مشاهدة النسخة كاملة : موسوعة الأخلاق الإسلامية


الصفحات : 1 2 3 [4] 5 6

محمد رافع 52
16-06-2013, 10:44 PM
حكم النَّصِيحَة
أولًا: اتفق العلماء على أنها واجبة.
ثانيًا: اختلفوا في نوع فرضيتها؛ فذهب بعضهم إلى أنها فرض عين، وذهب البعض الآخر إلى أنها فرض كفاية .
والدليل على وجوب النَّصِيحَة: قوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي سبق ذكره ((الدين النَّصِيحَة...)) .
وما ورد في حديث جرير رضي الله عنه، حيث قال: ((بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة...)) ، وغيره من الأحاديث.
قال ابن مفلح: (ظاهر كلام أحمد والأصحاب وجوب النصح للمسلم، وإن لم يسأله ذلك كما هو ظاهر الأخبار) .
وقال ابن بطال: (النَّصِيحَة فرض يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين. قال: والنَّصِيحَة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 10:54 PM
صور النَّصِيحَة

أ- النَّصِيحَة لله تعالى:
من صور النَّصِيحَة لله تعالى:
1- (الإيمان به ونفي الشريك عنه.
2- ترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها.
3- تنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص.
4- القيام بطاعته واجتناب معصيته.
5- الحب فيه، والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به.
6- الاعتراف بنعمته وشكره عليها.
7- الإخلاص في جميع الأمور.
8- الدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها والتلطف في جميع الناس أو من أمكن منهم عليها، قال الخطابي: وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه فالله تعالى غني عن نصح الناصح) .
9- (الخضوع له ظاهرًا وباطنًا، والرغبة في محابه، بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه، بترك معصيته، والجهاد في رد العاصين إليه) .
ب- النَّصِيحَة لكتابه سبحانه وتعالى:
وتشمل صورًا عدة منها:
(الإيمان بأنَّه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق.
تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة.
الذب عنه لتأويل المحرِّفين، وتعرض الطاعنين.
التصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله.
الاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه.
البحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه) .
ج- النَّصِيحَة لرسوله صلى الله عليه وسلم:
من صور النَّصِيحَة لرسوله صلى الله عليه وسلم:
(1- تصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به.
2- طاعته في أمره ونهيه.
3- نصرته حيًّا وميتًا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه.
4- إعظام حقِّه وتوقيره.
5- إحياء طريقته، وسنته، وبثُّ دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها والدعاء إليها.
6- التخلُّق بأخلاقه والتأدب بآدابه.
7- محبة أهل بيته، وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته، أو تعرض لأحد من أصحابه، ونحو ذلك) .
د- النَّصِيحَة لأئمة المسلمين:
من صور النَّصِيحَة لأئمة المسلمين:
1- (إعانتهم على ما حُمِّلوا القيام به.
2- تنبيههم عند الغفلة، وسدُّ خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، وردُّ القلوب النافرة إليهم.
3- دفعهم عن الظلم (http://dorar.net/enc/akhlaq/2346) بالتي هي أحسن) .
4- (معاونتهم على الحقِّ، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف.
5- إعلامهم بما غفلوا عنه، ولم يبلغهم من حقوق المسلمين.
6- ترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم.
7- الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم.
8- أن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم.
9- أن يُدعى لهم بالصلاح) .
ه- النَّصِيحَة لعامة المسلمين:
تندرج تحت النَّصِيحَة لعامة المسلمين صور كثيرة منها:
1- (الشَّفقة عليهم.
2- السعي فيما يعود نفعه عليهم.
3- تعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم.
4- أن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه) .
5- (إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم.
6- ستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم.
7- أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص.
8- توقير كبيرهم، ورحمة صغيرهم.
9- تخولهم بالموعظة الحسنة.
10- ترك غشِّهم وحسدهم.
11- الذبُّ عن أموالهم وأعراضهم) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 10:59 PM
ضوابط في النَّصِيحَة
1- الإخلاص في النَّصِيحَة:
على الناصح أن يرجو بنصيحته وجه الله تبارك وتعالى، فلا يقصد بنصيحته الأغراض الدنيوية من رياء، وسمعة، وحب شهرة وغيرها، أو عيب المنصوح والحطَّ من قدره. قال تعالى: أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 3]، وقال سبحانه: وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّما الأعمال بالنيات، وإنما لكلِّ امرئ ما نوى)) .
2- العلم بما ينصح به:
الذي يقوم بالنَّصِيحَة لا ينصح في أمر يجهله، بل لا بد أن يكون عالـمًا بما ينصح به، قال تعالى: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء: 36].
3- أن لا يجهر بنصيحته:
بل ينبغي أن يسرَّ بنصيحته للمنصوح له، فلا ينصحه أمام الملأ:
قال الشافعي:


تعمدني بنصحك في انفرادي***وجنبني النَّصِيحَة في الجماعة



فإن النصح بين الناس نوع***من التوبيخ لا أرضى استماعه



وإن خالفتني وعصيت قولي***فلا تجزع إذا لم تعط طاعة



وقال أيضًا: (من وعظ أخاه سرًّا، فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية، فقد فضحه وشانه) .
وعن سليمان الخواص قال: (من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما فضحه) .
وقال ابن رجب: (كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد، وعظوه سرًّا حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه، فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه) .
وقال ابن حزم: (إذا نصحت فانصح سرًّا لا جهرًا، أو بتعريض لا بتصريح، إلا لمن لا يفهم، فلا بدَّ من التصريح له) .
4- مراعاة الوقت والمكان المناسب.
5- اللين والرفق في النَّصِيحَة:
أن تكون النَّصِيحَة بالرفق واللين، والأسلوب الحسن، مع انتقاء الألفاظ المحبَّبة، وعدم استخدام الأساليب المنفِّرة، قال تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125].
وقال سبحانه: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ [الإسراء: 53].
فعن ثابت، أن صلة بن أشيم وأصحابه، أبصروا رجلًا قد أسبل إزاره، فأراد أصحابه أن يأخذوه بألسنتهم، فقال صلة: (دعوني أكفيكموه، فقال: يا ابن أخي إنَّ لي إليك حاجة، قال: فما ذاك يا عم؟ قال: ترفع إزارك، قال: نعم، ونعمة عين، فقال لأصحابه: هذا كان مثل لو أخذتموه بشدة؟ قال: لا أفعل، وفعل) .
6- أن لا تكون النَّصِيحَة على شرط القبول:
قال ابن حزم: (لا تنصح على شرط القبول منك، فإن تعديت هذه الوجوه، فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة لا مؤدي حق ديانة وأخوة، وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة، ولكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 11:13 PM
وسائل وأساليب النَّصِيحَة
1- البدء بقضاء حاجته ثمَّ القيام بنصيحته:
مما يدل على ذلك ما روي عن حكيم بن حزام قال: ((سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال لي: يا حكيم، إنَّ هذا المال خضر حلو، فمن أخذه بسخاوة نفس بُورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارَك له فيه، وكان كالذي يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى. قال حكيم: فقلت: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر يدعو حكيمًا ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إنَّ عمر دعاه ليعطيه فيأبى أن يقبله، فقال: يا معشر المسلمين، إني أعرض عليه حقَّه الذي قسم الله له من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه فلم يرزأ حكيم أحدًا من الناس بعد النَّبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي رحمه الله)) .
2- تقديم الهدية:
الهدية لها أثرها في النفس، كما أنها تحمل معاني تربوية، ووصايا إيمانية.
3- التواصل بالرسائل:
وهي وسيلة جيِّدة للتناصح، وقد استعملها الرسول صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الإسلام، وما زال السلف الصالح يقتفون أثره في هذه السنة المباركة.
4- الزيارة للعلماء والدعاة:
فالمنصوح قد يتقبل من شخص دون آخر؛ ولذلك فقد يكون من وسائل قبول بعض الناس للنصيحة زيارة عالم تقي، أو داعية جليل، يسوق النَّصِيحَة بأسلوبه المؤثر.
5- الصحبة والخلطة:
الصحبة من الوسائل التي توثق الصلة بالأشخاص، وتقرِّب الداعية من المدعو، وكلما كانت العلاقة أعمق، كان التناصح أكبر وأسرع، فالعلاقات السطحية بالمدعوين، قد لا تمكن الداعية من إيصال نصحه إليهم، ولذلك لا بد من اللقاءات الأخوية، والرحلات التربوية، والمخيمات الدعوية .

محمد رافع 52
16-06-2013, 11:16 PM
نماذج من نصائح الرسول صلى الله عليه وسلم

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناصح صحابته في جميع الأمور، فكان يناصحهم في الأمور التعبدية، والقضايا الدعوية، والشؤون الأسرية وغيرها.
- فعن معاذ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إنك تأتي قومًا من أهل الكتاب. فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم خمس صلوات في كلِّ يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقة تُؤخذ من أغنيائهم فتردُّ في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنَّه ليس بينها وبين الله حجاب)) .
- وأيضًا نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذًا وأبا موسى الأشعري حينما بعثهما إلى اليمن فقال: ((يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) .
- تعليمه صلى الله عليه وسلم للرجل الصلاة، كما في الحديث المشهور بحديث المسيء صلاته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النَّبي صلى الله عليه وسلم، فردَّ، وقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصل. فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِّ ثلاثًا. فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلِّمني. فقال: إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئنَّ راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها)) .
- وعن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها: ((أن أبا عمرو بن حفص طلَّقها البتَّة، وهو غائب، فأرسل إليها وكيله بشعير فسخطته، فقال: والله! ما لك علينا من شيء، فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال لها: ليس لك عليه نفقة، فأمرها أن تعتدَّ في بيت أمِّ شريك، ثمَّ قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي. اعتدِّي عند ابن أمِّ مكتوم، فإنَّه رجل أعمى تضعين ثيابك، فإذا حللت فآذنيني، قالت: فلمَّا حللت ذكرت له أنَّ معاوية ابن أبي سفيان وأبا جهم خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمَّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأمَّا معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد. فكرهته، ثمَّ قال: انكحي أسامة. فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا واغتبطت به)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كنت عند النَّبي صلى الله عليه وسلم، فأتاه رجل فأخبره أنَّه تزوَّج امرأة من الأنصار، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنظرت إليها؟ قال: لا. قال: فاذهب فانظر إليها، فإنَّ في أعين الأنصار شيئًا)) .
- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((إنَّ عبد الله هلك وترك تسع بنات -أو قال: سبع- فتزوَّجت امرأة ثيِّبًا. فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر، تزوَّجت؟ قال: قلت: نعم. قال: فبكر أم ثيِّب؟ قال: قلت: بل ثيِّب يا رسول الله! قال: فهلَّا جارية تلاعبها وتلاعبك- أو قال: تضاحكها وتضاحكك؟- قال: قلت له: إنَّ عبد الله هلك وترك تسع بنات- أو سبع- وإنِّي كرهت أن آتيهنَّ أو أجيئهنَّ بمثلهنَّ، فأحببت أن أجيء بامرأة تقوم عليهنَّ وتصلحهنَّ. قال: فبارك الله لك أو قال لي خيرًا)) .
- وعن جابر بن عبد الله قال: ((أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال: ألك مال غيره؟ فقال: لا. فقال: من يشتريه مني؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي بثمانمائة درهم، فجاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه، ثُمَّ قال: ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا. يقول فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك)) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 11:19 PM
نماذج من نصائح السلف
- عن أبي جحيفة، قال: ((آخى النَّبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدرداء فرأى أمَّ الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كلْ، قال: فإني صائم، قال: ما أنا بآكل حتى تأكل، قال: فأكل، فلما كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم. فنام، ثم ذهب يقوم فقال: نم. فلما كان من آخر الليل، قال سلمان: قم الآن. فصليا، فقال له سلمان: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى النَّبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان)) .
- وعن علقمة قال: (كنَّا جلوسًا مع ابن مسعود، فجاء خبَّاب فقال: يا أبا عبد الرحمن، أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ؟ قال أمَّا إنك لو شئت أمرت بعضهم يقرأ عليك. قال: أجل. قال: اقرأ يا علقمة، فقال زيد ابن حدير أخو زياد بن حدير: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟! قال: أما إنَّك إن شئت أخبرتك بما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم في قومك وقومه، فقرأت خمسين آية من سورة مريم، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال قد أحسن، قال عبد الله: ما أقرأ شيئًا إلا وهو يقرؤه، ثم التفت إلى خبَّاب وعليه خاتم من ذهب فقال: ألم يأن لهذا الخاتم أن يلقى؟ قال: أما إنك لن تراه عليَّ بعد اليوم فألقاه) .
- وعن ابن حرملة، مولى أسامة بن زيد (أنَّ الحجاج بن أيمن ابن أم أيمن -وكان أيمن أخا أسامة لأمه، وهو رجل من الأنصار- فدخل الحجاج، فصلى صلاة لا يتم ركوعه ولا سجوده، فرآه ابن عمر، فدعاه حين فرغ، فقال: يا ابن أخي، أتحسب أنك صليت؟ إنَّك لم تصلِّ، فعُد لصلاتك) .
- دخل عطاء بن أبي رباح على هشام بن عبد الملك، فقال له هشام: (مرحبًا مرحبًا هاهنا، هاهنا، فرفعه حتى مسَّت ركبته ركبته، وعنده أشراف الناس يتحدَّثون فسكتوا. فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين، أهل الحرمين أهل الله، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم؛ قال: نعم، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة. ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الحجاز وأهل نجد، أصل العرب وقادة الإسلام تردُّ فيهم فضول صدقاتهم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن تُردَّ فيهم صدقاتهم. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم، ويقاتلون عدوكم قد أجريتم لهم أرزاقًا تدرُّها عليهم، فإنهم إن يهلكوا غزيتم. قال: نعم، اكتب بحمل أرزاقهم إليهم يا غلام. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، أهل ذمتكم لا تجبى صغارهم ولا تتعتع كبارهم، ولا يكلفون ما لا يطيقون، فإنَّ ما تجبونه معونة لكم على عدوكم. قال: نعم، اكتب يا غلام بأن لا يحمَّلوا ما لا يطيقون. هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، اتقِ الله في نفسك، فإنَّك وحدك، وتموت وحدك، وتحشر وحدك، وتحاسب وحدك، لا والله ما معك ممن ترى أحد.
قال: وأكبَّ هشام، وقام عطاء. فلمَّا كنا عند الباب، إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما فيه أدراهم أم دنانير! وقال: إنَّ أمير المؤمنين أمر لك بهذا. قال: لا أسألكم عليه أجرًا، إنَّ أجري إلا عند ربِّ العالمين. ثم خرج عطاء، ولا والله ما شرب عندهم حسوة من ماء فما فوقه) .
- وعن هارون بن عبد الله الحمَّال قال: (جاءني أحمد بن حنبل بالليل فدقَّ عليَّ الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أنا أحمد، فبادرت أن خرجت إليه، فمسَّاني ومسَّيته، قلت: حاجة يا أبا عبد الله؟ قال: نعم، شغلت اليوم قلبي، قلت: بماذا يا أبا عبد الله؟ قال: جزت عليك اليوم وأنت قاعد تحدث الناس في الفيء، والناس في الشمس بأيديهم الأقلام والدفاتر، لا تفعل مرة أخرى، إذا قعدت فاقعد مع الناس) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 11:20 PM
الأمثال في النَّصِيحَة
- أخُوك من صَدَقَك النَّصِيحَة. أي صدقك في النَّصِيحَة .
- اسْمَعْ مِمَّنْ لاَ يَجِدُ مِنْكَ بُدًّا.
يضرب في قبول النَّصِيحَة، أي: اقْبَلْ نصيحة من يطلب نفعك يعني الأبوين، ومن لا يستجلب بنصحك نفعًا إلى نفسه، بل إلى نفسك .
- إنَّ كَثِير النَّصِيحَة يَهجُم عَلَى كَثِيرِ الظِّنَّةِ. أي إذا بالَغْتَ في النَّصِيحَة اتَّهمك من تنصحه .

محمد رافع 52
16-06-2013, 11:26 PM
النَّصِيحَة في واحة
قال علي بن مقرب:


وما كُلُّ من يبدي المودة ناصحٌ***كما ليس كُلُّ البرقِ يصدقُ خائلهْ



وقد يظهرُ المقهورُ أقصى مودةٍ***وأوهاقه مبثوثة ومناجلهْ



وقال عبد اللَّه السابوري:


من كانَ ذا نصيحةٍ نَهاكا***ومن يكنْ ذا بُغْضةٍ أغراكا



وقال المعري:


متى يولكَ المرءُ الغريبُ نصيحةً***فلا تُقْصهِ وأجب الرفيقَ وإِنَ ذمَّا



ولا تكُ ممن قَرَّبَ العبدَ شارخًا***وضَيَّعَه إِذا صار من كِبَرٍ هَمَّا



وقال الأصمعي:


النصحُ أرخص ماباع الرجالُ فلا***ترددْ على ناصحٍ نُصْحًا ولا تَلُمِ



إِنَّ النصائحَ لا تخفَى مَناهِجُها***على الرجالِ ذوي الألبابِ والفهمِ



وقال الصاحب شرف الدين الأنصاري:


واصبِرْ على مُرِّ النَّصِيحَة واغْتَبطْ***بودادِ من لا قالَ بالإِحفاظِ



إِن تنسَ ما أجرمْتَ فهو مسطرٌ***بأكفِّ أملاكٍ له حُفاظِ



وقال شوقي:


آفةُ النصحِ أن يكون لجاجًا***وأذى النُّصحِ أن يكون جِهارا



وقال أيضًا:


لكَ نُصْحي وما عليكَ جِدالي***آفةُ النصحِ أن يكون جِدالا



وقال عبد اللَّه بن معاوية الجعفري:


لا تبخلنْ بالنصحِ إِنَّ ضؤولة***بالمرءِ غشُّ المستشيرِ المجهَدِ



وأجبْ أخاكَ إِذا استشارَكَ ناصحًا***وعلى أخيكَ نصيحةً لاتردُدِ



وقال الأرجاني:


فما كُلُّ ذي نُصْحٍ بمؤتيكَ نُصْحَهُ***ولا كلُّ مؤتٍ نُصْحَهُ بلبيبِ



ولكن إِذا ما استجمعا عند واحدٍ***فحُقَّ له من طاعةٍ بنَصيبِ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=qy2-UbOvMo6sPPDUgeAC&psig=AFQjCNGTLAHCBG_BrzzNFXE1ftg-SNeY4g&ust=1371504421244630)

محمد رافع 52
16-06-2013, 11:29 PM
الورع

معنى الورع لغةً واصطلاحًا

معنى الورع لغةً:
الورع: التَّـقْوَى، والتَّحَرُّج، والكَفُّ عن المحارِم. من وَرِعَ الرَّجُلُ، كوَرِثَ، والورِع، بكسر الرَّاءِ: الرجلُ التَّقِي المتَحَرِّج، والورَعُ في الأصل: الكَفُّ عن المحارِم والتحَرُّج منه، ثم اسْتعِير للكفِّ عن المباح والحلالِ .
معنى الورع اصطلاحًا:
الورع: هو اجتناب الشبهات؛ خوفًا من الوقوع في المحرمات .
وعرفه القرافي بقوله: (ترك ما لا بأس به؛ حذرًا مما به البأس) .
وقال الكفوي: (الورع: الاجتناب عن الشبهات سواء كان تحصيلًا أو غير تحصيل) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 11:32 PM
الفرق بين الزهد والورع
قال ابن القيم: (والفرق بينه وبين الورع: أنَّ الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة. والورع ترك ما يخشى ضرره في الآخرة) .

محمد رافع 52
16-06-2013, 11:36 PM
الترغيب في الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) من السنة النبوية

- عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة بن اليمان رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فضل العلم أحبُّ إليَّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع)) .
قال المناوي: (لأنَّ الوَرِع دائم المراقبة للحقِّ، مستديم الحذر أن يمزج باطلًا بحقٍّ، كما قال الحبر: كان عمر كالطير الحذر. والمراقبة توزن بالمشاهدة، ودوام الحذر يعقب النجاة والظفر) .
- وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإنَّ الصدق (http://dorar.net/enc/akhlaq/831) طمأنينة، وإنَّ الكذب ريبة)) .
قال ابن حجر: (قوله: ((يريبك)). بفتح أوله ويجوز الضمُّ، يقال: رابه يريبه بالفتح، وأرابه يريبه بالضمِّ ريبة، وهي الشكُّ والتردد، والمعنى إذا شككت في شيء فدعه، وترك ما يُشَكُّ فيه أصل عظيم في الورع... قال الخطابي: كلُّ ما شككت فيه، فالورع اجتنابه) http://www.dorar.net/misc/tip.gif .
- وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحلال بيِّن، والحرام بيِّن، وبينهما مشبَّهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتَّقى المشبَّهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراع يرعى حول الحِمَى يوشك أن يُواقعه، ألا وإنَّ لكلِّ ملك حمى، ألا إنَّ حمى الله في أرضه محارمه، ألا وإنَّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلُّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلُّه، ألا وهي القلب)) .
قال ابن رجب: (هذا الحديث حديث عظيم؛ وهو أحد الأحاديث التي مدار الدين عليها، وقد قيل: إنَّه ثلث العلم أو ربعه... ومعنى الحديث: أنَّ الله أنزل كتابه، وبيَّن فيه حلاله وحرامه، وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما خفي من دلالة الكتاب على التحليل والتحريم، فصرَّح بتحريم أشياء غير مصرَّح بها في الكتاب، وإن كانت عامتها مستنبطة من الكتاب وراجعة إليه، فصار الحلال والحرام على قسمين:
أحدهما: ما هو واضح لا خفاء به على عموم الأمة؛ لاستفاضته بينهم وانتشاره فيهم، ولا يكاد يخفى إلا على من نشأ ببادية بعيدة عن دار الإسلام؛ فهذا هو الحلال البيِّن والحرام البيِّن. ومنه: ما تحليله وتحريمه لعينه، كالطيبات من المطاعم، والمشارب والملابس، والمناكح، والخبائث من ذلك كله. ومنه: ما تحليله وتحريمه من جهة كسبه، كالبيع، والنكاح، والهبة، والهدية، وكالربا، والقمار، والزنا، والسرقة، والغصب، والخيانة، وغير ذلك.
القسم الثاني: ما لم ينتشر تحريمه وتحليله في عموم الأمة؛ لخفاء دلالة النص عليه، ووقوع تنازع العلماء فيه ونحو ذلك، فيشتبه على كثير من الناس، هل هو من الحلال أو من الحرام؟ وأمَّا خواص أهل العلم الراسخون فيه فلا يشتبه عليهم؛ بل عندهم من العلم الذي اختصوا به عن أكثر الناس ما يستدلون به على حلِّ ذلك أو حرمته، فهؤلاء لا يكون ذلك مشتبهًا عليهم لوضوح حكمه عندهم.
أما من لم يصل إلى ما وصلوا إليه فهو مشتبه عليه؛ فهذا الذي اشتبه عليه إن اتقى ما اشتبه عليه حلَّه وحرمه، واجتنبه فقد استبرأ لدينه وعرضه، بمعنى أنه طلب لهما البراءة مما يشينهما، وهذا معنى الحديث الآخر: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)). وهذا هو الورع، وبه يحصل كمال التقوى) .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:00 AM
أقوال السلف والعلماء في الورع
- قال أبو الدرداء: (تمام التقوى أن يتقي اللهَ العبدُ، حتى يتقيه من مثقال ذرة، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال، خشية أن يكون حرامًا، حجابًا بينه وبين الحرام) .
- وقال الحسن: (مازالت التقوى بالمتقين؛ حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام).
- وقال الثوري: (إنما سموا المتقين؛ لأنهم اتقوا ما لا يُتَّقى. ورُوي عن ابن عمر قال: إني لأحبُّ أن أدع بيني وبين الحرام سترة من الحلال لا أخرقها).
- وقال ميمون بن مهران: (لا يسلم للرجل الحلال؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال).
- وقال سفيان بن عيينة: (لا يصيب عبد حقيقة الإيمان؛ حتى يجعل بينه وبين الحرام حاجزًا من الحلال، وحتى يدع الإثم وما تشابه منه) .
- وقال إبراهيم بن أدهم: (الورع ترك كلِّ شبهة، وترك ما لا يعنيك هو ترك الفضلات).
- وقال الشبلي: (الورع أن يتورَّع عن كلِّ ما سوى الله. وقال إسحاق بن خلف: الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) في المنطق أشدُّ منه في الذهب والفضة، والزهد في الرياسة أشدُّ منه في الذهب والفضة؛ لأنهما يبذلان في طلب الرياسة).
- وقال أبو سليمان الداراني: (الورع أول الزهد، كما أنَّ القناعة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1201) أول الرضا).
- وقال يحيى بن معاذ: (الورع الوقوف على حدِّ العلم من غير تأويل). وقال: (الورع على وجهين: ورع في الظاهر، وورع في الباطن، فورع الظاهر أن لا يتحرك إلا لله، وورع الباطن هو أن لا تُدخل قلبك سواه). وقال: (من لم ينظر في الدقيق من الورع؛ لم يصل إلى الجليل من العطاء).
- وقيل: (الورع الخروج من الشهوات، وترك السيئات).
- وقيل: (من دقَّ في الدنيا ورعه - أو نظره - جلَّ في القيامة خطره).
- وقال يونس بن عبيد: (الورع الخروج من كلِّ شبهة، ومحاسبة النفس في كلِّ طرفة عين).
- وقال سفيان الثوري: (ما رأيت أسهل من الورع، ما حاك في نفسك فاتركه).
- وقال سهل: (الحلال هو الذي لا يُعصَى الله فيه، والصافي منه الذي لا ينسى الله فيه، وسأل الحسن غلامًا، فقال له: ما ملاك الدين؟ قال: الورع. قال: فما آفته؟ قال: الطمع. فعجب الحسن منه).
- وقال الحسن: (مثقال ذرةٍ من الورع، خيرٌ من ألف مثقال من الصوم والصلاة).
- وقال أبو هريرة: (جلساء الله تعالى غدًا أهل الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) والزهد) .
- وقال بعض السلف: (لا يبلغ العبد حقيقة التقوى؛ حتى يدع ما لا بأس به حذرًا مما به بأس).
- وقال بعض الصحابة: (كنا ندع سبعين بابًا من الحلال؛ مخافة أن نقع في بابٍ من الحرام) .
- وقال الهروي: (الورع توَقٍّ مستقصًى على حذر، وتحرُّجٌ على تعظيم) .
- وقال ابن مسكويه: (وأما الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) فهو لزوم الأعمال الجميلة التي فيها كمال النفس) .
- وقال سفيان: (عليك بالورع يخفف الله حسابك، ودع ما يريبك إلى ما لا يريبك، وادفع الشك باليقين يسلم لك دينك) .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:01 AM
فوائد الورع

1- من فوائده أنه يجلب محبة الله سبحانه وتعالى.
2- فيه الاقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
3- فيه ترك الشبهات، والبعد عنها.
4- به يطيب المطعم والمشرب.
5- أنه سببٌ لاستجابة الدعاء.
6- أنه خير خصال الدين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
7- فيه الاستبراء للدين والعرض.
8- أنه سمةٌ من سمات العُبَّاد.
9- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) سببٌ من أسباب كمال التقوى.

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:08 AM
أقسام الورع

قال ابن تيمية: (فأما الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) المشروع المستحب، الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم فهو: اتقاء ما يخاف أن يكون سببًا للذمِّ والعذاب عند عدم المعارض الراجح. ويدخل في ذلك أداء الواجبات، والمشتبهات التي تشبه الواجب، وترك المحرمات والمشتبهات التي تشبه الحرام، وإن أدخلت فيها المكروهات قلت: نخاف أن يكون سببًا للنقص والعذاب) .
1- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) الواجب:
(وأما الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) الواجب: فهو اتقاء ما يكون سببًا للذمِّ والعذاب، وهو فعل الواجب وترك المحرم، والفرق بينهما فيما اشتبه أمن الواجب هو أم ليس منه؟ وما اشتبه تحريمه أمن المحرم أم ليس منه؟ فأما ما لا ريب في حله فليس تركه من الورع، وما لا ريب في سقوطه فليس فعله من الورع. وقولي (عند عدم المعارض الراجح) فإنه قد لا يترك الحرام البيِّن، أو المشتبه، إلا عند ترك ما هو حسنة موقعها في الشريعة أعظم من ترك تلك السيئة، مثل من يترك الائتمام بالإمام الفاسق؛ فيترك الجمعة والجماعة والحجَّ والغزو، وكذلك قد لا يؤدي الواجب البين، أو المشتبه إلا بفعل سيئةٍ أعظم إثمًا من تركه، مثل من لا يمكنه أداء الواجبات من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لذوي السلطان، إلا بقتال فيه من الفساد أعظم من فساد ظلمه. والأصل في الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) المشتبه، قول النبي صلى الله عليه وسلم ((الحلال بَيِّنٌ، والحرام بَيِّنٌ، وبين ذلك أمور مشتبهات، لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمن ترك الشبهات؛ استبرأ عرضه ودينه، ومن وقع في الشبهات؛ وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى؛ يوشك أن يواقعه)) وهذا في الصحيحين. وفي السنن قوله: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) وقوله: ((البرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس، وسكن إليه القلب)) . وقوله في صحيح مسلم في رواية: ((البرُّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وإن أفتاك الناس)) ((وإنه رأى على فراشه تمرة، فقال: لولا أني أخاف أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها)) .) .

2-
الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) الفاسد:
قال ابن تيمية: (كثيرٌ من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادةٍ ونحوها، فيكون ذلك مما يقوِّي تحريمها واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة، فتكون تلك الظنون مبناها على الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) الفاسد، فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنفُسُ [النجم: 23]، وهذه حال أهل الوسوسة في النجاسات؛ فإنهم من أهل الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) الفاسد المركب من نوع دين، وضعف عقل، وعلم، وكذلك ورع قوم يعدون غالب أموال الناس محرمة أو مشتبهة أو كلها، وآلَ الأمر ببعضهم إلى إحلالها لذي سلطان؛ لأنَّه مستحقٌّ لها وإلى أنَّه لا يقطع بها يد السارق ولا يحكم فيها بالأموال المغصوبة. وقد أنكر حال هؤلاء الأئمة كأحمد بن حنبل وغيره، وذم المتنطعين في الورع. وقد روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هلك المتنطعون. قالها ثلاثًا)) .
وورع أهل البدع كثيرٌ منه من هذا الباب، بل ورع اليهود والنصارى والكفار عن واجبات دين الإسلام من هذا الباب، وكذلك ما ذمه الله تعالى في القرآن من ورعهم عمَّا حرَّموه ولم يحرِّمه الله تعالى، كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحام. ومن هذا الباب الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) الذي ذمَّه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي في الصحيح، لما ترخَّص في أشياء؛ فبلغه أن أقوامًا تنزهوا عنها فقال: ((ما بال رجالٍ يتنزهون عن أشياء أترخَّص فيها، والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله وأخشاهم. وفي رواية: أخشاهم وأعلمهم بحدوده له)) . وكذلك حديث صاحب القبلة. ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علمٍ كثيرٍ بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلا فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم. الثالثة: جهة المعارض الراجح. هذا أصعب من الذي قبله؛ فإنَّ الشيء قد يكون جهة فساده يقتضي تركه فيلحظه المتورع؛ ولا لحظ ما يعارضه من الصلاح الراجح؛ وبالعكس فهذا هذا. وقد تبين أنَّ من جعل الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) الترك فقط؛ وأدخل في هذا الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) أفعال قوم ذوي مقاصد صالحة بلا بصيرة من دينهم، وأعرض عما فوتوه بورعهم من الحسنات الراجحة، فإنَّ الذي فاته من دين الإسلام أعظم مما أدركه، فإنَّه قد يعيب أقوامًا هم إلى النجاة والسعادة أقرب) .
3- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) المندوب: وهو الوقوف عن الشبهات .
4- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) الذي هو فضيلة: وهو الكفُّ عن كثير من المباحات والاقتصار على أقل الضرورات، وذلك للنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:09 AM
درجات الورع

قال الهروي: (الورع على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: تجنُّب القبائح لصون النفس، وتوفير الحسنات، وصيانة الإيمان.
الدرجة الثانية: حفظ الحدود عند ما لا بأس به، إبقاءً على الصيانة والتقوى، وصعودًا عن الدناءة، وتخلصًا عن اقتحام الحدود.
الدرجة الثالثة: التورُّع عن كلِّ داعيةٍ تدعو إلى شتات الوقت، والتعلُّق بالتفرُّق، وعارض يعارض حال الجميع).
وقال الغزالي: (الورع عن الحرام على أربع درجات:
الأولى: ورع العدول: وهو الذي يجب الفسق باقتحامه، وتسقط العدالة به، ويثبت اسم العصيان، والتعرض للنار بسببه، وهو الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) عن كلِّ ما تحرمه فتاوى الفقهاء.
الثانية: ورع الصالحين: وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم، ولكن المفتي يرخص في التناول بناء على الظاهر، فهو من مواقع الشبهة على الجملة.
الثالثة: ما لا تحرِّمه الفتوى، ولا شبهة في حلِّه، ولكن يُخاف منه أداؤه إلى محرم، وهو ترك ما لا بأس به مخافة مما به بأس، وهذا ورع المتقين.
الرابعة: ما لا بأس به أصلًا، ولا يخاف منه أن يؤدي إلى ما به بأس، ولكنه يتناول لغير الله، وعلى غير نية التقوِّي به على عبادة الله، أو تتطرَّق إلى أسبابه المسهلة له كراهية، أو معصية، والامتناع منه ورع الصديقين).

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:15 AM
صور ومظاهر الورع
الورع له صور ومظاهر عدة، وقد ذكر ابن أبي الدنيا مظاهر للورع، منها:
1- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) في النظر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ رضي الله عنه: ((لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنَّ لك الأولى، وليست لك الآخرة)) .
عن أنس رضي الله عنه قال: (إذا مرَّت بك امرأة، فغمِّض عينيك حتى تجاوزك) .
عن داود الطائي قال: (كانوا يكرهون فضول النظر) .
قال عمرو بن مرة: (ما أحبُّ أني بصير، كنت نظرت نظرةً وأنا شاب) .
وقال وكيع: خرجنا مع سفيان الثوري في يوم عيد؛ فقال: (إنَّ أول ما نبدأ به في يومنا غضُّ أبصارنا) .
2- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) في السمع:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من استمع إلى حديث قومٍ لا يحبُّون أن يستمع حديثهم، أذيب في أذنه الآنك)) .
وعن نافع قال: (سمع ابن عمر مزمارًا - قال - فوضع أصبعيه على أذنيه ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئًا؟ قال فقلت لا. قال فرفع أصبعيه من أذنيه وقال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا) .
3- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) في الشم:
فعن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال: (قدم على عمر رضي الله عنه مسكٌ وعنبرٌ من البحرين، فقال عمر: والله لوددت أني أجد امرأةً حسنةً تزن لي هذا الطيب؛ حتى أفرقه بين المسلمين. فقالت له امرأته عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل: أنا جيدة الوزن، فهلمَّ أزن لك. قال: لا. قالت: ولم؟ قال: إني أخشى أن تأخذيه هكذا -وأدخل أصابعه في صدغيه- وتمسحين عنقك، فأُصيب فضلًا عن المسلمين) .
وعن عمر بن عبد العزيز رحمه الله (أنه أُتي بغنائم مسك؛ فأخذ بأنفه، فقالوا: يا أمير المؤمنين: تأخذ بأنفك لهذا؟ قال: إنما ينتفع من هذا بريحه؛ فأكره أن أجد ريحه دون المسلمين) .
4- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) في اللسان:
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه اطلع على أبي بكر رضي الله عنه وهو يمدُّ لسانه، فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ قال: هذا أوردني الموارد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس شيءٌ من الجسد إلا يشكو إلى الله اللسان على حدَّته)) .
وعن الحسن بن حي قال: (فتشت عن الورع؛ فلم أجده في شيءٍ أقل منه في اللسان) .
وعن الفضيل بن عياض قال: (أشدُّ الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) في اللسان) .
وعن يونس بن عبيد قال: (إنك لتعرف ورع الرجل في كلامه) .
وسئل عبد الله بن المبارك: (أيُّ الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) أشد؟ قال: اللسان) .
5- الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) في البطن:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون: 51]، وقال: أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ [البقرة: 172]، ثم ذكر العبد يطيل السفر أشعث أغبر، رافعًا يديه: يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنَّى يُستجاب لهذا؟)) .
وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم ألا يجعل في بطنه إلا طيبًا فليفعل؛ فإن أول ما ينتن من الإنسان بطنه)) .
وعن أبي صالح الحنفي قال: (دخلت على أم كلثوم فقالت: ائتوا أبا صالح بطعام. فأتوني بمرقةٍ فيها حبوب، فقلت: أتطعموني هذا وأنتم أمراء؟ قالت: كيف لو رأيت أمير المؤمنين عليًّا، وأُتِيَ بأُتْرجٍّ، فأخذ الحسن أو الحسين منها أُتْـرُجَّةً لصبي لهم، فانتزعها من يده، وقسمها بين المسلمين) .

6-
الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) في الفتوى:
كان الصحابة ومن بعدهم من التابعين رضي الله عنهم، يتورعون أشدَّ الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) عن الفتوى، فكانوا يدفعون الفتوى عن أنفسهم، ولا يُقدمون عليها.
فعن البراء رضي الله عنه قال: (لقد رأيت ثلاثمائة من أهل بدر، ما منهم من أحد، إلا وهو يحبُّ أن يكفيه صاحبُه الفتوى) .
وقال ابن أبي ليلى: (أدركت مئةً وعشرين من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يُسأل أحدهم المسألة، فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يُسأل عن شيء، إلا ودَّ أنَّ أخاه كفاه) .
(كان ابن سيرين إذا سئل عن شيء من الحلال والحرام تغير لونه وتبدل، حتى كأنه ليس بالذي كان.
وقال عطاء بن السائب: أدركت أقوامًا، إن كان أحدهم ليسأل عن الشيء فيتكلَّم وإنه ليرعد.
وروي عن مالك أنه كان إذا سئل عن مسألة، كأنه بين الجنة والنار) .
وقال نفيس بن الأشعث: (كان محمد بن سيرين إذا سُئل عن شيء من فقه الحلال والحرام، تغيَّر لونه، وتبدَّل حتى كأنَّه ليس بالذي كان) .
وقال أبو حصين عثمان بن عاصم التابعي الجليل: (إنَّ أحدهم ليفتي في المسألة، ولو وردت على عمر لجمع لها أهل بدر) .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:17 AM
وسائل اكتساب الورع

ذكر الحكيم الترمذي بعض الوسائل في اكتساب الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) فقال: (فالورع من التورع يكون بخمسة أشياء:
أحدهما: بالعلم.
الثاني: بتذكرة منه لما عليه، ورغبته فيما له.
والثالث: بتذكرة عظمة الله، وجلاله وقدرته وسلطانه.
والرابع: بتذكرة استحيائه من الملك الجبار.
والخامس: بتذكرة خوفه من غضب الله عليه، وبقائه له على الشبه) .
مفاهيم مغلوطة في الورع:
(يقع الغلط في الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) من ثلاث جهات: أحدها: اعتقاد كثيرٍ من الناس أنه من باب الترك، فلا يرون الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) إلا في ترك الحرام، لا في أداء الواجب، وهذا يُبتلى به كثيرٌ من المتدينة المتورعة؛ ترى أحدهم يتورع عن الكلمة الكاذبة، وعن الدرهم فيه شبهة؛ لكونه من مال ظالم أو معاملةٍ فاسدة، ويتورع عن الركون إلى الظلمة؛ من أجل البدع في الدين، وذوي الفجور (http://dorar.net/enc/akhlaq/2577) في الدنيا، ومع هذا يترك أمورًا واجبةً عليه، إما عينًا، وإما كفاية، وقد تعينت عليه من صلة رحم، وحقِّ جار، ومسكين، وصاحب، ويتيم، وابن سبيل، وحقِّ مسلم، وذي سلطان، وذي علم، وعن أمرٍ بمعروف، ونهيٍ عن منكر، وعن الجهاد في سبيل الله، إلى غير ذلك مما فيه نفعً للخلق في دينهم ودنياهم مما وجب عليه، أو يفعل ذلك لا على وجه العبادة لله تعالى، بل من جهة التكليف ونحو ذلك. وهذا الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) قد يوقع صاحبه في البدع الكبار؛ فإنَّ ورع الخوارج، والروافض، والمعتزلة، ونحوهم من هذا ال***، تورعوا عن الظلم (http://dorar.net/enc/akhlaq/2346) وعمَّا اعتقدوه ظلمًا من مخالطة الظلمة في زعمهم، حتى تركوا الواجبات الكبار من الجمعة والجماعة، والحج، والجهاد، ونصيحة المسلمين، والرحمة لهم، وأهل هذا الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) ممن أنكر عليهم الأئمة، كالأئمة الأربعة، وصار حالهم يذكر في اعتقاد أهل السنة والجماعة. الجهة الثانية من الاعتقاد الفاسد: أنه إذا فعل الواجب والمشتبه، وترك المحرم والمشتبه، فينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب والسنة، وبالعلم لا بالهوى) .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:20 AM
نماذج من ورع النبي صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة في الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) فكان زاهدًا ورعًا، وقد ضرب لنا نموذجًا أعلى في الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) فهذا أنس رضي الله عنه يحكي لنا مشهدًا من مشاهد الورع؛ فيقول:
- ((مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتمرةٍ مسقوطة، فقال: لولا أن تكون صدقة لأكلتها)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إني لأنقلب إلى أهلي، فأجد التمرة ساقطةً على فراشي، فأرفعها لآكلها، ثم أخشى أن تكون صدقة؛ فألقيها)) .
قال ابن حجر: (والنكتة في ذكره هنا، ما فيه من تعيين المحل الذي رأى فيه التمرة، وهو فراشه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يأكلها، وذلك أبلغ في الورع) .
وقال المهلب: (إنما تركها صلى الله عليه وسلم تورعًا وليس بواجب؛ لأنَّ الأصل أنَّ كلَّ شيء في بيت الإنسان على الإباحة حتى يقوم دليلٌ على التحريم) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه ((أنَّ الحسن بن علي رضي الله عنهما أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم بالفارسية: كخ، كخ! أما تعرف أنَّا لا نأكل الصدقة)) .
- وعن رجلٍ من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على القبر يوصي الحافر: ((أوسع مِن قِبَل رجليه، أوسع من قِبَل رأسه، فلما رجع استقبله داعي امرأة، فجاء وجيء بالطعام فوضع يده، ثم وضع القوم فأكلوا، فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فمه، ثم قال: أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها. فأرسلت المرأة قالت: يا رسول الله، إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة، أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته، فأرسلت إلي بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أطعميه الأسارى)) .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:24 AM
نماذج من ورع السلف
ورع أبي بكر رضي الله عنه:
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، غلامٌ يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنتُ لإنسانٍ في الجاهلية، وما أُحسِن الكهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك هذا الذي أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كلَّ شيءٍ في بطنه) .
ورع عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن عاصم بن عمر (عن عمر قال: إنه لا أجده يحل لي أن آكل من مالكم هذا، إلا كما كنت آكل من صلب مالي: الخبز والزيت، والخبز والسمن قال: فكان ربما يُؤتى بالجفنة قد صُنعت بالزيت، ومما يليه منها سمن، فيعتذر إلى القوم ويقول: إني رجل عربي، ولست أستمرئ الزيت) .
- وعن نافع (أنَّ عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه، كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف في أربعة، وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمس مائة، فقيل له هو من المهاجرين، فلِمَ نقصته من أربعة آلاف؟ فقال: إنما هاجر به أبواه، يقول: ليس هو كمن هاجر بنفسه) .
قال ابن عثيمين: (وهذا يدلُّ دلالة عظيمة على شدة ورع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وهكذا يجب على من تولَّى شيئًا من أمور المسلمين ألا يحابي قريبًا لقربه، ولا غنيًّا لغناه، ولا فقيرًا لفقره، بل ينزل كلَّ أحد منزلته، فهذا من الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549) والعدل، ولم يقل عبد الله بن عمر: يا أبت، أنا مهاجر، ولو شئت لبقيت في مكة؛ بل وافق على ما فرضه له أبوه) .
ورع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:
عن قزعة، قال: (رأيت على ابن عمر ثيابًا خشنة أو جشبة، فقلت له: إني قد أتيتك بثوب لين مما يصنع بخراسان، وتقرُّ عيناي أن أراه عليك. قال: أرنيه. فلمسه، وقال: أحرير هذا؟ قلت: لا، إنَّه من قطن. قال: إني أخاف أن ألبسه، أخاف أكون مختالًا فخورًا، والله لا يحبُّ كلَّ مختال فخور) .
- وعن طاووس قال: (ما رأيت أورع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس) .
ورع عمر بن عبد العزيز:
- عن ابن السماك قال: (كان عمر بن عبد العزيز يقسم تفاحًا بين الناس، فجاء ابن له وأخذ تفاحة من ذلك التفاح، فوثب إليه ففك يده؛ فأخذ تلك التفاحة؛ فطرحها في التفاح، فذهب إلى أمه مستغيثًا فقالت له: ما لك أي بني؟ فأخبرها؛ فأرسلت بدرهمين فاشترت تفاحًا، فأكلت وأطعمته، ورفعت لعمر، فلما فرغ مما بين يديه دخل إليها، فأخرجت له طبقًا من تفاح، فقال: من أين هذا يا فاطمة؟ فأخبرته فقال: رحمك الله، والله إن كنت لأشتهيه) .
- وعن فاطمة بنت عبد الملك قالت: (اشتهى عمر بن عبد العزيز يوما عسلًا فلم يكن عندنا، فوجهنا رجلًا على دابة من دواب البريد إلى بعلبك، فأتى بعسل، فقلنا يومًا: إنك ذكرت عسلًا وعندنا عسل، فهل لك فيه؟ قال: نعم. فأتيناه به فشرب، ثم قال: من أين لكم هذا العسل؟ قالت: قلت: وجهنا رجلًا على دابة من دواب البريد بدينارين إلى بعلبك فاشترى لنا عسلًا. قالت: فأرسل إلى الرجل فجاء، فقال: انطلق بهذا العسل إلى السوق، فبعه، فاردد إلينا رأس مالنا، وانظر الفضل، فاجعله في علف دواب البريد، ولو كان ينفع المسلمين قيءٌ لتقيأت) .
ورع محمد بن سيرين:
- عن العلاء بن زياد أنَّه كان يقول: (لو كنت متمنيًا لتمنيت فقه الحسن، وورع ابن سيرين، وصواب مطرِّف، وصلاة مسلم بن يسار) .
- وعن عاصم قال: (سمعت مورقًا العجلي يقول: ما رأيت أحدًا أفقه في ورعه، ولا أورع في فقهه من محمد بن سيرين. وقال عاصم: وذُكِرَ محمد عند أبي قلابة، فقال: اصرفوه كيف شئتم، فلتجدنه أشدكم ورعًا، وأملككم لنفسه) .
- وقال بكر بن عبد الله المزني: (من أراد أن ينظر إلى أورع من أدركنا، فلينظر إلى محمد بن سيرين. وقال هشام بن حسان: كان محمد يتجر، فإذا ارتاب في شيءٍ تركه) .
- وعن هشام بن حسان: (أنَّ ابن سيرين اشترى بيعًا من منونيا ، فأشرف فيه على ربح ثمانين ألفا، فعرض في قلبه شيء، فتركه. قال هشام: ما هو والله بربا).
- وقال: محمد بن سعد: (سألت الأنصاري عن سبب الدَّين الذي ركب محمد بن سيرين حتى حبس؟ قال: اشترى طعامًا بأربعين ألفًا، فأُخبر عن أصل الطعام بشيء، فكرهه، فتركه، أو تصدق به، فحبس على المال، حبسته امرأة، وكان الذي حبسه مالك بن المنذر. وقال هشام: ترك محمد أربعين ألفًا في شيء ما يرون به اليوم بأسًا) .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:26 AM
نماذج من ورع العلماء المتقدمين

ورع عبد الله بن المبارك:
- عن الحسن بن عرفة قال: (قال لي ابن المبارك: استعرت قلمًا بأرض الشام، فذهبت على أن أردَّه، فلما قدمت مرو نظرت فإذا هو معي، فرجعت إلى الشام؛ حتى رددته على صاحبه) .
- وقال الحسن بن الربيع: (لما احتضر ابن المبارك في السفر، قال: أشتهي سويقًا. فلم نجده إلا عند رجل كان يعمل للسلطان، وكان معنا في السفينة، فذكرنا ذلك لعبد الله، فقال: دعوه. فمات ولم يشربه) .
ورع أبي وائل شقيق بن سلمة:
(كان أبو وائل يقول لجاريته، إذا جاء يحيى -يعني ابنه- بشيءٍ فلا تقبليه، وإذا جاء أصحابي بشيء، فخذيه. وكان ابنه قاضيًا على الكناسة.
وكان لأبي وائل -رحمه الله- خصٌّ من قصب، يكون فيه هو وفرسه، فإذا غزا نقضه، وتصدق به، فإذا رجع أنشأ بناءه.
قلت: -القائل الذهبي- قد كان هذا السيد رأسًا في العلم والعمل)

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:44 AM
الورع في واحة الشعر
قال سفيان الثوري:


إني وجدتُ فلا تظنُّوا غيره***هذا التورع عند هذا الدرهمِ


وقال الشاعر:


لا تُطلِ الشَّكوى ففيه التلفُ***والشكرُ لله الغني شرفُ



لا يُفسدُ دينَ الورَى إلا الطمع***حقًّا ولا يصلحُه إلا الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549)



وقال آخر:


هل لكم باللهِ في بدعتِكم***مِن فقيهٍ أو إمامٍ يُتَّبع



مثل سفيان أخي الثوري الذي***علَّم النَّاسَ خفياتِ الورع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1549)



وقال علي بن محمد العلوي الجمال:


وذي حسد يغتابني حيث لا يرى***مكاني ويثني صالحًا حيث أسمعُ



تورَّعتُ أن أغتابَه مِن ورائِه***وها هو ذا يغتابني متورعُ



وقال آخر:


تورَّع ودعْ ما قد يريبك كلَّه***جميعًا إلى ما لا يريبك تسلمِ



وحافظْ على أعضائِك السبعِ جملةً***وراعِ حقوقَ الله في كلِّ مسلمِ



وكنْ راضيًا بالله ربًّا وحاكمًا***وفوِّض إليه في الأمور وسلِّمِ



وقال أبو عبد الله الواسطي:


ليس الظريفُ بكاملٍ في ظُرفِه***حتى يكونَ عن الحرامِ عفيفا



فإذا تورَّع عن محارمِ ربِّه***فهناك يُدعى في الأنامِ ظريفا



وقال آخر:


جليلُ العطايا في دقيقِ التورُّعِ***فدقِّقْ تنلْ عالي المقام المرفعِ



وتسلمْ من المحظورِ في كلِّ حالةٍ***وتغنمْ مِن الخيراتِ في كلِّ موضعِ



وتحمدْ جميلَ السَّعيِ بالفوزِ في غدٍ***فسارعْ إليه اليومَ مع كلِّ مسرعِ



ولا تكُ مثلي وابنًا متخلقًا***لجوهر عمر عن شرٍّ مضيعِ



- وقال إبراهيم بن داود:


المرءُ يُزري بلبِّه طمعُه***والدهرُ قدرٌ كثيرةٌ خِدعُه



والناس إخوانُ كلِّ ذي نَشَدٍ***قد خاب عبدٌ إليهم ضرعُه



والمرءُ إن كان عاقلًا ورعًا***أخرسه عن عيوبهم ورعُه



كما المريضُ السقيمُ يشغلُه***عن وجعِ النَّاسِ كلِّهم وجعُه

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:47 AM
http://img15.hostingpics.net/pics/165424mawssou3a.png (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3GQ6YnWNUXWCM&tbnid=Ybv-Crg6W5x9FM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fwww.mltzm.com%2Fvb%2Fshowthread.p hp%3Ft%3D40126&ei=WJC_UdyILoSOO-LugLgI&psig=AFQjCNHqlscJHHMWQh2zoOCPKwGvzsxl7g&ust=1371595142508764)

الوفاء

معنى الوفاء لغةً واصطلاحًا
معنى الوفاء لغةً:
الوفاءُ ضد الغَدْر، يقال: وَفَى بعهده وأَوْفَى. بمعنى، ووفى بعهده يفي وفاءً، وأوفى: إذا تمم العهد ولم ينقض حفظه .
معنى الوفاء اصطلاحًا:
الوفاء هو: (ملازمة طريق المواساة، ومحافظة عهود الخلطاء) .
وقيل: (هو الصبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/784) على ما يبذله الإنسان من نفسه، ويرهن به لسانه، والخروج مما يضمنه، وإن كان مجحفًا به) .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:49 AM
الفرق بين الوفاء والصدق
(قيل: هما أعم وأخص، فكل وفاء صدق، وليس كل صدق وفاء.
فإنَّ الوفاء قد يكون بالفعل دون القول، ولا يكون الصدق (http://dorar.net/enc/akhlaq/831) إلا في القول؛ لأنَّه نوع من أنواع الخبر، والخبر قول) .

