ولا مثلً لعائشة وأُمِّ سلمة، وكانت عائشة تُفتي في عهد عمر وعثمان إلى أن ماتت يرحمها الله، وكان الأكابر من أصحاب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، عمر وعثمان بعده، يرسلان إليها فيسألانها عن السنن).

وكان عمر رضي الله عنه شديد الاهتمام بأُمَّهات المؤمنين
، كثير التفقُّد لأحوالهنَّ. ولما قسم خيبر خيَّ أزواج النَّبي صلَّ الله عليه وسلم بين أن يقْطَع لهنَّ من الأرض، أو يضمن لهنَّ المائة وسق كلَّ عام. وكانت عائشة وحفصة ممن اختار الأوسق.

وقد بلغ من شدة اهتمامه بهنَّ، وحرصه عليهنَّ، وتعظيمه لمقامهنَّ، أنَّنَّ لما استأذنَّه بالحج أرسل معهنَّ عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف، وأمرهما أن يسير أحدهما بين أيديهنَّ والآخر خلفهنَّ، ولا يسايرهنَّ أحد، وقال: (فإذا نزلن فأنزلوهنَّ شِعبًا، ثمَّ كونا على باب الشعب، لا يدخلنَّ عليهنَّ أحد. ثمَّ أمرهما إذا طفن في البيت ألَّايطوف معهنَّ أحد إلا النساء).
وعن عروة قال: قالت عائشة: (كان عمر بن الخطاب يبعث إلينا بأحظائنا من الأكارع، والرؤوس)
.

وكان لعائشة رضي الله عنها عند عمر رضي الله عنه مزيد خصوصية، فقد فرض لأُمَّهات المؤمنين عشرة آلاف، وزاد عائشة ألفين، وقال: (إنَّا حبيبة رسول الله صلَّ الله عليه وسلم).
وأيضًا قدم دُرْج من العراق فيه جوهر إلى عمر، فقال لأصحابه: (تدرون ما ثمنه؟ قالوا: لا. ولم يدروا كيف يقسمونه، فقال: أتأذنون أن أُرسل به إلى عائشة؛ لحبِّ رسول الله إياها؟ قالوا: نعم. فبعث به إليها، فقالت: ماذا فتح الله على ابن الخطاب بعد رسول الله، اللهمَّ لا تُبقني لعطيته لقابل).

وكانت عائشة رضي الله عنها تهاب عمر وتُلُّه. وفي مسندها عدد من الأحاديث ترويها عن النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في فضائله ومناقبه. ولما أرسل عمر رضي الله عنه ولده عبد الله إلى عائشة رضي الله عنها بعدما طُعِن؛ ليستأذنها في أن يُدفن بجانب رسول الله صلَّ الله عليه وسلم وأبي بكر، آثرته على نفسها وأذِنت له، وقالت:(كنت أريده لنفسي، فلأوثرنَّه اليوم على نفسي)
.
وتأمَّل أدب عمر مع أُمِّ المؤمنين رغم أنَّه على فراش الموت، يقول لابنه عبد الله: (انطلق إلى عائشة أُمِّ المؤمنين، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرًا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يُدفن مع صاحبيه). فسلَّم واستأذن، ثمَّ دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن
أن يُدفن مع صاحبيه. فقالت: كنتُ أريده لنفسي، ولأُوثرنَّ به اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر
قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه،لا فقال: ما لديك؟ قال: الَّذي تحبُّ يا أمير المؤمنين أذِنَتْ، قال: الحمد لله، ما كان من شيء أهمَّ إليَّ من ذلك، فإذا أنا قَضَيت فاحملوني، ثمَّ سلِّم، فقل: يستأذن عمر بن