محمد رافع 52
18-06-2013, 12:52 AM
أهمية الوفاء بالعهد
(الوفاء أخو الصدق (http://dorar.net/enc/akhlaq/831) والعدل، والغدر أخو الكذب والجور، وذلك أنَّ الوفاء صدق اللسان والفعل معًا، والغدر كذب بهما؛ لأنَّ فيه مع الكذب نقض العهد.
والوفاء يختصُّ بالإنسان، فمن فُقِد فيه فقد انسلخ من الإنسانية كالصدق، وقد جعل الله تعالى العهد من الإيمان، وصيره قوامًا لأمور الناس، فالناس مضطرون إلى التعاون (http://dorar.net/enc/akhlaq/273) ولا يتمُّ تعاونهم إلا بمراعاة العهد والوفاء، ولولا ذلك لتنافرت القلوب، وارتفع التعايش، ولذلك عظَّم الله تعالى أمره فقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ [البقرة:40]، وقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ [النحل: 91]) .
(والصدق في الوعد وفي العهد من الفضائل الخلقية التي يتحلى بها المؤمنون، والكذب في الوعد وفي العهد من الرذائل الخلقية التي يجتنبها المؤمنون... ويشترك الوعد والعهد بأنَّ كلًّا منهما، إخبار بأمر جزم المخبر بأن يفعله، ويفترقان بأنَّ العهد يزيد على الوعد بالتوثيق الذي يقدمه صاحب العهد، من أيمان مؤكدة، والمواعدة مشاركة في الوعد بين فريقين، والمعاهدة مشاركة في العهد بين فريقين، فيعد كلٌّ من الفريقين المتواعدين صاحبه بما سيفعل، ويعاهد كلٌّ من الفريقين المتعاهدين صاحبه بما سيفعل) .
(وقد وصف القرآن الذين يوفون بالعهد بأحسن الصفات فقال: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [البقرة: 177]، وقال: بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [آل عمران: 76]، ونقض الميثاق يؤدي إلى سوء السلوك والأخلاق، قال تعالى: فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ [المائدة: 13]... واستمرارًا لورود العهد والميثاق في مجال بناء الأمة على الأخلاق السامية؛ يأمر الله عباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بعدد من الوصايا التي تُكَوِّن جيلًا ذا خلق رفيع، ثم يختم تلك الوصايا الخالدة بقوله سبحانه: وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [الأنعام: 152] فالوفاء بالعهد، ضمانة لأداء تلك الأوامر، واجتناب ما ورد من نواهي، ومن ثمَّ يكون الانقياد والطاعة وحسن الخلق، وإخلاف العهد نقض للعهد، ينحطُّ بصاحبه إلى أسوأ البشر أخلاقًا - وبخاصة إذا كان العهد مع الله - فإنَّ المتصف بتلك الصفة ينتقل من مجتمع الصادقين المتقين إلى تجمع المخادعين الكاذبين من المنافقين فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ [التوبة: 77]) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:05 AM
أولًا: في القرآن الكريم
وردت آيات في كتاب الله تحثُّ على الوفاء بالعهد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1579) والوعد، منها:
- قوله سبحانه: وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34].
قال الطبري في تفسير هذه الآية: (وأوفوا بالعقد الذي تعاقدون الناس في الصلح بين أهل الحرب والإسلام، وفيما بينكم أيضًا، والبيوع والأشربة والإجارات، وغير ذلك من العقود إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34] يقول: إن الله جلَّ ثناؤه سائلٌ ناقضَ العهد، عن نقضه إياه، يقول: فلا تنقضوا العهود الجائزة بينكم، وبين من عاهدتموه أيها الناس فتخفروه، وتغدروا بمن أعطيتموه ذلك. وإنما عنى بذلك أنَّ العهد كان مطلوبًا) .
وقال عزَّ مِن قائل: أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللّهِ وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد: 19-20].
قال الشوكاني في تفسير هذه الآية: (أي بما عقدوه من العهود فيما بينهم وبين ربهم، أو فيما بينهم وبين العباد وَلاَ يِنقُضُونَ الْمِيثَاقَ [الرعد:20] الذي وثقوه على أنفسهم، وأكَّدوه بالأيمان ونحوها، وهذا تعميم بعد التخصيص؛ لأنَّه يدخل تحت الميثاق كلُّ ما أوجبه العبد على نفسه، كالنذور ونحوها، ويحتمل أن يكون الأمر بالعكس، فيكون من التخصيص بعد التعميم على أن يراد بالعهد جميع عهود الله، وهي أوامره ونواهيه التي وصى بها عبيده، ويدخل في ذلك الالتزامات التي يلزم بها العبد نفسه، ويراد بالميثاق: ما أخذه الله على عباده، حين أخرجهم من صلب آدم في عالم الذرِّ المذكور في قوله سبحانه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ [الأعراف:172]) .
- وقال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:10].
- وقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1].
قال السعدي: (هذا أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالوفاء بالعقود، أي: بإكمالها، وإتمامها، وعدم نقضها ونقصها. وهذا شامل للعقود التي بين العبد وبين ربه، من التزام عبوديته، والقيام بها أتمَّ قيام، وعدم الانتقاص من حقوقها شيئًا، والتي بينه وبين الرسول بطاعته واتباعه، والتي بينه وبين الوالدين والأقارب، ببرهم وصلتهم، وعدم قطيعتهم، والتي بينه وبين أصحابه من القيام بحقوق الصحبة في الغنى والفقر، واليسر والعسر، والتي بينه وبين الخلق من عقود المعاملات، كالبيع والإجارة، ونحوهما، وعقود التبرعات كالهبة ونحوها، بل والقيام بحقوق المسلمين التي عقدها الله بينهم في قوله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] بالتناصر على الحقِّ، والتعاون عليه والتآلف بين المسلمين وعدم التقاطع.
فهذا الأمر شامل لأصول الدين وفروعه، فكلُّها داخلة في العقود التي أمر الله بالقيام بها) .

الحارث7
20-06-2013, 12:07 AM
ما شاء الله ، جزاكم الله خيرا

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:08 AM
ثانيًا: في السنة النبوية
فقد وردت أحاديث تأمر بالوفاء بالعهد، وتبين حقيقة الغدر، وتنهى عنه، وهي كثيرة، منها:
- عن سليم بن عامر قال: كان بين معاوية، وبين الروم عهد، وكان يسير نحو بلادهم، حتى إذا انقضى العهد غزاهم، فجاء رجل على فرس أو برذون، وهو يقول: الله أكبر، الله أكبر، وفاء لا غدر. فنظروا فإذا عمرو بن عبسة، فأرسل إليه معاوية فسأله، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدة، ولا يحلها حتى ينقضي أمدها، أو ينبذ إليهم على سواء)). فرجع معاوية .
(ومعنى قوله ينبذ إليهم على سواء، أي: يعلمهم أنَّه يريد أنَّ يغزوهم، وأنَّ الصلح الذي كان بينهم قد ارتفع، فيكون الفريقان في ذلك على السواء.
وفيه دليل على أنَّ العهد الذي يقع بين المسلمين وبين العدو، ليس بعقد لازم لا يجوز القتال قبل انقضاء مدته، ولكن لا يجوز أن يفعل ذلك إلا بعد الإعلام به والإنذار فيه) .
- وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى الصبح، فهو في ذمة الله، فلا تخفروا الله في عهده، فمن ***ه، طلبه الله حتى يكبَّه في النار على وجهه)) .
(أي في عهده وأمانه في الدنيا والآخرة، وهذا غير الأمان الذي ثبت بكلمة التوحيد، ((فلا تخفروا الله في ذمته)) قال في النهاية: خفرت الرجل: أجرته وحفظته. وأخفرت الرجل: إذا نقضت عهده وذمامه) .
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أربعٌ من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ، كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر)) .
قال ابن عثيمين: (وأما إخلاف الوعد فحرام يجب الوفاء بالوعد، سواء وعدته مالًا، أو وعدته إعانة تعينه في شيء، أو أي أمر من الأمور، إذا وعدت فيجب عليك أن تفي بالوعد، وفي هذا ينبغي للإنسان أن يحدد المواعيد، ويضبطها فإذا قال لأحد إخوانه: أواعدك في المكان الفلاني. فليحدد الساعة الفلانية، حتى إذا تأخر الموعود، وانصرف الواعد يكون له عذر، حتى لا يربطه في المكان كثيرًا، وقد اشتهر عند بعض السفهاء أنهم يقولون: أنا واعدك ولا أخلفك، وعدي إنجليزي. يظنون أنَّ الذين يوفون بالوعد هم الإنجليز، ولكن الوعد الذي يوفى به هو وعد المؤمن، ولهذا ينبغي لك أن تقول إذا وعدت أحدًا وأردت أن تؤكد: إنه وعد مؤمن. حتى لا يخلفه؛ لأنَّه لا يخلف الوعد إلا المنافق) .
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفع لكلِّ غادرٍ لواءٌ، فيقال: هذه غدرة فلان بن فلان)) .
قوله ((لكل غادر لواء)) قال النووي: (معناه لكل غادر علامة يشهر بها في الناس؛ لأنَّ موضوع اللواء الشهرة مكان الرئيس علامة له، وكانت العرب تنصب الألوية في الأسواق الحفلة لغدرة الغادر؛ لتشهيره بذلك) .
وقال القرطبي: (هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل؛ لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء؛ ليلوموا الغادر ويذموه، فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر؛ ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف) .
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن خيار عباد الله الموفون المطيبون)) .
- عن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة عن أبيه عن جده قال: استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفًا، فجاءه مال فدفعه إلي، وقال: ((بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الحمد والأداء)) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:10 AM
أقوال السلف والعلماء في الوفاء
- قال الأحنف: (لا صديق لملولٍ، ولا وفاء لكذوبٍ، ولا راحة لحسودٍ، ولا مروءة لبخيلٍ، ولا سؤدد لسيئ الخلق) .
- وعن الأصمعي قال: (إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه) .
- وقال ابن مفلح: (كان يقال: كما يُتوخَّى للوديعة، أهل الأمانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/108) والثقة، كذلك ينبغي أن يتوخَّى بالمعروف، أهل الوفاء والشكر) .
- وقال الحريري: (تعامل القرن الأول فيما بينهم بالدين زمانًا طويلًا حتى رقَّ الدين، ثم تعامل القرن الثاني بالوفاء حتى ذهب الوفاء، ثم تعامل القرن الثالث بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعامل القرن الرابع بالحياء حتى ذهب الحياء، ثم صار الناس يتعاملون بالرغبة والرهبة) .
- وقال بعض الحكماء: (من لم يفِ للإخوان، كان مغموز النسب) .
- وقال ابن حزم: (إنَّ من حميد الغرائز وكريم الشيم وفاضل الأخلاق... الوفاء؛ وإنَّه لمن أقوى الدلائل وأوضح البراهين على طيب الأصل وشرف العنصر، وهو يتفاضل بالتفاضل اللازم للمخلوقات... وأول مراتب الوفاء أن يفي الإنسان لمن يفي له، وهذا فرض لازم وحق واجب... لا يحول عنه إلا خبيث المحتد، لا خلاق له ولا خير عنده) .
- وقال أيضًا: (الوفاء مركب من العدل، والجود، والنجدة؛ لأنَّ الوفي رأى من الجور أن لا يقارض من وثق به، أو من أحسن إليه؛ فعدل في ذلك، ورأى أن يسمح بعاجل يقتضيه له عدم الوفاء من الحظ؛ فجاد في ذلك، ورأى أن يتجلَّد لما يتوقَّع من عاقبة الوفاء؛ فشجع في ذلك) .
- وعن عوف بن النعمان الشيباني أنه قال في الجاهلية الجهلاء: (لأن أموت عطشًا، أحبُّ إليَّ من أكون مخلاف الموعدة) .
- وعن عوف الكلبي أنه قال: (آفة المروءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1344) خلف الموعد) .
- وقال الحارث بن عمرو بن حجر الكندي: (أنجز حرٌّ ما وعد) .
- (وقالت الحكماء: لا شيء أضيع من مودة من لا وفاء له، واصطناع من لا شكر عنده، والكريم يودُّ الكريم عن لُقْية واحدة، واللئيم لا يصل أحدًا إلا عن رغبة أو رهبة) .
- (وأوصت أعرابية ابنًا لها، فقالت: يا بني، اعلم أنَّه من اعتقد الوفاء والسخاء، فقد استجاد الحلة بربطتها وسربالها، وإياك والنمائم؛ فإنها تنبت السخائم، وتفرق بين المحبين، وتحسي أهلها الأمرين) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:13 AM
فوائد الوفاء بالعهد
الآثار المترتبة على الالتزام بالعهد والميثاق متنوعة ومتعددة، فهناك الآثار التي تخص الفرد وأخرى تعم الجماعة، بعضها في الحياة الدنيا، وأخرى يوم القيامة، فمن هذه الآثار:
1- الإيمان:
وردت آيات كثيرة تنفي الإيمان عن الناقضين لعهدهم، وتصفهم بالكفر... وفي المقابل وصف الله سبحانه وتعالى الموفين لعهدهم ومواثيقهم بالإيمان، قال تعالى: وَمَا لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [الحديد: 8].
2- التقوى:
التقوى أثر من آثار الوفاء بعهد الله، وثمرة من ثمرات الالتزام بميثاقه، قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 63].
3- محبة الله:
أثبت الله محبته للمتقين الموفين بعهدهم، المستقيمين على عهودهم ومواثيقهم حتى مع أعدائهم ما استقاموا هم على تلك العهود، قال تعالى: فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 7].
4- حصول الأمن في الدنيا، وصيانة الدماء:

لم تقتصر آثار
الوفاء بالعهد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1579) والميثاق على المسلمين وحدهم، وإنما شمل عدل الله، الكفار الذين لم يدخلوا في دين الإسلام، ولهم عهود مع المسلمين، فجاءت الآيات صريحة بوجوب الوفاء لهم وصيانة دمائهم.
5- حصول الأجر العظيم:
فقد وعد الله الموفين بعهدهم بجزاء عظيم، قال تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ [الأحزاب: 23-24].
وقال: وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 10].
6- دخول الجنات:
فقد ورد في أكثر من آية جزاء من وفَّى بعهده، والتزم بميثاقه، وهو الوعد بدخول الجنة، قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: 40] قال ابن جرير: وعهده إياهم أنهم إذا فعلوا ذلك أدخلهم الجنة .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:16 AM
أقسام العهد
العهد نوعان:
- (عهد مع الله عزَّ وجلَّ: فإنَّ الله سبحانه وتعالى قال في كتابه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف: 172]، فقد أخذ الله العهد على عباده جميعًا، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا؛ لأنَّه ربهم وخالقهم.

- وعهد مع عباد الله: ومنه العهود التي تقع بين الناس، بين الإنسان وبين أخيه المسلم، وبين المسلمين وبين الكفار وغير ذلك من العهود المعروفة، فقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد، فقال عزَّ وجلَّ: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء: 34] يعني أنَّ
الوفاء بالعهد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1579) مسؤول عنه الإنسان يوم القيامة، يسأل عن عهده هل وفَّى به أم لا؟ قال تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ [النحل:91] يعني ولا تخلفوا العهد) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:17 AM
أحوال الإخلاف بالعهد والوعد
(من يخلف الوعد له أربع أحوال في إخلافه بذلك:
الحال الأولى: التعبير العملي عن الكذب منذ إعطاء الوعد أو العهد، وهو في هذا يحمل رذيلة الإخلاف المستند إلى رذيلة الكذب.
الحالة الثانية: النكث والنقض لما أبرمه والتزم به من وعد وعهد، وهذا يعبر عن ضعف الإرادة وعدم الثبات، وعدم احترام شرف الكلمة وثقة الآخرين بها، وهذا الخلق يفضي بصاحبه إلى النبذ من الفضلاء الذين يوثق بهم وبأقوالهم.
الحالة الثالثة: التحول إلى ما هو أفضل وخير عند الله، والانتقال إلى ما هو أكثر طاعة لله، وذلك كالعهد مع الله في التزام أمر من الأمور، فقد تجري المفاضلة بينه وبين غيره، لاختيار ما هو أقرب إلى طاعة الله وتحقيق مرضاته.
الحالة الرابعة: العجز عن الوفاء لسبب من الأسباب، ومن عجز عن الوفاء مع صدق رغبته به، وحرصه عليه، فهو معذور لعدم استطاعته.
وأما حالة النسيان فهي من الأمور العامة التي تشمل كل واجب أو مستحب، وتنطبق عليها أحكام النسيان العامة. وصادق الوعد والعهد هو الذي يكون عازمًا على الوفاء منذ إعطائه الوعد أو العهد، ويظل حريصًا على ذلك ما لم يمنعه مانع من التنفيذ يعذر به، أو كان ترك الوفاء استجابة لرغبة من كان الوعد أو العهد من أجله وابتغاء مرضاته أو مسرته .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:21 AM
صور الوفاء

1- الوفاء بالعهد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1579) الذي بين العبد وربه:
(فالعهود التي يرتبط المسلم بها درجات، فأعلاها مكانة، وأقدسها ذمامًا، العهد الأعظم، الذي بين العبد وربِّ العالمين، فإنَّ الله خلق الإنسان بقدرته، وربَّاه بنعمته، وطلب منه أن يعرف هذه الحقيقة، وأن يعترف بها، وألا تشرد به المغويات، فيجهلها أو يجحدها، قال تعالى: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ [يس: 60]) .
2- الوفاء في سداد الدين:
اهتمَّ الإسلام بالدَّيْن؛ لأنَّ أمره عظيم، وشأنه جسيم، وقد أكَّد النبي صلى الله عليه وسلم على قضاء الدين، وكان لا يصلي على الميت إذا كان عليه دين حتى يُقضى عنه. وقد قال: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها، أتلفه الله)) .
3- الوفاء بشروط عقد النكاح:
قال صلى الله عليه وسلم: ((أحقُّ الشروط أن توفوا به، ما استحللتُم به الفروج)) .
قال الخطابي: (الشروط في النكاح مختلفة؛ فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقًا، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم هذا الحديث، ومنها ما لا يوفى به اتفاقًا، كسؤال طلاق أختها... ومنها ما اختلف فيه، كاشتراط أن لا يتزوج عليها، أو لا يتسرى، أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله) .
4- الوفاء بين الزوجين:
الوفاء بين الزوجين، يجعل الأسر مستقرة، والبيوت مطمئنة، فيكون رابط الوفاء بينهما في حال الشدة والرخاء، وفي العسر واليسر.
5- الوفاء بإعطاء الأجير أجره:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجفَّ عرقه)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره)) .
6- وفاء العامل بعمله:

وذلك بأن يعمل العامل، ويعطي العمل حقه باستيفائه خاليًا من
الغش (http://dorar.net/enc/akhlaq/2458) والتدليس، فعن عاصم بن كليب الجرمي قال: حدثني أبي كليبٌ ((أنَّه شهد مع أبيه جنازة شهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا غلام أعقل وأفهم، فانتهى بالجنازة إلى القبر، ولم يمكن لها، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سووا لحد هذا. حتى ظن الناس أنه سنة، فالتفت إليهم، فقال: أما إنَّ هذا لا ينفع الميت ولا يضرُّه، ولكن الله يحبُّ من العامل إذا عمل أن يحسن)) .
7- الوفاء بالنذر:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)) ويجب الوفاء بالنذر إذا كان نذر طاعة.
8- الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة:
(الوفاء بما التزم به من بيع أو إجارة، وغير ذلك من المعاملات المالية ما دامت مشروعة، يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وسواء كانت هذه العقود مبرمة بين المسلم والمسلم، أو المسلم وغير المسلم) .
9- وفاء الولاة والأمراء بالعهود والمواثيق في علاقاتهم مع الدول:
وقد دلَّت على ذلك عمومات النصوص، وأكَّد الرسول صلى الله عليه وسلم على احترام الأحلاف المعقودة في الجاهلية، وقال صلى الله عليه وسلم مؤكِّدًا على ضرورة الوفاء بأحلاف الجاهلية: ((أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده – يعني الإسلام- إلا شدة)) . وظلَّ تاريخ الإسلام منذ فجر عهده، وعلى مرِّ مراحله التاريخية، صفحة بيضاء نقية، لم يدنَّس بخيانة، ولا غدر، ولا نقض عهد، بدون وجود ناقض من العدو . قال النووي: (واتفق العلماء على جواز خداع الكفار في الحرب وكيف أمكن

الخداع (http://dorar.net/enc/akhlaq/2132) إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يحل) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:24 AM
نماذج من وفاء النبي صلى الله عليه وسلم
إنَّ الوفاء بالعهد، وعدم نسيانه أو الإغضاء عن واجبه، خلق كريم، ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه بالمحل الأفضل والمقام الأسمى، والمكان الأشرف، فوفاؤه...كان مضرب المثل، وحقَّ له ذلك، وهو سيد الأوفياء . ويتجلى لنا وفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في صور كثيرة منها:
وفاؤه صلى الله عليه وسلم بالعهد لعدوه:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفي بالعهود والمواثيق التي تكون بينه وبين أعداء الإسلام.
(فثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لرسولي مسيلمة الكذاب لما قالا: نقول: إنه رسول الله ((لولا أن الرسل لا ت*** ل***تكما)) . وثبت عنه أنه قال لأبي رافع، وقد أرسلته إليه قريش، فأراد المقام عنده، وأنه لا يرجع إليهم فقال: ((إني لا أخيس بالعهد، ولا أحبس البرد، ولكن ارجع إلى قومك، فإن كان في نفسك الذي فيها الآن فارجع)) . وثبت عنه أنَّه ردَّ إليهم أبا جندل للعهد الذي كان بينه وبينهم، أن يردَّ إليهم من جاءه منهم مسلمًا) .
- وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: ما منعني أن أشهد بدرًا إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل. قال: فأخذنا كفار قريش. قالوا: إنكم تريدون محمدًا؟ فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة. فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفنَّ إلى المدينة، ولا نقاتل معه. فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه الخبر. فقال: ((انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم)) .
وفاءه صلى الله عليه وسلم لزوجاته:
فمن وفائه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب، أنه كان يكرم صديقات زوجته خديجة رضي الله عنها بعد موتها، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالشيء يقول: ((اذهبوا به إلى فلانة؛ فإنها كانت صديقة خديجة، اذهبوا به إلى بيت فلانة؛ فإنها كانت تحب خديجة)) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما غرت على أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، وما بي أن أكون أدركتها؛ وما ذاك إلا لكثرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان لي*** الشاة فيتتبع بها صدائق خديجة؛ فيهديها لهنَّ)) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:28 AM
نماذج من وفاء الصحابة رضي الله عنهم

لقد وفى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعهود والمواثيق، والتزموا بالمبايعات التي أخذها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته في عدة مناسبات، وهذه هي العهود والمواثيق التي ذكرها الله في أكثر من آية، حيث خصَّ بعضها بالذكر كبيعة الرضوان،... وأخذ عليهم العهد في بيعتي العقبة، وبيعة الرضوان، وبايعهم على الإسلام، وبايع النساء بيعة خاصة، كما بايع بعض صحابته على الجهاد، وبايع آخرين على السمع والطاعة، وبايع بعضهم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم... ومما يجدر التنبيه إليه هنا، ما ذكره سبحانه في سورة الأحزاب، مادحًا أصحاب تلك العهود والمواثيق ومثنيًا عليهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23] نعم لقد وَفى صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهودهم، والتزموا مواثيقهم، ولم يكونوا كبني إسرائيل الذين أصبحت الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) والغدر من سماتهم، وأبرز سجاياهم وطباعهم.
لقد كان من وفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أحدهم يسقط سوطه وهو راكب على دابته، فينزل ليأخذ سوطه ولا يطلب من أحد أن يناوله؛ لأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يسأل الناس شيئًا أعطوه، أو منعوه.
هذه هي الطاعة، وهذا هو الوفاء، وبمثل هؤلاء تسعد البشرية وتصل إلى مدارج الرقي وسمو الأخلاق، لقد كان جيلًا قرآنيًّا فذًّا، لم تعرف البشرية جيلًا كذلك الجيل، ولا صفوة كتلك الصفوة أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[الزمر: 18]) .
وفاء أبي بكر رضي الله عنه:
وفاؤه بديون النبي صلى الله عليه وسلم ووعوده:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم على أبي بكر أمر مناديًا فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين، أو عدة فليأتني، قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، قال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني، فقال: أقلت تبخل عني، وأي داء أدوأ من البخل؟- قالها ثلاثًا - ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك)) .
وفاؤه في إنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه:
قام أبو بكر رضي الله عنه، بتنفيذ جيش أسامة بن زيد، الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليسير إلى تخوم البلقاء من الشام.
(فخرجوا إلى الجرف فخيموا به، وكان بينهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصديق، فاستثناه رسول الله منهم للصلاة، فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا هنالك، فلما مات عظم الخطب، واشتدَّ الحال، ونجم النفاق بالمدينة، وارتدَّ من ارتدَّ من أحياء العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى الصديق، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وكانت جواثا من البحرين أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحقِّ... وقد كانت ثقيف بالطائف ثبتوا على الإسلام، لم يفروا ولا ارتدوا، والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور، أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة؛ لاحتياجه إليه فيما هو أهم؛ لأنَّ ما جهز بسببه، في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحلُّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنَّ الطير تخطَّفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش أسامة) .
نماذج أخرى من الوفاء:
1- (يذكر أن امرأ القيس الكندي، لما أراد المضي إلى قيصر ملك الروم، أودع عند السموأل دروعًا وسلاحًا، وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة، فلما مات امرؤ القيس، أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل: لا أدفعها إلا لمستحقها. وأبى أن يدفع إليه منها شيئًا، فعاوده فأبى، وقال: لا أغدر بذمتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاء الواجب علي. فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره فدخل السموأل في حصنه، وامتنع به. فحاصره ذلك الملك، وكان ولد السموأل خارج الحصن، فظفر به ذلك الملك فأخذه أسيرًا، ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل. فأشرف عليه من أعلى الحصن. فلما رآه قال له: إن ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلمت إليَّ الدروع والسلاح التي لامرئ القيس عندك، رحلت عنك، وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ***ت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت. فقال له السموأل: ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت، ف*** ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن رجع خائبًا، واحتسب السموأل *** ولده وصبر، محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فصارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكر السموأل في الأول. وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمة من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثناء عليه، واستطلق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه) .
2- قصة أخرى يحكيها مالك بن عمارة اللخمي، قال: (كنت جالسًا في ظل الكعبة أيام الموسم عند عبد الملك بن مروان، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة ابن الزبير، وكنا نخوض في الفقه مرة، وفي المذاكرة مرة، وفي أشعار العرب، وأمثال الناس مرة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتساع في المعرفة، والتصرف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدث، وحلاوة لفظه إذا حدث، فخلوت معه ليلة فقلت له: والله إني لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرفك، وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلًا فسترى العيون طامحة إليَّ، والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إلي فلعلك أن تنقل إليَّ ركابك فلأملأنَّ يديك، فلما أفضت إليه الخلافة، توجهت إليه، فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلما رآني أعرض عني، فقلت: لعله لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكره، فلما قضيت الصلاة، ودخل بيته، لم ألبث أن خرج الحاجب فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه، فمد إليَّ يده، وقال: إنك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلا ما رأيت، فأمَّا الآن فمرحبًا وأهلًا، كيف كنت بعدي؟ فأخبرته، فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم. فقال: والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكني أخبرك بخصال مني سميت بها نفسي إلى الموضع الذي ترى، ما خنت ذا ودٍّ قط، ولا شمتُّ بمصيبة عدوٍّ قط، ولا أعرضت عن محدث حتى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذذًا بها، فكنت أؤمِّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي؛ وقد فعل، ثم دعا بغلام، فقال له: يا غلام بوِّئه منزلًا في الدار، فأخذ الغلام بيدي وأفرد لي منزلًا حسنًا، فكنت في ألذِّ حال، وأنعم بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، ثم أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه؛ فيرفع منزلتي ويقبل عليَّ ويحادثني، ويسألني مرة عن العراق ومرة عن الحجاز، حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغديت يومًا عنده فلمَّا تفرَّق الناس، نهضت قائمًا، فقال: على رِسْلك. فقعدت، فقال: أيُّ الأمرين أحبُّ إليك: المقام عندنا مع النصفة لك في المعاشرة، أو الرجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، فارقت أهلي، وولدي على أني أزور أمير المؤمنين وأعود إليهم، فإن أمرني أمير المؤمنين، اخترت رؤيته على الأهل والولد. فقال: لا، بل أرى لك الرجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وكسوناك، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟! فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدًا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السلامة) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:28 AM
نماذج من وفاء الصحابة رضي الله عنهم

لقد وفى أصحابُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعهود والمواثيق، والتزموا بالمبايعات التي أخذها عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(فقد بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته في عدة مناسبات، وهذه هي العهود والمواثيق التي ذكرها الله في أكثر من آية، حيث خصَّ بعضها بالذكر كبيعة الرضوان،... وأخذ عليهم العهد في بيعتي العقبة، وبيعة الرضوان، وبايعهم على الإسلام، وبايع النساء بيعة خاصة، كما بايع بعض صحابته على الجهاد، وبايع آخرين على السمع والطاعة، وبايع بعضهم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم... ومما يجدر التنبيه إليه هنا، ما ذكره سبحانه في سورة الأحزاب، مادحًا أصحاب تلك العهود والمواثيق ومثنيًا عليهم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب: 23] نعم لقد وَفى صحابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعهودهم، والتزموا مواثيقهم، ولم يكونوا كبني إسرائيل الذين أصبحت الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) والغدر من سماتهم، وأبرز سجاياهم وطباعهم.
لقد كان من وفاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أحدهم يسقط سوطه وهو راكب على دابته، فينزل ليأخذ سوطه ولا يطلب من أحد أن يناوله؛ لأنه بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يسأل الناس شيئًا أعطوه، أو منعوه.
هذه هي الطاعة، وهذا هو الوفاء، وبمثل هؤلاء تسعد البشرية وتصل إلى مدارج الرقي وسمو الأخلاق، لقد كان جيلًا قرآنيًّا فذًّا، لم تعرف البشرية جيلًا كذلك الجيل، ولا صفوة كتلك الصفوة أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90] أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ[الزمر: 18]) .
وفاء أبي بكر رضي الله عنه:
وفاؤه بديون النبي صلى الله عليه وسلم ووعوده:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ((قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قد جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، فلم يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قدم على أبي بكر أمر مناديًا فنادى من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين، أو عدة فليأتني، قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو جاء مال البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا، قال: فأعطاني. قال جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك فسألته فلم يعطني ثم أتيته فلم يعطني، ثم أتيته الثالثة فلم يعطني، فقلت له: قد أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني ثم أتيتك فلم تعطني، فإما أن تعطيني، وإما أن تبخل عني، فقال: أقلت تبخل عني، وأي داء أدوأ من البخل؟- قالها ثلاثًا - ما منعتك من مرة إلا وأنا أريد أن أعطيك)) .
وفاؤه في إنفاذ جيش أسامة رضي الله عنه:
قام أبو بكر رضي الله عنه، بتنفيذ جيش أسامة بن زيد، الذي قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليسير إلى تخوم البلقاء من الشام.
(فخرجوا إلى الجرف فخيموا به، وكان بينهم عمر بن الخطاب، ويقال: وأبو بكر الصديق، فاستثناه رسول الله منهم للصلاة، فلما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم أقاموا هنالك، فلما مات عظم الخطب، واشتدَّ الحال، ونجم النفاق بالمدينة، وارتدَّ من ارتدَّ من أحياء العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من أداء الزكاة إلى الصديق، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وكانت جواثا من البحرين أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحقِّ... وقد كانت ثقيف بالطائف ثبتوا على الإسلام، لم يفروا ولا ارتدوا، والمقصود أنه لما وقعت هذه الأمور، أشار كثير من الناس على الصديق أن لا ينفذ جيش أسامة؛ لاحتياجه إليه فيما هو أهم؛ لأنَّ ما جهز بسببه، في حال السلامة، وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب، فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء، إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال: والله لا أحلُّ عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أنَّ الطير تخطَّفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أنَّ الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزنَّ جيش أسامة) .
نماذج أخرى من الوفاء:
1- (يذكر أن امرأ القيس الكندي، لما أراد المضي إلى قيصر ملك الروم، أودع عند السموأل دروعًا وسلاحًا، وأمتعة تساوي من المال جملة كثيرة، فلما مات امرؤ القيس، أرسل ملك كندة يطلب الدروع والأسلحة المودعة عند السموأل، فقال السموأل: لا أدفعها إلا لمستحقها. وأبى أن يدفع إليه منها شيئًا، فعاوده فأبى، وقال: لا أغدر بذمتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاء الواجب علي. فقصده ذلك الملك من كندة بعسكره فدخل السموأل في حصنه، وامتنع به. فحاصره ذلك الملك، وكان ولد السموأل خارج الحصن، فظفر به ذلك الملك فأخذه أسيرًا، ثم طاف حول الحصن وصاح بالسموأل. فأشرف عليه من أعلى الحصن. فلما رآه قال له: إن ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلمت إليَّ الدروع والسلاح التي لامرئ القيس عندك، رحلت عنك، وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ***ت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت. فقال له السموأل: ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت، ف*** ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن رجع خائبًا، واحتسب السموأل *** ولده وصبر، محافظة على وفائه، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فصارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسموأل، وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام ذكر السموأل في الأول. وكم أعلى الوفاء رتبة من اعتقله بيديه، وأغلى قيمة من جعله نصب عينيه، واستنطق الأفواه لفاعله بالثناء عليه، واستطلق الأيدي المقبوضة عنه بالإحسان إليه) .
2- قصة أخرى يحكيها مالك بن عمارة اللخمي، قال: (كنت جالسًا في ظل الكعبة أيام الموسم عند عبد الملك بن مروان، وقبيصة بن ذؤيب، وعروة ابن الزبير، وكنا نخوض في الفقه مرة، وفي المذاكرة مرة، وفي أشعار العرب، وأمثال الناس مرة، فكنت لا أجد عند أحد ما أجده عند عبد الملك بن مروان من الاتساع في المعرفة، والتصرف في فنون العلم، وحسن استماعه إذا حدث، وحلاوة لفظه إذا حدث، فخلوت معه ليلة فقلت له: والله إني لمسرور بك لما شاهدته من كثرة تصرفك، وحسن حديثك، وإقبالك على جليسك، فقال: إن تعش قليلًا فسترى العيون طامحة إليَّ، والأعناق نحوي متطاولة، فإذا صار الأمر إلي فلعلك أن تنقل إليَّ ركابك فلأملأنَّ يديك، فلما أفضت إليه الخلافة، توجهت إليه، فوافيته يوم الجمعة وهو يخطب على المنبر، فلما رآني أعرض عني، فقلت: لعله لم يعرفني، أو عرفني وأظهر لي نكره، فلما قضيت الصلاة، ودخل بيته، لم ألبث أن خرج الحاجب فقال: أين مالك بن عمارة؟ فقمت فأخذ بيدي وأدخلني عليه، فمد إليَّ يده، وقال: إنك تراءيت لي في موضع لا يجوز فيه إلا ما رأيت، فأمَّا الآن فمرحبًا وأهلًا، كيف كنت بعدي؟ فأخبرته، فقال: أتذكر ما كنت قلت لك؟ قلت: نعم. فقال: والله ما هو بميراث وعيناه، ولا أثر رويناه، ولكني أخبرك بخصال مني سميت بها نفسي إلى الموضع الذي ترى، ما خنت ذا ودٍّ قط، ولا شمتُّ بمصيبة عدوٍّ قط، ولا أعرضت عن محدث حتى ينتهي حديثه، ولا قصدت كبيرة من محارم الله تعالى متلذذًا بها، فكنت أؤمِّل بهذه أن يرفع الله تعالى منزلتي؛ وقد فعل، ثم دعا بغلام، فقال له: يا غلام بوِّئه منزلًا في الدار، فأخذ الغلام بيدي وأفرد لي منزلًا حسنًا، فكنت في ألذِّ حال، وأنعم بال، وكان يسمع كلامي وأسمع كلامه، ثم أدخل عليه في وقت عشائه وغدائه؛ فيرفع منزلتي ويقبل عليَّ ويحادثني، ويسألني مرة عن العراق ومرة عن الحجاز، حتى مضت لي عشرون ليلة، فتغديت يومًا عنده فلمَّا تفرَّق الناس، نهضت قائمًا، فقال: على رِسْلك. فقعدت، فقال: أيُّ الأمرين أحبُّ إليك: المقام عندنا مع النصفة لك في المعاشرة، أو الرجوع إلى أهلك ولك الكرامة؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، فارقت أهلي، وولدي على أني أزور أمير المؤمنين وأعود إليهم، فإن أمرني أمير المؤمنين، اخترت رؤيته على الأهل والولد. فقال: لا، بل أرى لك الرجوع إليهم، والخيار لك بعد في زيارتنا، وقد أمرنا لك بعشرين ألف دينار، وكسوناك، وحملناك، أتراني قد ملأت يديك؟! فلا خير فيمن ينسى إذا وعد وعدًا، وزرنا إذا شئت، صحبتك السلامة) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:30 AM
أمثال في الوفاء
- يقال في المثل: أوفى من فكيهة:
وهي امرأة من بني قيس بن ثعلبة، كان من وفائها أنَّ السليك بن سلكة، غزا بكر بن وائل، فلم يجد غفلة يلتمسها، فخرج جماعة من بكر، فوجدوا أثر قدم على الماء، فقالوا: إنَّ هذا الأثر قدم ورد الماء. فقصدوا له، فلمَّا وافى حملوا عليه فعدا حتى ولج قبة فكيهة فاستجار بها، فأدخلته تحت درعها، فانتزعوا خمارها، فنادت إخوتها، فجاءوا عشرة، فمنعوهم منها .
- ويقال أوفى من أمِّ جميل:
وهي من رهط ابن أبي بردة من دوس، وكان من وفائها أنَّ هشام بن الوليد ابن المغيرة المخزومي *** رجلًا من الأزد، فبلغ ذلك قومه بالسراة، فوثبوا على ضرار بن الخطاب الفهري لي***وه، فعدا حتى دخل بيت أمِّ جميل وعاذ بها، فقامت في وجوههم، ودعت قومها فمنعوه لها .
- ويقال: أوفى من السموأل بن عاديا .
- ويقال: أوفى من الحارث بن عباد:
وكان من وفائه أنه أسر عدي بن ربيعة ولم يعرفه، فقال له: دلَّني على عدي ابن ربيعة ولك الأمان، فقال: أنا آمن إن دللتك عليه؟ قال: نعم. قال: فأنا عدي بن ربيعة. فخلاه .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:38 AM
الوفاء في واحة الشعر
قال الشاعر:


ذهب الوفاءُ ذهابَ أمسِ الذاهبِ***فالنَّاسُ بين مخاتلٍ ومواربِ



يغشون بينهم المودةَ والصفا***وقلوبُهم محشوةٌ بعقاربِ



وقال علي بن أبي طالب:


مات الوفاءُ فلا رفدٌ ولا طمع***في النَّاسِ لم يبقَ إلا اليأسُ والجزعُ



فاصبرْ على ثقةٍ باللهِ وارضَ به***فاللهُ أكرمُ مَن يُرجى ويُتَّبعُ



وقال علي بن مقرَّب:


لا تركننَّ إلى مَن لا وفاءَ له***الذئبُ مِن طبعِه إن يقتدرْ يثبِ



وقال آخر:


عشْ ألفَ عامٍ للوفاءِ وقلَّما***ساد امرؤٌ إلا بحفظِ وفائِه



لصلاحِ فاسدِه وشعبِ صدوعِه***وبيانِ مشكلِه وكشفِ غطائِه



وقال آخر:


ما أهونَ الإنسانَ إنَّ وفاءَه***إمَّا اتقاءُ أذًى، وإمَّا مغنمُ



عظمتْ على أخلاقِه أكلافه***وهو المصيَّرُ في الحياةِ المرغمُ



نفض الترابُ الضعف في أعراقه***وابنُ الترابِ الصاغرُ المستسلمُ



وقال آخر:


إنَّ الوفاءَ على الكريمِ فريضةٌ***واللؤمُ مقرون بذي الإخلافِ



وترى الكريم لمن يعاشرُ منصفًا***وترى اللئيمَ مجانبَ الإنصافِ



وقال آخر:


ذهب التكرُّم والوفاءُ مِن الورَى***وتصرَّما إلَّا مِن الأشعارِ



وفشت خياناتُ الثقاتِ وغيرِهم***حتى اتهمنا رؤيةَ الأبصارِ



وقال الرِّياشيّ:


إذا ذَهَب التكرُّم والوَفاءُ***وباد رِجالُه وبَقِي الغُثَاءُ



وأَسْلَمني الزَّمانُ إلى رِجالٍ***كأمْثالِ الذِّئابِ لها عُواءُ



صَديقٌ كلَّما استَغْنيت عنهم***وأَعْداءٌ إذا جَهَدَ البَلاءُ



إذا ما جئتهم يَتدافَعوني***كأنِّي أجربٌ آذاه داءُ



أقولُ ولا أُلاَم على مَقالٍ***على الإخوانِ كُلِّهم العَفاءُ



وقال آخر:


إذا قلتَ في شيءٍ نَعمْ فأتمَّه***فإنَّ نعم دينٌ على الحرِّ واجبُ



وإلَّا فقلْ لا تسترحْ وتُرِحْ بها***لئلا يقولَ النَّاسُ إنَّك كاذبُ



وقال آخر:


لا كلَّف اللهُ نفسًا فوقَ طاقتِها***ولا تجودُ يدٌ إلا بما تجدُ



فلا تعِدْ عدةً إلَّا وَفيت بها***واحذرْ خلافَ مقالٍ للذي تعِدُ

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=4DLCUf2qAYXiOsCxgOgL&psig=AFQjCNE70OutQYeuEaZdtQFsTKX9wDsHoA&ust=1371767892811695)

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:41 AM
الوَقَار

معنى الوَقَار لغةً واصطلاحًا

معنى الوَقَار لغةً:
الوَقَار: السُّكون والحِلْم والرَّزانة، مصدر وَقَرَ يَقِرُ وَقارًا وَقِرَة إذا ثبت، فهو وَقُور ووَقار، ومتوقِّر، وأصل هذه المادَّة يدلُّ على ثِقَل في الشَّيء، وفلان ذو قِرَة، أي: وَقار، ورجل موقَّر: مجرَّب. والتَّوقِير: التَّعظيم والتَّرزين، ومنه قول الله تعالى: مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13]. وأمّا قولك: وقَّر الرَّجل، أي: بجَّلَه وعظَّمه، ومنه قوله تعالى: وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ [الفتح: 9] http://www.dorar.net/misc/tip.gif .
معنى الوَقَار اصطلاحًا:
الوقار: هو سكون النَّفس وثباتها عند الحركات التي تكون في المطَالب .
وقيل: هو التَّأنِّي في التَّوجُّه نحو المطَالب .
وقيل: الوَقَار هو الإمْسَاك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة، فيما يُسْتَغنى عن التَّحرُّك فيه، وقِلَّة الغَضَب، والإصغاء عند الاستفهام، والتَّوقُّف عن الجواب، والتَّحفُّظ من التَّسرُّع

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:43 AM
الفرق بين الوَقَار وبعض الصِّفات
الفرق بين التَّوْقير والوَقَار:
أنَّ التَّوقير يُستعمل في معنى التَّعظيم؛ يقال: وقَّرته، إذا عظَّمته. وقد أُقِيم الوَقَار موضع التَّوقير في قوله تعالى: مَّا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13] أي: تعظيمًا) .
قال ابن تيمية: (التَّوقير: اسمٌ جامعٌ لكلِّ ما فيه سكينة وطُمأنينة مِن الإجلال والإكرام، وأن يُعامل من التَّشريف والتَّكريم و التَّعظيم بما يصونه عن كلِّ ما يُخرجه عن حدِّ الوَقَار) .
الفرق بين السَّكينة والوَقَار:
قال النَّوويُّ: (قيل: هما بمعنى... والظَّاهر أنَّ بينهما فَـرْقًا، وأنَّ السَّكينة هي التَّأنِّي في الحركات واجتناب العبث، والوَقَار في الهيئة كغضِّ البصر، وخفض الصَّوت وعدم الالتفات) .

محمد رافع 52
20-06-2013, 12:46 AM
ما شاء الله ، جزاكم الله خيرا
بارك الله فيك ورضى عنك

محمد رافع 52
22-06-2013, 12:10 AM
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تبارك وتعالى: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان: 63].
في هذه الآية الكريمة يصف الله عباده المكرمين، وأولياءه الصَّالحين، فكانت أوَّل صفة امتدحهم بها الله تبارك وتعالى هي صفة الوَقَار، (والمعنى: أنَّهم يمشون بسكينة ووقار وتواضع، لا يضربون بأقدامهم، ولا يَخَفْقِون بنعالهم أشَرًا وبطَرًا) .
قال ابن كثير: هذه صفات عباد الله المؤمنين الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63] أي: بسكينة ووقار من غير جبريَّة ولا استكبار، كما قال: وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً [الإسراء: 37] فأمَّا هؤلاء فإنَّهم يمشون من غير استكبار ولا مَرَح، ولا أشَرٍ ولا بَطَرٍ، وليس المراد أنَّهم يمشون كالمرْضَى مِن التَّصانع تصنُّعًا ورياءً، فقد كان سيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم إذا مشى كأنَّما ينحطُّ من صَبَب، وكأنَّما الأرض تُطوى له. وقد كره بعض السَّلف المشي بتضعُّف وتصنُّع، حتى رُوي عن عمر أنَّه رأى شابًّا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين! فعلاه بالدِّرَّة، وأمره أن يمشي بقوَّة. وإنَّما المراد بالهَوْن -هاهنا-: السَّكينة والوَقَار) .
- وقال الله تبارك وتعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 19].
هذه إحدى وصايا لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه، وفيها أمرٌ بالسَّكينة والوَقَار حال مَشْيه بين النَّاس، قال البغوي: (أي: ليكن مَشْيك قصدًا لا تخيُّلًا ولا إسراعًا. وقال عطاء: امش بالوَقَار والسَّكينة، كقوله: يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا [الفرقان: 63]) .
وقال الخازن: (أي: ليكن في مِشْيتك قصدٌ بين الإسراع والتَّأنِّي، أمَّا الإسراع فهو من الخُيَلاء، وأمَّا التَّأنِّي فهو أن يُرَى في نفسه الضَّعف تزهُّدًا، وكلا الطَّرفين مذمومٌ، بل ليكن مَشيك بين السَّكينة والوَقَار) .

محمد رافع 52
22-06-2013, 12:15 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مستجمعًا قطُّ ضاحكًا، حتى تُرى منه لهواته، وإنَّما كان يتبسَّم)) .
هذا الحديث ذكره النَّوويُّ تحت باب الوَقَار والسَّكينة في كتابه ((رياض الصَّالحين))، وقد قال الشَّيخ ابن عثيمين مُعلِّقًا: (يعني: ليس يضحك ضَحِكًا فاحشًا بقهقهة، يفتح فمه حتى تبدو لَهاته ولكنَّه صلى الله عليه وسلم كان يبتسم أو يضحك حتى تبدو نواجِذه، أو تبدو أنيابه، وهذا من وَقَار النَّبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا تجد الرَّجل كثير الكَرْكَرة -الذي إذا ضحك، قهقه وفتح فاه- يكون هيِّنًا عند النَّاس، وضيعًا عندهم، ليس له وقار، وأمَّا الذي يُكثر التَّبسُّم في محله، فإنَّه محبوبٌ، تنشرح برؤيته الصُّدور، وتطمئنُّ به القلوب) .
قال ابن حجر: (والذي يظهر من مجموع الأحاديث: أنَّه صلى الله عليه وسلم كان - في مُعْظَم أحواله - لا يزيد على التَّبسُّم، ورُبَّـما زاد على ذلك، فضحك، والمكروه من ذلك إنَّما هو الإكثار منه أو الإفراط فيه؛ لأنَّه يُذهب الوَقَار) .
- عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الهَدي الصَّالح والسَّمت الصَّالح والاقتصاد جُزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا من النُّبوَّة)) .
أي: أنَّ هذه الأخلاق الكريمة هي من صفات الأنبياء وآدابهم، لذا طُلب من أتباع الأنبياء أن يقتدوا بهم، وأن يأخذوا بهذه الخصال الكريمة، فالمقصود أنَّهم يتَّبعونهم، ويسيرون على منهجهم، ويقتدون بهم في الأخلاق والأفعال والسِّمات والهدي والوَقَار، فالهدي الصَّالح هو الطَّريقة الصَّالحة. ويقال: هَدْي الرَّجل: حاله ومذهبه، أي: الحالة والطَّريقة التي هو عليها. والسَّمت: الهيئة الحسنة، والوَقَار والسَّكينة التي تكون فيه.
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أتاكم أهل اليمن، هم أرقُّ أفئدةً، وألين قلوبًا. الإيمان يمان، والحكمة يمانيَّة، والفخر والخُيَلاء في أصحاب الإبل، والسَّكينة والوَقَار في أهل الغنم)) .

(تخصيص الخُيَلاء بأصحاب الإبل، والوَقَار بأهل الغنم، يدلُّ على أنَّ مخالطة الحيوان تؤثِّر في النَّفس، وتعدي إليها هيئاتٍ وأخلاقًا تناسب طباعها، وتلائم أحوالها، قلت: ولهذا قيل: الصُّحبة تؤثِّر في النَّفس، ولعلَّ هذا -أيضًا- وجه
الحكمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/452) في أنَّ كلَّ نبيٍّ رعى الغنم، وخلاصة الكلام ورابطة النِّظام بين فصول الحديث: أنَّ أهل اليمن يغلب عليهم الإيمان والحكمة، كما أنَّ أهل الإبل يغلب عليهم الفَّخْر، وأهل الغنم يغلب عليهم السُّكون، فمن أراد صُحبة أهل الإيمان والعِرْفان، فعليه بمصاحبة نحو أهل اليمن على وجه الإيمان، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ [التَّوبة: 119]) .
- وعن أبي هريرة، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سمعتم الإقامة، فامشوا إلى الصَّلاة وعليكم بالسَّكينة والوَقَار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلُّوا، وما فاتكم فأتمُّوا)) .
قال النَّوويُّ: (الوَقَار في الهيئة وغض البصر، وخفض الصَّوت، والإقبال على طريقه بغير التفات ونحو ذلك، والله أعلم) .

محمد رافع 52
22-06-2013, 12:19 AM
أقوال السَّلف والعلماء في الوَقَار
- قال ذو النُّون: (ثلاثةٌ من أعلام الوَقَار: تعظيم الكبير، والتَّرحُّم على الصَّغير، والتَّحلُّم على الوضيع) .
- عن عمران بن مسلم أنَّ عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قال: (تعلَّموا العلم، وعلِّموه النَّاس، وتعلَّموا له الوَقَار والسَّكينة، وتواضعوا لمن يعلِّمكم عند العلم، وتواضعوا لمن تعلِّموه العلم، ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم) .
قال ابن مفلح: (وفي التَّفسير: وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ [الأعراف: 26] قالوا: الحياء. وقالوا: الوَقَار من الله، فمن رزقه الله الوَقَار، فقد وَسَمَه بسِيما الخير. وقالوا: من تكلَّم بالحكمة لاحظته العيون بالوَقَار) .
- قام جرير بن عبد الله رضي الله عنه، يوم مات المغيرة بن شعبة، رضي الله عنه، فحَمِد الله وأثنى عليه، وقال: (عليكم باتِّقاء الله وحده لا شريك له، والوَقَار والسَّكينة حتى يأتيكم أمير، فإنَّما يأتيكم الآن. ثمَّ قال: استعفوا لأميركم؛ فإنَّه كان يحبُّ العفو) .
- قال أبو حاتم: (الواجب على العاقل أن يكون ناطقًا كعَييٍّ، وعالـمًا كجاهل، وساكتًا كناطق؛ لأنَّ الكلام لا بدَّ له من الجواب، والجواب لو جُعل له جواب، لم يكن للقول نهاية، وخرج المرء إلى ما ليس له غاية، والمتكلِّم لا يسلم من أن يُنسب إليه الصَّلف والتَّكلُّف، والصَّامت لا يليق به إلَّا الوَقَار وحُسْن الصَّمت، ولقد أحسن الذي يقول:


حتف امرئ لسانه****في جِدِّه أو لعبه



بين اللَّها م***ه****ركب في مركبه



- وقال ابن مفلح: (قال ابن عقيلٍ -أيضًا- في ((الفنون)): لما رأينا الشَّريعة تنهى عن تحريكات الطِّباع بالرُّعونات، وكَسَرت الطُّبول والمعازف، ونهت عن النَّدب والنِّياحة، والمدح، وجرِّ الخُيَلاء، فعلمنا أنَّ الشَّرع يريد الوَقَار دون الخلاعة) .
- وقال الغزالي: (آداب العالم: الاحتمال، ولزوم الحِلْم، والجلوس بالهيبة على سَمْت الوَقَار مع إطراق الرَّأس، وترك التَّكبُّر على جميع العباد، إلَّا على الظَّلمة زجرًا لهم عن الظُّلم، وإيثارًا للتَّواضع في المحافل والمجالس، وترك الهَزْل والدُّعابة، والرِّفق بالمتعلِّم، والتَّأنِّي بالمتعجرف، وإصلاح البليد بحُسْن الإرشاد، وترك الحَرْد عليه، ومؤاخذة نفسه -أولًا- بالتَّقوى ليَقتدي المتعلِّم -أولًا- بأعماله، ويستفيد -ثانيًا- من أقواله) .
وقال أيضًا: (الوَقَار وَسَط بين الكِبْر والتَّواضع) .

محمد رافع 52
22-06-2013, 12:22 AM
فوائد الوَقَار

1- الوقار (http://dorar.net/enc/akhlaq/1610) علامة على وجود الحياء، قال ابن حجر: (أنَّ من الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508) ما يحمل صاحبه على الوَقَار، بأن يوقِّر غيره، ويتوقَّر هو في نفسه، ومنه ما يحمله على أن يَسكن عن كثيرٍ ممَّا يتحرَّك النَّاس فيه من الأمور التي لا تليق بذي المروءة) .
2- ويقول المناوي: (الحياء زينة)؛ لأنَّه من فِعْل الرُّوح، والرُّوح سماويٌّ نورانيٌّ جميلٌ، والحياء خجل الرُّوح من كلِّ أمرٍ لا يصلح في السَّماء، فهو يخجل من ذلك، فهذا يزيِّن الجوارح، فهو زينة العبد، فمنه الوَقَار والحِلْم، وكفى بهما زينة، وما أحسن قول نَفْطَويه:


وعقل المرء أحسن حليتيه****وزَين المرء في الدُّنيا الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508)



3- الوَقَار يكسو الرَّجل هيبةً وبهاءً، ويعطيه سَمْتًا حسنًا، وهذا داعية لسماع قوله، وقبول نصحه، واحترامه وتقديره.
4- الوَقَار يصون العبد عن المنكرات والرَّذائل، والاحتكاك بما يدنِّس بالنَّفس، ويقلِّل من هيبتها ومكانتها.
5- وهو -أيضًا- يطبع الحبَّ في قلوب الآخرين للشَّخص المتَّصف بالوَقَار، ويُكسبه المهابة بين النَّاس.
6- الوَقَار عزٌّ لصاحبه في الدُّنْيا والآخرة.

محمد رافع 52
25-06-2013, 09:53 PM
موانع اكتساب صفة الوَقَار

1- المجاهرة بالمعاصي، قال الحكيم: (إذا استُخِفَّ بالمحقَّرات، دخل التَّخلط في إيمانه، وذهب الوَقَار، وانتقص من كلِّ شيء بمنزلة الشَّمس ينكسف طرف منها، فبقدر ما انكسف -ولو كرأس إبرة- يُنقص من شعاعها وإشراقها على أهل الدُّنيا، وخلص النُّقصان إلى كلِّ شيء في الأرض، فكذا نور المعرفة ينقص بالذَّنب على قَدْره، فيصير قلبه محجوبًا عن الله، فزوال الدُّنيا بكُلِّيتها أهون من ذلك، فلا يزال ينقص ويتراكم نقصانه وهو أبله لا ينتبه لذلك، حتى يستوجب الحرمان) .
2- الحُمق، وحقيقته، كما قال ابن الأثير: (وضع الشَّيء في غير موضعه مع العلم بقُبحه) .
3- الغَضَب، قال أهل العلم: (اتَّقوا الغَضَب؛ فإنَّه يفسد الإيمان، كما يُفسد الصَّبر العسل) ، فالغَضَب يؤثِّر على البدن حتى يُعمِي البصر، ويُصِمُّ الآذان، ويخرِس اللِّسان، ويُعجِز الإنسان؛ فيُفقِده الوَقَار.
4- كثرة المزَاح. فالإكثار من المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) يؤدِّي إلى سقوط الوَقَار، فقد قال عمر رضي الله عنه: (مَن مَزَح استُخِفَّ به).
5- الطَّيْش وضدُّه الوَقَار، وهو الحِلْم والرَّزَانَة، فلازم كون الطَّيش ضدُّ الوَقَار أنَّه يمنعه؛ إذ لا يجتمع ضدَّان، ولا يليق لهما أن يجتمعا.
6- سماع الغناء والميل إليه، فبينما ترى الرَّجل وعليه سِمَة الوَقَار، وبهاء العقل، وبهجة الإيمان، ووقار الإسلام، وحلاوة القرآن، فإذا سمع الغناء ومال إليه، نقص عقله، وقلَّ حياؤه، وذهبت مروءته، وفارقه بهاؤه، وتخلَّى عنه وقاره، وفرح به شيطانه، وشكا إلى الله إيمانه، وثَقُل عليه قرآنه، وقال: يا رب! لا تجمع بيني وبين قرآن عدوِّك في صدر واحد .

محمد رافع 52
25-06-2013, 09:55 PM
الوسائل المعينة على التَّحلِّي بالوَقَار

1- السَّكينة، فإنَّها تُثمر الخشوع، وتَجْلب الطُّمَأنينة، وتُلبس صاحبها ثوب الوَقَار.
قال ابن القيِّم: (السَّكينة إذا نزلت على القلب اطمأنَّ بها، وسكنت إليها الجوارح، وخشعت، واكتسبت الوَقَار، وأنطقت اللِّسان بالصَّواب والحكمة، وحالت بينه وبين قول الخَنَا والفحش واللَّغو والهُجْر وكلِّ باطل) .
2- اتِّباع آثار الأنبياء والصَّالحين الذين تحلَّوْا بالوَقَار. عن عبد الله بن عبَّاس رضي الله عنهما أنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الهدي الصَّالح والسَّمت الصَّالح والاقتصاد جزءٌ من خمسة وعشرين جزءًا من النُّبوَّة)) .
3- الخشوع في الطَّاعات، والإكثار من الصَّالحات.
4- طلب العلم، عن الحسن قال: (قد كان الرَّجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشُّعه، وهديه، ولسانه، وبصره، وبرِّه) .
5- البعد عن الغَضَب، والطَّيش والنَّزَق؛ فإنَّ ذلك ينافي الوَقَار والهيبة، وقال طاهر بن الحسين يوصي ابنه عبد الله: (واملك نفسك عن الغَضَب وآثِر الوَقَار والحِلْم. وإيَّاك والحدَّة والطَّيش والغرور فيما أنت بسبيله) .
6- التزام الصَّمت وقلَّة الكلام، إلَّا فيما يعني، كلُّ ذلك من سِمَات الوَقَار وعلاماته، لذا قالوا: (الصَّمت زين الحِلْم وعُوذَة العلم، يُلزِمك السَّلامة، ويُصحِبك الكرامة، ويكفيك مؤنة الاعتذار، ويُلبسك ثوب الوَقَار) .

7- الحياء، قال القرطبيُّ: (إنَّ من
الحياء (http://dorar.net/enc/akhlaq/508) ما يحمل صاحبه على الوَقَار، بأن يوقِّر غيره، ويتوقَّر هو في نفسه) .
8- الحِلْم، فهو وسط بين الاستشاطة والانفِراك، وهي حالة تكسب النَّفس الوَقَار .
وقد قيل: (فإنَّ من عُرف بالصِّدق صار النَّاس له أتباعًا، ومن نُسب إلى الحِلْم أُلبس ثوب الوَقَار والهيبة وأبَّهة الجلالة، ومن عُرف بالوفاء استنامت بالثِّقة به الجماعات، ومن استعزَّ بالصَّبر نال جَسيمات الأمور) .
9- الصِّدق، فإنَّ (صدق اللَّهجة عنوان الوَقَار) .
10- تعظيم الحرمات.

محمد رافع 52
25-06-2013, 09:57 PM
نماذج من وقار الأنبياء عليهم السَّلام
النَّبي محمد صلى الله عليه وسلم:
النَّبي صلى الله عليه وسلم كان يتصف بالوقار، وكان نموذجًا يقتدى به، ففي وصف أمِّ معبد للنَّبي صلى الله عليه وسلم قالت: (إن صَمَت فعليه الوَقَار، وإن تكلَّم سَمَاه وعلاه البهاء، أجمل النَّاس وأبْهَاه من بعيد، وأحسنه وأجمله من قريب، حُلْو المنْطِق، فصلًا لا نَزْر ولا هَذَر ، كأن مَنْطِقه خرزات نظمٍ يتحدَّرن، رَبْعة) .
نبيُّ الله إبراهيم عليه السَّلام:
عن سعيد بن المسيَّب، قال: (كان إبراهيم أوَّل النَّاس أضاف الضَّيف، وأوَّل النَّاس قصَّ شاربه وقلَّم أظفاره واستحدَّ، وأوَّل النَّاس اختتن، وأوَّل النَّاس رأى الشَّيب، فقال: يا رب، ما هذا؟ قال: الوَقَار، قال: رب! زدني وقارًا) .
(...سأله -عليه السَّلام- الزيادة منه؛ إذ قد علم أنَّ الوَقَار محمودٌ مأمورٌ به، من هدي الصَّالحين، ولعلَّه أراد أن يزيده من الشَّيب الذي هو الوَقَار) .

محمد رافع 52
25-06-2013, 09:59 PM
نماذج من وقار الصَّحابة رضي الله عنهم

أبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
قال عمر رضي الله عنه: (كان أبو بكر رضي الله عنه يوم السَّقيفة أحلم منِّي وأَوْقر، والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلَّا قال في بديهته مثلها أو أفضل منها، حتى سكت... الحديث) .

محمد رافع 52
25-06-2013, 10:02 PM
نماذج من وقار السَّلف والعلماء

مصعب بن الزُّبير:
قال عبيد الله بن قيس الــرُّقَيَّات في مصعب بن الزُّبير:


له خُلقٌ يُنزِّههُ كريمٌ***عن الفحشاء والفِعْل المعيبِ



وفيه سماحةٌ ووقار هديٍ***مع العلم المزين للأديبِ



وحيي من مُخَدَّرَةٍ حياءٍ***وأشجعُ من أسامةَ في الحروبِ



الشَّاطبي، مُصنِّف ((الشَّاطبية)):
قال ابن كثير: (كان ديِّنًا خاشعًا ناسكًا كثيرَ الوَقَار، لا يتكلَّم فيما لا يعنيه، وكان يتمثَّل كثيرًا بهذه الأبيات، وهي لغزٌ في النَّعش، وهي لغيره:


أتعرف شيئًا في السَّماء يطير***إذا سار هاج النَّاس حَيْثُ يَسِيرُ



فتلْقَاه مَرْكُوبًا وتلْقَاهُ رَاكِبًا***وكلُّ أمير يعتليه أسيرُ



يَحُثُّ على التَّقوى ويُكْرَه قُرْبه***وتَنْفِر منه الـنَّفْسُ وهو نَذِيرُ



ولم يَسْتَزِرْ عن رَغْبَةٍ في زيارةٍ***ولكن على رَغْم المزُور يَزُور)

محمد رافع 52
25-06-2013, 10:06 PM
حكمٌ وأمثالٌ عن الوَقَار
- قال بعض البلغاء: (الزم الصَّمت؛ فإنَّه يُكسبك صفو المحبَّة، ويُؤمِّنك سوء المغبَّة، ويُلبسك ثوب الوَقَار، ويكفيك مئونة الاعتذار). وقال بعض الفُصَحاء: (اعقل لسانك إلَّا عن حقٍّ توضِّحه، أو باطلٍ تدحضه، أو حكمةٍ تنشرها، أو نعمةٍ تذكرها).
وقال الشَّاعر:


رأيت العزَّ في أدبٍ وعقلٍ***وفي الجهل المذلَّة والهوانُ



وما حُسْن الرِّجال لهم بحسنٍ***إذا لم يُسعِد الحُسنَ البيانُ



كفى بالمرء عيبًا أن تراه***له وجهٌ وليس له لسانُ



لذلك حَمَدت العرب آراء الشُّيوخ، حتى قال بعضهم: (المشايخ أشجار الوَقَار) .
- وقالوا: (إنَّ رداء الوَقَار والحِلْم، أَزْيَن ما تعطَّف به ذو العلم، فتحلَّم وتوقَّر وإن لم يكونا من جَدَائلك) .
- ويقال: (لا تُخلِّق نفسك بالحرص، فتُذهب عنك بهجة الوَقَار) .
- ويقال: (العجلة تسلب الوَقار) .
- و(يقال: مِن صفة النَّاسك الوَقَار، والاستتار بالقُنُوع، ورفض الشَّهوات للتخلِّي من الأحزان، وترك إخافة النَّاس؛ لئلَّا يخافهم) .
- وقيل: (الوَقَار في الـنُّزْهة سَخَفٌ) .
- ويقال: (كأنَّ على رؤوسهم الطَّير)، في الوَقَار .
- ويقال: (الشَّيب حلية العقل، وسِمَة الوَقَار) .
- وقال حكيم: (ليس التَّاج الذي يفتخر به علماء الملوك فضة ولا ذهبًا، لكنَّه الوَقَار المكلَّل بجواهر الحِلْم. وأحقُّ الملوك بالبسطة عند ظهور السَّقطة، من اتَّسعت قدرته) .
- وقالوا: (المشايخ أشجار الوَقَار، ومنابع الأخبار، لا يطيش لهم سهم، ولا يُسفَّه لهم فهمٌ، إن رأوك على قبيحٍ صدُّوك، وإن رأوك على جميل أمدُّوك) .
- وقيل: (إن جالست الملوك فالزم الصَّمت، واستعمل الوَقَار، واحفظ الأسرار) .

محمد رافع 52
25-06-2013, 10:10 PM
الوَقَار في واحة الشِّعر

قال الشاعر:


مَن أكثَرَ المزَاح قَلَّت هيبَته***ومَن جنى الوَقَار عزَّت قيمته



مَن سَالَم النَّاس جنى السَّلامَة***ومَن تعَدَّى أحرز النَّدامة



وقال آخر:


إنَّ الكمال الذي سادَ الرِّجال به***هو الوَقَار وَقَرْن العلم بالعملِ



فقُل لمن يزدهي عُجْبًا بمَنطِقِه***وقلبه في قيود الحِرص والأملِ



مَهْلًا فمَا الله سَاهٍ عن تلاعبِكم***لكنَّ موعدَكم في منتهى الأَجَلِ



وقال آخر:


وليدًا ما كنت في القوم جالسًا***فكُن ساكنًا منك الوَقَار على بالِ



ولا يبدُرَنَّ الدَّهرَ من فيك مَنطقٌ***بلا نظرٍ قد كان منك وإغفالِ



وقال ابن المبارك يمدح مالك:


يَأْبى الجَوَابَ فمَا يُــرَاجَع هَيْبَةً***والسَّائِلُون نَوَاكِس الأذْقَانِ



أدَبُ الوَقَارِ وعِزُّ سُلطان التُّقى***فهو الأميرُ وليس ذا سُلطانِ



وقال البحتري:


قَمَرٌ يؤمِّله الموالي للَّتي***يقضي بها المأمُول حقَّ الآمِلِ



حَدَثٌ يوقِّره الحِجَى فكأنَّما***أخذ الوَقَارَ من المشيب الشَّاملِ

محمد رافع 52
25-06-2013, 10:13 PM
http://www.dorar.net/misc/akhlaq.jpg

ثانيا:الأَخلاق المذمومة (http://www.dorar.net/enc/akhlaq/1640)


الإِسَاءة

معنى الإِسَاءة لغةً واصطلاحًا

معنى الإِسَاءة لغةً:
الإساءة مصدر أساء الرَّجل إِساءةً: خِلاف أحْسَن، وأساء الشَّيء: أفْسَده، ولم يُحْسِن عَمَله، ويقال: أساء به، وأساء إليه، وأساء عليه، وأساء له ضِد أحسن، معنًى واستعمالًا، وقول سَيِّئ: يَسُوء .
معنى الإِسَاءة اصطلاحًا:
الإساءة هي: فعل أمر قبيح جار مجرى الشَّرِّ يترتَّب عليه غمٌّ لإنسان في أمور دينه ودنياه، سواء أكان ذلك في بدنه أو نفسه أو فيما يحيط به من مال أو ولد أو قنية .

محمد رافع 52
25-06-2013, 10:15 PM
الفرق بين الإِسَاءة وبعض الصِّفات:

- الفرق بين الإِسَاءة والمضَرَّة:
أنَّ الإِسَاءة قبيحة، وقد تكون مَضَرَّة حَسَنة إذا قُصِد بها وَجهٌ يَحْسُن، نحو المضَرَّة بالضَّرْب للتَّأديب، وبالكَدِّ للتَّعلُّم والتَّعليم .
- الفرق بين الإِسَاءة والسُّوء:
أنَّ الإِسَاءة: إنفاق العمر في الباطل، والسُّوء: إنفاق رزقه في المعاصي .
أنَّ الإِسَاءة: فِعْلُ المسيء، والسُّوء: الفعل ممَّا يسوء .
أنَّ الإِسَاءة: اسمٌ للظُّلم، يقال: أَسَاء إليه إذا ظَلَمه، والسُّوء: اسمٌ الضَّرر والغَمِّ، يقال: سَاءَه يسُوؤه، إذا ضَرَّه وغَمَّه، وإن لم يكن ذلك ظُلمًا .
- الفرق بين الإِسَاءة والنِّقْمَة:
أنَّ النِّـقْمَة قد تكون بحقٍّ، جزاءً على كُفران النِّعمة.
والإِسَاءة: لا تكون إلَّا قبيحة. ولذا لا يصحُّ وصفه تعالى بالمسيء، وصحَّ وصفه بالمنتقم.
قال -سبحانه-: وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ [آل عمران: 4]، وقال: وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ [المائدة: 95] .

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:10 AM
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ [البقرة: 83].

(وفيه النَّهي عن الإِسَاءة إلى الوالدين.. وللإحسان ضدَّان: الإِسَاءة، وهي أعظم جرمًا، وترك
الإحسان (http://dorar.net/enc/akhlaq/70) بدون إساءة، وهذا محرم) .
- قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون: 96].
(أي: إذا أَسَاء إليك أعداؤك، بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإِسَاءة) .
- قال تعالى: إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء: 7].
(أي: فإليها ترجع الإِسَاءة لِمَا يتوجَّه إليها مِن العقاب، فرغَّب في الإحسان، وحذَّر مِن الإِسَاءة) .
- قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصِّلت: 34-35].
(أي: فإذا أَسَاء إليك مُسِيءٌ مِن الخَلْق -خصوصًا مَن له حقٌّ كبير عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم- إِسَاءةً بالقول أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه، فإن قطعك فَصِلْه، وإن ظلمك، فاعف عنه، وإن تكلَّم فيك -غائبًا أو حاضرًا- فلا تقابله، بل اعف عنه، وعامله بالقول اللَّيِّن. وإن هجرك، وترك خِطَابك، فَطيِّبْ له الكلام، وابذل له السَّلام، فإذا قابلت الإِسَاءة بالإحسان، حصل فائدةٌ عظيمةٌ) .
- قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ [فصِّلت:46].
- قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ [الجاثية: 15].
قال السعدي: (وفي هذا حثٌّ على فعل الخير، وترك الشَّرِّ، وانتفاع العاملين، بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السَّيِّئة) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:13 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن معاذ بن جبل رضي الله عنه: أنَّ النَّبي بعثه إلى قوم، فقال: يا رسول الله، أوصني. قال: ((افشِ السَّلام وابذل الطَّعام... وإذا أَسَأت فأَحْسِن، ولتحسِّن خلقك ما استطعت)) .
قال ملا علي القاري: (وإذا أَسَأت فأَحْسِن. وهو يحتمل معنيين، أحدهما: أنَّه إذا فعل معصية، يحدثها توبة، أو طاعة، وإذا أَسَاء إلى شخصٍ، أَحْسَن إليه، ومنه قوله تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ [فصِّلت: 34]) .
- عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحسن فيما بقي، غُفِر له ما مضى، ومَن أَسَاء فيما بقي، أُخِذ بما مضى وما بقي)) .
- عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((قال رجل: يا رسول الله، أنؤاخذ بما عملنا في الجاهليَّة؟ قال: مَن أحسن في الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية، ومَن أَسَاء في الإسلام أُخِذ بالأوَّل والآخر)) .
قال العيني: (منهم مَن قال: المراد بالإِسَاءة في الإسلام: الارتداد مِن الدِّين) .
وقال المناوي: (فالمراد بالإِسَاءة: الكفر؛ وهو غاية الإِسَاءة) .
- عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((أَلَا أنبِّئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا. قالوا: بلى، يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين)) .
قال الهيتمي: (فانظر كيف قَرَن الإِسَاءة إليهما وعدم البِرِّ والإحسان إليهما بالإشراك بالله تعالى، وأكَّد ذلك بأمره بمصاحبتهما بالمعروف، وإن كانا يجاهدان الولد على أن يشرك بالله تعالى) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:15 AM
أقوال السَّلف والعلماء في الإِسَاءة
- عن الحسن البصري أنَّه كان يقول: (إنَّ المؤمن جمع إحسانًا وشفقةً، وإنَّ المنافق جمع إِسَاءةً وأَمْنًا) .
- وقال ابن حزم: (لم أرَ لإبليس أَصْيَد ولا أَقْـبَح ولا أَحْمَق مِن كلمتين ألقاهما على أَلْسِنة دُعَاته:
إحداهما: اعتذار مَن أَسَاء بأنَّ فلانًا أَسَاء قبله.
والثَّانية: استسهال الإنسان أن يُسيء اليوم؛ لأنَّه قد أَسَاء أمس، أو أن يُسيء في وجهٍ ما؛ لأنَّه قد أَسَاء في غيره) .
- وقال -أيضًا-: (مَن أَسَاء إلى أهله وجيرانه فهو أَسْقَطُهم، ومَن كَافَأ مَن أَسَاء إليه منهم، فهو مثلهم، ومَن لم يكافئهم بإساءتهم، فهو سيِّدهم وخيرهم وأفضلهم) .
- وقال بعض السَّلف: (ما أحسنتُ إلى أحدٍ، وما أسأتُ إلى أحدٍ، وإنَّما أحسنتُ إلى نفسي، وأسأتُ إلى نفسي) .
- وقال موسى بن جعفر: (مَن لم يجد للإِسَاءة مَضَضًا، لم يكن للإحسان عنده موقع) .
- وعن ميمون قال: (مَن أَسَاء سِرًّا، فليتبْ سِرًّا، ومَن أَسَاء علانيةً، فليتب علانيةً، فإنَّ الله يغفر ولا يُعَيِّر، وإنَّ النَّاس يُعَيِّرون ولا يغفرون) .
- وقيل: (أربعةٌ يُـقْضَى بها على أربعةٍ: السِّعَاية على الدَّناءة، والإِسَاءة على الرَّداءة، والحَلِف على البُخل، والسَّخَف على الجهل) .
- وقيل (مَن رضي لنفسه بالإِسَاءة، شهد على نفسه بالرَّداءة والدَّناءة) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:18 AM
آثار الإِسَاءة

1- الإِسَاءة صفة مِن صفات المنافقين.
عن الحسن البصري، أنَّه كان يقول: (إنَّ المؤمن جمع إحسانًا وشفقةً، وإنَّ المنافق جمع إِسَاءة وأَمْنًا) .
2- أنَّ مَن رضي لنفسه بالإِسَاءة، شهد على نفسه بالرَّداءة.
3- أنَّ الإِسَاءة مِن أسباب قسوة القلب.
4- أنَّ الإِسَاءة تمنع مِن الشَّفاعة.
قال أبو الدَّرداء: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون اللَّعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة)) .

قال ابن القيِّم: (قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يكون اللَّعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة))؛ لأنَّ اللَّعن إساءة، بل مِن أبلغ الإِسَاءة، والشَّفاعة إحسان، فالمسيء في هذه الدَّار باللَّعن، سلبه الله
الإحسان (http://dorar.net/enc/akhlaq/70) في الأخرى بالشَّفاعة، فإنَّ الإنسان إنَّما يحصد ما يزرع، والإِسَاءة مانعة مِن الشَّفاعة التي هي إحسان) .
5- أنَّه كلَّما ازداد الإنسان إساءة ازداد وحشة .
6- أنَّ أخوف النَّاس أشدُّهم إساءة .
7- الإِسَاءة إلى الآخرين تُسَبِّب العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع.
أسباب الوقوع في الإِسَاءة:
1- مقابلة الإِسَاءة بأشدَّ منها.
2- قسوة القلب.

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:20 AM
من أسباب الوقوع في إِسَاءة الإنسان على نفسه
1- اليأس:
قال ابن القيِّم: (الخوف الموقِع في الإياس: إساءة أدب على رحمة الله تعالى التي سبقت غضبه، وجهلٌ بها) .
2- سوء الظَّنِّ:
عن معمر، قال: (تلا الحسن: وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ [فصِّلت: 23] فقال: إنَّما عَمِل النَّاس على قَدْر ظنونهم بربِّهم؛ فأمَّا المؤمن فأَحْسَن بالله الظَّنَّ، فأَحْسَن العمل؛ وأمَّا الكافر والمنافق فأساءا الظَّنَّ، فأساءا العمل) .
وقال ابن القيِّم: (وأمَّا المسيء المصرُّ على الكبائر والظُّلم والمخالفات، فإنَّ وحشة المعاصي والظُّلم والحرام تمنعه مِن حُسْن الظَّنِّ بربِّه، وهذا موجودٌ في الشَّاهد، فإنَّ العبد الآبق -الخارج عن طاعة سيِّده- لا يُحْسِن الظَّنَّ به، ولا يجامع وحشة الإِسَاءة إحسان الظَّنِّ أبدًا) .
3- طول الأمل:
عن الحسن: (ما أطال عبدٌ الأمل إلَّا أَسَاء العمل) .
الوسائل المعينة على ترك الإِسَاءة:
1- الحِلْم:
قال تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ [المؤمنون: 96].
قال السعدي: (أي: إذا أَسَاء إليك أعداؤك بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإِسَاءة، مع أنَّه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإنَّ ذلك فَضْلٌ منك على المسيء. ومِن مصالح ذلك: أنَّه تَخِفُّ الإِسَاءة عنك في الحال، وفي المستقبل، وأنَّه أَدْعَى لجلب المسيء إلى الحقِّ، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتَّوبة عمَّا فعل، وليتَّصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوَّه الشَّيطان، وليستوجب الثَّواب مِن الرَّبِّ) .
2- الاستغفار:
عن علي رضي الله عنه قال: (ليس الخير أن يَكْثُر مالك وولدك، ولكن الخير أن يَكْثُر علمك، ويَعْظُم حلمك، وأن تباهي النَّاس بعبادة ربِّك، فإن أَحْسَنت حَمَدت الله، وإن أسأت استغفرت الله) .
3- معرفة أنَّ في ترك الإِسَاءة رجاحة النَّفس، وراحة القلب:
قال القاضي المهدي: (ولو لم يكن في الصَّفح -وترك الإِسَاءة- خَصْلَةٌ تُحمَد إلَّا رجاحة النَّفس ووَدَاع القلب، لكان الواجب على العاقل أن لا يكدِّر وقته بالدُّخول في أخلاق البهائم...) .
4- حُسْن الظَّنِّ بالله.
5- قِصَر الأمل.
6- عدم اليأس.

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:21 AM
بين الإِسَاءة والإحسان

الإِسَاءة ضدُّ الإحسان، والإحسان واجبٌ، فالإِسَاءة ممنوعةٌ؛ لأنَّ قولك: أَحْسِن إلى فلان، يقوم مقام قولك: لا تسئ إليه، وذلك معنى مقتضاه فقط. وأما قولك: لا تسيء إليه، فليس فيه الإحسان (http://dorar.net/enc/akhlaq/70) إليه. وكذلك إذا قلت: لا تحسن إليه، فليس فيه أن تسيء إليه أصلًا؛ لأنَّ هذا مِن الأضداد التي بينها وسائط، والوسيطة هاهنا التي بين الإِسَاءة والإحسان: المتَاركة. وأمَّا إذا قلت: أَسِئ إلى فلان، ففيه رفع الإحسان (http://dorar.net/enc/akhlaq/70) عنه؛ لأنَّ الضدَّ يدفع الضدَّ، إذا وقع أحدهما بطل الآخر .

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:23 AM
الأمثال في الإِسَاءة
1- أَسَاء سمعًا فأَسَاء إجابة .
2- أَسَاء رعيًا فسقى.
يُضْرَب مثلًا للرَّجل يُفْسِد الأمر، ثمَّ يريد إصلاحه، فيزيده فسادًا .
3- أَسَاء كارهٌ ما عمل.
يُضْرَب مثلًا للرَّجل يُكْرَه على الأمر فلا يبالغ فيه .
4- البادئ أظلم.
يقوله الرَّجل يجازي على الإِسَاءة بمثلها، أي: الذي ابتدأ الإِسَاءة أظلم .
5- لو نُهِيت عن الأولى، لم تَعُد للأخرى.
يُضْرَب مثلًا للرَّجل يُسيء فيُحْتَمل، فيَضْرَى على الإِسَاءة .
6- جزاء سَنِمَّار.
يضرب مثلًا لسوء الجزاء، يقال: جزاه جزاء سنمار .
7- خَيْرَ حالِبَيْك تَنْطَحِين.
يُضْرَب لمن يكافِئ المحسن بالإِسَاءة .
8- ليس بعد الإسار إلَّا ال***.
يُضْرب في الإِسَاءة يركبها الرَّجل مِن صاحبه، فيستدلُّ بها على أكثر منها .

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:32 AM
ذم الإِسَاءة في واحة الشِّعر
قال الحسن بن علي رضي الله عنهما:


مَضى أَمْسُك الماضِي شَهِيدًا مُعَدَّلًا***وأصبحتَ في يومٍ عليك شهيدُ



فإن كنتَ بالأَمْسِ اقترفتَ إساءةً***فثَنِّ بإحسانٍ وأنت حميدُ



ولا تُرجِ فعلَ الخيرِ يومًا إلى غدٍ***لعلَّ غدًا يأتي وأنت فَقِيدُ



فيومُك إن أَعْتَبْتَه عاد نَفْعُه***عليك ومَاضي الأمسِ ليس يعودُ



وقال آخر:


يَجْزُون مِن ظُلْم أهل الظُّلم مغفرةً***ومِن إساءة أهل السُّوء إحسانَا



وقال معبد بن مسلم:


لَدَدْتُهم النَّصيحة كلَّ لدٍّ***فمَجُّوا النُّصح ثمَّ ثنوا فقاءوا



فكيف بهم وإن أحسنتَ قالوا***أسأتَ وإن غفرتَ لهم أساءوا



وقال الشَّاعر:


ما زلت أُعرفُ بالإِسَاءة دائمًا***ويكون منك العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والغفرانُ



لم تنتقصني إن أَسَأْتُ وزدتني***حتى كأنَّ إساءتي إحسانُ



منك التفضُّل والتَّكرُّم والرِّضا***أنت الإلهُ المنعم المنَّانُ



وأنشد أبو محمَّد عبد الله بن أبي سعيد البيهقي لأبي الحسن بن أبي العالية البيهقي:


قيل لي قد أَسَاء إليك فلان***ومُقَام الفتى على الذُّل عارُ



قلت قد جاءنا وأحدث عُذرًا***ديةُ الذَّنب عندنا الاعتذارُ



وقال الشاعر:


هبني أسأتُ كما زعمـتَ***فأين عاقبة الأخوَّه



فإذا أسأتَ كما أسأتُ***فأين فضلُك والمروَّه



وقال طاهر بن عبد العزيز:


إذا ما خليلي أسا مرَّةً***وقد كان مِن قَبْل ذا مجمِلا



تحمَّلت ما كان مِن ذنبه***فلم يُفسد الآخر الأوَّلا



وأنشد الكريزي:


أسأت وأنكرتُ أنِّي أسأتُ***فأَفْضِل ولا تَكُ عين المسِي



لك الفَضْل بالعفو عمَّا عفوت***وإلَّا فأنت القَرِين السَّوي



وعفوك مقتدرًا نعمةً***وعفو المندِّد غير الهَني



وقال محمود بن الحسن الورَّاق:


إنِّي وهبت لظالمي ظُلمي***وغفرت ذاك له على عِلمِ



ورأيته أسدى إليَّ يدًا***لـمَّا أبان بجهله حِلْمي



رَجَعَت إساءتُه عليه وإحـ***ـساني إليَّ مضاعفٌ الغُنْمِ



وغَدَوتُ ذا أجرٍ ومَحْمَدةٍ***وغدا بكسب الظُّلم والإثمِ



وكأنَّما الإحسانُ كان له***وأنا المسيءُ إليه في الحكمِ



وما زال يظلمني وأرحمُه***حتى رَثَيْتُ له من الظُّلمِ

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=A3rLUa6XBomqOpGzgcAM&psig=AFQjCNHDKe6W8kWeMXp_wbLOTk-QAJUkdQ&ust=1372375939487319)

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:35 AM
الإسراف والتبذير

معنى الإسراف والتبذير لغةً واصطلاحًا

معنى الإسراف لغةً:
الإسراف: مجاوزة القصد، مصدر من أسرف إسرافًا، والسَّرَف اسم منه، يقال: أسرف في ماله: عجل من غير قصد، وأصل هذه المادة يدُلُّ على تعدِّي الحدِّ، والإغفال أيضًا للشيء .
معنى الإسراف اصطلاحًا:
الإسراف: هو صرف الشيء فيما لا ينبغي زائدًا على ما ينبغي .
وقال الراغب: (السرف: تجاوز الحد في كلِّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر) .
وقال الجرجاني: (الإسراف: هو إنفاق المال الكثير في الغرض الخسيس. وقيل تجاوز الحدِّ في النفقة، وقيل: أن يأكل الرجل ما لا يحلُّ له، أو يأكل مما يحل له فوق الاعتدال، ومقدار الحاجة. وقيل: الإسراف تجاوز في الكمية، فهو جهل بمقادير الحقوق) .
معنى التبذير لغةً: !
التبذير: التفريق، مصدر بذَّر تبذيرًا، وأصله إلقاء البذر وطرحه، فاستعير لكلِّ مضيع لماله، وبذر ماله: أفسده وأنفقه في السرف. وكل ما فرقته وأفسدته، فقد بذرته، والمباذر والمبذِّر: المسرف في النفقة؛ وأصل هذه المادة يدلُّ على نثر الشيء وتَفْرِيقه .
معنى التبذير اصطلاحًا:
قال الشافعي: (التبذير إنفاق المال في غير حقِّه) .
وقيل: التبذير صرف الشيء فيما لا ينبغي .
وقيل: هو تفريق المال على وجه الإسراف .

محمد رافع 52
27-06-2013, 01:37 AM
الفرق بين الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير
الإسراف: صرف الشيء فيما ينبغي زائدًا على ما ينبغي.
بخلاف التبذير؛ فإنه صرف الشيء فيما لا ينبغي .
فبينهما عموم وخصوص إذ قد يجتمعان فيكون لهما المعنى نفسه أحيانًا، وقد ينفرد الأعم وهو الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:03 PM
أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا [النساء: 6].
قال ابن كثير: (ينهى تعالى عن أكل أموال اليتامى من غير حاجة ضرورية إسرافًا) .

وقال الماوردي: (يعني لا تأخذوها إسرافًا على غير ما أباح الله لكم، وأصل
الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) تجاوز الحد المباح إلى ما ليس بمباح، فربما كان في الإفراط، وربما كان في التقصير، غير أنه إذا كان في الإفراط فاللغة المستعملة فيه أن يقال أسرف إسرافًا، وإذا كان في التقصير قيل سرف يسرف) .
- وقال سبحانه: وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141].
قال الطبري: (السرف الذي نهى الله عنه في هذه الآية، مجاوزة القدر في العطية إلى ما يجحف برب المال) .
- وقوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأعراف: 31].
(قال السدي: ولا تسرفوا، أي: لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. قال الزجاج: على هذا إذا أعطى الإنسان كلَّ ماله، ولم يوصل إلى عياله شيئًا فقد أسرف) .
وقال الماوردي: (فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: لا تسرفوا في التحريم، قاله السدي. والثاني: معناه لا تأكلوا حرامًا فإنَّه إسراف، قاله ابن زيد. والثالث: لا تسرفوا في أكل ما زاد على الشبع فإنَّه مضرٌّ) .
وقال السعدي: (فإنَّ السرف يبغضه الله، ويضرُّ بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدَّت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن

الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) فيهما) .
- وقوله تعالى: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26-27].
قال ابن كثير: (أي: في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته؛ ولهذا قال: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا أي: جحودًا؛ لأنَّه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته؛ بل أقبل على معصيته ومخالفته) .
وقال القاسمي: (أي: أمثالهم في كفران نعمة المال بصرفه فيما لا ينبغي. وهذا غاية المذمة؛ لأن لا شرَّ من الشيطان، أو هم إخوانهم أتباعهم في المصادقة والإطاعة، كما يطيع الصديق صديقه والتابع متبوعه، أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد. والجملة تعليل المنهي عنه عن التبذير، ببيان أنَّه يجعل صاحبه مقرونًا معهم. وقوله: وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا من تتمة التعليل. قال أبو السعود: أي: مبالغًا في كفران نعمته تعالى؛ لأنَّ شأنه أن يصرف جميع ما أعطاه الله تعالى من القوى إلى غير ما خلقت له من أنواع المعاصي، والإفساد في الأرض، وإضلال الناس، وحملهم على الكفر بالله، وكفران نعمه الفائضة عليهم، وصرفها إلى غير ما أمر الله تعالى به. وتخصيص هذا الوصف بالذكر، من بين سائر أوصافه القبيحة؛ للإيذان بأنَّ التبذير، الذي هو عبارة عن صرف نعم الله تعالى إلى غير مصرفها، من باب الكفران، المقابل للشكر الذي هو عبارة عن صرفها إلى ما خلقت هي له. والتعرض لوصف الربوبية؛ للإشعار بكامل عتوِّه . فإنَّ كفران نعمة الرب، مع كون الربوبية من أقوى الدواعي إلى شكرها، غاية الكفران ونهاية الضلال والطغيان) .
- وقوله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67].
قال ابن كثير: (أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم، فيقصرون في حقِّهم فلا يكفونهم، بل عدلًا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ، كما قال: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا [الإسراء: 29]) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:07 PM
ثانيًا: في السنة النبوية
- عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالطه إسراف، أو مخيلة)) .

قال ابن حجر: (ووجه الحصر في
الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والمخيلة أن الممنوع من تناوله أكلًا ولبسًا وغيرهما، إما لمعنى فيه، وهو مجاوزة الحدِّ، وهو الإسراف؛ وإما للتعبد كالحرير إن لم تثبت علة النهي عنه، وهو الراجح، ومجاوزة الحد تتناول مخالفة ما ورد به الشرع فيدخل الحرام، وقد يستلزم الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664)الكبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2642) وهو المخيلة، قال الموفق عبد اللطيف البغدادي: هذا الحديث جامع لفضائل تدبير الإنسان نفسه، وفيه تدبير مصالح النفس والجسد في الدنيا والآخرة؛ فإنَّ السرف في كلِّ شيء يضرُّ بالجسد، ويضرُّ بالمعيشة؛ فيؤدِّي إلى الإتلاف، ويضرُّ بالنفس إذ كانت تابعة للجسد في أكثر الأحوال، والمخيلة تضرُّ بالنفس حيث تكسبها العجب، وتضرُّ بالآخرة حيث تكسب الإثم، وبالدنيا حيث تكسب المقت من الناس) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ((أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني ذو مال كثير، وذو أهل وولد، وحاضرة، فأخبرني كيف أنفق؟ وكيف أصنع؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك؛ فإنها طهرة تطهِّرك، وتصل أقرباءك، وتعرف حقَّ السائل، والجار، والمسكين. فقال: يا رسول الله، أقلل لي. قال: فآت ذا القربى حقَّه، والمسكين، وابن السبيل، ولا تبذِّر تبذيرًا. فقال: حسبي يا رسول الله، إذا أدَّيت الزكاة إلى رسولك، فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إذا أديتها إلى رسولي، فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدَّلها)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرَّقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) .
قال العيني: (قوله: وإضاعة المال هو صرفه في غير ما ينبغي) .
وذكر القاري عن الطِّيبي قوله: (قيل: والتقسيم الحاصر فيه الحاوي بجميع أقسامه أن تقول: إنَّ الذي يصرف إليه المال، إما أن يكون واجبًا، كالنفقة والزكاة ونحوهما، فهذا لا ضياع فيه، وهكذا إن كان مندوبًا إليه، وإما أن يكون مباحًا، ولا إشكال إلا في هذا القسم، إذ كثير من الأمور يعدُّه بعض الناس من المباحات، وعند التحقيق ليس كذلك، كتشييد الأبنية وتزيينها، والإسراف في النفقة، والتوسع في لبس الثياب الناعمة والأطعمة الشهية اللذيذة، وأنت تعلم أنَّ قساوة القلب وغلظ الطبع يتولَّد من لبس الرقاق، وأكل الرقاق، وسائر أنواع الارتفاق، ويدخل فيه تمويه الأواني والسقوف بالذهب والفضة، وسوء القيام على ما يملكه من الرقيق والدواب، حتى تضيع وتهلك، وقسمة ما لا ينتفع الشريك به كاللؤلؤة والسيف يكسران، وكذا احتمال الغبن الفاحش في البياعات، وإيتاء المال صاحبه وهو سفيه حقيق بالحجر، وهذا الحديث أصل في معرفة حسن الخلق الذي هو منبع الأخلاق الحميدة، والخلال الجميلة) .
- وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير ليس لي شيء، ولي يتيم، قال: ((كلْ من مال يتيمك غير مسرف، ولا مباذر، ولا متأثِّل .)) .
(قال النخعي: لا يلبس الكتان ولا الحلل، ولكن ما يستر العورة، ويأكل ما يسدُّ الجوعة) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:09 PM
أقوال السلف والعلماء في الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير

- قال عمر رضي الله عنه: (كفى بالمرء سرفًا أن يأكل كل ما اشتهى) .
- وقال ابن عباس رضي الله عنهما: قال: (كلْ ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خلَّتان: سرف أو مخيلة) .
- وعن عثمان بن الأسود قال: (كنت أطوف مع مجاهد بالبيت فقال: لو أنفق عشرة آلاف درهم في طاعة الله ما كان مسرفًا، ولو أنفق درهمًا واحدًا في معصية الله، كان من المسرفين) .
- وقال مالك: (التبذير هو أخذ المال من حقِّه، ووضعه في غير حقِّه، وهو الإسراف) .
- وقال الشافعي: (التبذير إنفاق المال في غير حقِّه، ولا تبذير في عمل الخير) .
- وقال إياس بن معاوية: (الإسراف ما قصر به عن حق الله) .
- وقال القرطبي: (وهو حرام – أي التبذير- لقوله تعالى: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ [الإسراء: 27]، وقوله: إِخْوَانَيعني أنهم في حكمهم، إذ المبذِّر ساع في إفساد كالشياطين، أو أنهم يفعلون ما تسول لهم أنفسهم، أو أنهم يقرنون بهم غدًا في النار) .
- وقال ابن عاشور: (قيل في الكلام الذي يصحُّ طردًا وعكسًا: لا خير في السرف، ولا سرف في الخير) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:14 PM
آثار الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير

1- عدم محبة الله للمسرفين والمبذرين:
قال تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [الأنعام: 141].