الخطاب، فإن أذنَتْ لي فأدخلوني، وإن ردَّتني رُدُّوني إلى مقابر المسلمين.
__________________
  #40  
قديم 12-11-2013, 11:29 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عائشة في عهد عثمان
اتسعت رقعة الدولة المسلمة في عهد عثمان رضي الله عنه، ودخلت في الإسلام أُمم وشعوب كثيرة، وكثرت حاجة النَّاس إلى علم أُمِّ المؤمنين وفقهها، فقصدوها من كلِّ حَدَب وصَوْب
؛ لذا زادت المكانة العلمية لعائشة رضي الله عنها في خلافة عثمان رضي الله عنه.
ولم يكن عثمان رضي الله عنه أقلَّ من عمر عناية بأُمَّهات المؤمنين، ورعاية لهنَّ، واهتمامًا بشؤونهنَّ، فقد حجَّ بأُمَّهات المؤمنين، فصنع بهنَّ كما صنع عمر، فكان عبد الرحمن بن عوف في موضعه، وجعل في موضع نفسه الصحابي الجليل سعيد
ابن زيد، هذا في مؤخَّر القطار وهذا في مقدَّمه.
ولا شك أنَّ عائشة رضي الله عنها كانت من أعرف النَّاس بفضائل عثمان، ومناقبه، ومكانته عند رسول الله صلَّ الله عليه وسلم، وقد انفردت برواية عدة أحاديث عن النَّبي صلَّ الله عليه وسلم في فضائله ومناقبه، مما يدلُّ دلالة قاطعة على تقديرها له.
وعائشة رضي الله عنها هي التي روت أيضًا حديث وصية النَّبي صلَّ الله عليه وسلم لعثمان؛ لكي لا يتنازل عن الخلافة إن وليها، مهما طلبوا منه ذلك، فقالت: ((قال رسول الله صلَّ الله عليه وسلم: يا عثمان، إنْ ولَّك الله هذا الأمر يومًا، فأرادك المنافقون على أن تخلع قميصك الَّذي قمَّصكالله، فلا تخلعه. يقول ذلك
ثلاث مرات، قال النعمان بن بشير
))): فقلت لعائشة: ما منعك أن تُعلمي النَّاس بهذا؟ قالت: أُنسيته)).

وروت أيضًا أنَّ النَّبي صلَّ الله عليه وسلم قال في مرضه:
((وددتُ أنَّ عندي بعض أصحابي. قلنا: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت، قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: نعم. فجاء فخَلَ به، فجعل النَّبي صلَّ الله عليه وسلم يُكلِّمه، ووَجْه عثمان يتغيَّ، قال قيس بن أبي حازمراوي الحديث عن عائشة: فحدَّثني أبو سهلة مولى عثمان، أنَّ عثمان بن عفان قال يوم الدار: إنَّ رسول الله صلَّ الله عليه وسلم عهد إليَّ عهدًا، فأنا صائر إليه، وفي رواية: فأنا صابر عليه. قال قيس: فكانوا يَرَوْنه ذلك اليوم)).

وظلَّت السيدة عائشة على مودتها لعثمان وتقديرها له، إلى أن قُتِل رضي الله عنه شهيدًا، فكانت رضي الله عنها أوَّل من طالب بدمه، والاقتصاص من ***ته والثائرين عليه، كما سيأتي بيانه إن شاء الله، كما أنَّ عثمان ظلَّ أيضًا على محبته وتقديره، ورعايته
وتكريمه لعائشة وبقية أُمَّهات المؤمنين، إلى آخر حياته رضي الله عنه.
وكان الثائرون والغوغاء
قد غلبوا على المدينة المنورة، وقد بلغت بهم الوقاحة أن اعتدوا على أُمِّ المؤمنين أُمِّ حبيبة رضي الله عنها، عندما حاولت إيصال الماء إلى عثمان، وهو محصور في بيته، بعد أن منعوا عنه الماء، فجاءت راكبة على بغلة، فقطعوا
حزام البغلة، ونَدَّت بها
، وكادت أن تسقط عنها، وكادت تُقْتل لولا تلاحق بها النَّاس فأمسكوا بدابتها، ووقع أمر كبير جدًّا، ولما وقع هذا أعظمه النَّاس جدًّا، ولزم أكثر النَّاس بيوتهم، ولما جاء وقت الحج خرجت أُمُّ المؤمنين عائشة في هذه السنة إلى الحجِّ، فقيل لها: (إنَّك لو أقمت كان أصلح، لعلَّ هؤلاء القوم يهابونك. فقالت: إنِّ أخشى أن أُشير عليهم برأيي، فينالني منهم من الأذيَّة ما نال أُمَّ حبيبة).