قال ابن عاشور: (فبيَّن أنَّ
الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) من الأعمال التي لا يحبُّها، فهو من الأخلاق التي يلزم الانتهاء عنها، ونفي المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) مختلف المراتب، فيعلم أنَّ نفي المحبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1292) يشتدُّ بمقدار قوة الإسراف، وهذا حكم مجمل، وهو ظاهر في التحريم) .
2- يفضي إلى طلب المال بالكسب الحرام:
لأنَّ المسرف ربما ضاقت به المعيشة، نتيجة لإسرافه؛ فيلجأ إلى الكسب الحرام، قال ابن عاشور: (فوجه عدم محبة الله إياهم أنَّ الإفراط في تناول اللذات والطيبات، والإكثار من بذل المال في تحصيلها، يفضي غالبًا إلى استنزاف الأموال، والشَّره إلى الاستكثار منها، فإذا ضاقت على المسرف أمواله؛ تطلَّب تحصيل المال من وجوه فاسدة، ليخمد بذلك نهمته إلى اللذات، فيكون ذلك دأبه، فربما ضاق عليه ماله، فشقَّ عليه الإقلاع عن معتاده، فعاش في كرب وضيق، وربما تَطَلَّب المال من وجوه غير مشروعة، فوقع فيما يؤاخذ عليه في الدنيا أو في الآخرة، ثم إنَّ ذلك قد يعقب عياله خصاصة، وضنك معيشة، وينشأ عن ذلك ملام، وتوبيخ، وخصومات تفضي إلى ما لا يحمد في اختلال نظام العائلة) .
3- الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) في الأكل يضرُّ بالبدن:
قال علي بن الحسين بن واقد: (جمع الله الطبَّ كلَّه في نصف آية فقال: وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ [الأعراف: 31]) .
وقال ابن عاشور: (ولا تسرفوا في الأكل بكثرة أكل اللحوم والدسم؛ لأنَّ ذلك يعود بأضرار على البدن، وتنشأ منه أمراض معضلة.
وقد قيل: إنَّ هذه الآية جمعت أصول حفظ الصحة من جانب الغذاء، فالنهي عن السرف نهي إرشاد لا نهي تحريم) .
وقال محمد رشيد رضا: (فمن جعل شهوة بطنه أكبر همه فهو من المسرفين، ومن بالغ في الشبع وعرض معدته وأمعاءه للتخم؛ فهو من المسرفين، ومن أنفق في ذلك أكثر من طاقته، وعرض نفسه لذلِّ الدين، أو أكل أموال الناس بالباطل؛ فهو من المسرفين، وما كان المسرف من المتقين) .
4- المسرف والمبذر يشاركه الشيطان في حياته:
إنَّ الذي يسرف ويبذر معرض لمشاركة الشيطان في مسكنه، ومطعمه، ومشربه، وفراشه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فراش للرجل، وفراش لامرأته، والثالث للضيف، والرابع للشيطان)) .
5-

الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير من صفات إخوان الشياطين:
قال تعالى: وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26-27].
قال السعدي: (لأنَّ الشيطان لا يدعو إلا إلى كلِّ خصلة ذميمة، فيدعو الإنسان إلى

البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والإمساك، فإذا عصاه دعاه إلى الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير. والله تعالى إنما يأمر بأعدل الأمور وأقسطها ويمدح عليه، كما في قوله عن عباد الرحمن الأبراروَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوالَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67]) .
6-

الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) يجرُّ إلى مذمَّات كثيرة:
قال ابن عاشور: (والإسراف إذا اعتاده المرء حمله على التوسع في تحصيل المرغوبات، فيرتكب لذلك مذمَّات كثيرة، وينتقل من ملذَّة إلى ملذَّة فلا يقف عند حدٍّ. وقيل عطف على وَآتُواْ حَقَّهُ أي: ولا تسرفوا فيما بقي بعد إتيان حقِّه، فتنفقوا أكثر مما يجب، وهذا لا يكون إلا في الإنفاق والأكل ونحوه) .
7- التعرض للمساءلة والحساب عن مصارف ماله:
وعن أبي برزة الأسلمي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه)) .
(أي: من موقفه للحساب حتى يسأل عن عمره فيما أفناه أفي طاعة أم معصية، وعن عمله فيم عمله لوجه الله تعالى خالصًا أو رياء وسمعة.
وعن ماله من أين اكتسبه، أمن حلال أو حرام؟! وفيما أنفقه أفي البرِّ والمعروف أو

الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير؟! وعن جسمه فيما أبلاه أفي طاعة الله أو معاصيه؟!) .
8- الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير فيه تضييع للمال.
وهذا مشاهَدٌ محسوس.
9- الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير عاقبته وخيمة:
قال ابن الجوزي: (العاقل يدبر بعقله عيشته في الدنيا، فإن كان فقيرًا؛ اجتهد في كسبٍ وصناعةٍ تكفُّه عن الذُّل للخلق، وقلل العلائق، واستعمل القناعة، فعاش سليمًا من منن الناس عزيزًا بينهم. وإن كان غنيًّا، فينبغي له أن يدبر في نفقته، خوف أن يفتقر، فيحتاج إلى الذُّل للخلق، ومن البلية أن يبذر في النفقة، ويباهي بها ليكمد الأعداء، كأنه يتعرض بذلك -إن أكثر- لإصابته بالعين...وينبغي التوسط في الأحوال، وكتمان ما يصلح كتمانه، وإنما التدبير حفظ المال، والتوسط في الإنفاق، وكتمان ما لا يصلح إظهاره) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:17 PM
صور الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) ومظاهره
لا شكَّ أنَّ الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) تتعدَّد صوره ومظاهره، وهو يقع في أمور كثيرة كالمأكل، والمشرب، والملبس، والمركب، والمسكن، وغيرها، ومن هذه الصور:
1- الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) على الأنفس بالمعاصي والآثام:
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر: 53].

قال القاسمي: (أي جنوا عليها بالإسراف في المعاصي والكفر... لا تيأسوا من مغفرته بفعل سبب يمحو أثر
الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53] أي لمن تاب وآمن. فإنَّ الإسلام يجبُّ ما قبله إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ [الزمر: 53-54] أي: توبوا إليه وَأَسْلِمُوا لَهُ أي استسلموا وانقادوا له، وذلك بعبادته وحده وطاعته وحده، بفعل ما أمر به، واجتناب ما نهى عنه) .
2-

الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) في الأكل، والشبع المفرط:
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) في تناول الطعام فقال: ((ما ملأ آدمي وعاء شرًّا من بطن، حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)) .
قال القرطبي: (من

الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) الأكل بعد الشبع، وكلُّ ذلك محظور. وقال لقمان لابنه: يا بني لا تأكل شبعًا فوق شبع، فإنك أن تنبذه للكلب خير من أن تأكله) .
3- الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) في الوضوء:
عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسعد، وهو يتوضأ، فقال: ((ما هذا السرف؟! فقال: أفي الوضوء إسراف؟، قال: نعم، وإن كنت على نهر جارٍ)) .
وقال البخاري: (بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ فرض الوضوء مرة مرة، وتوضَّأ أيضًا مرتين وثلاثًا، ولم يزد على ثلاث، وكره أهل العلم

الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) فيه، وأن يجاوزوا فعل النبي صلى الله عليه وسلم) .
وقال ابن القيم: (وكان- أي النبي صلى الله عليه وسلم- من أيسر الناس صبًّا لماء الوضوء، وكان يحذِّر أمته من الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) فيه، وأخبر أنَّه يكون في أمته من يعتدي في الطهور) .
وعن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يجزئ من الوضوء مدٌّ، ومن الغسل صاع، فقال رجل: لا يجزئنا، فقال: قد كان يجزئ من هو خير منك، وأكثر شعرًا، يعني النبي صلى الله عليه وسلم)) .
4-

الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) في المرافق العامة:
والإسراف في المرافق العامة مذموم أيضًا كالإسراف في الماء والكهرباء، ويعتبر من إضاعة المال قال صلى الله عليه وسلم ((إنَّ الله كره لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال)) .
قال المناوي: (إضاعة المال: هو صرفه في غير وجوهه الشرعية، وتعريضه للتلف، وسبب النهي أنَّه إفساد والله لا يحب المفسدين، ولأنه إذا أضاع ماله؛ تعرَّض لما في أيدي الناس) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:19 PM
أسباب الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير
1- الجهل:
جهل المسرف والمبذر بأحكام الشريعة الإسلامية، فربما لا يعرف أنَّ الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير منهي عنه فيقع فيه.
2- التأثر بالبيئة:
فالإنسان الذي يعيش في بيئة تكثر فيها مظاهر الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والترف، سيتأثر بها، مقلدًا من يعيشون حوله، ومن يختلط بهم.
3- السعة بعد الضيق:
(قد يكون الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) سببه السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر ذلك أن كثيرًا من الناس قد يعيشون في ضيق، أو حرمان، أو شدة، أو عسر، وهم صابرون محتسبون بل وماضون في طريقهم إلى ربهم، وقد يحدث أن تتغير الموازين، وأن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط، أو الاعتدال، فينقلب على النقيض تمامًا فيكون الإسراف، أو التبذير) .
4- الغفلة عن الآخرة.
5- مصاحبة المسرفين والمبذرين:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل)) .
فالإسراف والتبذير ربما يكون بسبب (صحبة المسرفين ومخالطتهم ذلك أن الإنسان غالبًا ما يتخلق بأخلاق صاحبه، وخليله، لاسيما إذا طالت هذه الصحبة، وكان هذا الصاحب قوى الشخصية شديد التأثير. ولعلنا بذلك ندرك السر في تأكيد الإسلام، وتشديده على ضرورة انتقاء الصاحب، أو الخليل) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:21 PM
الوسائل المعينة على ترك الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير

1- الاعتدال في النفقة:
قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان: 67].
2- البعد عن مجالسة المسرفين والمبذرين:
ويكون بـ (الانقطاع عن صحبة المسرفين، مع الارتماء في أحضان ذوى الهمم العالية، والنفوس الكبيرة، الذين طرحوا الدنيا وراء ظهورهم، وكرسوا كلَّ حياتهم من أجل استئناف حياة إسلامية كريمة، تصان فيها الدماء والأموال والأعراض، ويقام فيها حكم الله عز وجل في الأرض، غير مبالين بما أصابهم ويصيبهم في ذات الله، فإنَّ ذلك من شأنه أن يقضي على كلِّ مظاهر السرف، والدعة، والراحة، بل ويجنبنا الوقوع فيها مرة أخرى، لنكون ضمن قافلة المجاهدين، وفي موكب السائرين) .
3- قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم الأسوة والقدوة، وهو الذي يقول كما يروي ذلك أبو هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا)) . (أَي: كفايتهم من غير إسراف، وهو معنى كفافًا، وقيل: هو سدُّ الرمق) .
4- قراءة سيرة السلف الصالح:
فالصحابة من سلف هذه الأمة والتابعون لهم بإحسان كانوا ينظرون إلى الدنيا على أنها دار ممرٍّ لا دار مقرٍّ، وأنهم غرباء مسافرون عنها، ولذلك كان عيشهم كفافًا، فقد رُوي عن عمر بن الخطاب أنَّه دخل على ابنه عبد الله رضي الله تعالى عنهما فرأي عنده لحمًا، فقال: (ما هذا اللحم ؟ قال: أشتهيه. قال: وكلما اشتهيت شيئًا أكلته؟ كفي بالمرء سرفًا أن يأكل كلَّ ما اشتهاه).
ودخل سلمان على أبي بكر، وهو في سكرات الموت، فقال: أوصني. فقال: (إنَّ الله فاتح عليكم الدنيا فلا تأخذنَّ منها إلا بلاغًا) .

5- أن يفكر في عواقب
الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير.
6- تذكر الموت والدار الآخرة:
فالمسلم حينما يتذكر الموت وأهوال يوم القيامة والحساب والميزان والجنة والنار، لا شك أن ذلك سيكون خير معين له على تجنب الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) وحياة البذخ، وسيتقرب إلى الله بإنفاق ما زاد عن حاجاته في أوجه الخير.

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:22 PM
ما قيل في حسن التدبير وذم التبذير

قال الثعالبي: (من أصلح ماله فقد صان الأكرمين: الدين، والعرض. ما عالَ مقتصدٌ. أصلحوا أموالكم لنَبْوة الزمان، وجفوة السلطان. الإصلاح أحد الكاسبين. لا عيلة على مصلحٍ، ولا مال لأخرق، ولا جود مع تبذير، ولا بخل مع اقتصادٍ. التدبير يثمر اليسير، والتبذير يبدد الكثير. حسن التدبير مع الكفاف، أكفى من الكثير مع الإسراف. القصد أسرع تبليغًا إلى الغاية، وتحصيلًا للأمر. إنَّ في إصلاح مالك جمال وجهك، وبقاء عزِّك، وصون عرضك، وسلامة دينك. التقدير نصف الكسب. أفضل القصد عند الجِدَة. عليك من المال بما يعولك ولا تعوله. من لم يُحمد في التقدير، ولم يُذمَّ في التبذير، فهو سديد التدبير) .
وقيل: (حسن التدبير نصف الكسب وسوء التدبير داعية البؤس. الإفلاس سوء التدبير) .
وقيل: (ما وقع تبذير في كثير إلَّا هدمه، ولا دخل تدبير في قليل إلا ثمره).
وقيل: (إنَّك إن أعطيت مالك في غير الحقِّ؛ يوشك أن يجيء الحقُّ وليس عندك ما تعطي منه) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:24 PM
ما قيل في التهكُّم على مبذِّر

قال الراغب الأصفهاني: (قيل في المثل: خرقاء وجدت صوفًا. وقيل: من يطل ذيله ينتطق به. وقيل: يطأ فيه. ومن وجد دهنًا دهن استه. وقيل: عبد خلي في يديه، وعبد ملك عبدًا. وكان بعض المتخلفين ورث مالًا فكان يحمل الدنانير ويأتي الشطَّ فيقذف واحدًا واحدًا في الماء، فقيل له في ذلك، فقال: يعجبني طليته وصوته. وبنى عون العبادي دكانًا وسط داره، وأسرف في الإنفاق عليه إسرافًا متناهيًا فَلِيْمَ في ذلك، فقال: ما أصنع بالدراهم إذًا؟!)

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:26 PM
ما قيل في التوسط في الأمور

قال تعالى:وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء: 29] (عليك بالقصد بين الطريقتين، لا منع ولا إسراف، ولا بخل ولا إتلاف. لا تكن رطبًا فتعصر، ولا يابسًا فتكسر، ولا تكن حلوًا فتسترط، ولا مرًّا فتلفظ. ...


عليك بأوساط الأمور فإنَّها***نجاةٌ ولا تركب ذلولًا ولا صعبا



وقال آخر:


وخير خلائق الأقوام خلقٌ***توسط لا احتشام ولا اغتنامًا)

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:29 PM
ذم الإسراف (http://dorar.net/enc/akhlaq/1664) والتبذير في واحة الشعر
قال الشاعر:


دبِّر العيش بالقليل ليبقى***فبقاء القليل بالتدبيرِ



لا تبذرْ وإن ملكتَ كثيرًا***فزوالُ الكثير بالتبذيرِ



وقال ابن طباطبا:


إنَّ في نيل المنى وَشْكُ الرَّدَى***وقياس القصد عند السرفِ



كسراجٍ دهنُهُ قُوتٌ له***فإذا غرَّقته فيه طَفِي



وقال الشافعي:


ثلاثُ هنَّ مهلكة الأنام***وداعيةُ الصحيح إلى السقامِ



دوامُ مدامةٍ ودوام وطءٍ***وإدخال الطعام على الطعامِ



وقال عبد العزيز الدميري:


اقتصدْ في كلِّ حالٍ***واجتنبْ شحًّا وغرما



لا تكنْ حُلوًا فتؤكل***لا ولا مرًّا فترمَى



وقال آخر:


ثلاثةٌ فيهنَّ للمُلكِ التلفْ***الظلمُ والإهمال فيه والسرفُ

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:33 PM
http://img15.hostingpics.net/pics/165424mawssou3a.png (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3GQ6YnWNUXWCM&tbnid=Ybv-Crg6W5x9FM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fwww.mltzm.com%2Fvb%2Fshowthread.p hp%3Ft%3D40126&ei=9q7MUduhM4vSPJKbgPAM&psig=AFQjCNE6_5iogt7U2B-xJvbdTXxrEf9uJQ&ust=1372455014384516)

الافتراء والبهتان

معنى الافتراء والبهتان لغةً واصطلاحًا
معنى الافتراء لغةً:
الافتراء مصدر افترى يفتري افتراءً: إذا كذب، وفرى كذبًا فريًا: اختلقه. والفرى: جمع فرية وهي الكذبة .
معنى الافتراء اصطلاحًا:
قال العسكري: (الافتراء: .. الكذب في حقِّ الغير بما لا يرتضيه) .
وقال الكفوي: (الافتراء: هو العظيم من الكذب، يقال لمن عمل عملًا فبالغ فيه: إنه ليفري الفرى. ومعنى افترى: افتعل واختلق ما لا يصحُّ أن يكون؛ وما لا يصحُّ أن يكون أعمُّ مما لا يجوز أن يقال، وما لا يجوز أن يفعل) .
وقال السيوطي: (الافتراء: اختراع قضية لا أصل لها) .
معنى البهتان لغةً:
البهتان: الكذب المفترى، من بهت الرجل يبهته بهْتًا، وبهَتًا، وبهتانًا، فهو بهَّات أي: قال عليه ما لم يفعله، فهو مبهوت. والبهيتة: الباطِلُ الذي يُتَحَيَّر من بُطلانه، والكذبُ كالبُهت، وبهتُّ الرجل أبهته بهتًا: إذا قابلته بالكذب، وبهت فلان فلانًا: إذا كذب عليه .
معنى البهتان اصطلاحًا:
البهتان: هو الكذب الذي يبهت سامعه، أي: يدهش ويتحير، وهو أفحش الكذب؛ لأنَّه إذا كان عن قصد يكون إفكًا .
وقال أبو هلال العسكري: (البهتان: هو الكذب الذي يواجه به صاحبه على وجه المكابرة له) .
وقال القرطبي: (البهتان من البهت، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء) .

محمد رافع 52
27-06-2013, 11:35 PM
الفرق بين الافتراء والبهتان وبعض الصفات
الفرق بين الكذب والافتراء والبهتان
- يشترك الجميع في عدم مطابقة الخبر للواقع.
- الكذب: هو عدم مطابقة الخبر للواقع، أو لاعتقاد المخبر لهما على خلاف في ذلك.
- الكذب: يكون في حق النفس، وحق الغير، والافتراء والبهتان: يكون في حق الغير فقط.
- الكذب: يحسن في بعض الأحوال، كالكذب في الحرب، وإصلاح ذات البين، وعلى الزوجة، ولا يحسن الافتراء والبهتان في جميع الأحوال.
الفرق بين الزور والبهتان:
- الزور: هو الكذب الذي قد سُوِّي وحُسِّن في الظاهر؛ ليحسب أنه صدق.
- البهتان: هو مواجهة الإنسان بما لم يحبه وقد بهته .

{{ ابن النيل }}
28-06-2013, 12:26 AM
جميله جدااااااااااااااااااااااااااااااااااااا

محمد رافع 52
03-07-2013, 11:13 AM
جميله جدااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
اشكرك
ربنا يرضى عنا وعنك

محمد رافع 52
03-07-2013, 11:39 AM
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ [العنكبوت: 68].
قال ابن كثير: (لا أحد أشدُّ عقوبة ممن كذب على الله، فقال: إنَّ الله أوحى إليه شيئًا، ولم يوحَ إليه شيء، ومن قال: سأنزل مثل ما أنزل الله. وهكذا لا أحد أشدُّ عقوبة ممن كذَّب بالحقِّ لما جاءه، فالأول مفترٍ، والثاني مكذِّب؛ ولهذا قال: أليس في جهنم مثوى للكافرين) .
وقال الطبري: (يقول تعالى ذكره: ومن أظلم أيُّها الناس ممن اختلق على الله كذبًا- فقالوا إذا فعلوا فاحشة: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها، والله لا يأمر بالفحشاء- أو كذَّب بالحقِّ لما جاءه) .
- وقال تعالى في من يفتري على الأنبياء: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا [الفرقان: 4].
وقال ابن كثير: (يقول تعالى مخبرًا عن سخافة عقول الجهلة من الكفار، في قولهم عن القرآن: إن هذا إلا إفك: أي: كذب، افتراه يعنون النبي صلى الله عليه وسلم، وأعانه عليه قوم آخرون أي: واستعان على جمعه بقوم آخرين. قال الله تعالى: فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا أي: فقد افتروا هم قولًا باطلًا هم يعلمون أنه باطل، ويعرفون كذب أنفسهم فيما يزعمون) .
- وقال سبحانه فيمن ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [ الأحزاب: 58].
قال ابن كثير: (فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا، وهذا هو البهت البيِّن أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه، على سبيل العيب والتنقُّص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة، ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم) .
وقال الطبري: (فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا يقول: فقد احتملوا زورًا وكذبًا وفرية شنيعة، وبهتان: أفحش الكذب، وإثمًا مبينًا يقول: وإثمًا يبين لسامعه أنَّه إثم وزور) .
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [الممتحنة: 12].
قال السعدي في قوله تعالى: وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ (البهتان: الافتراء على الغير، أي: لا يفترين بكلِّ حالة، سواء تعلَّقت بهنَّ وأزواجهنَّ، أو سواء تعلَّق ذلك بغيرهم) .

محمد رافع 52
03-07-2013, 12:40 PM
ثانيًا: في السنة النبوية
- عن واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أعظم الفِرَى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه، أو يُري عينه ما لم ترَ، أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل)) .
قال العيني: (قوله: الفرى.. جمع: فرية وهي الكذب والبهت... قوله: أن يدَّعي الرجل، أي: أن ينتسب إلى غير أبيه. قوله: أو يُري عينه ما لم ترَ، حاصل المعنى: أن يدَّعي أن عينيه رأتا في المنام شيئًا وما رأتاه،... فإن قلت: إنَّ كذبه في المنام لا يزيد على كذبه في اليقظة، فلم زادت عقوبته؟ قلت: لأنَّ الرؤيا جزء من النبوة والنبوة، لا تكون إلا وحيًا، والكاذب في الرؤيا يدَّعي أنَّ الله أراه ما لم يره، وأعطاه جزءًا من النبوة، ولم يعطه، والكاذب على الله أعظم فرية ممن كذب على غيره. قوله: (أو يقول)... (أو تقَوَّل)... ومعناه: افترى. قوله: (ما لم يقل)... أي: ما لم يقل الرسول. وفي الحديث: تشديد الكذب في هذه الأمور الثلاثة) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعظم الناس فرية اثنان: شاعر يهجو القبيلة بأسرها، ورجل انتفى من أبيه)) .
قال المناوي: (... ((أعظم الناس فرية)) -بالكسر- أي: كذبًا، ((اثنان)) أحدهما: ((شاعر يهجو)) من الهجو ((القبيلة)) المسلمة ((بأسرها)) أي كلَّها؛ لإنسان واحد منهم كان ما يقتضيه؛ لأنَّ القبيلة لا تخلو من عبد صالح، فهاجي الكلِّ قد تورَّط في الكذب على التحقيق؛ فلذلك قال: أعظم فرية) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: ذكرك أخاك بما يكره. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه)) .
قال النووي: (يقال: بهتَه بفتح الهاء مخففة. قلتَ فيه البهتان، وهو الباطل، والغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره، وأصل البهت أن يقال له الباطل في وجهه، وهما حرامان) .
- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه - وكان شهد بدرًا وهو أحد النقباء ليلة العقبة-: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وحوله عصابة من أصحابه-: ((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا ت***وا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا، فعوقب في الدنيا، فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئًا، ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه)) فبايعناه على ذلك .
قال البغوي: (معنى الحديث لا تبهتوا الناس افتراءً واختلافًا بما لم تعلموه منهم، فتجنوا عليهم من قبل أيديكم وأرجلكم، أي: قبل أنفسكم جناية تفضحونهم بها، وهم برآء، واليد والرجل كناية عن الذات) .
قال ابن الجوزي: (المراد بالبهتان هاهنا أربعة أقوال: أحدها: أنه الزنا، وافتراء المرأة بين يديها ورجليها، وهو ولد الزنا؛ لأنَّه يقع عند الوضع بين يديها ورجليها، فإذا ألحقته بزوجها فذلك البهتان المفترى. وقوله للرجال: ولا يأتون ببهتان يفترونه. يحتمل شيئين: أحدهما: أن يكون بايع الرجال والنساء، فاجتمع الكلُّ في النهي عن الزنا، وانفرد النساء بصيغة الافتراء بين أيديهنَّ وأرجلهنَّ. والثاني: أن يكون قرأ عليهم الآية، ولم يسقط ما يتعلَّق بالنساء منها. والقول الثاني: أنَّ المراد بالبهتان هاهنا قذف المحصنات والمحصنين، ويدخل في ذلك الكذب على الناس والاغتياب لهم، وإنما ذكرت الأيدي والأرجل؛ لأنَّ معظم أفعال الناس إنما تضاف منهم إلى الأيدي والأرجل، إذ كانت هي العوامل والحوامل، يقولون: لفلان عندي يد. والكناية باليد عن الذات، قاله أبو سليمان الخطابي. والقول الثالث: البهتان هاهنا المشي بالنَّمِيمَة، والسعي بالفساد. والرابع: أنهما السحر) .

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:19 PM
أقوال السلف والعلماء في الافتراء والبهتان
- قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (البهتان: أن تقول ما ليس فيه) أي أخيك .
- وقال عبد الله بن مسعود: (الغيبة أن تذكر من أخيك شيئًا تعلمه منه، فإذا ذكرته بما ليس فيه، فذلك البهتان) .
- وعن مسروق، قال: قالت أمُّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (ثلاث من تكلَّم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية ... ومن زعم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية.. ومن زعم أنَّه يخبر بما يكون في غد، فقد أعظم على الله الفرية...) .
- وقال فضيل: (في آخر الزمان قوم بَّهاتون، عيَّابون، فاحذروهم؛ فإنهم أشرار الخلق، ليس في قلوبهم نور الإسلام، وهم أشرار، لا يرتفع لهم إلى الله عمل) .
- وعن قتادة، قال: (كنا نحدث أن الغيبة: أن تذكر أخاك بما يشينه ويعيبه، وأن تكذب عليه فذلك البهتان) .
- وقال سهل بن عبد الله: (من سلم من الغيبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2515) سلم من الزور، ومن سلم من الزور سلم من البهتان) .

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:22 PM
آثار الافتراء والبهتان
1- المفتري على الله سبحانه وتعالى أعظم الظالمين والمجرمين:
قال تعالى: فَمَنِ افْتَرَىَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [آل عمران: 94].
وقال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس: 17].
2- الافتراء والبهتان سمة كلِّ كافر:
قال تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل: 105].
3- يؤدِّي للوقوع في الشرك والبدع:
قال ابن تيمية: (الشرك وسائر البدع مبناها على الكذب والافتراء، ولهذا: كلُّ من كان عن التوحيد والسنة أبعد، كان إلى الشرك والابتداع والافتراء أقرب، كالرافضة الذين هم أكذب طوائف أهل الأهواء، وأعظمهم شركًا، فلا يوجد في أهل الأهواء أكذب منهم، ولا أبعد عن التوحيد منهم، حتى إنهم يخربون مساجد الله التي يذكر فيها اسمه، فيعطلونها عن الجماعات والجمعات، ويعمرون المشاهد التي على القبور، التي نهى الله ورسوله عن اتخاذها) .
4- سبب في الحرمان من الهداية:
قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:144].
5- سبب في عدم الفلاح:
قال تعالى: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [الأنعام: 140].
وقال تعالى: قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ [يونس: 69 ].
6- يؤدِّي إلى الذُّل والمهانة:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152].

قال السعدي: وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ فكلُّ مفترٍ على الله، كاذب على شرعه، متقوِّل عليه ما لم يقل، فإن له نصيبًا من
الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) من الله، والذُّل في الحياة الدنيا) .
7- سبب في وقوع العذاب في الدنيا:
قال تعالى: قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى [طه: 61].
8- سبب في شدة سكرات الموت والعذاب الأليم يوم القيامة:
قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام: 93].
9- سبب في استحقاق لعنة الله وغضبه:
قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [هود: 18].
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [الأعراف: 152].
10- سبب في مناقشة الحساب يوم القيامة:
قال تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ [العنكبوت: 13].

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:24 PM
حكم الافتراء والبهتان

قال السمرقندي: (ليس شيء من الذنوب أعظم من البهتان، فإنَّ سائر الذنوب يحتاج إلى توبة واحدة، وفي البهتان يحتاج إلى التوبة في ثلاثة مواضع. وقد قرن الله تعالى البهتان بالكفر، فقال تعالى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ [الحج: 30]) .
وقال النووي (البهت حرام) .

وعدَّ الهيتمي البهت من الكبائر، قال: (الكبيرة الرابعة والخمسون بعد المائتين: البهت، لما في الحديث الصحيح... في الغيبة: ((فإن لم يكن فيه فقد بهته)) . بل هو أشدُّ من الغيبة؛ إذ هو كذب فيشقُّ على كلِّ أحد، بخلاف
الغيبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2515) لا تشقُّ على بعض العقلاء؛ لأنها فيه) .

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:26 PM
أنواع الافتراء والبهتان

1- الافتراء على الله وهو أشد أنواع البهتان وهو نوعان:
النوع الأول: أن يقول: قال الله كذا، وهو كاذب على الله.
والنوع الثاني: أن يفسر متعمدًا كلام الله بغير ما أراد الله؛ لأنَّ المقصود من الكلام معناه، فإذا قال: أراد الله بكذا كذا وكذا، فهو كاذب على الله، شاهد على الله بما لم يرده الله عزَّ وجلَّ.
2- الافتراء على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو نوعان:
النوع الأول: بأن يقول: قال رسول الله كذا، ولم يقله، لكن كذب عليه.
النوع الثاني: تفسير حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بغير معناه متعمدًا فقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
3- الافتراء على المؤمنين:
كأن يتقوَّل على أحد من المسلمين ما لم يقله، أو يقذفه بذنب، وهو منه بريء، أو أن يغتابه بما ليس فيه.

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:30 PM
صور الافتراء والبهتان
للافتراء والبهتان صور عديدة منها:
1- الافتراء على الله سبحانه وتعالى:
ومن صوره:
- التشريع في دين الله من غير مستند شرعي:
قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وَحَلاَلاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [يونس: 59-60].
- الإفتاء بغير علم:
قال الله تعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ [النحل: 116].
- ادعاء الولاية، والكرامة.
2- الكذب في الرؤيا:
عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن من أفرى الفرى أن يُري عينه ما لم ترَ)) .
3- الافتراء على الأنبياء والرسل ونسبتهم للكذب على الله سبحانه:
قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا [الفرقان: 4].
قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ [المؤمنون: 38] وفي حديث واثلة بن الأسقع، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وفيه ((أو يقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل)) .
4- الافتراء بانتساب الرجل إلى غير أبيه:
فعن أمِّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أعظم الناس فرية... ورجل انتفى من أبيه وزنَّى أمه)) .
5- هجاء وسبُّ المؤمنين الأبرياء:
فعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلًا؛ فهجا القبيلة بأسرها)) .

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:38 PM
أسباب الوقوع في الافتراء والبهتان

1- الاختلاف والتفرق والتحزب:
قال ابن بطة: (إنَّ الله عزَّ وجلَّ قد أعلمنا اختلاف الأمم الماضين قبلنا، وأنهم تفرقوا واختلفوا، فتفرقت بهم الطرق، حتى صار بهم الاختلاف إلى الافتراء على الله عزَّ وجلَّ، والكذب عليه والتحريف لكتابه، والتعطيل لأحكامه، والتعدي لحدوده... قال الله عزَّ وجلَّ: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة: 213]) .

2- التعصب و
التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) الأعمى:
إن الناظر في القرآن ليرى أنَّ معارضات الكفار لجميع الأنبياء والرسل إنما هي بدافع التعصب لدين الآباء والعادات والتقاليد، كما قال تعالى: مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاقٌ [ص: 7].
وقال تعالى: وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ [الزخرف: 23- 24].
3-

الكبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2642) والحسد والحقد والكراهية:
قال ابن بطة: (أعلمنا تعالى أنَّ السبب الذي أخرجهم إلى الفرقة بعد الألفة، والاختلاف بعد الائتلاف، هو شدة الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) من بعضهم لبعض، وبغي بعضهم على بعض، فأخرجهم ذلك إلى الجحود بالحق بعد معرفته، وردهم البيان الواضح بعد صحته... قال تعالى: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ [الشورى: 14]) .
4- كثرة الكلام بلا فائدة:
قال أبو طالب المكي: (الكلام مفتاح كبائر اللسان، فيه الكذب، والغيبة، والنَّمِيمَة، والبهتان، وفيه شهادة الزور، وفيه قذف المحصن، والافتراء على الله تعالى) .
5- استمراء الكذب والغيبة والنَّمِيمَة.

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:41 PM
قصص في الافتراء والبهتان

1- قصة حادثة الإفك حيث اتهم المنافقون عائشة رضي الله عنها حتى أنزل الله براءتها في القرآن قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ [النور: 11-16].
والقصة مشهورة معروفة وهي في الصحيح .
2- عن جابر بن سمرة، قال: (شكا أهل الكوفة سعدًا إلى عمر رضي الله عنه، فعزله، واستعمل عليهم عمارًا، فشكوا حتى ذكروا أنَّه لا يحسن يصلي، فأرسل إليه، فقال: يا أبا إسحاق، إنَّ هؤلاء يزعمون أنَّك لا تحسن تصلي. قال أبو إسحاق: أما أنا والله، فإني كنت أصلي بهم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرم عنها، أصلي صلاة العشاء، فأركد في الأوليين وأخفُّ في الأخريين. قال: ذاك الظنُّ بك يا أبا إسحاق. فأرسل معه رجلًا أو رجالًا إلى الكوفة، فسأل عنه أهل الكوفة، ولم يدع مسجدًا إلا سأل عنه، ويثنون معروفًا، حتى دخل مسجدًا لبني عبس، فقام رجل منهم يقال له: أسامة بن قتادة يكنى أبا سعدة. قال: أما إذ نشدتنا، فإنَّ سعدًا كان لا يسير بالسرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في القضية. قال سعد: أما والله لأدعونَّ بثلاث: اللهمَّ إن كان عبدك هذا كاذبًا، قام رياء وسمعة، فأطلْ عمره، وأطلْ فقره، وعرِّضه بالفتن. وكان بعد إذا سُئل يقول: شيخ كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد، قال عبد الملك – راوي الأثر عن سمرة -: فأنا رأيته بعد، قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر، وإنَّه ليتعرَّض للجواري في الطرق يغمزهن) .
3- قال الذهبي: (قال ابن طاهر: سمعت أصحابنا بهراة يقولون: لما قدم السلطان ألب أرسلان هراة في بعض قدماته، اجتمع مشايخ البلد ورؤساؤه، ودخلوا على أبي إسماعيل، وسلموا عليه، وقالوا: ورد السلطان، ونحن على عزم أن نخرج ونسلم عليه، فأحببنا أن نبدأ بالسلام عليك، وكانوا قد تواطئوا على أن حملوا معهم صنمًا من نحاس صغير، وجعلوه في المحراب تحت سجادة الشيخ، وخرجوا وقام إلى خلوته، ودخلوا على السلطان واستغاثوا من الأنصاري، وأنه مجسِّم، وأنه يترك في محرابه صنمًا يزعم أن الله على صورته، إن بعث الآن السلطان يجده، فعظم ذلك على السلطان، وبعث غلامًا ومعه جماعة فدخلوا الدار، وقصدوا المحراب، فأخذوا الصنم، ورجع الغلام بالصنم، فبعث السلطان من أحضر الأنصاري، فأتى فرأى الصنم والعلماء، والسلطان قد اشتدَّ غضبه؛ فقال السلطان له: ما هذا؟ قال: هذا صنم يعمل من الصفر شبه اللعبة؛ قال: لست عن ذا أسألك؟ قال: فعمَّ يسألني السلطان؟ قال: إنَّ هؤلاء يزعمون أنَّك تعبد هذا، وأنَّك تقول: إنَّ الله على صورته. فقال الأنصاري بصولة وصوت جهوري: سبحانك! هذا بهتان عظيم. فوقع في قلب السلطان أنهم كذبوا عليه، فأمر به فأخرج إلى داره مكرمًا. وقال لهم: اصدقوني. وهددهم، فقالوا: نحن في يد هذا الرجل في بلية من استيلائه علينا بالعامة، فأردنا أن نقطع شرَّه عنا، فأمر بهم، ووكل بكلِّ واحد منهم، وصادرهم وأهانهم) .

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:43 PM
الأمثال والأشعار في الافتراء والبهتان

- قولهم يا للأفيكة:
وهي فعيلة من الإفك وهو الكذب.
- وقولهم: يا للبهيتة:
وهي البهتان.
- وقولهم: يا للعضيهة:
مثلهما في المعنى. يضرب عند المقالة يرمى صاحبها بالكذب، واللام في كلِّها للتعجب .
وقال منصور بن إسماعيل:


هبني تحرزتُ ممن ينمُّ بالكتمانِ***فكيف لي باحترازٍ مِن قائلِ البهتانِ



وقال بعض الحكماء:


إنَّ الكريمَ إذا تقضَّى ودُّه***يُخفي القبيحَ ويظهرُ الإحسانا



وترَى اللئيمَ إذا تصرَّم حبلُه***يُخفي الجميلَ ويظهرُ البهتانا

محمد رافع 52
08-07-2013, 11:48 PM
http://img15.hostingpics.net/pics/165424mawssou3a.png (http://www.google.com.eg/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3GQ6YnWNUXWCM&tbnid=Ybv-Crg6W5x9FM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fwww.mltzm.com%2Fvb%2Fshowthread.p hp%3Ft%3D40126&ei=5TLbUdW1M8rJOfj-gZAN&psig=AFQjCNG9cFGKrQ66BND3hj2w_XcaD4agmQ&ust=1373406289964166)


إفشاء السر
معنى إفشاء السر لغةً واصطلاحًا
معنى الإفشاء:
الإفشاء من فَشا الخبر يَفْشو فُشُوًّا وفُشِيًّا، أي: انتشر وذاع، وأفْشاهُ غيره، وتَـفَشَّى الشيء، أي: اتسع، وفشا الشيء: ظهر .
معنى السر لغة:
السِّرُّ: هو ما يكتم وهو خلاف الإعلان، يقال: أسررت الشيء إسرارًا، خلاف أعلنته .
وسارَّه: إذا أوصاه بأن يُسرَّه، وتَسارَّ القومُ. وكنَّي عن النكاح بالسِّرِّ من حيث إنه يخفى .
معنى السر اصطلاحًا:
قال الراغب: (السِّرُّ هو الحديث المكتم في النفس) .
وقال الكفوي: (هو ما يسرُّه المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها) .
معنى إفشاء السر اصطلاحًا:
إفشاء السر هو: تعمد الإفضاء بسرٍّ من شخص ائتمن عليه، في غير الأحوال التي توجب فيها الشريعة الإسلامية الإفضاء، أو تجيزه .

مستر محمد سلام
09-07-2013, 02:23 AM
http://img15.hostingpics.net/pics/165424mawssou3a.png (http://www.google.com.eg/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3gq6ynwnuxwcm&tbnid=ybv-crg6w5x9fm:&ved=0cauqjrw&url=http%3a%2f%2fwww.mltzm.com%2fvb%2fshowthread.p hp%3ft%3d40126&ei=5tlbudw1m8rjofj-gzan&psig=afqjcng9cfgkrq66bnd3hj2w_xcad4agmq&ust=1373406289964166)


إفشاء السر
معنى إفشاء السر لغةً واصطلاحًا
معنى الإفشاء:
الإفشاء من فَشا الخبر يَفْشو فُشُوًّا وفُشِيًّا، أي: انتشر وذاع، وأفْشاهُ غيره، وتَـفَشَّى الشيء، أي: اتسع، وفشا الشيء: ظهر .
معنى السر لغة:
السِّرُّ: هو ما يكتم وهو خلاف الإعلان، يقال: أسررت الشيء إسرارًا، خلاف أعلنته .
وسارَّه: إذا أوصاه بأن يُسرَّه، وتَسارَّ القومُ. وكنَّي عن النكاح بالسِّرِّ من حيث إنه يخفى .
معنى السر اصطلاحًا:
قال الراغب: (السِّرُّ هو الحديث المكتم في النفس) .
وقال الكفوي: (هو ما يسرُّه المرء في نفسه من الأمور التي عزم عليها) .
معنى إفشاء السر اصطلاحًا:
إفشاء السر هو: تعمد الإفضاء بسرٍّ من شخص ائتمن عليه، في غير الأحوال التي توجب فيها الشريعة الإسلامية الإفضاء، أو تجيزه .


جزاك الله خيرا استاذ محمد
وبارك الله فيك

محمد رافع 52
09-07-2013, 10:56 AM
جزاك الله خيرا استاذ محمد

وبارك الله فيك

بارك الله فيك اخى الكريم
ورضى عنك
وكل عام وانتم بخير

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:10 AM
أولًا: في القرآن الكريم
- قال تعالى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً [النساء: 83].
قال مقاتل: (أَذَاعُواْ بِهِ: يعني أفشوه) .
وقال الطبري: (أَذَاعُواْ بِهِ: أفشوه وبثُّوه في الناس) .
قال ابن عباس: (قوله أَذَاعُواْ بِهِ، قال: أعلنوه وأفشوه) .
- وقال سبحانه: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم: 3].
قال القاسمي: (أشار تعالى إلى غضبه لنبيِّه، صلوات الله عليه، مما أتت به من إفشاء السرِّ إلى صاحبتها، ومن مظاهرتهما على ما يقلق راحته، وأن ذلك ذنب تجب التوبة منه) .
قال الطبري: (فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ: فلما أخبرت بالحديث الذي أسر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبتها وأظهره عليه) .
- وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [الأنفال: 27-28].
قال ابن كثير: (كانوا يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فيفشونه حتى يبلغ المشركين. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: نهاكم أن تخونوا الله والرسول، كما صنع المنافقون) .
قال بعضهم: نزلت في منافق كتب إلى أبي سفيان يطلعه على سرِّ المسلمين .
ومعنى الآية: (أي ولا تخونوا أماناتكم فيما بين بعضكم وبعض، من المعاملات المالية وغيرها، حتى الشئون الأدبية والاجتماعية، فإفشاء السر خيانة محرمة) .

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:14 AM
ثانيًا: في السنة النبوية
- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرَّها)) .
قال النووي: (في هذا الحديث تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قول أو فعل ونحوه، فأما مجرد ذكر الجماع؛ فإن لم تكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه؛ لأنَّه خلاف المروءة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)) . وإن كان إليه حاجة أو ترتَّب عليه فائدة؛ بأن ينكر عليه إعراضه عنها، أو تدَّعي عليه العجز عن الجماع، أو نحو ذلك، فلا كراهة في ذكره، كما قال صلى الله عليه وسلم: ((إني لأفعله أنا وهذه)) ، وقال صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة: ((أعرستم الليلة)) . وقال لجابر: ((الكيس الكيس)) ) .
وقال المناوي: (ثم ينشر سرَّها: أي يبثُّ ما حقُّه أن يكتم من الجماع، ومقدماته، ولواحقه، فيحرم إفشاء ما يجري بين الزوجين من الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك بقول أو فعل) .
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((إنَّا كنَّا- أزواج النبي صلى الله عليه وسلم- عنده جميعًا، لم تغادر منا واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي، لا والله ما تخفى مشيتها من مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآها رحَّب، قال: مرحبًا بابنتي. ثم أجلسها عن يمينه - أو عن شماله - ثم سارَّها، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها، أنا من بين نسائه: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرِّ من بيننا، ثم أنت تبكين، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عما سارَّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه. فلما تُوفِّي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ، لما أخبرتني. قالت: أما الآن، فنعم. فأخبرتني، قالت: أما حين سارَّني في الأمر الأول، فإنَّه أخبرني أنَّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلَّ سنة مرة، وإنَّه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتَّقى الله، واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي، سارَّني الثانية، قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة)) .
قال ابن بطال: (وفيه: أنَّه لا ينبغي إفشاء السرِّ إذا كانت فيه مضرة على المسرِّ؛ لأنَّ فاطمة لو أخبرت نساء النبي ذلك الوقت بما أخبرها به النبي من قرب أجله لحزنَّ لذلك حزنًا شديدًا، وكذلك لو أخبرتهنَّ أنها سيدة نساء المؤمنين، لعظم ذلك عليهن، واشتدَّ حزنهنَّ، فلما أمنت ذلك فاطمة بعد موته أخبرت بذلك) .

وقال ابن حجر: (فيه جواز
إفشاء السر (http://dorar.net/enc/akhlaq/1718) إذا زال ما يترتب على إفشائه من المضرة؛ لأنَّ الأصل في السرِّ الكتمان، وإلا فما فائدته) .
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حين تأيمت حفصة، قال عمر: لقيت أبا بكر فقلت: ((إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقيني أبو بكر فقال: إنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها)) .
قال ابن حجر: (وفيه أن من حلف لا يفشي سرَّ فلان، فأفشى فلان سرَّ نفسه، ثم تحدَّث به الحالف لا يحنث؛ لأنَّ صاحب السرِّ هو الذي أفشاه، فلم يكن الإفشاء من قبل الحالف، وهذا بخلاف ما لو حدث واحد آخر بشيء واستحلفه ليكتمه، فلقيه رجل فذكر له أنَّ صاحب الحديث حدَّثه بمثل ما حدَّثه به، فأظهر التعجُّب وقال: ما ظننت أنَّه حدَّث بذلك غيري؟! فإنَّ هذا يحنث؛ لأنَّ تحليفه وقع على أنَّه يكتم أنَّه حدَّثه، وقد أفشاه) .
- وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتجالس قوم إلا بالأمانة)) .
قال المناوي: (أي لا ينبغي إلا ذلك، فلا يحلُّ لأحدهم أن يفشي سرَّ غيره) .

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:18 AM
أقوال السلف والعلماء في إفشاء السر

- (قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه لابنه عبد الله رضي الله عنه: يا بني، إن أمير المؤمنين يدنيك -يعني عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه- فاحفظ عني ثلاثًا: لا تفشينَّ له سرًّا، ولا تغتابنَّ عنده أحدًا، ولا يطَّلعنَّ منك على كذبة) .
- وقال معاوية: (ما أفشيت سرِّي إلى أحد إلا أعقبني طول الندم، وشدة الأسف، ولا أودعته جوانح صدري فحكمته بين أضلاعي، إلا أكسبني مجدًا، وذكرًا، وسناء، ورفعة. فقيل: ولا ابن العاص . قال: ولا ابن العاص . وكان يقول: ما كنت كاتمه من عدوِّك، فلا تظهر عليه صديقك) .
- ويُروى أيضًا (أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثه؛ فقال لأبيه: يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أُراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: فقلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه؟ فقال: لا والله يا بني، ولكن أحبُّ أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ. قال: فأتيت معاوية فأخبرته، فقال: يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ، فإفشاء السرِّ خيانة، وهو حرام إذا كان فيه إضرار، ولؤم إن لم يكن فيه إضرار) .
- و(قال عمرو بن العاص: ما استودعت رجلًا سرًّا فأفشاه فلمته؛ لأني كنت أضيق صدرًا منه حيث استودعته إيَّاه) .
- وقال عبد الملك بن مروان للشعبي، لما دخل عليه: (جنبني خصالًا أربعًا: لا تطريني في وجهي، ولا تجرين علي كذبة، ولا تغتابن عندي أحدًا، ولا تفشين لي سرًّا) .
- وقال الحسن: (إنَّ من الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) أن تحدِّث بسرِّ أخيك) .
- وقال أكثم بن صيفيٍّ: (إنَّ سِرَّك من دمك، فانظر أين تريقه) .
- وقال الأعمش: (يضيق صدر أحدهم بسرِّه حتى يحدِّث به، ثم يقول: اكتمه عليَّ) .
- وقال أبو حاتم: (مَن حصَّن بالكتمان سرَّه تمَّ له تدبيره، وكان له الظفر بما يريد، والسلامة من العيب والضرر، وإن أخطأه التمكن والظفر، والحازم يجعل سرَّه في وعاء ويكتمه عن كلِّ مستودع، فإن اضطره الأمر وغلبه أودعه العاقل الناصح له؛ لأنَّ السرَّ أمانة، وإفشاؤه خيانة، والقلب له وعاؤه؛ فمن الأوعية مَا يضيق بما يودع، ومنها مَا يتسع لما استودع) .
- وقال بعضهم: (كتمانك سرَّك يُعقبك السلامة، وإفشاؤك سرَّك يُعقبك الندامة، والصبر على كتمان السرِّ أيسر من الندم على إفشائه) .
- وقال الراغب الأصفهاني: (إذاعة السرِّ من قلة الصبر، وضيق الصدر، وتوصف به ضعفة الرجال، والصبيان، والنساء) .
- وعن المدائني قال: (كان يُقال: أصبر الناس الذي لا يفشي سرَّه إلى صديقه؛ مخافة أن يقع بينهما شيء فيفشيه) .
- وقال بعضهم: (ما أقبح بالإنسان أن يخاف على ما في يده من اللصوص فيخفيه، ويمكِّن عدوَّه من نفسه بإظهاره ما في قلبه من سرِّ نفسه وسرِّ أخيه؛ ومن عجز عن تقويم أمره، فلا يلومنَّ إلا نفسه إن لم يستقم له) .
- وقال رجل من سلف العلماء: (كان يقال: أملك الناس لنفسه من كتم سرَّه من صديقه وخليله). قال أبو عبيد معلقًا على هذا القول: (أحسب ذلك للنظر في العاقبة، ألا يتغيَّر الذي بينهما يومًا ما فيفشي سرَّه) .
- (وشكا هشام بن عبد الملك ما يجد من فقد الأنيس المأمون على سرِّه، فقال: أكلت الحامض والحلو حتى ما أجد لهما طعمًا، وأتيت النساء حتى ما أبالى امرأة لقيت أم حائطًا، فما بقيت لي لذة إلا وجود أخ؛ أضع بيني وبينه مؤونة التحفُّظ) .
- وقال الماوردي: (وكم مِن إظهار سرٍّ أراق دم صاحبه، ومنع من نيل مطالبه، ولو كتمه كان من سطوته آمنًا، وفي عواقبه سالـمًا، ولنجاح حوائجه راجيًا) .
- وقال أيضًا: (وإظهار الرجل سرَّ غيره أقبح من إظهاره سرَّ نفسه؛ لأنَّه يبوء بإحدى وصمتين: الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) إن كان مؤتمنًا، أو النَّمِيمَة إن كان مستودعًا، فأما الضرر فربما استويا فيه وتفاضلا. وكلاهما مذموم، وهو فيهما ملوم) .
- (وقيل لعدي بن حاتم: أي الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كثرة الكلام، وإضاعة السرِّ، والثقة بكلِّ أحدٍ) .
- وقال الجاحظ: (والسرُّ- أبقاك الله- إذا تجاوز صدر صاحبه، وأفلت من لسانه إلى أُذنٍ واحدة، فليس حينئذ بسرٍّ، بل ذاك أولى بالإذاعة، ومفتاح النشر والشهرة. وإنما بينه وبين أن يشيع ويستطير أن يُدفع إلى أُذنٍ ثانية. وهو مع قلة المأمونين عليه، وكرب الكتمان، حريٌّ بالانتقال إليها في طرفة عين).
- وكان المنصور يقول: (الملك يحتمل كلَّ شيء من أصحابه إلا ثلاثًا: إفشاء السرِّ، والتعرُّض للحرم، والقدح في الملك) .

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:20 AM
آثار إفشاء السر (http://dorar.net/enc/akhlaq/1718)
1- إفشاء السرِّ خيانة للأمانة، ونقض للعهد.
2- إفشاء السرِّ دليل على لؤم الطبع، وفساد المروءة.
3- إفشاء السرِّ دليل على قلة الصبر، وضيق الصدر.
4- إفشاء السرِّ- خاصة عند الغضب- يعقب الندم والحسرة في نفس صاحبه.
5- إفشاء الأسرار إخلال بالمروءة وإفساد للصداقة، ومدعاة للتنافر.
6- إفشاء الرجل سر امرأته، وإفشاء المرأة سر زوجها؛ يجعل كلا منهما بمثابة الشيطان، ويخلُّ بفضيلة الحياء.
7- إفشاء السرِّ من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه.
8- إفشاء السرِّ يفقد الثِّقة بين الإخوان.
9- في إذاعة السرِّ ما يجلب العار والفضيحة للمفشي عندما يعرف بذلك من استودعه هذا السرِّ.
10- إفشاء السرِّ- خاصة ما يتعلق بالميِّت- يعرض صاحبه لعذاب الله.

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:24 AM
صور إفشاء السر (http://dorar.net/enc/akhlaq/1718) المذموم
1- إفشاء أسرار المسلمين:
لقد نهى الشارع الكريم عن إفشاء أسرار المسلمين وأمر بسترها وكتمانها، لما في ذلك من حفظ لأعراضهم، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور: 19] وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)) .
2- إفشاء أسرار الدولة:
إذا كان إفشاء أسرار الأفراد مذمومًا، فإفشاء أسرار الدولة أشدُّ ذمًّا، وأعظم جرمًا، ويترتب عليه من المفاسد الشيء الكثير الذي يزعزع أمن البلد واستقرارها، ويمكن أعداءها منها.
3- إفشاء الأسرار الزوجية:
لقد جعل الله سبحانه وتعالى لكلٍّ من الزوجين حقوقًا وواجبات، ومن هذه الحقوق حفظ الأسرار الزوجية، فكلٌّ من الزوجين أمين على أسرار الآخر، يجب عليه حفظها وعدم إفشاءها، ومن أعظم هذه الأسرار وأشدها أسرار الجماع وما يجري بين الزوجين في الفراش.
وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الزوج أو الزوجة الذي ينشر الأسرار الزوجية بأنه شيطان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هل منكم رجل أتى أهله، فأغلق عليه بابه، وألقى عليه ستره، واستتر بستر الله؟ قالوا: نعم. قال: ثم يجلس بعد ذلك، فيقول: فعلت كذا، فعلت كذا. فسكتوا، ثم أقبل على النساء؛ فقال: منكن من تحدِّث؟ فسكتن، فجثت فتاة كعاب، على إحدى ركبتيها، وتطاولت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليراها ويسمع كلامها، فقالت: يا رسول الله، إنهم ليحدثون، وإنهن ليحدثن، فقال: هل تدرون ما مثل ذلك؟ إنما مثل ذلك مثل شيطانة لقيت شيطانًا في السكة، فقضى حاجته والناس ينظرون إليه)) .
بل بيَّن أن مفشي سرِّ زوجه من أشرِّ الناس منزلة يوم القيامة؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ مِن أشرِّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى المرأة، وتفضي إليه ثم ينشر سرَّها)).
قال السفاريني: (يُكره لكلٍّ من الزوجين التحدُّث بما صار بينهما ولو لضرَّتها... لأنَّه من السرِّ، وإفشاء السرِّ حرام) .
وكذلك فكلٌّ من الزوجين مطالب بحفظ باقي الأسرار الأخرى التي تقع في الحياة الزوجية، بل حتى بعد الفراق بطلاق أو غيره، لا ينبغي له إفشاء ما كان بينه وبين زوجه من أسرار خاصة لا ينبغي إطلاع الغير عليها.
(يُروى عن بعض الصالحين أنَّه أراد طلاق امرأة؛ فقيل له: ما الذي يريبك فيها؟ فقال: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلَّقها قيل له: لم طلَّقتها؟ فقال ما لي ولامرأة غيري) .
4- إفشاء وإعلان الذنوب التي يرتكبها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كلُّ أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا ثم يصبح وقد ستره الله؛ فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه)) .

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:27 AM
صور إفشاء السر (http://dorar.net/enc/akhlaq/1718) المحمود
1- أداء الشهادة عند القاضي:
(والشهادة في حدِّ ذاتها هي إخبار بالشيء السري الذي يخفى عن القاضي حقيقته، والمراد من أداء الشهادة: إظهار الأسرار لإثبات الحقِّ في مجلس القضاء، وقد نهى الحقُّ عن كتمان الشهادة: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ [البقرة:283].
وكذلك لا تكون الشهادة إلا بالإخبار القاطع، والإخبار لا يكون قاطعًا إلا بالإخبار التفصيلي، كما هو حاله في الشهادة على الزنا، لابد من ذكر المكان، والزمان، والكيفية، وذكر الفاعل، والمفعول به، وما إلى ذلك حتى تتوفر فيه الشروط المقررة في حدِّ الزنا. وكذلك في الشهادة على السرقة، لابد من ذكر الكيفية، والحرز، والمقدار؛ حتى تثبت بشهادتهم أنَّ المشهود عليه قد فعل الجناية المستحقة للعقوبة) .
2- إفشاء الأسرار إذا أدت إلى المصلحة العامة:

يحمد
إفشاء السر (http://dorar.net/enc/akhlaq/1718) إذا كان في إفشائه مصلحة أو فائدة يعود نفعها على الإسلام والمسلمين، أو فرصة سانحة يمكن أن تنفذ الدعوة من خلالها إلى ميادين الخير.
وقد أخبرنا الله عن قصة مؤمن آل فرعون الذي أفشى خبر فرعون وقومه إلى موسى حينما كانوا يسعون ل***ه، فأفشى ذلك السرَّ لموسى، وكان في ذلك نجاة له من ال*** بإذن الله.
قال تعالى: وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ [القصص: 20].
وهذا رئيس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول لما قال: لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون: 8] وسمع بذلك زيد بن أرقم، أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قاله ابن سلول .

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:29 AM
الحالات التي يجوز فيها إفشاء السر

لا يجوز إفشاء السر (http://dorar.net/enc/akhlaq/1718) الواجب كتمانه إلا في أحوال محدودة منها:
1- انقضاء حالة كتمان السر.
2- موت صاحب السر – بشرط أن لا يعود عليه بالضرر-.
3- أن يؤدِّي الكتمان إلى ضرر أبلغ من ضرر الإفشاء.
4- دفع الخطر.

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:32 AM
الأسباب المعينة على ترك إفشاء السر (http://dorar.net/enc/akhlaq/1718)

1- إدراك خطورة اللسان.
2- تذكر عاقبة كشف السر.
3- تعويد النفس على الصبر.
4- أن لا نحمل ما لا نطيق من الأسرار.
5- التزام ضوابط كشف السر.
6- لا تنس هذه الوصايا:
- لا تحدث بكل ما سمعت: قال صلى الله عليه وسلم: ((كفى بالمرء إثمًا أن يحدِّث بكلِّ ما سمع)) .
- لا تبحث عن الأسرار: قال صلى الله عليه وسلم: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) .
- ستر المسلم فضيلة: قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة)) .
- الأسرار أمانات فلا تخن من ائتمنك.
- لا تكن أسير سرِّك.
- احذر كثرة المستودعين، قال الماوردي: (وليحذر كثرة المستودعين لسره، فإن كثرتهم سبب الإذاعة، وطريق الإشاعة لأمرين:
أحدهما: أن اجتماع هذه الشروط في العدد الكثير مُعْوِز، ولابد إذا كثروا أن يكون فيهم من أخلَّ ببعضها.
الثاني: أن كل واحد منهم يجد سبيلًا إلى نفي الإذاعة عن نفسه، وإحالة ذلك إلى غيره، فلا يضاف إليه ذنب، ولا يتوجه عليه عتب، وقد قال بعض الحكماء: (كلما كثرت خزان الأسرار ازدادت ضياعًا).

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:33 AM
إفشاء سرِّ الميت

(قال ابن بطال: الذي عليه أهل العلم أن السرَّ لا يُباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة، وأكثرهم يقول: إنَّه إذا مات لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلا أن يكون عليه فيه غضاضة.
قلت -القائل ابن حجر-: الذي يظهر انقسام ذلك بعد الموت إلى ما يباح، وقد يستحب ذكره، ولو كرهه صاحب السرِّ، كأن يكون فيه تزكية له من كرامة أو منقبة أو نحو ذلك، وإلى ما يكره مطلقًا، وقد يحرم، وهو الذي أشار إليه ابن بطال، وقد يجب كأن يكون فيه ما يجب ذكره كحقٍّ عليه كان يعذر بترك القيام به؛ فيرجى بعده إذا ذكر لمن يقوم به عنه أن يفعل ذلك) .
(ولقد أجاز بعض العلماء إفشاء سرِّ الرجل بعد موته، مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أجلس فاطمة بجواره ثم سارَّها، فبكت بكاء شديدًا، فلما رأى حزنها سارَّها الثانية، فإذا هي تضحك، فقلت لها، أنا من بين نسائه: خصَّك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرِّ من بيننا، ثم أنت تبكين، فلمَّا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم سألتها: عما سارَّك؟ قالت: ما كنت لأفشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم سرَّه، فلما تُوفِّي، قلت لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ لما أخبرتني، قالت: أما الآن فنعم. فأخبرتني، قالت: أما حين سارَّني في الأمر الأول، فإنَّه أخبرني: أنَّ جبريل كان يعارضه بالقرآن كلَّ سنة مرة، وإنَّه قد عارضني به العام مرتين، ولا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتقي الله واصبري، فإني نعم السلف أنا لك. قالت: فبكيت بكائي الذي رأيت، فلما رأى جزعي سارَّني الثانية، قال: يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة))

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:36 AM
إفشاء الغاسل حال الميت

قال الخطيب الشربيني: (فإن رأى الغاسل من بدن الميت خيرًا كاستنارة وجهه، وطيب رائحته، ذكره ندبًا؛ ليكون أدعى لكثرة المصلين عليه، والدعاء له، أو غيره كأن رأى سوادًا، أو تغير رائحة، أو انقلاب صورة حرم ذكره؛ لأنه غيبة لمن لا يتأتَّى الاستحلال منه) .
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة)) .

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:39 AM
صفات من يفشي سرَّ نفسه

قال الماوردي: وفي الاسترسال بإبداء السرِّ دلائل على ثلاثة أحوال مذمومة:
إحداها: ضيق الصدر، وقلة الصبر، حتى أنَّه لم يتسع لسرِّ، ولم يقدر على صبر.
والثانية: الغفلة عن تحذر العقلاء، والسهو عن يقظة الأذكياء. وقد قال بعض الحكماء: انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزل، ولا جاهلًا فيخون.
والثالثة: ما ارتكبه من الغدر، واستعمله من الخطر. وقال بعض الحكماء: سرُّك من دمك، فإذا تكلمت به فقد أرقته.

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:40 AM
ضوابط في إفشاء السر
قال الماوردي: واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم. فليختر العاقل لسرِّه أمينًا إن لم يجد إلى كتمه سبيلًا، وليتحرَّ في اختيار من يأتمنه عليه، ويستودعه إياه. فليس كلُّ من كان على الأموال أمينًا كان على الأسرار مؤتمنًا. والعفة عن الأموال أيسر من العفة (http://dorar.net/enc/akhlaq/994) عن إذاعة الأسرار؛ لأنَّ الإنسان قد يذيع سرَّ نفسه ببادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشحُّ باليسير من ماله، حفظًا له وضنًّا به، ولا يرى ما أذاع من سرِّه كبيرًا في جنب ما حفظه من يسير ماله، مع عظم الضرر الداخل عليه. فمن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال. وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛ لأنَّ أحراز الأموال منيعة، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق .

محمد رافع 52
19-07-2013, 02:43 AM
أكثر من يذيع السر
قال الجاحظ: وأكثر ما يذيع أسرار الناس أهلوهم وعبيدهم، وحاشيتهم وصبيانهم، ومَن لهم عليهم اليد والسلطان. فالسرُّ الذي يودعه خليفة في عامل له يلحقه زينه وشينه، أحرى ألا يكتمه. وهذا سبيل كلِّ سرٍّ يستودعه الجلة والعظماء، ومن لا تبلغه العقوبة ولا تلحقه اللائمة.
وقال سليمان بن داود في حكمته: ليكن أصدقاؤك كثيرًا، وصاحب سرِّك واحدًا من ألف.

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:36 PM
أكثر الأمور عرضة لإفشاء السر

وإفشاء السرِّ إنما يوكَّل بالخبر الرائع، والخطب الجليل، والدفين المغمور، والأشنع الأبلق، مثل سرِّ الأديان لغلبة الهوى عليها، وتضاغن أهلها بالاختلاف والتضاد، والولاية والعداوة. ومثل سرِّ الملوك في كيد أعدائهم ومكنون شهواتهم ومستور تدبيراتهم، ثم من يليهم من العظماء والجلة، لنفاسة الملوك على العوام، وأنهم سماء مظلة عليهم، أعينهم إليها سامية، وقلوبهم بها معلقة، ورغباتهم ورهباتهم إليها مصروفة. ثم عداوات الإخوان، فإنما صارت العداوة بعد المودة أشد لاطلاع الصديق على سرِّ صديقه، وإحصائه معايبه، وربما كان في حال الصداقة يجمع عليه السقطات، ويحصي العيوب، ويحتفظ بالرقاع، إرصادًا ليوم النبوة، وإعدادًا لحال الصريمة .

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:37 PM
وصية في عدم إفشاء السر

وصية أُمامة بنت الحارث ابنتها أم إياس بنت عوف بن محلم الشيباني لما حان زفافها بعمرو بن حجر ملك كندة، وفيها: (فلا تعصينَّ له أمرًا، ولا تفشينَّ له سرًّا، فإنَّك إن خالفت أمره أوغرت صدره، وإن أفشيت سرَّه لم تأمني غدره) .

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:39 PM
حكم وأمثال في إفشاء السر

- صدرك أوسع لسرِّك.
أي: فلا تفشه إلى أحد. ومنه قول أكثم بن صيفي:
- لا تفش سرَّك إلى أمةٍ، ولا تبل على أكمة.
- اجعل هذا في وعاءٍ غير سَرِبٍ. يقوله الرجل لأخيه في الأمر يسره إليه.
وأصله في السقاء السائل، وهو السرب يقول: فلا تبد سري كإبداء السقاء ماءه سائل.
- سرُّك من دمك. يقال: ربما أفشيته فيكون سبب حتفك .
- الحاج أسمعت. وذلك إذا أفشى السر. أي إنك إذا أسمعت الحجاج فقد أسمعت الخلق .
- وقال دعامة بن يزيد الطائي:


إذا ما جعلت السِّر عند مضيع***فإنَّك ممَّن ضيَّع السِّر أذنب



- وقيل لعدي بن حاتم: أيُّ الأشياء أوضع للرجال؟ قال: كثرة الكلام، وإضاعة السرِّ، والثقة بكلِّ أحدٍ .

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:41 PM
من أقوال الحكماء والبلغاء

- قال بعض الأدباء: (من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه) .
- وقال بعض البلغاء: ما أسرَّك؛ ما كتمت سرَّك) .
- وقال بعض الفصحاء: (ما لم تغيبه الأضالع، فهو مكشوف ضائع) .
- وقال المأمون: (ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدم عليها: شرب السمِّ للتجربة، وإفشاء السرِّ إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقة، وركوب البحر وإن كان فيه غنى) .
- ويروى: (أصبر الناس من لا يفشي سرَّه إلى صديقه مخافة التقلُّب يومًا ما) .
- وقال بعض الحكماء: (القلوب أوعية الأسرار، والشفاه أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كلٌّ منكم مفاتيح سرِّه) .
- وقَالَ بعض الحكماء: (من أفشى سرَّه كثر عليه المتآمرون) .
- وقال حكيم لابنه: (يا بني، كن جوادًا بالمال في موضع الحقِّ، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق، فإنَّ أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البرِّ، والبخل بمكتوم السرِّ) .
- قَالَ بعض البلغاء: (إِذا وقفت الرعية على أسرار الملوك؛ هان عليها أمرها) .
- وقال بعض الحكماء: (لا تطلع واحدًا من سرِّك إلا بقدر ما لا تجد فيه بُدًّا من معاونتك) .
- وَفِي منثور الحكم: (من ضَاقَ صَدره اتَّسع لِسَانه) .

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:49 PM
ذم إفشاء السر (http://dorar.net/enc/akhlaq/1718) في واحة الشعر
قال أبو الشيص:


ضعِ السرَّ في صماءَ ليست بصخرةٍ***صلود كما عاينت من سائر الصخرِ



ولكنها قلبُ امرئٍ ذي حفيظةٍ***يرى ضيعةَ الأسرارِ هترًا من الهترِ



يموتُ وما ماتت كرائمُ فعلِه***ويبلى وما يبلى نَثاه على الدهرِ



وقال محمد بن إسحاق الواسطي:


إذا المرءُ لم يحفظْ سريرةَ نفسِه***وكان لسرِّ الأخ غيرُ كتومِ



فبعدًا له من ذي أخ ومودةٍ***وليس على ودٍّ له بمقيمِ



وقال قيس بن الخطيم:


وإن ضيَّع الإخوانُ سرًّا فإنني***كتومٌ لأسرارِ العشيرِ أمينُ



يكونُ له عندي إذا ما ائتمنته***مكانٌ بسوداءِ الفؤادِ مكينُ



وقال الكريزي:


إذا أنت لم تحفظْ لنفسِك سرَّها***فأنت إذا حملته الناسَ أضيعُ



ويضحكُ في وجهي إذا ما لقيتُه***وينهشني بالغيبِ يومًا ويلسعُ



وقال قيس بن الخطيم الأنصاري:


إذا جاوز الاثنين سرٌّ فإنه***بنثٍّ وتكثير الوشاة قمينُ



وقال الكريزي:


اجعل لسرِّك مِن فؤادك منزلًا***لا يستطيعُ له اللسانُ دخولا



إنَّ اللسانَ إذا استطاع إلى الذي***كتم الفؤادُ من الشؤونِ وصولا



ألفيتَ سرَّك في الصديقِ وغيرِه***من ذي العداوة فاشيًا مبذولا



وقال البغدادي:


صُنِ السرَّ بالكتمانِ يُرضيك غبُّه***فقد يظهرُ المرءُ المضِيعَ فيندمُ



فلا تلجئنْ سرًّا إلى غيرِ حرزِه***فيُظهرَ حرزَ السوءِ ما كنتَ تكتمُ



وقال آخر:


لا تودعنَّ ولا الجماد سريرةً***فمِن الجوامدِ ما يشير وينطقُ



وإذا المحكُّ أذاع سرَّ أخٍ له***وهو الجمادُ فمن به يستوثقُ



وقال المنتصر بن بلال الأنصاري:


سأكتمُه سرِّي وأكتمُ سرَّه***ولا غرَّني أني عليه كريمُ



حليمٌ فيفشي أو جهولٌ يذيعُه***وما الناسُ إلا جاهلٌ وحليمُ



وقال آخر:


ونفسُك فاحفظْها ولا تفشِ للعدَى***مِن السرِّ ما يُطوي عليه ضميرُها



فما يحفظُ المكتومَ من سرِّ أهلِه***إذا عُقدُ الأسرارِ ضاع كثيرُها



مِن القومِ إلا ذو عفافٍ يعينُه***على ذاك منه صدقُ نفسٍ وخيرُها



وقال عامر الخزرجي:


إذا أنت لم تجعلْ لسرِّك جُنَّةً***تعرضتَ أن تُروَى عليك العجائبُ



وقال آخر:


إذا ما ضاق صدرُك عن حديثٍ***فأفشته الرجالُ فمن تلومُ



إذا عاتبتُ مَن أفشى حديثي***وسرِّي عنده فأنا الظلومُ



وإني حين أسأم حملَ سرِّي***وقد ضمَّنته صدري سئومُ



ولست محدثًا سرِّي خليلًا***ولا عرسي إذا خطرت همومُ



وأطوي السرَّ دون الناسِ إني***لما استودعتُ من سرِّي كتومُ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.eg/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=QIfqUZosxtc88tuAiAQ&psig=AFQjCNEq178BA4r2IIxYmtT2DpZc1idXpw&ust=1374410772867706)

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:51 PM
الانتِقَام

معنى الانتِقَام لغةً واصطلاحًا
معنى الانتِقَام لغةً:
الانتقام مصدر انتقم، وأصل هذه المادة يدلُّ على إنكارِ شيءٍ وعَيبه، يقال: لم أَرْض منه حتى نَقِمْت وانتَقَمْت، إذا كافأَه عقوبةً بما صنَع. والنِّقْمَةُ العقوبة، وانْتَقَمَ الله منه أي: عاقَبَه، والاسم منه: النَّقْمة، ونَقَمْت ونَقِمْتُ: بالَغْت في كراهة الشَّيء .
معنى الانتِقَام اصطلاحًا:
الانتقام هو: إنزال العقوبة مصحوبًا بكراهية تصل إلى حدِّ السَّخط .
وقال أبو هلال العسكريُّ: (الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب) .

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:52 PM
الفرق بين الانتِقَام وبعض الصِّفات

- الفرق بين الانتِقَام والعقاب:
أنَّ الانتِقَام: سَلْبُ النِّعمة بالعذاب..
والعقاب: جزاء على الجُرم بالعذاب، لأنَّ العقاب نقيض الثَّواب، والانتِقَام نقيض الإنعام .

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:57 PM
الانتِقَام في الكتاب والسنة (http://www.dorar.net/enc/akhlaq/1763)
أولًا: في القرآن الكريم

قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194].
قال السعدي: (ولما كانت النُّفوس -في الغالب- لا تقف على حدِّها إذا رُخِّص لها في المعاقبة لطلبها التَّشفِّي -أي: الانتِقَام-، أمر تعالى بلزوم تقواه، التي هي الوقوف عند حدوده، وعدم تجاوزها، وأخبر تعالى أنَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ [البقرة: 194]، أي: بالعون، والنَّصر، والتَّأييد، والتَّوفيق) .
- قال الله تعالى: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشُّورى: 37].
قال ابن جرير الطَّبري: (وقوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ يقول تعالى ذكره: وإذا ما غضبوا على من اجترم إليهم جُرمًا، هم يغفرون لمن أجرم إليهم ذنبه، ويصفحون عنه عقوبة ذنبه) .
وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم ي***ون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛ فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر) .

(وتأتي هذه الصِّفة أي في قوله: وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ . بعد الإشارة الخفيَّة إلى سماحة الله مع الإنسان في ذنوبه وأخطائه، فتُحَبِّب في السَّماحة والمغفرة بين العباد. وتجعل صفة المؤمنين أنَّهم إذا ما غضبوا هم يغفرون. وتتجلَّى سماحة الإسلام مرَّةً أخرى مع النَّفس البشريَّة، فهو لا يكلِّف الإنسان فوق طاقته. والله يعلم أنَّ
الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) انفعال بشريٌّ ينبع مِن فطرته. وهو ليس شرًّا كلَّه. فالغضب لله ولدينه وللحقِّ والعدل غضبٌ مطلوب وفيه الخير. ومِن ثمَّ لا يُحَرِّم الغضبَ في ذاته، ولا يجعله خطيئةً. بل يعترف بوجوده في الفطرة والطَّبيعة، فيعفي الإنسان مِن الحيرة والتَّمزُّق بين فطرته وأمر دينه. ولكنَّه في الوقت ذاته يَقُودُه إلى أن يغلب غضبه، وأن يغفر ويعفو، ويحسب له هذا صفةً مُثْلَى مِن صفات الإيمان المحبَّبة. هذا مع أنَّه عُرِف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه لم يغضب لنفسه قطُّ، إنَّما كان يغضب لله، فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء. ولكن هذه درجة تلك النَّفس المحمَّديَّة العظيمة، لا يكلِّف الله نفوس المؤمنين إيَّاها. وإن كان يحبِّبهم فيها. إنَّما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب، والعفو عند القُدْرَة، والاستعلاء على شعور الانتِقَام، ما دام الأمر في حدود الدَّائرة الشَّخصيَّة المتعلِّقة بالأفراد) .
بيَّن الله سبحانه وتعالى أنَّ العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عن المعتدي -والتَّغاضي عن خطئه- أفضل مِن الانتِقَام منه.
- قال تعالى:لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [المائدة: 28-29].
فهابيل كان أقوى وأقدر على الانتِقَام والبطش؛ لكن منعه خوف الله.

محمد رافع 52
20-07-2013, 02:59 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

عن عائشة رضي الله عنها أنَّها قالت: ((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلا أن تُنتَهك حُرْمَة الله فينتقم لله بها)) .
- وعنها رضي الله عنها قالت: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قطُّ بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله. وما نِيل منه شيء قطُّ، فينتقم مِن صاحبه، إلا أن يُنْتَهك شيء مِن محارم الله، فينتقم لله عزَّ وجلَّ) .
قال علي القاري: (... ((وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم)) أي: ما غاضب أحدًا لنفسه، أي: لأجل حظِّها، ((إلَّا أن يُنْتَهك حُرْمَة الله)) أي: يُرْتَكَب، فينتقم أي: فيعاقب حينئذ لغرض آخر، أي بسبب تلك الحُرْمَة، ثمَّ انتهاك الحُرمة تناولها بما لا يحلُّ. يقال: فلان انتهك محارم الله، أي: فعل ما حرَّم الله فعله عليه) .
قال النَّوويُّ: (قولها: ((إلَّا أن تُنْتَهك حُرْمَة الله)) استثناء منقطع، معناه: لكن إذا انتُهِكت حُرْمَة الله، انتصر لله تعالى، وانتقم ممَّن ارتكب ذلك، وفي هذا الحديث الحثُّ على العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والحِلْم واحتمال الأذى، والانتصار لدين الله تعالى ممَّن فعل محرَّمًا أو نحوه، وفيه أنَّه يُسْتَحبُّ للأئمَّة والقُضَاة وسائر وُلاة الأمور التَّخلُّق بهذا الخُلُق الكريم، فلا ينتقم لنفسه، ولا يهمل حقَّ الله تعالى) .
وقال ابن عثيمين: (حديث عائشة رضي الله عنها، أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم ما ضرب أحدًا -لا خادمًا ولا غيره- بيده، إلَّا أن يجاهد في سبيل الله، وهذا مِن كرمه صلى الله عليه وسلم ؛ أنَّه لا يضرب أحدًا على شيءٍ مِن حقوقه هو الخاصَّة به؛ لأنَّ له أن يعفو عن حقِّه، وله أن يأخذ بحقِّه. ولكن إذا انتُهِكت محارم الله؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم لا يرضى بذلك، ويكون أشدَّ ما يكون أخذًا بها؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لا يُقرُّ أحدًا على ما يُغضِب الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي للإنسان أن يحرص على أخذ العفو، وما عفي مِن أحوال النَّاس وأخلاقهم ويعرض عنهم، إلَّا إذا انتُهِكَت محارم الله، فإنَّه لا يقرُّ أحدًا على ذلك) .

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:00 PM
أقوال السَّلف والعلماء في الانتِقَام

- قال معاوية لابنه -وقد رآه ضرب غلامًا له-: (إيَّاك -يا بُنيَّ- والتَّشفِّي ممَّن لا يمتنع منك، فو الله لقد حالت القُدْرة بين أبيك وبين ذوي تِرَاته، ولهذا قيل: القُدْرة تُذْهِب الحفيظة) .
- وقال المنصور لولده المهديِّ: (لذَّة العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) أطيب مِن لذَّة التَّشفِّي) .
- عن الأصمعي قال: (أُتِي المنصور برجل يعاقبه، فقال: يا أمير المؤمنين، الانتِقَام عدلٌ، و التَّجاوز فضلٌ، ونحن نُعِيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأَوْكَس النَّصيبين دون أن يبلغ أرفع الدَّرجتين. فعفا عنه) .
- وقال ابن تيمية: (وقد يُهجر الرَّجل عقوبةً وتعزيرًا، والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله، للرَّحمة والإحسان، لا للتَّشفِّي والانتِقَام) .
- وقال ابن القيِّم: (وفي الصَّفح والعفو والحِلْم مِن الحلاوة والطَّمأنينة، والسَّكينة وشرف النَّفس، وعزِّها ورفعتها عن تشفِّيها بالانتِقَام ما ليس شيء منه في المقَابَلة والانتِقَام) .
- وقال -أيضًا-: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة) .
- وقال أعرابي: (أقبح أعمال المقتدرين الانتِقام) .
- وقال بعض البلغاء: (ليس مِن عادة الكرام سرعة الانتِقَام، ولا مِن شروط الكَرِم إزالة النِّعم) .
- ويُحْكَى عن عنان بن خريم أنَّه دخل على المنصور، وقد قدَّم بين يديه جماعةً -كانوا قد خرجوا عليه- لي***هم، فقال أحدهم: يا أمير المؤمنين مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه، ومَن شَفَى غَيْظه وأخذ حقَّه لم يجب شُكره، ولم يَحُسن في العالمين ذِكْرُه، وإنَّك إن انتقمت فقد انتصفت، وإذا عفوت فقد تفضَّلت، على أنَّ إقالتك عِثَار عباد الله موجبة لإقالته عَثْرتك، وعفوك عنهم موصولٌ بعفوه عنك، فقَبِل قوله، وعفا عنهم .

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:02 PM
آثار الانتِقَام

للانتقام آثارٌ سيِّئةٌ تعود على المنتقم نفسه، ومِن هذه الآثار:
1- أنَّ صاحب هذه الصِّفة لا ينال السِّيادة والشَّرف:
عن داود بن رشيد قال: قالت حكماء الهند: (لا ظفر مع بغي... ولا سؤدد مع انتقام) .
وعن ابن الكلبيِّ عن أبيه، قال: (كان سلم بن نوفل الدِّيليُّ سيِّد بني كِنَانة، فخرج عليه ذات ليلة رجل مِن قومه، فضربه بالسَّيف، فأُخِذ بعد أيامٍ، فأُتِيَ به سلم بن نوفل، فقال: ما الذي فعلت؟! أما خشيت انتقامي؟! قال: له فلِمَ سوَّدناك إلَّا أن تكَظْم الغَيْظ، وتعفو عن الجاني، وتَحْلُم عن الجاهل، وتحتمل المكروه في النَّفس والمال. فخلَّى سبيله، فقال فيه الشَّاعر:


يُسوَّد أقوام وليسوا بقادة *** بل السَّيِّد المعروف سلم بن نوفل



2- أنَّ الانتِقَام ليس مِن عادة الكرام:
قال بعض البلغاء: (ليس مِن عادة الكِرَام سرعة الانتِقَام، ولا مِن شروط الكَرَم إزالة النِّعم) .
3- أنَّ المنتقم لا يجب شُكْرُه ولا يُحْمَد ذِكْرُه:
قال الأبشيهي: (قيل: مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكرُه، ولم يُحمَد في العالمين ذِكْرُه) .
4- أنَّ الانتِقَام يعقبه النَّدامة:
قال ابن القيِّم: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة) .
5- يُوَلِّد بين النَّاس الأحقاد والضَّغائن.

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:05 PM
حكم الانتِقَام

الانتِقَام جائزٌ إذا انتُهِك شيءٌ مِن محارم الله، وأمَّا في غير ذلك العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصَّفح أولى وأفضل، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّها قالت: ((ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلَّا أخذ أيسرهما، ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد النَّاس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه، إلَّا أن تُنْـتَهَك حُرْمَة الله، فينتقم لله بها)) .
والله سبحانه وتعالى قد أذن لمن اعتُدي عليه أن يردَّ بالمثل على مَن اعتدى عليه، قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى [البقرة: 194]، وقال أيضًا: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا [الشُّورى: 40]، ومع هذا فقد بيَّن سبحانه وتعالى أنَّ العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) عن المعتدي والتَّغاضي عن خطئه، أفضل مِن الانتِقَام منه، قال تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشُّورى:40]، وهذا فيما يتعلَّق بحقوق العباد مِن ضربٍ وتعدِّي أو تجنِّي ونحو ذلك.
وأمَّا إن كان الاعتداء حاصلًا في شيء مِن حقوق الله، كالجور في الحكم بين الخصوم، أو الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) في الأهل ونحو ذلك، فإنَّ الاعتداء بالمثْل حينئذ لا يجوز.
فليس لك أن تجور في الحكم، ولا أن تخونه في أهله؛ لأنَّ ذلك اعتداء على حقوق الله وحدوده.
قال القرطبيُّ في تفسير قوله تعالى: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [الشُّورى: 40].
وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا قال العلماء: جعل الله المؤمنين صنفين؛ صنفٌ يعفون عن الظَّالم، فبدأ بذكرهم في وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشُّورى: 37] وصنفٌ ينتصرون من ظالمهم. ثمَّ بيَّن حدَّ الانتصار بقوله: وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فينتصر ممَّن ظلمه مِن غير أن يعتدي.
قال مقاتل وهشام بن حُجَير: هذا في المجروح ينتقم مِن الجارح بالقِصَاص دون غيره مِن سبٍّ أو شتمٍ) .
قال ابن رجب الحنبليُّ: (وأما قوله: وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ [الشُّورى: 39]، فليس منافيًا للعفو، فإنَّ الانتصار يكون بإظهار القُدْرة على الانتِقَام، ثمَّ يقع العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) بعد ذلك، فيكون أتمَّ وأكمل) .
قال الأبشيهي: (والذي يجب على العاقل إذا أَمْكَنه الله تعالى أن لا يجعل العقوبة شيمته، وإن كان ولا بدَّ مِن الانتِقَام، فليرفق في انتقامه، إلَّا أن يكون حدًّا مِن حدود الله تعالى) .

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:06 PM
أسباب الوقوع في الانتِقَام

مِن أسباب الوقوع في الانتِقَام:
1- عدم التَّحلِّي بالحِلْم والصَّبر.
2- عدم التَّحلِّي بالعفو والصَّفح.
3- عدم القُدْرَة على كَظْم الغَيْظ.
4- الغضب، وهو مِن أهمِّ الأسباب المؤدِّية إلى إيقاع الأذى بالشَّخص المنتقم منه، فالإنسان عندما يغضب، تدعوه نفسه إلى البطش والانتِقَام.
5- العداوة والبغضاء والحقد:
قال الغزَّالي: (فإنَّ مَن آذاه شخصٌ بسببٍ مِن الأسباب، وخالفه في غرضٍ بوجهٍ مِن الوجوه، أبغضه قلبه وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد، والحقد يقتضي التَّشفِّي والانتِقام، فإن عجز المبْغِض عن أن يتشفَّى بنفسه، أحبَّ أن يتشفَّى منه الزَّمان، وربَّما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما أصابت عدوَّه بليَّةٌ فرح بها، وظنَّها مكافأة له مِن جهة الله على بغضه، وأنَّها لأجله، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك؛ لأنَّه ضدُّ مراده، وربَّما يخطر له أنَّه لا منزلة له عند الله، حيث لم ينتقم له مِن عدوِّه الذي آذاه، بل أنعم عليه) .
6- تسمية بعض الجهَّال الانتِقَام شجاعةً ورجولةً وعزَّة نفسٍ وكِبر همَّة، وتلقيبه بالألقاب المحمودة غباوةً وجهلًا، حتى تميل النَّفس إليه وتستحسنه.
7- وقوع أذية أو إساءة تدفع إلى الرغبة في الانتقام.

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:09 PM
الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام

مِن الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام:
1- تذكُّر انتقام الله مِن أهل معاصيه:
قال تعالى: أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5]. قال: (أيَّامه التي انتقم فيها مِن أهل معاصيه مِن الأمم، خوَّفهم بها، وحذَّرهم إيَّاها، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين مِن قبلهم) .

2-
العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) والصَّفح:
الإنسان إذا عفا وأحسن، أورثه ذلك مِن سلامة القلب لإخوانه، ونقائه مِن طلب الانتِقَام وإرادة الشَّرِّ، وحصل له مِن حلاوة العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) ما يزيد لذَّته ومنفعته عاجلًا وآجلًا .
قال ابن حبَّان: (ولم يُقْرَن شيءٌ إلى شيءٍ أحسن مِن عفوٍ إلى مَقْدِرة. والحِلْم أجمل ما يكون مِن المقتدر على الانتِقَام) .
وعن ابن السَّمَّاك أنَّ رجلًا مِن قريش -عظيم الخطر في سالف الدَّهر- كان يطالب رجلًا بذَحْلٍ، وألحَّ في طلبه، فلمَّا ظفر به، قال: لولا أنَّ المقدرة تُذْهِب بالحفيظة لانتقمت منك، ثمَّ عفا عنه .
3- كَظْم الغَيْظ:
قال تعالى: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 133-134].
قال السعدي: (قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم مِن غيرهم أذيَّةٌ توجب غيظهم، وهو امتلاء قلوبهم مِن الحَنْق الموجب للانتقام بالقول والفعل، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطِّباع البشريَّة، بل يكظمون ما في القلوب مِن الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المسيء إليهم) .
4- تجنُّب السُّخرية والاستهزاء بين أفراد المجتمع:
فشيوع أمثال هذه الأخلاق يبْذُر بذور العداوة والبغضاء بين الناس، ويوَلِّد الرَّغبة في الانتِقَام.
5- الخوف مِن ضياع الزَّمان والعمر، وتفرُّق القلب وفَوْت المصالح:
أن يعلم أنَّه إذا اشتغلت نفسه بالانتِقَام وطلب المقَابَلة، ضاع عليه زمانه، وتفرَّق عليه قلبه، وفاته مِن مصالحه ما لا يمكن استدراكه .
6- التَّفكير بأنَّ في الانتِقَام زيادة شرِّ الخصومة:
فإذا انتقم لنفسه، تسبَّب إلى زيادة شرِّ خصمه.
7- فراغ القلب مِن الاشتغال به والفِكْر فيه:
وأن يقصد أن يمحوه مِن باله كلَّما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفِكر فيه .
8- الإقبال على الله والإخلاص له، وذلك في كلِّ وقت وحين.
9- دفع أسباب الانتِقَام: ومنها الغضب: ولا يأتي إلَّا عند هيجانه، فلا بدَّ مِن معرفة العلاج للغضب عند هيجانه؛ حتى يتسنَّى للمرء التَّخلُّص مِن هذه المعضلة، وقد ذكر الغزَّالي أسباب علاج الغضب، فقال: (وإنَّما يُعَالَج

الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) عند هيجانه بمعجون العلم والعمل، وأمَّا العلم فهو أمور:
الأوَّل: أن يتفكَّر فيما ورد في فضل كَظْم الغَيْظ والعفو والحِلْم والاحتمال، فيرغب في ثوابه، وتمنعه الرَّغبة في الأجر عن الانتِقَام، وينطفئ عنه غيظه.
الثَّاني: أن يخوِّف نفسه بعقاب الله لو أمضى غضبه، وهل يأمن مِن غضب الله يوم القيامة، وهو أحوج ما يكون إلى العفو.
الثَّالث: أن يحذِّر نفسه عاقبة العداوة والانتِقَام، وتشمُّر العدو لمقابلته، والسَّعي في هدم أغراضه، والشَّماتة بمصائبه، وهو لا يخلو عن المصائب، فيخوِّف نفسه بعواقب الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) في الدُّنيا، إن كان لا يخاف مِن الآخرة.
الرَّابع: أن يتفكَّر في قُبْح صورته عند الغضب، بأن يتذكَّر صورة غيره في حالة الغضب، ويتفكَّر في قُبْح الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) في نفسه، ومشابهة صاحبه للكلب الضَّاري والسَّبع العادي، ومشابهة الحليم الهادي التَّارك للغضب للأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء، ويخيِّر نفسه بين أن يتشبَّه بالكلاب والسِّباع وأراذل النَّاس، وبين أن يتشبَّه بالعلماء والأنبياء في عادتهم؛ لتميل نفسه إلى حب الاقتداء بهؤلاء إن كان قد بقي معه مُسْكَةٌ مِن عقل.
الخامس: أن يتفكَّر في السَّبب الذي يدعوه إلى الانتِقَام، ويمنعه مِن كَظْم الغَيْظ، مثل قول الشَّيطان له: إنَّ هذا يحمل منك على العجز والذِّلَّة وتصير حقيرًا في أعين النَّاس. فيقول لنفسه: (ما أعجبك! تأنفين مِن الاحتمال الآن، ولا تأنفين مِن خزي يوم القيامة، ولا تحذرين مِن أن تصغري عند الله والملائكة والنَّبيين). فمهما كَظَم الغَيْظ فينبغي أن يكظمه لله، وذلك يعظِّمه عند الله، فما له وللنَّاس؟!
السَّادس: أن يستشعر لذَّة العفو، فلو علم النَّاس أنَّ لذَّة العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) خيرٌ مِن لذَّة التَّشفِّي؛ لأنَّ العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) يأتي بالحمد، والتَّشفِّي يأتي بالنَّدم، لو علموا هذا ما انتقم لنفسه إنسان، لأنَّه لو فعل كلُّ إنسان هذا، وانتقم لنفسه لانحطَّ عالم الإنسان إلى دَرْك السِّباع والوحوش.
وأمَّا العمل: فأن تقول بلسانك: أعوذ بالله مِن الشَّيطان الرَّجيم، وإن كنت قائمًا فاجلس، وإن كنت جالسًا فاضطجع، ويُستحبُّ أن يتوضأ بالماء البارد؛ فإنَّ الغضب (http://dorar.net/enc/akhlaq/2484) مِن النَّار، والنَّار لا يطفئها إلا الماء .

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:12 PM
الحِكَم والأمثال في الانتِقَام
- أَلْأَم أعمال المقتدرين الانتِقام .
- قولهم: لا قرارَ عَلى زَأرٍ مِن الأَسَد.
يُضْرَب مثلًا للمتوعِّد القادر على الانتِقَام، وقولٌ مِن قول النَّابغة.


نُبِّئت أنَّ أبا قابوس أوعدني *** ولا قرارَ على زأرٍ مِن الأَسَد



- ضَغا مِنِّي وهو ضَغَاء.
يُضْرَب لمن لا يقدر مِن الانتِقَام إلَّا على صِياح .
- لَم يُشْطِط مَن انتَقَم.
هذا منتزعٌ مِن قوله تعالى: وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ [الشُّورى: 41] .

-
العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) أشدُّ أنواع الانتِقَام .
- وقال بعض الحكماء: (إذا ظَلَمْتَ فاحذر الانتِقَام؛ فإنَّ الظُّلم لا يُكسبك خيرًا، إنَّك لا تجد عند أصحاب السُّوء جميلًا) .
- وقال بعضهم: (لا يحملنَّك الحَنَق على اقتراف إثم؛ يشفي غيظك، ويسقم دينك) .
- وقيل: (مَن انتقم فقد شَفَى غَيْظَه، وأخذ حقَّه، فلم يجب شُكره، ولم يُحْمَد في العالمين ذِكْرُه) .
- والعرب تقول: (لا سؤدد مع الانتِقَام) .

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:19 PM
ذم الانتِقَام في واحة الشِّعر
قال الشَّاعر:


إذا انتقموا أعلنوا أمرَهم *** وإن أنعموا أنعموا باكتتامِ



يقومُ القعودُ إذا أقبلوا *** وتقعدُ هيبتُهم بالقيامِ



وقال المأمون لإبراهيم بن المهدي: إنِّي شاورت في أمرك فأشاروا عليَّ ب***ك، إلَّا أنِّي وجدتُ قَدْرَك فوق ذنبك، فكرهت ال*** للازم حُرْمَتك. فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ المشار أشار، ممَّا جرت به العادة في السِّياسة، إلَّا أنَّك أبيت أن تطلب النَّصر إلَّا مِن حيث عوَّدته مِن العفو، فإن ***ت فلك نظير، وإن عفوت، فلا نظير لك، وأنشأ يقول:


البرُّ بي منك وَطَّا العذرَ عندكَ لي *** فيما فعلتَ فلم تعذِلْ ولم تَلُمِ



وقامَ عذرُك لي فاحتجَّ عندك لي *** مقامُ شاهدِ عدلٍ غيرَ متَّهمِ



لئن جحدتُك ما أوليتَ مِن نعمٍ *** إنِّي لفي اللَّومِ أولى منك بالكَرِم



تعفو بعدلٍ وتسطو إن سطوتَ به *** فلا عَدِمْنَاك مِن عافٍ ومنتقمِ



وقال الشَّاعر مبينًا سبب تركه للانتقام ممَّن يتعدَّى عليه:


إذا كان دوني مَن بُليت بجهلِه *** أبيتُ لنفسي أن أقابلَ بالجهلِ



وإن كان مثلي في محلِّي مِن العُلا *** هويت إذَا حِلْمًا وصَفْحًا عن الْمَثْلِ



وإن كنتُ أَدنَى منه في الفضلِ والحجا *** فإن له حقَّ التَّقَدُّمِ والفضلِ



وقال آخر:


إن يُمْكِنِ الدَّهرُ فسوف أنتقمُ *** أوْ لا فإنَّ العفو (http://dorar.net/enc/akhlaq/1031) أولى للكَرَم



وقال جرير:


عوى الشُّعراءُ بعضُهم لبعضٍ *** عليَّ فَقَدْ أصابهم انتقامُ



إذا أرسلتُ صاعقةً عليهم *** رأوا أخرى تحرقُ فاستداموا



وقال معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنه في ترك الانتِقَام ممَّن تعدَّى عليك بالشَّتم:


وما قَتَلَ السَّفاهةَ مثلُ حِلْمٍ *** يعودُ به على الجهلِ الحليمُ



فلا تسفهْ وإن مُلِّيتَ غيظًا *** على أحدٍ فإنَّ الفحشَ لُومُ



ولا تقطعْ أخًا لك عندَ ذنبٍ *** فإنَّ الذَّنبَ يعفوه الكريمُ

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:24 PM
http://img15.hostingpics.net/pics/165424mawssou3a.png (http://www.google.com.eg/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3GQ6YnWNUXWCM&tbnid=Ybv-Crg6W5x9FM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fwww.mltzm.com%2Fvb%2Fshowthread.p hp%3Ft%3D40126&ei=hY7qUfTlIYiJPbfwgAg&psig=AFQjCNHy2kXZQH2s-Jm59h3W907Wk45tLQ&ust=1374412801497316)


البخل والشح

معنى البخل والشح لغةً واصطلاحًا

معنى البخل لغةً:
البُخْلُ ضِدُّ الكَرَمِ والجُودِ، وقد بَخِلَ بكذا: أي ضنَّ بما عنده ولم يجُدْ، ويقال: هو بخيل وباخل، وجمعه بخلاء، والبَخَّال: الشَّديد: البُخْل .
معنى البخل اصطلاحًا:
قال الراغب الأصفهاني: (البُخْلُ: إمساك المقتنيات عما لا يحق حبسها عنه) .
وقال الجرجاني: (البخل هو المنع من مال نفسه) .
وقال ابن حجر: (البخل هو منع ما يطلب مما يقتنى، وشره ما كان طالبه مستحقًّا، ولا سيما إن كان من غير مال المسئول) .
وقال الفيومي: (البخل في الشرع: منع الواجب) .
معنى الشح لغةً:
الشُّحُّ: البُخْل مَع حِرْصٍ. تقول: شَحَّ يَشُحُّ مِن باب قَـتَل، وفي لُغة مِن بابَيْ ضَرَب وتَعِب، ورجل شحيح وقوم شِحاح وأشِحَّة وأشحاء، وتَشاحَّ القوم: إذا شَحَّ بعضهم على بعض .
معنى الشحِّ اصطلاحًا:
قال النووي: (الشحُّ: هو البخل بأداء الحقوق، والحرص على ما ليس له) .
وقال الطبري: (الشحُّ: الإفراط في الحرص على الشيء) .
وقال الراغب الأصفهاني: (الشحُّ: بخل مع حرص، وذلك فيما كان عادة) .