وعلمت السيدة بم*** عثمان، وهي في طريق العودة إلى المدينة، فرجعت إلى مكة، وهي لا تقول شيئًا، حتى نزلت على باب المسجد، وقصدت للحِجر فسترت فيه، واجتمع النَّاس إليها، فقالت: (يا أيها الناس، إنَّ الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة اجتمعوا، أن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس
الإِرْب
، واستعمال من حدثت سِنُّه، وقد استعمل أسنانهم قبله، ومواضع من مواضع الحِمى حماها لهم، وهي أمور قد سُبق بها لا يصلح غيرها، فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحًا لهم، فلمَّ لم يجدوا حجةً ولا عذرًا، خلجواوبادَروا بالعدوان، ونبافعلهم عن قولهم، فسفكوا الدم الحرام، واستحلُّوا البلد الحرام، وأخذوا
المال الحرام، واستحلُّوا الشهر الحرام، والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم، ووالله لو أنَّ الَّذي اعتدوا به عليه كان ذنبًا، لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه أو الثوب)
.

هذه هي أوَّل خطب السيدة بعد *** عثمان، وهي تدلُّ على تقديرها لعثمان، وبراءتها من كلِّ ما نُسب إليها من تُم تأليب النَّاس عليه. نعم كانت أحيانًا تُبدي بعض الآراء التي تخالف رأي عثمان رضي الله عنه، وذلك من باب النصيحة، فكانت تنصح باعتبارها أُمًّا للمؤمنين، ممتثلة لقول النَّبي صلَّ الله عليه وسلم: ((الدين
النصيحة))
.
وكلٌّ منهما مجتهد يريد الحقَّ، وأجره يدور ما بين الأجر والأجرين.

__________________
  #41  
قديم 12-11-2013, 11:40 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عائشة في عهد علي


تولَّ علي رضي الله عنه الخلافة بعد م*** عثمان رضي الله عنه، ولم يكن بينه وبين عائشة رضي الله عنها قبل تولِّيه الخلافة ما يدعوها إلى مخالفته، والخروج عليه، بل كانت علاقتها معه قائمة على المودة والتقدير، ولا شكَّ أنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أعرف النَّاس بمقام أُمِّ المؤمنين، ومكانتها العالية عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وهي أيضًا تعرف لعليٍّ رضي الله عنه مكانته وقدره عند النَّبي صلَّ الله عليه وسلم، وقرابته منه، ومصاهرته له، وفضله، وجهاده، وشجاعته، وسابقته.


وكانت ترى أنَّه أولى النَّاس بالخلافة بعد عثمان رضي الله عنه، فقد أخرج الطبري
عن الأحنف بن قيس قال: (حججنا، فإذا النَّاس مجتمعون في وسط المسجد - يعني النبوي - فلقيت طلحةوالزبير، فقلت: إنِّي لا أرى هذا الرجل - يعني عثمان - إلا مقتولً، فمن تأمراني به؟ قالا: عليٌّ. فقدمنا مكة، فلقيت عائشة، وقد بلغنا *** عثمان، فقلت لها: مَن تأمريني به؟ قالت: علي. قال: فرجعنا إلى المدينة فبايعت عليًّا، ورجعت إلى البصرة).
ولما بُويع لعليٍّ رضي الله عنه بالخلافة لم يتغيَّ قلب السيدة عليه، بل كانت ثابتة على موقفها منه رضي الله عنه، ناصحة بمبايعته، أخرج ابن أبي شيبةبسند جيد، عن عبد الرحمن بن أبزىقال: (انتهى عبد الله بن بُدَيْل ابن وَرْقاء الخزاعي إلى عائشة يوم الجمل، وهي في الهَودج، فقال: يا أُمَّ المؤمنين، أتعلمين أنِّي أتيتك
عندما قُتل عثمان، فقلت: ما تأمريني؟ فقلتِ: الزم عليًّا. فسكتت)


.
وقد جرى بينها وبين علي رضي الله عنه شيءٌ من الخلاف في شأن قَتَلة عثمان، كالخلاف الَّذي جرى بين طلحة والزبير وغيرهم من الصحابة مع عليٍّ ومن معه، رضي الله عنهم أجمعين، مع بقاء الودِّ، ومعرفة الفضل بينهم، وسيأتي تفصيل الكلام عن هذا الشأن عند الحديث عن موقعة الجمل، وما دار بين عائشة وعليٍّ رضي الله عنهما، وما تعلَّق به الروافض من شبهات حول هذا الأمر