محمد رافع 52
20-07-2013, 03:28 PM
الفرق بين البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح
اختلف أهل العلم في البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح، هل هما مترادفان أم لكلِّ واحد منهما معنى غير معنى الآخر، وقد بين الطِّيبي أن الفرق بينهما عسير جدًّا وسنعرض هنا بعضًا من أقوال العلماء في الفرق بينهما:
- يرى ابن مسعود رضي الله عنه: أن البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) هو البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بما في اليد من مال، أما الشح فهو أن يأكل المرء مال الآخرين بغير حقٍّ، فقد (قال له رجل: إني أخاف أن أكون قد هلكت قال: وما ذاك قال: إني سمعت الله يقول: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]. وأنا رجل شحيح، لا يكاد يخرج مني شيء، فقال له ابن مسعود رضي الله عنه: ليس ذاك بالشحِّ، ولكنه البخل، ولا خير في البخل، وإنَّ الشحَّ الذي ذكره الله في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلمًا) .
- وفرَّق ابن عمر بين الشحِّ والبخل، فقال: (ليس الشحيح أن يمنع الرجل ماله، ولكنه البخل، وإنه لشرٌّ، إنما الشحُّ أن تطمح عين الرجل إلى ما ليس له) .
- وقيل أنهما مترادفان لهما نفس المعنى .
- (وقيل: البخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك، والشحُّ: الحرص على تحصيل ما ليس عندك) .
- وقيل: (البخل منع الواجب، والشحُّ منع المستحب) . وهؤلاء قالوا: إن منع المستحب لا يمكن أن يكون بخلًا لعدة أمور:
أحدها: أن الآية دالة على الوعيد الشديد في البخل، والوعيد لا يليق إلا بالواجب.

وثانيها: أنه تعالى ذم
البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) وعابه، ومنع التطوع لا يجوز أن يذمَّ فاعله، وأن يعاب به.
وثالثها: وهو أنه تعالى لا ينفك عن ترك التفضل؛ لأنه لا نهاية لمقدوراته في التفضل، وكلُّ ما يدخل في الوجود فهو متناه، فيكون لا محالة تاركًا التفضل، فلو كان ترك التفضل بخلًا لزم أن يكون الله تعالى موصوفًا بالبخل لا محالة، تعالى الله عز وجل عنه علوًّا كبيرًا.
ورابعها: قال عليه الصلاة والسلام: ((وأيُّ داء أدوأ من البخل)) . ومعلوم أن تارك التطوع لا يليق به هذا الوصف.
وخامسها: أنه لو كان تارك التفضل بخيلًا لوجب فيمن يملك المال كلَّه العظيم أن لا يتخلص من

البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) إلا بإخراج الكلِّ.
وسادسها: أنه تعالى قال: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة: 3] وكلمة من للتبعيض، فكان المراد من هذه الآية: الذين ينفقون بعض ما رزقهم الله، ثم إنه تعالى قال في صفتهم: أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5]. فوصفهم بالهدى والفلاح، ولو كان تارك التطوع بخيلًا مذمومًا لما صحَّ ذلك. فثبت بهذه الآية أن البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) عبارة عن ترك الواجب .
- وقيل: (البخل هو المنع من مال نفسه، والشحُّ هو بخل الرجل من مال غيره ...).
- وقيل: (البخل هو نفس المنع، والشحُّ الحالة النفسية التي تقتضي ذلك المنع) .
- وقيل: إنَّ الشحَّ هو البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) مع زيادة الحرص، وهو ما رجَّحه القرطبي، فقال: (وقيل: إنَّ الشحَّ هو البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) مع حرص. وهو الصحيح لما رواه مسلم عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صَلَّى اللَّه عليه وسَلَّم قال: ((اتَّقوا الظلم؛ فإنَّ الظلم (http://dorar.net/enc/akhlaq/2346) ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ؛ فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم)) . وهذا يردُّ قول من قال: إنَّ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) منع الواجب، والشحُّ منع المستحب. إذ لو كان الشحُّ منع المستحب لما دخل تحت هذا الوعيد العظيم، والذمِّ الشديد الذي فيه هلاك الدنيا والآخرة. ويؤيد هذا المعنى ما رواه النسائي عن أبي هريرة عن النبي صَلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري رجل مسلم أبدًا، ولا يجتمع شحٌّ وإيمان في قلب رجل مسلم أبدًا)) ).
- ويرى ابن القيم أنَّ (الفرق بين الشحِّ والبخل: أنَّ الشحَّ هو شدة الحرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله، وحبه، وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشحِّ، والشحُّ يدعو إلى البخل، والشحُّ كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحَّه، ومن لم يبخل فقد عصى شحَّه ووقي شرَّه، وذلك هو المفلح وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9]) .

mabrok
20-07-2013, 10:05 PM
http://www8.0zz0.com/2013/02/16/00/997280603.gif

محمد رافع 52
21-07-2013, 12:25 AM
http://www8.0zz0.com/2013/02/16/00/997280603.gif
جزاكم الله عنا خيراً
وبارك فيكم ورضى عنكم

محمد رافع 52
23-07-2013, 12:19 AM
أولًا: في القرآن الكريم

1- الآيات الواردة في ذم البخل:
البخل خلق مكروه ذمَّه الله تبارك وتعالى في غير آية من كتابه الكريم، وتوعَّد أصحابه بوعيد شديد، وعقوبات تلحقهم في الدنيا والآخرة، وسنذكر بعضًا من تلك الآيات الكريمة.
- قال الله تبارك وتعالى:وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [آل عمران: 180].
(أي ولا يظنُّ الذين يبخلون، أي: يمنعون ما عندهم مما آتاهم الله من فضله، من المال والجاه والعلم، وغير ذلك مما منحهم الله، وأحسن إليهم به، وأمرهم ببذل ما لا يضرُّهم منه لعباده، فبخلوا بذلك، وأمسكوه، وضنُّوا به على عباد الله، وظنُّوا أنَّه خير لهم، بل هو شرٌّ لهم، في دينهم ودنياهم، وعاجلهم وآجلهم سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 180] أي: يجعل ما بخلوا به طوقًا في أعناقهم، يعذَّبون به) .
- وقال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء: 36-37].
قال ابن تيمية: (قَدْ تُؤُوِّلَتْ في البُخْل بالمال والمنع والبخل بالعلم ونحوه، وهي تَعُمُّ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بكلِّ ما ينفع في الدِّين والدُّنيا مِن علم ومال وغير ذلك) .
(والمراد بالبخل في الآية البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بالإحسان الذي أمر به فيما تقدم، فيشمل البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بلين الكلام، وإلقاء السلام، والنصح في التعليم، وإنقاذ المشرف على التهلكة، وكتمان ما آتاهم الله من فضله يشمل كتمان المال، وكتمان العلم) .
- وقال تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [الحديد: 24].
(أي: يجمعون بين الأمرين الذميمين، اللذين كلٌّ منهما كافٍ في الشرِّ: البخل: وهو منع الحقوق الواجبة، ويأمرون الناس بذلك، فلم يكفهم بخلهم، حتى أمروا الناس بذلك، وحثوهم على هذا الخلق الذميم، بقولهم وفعلهم، وهذا من إعراضهم عن طاعة ربهم، وتوليهم عنها...) .
2- الآيات الواردة في ذم الشح:
- قال تعالى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [ النساء: 128 ].
قال الطبري: (اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: وأُحضرت أنفس النساء الشحَّ على أنصبائهنَّ من أنفس أزواجهنَّ وأموالهم ... وقال آخرون: معنى ذلك: وأُحضرت نفس كلِّ واحد من الرجل والمرأة، الشحَّ بحقِّه قبل صاحبه ... وأولى القولين في ذلك بالصواب، قول من قال: عنى بذلك: أحضرت أنفس النساء الشحَّ بأنصبائهنَّ من أزواجهنَّ في الأيام والنفقة. والشحُّ: الإفراط في الحرص على الشيء، وهو في هذا الموضع: إفراط حرص المرأة على نصيبها من أيامها من زوجها ونفقتها. فتأويل الكلام: وأُحضرت أنفس النساء أهواءهنَّ، من فرط الحرص على حقوقهن من أزواجهنَّ، والشح بذلك على ضرائرهنَّ) .
قال السعدي: (وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ أي: (جبلت النفوس على الشحِّ، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحقِّ الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضدَّه وهو السماحة، وهو بذل الحقِّ الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحقِّ الذي لك. فمتى وُفِّق الإنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهَّلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشحِّ من نفسه، فإنَّه يعسر عليه الصلح والموافقة؛ لأنَّه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتدَّ الأمر) .
- وقال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
قال الطبري: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ. يقول تعالى ذكره: من وقاه الله شح نفسه فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَالمخلدون في الجنة... وأما العلماء فإنهم يرون أنَّ الشحَّ في هذا الموضع إنما هو أكل أموال الناس بغير حقٍّ) .
قال ابن كثير: (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] أي: من سلم من الشحِّ فقد أفلح وأنجح) .
قال السعدي: (من رزق الإيثار (http://dorar.net/enc/akhlaq/133) فقد وقي شح نفسه وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9] ووقاية شح النفس، يشمل وقايتها الشح، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعًا منقادًا، منشرحًا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبًا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل الله وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شح نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر ومادته) .

محمد رافع 52
23-07-2013, 12:23 AM
ثانيًا: في السنة النبوية

- عن أنس بن مالك، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والجبن والبخل، وضلع الدين، وغلبة الرجال)) .


يقول ابن القيم تعليقًا على هذا الحديث: (...ثم ذكر

الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) والبخل فإنَّ الإحسان (http://dorar.net/enc/akhlaq/70) المتوقَّع من العبد إما بماله؛ وإما ببدنه؛ فالبخيل مانع لنفع ماله، والجبان مانع لنفع بدنه ...) .

وقال: (والجبن والبخل قرينان: فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد، قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه، حتى تغشي أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة مكانها، قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: بإصبعه في جيبه، فلو رأيته يوسعها ولا توسع)) .
قال ابن القيم تعليقًا على هذا الحديث: (لما كان البخيل محبوسًا عن الإحسان، ممنوعًا عن البرِّ والخير، وكان جزاؤه من *** عمله؛ فهو ضيق الصدر، ممنوع من الانشراح، ضيق العطن، صغير النفس، قليل الفرح، كثير الهمِّ والغمِّ والحزن، لا يكاد تقضى له حاجة، ولا يعان على مطلوب، فهو كرجل عليه جبة من حديد قد جمعت يداه إلى عنقه، بحيث لا يتمكن من إخراجها ولا حركتها، وكلما أراد إخراجها أو توسيع تلك الجبة؛ لزمت كلُّ حلقة من حلقها موضعها، وهكذا البخيل كلما أراد أن يتصدق منعه بخله فبقي قلبه في سجنه كما هو) .
- وعن جابر رضي الله عنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا بني سلمة من سيدكم قالوا: الجدُّ بن قيس وإنا لنبخِّله. قال: وأيُّ داء أدوأ من البخل؟! بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح)). قال: وكان على أضيافهم في الجاهلية، قال: وكان يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوَّج .
قال المناوي: (أيُّ عيب أقبح منه؛ لأنَّ من ترك الإنفاق خوف الإملاق لم يصدق الشارع، فهو داء مؤلم لصاحبه في الآخرة، وإن لم يكن مؤلمًا في الدنيا) .
- وعن جابر بن عبد الله، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظلم، فإنَّ الظلم (http://dorar.net/enc/akhlaq/2346) ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم)) .
قال النووي: (قوله صلى الله عليه وسلم: (واتقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم). قال القاضي: يحتمل أنَّ هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنَّه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة) .
- وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويُلقَى الشحُّ، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج)). قالوا: يا رسول الله، أيُّمَ هو؟ قال: ((ال*** ال***)) .
قال ابن حجر: (أما قوله: ويلقى الشح. فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم؛ حتى يبخل العالم بعلمه، فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد وجود أصل الشحِّ؛ لأنَّه لم يزل موجودًا) .
وقال ابن الجوزي: (قوله: يلقى الشح. على وجهين: أحدهما يلقى من القلوب، يدل عليه قوله: ويفيض المال. والثاني: يلقى في القلوب، فيوضع في قلب من لا شحَّ عنده، ويزيد في قلب الشحيح. ووجه هذا أنَّ الحديث خارج مخرج الذمِّ، فوقوع الشحِّ في القلوب مع كثرة المال أبلغ في الذمِّ) .

مستر محمد سلام
23-07-2013, 01:17 AM
جزاااااااااااااااااكم الله خيراااااااااااااااااااااااا
استاذ محمد

محمد رافع 52
25-07-2013, 01:52 PM
جزاااااااااااااااااكم الله خيراااااااااااااااااااااااا
استاذ محمد

بارك الله فيك
اخى وحبيبى فى الله

محمد رافع 52
28-07-2013, 12:58 AM
أقوال السلف والعلماء في البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح
- قال علي رضي الله عنه: (البخل جلباب المسكنة، وربما دخل السخيُّ بسخائه الجنة) .
- وقال طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: (إنا لنجد بأموالنا ما يجد البخلاء؛ لكننا نتصبر) .
- وسئل الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما عن البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) فقال: (هو أن يرى الرجل ما ينفقه تلفًا، وما يمسكه شرفًا) .
- وعَن طاووس قال: (البخل: أن يبخل الإنسان بما في يديه) .
- وقال محمد بن المنكدر: (كان يقال: إذا أراد الله بقوم شرًّا أمَّر الله عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم) .
- وقال أبو حنيفة: (لا أرى أن أُعدِّل بخيلًا؛ لأنَّ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) يحمله على الاستقصاء؛ فيأخذ فوق حقه خيفة من أن يغبن، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة) .
- وقال بشر بن الحارث: (البخيل لا غيبة له؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إنك إذًا لبخيل)) . ومدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ((صوَّامة قوَّامة إلا أن فيها بخلًا، قال: فما خيرها إذن؟)).) .
- وقال: (النظر إلى البخيل يقسي القلب، ولقاء البخلاء كرب على قلوب المؤمنين) .
- وقال: (لا تزوِّج البخيل ولا تعامله، ما أقبح القارئ أن يكون بخيلًا) .
- قالت أمُّ البنين أخت عمر بن عبد العزيز: (أفٍّ للبخيل.. لو كان البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) قميصًا ما لبسته، ولو كان طريقًا ما سلكته) .
- وقال الشعبي: (لا أدري أيهما أبعد غورًا في نار جهنم البخل، أو الكذب) .
- قال حبيش بن مبشر الثقفي الفقيه: (قعدت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين، والناس متوافرون فأجمعوا أنهم لا يعرفون رجلًا صالحًا بخيلًا) .
- وقال يحيى بن معاذ: (ما في القلب للأسخياء إلا حبٌّ؛ ولو كانوا فجارًا، وللبخلاء إلا بغض؛ ولو كانوا أبرارًا) .
- وقال ابن المعتز: (أبخل الناس بماله أجودهم بعرضه) .
- وقال أيضًا: (بشِّرْ مال البخيل بحادث، أو وارث) .
- وقال ابن القيم: (والجبن والبخل قرينان: فإن عدم النفع منه إن كان ببدنه فهو الجبن، وإن كان بماله فهو البخل) .
- وقال الماوردي: (الحرص والشحُّ أصل لكلِّ ذم، وسبب لكلِّ لؤم؛ لأنَّ الشحَّ يمنع من أداء الحقوق، ويبعث على القطيعة والعقوق) .

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:04 AM
آثار البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح

أولًا: آثار البخل
1- الحرمان من الأجر المترتب على الإنفاق في أبواب الخير.
2- سبب في ضعف الإيمان واضمحلاله؛ لما فيه من سوء الظنِّ بالله.
3- كراهية الناس له، فهو مبغوض مكروه حتى من أقرب الناس إليه كزوجته وأبنائه وأقربائه، بل قد يصل بهم الحد إلى أن يدعوا عليه، ويتمنوا موته؛ حتى يستطيعوا التنعم بما حرمهم منه من أموال.
4- سبب لحرمان الرزق، فكما أن الإنفاق سبب في زيادة الرزق وسعته، فإنَّ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح سبب في تضييقه.
5- الوقوع في الإثم بسبب منعه لما يجب عليه من حقوق وواجبات.
6- حرمان البخيل الشحيح لنفسه ولغيره من لذائذ الدُّنيا المباحة.
7- ومن ضررهما في الدنيا تعريض مال الغني للضياع والنهب والسرقة والأحقاد، وفي عصرنا وغيره ظهور الحملات الشنيعة على الأغنياء المترفين، وانتشار الأفكار والنظريات المسماة بالاشتراكية التي ظهرت لتقويض أركان الرأسمالية .
8- سبب لكشف عيوب المرء، وإظهارها للخلق.
قال شمس الدين السفيري: (والسخاء والكرم سبب لستر العيوب، والبخل والشح سبب جالب لكشفها كما أشار إليه بعضهم بقوله:

ويظهر عيب المرء في الناس بخله ***ويستره عنهم جميعًا سخاؤه



تغطَّ بأثواب السخاء فإنني ***أرى كلَّ عيب والسخاء غطاؤه)



9- الحرص على ملازمة الأسواق لجمع المال، والأسواق هي معشش الشياطين .
10- البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) صنو لعدد من الأخلاق السيئة التي يجر بعضها بعضًا، كالجهل والحسد وسوء الظنِّ بالله وغيرها من الأخلاق الرديئة، (ولهذا قيل في حدِّ البخل: جهل مقرون بسوء الظن) .
11- والبخل صفة غير لائقة بأهل الإسلام، بل هي سجية عرف بها اليهود قديمًا وحديثًا، قال الشوكاني: (البخل قد لزم اليهود لزوم الظلِّ للشمس، فلا ترى يهوديًّا، وإن كان ماله في غاية الكثرة، إلا وهو من أبخل خلق الله) .
12- (البخل محو صفات الإنسانية، وإثبات عادات الحيوانية) .
13- ما ينتظر البخيل والشحيح من عقاب أخروي وطول حساب، خاصة إذا كان بخله قد أداه إلى عدم تأدية ما فرض الله عليه من زكاة، وإنفاق على من تجب نفقتهم عليه.
14- إفساد العلاقات بين الناس وإعاقة الصلح بينهم:
قال تعالى: وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: 128].
قال السعدي: (اعلم أنَّ كلَّ حكم من الأحكام لا يتمُّ ولا يكمل إلا بوجود مقتضيه وانتفاء موانعه، فمن ذلك هذا الحكم الكبير الذي هو الصلح، فذكر تعالى المقتضي لذلك ونبَّه على أنَّه خير، والخير كلُّ عاقل يطلبه ويرغب فيه، فإن كان -مع ذلك- قد أمر الله به وحثَّ عليه ازداد المؤمن طلبًا له ورغبة فيه.وذكر المانع بقوله: وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ أي: جُبلت النفوس على الشحِّ، وهو: عدم الرغبة في بذل ما على الإنسان، والحرص على الحقِّ الذي له، فالنفوس مجبولة على ذلك طبعًا، أي: فينبغي لكم أن تحرصوا على قلع هذا الخلق الدنيء من نفوسكم، وتستبدلوا به ضدَّه وهو السماحة، وهو بذل الحقِّ الذي عليك؛ والاقتناع ببعض الحقِّ الذي لك. فمتى وُفِّق الإنسان لهذا الخلق الحسن سهل حينئذ عليه الصلح بينه وبين خصمه ومعامله، وتسهلت الطريق للوصول إلى المطلوب. بخلاف من لم يجتهد في إزالة الشح من نفسه، فإنَّه يعسر عليه الصلح والموافقة؛ لأنَّه لا يرضيه إلا جميع ماله، ولا يرضى أن يؤدِّي ما عليه، فإن كان خصمه مثله اشتدَّ الأمر) .

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:08 AM
ثانيًا: آثار الشح
1- الشحُّ من صفات المنافقين:
قال تعالى -في وصف المنافقين-: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا [ الأحزاب: 19].
قال الطبري: (إن الله وصف هؤلاء المنافقين بالجبن والشحِّ، ولم يخصص وصفهم من معاني الشحِّ، بمعنى دون معنى، فهم كما وصفهم الله به: أشحَّة على المؤمنين بالغنيمة، والخير، والنفقة في سبيل الله على أهل مسكنة المسلمين) .
2- الإنسان الشحيح لا خير فيه ولا عنده:

قوله تعالى أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ قال ابن كثير: (وهم مع ذلك أشحة على الخير، أي: ليس فيهم خير، قد جمعوا
الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) والكذب وقلة الخير) .

3- الشحُّ أسوأ صفات الإنسان:
قوله تعالى أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ قال السعدي: (أشحَّة على الخير: الذي يُراد منهم، وهذا شرُّ ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله، شحيحًا بجاهه، شحيحًا بعلمه، ونصيحته ورأيه) .
4- الشحُّ سبب في الهلاك وفساد المجتمع:
عن جابر بن عبد الله أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظلم؛ فإنَّ الظلم (http://dorar.net/enc/akhlaq/2346) ظلمات يوم القيامة، واتَّقوا الشحَّ، فإنَّ الشحَّ أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم)) .
5- يوقع الإنسان في كبائر الذنوب:
ومن ذلك سفك الدماء واستحلال المحارم، كما مرَّ في حديث جابر بن عبد الله السابق.
6- سبب في الخسران في الدنيا والآخرة:
قال تعالى: وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر: 9].
قال السعدي: (لعلَّ ذلك -الوقاية من الشحِّ- شامل لكلِّ ما أمر به العبد، ونهي عنه، فإنَّه إن كانت نفسه شحيحة، لا تنقاد لما أمرت به، ولا تخرج ما قبلها، لم يفلح، بل خسر الدنيا والآخرة) .

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:11 AM
حكم البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح
ليس للبخل حكمًا واحدًا ينطبق على جميع صوره وأنواعه، وإنما لكل صورة من صور البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) حكمًا خاصًّا بها، وإن كان البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) في عمومه مذمومًا مكروهًا، يقول ابن تيمية: (والبخل *** تحته أنواع كبائر وغير كبائر) .
فإن كان المنع بخلًا بواجب فهو محرم شرعًا، بل هو كبيرة من الكبائر توعَّد الله صاحبها بالعقوبة والعذاب،كمن منع الزكاة الواجبة بخلًا بالمال وحرصًا عليه، قال ابن تيمية: (فإنَّ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) من الكبائر، وهو منع الواجبات: من الزكاة، وصلة الرحم، وقرى الضيف، وترك الإعطاء في النوائب، وترك الإنفاق في سبيل الله) .
أشد درجات البخل:
قال ابن قدامة المقدسي: (وأشد درجات البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) أن يبخل الإنسان على نفسه مع الحاجة، فكم من بخيل يمسك المال، ويمرض فلا يتداوى، ويشتهي الشهوة فيمنعه منها البخل. فكم بين من يبخل على نفسه مع الحاجة، وبين ما يؤثر على نفسه مع الحاجة، فالأخلاق عطايا يضعها الله عزَّ وجلَّ حيث يشاء) .

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:15 AM
صور البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح
للبخل صور شتى ومظاهر متعددة فمن صوره ما يأتي:
1- البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بالمال والمقتنيات: وهذا بدوره ينقسم إلى أقسام عدة ذكرها الراغب فقال: (البخل ثلاثة:
- بخل الإنسان بماله.
- وبخله بمال غيره على غيره.
- وبخله على نفسه بمال غيره، وهو أقبح الثلاثة، والباخل بما بيده باخل بمال الله على نفسه وعياله؛ إذ المال عارية بيد الإنسان مستردة، ولا أحد أجهل ممن لا ينتقذ نفسه وعياله من العذاب الأليم بمال غيره، سيما إذا لم يخف من صاحبه تبعة ولا ملامة، والكفالة الإلهية متكفلة بتعويض المنفق، ففي الخبر: اللهم اجعل لمنفق خلفًا، ولممسك تلفًا، ومن وسَّع وسَّع الله عليه) .
2- البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بالنفس: كمن يبخل بنفسه أن يقدمها في سبيل الله رخيصة، وذلك تعلقًا منه بالدنيا وحرصًا عليها، وكراهية الموت، وهو على عكس من يجود بنفسه لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه، قال الشاعر:


يجود بالنفس إن ضنَّ البخيل بها***والجود بالنفس أعلى غاية الجود



ونقل ابن القيم عن بعض الحكماء أنه قال: (إنَّ الإحسان (http://dorar.net/enc/akhlaq/70) المتوقع من العبد؛ إما بماله، وإما ببدنه، فالبخيل مانع لنفع ماله، والجبان مانع لنفع بدنه، المشهور عند الناس أنَّ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) مستلزم الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) من غير عكس؛ لأنَّ من بخل بماله فهو بنفسه أبخل، والشَّجاعَة تستلزم الكرم من غير عكس؛ لأنَّ من جاد بنفسه فهو بماله أسمح وأجود). ثم قال: (وهذا الذي قالوه ليس بلازم أكثره، فإنَّ الشَّجاعة والكرم وأضدادها أخلاق وغرائز، قد تجمع في الرجل، وقد يعطى بعضها دون بعض، وقد شاهد الناس من أهل الإقدام والشَّجاعة والبأس من هو أبخل الناس، وهذا كثيرًا ما يوجد في أمة الترك، يكون أشجع من ليث، وأبخل من كلب، فالرجل قد يسمح بنفسه، ويضنُّ بماله، ولهذا يقاتل عليه حتى يُ***، فيبدأ بنفسه دونه، فمن الناس من يسمح بنفسه وماله، ومنهم من يبخل بنفسه، ومنهم من يسمح بماله ويبخل بنفسه، وعكسه، والأقسام الأربعة موجودة في الناس) .
3- البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بالجاه:
فترى صاحب الجاه والمنصب العلي يبخل بالمنفعة التي سيقدمها لمن يحتاجها، فلا يشفع إن طلبت منه الشفاعة، ولا يصلح إن طلب منه الصلح، ولا يسعى في حاجة الضعيف والمسكين وذي الحاجة.
4- البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بالعلم:
وهو من أسوأ أنواع البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) وأقبحها، بحيث يكتم صاحب العلم علمه عمن يحتاجه، فلا يُعلِّم ولا ينصح ولا يوجِّه، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء: 37].
قال ابن عباس: (هي في أهل الكتاب يقول: يكتمون، ويأمرون الناس بالكتمان) .
وقال حضرمي: (هم اليهود بخلوا بما عندهم من العلم، وكتموا ذلك).
وقال سعيد بن جبير: (كان علماء بني إسرائيل يبخلون بما عندهم من العلم، وينهون العلماء أن يعلموا الناس شيئًا؛ فعيَّرهم الله بذلك، فأنزل الله الَّذِينَ يَبْخَلُونَ. وقال: هذا في العلم ليس للدنيا منه شيء) .

وقال الطبري: (إنَّ بخلهم الذي وصفهم الله به إنما كان بخلًا بالعلم الذي كان الله آتاهموه، فبخلوا بتبيينه للناس، وكتموه دون
البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بالأموال) .
وقال السعدي: (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ أي: يمنعون ما عليهم من الحقوق الواجبة. وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ بأقوالهم وأفعالهم وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ أي: من العلم الذي يهتدي به الضالون، ويسترشد به الجاهلون، فيكتمونه عنهم، ويظهرون لهم من الباطل ما يحول بينهم وبين الحقِّ، فجمعوا بين البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) بالمال والبخل بالعلم، وبين السعي في خسارة أنفسهم وخسارة غيرهم، وهذه هي صفات الكافرين) .

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:17 AM
أسباب الوقوع في البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح
1- ضعف إيمان البخيل وسوء ظنِّه بالله، فهو يستثقل أمر الإنفاق، ويغفل عن تعويض الله له على ما أنفق، كما أنَّه يغيب عنه أنَّ هذا المال هو مال الله، وأنَّه لم يأتِ إلى الدُّنيا وبيده شيء منه.
2- الظلم (http://dorar.net/enc/akhlaq/2346) سبب آخر من أسباب البخل، حيث ينتج عنه تعطيل لحقوق الآخرين.
3- حب المال والتعلق به يورث هذه الصفة الدنيئة، والسجية القبيحة.
4- الظنُّ بأنَّ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) نوع من الذكاء والفطنة والتدبير لأمور الدنيا.
5- الخوف من المستقبل، والهلع من الفقر والحاجة التي يعد بها الشيطان الرجيم.
6- الخوف على الأبناء؛ فالأبناء مبخلة مجبنة.
7- النشأة والتربية، فقد ينشأ الشخص بين والدين بخيلين، أو مجتمع يتصف بالبخل؛ فيتشرب هذه الصفة ممن حوله، وتصبح سجية له.
8- عدم استشعار ما ينتظر البخيل من العقوبة يوم القيامة.
9- الغفلة عن الأجور المترتبة على الإنفاق، والقيام بالحقوق الواجبة.
10- طول الأمل، والتشبث بالحياة.

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:20 AM
الوسائل المعينة على ترك البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح
1- أن يحسن المرء الظنَّ بالله عزَّ وجلَّ، وليعلم أنَّ الله الذي أمره بالإنفاق قد تكفَّل له بالزيادة. وقد قيل: (قلة الجود (http://dorar.net/enc/akhlaq/380) سوء ظنٍّ بالمعبود).
2- الإكثار من الصدقة، وإن كان ذلك ثقيلًا على من اتصف بهذه الصفة، وبذلك يعتاد على صفة الكرم والإنفاق، قال ابن القيم: (فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل، كالحجام يستخرج منك الدم المهلك) .
3- معرفة أن الإيحاء بالفقر والتخويف منه إنما هو وعد شيطاني، وأن وعد الله هو المغفرة للذنوب وزيادة الفضل، يقول الله تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 268].

4- الاستعاذة بالله من البخل، كما كان يفعل أكرم الخلق وأجودهم صلى الله عليه وسلم، حيث كان يستعيذ من
البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) فيقول: ((اللهمَّ إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرذل العمر)) .
5- معالجة طول الأمل بالإكثار من ذكر الموت، والنظر في مت الأقران.
6-التأمُّل في حال البخلاء الذين تعبوا في جمع المال، والحرص عليه ثم تركهم له يتقاسمه الورثة، وربما استخدموه في غير طاعة الله، فكان وبالًا عليهم.
7- التأمل في الآيات الواردة في ذمِّ البخل، وما أعده الله للمتصفين بهذه الصفة القبيحة.
8- صرف القلب إلى عبادة المولى تبارك وتعالى، حتى لا ينشغل بعبادة المال والحرص عليه.
9- معرفة أن المستقبل بيد الله إن شاء أغناك، وإن شاء أفقرك، وإن كنت أحرص الناس.
10- عدم الخوف على مستقبل الأبناء، والتيقن أنَّ من خلقهم قد خلق أرزاقهم معهم، ولن يضيعهم. فكم من ولد لم يرث من والده مالًا صار أحسن حالًا ممن ورث الأموال الطائلة.
11- علاج القلب بكثرة التأمل في الأخبار الواردة في ذمِّ البخل، ومدح السخاء وما توعد الله به البخيل من العقاب العظيم.
12- التأمل في أحوال البخلاء، ونفرة الطبع منهم، وبغض الناس لهم، وبقاء الذكر السيئ من بعدهم.

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:22 AM
ترتيب أوصاف البخيل

يقال: رجل بخيل، ثم مُسُك إذا كان شديد الإمساك لماله، ثم لَحِز إذا كان ضيق النفس شديد البخل، ثم شحيح إذا كان مع شدة بخله حريصًا، ثم فاحش إذا كان متشدِّدًا في بخله، ثم حِلِزٌّ إذا كان في نهاية البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783)

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:24 AM
من أخبار البخلاء

- وصية بخيل:
قال أحد البخلاء وهو يوصي ابنه:
أي بنيَّ! إنَّ إنفاق القراريط يفتح عليك أبواب الدوانيق، وإنفاق الدوانيق يفتح عليك أبواب الدراهم، وإنفاق الدراهم يفتح عليك أبواب الدنانير. والعشرات تفتح عليك أبواب المئين، والمئون تفتح عليك أبواب الألوف، حتى يأتي ذلك على الفرع والأصل ويطمس على العين والأثر، ويحتمل القليل والكثير .
- وقال المكي: كان لأبي عم يقال له سليمان الكثري سمِّي بذلك لكثرة ماله. وكان يقرِّبني وأنا صبي إلى أن بلغت. ولم يهب لي مع ذلك التقريب شيئًا قط. وكان قد جاوز في ذلك حد البخلاء. فدخلت عليه يومًا، وإذا قدَّامه قطع دار صيني لا تسوى قيراطًا؛ فلما نال حاجته منها، مددت يدي لآخذ قطعة، فلما نظر إليَّ قبضت يدي، فقال: لا تنقبض وانبسط واسترسل وليحسن ظنك، فإن حالك عندي على ما تحب، فخذه كله، فهو لك بزوبره، وبحذافيره، وهو لك جميعًا؛ نفسي بذلك سخيَّة. والله يعلم أني مسرور بما وصل إليك من الخير. فتركته بين يده، وقمت من عنده وجعلت وجهي، كما أنا، إلى العراق. فما رأيته وما رآني حتى مات.
- واشترى رجل من البخلاء دارًا وانتقل إليها، فوقف ببابه سائل فقال له: فتح الله عليك. ثم وقف ثان، فقال له مثل ذلك، ثم وقف ثالث، فقال له مثل ذلك، ثم التفت إلى ابنته، فقال لها: ما أكثر السُّؤال في هذا المكان. قالت: يا أبت، ما دمت مستمسكًا لهم بهذه الكلمة فما تبال كثروا أم قلُّوا .
- وقال دعبل: كنا عند سهل بن هارون، فلم نبرح حتى كاد يموت من الجوع، فقال: ويلك يا غلام آتنا غداءنا، فأتي بقصعة فيها ديك مطبوخ تحته ثريد قليل، فتأمل الديك فرآه بغير رأس، فقال لغلامه: وأين الرأس؟ فقال: رميته، فقال: والله إني لأكره من يرمي برجله، فكيف برأسه؟ ويحك أما علمت أن الرأس رئيس الأعضاء، ومنه يصيح الديك، ولولا صوته ما أريد، وفيه فرقه الذي يتبرك به، وعينه التي يضرب بها المثل، فيقال: شراب كعين الديك، ودماغه عجيب لوجع الكلية، ولم نر عظمًا أهشَّ تحت الأسنان من عظم رأسه، وهبك ظننت أني لا آكله، أما قلت: عنده من يأكله. انظر في أي مكان رميته فأتني به. فقال: والله لا أدري أين رميته، فقال: ولكني أنا أعرف أين رميته. رميته في بطنك، الله حسبك .

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:27 AM
الأمثال في البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح
- يقال: أبخل من صبيٍّ ومن كَسع: قالوا: هو رجل بلغ من بخله أنه كوى اسْتَ كلبه حتى لا ينبح، فيدل عليه الضيف .
- ويقال: أبخل من الضَّنِينِ بنائل غيره.
هذا مأخوذ من قول الشاعر:


وإن امرأ ضنت يداه على امرئ ***بنيل يد من غيره لبخيل



- ويقال: أبخل من ذي مَعْذِرَة: وهذا مأخوذ من قولهم في مثل آخر: المعْذِرة طرف من البخل.
- ويقال: أبخل من كلب.
- ويقال: أبخل من مادِرٍ: وهو رجل من بني هلال بن عامر بن صعصعة، وبلغ من بخله أنه سقى إبله، فبقي في أسفل الحوض ماء قليل، فسلح فيه، ومدر الحوض به، فسمِّي مادرًا لذلك، واسمه مخارق .
- ويقال: أبخل من أبي حباحب ومن حباحب: قالوا هو رجل من العرب كان لبخله يوقد نارًا ضعيفة، فإذا أبصرها مستضيء أطفأها .
- ويقال: أَلأم من راضع اللبن: هو رجل من العرب كان يرضع اللبن من حلمة شاته، ولا يحلبها مخافة أن يسمع وقع الحلب في الإناء، فيطلب منه .
- ويقال: ما يَبِضُّ حَجَرُهُ: وهو أدنى ما يكون من السيلان، يضرب للمتناهي في البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783)

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:30 AM
البخل والشحُّ في أقوال الحكماء
- قال بعض الحكماء: (لا تحمل على نفسك همَّ ما لم يأتك، ولا تعدنَّ عدة ليس في يديك وفاؤها، ولا تبخلنَّ بالمال على نفسك، فكم جامع لبعل حليلته) .
- قال بعض الحكماء: (من برئ من ثلاث نال ثلاثًا: من برئ من السرف نال العزَّ، ومن برئ من البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) نال الشرف، ومن برئ من الكبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2642) نال الكرامة) .
- قال بعض الحكماء: (البخيل ليس له خليل) .
- وقال آخر: (البخيل حارس نعمته، وخازن ورثته) .
- وقال آخر: (عجبًا للبخيل المتعجِّل للفقر الذي منه هرب، والمؤخر للسَّعة التي إيَّاها طلب، ولعلَّه يموت بين هربه وطلبه، فيكون عيشه في الدنيا عيش الفقراء، وحسابه في الآخرة حساب الأغنياء، مع أنَّك لم ترَ بخيلًا إلا غيره أسعد بماله منه؛ لأنَّه في الدنيا مهتمٌّ بجمعه، وفي الآخرة آثم بمنعه، وغيره آمن في الدنيا من همِّه، وناج في الآخرة من إثمه) .

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:36 AM
ذم البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) والشح في واحة الشعر

قال المقنع الكندي:


إني أحرِّضُ أهلَ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) كلَّهم *** لو كان ينفعُ أهلَ البخلِ تحريضي



ما قلَّ مالي إلا زادني كرمًا *** حتى يكونَ برزقِ اللهِ تعويضي



والمالُ يرفعُ مَن لولا دراهمُه *** أمسى يقلِّب فينا طرفَ مخفوضِ



لن تخرجَ البيضُ عفوًا مِن أكفِّهمُ *** إلا على وجعٍ منهم وتمريضِ



كأنها مِن جلودِ الباخلين بها *** عندَ النوائبِ تحذى بالمقاريضِ



وقال أبو دلامة:


ما أحسنَ الدينَ والدُّنيا إذا اجتمعا *** وأقبحَ الكفرَ والإفلاسَ بالرجلِ



وقال آخر:


فلا الجودُ يفني المالَ والجدُّ مقبلٌ *** ولا البخلُ يبقي المالَ والجدُّ مدبرُ



وقال إسحاق الموصلي:


وآمرةٌ بالبخلِ قلتُ لها اقصري *** فليس إلى ما تأمرين سبيلُ



أرى الناسَ خلانَ الجوادِ ولا أرى *** بخيلًا له في العالمين خليلُ



ومن خيرِ حالاتِ الفتى لو علمته *** إذا قال شيئًا أن يكون ينيلُ



فإني رأيتُ البخلَ يُزري بأهلِه *** فأكرمتُ نفسي أن يقالَ بخيلُ



عطائي عطاءُ المكثرين تجمُّلًا *** ومالي كما قد تعلمين قليلُ



وقال عمرو بن الأهتم:


ذريني فإنَّ البخلَ يا أُمَّ هيثمٍ *** لصالحِ أخلاقِ الرجالِ سروقُ



لعمرُك ما ضاقتْ بلادٌ بأهلِها *** ولكنَّ أخلاقَ الرجالِ تضيقُ



وقال ابن الزقاق:


لا يحمدُ البخلُ أن دان الأنامُ به *** وحامدُ البخلِ مذمومٌ ومدحورُ
وقال علي بن ذكوان:

أنفقْ ولا تخشَ إقلالًا فقد قُسمتْ *** بين العبادِ مع الآجالِ أرزاقُ



لا ينفعُ البخلُ معْ دنيا موليةٍ *** ولا يضرُّ مع الإقبالِ إنفاقُ


وقال عبد الله بن المعتز:

أعاذلُ ليس البخلُ مني سجيةً *** ولكن رأيتُ الفقرَ شرَّ سبيلِ



لموتُ الفتى خيرٌ مِن البخلِ للفتى *** ولَلبخلُ خيرٌ من سؤالِ بخيلِ


وقال العثماني:

فلا الجودُ يفني المالَ قبل فنائِه *** ولا البخلُ في مالِ الشحيحِ يزيدُ



فلا تلتمسْ رزقًا بعيشٍ مقتَّرٍ *** لكلِّ غدٍ رزقٌ يعودُ جديدُ


وقال قيس بن الخطيم:

وليس بنافعٍ ذا البخلِ مالُ *** ولا مزرٍ بصاحبِه السخاءُ



وبعضُ الداءِ مُلتمَسٌ شفاهُ *** وداءُ النَّوكِ ليس له شفاءُ


وقال آخر:

ويظهرُ عيبَ المرءِ في الناسِ *** بخلُه ويسترُه عنهم جميعًا سخاؤُه



تغطَّ بأثوابِ السخاءِ فإنني *** أرَى كلَّ عيبٍ فالسخاءُ غطاؤُه


وقال آخر:

وهبني جمعتُ المالَ ثم خزنتُه *** وحانتْ وفاتي هل أُزادُ به عُمرا



إذا خزن المالَ البخيلُ فإنَّه *** سيورثُه غمًّا ويُعقبُه وِزرا

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:46 AM
http://img15.hostingpics.net/pics/165424mawssou3a.png (http://www.google.com.eg/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3GQ6YnWNUXWCM&tbnid=Ybv-Crg6W5x9FM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fwww.mltzm.com%2Fvb%2Fshowthread.p hp%3Ft%3D40126&ei=-Fj0Ua0dh7E5hJuAsAY&bvm=bv.49784469,d.ZWU&psig=AFQjCNHSa-4fGfgE42LLoxcEGGW5xz6R9g&ust=1375054430107219)

البغض والكراهية
معنى البغض والكراهية
معنى البُغْض:
البغض ضِدُّ الحُب، من بغَض الشيء بُغضًا: مقته وكرهه، فهو باغض وبغوض، والشيء مبغوض وبغيض، وبَغُضَ الشَّيء بَغاضة، فهو بَغِيض، وأبْغَضته إبغاضًا، فهو مُبْغَض، والاسم البُغْض، وبَغَّضَه الله تعالى للنَّاس فأَبْغَضُوه، والبِغَضَة والبَغْضاء: شِدَّة البُغْض، وتَباغض القوم: أبْغَض بعضهم بعضًا .
والبغض هو نفور النَّفس عن الشَّيء الذي يرغب عنه .
وقال الكفوي: (البُغْضُ: عبارةٌ عن نفرة الطَّبع عن المؤْلِم المتْعِب، فإذا قوي يُسمَّى مَقْتًا) .
معنى الكَراهِية:
الكراهية خِلاف الرِّضا والمحبَّة، يقال: كَرِهْتُ الشَّيء أَكْرَهُه كَرَاهَةً وكَرَاهِيةً، فهو شيءٌ كَرِيهٌ ومَكْرُوهٌ. والكُرْهُ الاسم. ويقال: بل الكُرْهُ: المشَقَّة، والكَرْهُ: أن تُكَلَّف الشَّيء فتعمله كارهًا. ويقال: مِن الكُرْه الكَرَاهِيَة والكَرَاهِيَّة وأكْرَهتُه على كذا: حملته عليه كَرْهًا .
وقال ابن عاشور: (الكُرْه: الكَرَاهِية ونفرة الطَّبع مِن الشَّيء، ومثله الكَرْه على الأصحِّ) .

محمد رافع 52
28-07-2013, 01:50 AM
الفرق بين الكَرَاهَة وبعض الصِّفات

- الفرق بين الإِبَاء والكَرَاهَة:
قال أبو هلال العسكري: (إنَّ الإِبَاء هو أن يمتنع، وقد يَكْرَه الشَّيء مَن لا يقدر على إبائه، وقد رأيناهم يقولون للملك: أبيت اللَّعن، ولا يعنون أنَّك تكره اللَّعن؛ لأنَّ اللَّعن يكرهه كلُّ أحدٍ، وإنَّما يريدون أنَّك تمتنع مِن أن تلعن وتشتم؛ لِمَا تأتي مِن جميل الأفعال، وقال الرَّاجز:
ولو أرادوا ظلمه أبينا
أي امتنعنا عليهم أن يظلموا، ولم يَرِدْ أنَّا نَكْرَه ظلمهم إيَّاه؛ لأنَّ ذلك لا مدح فيه، وقال الله تعالى: وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ [التَّوبة: 32]، أي: يمتنع مِن ذلك، ولو كان الله يأبى المعاصي كما يكرهها، لم تكن معصيةٌ ولا عاصٍ) .
- الفرق بين البُغْض والكَرَاهَة:
قال أبو هلال العسكري: (الفرق بين البُغْض والكَراهة أنَّه قد اتَّسع بالبُغْض ما لم يتَّسع بالكَراهَة، فقيل: أُبْغِض زيدًا أي: أُبْغِض إكرامه ونفعه، ولا يقال: أكرهه بهذا المعنى، كما اتَّسع بلفظ المحبَّة، فقيل: أُحِبُّ زيدًا، بمعنى: أحبُّ إكرامه ونفعه، ولا يقال: أريده، في هذا المعنى، ومع هذا فإنَّ الكَرَاهَة تُسْتَعمل فيما لا يُسْتَعمل فيه البُغْض، فيقال: أَكْرَه هذا الطَّعام. ولا يقال: أَبْغُضه، كما تقول: أُحِبُّه. والمراد أنِّي أكره أكله، كما أنَّ المراد بقولك: أريد هذا الطَّعام، أنَّك تريد أكله أو شراءه) .
- الفرق بين الكَراهَة ونُفُور الطَّبع:
قال أبو هلال: (إنَّ الكَرَاهَة ضدُّ الإرادة، ونُفُور الطَّبع ضدُّ الشَّهوة، وقد يريد الإنسان شرب الدَّواء المرِّ مع نُفُور طبعه منه، ولو كان نُفُور الطَّبع كراهةً، لَمَا اجتمع مع الإرادة، وقد تُسْتَعمل الكَراهَة في موضع نُفُور الطَّبع مجازًا، وتُسمَّى الأمراض والأسقام: مكاره؛ وذلك لكثرة ما يَكْرَه الإنسان ما يَنْفِر طبعه منه) .

محمد رافع 52
30-07-2013, 12:43 AM
ذم البُغْض والكَرَاهِية والنهي عنهما (http://dorar.net/enc/akhlaq/1822)
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [المائدة: 91].
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح، ويحسن ذلك لكم؛ إرادة منه أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في شربكم الخمر ومياسرتكم بالقداح، ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغض بعضكم إلى بعض، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام، ويصدكم عن ذكر الله) .

محمد رافع 52
30-07-2013, 12:48 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة


- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إيَّاكم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذب الحديث، ولا تحسَّسوا، ولا تجسَّسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا)) .
قال السعدي: (فعلى المؤمنين أن يكونوا متحابِّين، متصافِّين غير متباغضين ولا متعادين، يسعون جميعهم لمصالحهم الكليَّة التي بها قوام دينهم ودنياهم، لا يتكبَّر شريف على وضيع، ولا يحتقر أحدٌ منهم أحدًا) .
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((إذا فُتِحَت عليكم فارس والرُّوم، أيُّ قوم أنتم؟ قال عبد الرَّحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك، تتنافسون، ثمَّ تتحاسدون، ثمَّ تتدابرون، ثمَّ تتباغضون، أو نحو ذلك، ثمَّ تنطلقون في مساكين المهاجرين، فتجعلون بعضهم على رقاب بعض)) .
- عن الزُّبير بن العوَّام رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والبَغْضَاء، هي الحالقة، لا أقول تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أفلا أُنبِّئكم بما يثبِّت ذلك لكم؟ أفشوا السَّلام بينكم)) .
قال ملا علي القاري: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دبَّ...أي: نقل وسَرَى ومَشَى بخِفْيَة. إليكم داء الأمم قبلكم؛ الحسد. أي: في الباطن. والبَغْضَاء. أي: العداوة في الظَّاهر... وسُمِّيا داءً؛ لأنَّهما داء القلب. هي. أي: البَغْضاء، وهو أقرب مبنًى ومعنًى، أو كلُّ واحدة منهما. الحالقة. أي: القاطعة للمحبَّة والألفة والصِّلة والجمعيَّة. والخصلة الأولى هي المؤدِّية إلى الثَّانية، ولذا قُدِّمت. لا أقول: تحلق الشَّعر. أي: تقطع ظاهر البدن، فإنَّه أمرٌ سهل. ولكن تحلق الدِّين. وضرره عظيم في الدُّنيا والآخرة. قال الطِّيـبيُّ: أي: البَغْضاء تُذْهِب بالدِّين كالموسى تُذْهِب بالشَّعر، وضمير المؤنَّث راجعٌ إلى البَغْضَاء) .
- وعن أبي هريرة، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: ((سيصيب أمَّتي داء الأمم، قالوا: يا نبيَّ الله، وما داء الأمم؟ قال: الأشَرُ والبَطَرُ، والتَّكاثر والتشاحن في الدُّنيا، والتَّباغض، والتَّحاسد حتى يكون البغي ثمَّ الهرج)) .
قال المناوي شارحًا هذا الحديث: (... ((الأَشَر)). أي: كُفر النِّعمة. ((والبَطَر)): الطُّغيان عند النِّعمة، وشدَّة المرَح والفرح، وطول الغنى. ((والتَّكاثر)). مع جمع المال. ((والتَّشاحن)). أي: التَّعادي والتَّحاقد. ((في الدُّنيا والتَّباغض والتَّحاسد)). أي: تمنِّي زوال نعمة الغير. ((حتى يكون البغي)). أي: مجاوزة الحدِّ، وهو تحذيرٌ شديدٌ مِن التَّنافس في الدُّنيا؛ لأنَّها أساس الآفات، ورأس الخطيئات، وأصل الفتن، وعنه تنشأ الشُّرور) .

محمد رافع 52
30-07-2013, 12:51 AM
أقوال السَّلف والعلماء في الكَراهَة


- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أَحْبِب حبيبك هونًا ما، عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما، عسى أن يكون حبيبك يومًا ما) .
- وقال بعض الصَّحابة: (مَن أراد فضل العابدين، فليصلح بين النَّاس، ولا يوقع بينهم العداوة والبَغْضاء) .
- وقال أبو حاتم: (حاجة المرء إلى النَّاس مع محبَّتهم إيَّاه خيرٌ مِن غناه عنهم مع بغضهم إيَّاه، والسَّبب الدَّاعي إلى صدِّ محبَّتهم له هو التَّضايق في الأخلاق وسوء الخُلُق؛ لأنَّ مَن ضاق خُلُقه سَئِمَه أهله وجيرانه، واستثقله إخوانه، فحينئذٍ تمنَّوا الخلاص منه، ودعوا بالهلاك عليه) .
- وقال: (الواجب على النَّاس كافةً: مجانبة الإفكار في السَّبب الذي يؤدِّي إلى البَغْضَاء والمشاحنة بين النَّاس، والسَّعي فيما يفرِّق جمعهم، ويُشتِّت شملهم) .
- وقال ابن القيِّم: (البُغْض والكَرَاهَة أصل كلِّ ترك ومبدؤه) .
- وقال الغزَّالي: (اعلم أنَّ الأُلفة ثمرة حسن الخُلُق، والتَّفرُّق ثمرة سوء الخُلُق، فحُسْن الخُلُق يُوجِب التَّحابَّ والتَّآلف والتَّوافق. وسوء الخُلُق يثمر التَّباغض والتَّحاسد والتَّدابر، ومهما كان المثْمِر محمودًا كانت الثَّمرة محمودة) .
- وكان يقال: (أقبح الأشياء بالسُّلطان اللَّجَاج، وبالحكماء الضَّجر، وبالفقهاء سَخَافة الدِّين، وبالعلماء إفراط الحِرْص، وبالمقاتِلة الجُبْن، وبالأغنياء البخل، وبالفقراء الكِبْر، وبالشَّباب الكسل، وبالشُّيوخ المزاح، وبجماعة النَّاس التَّباغض والحسد) .

محمد رافع 52
30-07-2013, 12:52 AM
آثار البُغْض والكَرَاهِية


1- سببٌ في الوقوع في الافتراء والبهتان على النَّاس، والتَّحامل عليهم عند الخصومة.
2- يتولَّد عنه الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) الشَّديد للمَبْغُوض.
3- يتسبَّب في انتشار بعض الأمراض الاجتماعيَّة الخطيرة، التي تفتك بالمجتمع وتهدِّد لُحْمَته وتماسكه، كانتشار الإشاعات المغرضة، والتَّحاسد والتَّنافس غير المحمود.
4- سببٌ في فقدان الأمن والأمان في المجتمع؛ فإذا سادت الكَرَاهِية والبَغْضَاء، أحسَّ الفرد أنه يعيش في غابة بين وحوش يتربَّصون به، ويتحيَّنون الفرص لأذيَّته، فيعيش في قلقٍ دائمٍ لا ينتهي.
5- يتسبب في فقدان الحبِّ في المجتمع الواحد، بل في العائلة الواحدة.
6- بسببه تضيع الثِّقة بين أفراد المجتمع، فلا تكاد تجد أحدًا يثق في أحدٍ.
7- انتفاء العدل (http://dorar.net/enc/akhlaq/905) في المجتمع المتَبَاغِض، ولهذا قيل للعادل: هو الذي إذا غضب لم يُدْخِله غضبه في باطل، وإذا رضي لم يُخْرِجه رضاه عن الحقِّ.
8- البُغْض يتسبَّب إلى سوء الخُلُق، يقول الماورديُّ: (البُغْض الذي تنفر منه النَّفس فتُحْدِث نفورًا على المبْغَض، فيؤول إلى سوء خُلُق يخصُّه دون غيره) .

محمد رافع 52
30-07-2013, 12:56 AM
أقسام البَغْضاء والكَراهِية


تنقسم البَغْضَاء إلى قسمين:
الأوَّل: منهيٌّ عنه، محرَّمٌ مذموم.
الثَّاني: مأمورٌ به، مُثابٌ صاحبه، ومِن صوره:
1- بُغْضُ وكَرَاهِية الباطل:
فإنَّ حُبَّ الحقِّ وبُغْضَ وكَرَاهِيةَ الباطل فضيلةٌ خُلقيَّة، فعن عائشة: ((أنَّها أخبرته أنَّها اشترت نمرقة فيها تصاوير، فلمَّا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب، فلم يدخل، فعرفت في وجهه الكَراهِية، فقالت: يا رسول الله، أتوب إلى الله؛ ماذا أذنبت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بال هذه النمرقة؟ قالت: اشتريتها لتقعد عليها وتَوَسَّدَها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ أصحاب هذه الصُّور يوم القيامة يعذَّبون، يقال لهم: أَحْيُوا ما خلقتم. وقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ البيت الذي فيه الصُّور لا تدخله الملائكة)) .
2- بُغْضُ وكَرَاهِية الكُفَّار والفُسَّاق:
قال تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ[الممتحنة: 4]، قال ابن عاشور: (والبَغْضَاء: نُفْرَة النَّفس والكَراهِية، وقد تُطْلَق إحداهما في موضع الأخرى إذا افترقتا، فذِكْرُهما معًا هنا مقصودٌ به حصول الحالتين في أنفسهم: حالة المعاملة بالعُدْوَان، وحالة النُّفْرَة والكَراهِية، أي نُسِيء معاملتكم، ونُضْمِر لكم الكَراهِية حتى تؤمنوا بالله وحده دون إشراك) .

محمد رافع 52
31-07-2013, 01:02 AM
أسباب الوقوع في البُغْض والكَرَاهِية


1- الغيبة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2515) والنَّمِيمَة مِن الأسباب الرَّئيسة للكَرَاهِية والبَغْضَاء والتَّشاحن.
قال بعض الحكماء: (النَّمِيمَة تهدي إلى القلوب البَغْضَاء، ومَن واجهك فقد شتمك، ومَن نقل إليك فقد نقل عنك، والسَّاعي بالنَّمِيمَة كاذبٌ لمن يسعى إليه، وخائن لمن يسعى به) .
2- الكذب والغِشُّ؛ فإنَّه يترك أثر الكَرَاهِية بين الغاشِّ والمغشوش.
3- قسوة القلب والغِلظَة والفَظَاظَة: فهذه الأخلاق تنفِّر بين القلوب، وتشيع الكَرَاهِية والبَغْضَاء. قال تعالى: وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159].
4- التَّجسُّس: فالتَّجسُّس سبيل إلى الكَرَاهَة والبُغْض بين النَّاس. قال ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذَّى به المتجسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة) .

5- الغيرة: قال ابن القيِّم: (إنَّ
الغيرة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1095) تتضمَّن البُغْض والكَرَاهَة) .
6- عدم العدل (http://dorar.net/enc/akhlaq/905) عمومًا سببٌ مِن أسباب البغض، فعدم العدل (http://dorar.net/enc/akhlaq/905) بين الزَّوجات يولِّد الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والكَراهِية بين الزَّوجات، وبين الزَّوج وزوجاته، وعدم العدل (http://dorar.net/enc/akhlaq/905) بين الأبناء يولِّد الشَّحناء والبَغْضاء، وتسود بينهم روح الكَرَاهِية.
7- التَّعدِّي على حقوق الإنسان بأي نوعٍ مِن أنواع التَّعدِّي.
8- الاستئثار بالمنافع، وعدم إعطائها لمن يستحقُّها.
9- الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء: حيث يورِث البَغْضَاء والكَرَاهِية.
10- الخيانة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2182) وعدم الأمانة.
11- الكِبْر سببٌ مِن أسباب البُغْض، فالمتكبِّر يبغض النَّاس ويبغضونه.
12- الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) مِن أهمِّ وأقوى الأسباب التي تُثِير البُغْض بين النَّاس، لذا قال الشَّاعر:

ليس للحاسد إلَّا ما حسد ***وله البَغْضَاء مِن كلِّ أحد



وأرى الوحدة خيرًا للفتى ***مِن جليس السُّوء فانهض إن قعد


13- كثرة العتاب واللوم، ومن أمثال العرب: (كثرة العتاب توجب البَغْضاء) .

محمد رافع 52
31-07-2013, 01:05 AM
الوسائل المعينة على تجنُّب البُغْض والكَرَاهِية


1- الإحسان:
وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ [فصِّلت:34].
2- الإنصاف: فبالإنصاف تُنْـتَزَع صفات الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والكَرَاهِية، لتحلَّ محلَّها صفات الاحترام والحبِّ والتَّنافس في الخيرات.
3- المعاتبة دون إكثار: فالمعاتبة تنقِّي النُّفوس مِن الشَّرِّ والكَرَاهِية، وتزيد المحبَّة والألفة، إذا كانت برفق ولين، دون جدال، مع حسن انتقاء الألفاظ، وبعد عن اللوم الشديد والتجريح.
4- الصَّبر.
5- البعد عن كلِّ ما مِن شأنه أن يكدِّر الصَّفو، ويشحن النُّفوس بالكَرَاهِية: كالجدال، والشَّتم والغيبة والنَّمِيمَة والحسد، وغيرها مِن الأدواء والأمراض.
6- الإتيان بالوسائل التي توطِّد العلاقات، وترسِّخ الصِّلات، وتحبِّب المؤمنين إلى بعضهم: كإفشاء السَّلام، والتَّهادي بين النَّاس، والتَّعاون والتَّكافل وغيرها.
قال أبو حاتم البستي: (الواجب على العاقل أن يلزم إفشاء السَّلام على العام... والسَّلام ممَّا يذهب إفشاؤه بالمكْتَنِّ مِن الشَّحناء، وما في الخَلِد مِن البَغْضَاء، ويقطع الهجران ويصافي الإخوان) .
7- البعد عن التَّنافس المذموم على الدُّنيا الفانية؛ فإنَّه مِن أكبر أسباب البَغْضاء والكَراهِية.

محمد رافع 52
31-07-2013, 01:07 AM
الأمثال في البُغْض والكَراهِية


- شاهد البُغْض اللَّحْظُ .
- وقالوا: الحَاجَةُ مع المحَبَّة خَيْر مِن الغِنَى مع البِغْضَة .
- وقالوا: الكبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2642) قائد البُغْضِ .
- وجاء في المثل: كثرة العتاب توجب البَغْضاء .
- وجاء -أيضًا-: إذا أبغضك جارك، حوِّل باب دارك .
- وقيل لبعضهم: ما التَّواضع؟ قال: أخلاق المجد واكتساب الوُدِّ. فقيل ما الكِبْر؟ قال: اكتساب البُغْض .
- ويقولون: هو أزرق العين. يُضْرَب في الاستشهاد على البغض .

محمد رافع 52
31-07-2013, 01:17 AM
ذم البُغْض والكَرَاهِية في واحة الشِّعر


قال ثعلب:

أُغْمَّض عيني عن صديقي تغافلًا *** كأنِّي بما يأتي مِن الأمر جاهلُ



وما بي جهلٌ غيرَ أنَّ خَلِيقَتي *** تطيقُ احتمالَ الكُرْهِ فيما يحاولُ


وقال يحيى بن زياد الحارثي:

ولكن إذا ما حلَّ كُرْهٌ فسامحتْ *** به النَّفسُ يومًا كان للكرهِ أذهبا


وقال الشَّاعر:

لا يُخرِجُ الكَرْهُ منِّي غير مَأْبِيَةٍ *** ولا ألينُ لمن لا يبتغي لِيني


وقال الشَّاعر:

أخو البِشْر محبوبٌ على حُسْنِ بِشْرِه *** ولن يعدمَ البَغْضَاءَ مَن كان عابسًا



ويسرعُ بخلُ المرءِ في هتكِ عرضِه *** ولم أرَ مثلَ الجودِ للمرءِ حارسًا


وقال آخر:

وما أحبُّ إذا أحببتُ مُكتَتِمًا *** يبدي العداوةَ أحيانًا ويخفيها



تظلُّ في قلبِه البَغْضَاءُ كامنةً *** فالقلبُ يكتمُها والعينُ تبديها



والنَّفسُ تعرفُ في عيني محدِّثِها *** مَن كان مِن سلمِها أو مِن أعاديها



عيناك قد دلَّتا عينيَّ منك على *** أشياءَ لولاهما ما كنتُ أدريها


وقال بعض الشُّعراء:

سنَّ الضَّغائنَ آباءٌ لنا سلفوا *** فلن تبيدَ وللآباءِ أبناءُ


وقال آخر:

وعَيْنُ البُغْضِ تبرزُ كلَّ عيبٍ *** وعَيْنُ الحبِّ لَا تَجِد العيوبا


وقال آخر -أيضًا-:

ما الذَّنبُ إلَّا على القومِ ذوي دَغَلٍ *** وفَى لهم عدلُك المألوف إذ غدروا



قوم نصيحتهم غشٌّ وحبُّهم *** بغضٌ ونفعهم إن صرَّفوا ضرر



يميزُ البُغْض في الألفاظِ إن نطقوا *** ويُعْرَف الحقدُ في الألحاظِ إن نظروا


وقال عمَارَة بن عقيل:

تُبدي لك العَيْنُ ما في نَفسِ صاحبِها *** مِن الشَّناءةِ والوُدِّ الذَّي كَانَا



إنَّ البَغِيضَ له عَيْنٌ يَصُدُّ بها *** لا يستطيعُ لِمَا في القلبِ كِتْمَانا



وعَيْنُ ذِي الوُدِّ لا تنفكُّ مقبلةً *** تَرى لَهَا محجرًا بَشًّا وإنسانا



والعَيْنُ تنطقُ والأفواهُ صامتةٌ *** حتى ترى مِن ضميرِ القلبِ تِبيانا


وقال آخر:

قضى اللهُ أنَّ البُغْضَ يصرعُ أهلَه *** وإنَّ على البَاغِي تَدورُ الدَّوَائِرُ

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=ZUn4UafOFs3-PKjWgLgN&psig=AFQjCNEL98vECRdp7pLVEZ87o0avmLE3mQ&ust=1375312585549385)

محمد رافع 52
31-07-2013, 01:19 AM
التجسس


معنى التجسس لغةً واصطلاحًا


معنى التجسس لغةً:
مأخوذ من الجَسِّ: وهو جَسُّ الخبر، ومعناه: بحث عنه وفحص، وتَجَسَّسْتُ فلانًا ومن فلان: بحثت عنه، والتَّجَسُّسُ بالجيم التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشرِّ، والجاسُوسُ: العين يَتَجَسَّسُ الأخبار ثم يأتي بها، وهو صاحب سِرِّ الشَّر، والناموسُ صاحب سرِّ الخير .
معنى التجسس اصطلاحًا:
التجسس: البحث عن العورات والمعايب، وكشف ما ستره الناس .

محمد رافع 52
31-07-2013, 01:22 AM
الفرق بين التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) والتحسس


قال أبو هلال العسكري: (الفرق بين التحسس والتجسس: التحسس - بالحاء المهملة -: طلب الشيء بالحاسة، والتجسس - بالجيم - مثله. وفي الحديث: ((لا تحسسوا، ولا تجسسوا)) . قيل: معناهما واحد، وعطف أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظين كقول الشاعر:
متى أدن منه ينأ عني ويبعد
وقيل: التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) -بالجيم- البحث عن عورات النساء، -وبالحاء- الاستماع لحديث القوم، ويروى أن ابن عباس سئل عن الفرق بينهما فقال: (لا يبعد أحدهما عن الآخر: التحسس في الخير، والتجسس في الشر) . قلت: ويؤيده قوله تعالى حكاية عن يعقوب: يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ [يوسف: 87]- بالحاء - على القراءة المشهورة، فإنَّه كان متوقِّعًا لأن يأتيه الخبر بسلامة يوسف. وقوله سبحانه: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات: 12] - بالجيم - فإنَّ المنهي عنه البحث عن معائب الناس وأسرارهم التي لا يرضون بإفشائها، واطلاع الغير عليها) .
وقال بعضهم: (التحسس بالحاء أن تستمع الأخبار بنفسك، وبالجيم أن تتفحَّص عنها بغيرك) .
وقال الترمذي الحكيم: (التحسُّس- يعني بالحاء- هو طلب أخباره والفتش عنه؛ شفقة ونصحًا واحتياطًا؛ فتطيب نفسه لطيب أخباره، وحسن حاله، أو ليرفده إن كان في أمره خلل بنصح واحتياط ومعونة، والتجسس أن تفتش عن أخبار مغطية مكروهة أن تعلم بها، فتستخرجها بفتشك لهتك الستور، والكشف عن العورات والمساوئ) .
وقال ابن حبيب: (بالحاء أن تسمع ما يقول أخوك فيك، وبالجيم أن ترسل من يسأل لك عما يقال لك في أخيك من السوء) .

محمد رافع 52
31-07-2013, 01:27 AM
ذم التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) والنهي عنه

أولًا: في القرآن الكريم


- نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) في آية محكمة وصريحة تدلُّ على حرمة هذا الفعل المشين، والخصلة المذمومة، فقال تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12].
قال ابن جرير وهو يتحدث عن تفسير قوله: وَلا تَجَسَّسُوا يقول: (ولا يتتبع بعضكم عورة بعض، ولا يبحث عن سرائره، يبتغي بذلك الظهور على عيوبه، ولكن اقنعوا بما ظهر لكم من أمره، وبه فاحمدوا أو ذموا، لا على ما لا تعلمونه من سرائره ...). ثم ذكر أثر ابن عباس: (نهى الله المؤمن من أن يتتبع عورات المؤمن) .
وقال البغوي: (نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور الناس وتتبع عوراتهم؛ حتى لا يظهر على ما ستره الله منها) .
- ومن ذلك قول الله تعالى:وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا[الأحزاب: 58].
وأي إيذاء أكبر من تتبع عورات الناس، والبحث عن سوءاتهم، والتجسس عليهم، وإظهار ما ستره الله من ذنوبهم.
قال ابن عثيمين: (التجسس أذية، يتأذى به المتجَسس عليه، ويؤدي إلى البغضاء والعداوة ويؤدي إلى تكليف الإنسان نفسه ما لم يلزمه، فإنك تجد المتجسس والعياذ بالله، مرة هنا ومرة هنا، ومرة هنا، ومرة ينظر إلى هذا ومرة ينظر إلى هذا، فقد أتعب نفسه في أذية عباد الله) .
- وقال تعالى وهو يتحدث عن المنافقين وعن صفاتهم: لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ [التوبة: 47].
قال مجاهد: (معناه وفيكم محبون لهم، يؤدون إليهم ما يسمعون منكم، وهم الجواسيس) .
وقال القرطبي: ( وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ أي: عيون لهم، ينقلون إليهم الأخبار منكم) .

محمد رافع 52
31-07-2013, 01:44 AM
ثانيًا: في السنة النبوية


لقد شدَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم في النهي عن التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) والتحذير منه، وبيَّن أنَّه مفسد للأخوة، وسبب في تقطيع الأواصر والصلات، وسبيل إلى إفساد الناس:
- فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إيَّاكم والظنَّ، فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا)) .
- وعن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)) .
قوله: ((يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه)). (فيه تنبيه على أنَّ غيبة المسلم من شعار المنافق لا المؤمن. ((ولا تتبعوا عوراتهم)). أي: لا تجسسوا عيوبهم ومساويهم... ((يتبع الله عورته)). ذكره على سبيل المشاكلة، أي: يكشف عيوبه، وهذا في الآخرة. وقيل: معناه يجازيه بسوء صنيعه. يفضحه. أي: يكشف مساويه. ((في بيته)). أي: ولو كان في بيته مخفيًّا من الناس) .
- وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم)). فقال أبو الدرداء: (كلمة سمعها معاوية من رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعه الله تعالى بها) .
- وفي رواية أخرى عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أعرضوا عن الناس، ألم تر أنك إن ابتغيت الريبة في الناس أفسدتهم، أو كدت تفسدهم)) .
قال المناوي: (أي ولوا عن الناس، ولا تتبعوا أحوالهم، ولا تبحثوا عن عوراتهم... ألم تعلم أنك إن اتبعت التهمة فيهم لتعلمها وتظهرها؛ أوقعتهم في الفساد، أو قاربت أن تفسدهم؛ لوقوع بعضهم في بعض بنحو غيبة، أو لحصول تهمة لا أصل لها، أو هتك عرض ذوي الهيئات المأمور بإقالة عثراتهم، وقد يترتب على التفتيش من المفاسد ما يربو على تلك المفسدة التي يُراد إزالتها، والحاصل أنَّ الشارع ناظر إلى الستر (http://dorar.net/enc/akhlaq/602) مهما أمكن، والخطاب لولاة الأمور ومن في معناهم) .
- وعن ابن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة)) .
- وعن جبير بن نفير وكثير بن مرة، وعمرو بن الأسود، والمقدام بن معد يكرب، وأبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة فى الناس أفسدهم)) .
يقول المناوي: (إن الأمير إذا ابتغى الريبة. أي: طلب الريبة، أي: التهمة في الناس بنية فضائحهم. أفسدهم. وما أمهلهم، وجاهرهم بسوء الظن فيها، فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظنَّ بهم ورموا به ففسدوا، ومقصود الحديث حثُّ الإمام على التغافل، وعدم تتبع العورات، فإنَّ بذلك يقوم النظام، ويحصل الانتظام، والإنسان قلَّ ما يسلم من عيبه، فلو عاملهم بكلِّ ما قالوه أو فعلوه اشتدت عليهم الأوجاع، واتسع المجال، بل يستر عيوبهم، ويتغافل، ويصفح، ولا يتبع عوراتهم، ولا يتجسس عليهم) .

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:00 AM
أقوال السلف والعلماء في التجسس

- عن ابن عباس في قوله: ولا تجسسوا قال: (نهى الله المؤمن أن يتبع عورات أخيه المؤمن) .
- و(أتي ابن مسعود رضي الله عنه فقيل: هذا فلان تقطر لحيته خمرًا. فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به) .
- وقال مجاهد في قوله: وَلا تَجَسَّسُوا. قال: (خذوا ما ظهر لكم، ودعوا ما ستر الله) .
- وقال قتادة في تفسيرها: (هل تدرون ما التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) أو التجسيس؟! هو أن تتبع، أو تبتغي عيب أخيك لتطلع على سرِّه) .
- وقال ابن زيد في تفسيرها أيضًا: قال: (حتى أنظر في ذلك وأسأل عنه، حتى أعرف حقٌّ هو، أم باطل؟ قال: فسماه الله تجسسًا، قال: يتجسس كما يتجسس الكلاب) .
- وقال الحسن: (لا تسأل عن عمل أخيك الحسن والسيئ، فإنَّه من التجسس) .
- وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل مباينة العوام في الأخلاق والأفعال، بلزوم ترك التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) عن عيوب الناس؛ لأنَّ من بحث عن مكنون غيره بحث عن مكنون نفسه، وربما طمَّ مكنونه على ما بحث من مكنون غيره، وكيف يستحسن مسلم ثلب مسلم بالشيء الذي هو فيه) .
- وقال أيضًا: (التجسس من شعب النفاق، كما أنَّ حسن الظن (http://dorar.net/enc/akhlaq/419) من شعب الإيمان) .
- وقال: (الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإنَّ من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه، ولم يتعب قلبه) .

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:03 AM
أقسام التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) وحكم كلِّ قسم

الأصل في التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) أنَّه محرم شرعًا، منهيٌّ عنه، غير أنَّ هناك بعض الصور قد تقتضي المصلحة جوازها.
وعليه فيمكننا أن نقسم التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) إلى قسمين:
تجسس ممنوع:
(ويُقصد به تتبع عورات الناس وأسرارهم، والكشف عن معائبهم؛ بدافع الفضول وإشباع غريزة حبِّ الاستطلاع، دون أن يكون له غرض مباح؛ من جلب منفعة راجحة، أو دفع مفسدة متوقعة، سواء أكان ذلك بالتطلُّع، أو التنصت والاستماع) http://dorar.net/misc/tip.gif .
وهذا النوع من أنواع التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) هو الذي نصَّت الأدلة الواضحة على تحريمه، ولم يبح إلا في حالات خاصة، فـ(إنَّ الأصل في المسلم الطهارة، والعفة، والبراءة، والسلامة من كلِّ شيء مشين، ولذا كان الأصل في الإسلام النهي عن التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) بجميع صوره وأشكاله، سواء كان تجسس الفرد على الفرد، أو الفرد على الدولة، أو الدولة على الدولة؛ لأنَّ التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) انتهاك لحرمة المسلم، وكشف ستره، وقد يسبب الحقد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2074) والبغض بين أفراد المجتمع المسلم، وهذا الذي يرفضه الإسلام جملة وتفصيلًا) .
تجسس مشروع:
وأما النوع الثاني من أنواع التجسس، وهو التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) المشروع، فـيراد به كلُّ تجسس يهدف إلى مصلحة الدولة الإسلامية في تعاملها مع أعدائها، أو تطهيره المجتمعات من أهل الشرِّ والفساد، وملاحقتهم والتضييق عليهم.
وهذا القسم من أقسام التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) يتفاوت حكمه التكليفي من الوجوب إلى الإباحة، حسب ما تقتضيه المصلحة والضرورة، فهناك ما هو تجسس واجب: (وهو ما يكون طريقًا إلى إنقاذ نفس من الهلاك، أو القضاء على الفساد الظاهر؛ كاستدراك فوات حرمة من حرمات الله... ووجه وجوبه أنَّ ذلك من ضمن وسيلة النهي عن المنكر) . وهناك ما هو تجسس مباح، وهو ما عدا ذلك من الصور التي استثناها الشرع من التحريم، ولا تصل إلى درجة الوجوب، كالتجسس على الأعداء لمعرفة عددهم وعتادهم وغيرها .

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:05 AM
آثار التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) الممنوع

1- أن التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) مظهر من مظاهر سوء الظنِّ، وأثر من آثاره، فهو متولِّد عن صفة مذمومة سيئة نهى عنها الدين الحنيف.
وذلك (لأنَّ الظنَّ يبعث عليه حين تدعو الظانَّ نفسه إلى تحقيق ما ظنَّه سرًّا، فيسلك طريق التجسس) .
2- والتجسس صورة من صور ضعف الإيمان، وضعف التدين، وقلة المراقبة، هذا على الجانب الديني؛ أما الأخلاقي والسلوكي، فهو يدلُّ على دناءة النفس وخسَّتها، وضعف همَّتها، وانشغالها بالتافه من الأمور عن معاليها وغاياتها.
3- وهو سبيل إلى قطع الصلات، وتقويض العلاقات، وظهور العداء بين الأحبة، وبثِّ الفرقة بين الإخوان، (فقد يرى المتجسس مِن المتجسس عليه ما يسوءه، فتنشأ عنه العداوة والحقد. ويدخل صدره الحرج والتخوف؛ بعد أن كانت ضمائره خالصة طيبة، وذلك من نكد العيش) .
4- وبالتجسس تنهار القدوات، وتصغر في الأعين القامات، وعندها تهون الذنوب وتحقَّر السيئات، وتفسير ذلك أنَّ المتجسس عليه إذا كان في منزل القدوة؛ واطلع منه على أمر سيئ، أو ذنب، أو معصية فإنَّه لا شكَّ سيقلُّ قدره، وستتلاشى مكانته، ولن يقبل منه نصحًا ولا توجيهًا، بل ربما تهون المعصية التي عملها على المتجسس فيعملها؛ بحجة أن ليس أحسن حالًا من فلان القدوة الذي تلبس بها.
5- والتجسس يؤدي إلى فساد الحياة؛ فتصبح مليئة بالشكوك والتخوفات، فلا يأمن الإنسان على خصوصياته من أن تنكشف أو تظهر للناس، بل يعيش المرء في حالة من الشك الذي لا ينتهي، وهذا تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاوية رضي الله عنه قال: ((إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم)) .
6- والتجسس يؤدي إلى الكراهية، ويدفع إلى الانتقام، فإذا علم شخص ما أن فلان يتجسس عليه، ويريد أن يهتك ستره، ويفضح أمره سعى هو من جانبه إلى التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) عليه، وفضحه وهكذا.
يقول ابن عاشور: فـ (إن اطلع المتجسس عليه على تجسس الآخر ساءه؛ فنشأ في نفسه كره له، وانثلمت الأخوة...، ثم يبعث ذلك على انتقام كليهما من أخيه) http://dorar.net/misc/tip.gif .
7- كما أنَّه سبيل إلى إشاعة الفاحشة بين المسلمين، وانتشار السوء بينهم، وذلك بما يحصل من نشر لما استتر من الفضائح، وإظهار لما خفي من السوءات.
8- وهو دليل بين واضح على سوء الطوية، وعن نفاق يعشش في القلب، وأنَّ صاحبه بعيد عن الإيمان وإن ادعاه، مجانب للتقوى وإن تزيا بلباسها، لذا كان نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذه صفته بقوله: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه...)).
9- أن صاحبه متوعَّد بالفضيحة وكشف العورة حتى ولو كان في قعر داره، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنَّه من اتبع عوراتهم يتَبَّع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته)).
10- ويكفي التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) سوءًا أن صاحبه يعرض نفسه لغضب الله، واستحقاق العذاب الأليم، هذا في الآخرة، أما في الدنيا فيبقى مكروهًا مبغوضًا من الناس؛ فهو دائمًا في محل ريبة، لا يأنسون به، ولا يرتاحون بحضوره

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:11 AM
صور التجسس


صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) الممنوع:
- التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على بيوت المسلمين والاطلاع على عوراتهم (بالاستماع من وراء الأبواب، أو بالدخول في البيوت على حين غفلة من أهلها، أو باستئذان لغرض كاذب، كشرب الماء والمقصود غير ذلك... وكل ذلك لا يجوز في شرع الإسلام) .
- ومن صوره أيضًا اقتحام البيوت، والخلوات بحجة ضبط من فيها متلبسين بالمعصية، ولا شك أنَّ هذا مما لا يبيحه الشرع ولا يقبله.
- ومن صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) الممنوع التقصي والبحث عن معاصٍ وسيئات اقترفت في الماضي، والتجسس على أصحابها لمعرفتها.
قال السفاريني: (ويحرم تجسيس على ما يفسق به في الزمن الماضي، أو الفسق الماضي مثل أن يشرب الخمر في الزمن الذي مضى، وتبحث عنه أنت بعد مدة لأن ذلك إشاعة للمنكر بما لا فائدة فيه، ولا عود على الإسلام، وإنما هو عيب ونقص، فينبغي كفه ونسيانه دون إذاعته وإعلانه، وإنما يحرم التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) عن ذلك إن لم يجدد العود عليه، والإتيان به ثانيًا. فإن عاوده فلا حرمة إذن.
قال في الرعاية: ويحرم التعرض لمنكر فُعِل خفية على الأشهر، أو ماض، أو بعيد، وقيل يجهل فاعله ومحله. وقال أيضًا: لا إنكار فيما مضى وفات إلا في العقائد أو الآراء) .
- ومن صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) الممنوع استماع المرء إلى حديث قوم، وهم له كارهون، فقد تُوُعِّدَ على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه سيصبُّ في أذنه الآنك يوم القيامة بسبب فعلته. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، أو يفرون منه، صُبَّ في أذنه الآنك يوم القيامة)) .
(ومن هذا الحديث يُعلم أنَّ الاستماع لحديث الآخرين بغير رضاهم وإذنهم هو من التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) المحرم الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر منه، وكفى بترتيب العقوبة المذكورة في الحديث على من يفعل هذا دليلًا على حرمته) .
ويدخل في هذه الصورة من صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) التنصت على هواتف الناس ومكالماتهم، وهو (يتضمن معنى تسمع حديث قوم أو التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) عليهم، فيكون حكم المسألة هو حكم التجسس... أو يكون حكمه حكم التسمع إلى حديث قوم وهم كارهون؛ لأنَّ العادة أنَّ الناس لا يريدون أن يطلع على مكالمتهم أحد، والذي يتنصت على هواتف الناس بهذا المعنى يدخل تحت الوعيد) .
- ومن صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) الممنوع التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على الكافر المسالم، خاصة إذا لم يظهر منه ما يدعو للريبة، قال تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [الممتحنة: 8] .
- ومن أبشع صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) وأقبحها التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على المسلمين لصالح أعداء الدين (فإذا كان التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) للوقوف على عورات الأفراد ومعائبهم أمًرا محرمًا، فإنَّ التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على الأمة الإسلامية لحساب أعدائها أشدُّ حرمة، وأعظم خطرًا وضررًا على البلاد، والعباد، وخيانة لله ورسوله وللأمة، وقد تحدَّث الفقهاء رحمهم الله تعالى على عقوبة من يقوم بهذا العمل الخطير، الذي يُعرِّض الأمة الإسلامية بأكملها لأضرار فادحة، قد يستمرُّ أثرها لأمد بعيد، محطمًا كافة النواحي السياسية والاقتصادية، والاجتماعية للدولة الإسلامية) .
قال عبد القادر العاني: (ومن أكبر الكبائر وأفظعها التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على المسلمين، وإفشاء أسرارهم الحربية إلى أعدائهم، أو إلى من يوصل إليهم) .
(وإذ قد اعتبر النهي عن التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) من فروع النهي عن الظنِّ، فهو مقيَّد بالتجسس الذي هو إثم، أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة؛ صار التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) كبيرة. ومنه التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على المسلمين لمن يبتغي الضرَّ بهم...) .
صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) المشروع:
- من صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) المشروع التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على أعداء الأمة لمعرفة عددهم وعتادهم (فقد اتفق الفقهاء على أنَّ التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) والتنصت على الكفار في الحرب مشروع وجائز لمعرفة عددهم، وعتادهم، وما يخطِّطون له، ويدبِّرون من المكائد للمسلمين، وهو الأمر الذي يكون بعلم الإمام، وتحت نظره ومعرفته) .
(فالتجسس على أعداء الأمة الإسلامية بتتبُّع أخبارهم، والاطِّلاع على مخططاتهم التي يعدُّونها للقضاء على الأمة الإسلامية، وإثارة الفتنة والقلاقل بين صفوفها، وزعزعة أمنها واستقرارها أمر مشروع، بل قد يكون واجبًا في حالة قيام حرب بينهم وبين المسلمين، وقد دلَّ على مشروعيته الكتاب والسنة وعمل الصحابة:
فمن الكتاب: عموم قول الله تعالى:وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60].
فقد أمرت الآية المسلمين بإعداد ما يستطيعون من قوة لمواجهة الأعداء، ومن أسباب القوة التخطيط السليم، واليقظة والحذر، والتأهب الدائم؛ لإحباط مخططات الأعداء، ولا شكَّ أنَّ ذلك لا يتمُّ إلا بمعرفة أخبار الأعداء وخططهم، ورصد تحركاتهم، وما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب، فدلَّت الآية على مشروعية التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) على الأعداء بكلِّ وسيلة شريفة، وطريقة نبيلة).
ومن السنة أحاديث كثيرة، منها:
- عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: ((من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا، ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير: أنا. ثم قال: إنَّ لكلِّ نبيٍّ حواريًّا، وإنَّ حواريَّ الزبير)) .
- وعن المسور بن مخرمة، ومروان بن الحكم، يزيد أحدهما على صاحبه قالا: ((خرج النبي صلى الله عليه وسلم عام الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة، قلَّد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينًا له من خزاعة، وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان بغدير الأشطاط أتاه عينه، قال: إنَّ قريشًا جمعوا لك جموعًا، وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك، وصادُّوك عن البيت، ومانعوك. فقال: أشيروا أيها الناس عليَّ، أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدُّونا عن البيت، فإن يأتونا كان الله عزَّ وجلَّ قد قطع عينًا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين. قال أبو بكر: يا رسول الله، خرجت عامدًا لهذا البيت، لا تريد *** أحد، ولا حرب أحد، فتوجَّه له، فمن صدنا عنه قاتلناه. قال: امضوا على اسم الله)) .
(فهذه الأحاديث جميعها تدل على مشروعية جمع المعلومات عن الأعداء، وكشف مخططاتهم، وذلك بالطرق المشروعة والوسائل الشريفة، وأنَّه عليه الصلاة والسلام كان يتخير لهذه المهمة الأشخاص الذين كان يثق بهم حرصًا منه على صحة المعلومات التي تصله، ودقَّتها، لكي يبني عليها خططه العسكرية في مواجهة الأعداء) .
- ومن صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) المشروع (تتبع المجرمين الخطرين وأهل الريب، وقد عدَّه بعض الفقهاء من التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) المشروع إذا كانت جرائمهم ذات خطر كبير على الأفراد، أو على الأمَّة بأسرها، وغلب على الظنِّ وقوعها بأمارات وعلامات ظاهرة، وذلك كالتجسس على إنسان يغلب على الظنِّ أنَّه يتربص بآخر لي***ه، أو بامرأة أجنبية ليزني بها، بل قد يكون واجبًا إذا خيف فوات تدارك الجريمة بدون التجسس.
قال الرملي: (وليس لأحد البحث والتجسس، واقتحام الدور بالظنون، نعم إذا غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرينة ظاهرة، كإخبار ثقة جاز له، بل وجب عليه التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) إن فات تداركها ك*** وزنى، وإلا فلا) .
وذكر القاضي أبو يعلى جوازه في حالة ما إذا كان في تركه انتهاك حرمة يفوت استدراكها، مثل أن يخبره من يثق بصدقه أن رجلًا خلا برجل لي***ه، أو بامرأة ليزني بها، فيجوز له في مثل هذه الحال أن يتجسس، ويقدم على الكشف والبحث، حذرًا من فوات ما لا يُستدرك، من انتهاك المحارم، وارتكاب المحظورات .
- ومن صور التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) المشروع تفقد الوالي لأحوال رعيته لمعرفة المظلومين والمحتاجين، وتأمين احتياجاتهم؛ إذ هم أمانة في عنق الوالي .
ومن أمثلة ذلك:
- ما روي عن أسلم رضي الله عنه قال: خرجت ليلة مع عمر إلى حرة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا بنار، فقال: يا أسلم، هاهنا ركب قد قصر بهم الليل، انطلق بنا إليهم. فأتيناهم فإذا امرأة معها صبيان لها، وقدر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء. قالت: وعليك السلام.قال: أدنو؟ قالت: ادن أو دع. فدنا فقال: ما بالكم؟ قالت: قصر بنا الليل والبرد. قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟ قالت: من الجوع. فقال: وأي شيء على النار؟ قالت: ماء أعللهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر. فبكى عمر، ورجع يهرول إلى دار الدقيق، فأخرج عدلًا من دقيق، وجراب شحم، وقال: يا أسلم، احمله على ظهري، فقلت: أنا أحمله عنك. فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟ فحمله على ظهره، وانطلقنا إلى المرأة فألقي عن ظهره، وأخرج من الدقيق في القدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القدر، والدخان يتخلل لحيته ساعة، ثم أنزلها عن النار وقال: آتيني بصحفة. فأتي بها فغرفها ثم تركها بين يدي الصبيان وقال: كلوا، فأكلوا حتى شبعوا - والمرأة تدعو له، وهي لا تعرفه - فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم أوصلهم بنفقة وانصرف، ثم أقبل عليَّ فقال: يا أسلم، الجوع الذي أسهرهم، وأبكاهم .
- وقدم المدينة رفقة من تجار، فنزلوا المصلى فقال عمر لعبد الرحمن بن عوف: هل لك أن تحرسهم الليلة؟ قال: نعم! فباتا يحرسانهم ويصليان، فسمع عمر بكاء صبي فتوجَّه نحوه، فقال لأمه: اتَّق الله تعالى وأحسني إلى صبيك. ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إلى أمِّه فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه، فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي، فأتى إلى أمه فقال لها: ويحك، إنَّك أمُّ سوء، ما لي أرى ابنك لا يقرُّ منذ الليلة من البكاء؟! فقالت: يا عبد الله، إني أشغله عن الطعام فيأبى ذلك، قال: ولم؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم. قال: وكم عمر ابنك هذا؟ قالت: كذا وكذا شهرًا، فقال: ويحك لا تعجليه عن الفطام. فلما صلى الصبح، وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء. قال: بؤسًا لعمر. كم *** من أولاد المسلمين. ثم أمر مناديه فنادى، لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. وكتب بذلك إلى الآفاق .

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:13 AM
أسباب التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) الممنوع

للتجسس الممنوع عدة دوافع يمكننا أن نذكر منها ما يلي:
- الفضول المحض: قد يكون الدافع إلى التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) وتتبع عورات الناس هو الفضول المحض، وحبَّ الاستطلاع، ومعرفة ما خفي واستتر.
- قصد الإيذاء والفضيحة: فيتجسس على الشخص لكي يؤذيه، أو يفضحه؛ لغرض في نفسه، قد يكون دافعه الحسد، أو الكراهية، أو غير ذلك من الأمور.
- سوء الظنِّ: فالتجسس كما أسلفنا هو أثر من آثار سوء الظنِّ، فإذا ظنَّ شخص بشخص سوءًا دفعه ذلك إلى التحقُّق من ظنِّه، فيعمد إلى التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) وتتبع العورات.
- الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) والمعاملة بالمثل: وذلك إذا علم المتجسس عليه أن شخص ما يتتبع عورته، ويتجسس على خصوصياته، فعند ذلك يدفعه الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) إلى التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) والبحث والتقصي، وخاصة إذا تسبب المتجسس في أذيته وفضحه.
- أن يكون مدفوعًا من جهة ما للتجسس، نظير تحصيل مال أو غيره.

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:14 AM
الوسائل المعينة على ترك التجسس

1- أن يراقب الله تبارك وتعالى قبل كل شيء، ويخشى أليم عقابه، وقوة انتقامه، فإن في ذلك زاجرًا له عن هذه الخلة القبيحة.
2- أن يترك الإنسان فضوله، وحبه للتفتيش، والاستطلاع على الآخرين، وذلك بأن يشغل نفسه بما يهمه في دنياه وأخراه، ويعلق نفسه بمعالي الأمور، ويبعدها عن سفاسفها، ويعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) .
3- أن ينمي في نفسه الحرص على وحدة المسلمين وترابطهم، والخوف من تفككهم، وتقطع الأواصر بينهم، فإن هذا يجعله يبتعد عن كل ما يكون سببًا في تهديد هذه الوحدة والترابط، سواء كان ذلك السبب هو التجسس، أو غيره من الأخلاق السيئة.
4- أن يتدبر النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وآثار السلف التي تحذر من هذه الصفة فإن في ذلك رادع قوي وعلاج ناجع.
5- أن يعرف أن ما يفعله هو أذية للمسلمين، وأن أذيتهم لا تجوز شرعًا.
6- أن يخشى المتجسس من الفضيحة التي توعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يتتبعون عورات الناس، وأن الله سيفضحهم ولو في قعر دورهم.

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:20 AM
ذم التجسس (http://dorar.net/enc/akhlaq/1842) في واحة الشعر


قال الشاعر:

لا تلتمسْ مِن مساوي الناسِ ما ستروا *** فيهتكَ الناسُ سترًا مِن مساويكا



واذكرْ محاسنَ ما فيهم إذا ذكروا *** ولا تعِبْ أحدًا عيبًا بما فيكا


وقال آخر:

يخرجُ أسرارَ الفتى جليسُه *** ربَّ امرئٍ جاسوسُه أنيسُه


وشكا بعض الملوك تنقيب العوام عن أسرار الملوك فقال:

ما يريدُ الناسُ منا *** ما ينامُ الناسُ عنَّا



لو سكنَّا باطنَ الأر*** ضِ لكانوا حيث كنَّا



إنما همُّهمُ أن *** ينشروا ما قد دفنَّا

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=HWsFUr2qBYOkPcLLgLAD&psig=AFQjCNEnlVjrtd6fPK5p3msI7dQBlpEZDg&ust=1376173193203687)

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:23 AM
التَّعْسِير

معنى التَّعْسِير لغةً واصطلاحًا

معنى التَّعْسِير لغةً:
العُسْر: نقيض اليُسْر. والعُسْرة والإعسار: قِلَّة ذات اليَد، وأصل هذه المادة يدلُّ على صُعوبةٍ وشِدَّة. يقال: عسُر الأمر عسرًا وعَسارة، فهو عسير. أي: صعب شديد، وعسِر الأمر وتعسَّر واستعسر، وعسِر الرجل: قلَّ سماحه في الأمور. وعسَرتُ الغريم أعسُره طلبت منه الدين على عُسره، وأعسرته كذلك .
معنى التَّعْسِير اصطلاحًا:
أن يشدِّد الإنسان على نفسه أو غيره في أمر الدِّين بالزِّيادة على المشروع، أو في أمر الدُّنيا بترك الأَيْسَر ما لم يكن إثمًا

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:24 AM
أولًا: مِن القرآن الكريم
- قال تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطَّلاق: 6].
تضمنت هذه الآية (معاتبة للأمِّ على المعَاسَرة، كما تقول -لمن تستقضيه حاجةً فيتوانى-: سيقضيها غيرك. تريد أن تبقى غير مقضيَّة فأنت مَلُومٌ، قال سعدي المفتي: ولا يخلو عن معاتبة الأب -أيضًا-؛ حيث أسقط في الجواب عن حيِّز شرف الخطاب مع الإشارة إلى أنَّه إن ضُويِقَت الأمُّ في الأجر، فامتنعت مِن الإرضاع لذلك، فلا بدَّ مِن إرضاع امرأة أخرى، وهي -أيضًا- تطلب الأجر في الأغلب الأكثر، والأُمُّ أشفق وأحنُّ، فهي به أولى، وبما ذكرنا يظهر كمال الارتباط بين الشَّرط والجزاء) .
- وقال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 280].
قال ابن كثير: (قوله: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ : يأمر تعالى بالصَّبر على المعسر الذي لا يجد وفاءً، فقال: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ. أي: لا كما كان أهل الجاهليَّة يقول أحدهم لمدِينه إذا حلَّ عليه الدَّين: إمَّا أن تقضي وإمَّا أن تُرْبِي. ثمَّ يندب إلى الوضع عنه، ويَعِدُ على ذلك الخير والثَّواب الجزيل، فقال: وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . أي: وأن تتركوا رأس المال بالكليِّة وتضعوه عن المدِين) .

محمد رافع 52
10-08-2013, 12:34 AM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة
- عن عبد الله بن أبي قتادة، أنَّ أبا قتادة، طلب غريمًا له، فتوارى عنه ثم وجده، فقال: إني معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله؟ قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفِّس عن معسر، أو يضع عنه)) .
(أي: ليؤخر مطالبة الدين عن المدين المعسر. وقيل: معناه يفرج عنه، أو يضع عنه، أي: يحط عنه، وهذا مقتبس من مشكاة قوله تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ) .
قال القاري: (فلينفِّس -بتشديد الفاء المكسورة- أي: فليؤخِّر مطالبته عن مُعْسِر، أي: إلى مدَّة يجد مالًا فيها، أو يضع -بالجزم- أي: يحطُّ ويترك عنه -أي عن المعْسِر- كلَّه أو بعضه. فائدة الفرض أفضل مِن النَّفل بسبعين درجة إلَّا في مسائل. الأَوْلَى إبراء المعْسِر مندوب وهو أفضل من إنظاره) .
- عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله تعالى عليه وآله وسلَّم: ((لا تشدِّدوا على أنفسكم فيشدِّد الله عليكم، فإنَّ قومًا شدَّدوا على أنفسهم فشدَّد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصَّوامع والدِّيار؛ رهبانيَّة ابتدعوها ما كتبناها عليهم)) .
قال ابن تيمية: (ففيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد في الدين بالزيادة على المشروع.
والتشديد: تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب، ولا مستحب: بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات، وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم، ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه، في الطيبات؛ وعلل ذلك بأنَّ الذين شددوا على أنفسهم من النصارى، شدَّد الله عليهم لذلك، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة) .
وقال ابن القيِّم: (نهى النَّبيُّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن التَّشديد في الدِّين، وذلك بالزِّيادة على المشروع، وأخبر أنَّ تشديد العبد على نفسه هو السَّبب لتشديد الله عليه، إمَّا بالقَدَر، وإمَّا بالشَّرع، فالتَّشديد بالشَّرع: كما يشدِّد على نفسه بالنَّذر الثَّقيل، فيلزمه الوفاء به، وبالقَدَر: كفعل أهل الوسواس؛ فإنَّهم شدَّدوا على أنفسهم، فشدَّد عليهم القَدَر، حتى استحكم ذلك، وصار صفة لازمة لهم) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: ((جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) .
قال ابن تيمية معلقًا على هذا الحديث: (والأحاديث الموافقة لهذا كثيرة في بيان أنَّ سنته التي هي الاقتصاد: في العبادة، وفي ترك الشهوات؛ خير من رهبانية النصارى، التي هي: ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره، والغلو في العبادات صومًا وصلاة) .
وقال ابن حجر: (قوله: إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره فأعلمهم أنَّه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون وإنما كان كذلك لأنَّ المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه) .
- عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أنظر معسِرًا، أو وضع عنه، أظلَّه الله في ظلِّه)) .
قال الطَّحاوي: (الإِعسار قد يكون على العدم الذي لا يُوصَل معه إلى شيء، وقد يكون على القِلَّة التي يُوَصل معها، ما إذا أخذ ممَّن عليه الدَّين فَدَحَه وكَشَفَه، وأضرَّ به، والعُسْرَة تجمعهما جميعًا، غير أنَّهما يختلفان فيها، فيكون أحدهما بها مُعْدَمًا، ولا يكون الآخر منهما بها مُعْدَمًا، وكلُّ مُعْدَمٍ مُعْسِر، وليس كلُّ مُعْسِرٍ مُعْدَمًا، فقد يحتمل أن يكون المعْسِر المقصود بما في هذه الآثار إليه هو المعْسِر الذي يجد ما إن أُخِذ منه فَدَحه، وكَشَفه، وأضرَّ به، فمَن أَنْظَر مَن هذه حاله بما له عليه، فقد آثره على نفسه، واستحقَّ ما للمُؤثِرين على أنفسهم، وكان مِن أهل الوَعْد الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار) .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي -صلَّى الله عليه وآله وسلِّم- قال: ((مَن نفَّس عن مؤمن كربةً مِن كرب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كربةً مِن كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسرٍ، يسَّر الله عليه في الدُّنيا والآخرة. ومَن ستر مسلمًا، ستره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنَّة، وما اجتمع قومٌ في بيت مِن بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلَّا نزلت عليهم السَّكينة، وغشيتهم الرَّحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومَن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه)) .
قال ابن رجب: (هذا -أيضًا- يدلُّ على أنَّ الإعسار قد يحصل في الآخرة، وقد وصف الله يوم القيامة بأنَّه يوم عسير، وأنَّه على الكافرين غير يسير، فدلَّ على أنَّه يسير على غيرهم، وقال: وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا [الفرقان: 26].
والتَّيسير على المعْسِر في الدُّنيا مِن جهة المال يكون بأحد أمرين:
إمَّا بإنظاره إلى الميْسَرة، وذلك واجب، كما قال تعالى: وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة: 280]، وتارة بالوضع عنه إن كان غريمًا، وإلَّا فبإعطائه ما يزول به إعساره، وكلاهما له فضل عظيم) .
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((كان تاجر يُدَاين النَّاس، فإذا رأى مُعْسِرًا، قال لصبيانه: تجاوزوا عنه، لعلَّ الله أن يتجاوز عنَّا، فتجاوز الله عنه)) .
قال النَّووي: (والتَّجاوز والتَّجوُّز معناهما المسَامَحة في الاقتضاء والاستيفاء، وقبول ما فيه نقص يسير، كما قال: وأتجوَّز في السِّكة. وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعْسِر والوضع عنه، إمَّا كلَّ الدَّين، وإمَّا بعضه مِن كثيرٍ أو قليلٍ، وفضل المسَامَحة في الاقتضاء وفي الاستيفاء، سواء استوفى مِن مُوسِر أو مُعْسِر، وفضل الوضع مِن الدَّين، وأنَّه لا يحتقر شيء مِن أفعال الخير، فلعلَّه سبب السَّعادة والرَّحمة. وفيه جواز توكيل العبيد، والإذن لهم في التَّصرُّف) .
- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا)) .
قال النَّووي: (جمع في هذه الألفاظ بين الشَّيء وضدِّه؛ لأنَّه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على ((يسِّروا)) لصدق ذلك على مَن يسَّر مرَّةً أو مرَّات، وعَسَّر في معظم الحالات، فإذا قال: ((ولا تعسِّروا)) انتفى التَّعْسِير في جميع الأحوال مِن جميع وجوهه، وهذا هو المطلوب، وكذا يقال في: ((يسِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) لأنَّهما قد يتطاوعان في وقت، ويختلفان في وقت، وقد يتطاوعان في شيء، ويختلفان في شيء.
وفي هذا الحديث الأمر بالتَّبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، والنَّهي عن التَّنْفِير بذكر التَّخويف، وأنواع الوعيد محضة مِن غير ضمِّها إلى التَّبشير. وفيه تأليف مَن قَرُب إسلامه، وترك التَّشديد عليهم، وكذلك مَن قارب البلوغ مِن الصِّبيان ومَن بلغ، ومَن تاب مِن المعاصي، كلُّهم يُتَلطَّف بهم، ويُدرَجون في أنواع الطَّاعة قليلًا قليلًا، وقد كانت أمور الإسلام في التَّكليف على التَّدريج، فمتى يسَّر على الدَّاخل في الطَّاعة -أو المريد للدُّخول فيها- سَهُلَت عليه، وكانت عاقبته -غالبًا- التَّزايد منها، ومتى عَسُرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دَخَل أوشك أن لا يدوم، أو لا يَسْتَحْلِيَها. وفيه أمر الوُلَاة بالرِّفق، واتِّفاق المتشاركين في ولاية ونحوها، وهذا مِن المهمَّات؛ فإنَّ غالب المصالح لا يتمُّ إلَّا بالاتِّفاق، ومتى حصل الاختلاف فات. وفيه وصيَّة الإمام الوُلَاة، وإن كانوا أهل فضل وصلاح، كمعاذ وأبي موسى؛ فإنَّ الذِّكرى تنفع المؤمنين) .
- وعن أبي هريرة قال: ((قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله النَّاس، فقال لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأريقوا على بوله سجلًا مِن ماء، أو ذَنُوبًا مِن ماء، فإنَّما بُعِثتُم ميسِّرين، ولم تُبْعَثوا معسِّرين)) .
قال العيني: (فيه مراعاة التَّيسير على الجاهل، والتَّألف للقلوب) .
وأولى الناس بالتيسير الداعية إلى الله؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك المفتي عليه أن يراعي التيسير ورفع الحرج عن الناس.
يقول ابن العربي (إذا جاء السَّائل عن مسألة، فوجدتم له مَخْلَصًا فيها، فلا تسألوه عن شيء، وإن لم تجدوا له مَخْلصًا فحينئذ اسألوه عن تصرُّف أحواله وأقواله ونيَّته، عسى أن يكون له مَخْلصًا) .