.
وقد نبتت نابتة الخوارج في خلافة علي رضي الله عنه، فكان لها موقف حازم منهم ومن انحرافهم، فقد كان أهل العراق ومصر يسُبُّون عثمان رضي الله عنه، وأهل الشام يسُبُّون عليًّا، أما الخوارج فيسبونهما، فلما أُخبِت عائشة بذلك قالت: (أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فسبُّوهم).
قال الإمام النووي: قولها: (أُمِروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلَّ الله عليه وسلم فسبُّوهم) قال القاضي: الظاهر أنَّا قالت هذا عندما سمعت أهل مصر يقولون في عثمان ما قالوا، وأهل الشام في عليٍّ ما قالوا، والحرورية في الجميع ما قالوا


.
وكانت الخوارج لما اعتزلوا عليًّا رضي الله عنه نزلوا بحروراء


، لذا سُمُّوا حروريَّة.
وجاءت امرأة إليها تسألها: أَتَجْزِي إحدانا صلاتها إذا طَهُرَتْ؟ فقالتْ: أحَروريَّة أنتِ؟ كنا نَحِيضُ مع النَّبي صلَّ الله عليه وسلم فلايأمرنا به، أَو قالتْ: فلا نفعله.
فدلَّ قولها: (أحروريَّة أنت). على أنَّا كانت تكره هذه الفرقة، وتنكر عليها، وتراها طائفة خارجة عن السنة.


__________________
  #42  
قديم 13-11-2013, 09:29 AM
Miyoko8456 Miyoko8456 غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Nov 2013
المشاركات: 1
معدل تقييم المستوى: 0
Miyoko8456 is on a distinguished road
افتراضي

معلومات لطيفة.
  #43  
قديم 13-11-2013, 10:08 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة miyoko8456 مشاهدة المشاركة
معلومات لطيفة.
شكراً
بارك لله فيك
__________________
  #44  
قديم 16-11-2013, 11:27 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

عائشة في عهد معاوية
تأثَّرت السيدة عائشة رضي الله عنها بيوم الجمل كثيرًا، وكان بالنسبة لها بشكل خاص مأساة مروعة، أُصيبت فيه بخيبة أملٍ مريرةٍ، فقد خرجت تسعى لرأب صدع الأمة وإصلاحه، فازداد الصدع، واتسع الخرق، واجتلد المسلمون أمام عينها، وسفكوا دماء بعضهم بين يديها. فلزمت السيدة حجرتها، وانقطعت للعبادة، وقسَّمت ليلها ونهارها بين: صلاة، وصيام، واستغفار، وصدقات، ونشر علم، وبيان سنة.
ولم تكن علاقة السيدة مع معاوية كما كانت مع الخلفاء الراشدين، إلَّ أنَّه أيضًا لم يكن بينهما قبل تولِّيه الخلافة ما يعكِّر صفو العلاقة بينهما، بل كان معاوية وغيره من الصحابة يُجِلُّون أُمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، بل كان متفقًا مع عائشة رضي الله نهما في الرأي حول المطالبة بدم عثمان.
ورغم أنَّ معاوية رضي الله عنه حرص حرصًا شديدًا على أن يُحسِّن علاقته مع عائشة رضي الله عنها بعد تولِّيه الخلافة، فقد حدثت عدة حوادث استوجبت تعكيرالعلاقة بينهما:
- منها: *** أخيها محمد بن أبي بكر سنة ثمان وثلاثين في مصر، وقد كان واليًا عليٍّ رضي الله عنه عليها، فثار عليه الموالون لمعاوية، بزعامة معاوية بن حُدَيْج لسَّكُونِّى، وأمدَّهم معاوية بجيش كثيف، بقيادة عمرو بن العاص، فهُزم جيش محمد بن أبي بكر، ووقع أسيرًا في يد معاوية بن حديج، ف***ه، ثمَّ ألقاه في جيفة حمار فأحرقه بالنار، فلما بلغ عائشة م***ه جزعت عليه جزعًا شديدًا، وقنتت في دبر الصلاة تدعو على معاوية وعمرو، ثمَّ قبضت عيال محمد إليها، فكان القاسم بن محمد بن أبي بكرفي عيالها. ومع ما حدث من معاوية بن حُدَيج من *** أخيها، إلا أنَّ ذلك لم يمنعها من أن تثني عليه، حين بلغها حُسن معاملته لرعيته، فقد سألت عبد الرحمن بن شُماسة لما لما دخل عليها:
((ممن أنت؟ قال: رجل من أهل مصر. فقالت: كيف كان صاحبكم لكم في غزاتكم هذه؟ فقال: ما نقمنا منه شيئًا، إن كان ليموت للرجل منَّا البعير فيعطيه البعير، والعبد فيعطيه العبد، ويحتاج إلى النفقة فيعطيه النفقة. فقالت: أما إنَّه لا يمنعني الَّذي فعل في محمد بن أبي بكر أخي، أن أخبرك ما سمعت من رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقول في بيتي هذا: اللهمَّ من ولي من أمر أمتي شيئًا فشقَّ عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فارفق به.
وقد قام معاوية بزيارتها؛ حرصًا منه على تحسين العلاقة التي ساءت بينهما على إثر *** أخيها محمد بن أبي بكر، فكانت تعظه وتنصحه.

- ومنها: منع مروان بن الحكم وكان واليًا على المدينة مِن قِبَل معاوية أن يدفن الحسن بن عليرضي الله عنهما في الحجرة الشريفة، بعد أن أذنت أُمُّ المؤمنين عائشة بذلك.
- ومنها: ما حدث بين عائشة رضي الله عنها ومروان بن الحكم، عندما أراد معاوية رضي الله عنه أن يستخلف ولده يزيد، وأن يستوثق له في ذلك، فكتب إلى مروان عامله على الحجاز، فجمع مروان الناس، فخطبهم، فذكر يزيد، ودعا إلى
بيعته، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر:(أجئتم بها هِرَقليَّة تبايعون لأبنائكم؟ فقال مروان: خذوه. فدخل بيت عائشة، فلم يقدِروا عليه، فقال مروان: إنَّ هذا الَّذي أنزل الله فيه: ﴿وَٱلَّذِي قَالَ لِوَلَٰدِيۡهِ أفّٖ لَّكُمَا أتعِدَاننِىِٓ..) فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل الله فينا شيئًا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري.


__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 16-11-2013 الساعة 11:33 PM
  #45  
قديم 16-11-2013, 11:32 PM
الصورة الرمزية محمد رافع 52
محمد رافع 52 محمد رافع 52 غير متواجد حالياً
مشرف ادارى متميز للركن الدينى ( سابقا )
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 19,444
معدل تقييم المستوى: 36
محمد رافع 52 will become famous soon enough
افتراضي

وكان معاوية يسترضيها، ويجزل لها العطايا، يقول عروة: (ما كانت عائشة تستجدُّ ثوبًا حتى تُرقع ثوبها وتنكسه، ولقد جاءها يومًا من عند معاوية ثمانون ألفًا، فما أمسى عندها درهم، قالت لها جاريتها: فهلَّ اشتريتِ لنا منه لحمً بدرهم؟ قالت: لو ذكَّرتيني لفعلتُ).

وكان يُراسلها مستنصحًا؛ فقد كتب إليها:
(أن اكتبي إليَّ كتابًا ولا تُكثري علي، فكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: سلام عليك، أما بعد؛ فإنِّ سمعت رسول الله صلَّ الله عليه وسلم يقول: ((من التمس رضاء الله بسخط الناس، كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضاء النَّاس بسخط الله، وكَلَه الله إلى الناس)). والسلام عليك).


ولم نجد شيئًا يدلُّ على معارضتها تولِّ معاوية الخلافة، ولكن مع ذلك فقد أنكرت عليه بعض تصرفاته، واشتدَّ نكيرها عليه لما *** حُجْر بن عديٍّ
.

وقد امتدَّت مدة حكم معاوية عشرين سنة، عاشت منها عائشة رضي الله عنها ثماني عشرة سنة، وتُوُفِّيت قبل انتهاء حكمه بسنتين.
__________________

آخر تعديل بواسطة محمد رافع 52 ، 16-11-2013 الساعة 11:34 PM
 

العلامات المرجعية


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


جميع الأوقات بتوقيت GMT +2. الساعة الآن 01:42 AM.