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:32 PM
أقوال السَّلف والعلماء في التَّعْسِير
- عن عون بن أبي جُحَيفة عن أبيه قال: ((آخى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدَّرداء، فزار سلمان أبا الدَّرداء، فرأى أمَّ الدَّرداء متبذِّلةً، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: أخوك أبو الدَّرداء ليس له حاجة في الدُّنيا. فجاء أبو الدَّرداء، فصنع له طعامًا، فقال: كُلْ. قال: فإنِّي صائمٌ. قال: ما أنا بآكلٍ حتى تأكل. قال: فأكل، فلمَّا كان اللَّيل ذهب أبو الدَّرداء يقوم، قال: نَمْ. فنام، ثمَّ ذهب يقوم، فقال: نَمْ. فلمَّا كان مِن آخر اللَّيل قال سلمان: قُم الآن. فصلَّيا، فقال له سلمان: إنَّ لربِّك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حقَّه. فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان)) .
- كان أبو موسى يشدِّد في البول، ويبول في قارورة، ويقول: إنَّ بني إسرائيل كان إذا أصاب جلد أحدِهم بولٌ، قرضه بالمقاريض، فقال حذيفة: ((لوددت أنَّ صاحبكم لا يشدِّد هذا التَّشديد، فلقد رأيتني أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نتماشى، فأتى سُبَاطَة خلف حائط، فقام كما يقوم أحدكم، فبال، فانتبذت منه، فأشار إليِّ فجئت، فقمت عند عقبه حتى فرغ)) .
- قال عبد الملك بن عبد العزيز لأبيه -وقد دخل في القائلة-: (يا أبت، على ما تقيل وقد تداركت عليك المظالم، لعلَّ الموت يدركك في منامك، وأنت لم تقضِ دأب نفسك ممَّا ورد عليك! قال: فشدَّد عليه، قال: فلمَّا كان اليوم الثَّاني فعل به مثل ذلك، قال عمر: يا بنيَّ، إنَّ نفسي مطيَّتي، وإن لم أرفق بها لم تبلِّغني، يا بنيَّ، لو شاء الله عزَّ وجلَّ أن ينزِّل القرآن جملةً واحدةً لفعل، نزَّل الآية بعد الآية حتى إبطاء ذلك في قلوبهم، يا بنيَّ، إنِّي لم أجد الحَقْحَقة تردُّ إلى خيرٍ) .
- عن الحسن قال: (إنَّ هذا الدِّين دينٌ واصب ، وإنَّه مَن لا يصبر عليه يدعه، وإنَّ الحقَّ ثقيل، وإنَّ الإنسان ضعيف، وكان يقال: ليأخذ أحدكم مِن العمل ما يطيق، فإنَّه لا يدري ما قَدْرُ أجله، وإنَّ العبد إذا ركب بنفسه ال***، وكلَّف نفسه ما لا يطيق، أوشك أن يسيب ذلك كلَّه، حتى لعلَّه لا يقيم الفريضة، وإذا ركب بنفسه التَّيسير والتَّخفيف، وكلَّف نفسه ما تطيق كان أكيس أو قال: كان أكثر العاملين، وأمنعها مِن هذا العدو وكان يقال: شرُّ السَّير الحَقْحَقة) .
- وقال الضَّحاك: (مَن كان ذا عُسْرَةٍ فنظرة إلى مَيْسَرة، وكذلك كلُّ دَيْنٍ على المسلم، فلا يحلُّ لمسلم له دَيْن على أخيه -يعلم منه عُسْرَة- أن يسجنه، ولا يطلبه حتى ييسِّره الله عليه) .
- وقال عمر بن عبد العزيز: (مَن لم يكن له إلَّا مَسْكن، فهو والله مُعْسِر ممَّن أمر الله بإنظاره) .
- وقال ابن القيِّم: (لـمَّا ذكر شيئًا مِن مكائد الشَّيطان، قال بعض السَّلف: ما أمر الله تعالى بأمرٍ إلَّا وللشَّيطان فيه نزغتان، إمَّا إلى تفريط وتقصير، وإمَّا إلى مجاوزةٍ وغلوٍّ، ولا يبالي بأيِّها ظَفَر، وقد اقتطع أكثر النَّاس -إلَّا القليل- في هذين الواديين: وادي التَّقصير، ووادي المجاوزة والتَّعدِّي. والقليل منهم الثَّابت على الصِّراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه) .
- وقال ابن حجر: (لا يتعمَّق أحدٌ في الأعمال الدِّينيَّة، ويترك الرِّفق إلَّا عجز وانقطع، فيُغْلَب) .
- وقال العيني: (التشديد، وهو تحمل المشقة الزائدة في العبادة، وذلك لمخافة الفتور (http://dorar.net/enc/akhlaq/2557) والإملال، ولئلا ينقطع المرء عنها، فيكون كأنه رجع فيما بذله من نفسه وتطوع به) .

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:34 PM
آثار التَّعْسِير

1- من أكبر المضار وأولاها بالذكر هي أنَّ من كانت صفته التعسير (http://dorar.net/enc/akhlaq/1866) يعتبر مخالفًا لأمر الله، بعيدًا عن شرعه، فالله تبارك وتعالى قد أمر بالتيسير على العباد، والتسهيل في التعامل معهم.
2- قد يدفع به إلى تصرفات غير لائقة، قد تضره في دينه أو دنياه، فقد يفعل المعسر أعمالًا محرمة، وأفعالًا مشينة، والداعي هو التعسير، فقد يضطره إلى السرقة أو النصب أو الاحتيال، بغرض فك عسرته، ودفع الحرج عنه.
3- زرع بذور البغض والكراهية في الصدور، فتظهر في واقع الناس، فيتحول المجتمع إلى مجتمع يتصف بالنفرة والتجافي، يكره بعضه بعضًا، ويحقد بعضه على بعض، فالتعسير نازع لأواصر المحبَّة، قاطع لحبالها، فكم من معسر بتعسيره فارق أصحابه وأحبابه، بل إخوانه وأهله، والعكس بالعكس، فما يسر ميسر إلا صار تيسيره رحمًا بينه وبين من يسر في معاملتهم.
4- التعسير (http://dorar.net/enc/akhlaq/1866) ي*** فضيلة الرفق (http://dorar.net/enc/akhlaq/581) بين الناس، أو يضعفها.
5- يسبب الانقطاع عن أعمال الخير، فالمشدد على نفسه لا يبلغ ما يرجوه، بل يقع عادةً فتور بعد تعسيره، يجعله يمتنع مِن العبادة بالكليَّة، فالتشديد فى العبادة يسبب الفتور (http://dorar.net/enc/akhlaq/2557) والملل.

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:38 PM
صور التَّعْسِير

للتَّعْسِير صورٌ كثيرةٌ، أهمُّها ما يلي:
1- التَّعْسِير على المدِين عند تأخُّره عن قضاء الدَّين -لعدم مقدرته- وعدم إنظاره، ويخرج مِن هذه الصُّورة: أن يكون المدِين قادرًا على الإعطاء، ومع ذلك يمتنع عن دفع دَيْنِه، فيجوز للدَّائن عندئذ شكايته لولي الأمر-أو مَن ينوب عنه- لأخذ ماله عَنْوَة، لذا قال صلى الله عليه وسلم: ((مَطْل الغنيِّ ظُلْمٌ)) .
2- التَّعْسِير في النَّفقة، وهي تضييق الرَّجل على أهله في النفقة، ولها حالتان:
أولًا: إذا كان هذا بغير اختياره فلا شيء عليه، كما قال تعالى: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطَّلاق: 7].
ثانيًا: إذا كان هذا باختياره -مع مقدرته على الإنفاق عليهم بما يسدُّ حاجتهم- فيحرم عليه، كما قال تعالى: وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ [الطَّلاق: 6].
3- التَّعْسِير مع الأجير: بعدم إعطائه حقَّه كاملًا، أو ببخسه.
4- التَّعْسِير على مَن أراد النِّكاح بالمغالاة في مهور النِّكاح، بل واشتراط بعض الشُّروط الخارجة عن المهر: كحجز قاعة لإقامة العرس، وغيره ممَّا يدفع الشَّباب للعزوف عن النِّكاح.
5- التَّعْسِير على الفقير والمحتاج.
6- تَعْسِير ولاة الأمور على الرَّعية: بعدم تلبية حاجاتهم، أو وضع العوائق الكثيرة للحصول على تلك الحاجيات.
7- استعمال الشدة في الدَّعوة والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فالأمر بالمعروف لا يكون إلَّا بالمعروف، والنَّهي عن المنكر يكون غير منكر.
8- تَعْسِير المرء على نفسه: فربما يترك الأخذ بالرخصة، فيقع في حرج ومشقة، معسِّرًا على نفسه، مع أنَّ الله سبحانه يحب أن تُؤتَى رخصه، وقد رفع عنا الحرج، وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185].

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:40 PM
أسباب الوقوع في التَّعْسِير

1- مخالفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأمره بالتيسير.
2- لا يلجأ للتعسير وتعقيد الأمور إلا من كان في خلقه التواء، وفي طبعه كزازة ، وفي تربيته نقص وخلل .
3 – حب الدنيا، والتعلق بالمال، دون النظر إلى الغير أو مراعاتهم، أو تقدير ظروفهم.
4- الجهل بعواقبه الدنيوية والأخروية، والجهل بما يجنيه التيسير من مكاسب وفوائد.
5- ضعف الإيمان، وقلة الدين، والبعد عن مواطن الخير.
6 – مجالسة من يتخلقون به، فمن جالس جانس، وصاحب الأخلاق الرديئة يعدي كما يعدي الأجرب.
7- سوء التربية، فمن تربى في مجتمع يسوده التشديد في الأمور، والتعسير، فسينشأ على هذا الخلق ويعتاده.
8- تزيين الشَّيطان له.
9- ضعف أواصر المحبَّة والألفة بين المسلمين.
10- قلَّة المربِّين والموجِّهين المخلصين.

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:42 PM
الوسائل المعينة على ترك التَّعْسِير

1- أن يطلع المرء على المكاسب التي سيجنيها الميسر، في الأجلين القريب والبعيد، كما يطلع على المضار التي قد يتسبب فيها بتعسيره وتشديده.
2- تربية الأبناء على التيسير في الأمور، والسهولة في المعاملة، وإنظار المعسرين، وبهذا ينشئ الناشئ على هذا الخلق، ومن ثم يصبح سجية له، وطبعًا.
3- البعد عمن جعل هذه الخلق ديدنه، ومجافاته وهجره، وفي هذا فائدة للطرفين، فالأول سلمت له أخلاقه، فلم تصبه لوثة من الأخلاق الرديئة، والثاني ربما يرتدع ويعرف أن ما هو واقع فيه من التعسير (http://dorar.net/enc/akhlaq/1866) والتشدد أمر مذموم.
4- تقوية الإيمان سبب لترك جميع الأخلاق السيئة، فمن قوي إيمانه اتصف بما هو أهل له من أخلاق المؤمنين، وترك ما يخالفها.
5- الاقتصاد في العبادة، وفي الحديث: ((عليكم من الأعمال ما تطيقون)) .
6- أن يعامل المرء غيره بما يحبُّ أن يعاملوه به، فهو لا يرضى أن يعسِّر أحدٌ عليه في أي جانب مِن جوانب حياته، فعليه أن يعامل النَّاس بذلك.
7- أن التَّعْسِير على النَّاس -خاصَّة في أمر النِّكاح- قد يحملهم على نيل شهواتهم في الحرام بعدما حُرِمُوها في الحلال.

8- أنَّ مِن معالم
الجود (http://dorar.net/enc/akhlaq/380) والكَرَم أن يدفع المرء ماله لأجل نفع غيره مِن غير أن ينتظر منهم جزاءً أو شكورًا، فكيف بمن يعطي ويعلم أنَّه سيأخذ ماله؛ لكن مَدِينُه أُعْسِر، فهو أولى بإنظاره، بل أولى أن يضع عنه مِن دَيْنِه إن لم يُسْقِط عنه المال.

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:43 PM
التفريق بين طلب الأكمل في العبادة والتنطع فيها
عن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّين أحدٌ إلَّا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء مِن الدُّلجة )) .
قال ابن المنِير: (في هذا الحديث عَلَمٌ مِن أعلام النُّبوَّة؛ فقد رأينا ورأى النَّاس قبلنا أنَّ كلَّ متنطِّعٍ في الدِّين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنَّه مِن الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدِّي إلى الملَال أو المبالغة في التَّطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلِّي اللَّيل كلَّه، ويُغَالِب النَّوم إلى أن غلبته عيناه في آخر اللَّيل، فنام عن صلاة الصُّبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشَّمس فخرج وقت الفريضة) .

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:47 PM
ذم التَّعْسِير في واحة الشِّعر:

قال الشاعر:


فإن يكنِ الرَّحمنُ أعطاك ثروةً *** فأصبحتَ ذا يَسَرٍ وقد كنتَ ذا عُسْرِ



فتابعْ له حمدًا وشكرًا مع الثَّنا *** يزِدْك وتأمنْ يا أخي مِن الفقرِ



وأَخْرِج لحقِّ الله منها مُبَادِرًا *** لمَن كان ذا فقرٍ قريبٍ وذي عُسْرِ



وقال ابن البواب:


فالأمرُ يصعبُ ثمَّ يرجعُ هيِّنا *** ولرُبَّ سهلٍ جاء بعد عَسِيرِ

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:57 PM
http://img15.hostingpics.net/pics/165424mawssou3a.png (http://www.google.com.eg/url?sa=i&rct=j&q=&esrc=s&frm=1&source=images&cd=&cad=rja&docid=-3GQ6YnWNUXWCM&tbnid=Ybv-Crg6W5x9FM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fwww.mltzm.com%2Fvb%2Fshowthread.p hp%3Ft%3D40126&ei=-Fj0Ua0dh7E5hJuAsAY&bvm=bv.49784469,d.ZWU&psig=AFQjCNHSa-4fGfgE42LLoxcEGGW5xz6R9g&ust=1375054430107219)
التقليد

معنى التقليد لغة واصطلاحًا:
التقليد لغةً:
التقليد: وضع الشيء في العنق مع الإحاطة به، ويسمى ذلك قلادة، ويأتي بمعنى الإلزام، والتناوب وأصل هذه المادة يدل على تعليق شيء وليه به .
التقليد اصطلاحًا:
قال ابن تيمية: التقليد هو قبول القول بغير دليل .
وقال الجرجاني: (عبارة عن اتباع الإنسان غيره فيما يقول أو يفعل، معتقدًا للحقيقة فيه، من غير نظر وتأمل في الدليل) .

محمد رافع 52
12-08-2013, 09:59 PM
الفرق بين التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) وبين الاتباع والعلم والتنحيت
- الفرق بين التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والاتباع:
كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك- فأنت مقلده، والتقليد في دين الله غير صحيح.
وكل من أوجب عليك الدليل اتباع قوله فأنت متبعه، والاتباع في الدين مسوغ .
- الفرق بين العلم والتقليد:
أنَّ العلم هو اعتقاد الشيء على ما هو به على سبيل الثقة.
والتقليد قبول الأمر ممن لا يُؤمن عليه الغلط بلا حجة .
- الفرق بين التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والتنحيت:
أن التنحيت هو الاعتقاد الذي يعتدُّ به الإنسان من غير أن يرجحه على خلافه، أو يخطر بباله أنه بخلاف ما اعتقده، وهو مفارق للتقليد ما يُقلَّد فيه الغير، والتنحيت لا يُقلَّد فيه أحد .

محمد رافع 52
12-08-2013, 10:08 PM
ذمُّ التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والتبعية والنهي عنهما
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة: 170-171].
قال السعدي: (أخبر تعالى عن حال المشركين إذا أُمِروا باتِّباع ما أنزل الله على رسوله -ممَّا تقدَّم وصفه- رغبوا عن ذلك، وقالوا: بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا، فاكتفوا بتقليد الآباء، وزهدوا في الإيمان بالأنبياء، ومع هذا فآباؤهم أجهل النَّاس، وأشدُّهم ضلالًا، وهذه شبهة -لردِّ الحقِّ- واهيةٌ، فهذا دليلٌ على إعراضهم عن الحقِّ، ورغبتهم عنه، وعدم إنصافهم، فلو هُدُوا لرُشْدِهم، وحسن قصدهم، لكان الحقُّ هو القَصْد، ومن جعل الحقَّ قصده، ووازن بينه وبين غيره، تبيَّن له الحقُّ قطعًا، واتَّبعه إن كان مُنصفًا.
ثمَّ قال تعالى: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ [البقرة: 171].
لـمَّا بيَّن تعالى عدم انقيادهم لِمَا جاءت به الرُّسل، وردَّهم لذلك بالتَّقليد، عُلِم مِن ذلك أنَّهم غير قابلين للحقِّ، ولا مستجيبين له، بل كان معلومًا لكلِّ أحدٍ أنَّهم لن يزُولُوا عن عنادهم، أخبر تعالى أنَّ مَثَلَهم عند دعاء الدَّاعي لهم إلى الإيمان، كمَثَل البهائم التي ينعِق لها راعيها، وليس لها علمٌ بما يقول راعيها ومناديها، فهم يسمعون مجرَّد الصَّوت الذي تقوم به عليهم الحجَّة، ولكنَّهم لا يفقهونه فقهًا ينفعهم، فلهذا كانوا صمًّا لا يسمعون الحقَّ سماع فهمٍ وقبول، عُمْيًا لا ينظرون نظر اعتبار، بُكْمًا فلا ينطقون بما فيه خيرٌ لهم .
وقال القرطبي: (قال علماؤنا: وقوَّة ألفاظ هذه الآية تعطي إبطال التَّقليد، ونظيرها: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا [المائدة: 104] الآية) .
- وقال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة: 104].
أي: إذا دُعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه، وترك ما حرَّمه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الآباء والأجداد مِن الطَّرائق والمسالك، قال الله تعالى: أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا أي: لا يفهمون حقًا، ولا يعرفونه، ولا يهتدون إليه، فكيف يتَّبعونهم والحالة هذه؟! لا يتَّبعهم إلَّا مَن هو أجهل منهم، وأضلُّ سبيلًا .
- وقال -سبحانه-: قَالُواْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاء فِي الأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ [يونس: 78].
أي: أجئتنا لتصدَّنا عمَّا وجدنا عليه آباءنا مِن الشِّرك وعبادة غير الله، وتأمرنا بأن نعبد الله وحده لا شريك له؟! فجعلوا قول آبائهم الضَّالين حُجَّةً، يردُّون بها الحقَّ الذي جاءهم به موسى -عليه السَّلام- .
- وقوله تعالى: قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 53].
- وقال: قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ [الشُّعراء: 74].
قال ابن كثير: (لم يكن لهم حُجَّة سوى صنيع آبائهم الضُّلَّال) .
وقال: (يعني: اعترفوا بأنَّ أصنامهم لا تفعل شيئًا مِن ذلك، وإنَّما رأوا آباءهم كذلك يفعلون، فهم على آثارهم يُهرَعون) .

وقال ابن عبد
البر (http://dorar.net/enc/akhlaq/171) بعدما سرد الآيات التي فيها ذم التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) كقوله تعالى:
- إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ [البقرة: 166-167] - وقوله: إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَقَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ [الأنبياء: 52-53 ]
وقوله: إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا [الأحزاب: 67].
قال: (وقد احتج العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد، ولم يمنعهم كفر أولئك من جهة الاحتجاج بها؛ لأن التشبيه لم يقع من جهة كفر أحدهما وإيمان الآخر، وإنما وقع التشبيه بين التقليدين بغير حجة للمقلد، كما لو قُلِّد رجل فكفر، وقُلِّد آخر فأذنب، وقُلِّد آخر في مسألة دنياه فأخطأ وجهها، كان كلُّ واحد ملومًا على

التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) بغير حجة؛ لأنَّ كلَّ ذلك تقليد يشبه بعضه بعضًا، وإن اختلفت الآثام فيه)

محمد رافع 52
12-08-2013, 10:12 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن عدي بن حاتم: ((أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عنقي صليب، فقال لي: يا عدي بن حاتم، ألق هذا الوثن من عنقك. وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ [التوبة: 31]. قال: قلت: يا رسول الله، إنا لم نتخذهم أربابًا، قال: بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه، ويحرموه عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه؟ فقلت: بلى، قال: تلك عبادتهم)) .

محمد رافع 52
12-08-2013, 10:15 PM
أقوال السَّلف والعلماء في التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والتبعية

- عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه كان يقول: (اغْدُ عالما أو متعلِّمًا، ولا تَغْد إمَّعة فيما بين ذلك) .
- وعنه -أيضًا- قال: (أَلَا لا يقلِّدنَّ أحدكم دينه رجلًا، إن آمن: آمن، وإن كفر: كفر ؛ وإن كنتم لا بدَّ مقتدين، فاقتدوا بالميِّت؛ فإنَّ الحيَّ لا يُؤمن عليه الفتنة) .
- وعنه -أيضًا- قال: (لا يكون أحدكم إمَّعة، قالوا: وما الإمَّعة يا أبا عبد الرَّحمن؟ قال: يقول: إنَّما أنا مع النَّاس، إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلُّوا ضللت، ألَا ليوطِّن أحدكم نفسه على إن كفر النَّاس، أن لا يكفر) .
- وعنه -أيضًا- قال: (لا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قالوا: وما الإمَّعة؟ قال: يجري مع كلِّ ريح) .
- وقال الخلَّال: وأخبرني حرب بن إسماعيل الكِرْماني، قال: (قلت لإسحاق -يعني ابن راهوية- ما معنى قوله: (لا يكون أحدكم إمَّعة)؟ قال: يقول: إن ضلَّ النَّاس ضللت، وإن اهتدوا اهتديت) .
- قال عبد الله بن مسعود: (ليوطِّننَّ المرء نفسه على أنَّه إن كفر مَن في الأرض جميعًا لم يكفر، ولا يكوننَّ أحدكم إمَّعة، قيل: وما الإمَّعة؟ قال: الذي يقول: أنا مع النَّاس؛ إنَّه لا أسوة في الشَّرِّ) .
- وفي رواية: (إذا وقع النَّاس في الفتنة فقل: لا أسوة لي بالشَّرِّ) .
- وعن الفضيل بن عياض قال: (اتَّبع طريق الهدى، ولا يضرُّك قلَّة السَّالكين، وإيَّاك وطرق الضَّلالة، ولا تغتـرَّ بكثرة الهالكين) .
- و(عن كُمَيْل بن زياد أنَّ عليًّا رضي الله عنه قال: يا كُمَيل: إنَّ هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها للخير، والنَّاس ثلاثة: فعالم ربَّانيٌّ، ومتعلِّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلِّ ناعق، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق.. إلى أن قال: أُفٍّ لحامل حقٍّ لا بصيرة له، ينقدح الشَّكُّ في قلبه بأول عارض مِن شبهة، لا يدري أين الحقُّ، إن قال أخطأ، وإن أخطأ لم يدر، مشغوفٌ بما لا يدري حقيقته، فهو فتنةٌ لمن فُتن به) .
- وقال ابن وهب: سألت سفيان عن الإمَّعة، فقال: (الإمَّعة في الجاهليَّة: الذي يُدْعَى إلى الطَّعام فيذهب معه بغيره، وهو فيكم اليوم المحْقِب دينه الرِّجال) .
- وقال ابن القيم: (وكانوا يسمون – أي: الصحابة والتابعون- المقلد الإمعة ومحقب دينه، كما قال ابن مسعود: الإمعة الذي يحقب دينه الرجال، وكانوا يسمونه الأعمى الذي لا بصيرة له، ويسمون المقلدين أتباع كل ناعق، يميلون مع كل صائح) .

محمد رافع 52
22-08-2013, 08:21 PM
آثار التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والتبعية

1- التفرق والميل عن سبيل الله:
قال تعالى: وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153].
2- الخذلان (http://dorar.net/enc/akhlaq/2160) وفقدان النصير:
قال تعالى:وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة: 120].
3- التلاعن بين الأتباع والمتبوعين:
قال تعالى: قَالَ ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ [الأعراف: 38-39].
4- التبرؤ والحسرة:
قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ [البقرة: 165-167].
5- العذاب المهين والاستقبال المشين في جهنم:
قال تعالى:هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ [ص: 55-60].
6- التخاصم والتلاوم:
قال تعالى: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالُوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ قَالُوا بَل لَّمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ [الصافات: 27-34].
7- التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) يعمي عن إدراك الحقائق ((لوامع الأنوار البهية)) للسفاريني .
8- المقلد يقبل الكلام بغير حجة سواء كان خيرًا أو شرًّا.

محمد رافع 52
22-08-2013, 08:24 PM
حكم التقليد

يتحدد حكم من قلد غيره، وصار إمعة له بحسب ما يتابع غيره عليه، إن كان كفرًا كان تقليده له كفرًا- إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع- وإن كان بدعة صار فعله بدعة، وإن كان فسقًا كان فعله فسقًا وهكذا.
ويخرج مِن هذا الحكم ما يلي:
1- متابعة النَّبي صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله تعالى بمتابعته . ولا يعدُّ هذا من التقليد.
2- تقليد العامِّي للعلماء فيما يحتاج إليه مِن أمور دينه؛ لأنَّه لا يستطيع البحث ومعرفة الحكم بدليله .
3- اتِّباع الإجماع وموافقة الجماعة؛ ولذلك قلنا فيمن يُوصف بالإمَّعة هو الذي يقلِّد غيره تقليدًا مجرَّدًا عن الشَّرع والعقل .

محمد رافع 52
22-08-2013, 08:26 PM
صور التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والتبعية

1- الذي يقلِّد غيره في أصل عقيدته، كما فعل قوم إبراهيم وغيرهم:
قال تعالى: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ [المائدة: 104].
2- الذي يقلِّد غيره في أخلاقه ولو ساءت، كما ذكر الله تعالى عن أهل الجاهلية في قوله: وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 28].
3- الإمَّعة في فروع الدِّين، ومِن ذلك: التَّعصُّب المذهبي:
كالذي يقلِّد غيره في العبادات حتى لو أخطأ وظهر له الدَّليل على خطئه، كما في التَّعصُّب المذهبي.
4- التَّشبُّه بالكفَّار في عاداتهم وتقاليدهم، وهذا واضح في تقليد كثير مِن المسلمين لغيرهم في كثير مِن العادات والتَّقاليد، حتى حقَّقوا في ذلك وصف الإمَّعة، إليك بعض الأمثلة:
عيد الأمِّ، عيد شمِّ النَّسيم، عيد الحبِّ... وغيرها. فكلُّ ذلك مِن العادات التي غالبًا ما يُسأل عنها فاعلوها، فيقولون: هكذا يفعل النَّاس!! وقد سُئل محمَّد بن صالح العثيمين السُّؤال التَّالي: (انتشر في الآونة الأخيرة الاحتفال بعيد الحبِّ -خاصة بين الطَّالبات- وهو عيد مِن أعياد النَّصارى، ويكون الزيُّ كاملًا باللَّون الأحمر -الملْبَس والحذاء-، ويتبادلن الزُّهور الحمراء، نأمل مِن فضيلتكم بيان حكم الاحتفال بمثل هذا العيد، وما توجيهكم للمسلمين في مثل هذه الأمور، والله يحفظكم ويرعاكم؟. فأجاب: الاحتفال بعيد الحبِّ لا يجوز؛ لوجوه:
الأوَّل: أنَّه عيدٌ بدعيٌّ لا أساس له في الشَّريعة.
الثَّاني: أنَّه يدعو إلى العشق والغرام.
الثَّالث: أنَّه يدعو إلى اشتغال القلب بمثل هذه الأمور التَّافهة المخالفة لهدي السَّلف الصَّالح -رضي الله عنهم-.
فلا يحلُّ أن يحدث في هذا اليوم شيء مِن شعائر العيد، سواءً كان في المآكل، أو المشارب، أو الملابس، أو التَّهادي، أو غير ذلك. وعلى المسلم أن يكون عزيزًا بدينه، وأن لا يكون إمَّعة يتبع كلَّ ناعق) .
5- التَّبعيَّة السِّياسية، مثل ما يطالب به الكثيرون اليوم مِن جعل الدَّولة مدنيَّةً على غرار مدنيَّة الغرب التي تعني إقصاء الدِّين.
6- الإمَّعة في الصَّحافة والإعلام، بنشر كلِّ ما يقال بدون تثبُّت وتروٍّ، ويا ليتهم يعقلون قوله تعالى: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً [النَّساء: 83].
7- ذو الوجهين نوع مِن الإمَّعة:
قال الغزالي: (وقد اتَّفقوا على أنَّ ملاقاة الاثنين بوجهين نفاق، وللنِّفاق علامات كثيرة وهذه مِن جملتها) .
8- مُسَايرة الواقع:
ومِن صور الإمَّعة: فتنة مُسَايرة الواقع؛ فهي كثيرة ومتنوعة اليوم بين المسلمين، وهي تترواح بين الفتنة وارتكاب الكبائر أو الصَّغائر، أو التَّرخُّص في الدِّين، وتتبُّع زلَّات العلماء؛ لتسويغ المخالفات الشَّرعية النَّاجمة عن مسايرة الرَّكب، وصعوبة الخروج عن المألوف، واتِّباع النَّاس إن أحسنوا أو أساؤوا. ومَن هذه حاله يَنطَبق عليه وصف الإمَّعة .

محمد رافع 52
22-08-2013, 08:28 PM
أساب الوقوع في التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والتبعية

1- تربية الأبناء على التَّبعيَّة لغيرهم في كلِّ شيء، وعدم مشاركتهم في شيء.
2- فقدان الثِّقة بالنَّفس.
3- الجهل.
4- الغلوُّ في الأشخاص.
5- اتباع الهوى والشبهات.
6- تعظيم ما كان عليه الآباء.
7- التَّقليد الأعمى وعدم البحث عن الدَّليل.

محمد رافع 52
22-08-2013, 08:30 PM
الوسائل المعينة على ترك التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والتبعية

1- الاعتبار بمصارع القرون الأولى:
قال تعالى: فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت: 40].
2- اتباع القدوة الحسنة:
قال تعالى: أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام: 90].
3- إظهار الصورة المنفرة للمقلدين:
قال سبحانه: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف: 179].
4- الشعور بالمسؤولية الفردية:
فإن المقلد على غير هدى يتحمل تبعة تقليده، ولا يدفع المتبوعين عنه شيئًا، قال تعالى: مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الإسراء: 15].
5- التربية على الاستقلالية والتحري، والبحث عن الدليل.

محمد رافع 52
22-08-2013, 08:32 PM
من هو الإمعة؟

الإمَّعةُ والإِمَّعُ -بكسر الهمزة وتشديد الميم-: الذي لا رأْي له ولا عَزْم، فهو يتابع كلَّ أَحدٍ على رأْيِه، ولا يثْبُت على شيء، والهاء فيه للمبالغة، ولا نظير له إِلَّا رجل إِمَّرٌ وهو: الأَحمق. قال الأَزهري: وكذلك الإِمَّرةُ وهو الذي يوافق كلَّ إنسان على ما يُريده .
وقال الزَّمخشري: (الإمَّعة: الذي يَتْبَع كلَّ ناعقٍ، ويقول لكلِّ أحدٍ: أنا معك؛ لأنَّه لا رَأْي له يرجع إليه) .
وقال ابن الأثير: (الإمَّعة: الذي لا رأي له، فهو يتابع كلَّ أحد على رأيه، وقيل: هو الذي يقول لكلِّ أحدٍ: أنا معك) .

محمد رافع 52
22-08-2013, 08:34 PM
التقليد والتبعية في الأمثال

- قولهم: هو إمَّعة.
- قولهم: هو إمَّرة.
- وقولهم: هو بِنْتُ الجَبَل. معناه: الصَّدى يجيب المتكلِّم بين الجبال، يقول: هو مع كلِّ متكلِّم، كما أنَّ الصَّدى يجيب كلَّ ذي صوت بمثل كلامه .

محمد رافع 52
22-08-2013, 08:47 PM
ذم التقليد (http://dorar.net/enc/akhlaq/1888) والتبعية في واحة الشِّعر

لا تقنعنَّ ومذهبٌ لك ممكنٌ *** فإذا تضايقتِ المطامعُ فاقنعِ



ومِن المروءةِ قانعٌ ذو همَّةٍ *** يسمو لها فإذا نبتْ لم يهلعِ



ما كنت إمَّعةً ولكن همَّة *** تأبى الهوانَ وفسحة في المنْجَعِ


وقال الرَّبيع بن سليمان: سئل الشافعي عن مسألة، فأُعجب بنفسه، فأنشأ يقول:

إذا المشكلاتُ تصدَّينني *** كشفتُ حقائقَها بالنَّظر



ولست بإمَّعة في الرِّجال *** أُسَائل هذا وذا ما الخبر؟



ولكنَّني مِدْرَهُ الأصغريــن*** فتَّاح خير، وفرَّاج شر


وقال ابن عبد البر:

يا سائلي عن موضعِ التقليدِ خذْ***عني الجوابَ بفهمِ لبٍّ حاضرِ



واصغِ إلى قولي ودنْ بنصيحتي *** واحفظْ عليَّ بوادري ونوادري



لا فرقَ بينَ مقلدٍ وبهيمةٍ *** تنقادُ بين جنادل ودعاثرِ



تبًّا لقاضٍ أو لمفتٍ لا يرى *** عللًا ومعنى للمقال السائرِ



فإذا اقتديت فبالكتابِ وسنةِ *** المبعوث بالدين الحنيف الطاهرِ



ثم الصحابةِ عند عدمك سنةً *** فأولاك أهلُ نهى وأهلُ بصائرِ



وكذاك إجماعُ الذين يلونهم *** من تابعيهم كابرًا عن كابرِ



إجماعُ أمَّتنا وقولُ نبينا *** مثلُ النصوص لذي الكتاب الزاهرِ



وكذا المدينةُ حجة إن أجمعوا *** متتابعين أوائلًا بأواخرِ



وإذا الخلافُ أتى فدونَك فاجتهدْ *** ومع الدليلِ فملْ بهمٍّ وافرِ



وعلى الأصولِ فقسْ فروعَك لا تقسْ *** فرعًا بفرعٍ كالجهول الحائرِ



والشرُّ ما فيه فديتك أسوةٌ *** فانظرْ ولا تحفلْ بزلةِ ماهرِ

محمد رافع 52
25-08-2013, 09:40 PM
http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=zlwaUrTeLdDFtAatg4Ew&psig=AFQjCNGNJZ2p70RNaWAF4VHirw9BgguYAA&ust=1377545775178159)

التَّنْفِير

معنى التَّنْفِير لغةً واصطلاحًا


معنى التَّنْفِير لغةً:
مادة (نفر) أصلها يدلُّ على تجافٍ وتباعدٍ، ومِن ذلك نَفَر الحيوان وغيره، بمعنى تجافيه وتباعده عن مكانه، ونَفَرَ يَنْفِر نُفُورًا ونِفارًا: إِذا فَرَّ وذهب، والنَّفْر: التَّفرُّق، ونَفَرَ الظَّبْيُ وغيره نَفْرًا ونَفَرانًا: شَرَدَ .
معنى التَّنْفِير اصطلاحًا:
التَّنْفِير: هو أن تَلْقَى النَّاس أو تعاملهم بالغِلْظَة والشِّدَّة ونحو ذلك؛ ممَّا يحمل على النُّفور مِن الإسلام والدِّين .

محمد رافع 52
25-08-2013, 09:44 PM
ذَمُّ التَّنْفِير والنَّهي عنه في السنة النبوية


- عن أبي مسعود الأنصاري قال: ((جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إنِّي والله لأتأخَّر عن صلاة الغداة مِن أجل فلان ممَّا يطيل بنا فيها، قال: فما رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قطُّ أشدَّ غضبًا في موعظة منه يومئذ، ثمَّ قال: يا أيُّها النَّاس، إنَّ منكم مُنَفِّرِين؛ فأيُّكم ما صلَّى بالنَّاس فليوجز، فإنَّ فيهم الكبير والضَّعيف وذا الحاجة)) .
(مُنَفِّرين: يعني يُنَفِّرُون النَّاس عن دين الله) . فلقد (جاءت هذه الشَّريعة السَّمحة، باليُسر والسُّهولة، ونَفْي العَنَت والحَرَج. ولهذا فإنَّ الصَّلاة -التي هي أجلُّ الطَّاعات- أمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الإمام التَّخفيف فيها، لتتيسَّر وتَسْهُل على المأمومين، فيخرجوا منها وهم لها راغبون. ولأنَّ في المأمومين مَن لا يطيق التَّطويل، إمَّا لعجزه أو مرضه أو حاجته، فإن كان المصلِّي منفردًا فليطوِّل ما شاء؛ لأنَّه لا يضرُّ أحدًا بذلك.
ومِن كراهته صلى الله عليه وسلم للتَّطويل، الذي يضرُّ النَّاس أو يعوقهم عن أعمالهم، أنَّه لما جاءه رجل وأخبره أنَّه يتأخَّر عن صلاة الصُّبح مع الجماعة، مِن أجل الإمام الذي يصلِّي بهم، فيطيل الصَّلاة، غضب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غضبًا شديدًا، وقال: إنَّ منكم مَن يُنَفِّر النَّاس عن طاعة الله، ويكرِّه إليهم الصَّلاة ويثقِّلها عليهم، فأيُّكم أمَّ النَّاس فليوجز، فإنَّ منهم العاجزين وذوي الحاجات) .
- عن أبي موسى الأشعري أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذًا إلى اليمن فقال: ((يسِّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تُنَفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) .
قال ابن حجر: (قال الطِّيبيُّ: هو معنى الثَّاني، مِن باب المقابلة المعنويَّة؛ لأنَّ الحقيقيَّة أن يقال: بشِّرا ولا تنذرا وآنسا ولا تنفِّرا، فجمع بينهما ليعمَّ البِشَارة والنِّذارة والتَّأنيس والتَّنْفِير. قلت: ويظهر لي أنَّ النُّكتة في الإتيان بلفظ البِشَارة -وهو الأصل- وبلفظ التَّنْفِير -وهو اللَّازم- وأتى بالذي بعده -على العكس- للإشارة إلى أنَّ الإنذار لا يُنْفَى مطلقًا، بخلاف التَّنْفِير: فاكتفى بما يلزم عنه الإنذار، وهو التَّنْفِير، فكأنَّه قيل: إن أنذرتم فليكن بغير تنفير) .
- عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا)) .
قال النَّووي: (جمع في هذه الألفاظ بين الشَّيء وضدِّه؛ لأنَّه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على ((يسِّروا)) لصدق ذلك على مَن يسَّر مرَّةً أو مرَّات وعسَّر في معظم الحالات، فإذا قال: ((ولا تعسِّروا)) انتفى التَّعْسِير في جميع الأحوال مِن جميع وجوهه، وهذا هو المطلوب، وكذا يقال في ((يسِّرا ولا تنفِّرا وتطاوعا ولا تختلفا))؛ لأنَّهما قد يتطاوعان في وقتٍ، ويختلفان في وقتٍ، وقد يتطاوعان في شيء، ويختلفان في شيء. وفي هذا الحديث الأمر بالتَّبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، والنَّهي عن التَّنْفِير بذكر التَّخويف، وأنواع الوعيد محضةً، مِن غير ضمِّها إلى التَّبشير، وفيه تأليف مَن قَرُب إسلامه، وترك التَّشديد عليهم، وكذلك مَن قارب البلوغ مِن الصِّبيان ومَن بلغ، ومَن تاب مِن المعاصي، كلُّهم يُتَلطَّف بهم، ويُدْرَجون في أنواع الطَّاعة قليلًا قليلًا. وقد كانت أمور الإسلام في التَّكليف على التَّدريج؛ فمتى يسَّر على الدَّاخل في الطَّاعة -أو المريد للدُّخول فيها- سَهُلَت عليه، وكانت عاقبته -غالبًا- التَّزايد منها، ومتى عَسُرَت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم أو لا يَسْتَحْلِيَها) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 09:46 PM
آثار التَّنْفِير


1- الانفلات من التدين والانتكاس، بل قد يصل الحال -مع ضعف الإيمان- إلى ترك الدِّين بكلِّيته.
2- هجران العامَّة لمجالس الذِّكر والخير.
3- قنوط النَّاس مِن رحمة الله -تبارك وتعالى- ويأسهم مِن نوال مغفرته.
4- يلحق المنَفِّر وِزْر كلِّ مَن حمله تنفيره للتَّحول مِن الحقِّ إلى الباطل.
5- الميل إلى أصحاب المذاهب الباطلة، والمناهج المنحرفة بحجَّة أنَّهم هم أهل التَّيسير في الدِّين، فتراهم يقبلون على المتصوِّفة ومَن حذا حذوهم مِن المتساهلين؛ لأنَّ أصحاب الحقِّ لم يحسنوا دعوتهم، وترغيبهم في أمور الدِّين الصَّحيح النَّقي.

محمد رافع 52
25-08-2013, 09:49 PM
صور التَّنْفِير


هناك صور عدَّة مِن صور التَّنْفِير، نذكر هنا طرفًا منها، وهي كالتَّالي:
1- تعامل الداعية مع الناس بأسلوب فيه نوع من الشدة، والغلظة والجفوة وافتقاد الرفق (http://dorar.net/enc/akhlaq/581) واللين.
وهذا السلوك يجعل الناس ينفرون مِن دعوته، ولا يستجيبون لتعاليمه، وهذا تصديقًا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشَادَّ الدِّين أحدٌ إلَّا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا)) .
ولا شك (أنَّ الغلوَّ مخالفٌ للفطرة البشريَّة، لا يمكن تحمُّله والالتقاء معه، وسلوك الغُلَاة مِن الغلظة (http://dorar.net/enc/akhlaq/2616) والجفوة، وأسلوبهم مِن التَّشدُّد والتَّعْسِير. كلُّ ذلك ينفِّر النَّاس مِن الاستجابة للدَّعوة، ويصدُّهم عنها...) .
2- الأخذ بالعزيمة والحمل على الأخذ بها، والإعراض عن الرخص التي شرع الله الأخذ بها مما يوقع الناس في المشقة، مع أنَّ الله -تبارك وتعالى- يحبُّ أن تُؤتى رُخَصه كما يحبُّ أن تُؤتى عزائمه.
3- تقنيط النَّاس مِن رحمة الله -تبارك وتعالى-، وتيئيسهم مِن التَّوبة، وازدراء المذنبين ونبذهم، وربَّما وصل الحال للاعتداء عليهم بالشَّتم والأذيَّة البدنيَّة، وكلُّ هذا مِن صور التَّنْفِير التي نهى عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنَّ رجلًا على عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يُلَقَّب حمارًا، وكان يُضْحِك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشَّراب، فأُتِي به يومًا، فأَمَر به فجُلِد، فقال رجل مِن القوم: اللَّهمَّ الْعَنْهُ، ما أكثر ما يُؤتى به؟ فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلَّا أنَّه يحبُّ الله ورسوله)) . وفي حديث آخر ((أُتِيَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بسكران، فأَمَر بضربه، فمنَّا مَن يضربه بيده، ومنَّا مَن يضربه بنعله، ومنَّا مَن يضربه بثوبه، فلمَّا انصرف، قال رجلٌ: ما له؟! أخزاه الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكونوا عون الشَّيطان على أخيكم)) .
(فقد علَّل النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نهيه عن لعن شارب الخمر بأنَّ ذلك اللَّعن سيكون عونًا للشَّيطان على المسلم، فربَّما ازداد نفورًا؛ فإنَّ العقوبة تُقَدَّر بقَدْرِ الجُرْم، فربَّما ازدادت فأدَّت إلى أثرٍ عكسيٍ) .
4- تغليب الترهيب على الترغيب في الدعوة إلى الله.
5- القسوة عند الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، وعدم التَّروي والتَّمهُّل فيه.
6- تنفير الأئمَّة للنَّاس مِن الصَّلاة بإطالتها، مخالفين بذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتخفيف.
7- التَّنْفِير في التَّعليم، وذلك إمَّا بالزَّجر والسَّبِّ والضَّرب للمتعلم، بما يدفعه للعزوف عن تعلُّم العلم.
8- مخاطبة النَّاس بما لا يتحمَّلونه: كالاختلافات بين الفقهاء، وأقوال المتكلِّمين في المعتقدات، وغيرها مِن الأمور التي قد لا يستوعبها البعض، أو يفهمونها على غير فهمها الصَّحيح.
9- مخالفة العلم للعمل والقول للفعل: قال حكيم: (أفسد الناس جاهل ناسك وعالم فاجر؛ هذا يدعو الناس إلى جهله بنسكه، وهذا يُنفِّر الناس عن علمه بفسقه) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 09:51 PM
أسباب الوقوع في التَّنْفِير

1- الجهل بأصول الشَّريعة ومبادئ الدَّعوة إلى الله -تبارك وتعالى-.
2- عدم الإلمام بفقه الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر.
3- عدم مراعاة أحوال النَّاس، واختلاف طبائعهم.
4- اغترار المنَفِّر بفعله، وظنُّه أنَّ ما يفعله هو الصَّواب بعينه.
5- التَّقليد للخطأ مِن أعظم آفات التَّـنْفِير.
6- كثرة المواعظ والنُّصح، فهذا يدفع المرء إلى النُّفرة مِن النَّاصح بسبب الملَل والسَّآمة.
7- سوء الخُلُق، وجفاء الطَّبع مِن أعظم أسباب التَّـنـْفِير.

محمد رافع 52
25-08-2013, 09:52 PM
الوسائل المعينة على ترك التَّنْفِير


1- التَّأسِّي بطريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته، وتأليفه لقلوب النَّاس.
2- أن يستشعر الدَّاعية حاجة النَّاس إلى الدَّاعية البصير، الهيِّن اللَّيِّن، الذي يقرِّبهم مِن الله ويحبِّبهم إليه.
3- خوف الدَّاعية مِن أن يكون سببًا في ضلال النَّاس، وإبعادهم عن الدِّين بسب تعامله الفظ الغَلِيظ، وأنَّ ذلك قد يعرِّضه لعقاب الله -تبارك وتعالى- وانتقامه.
4- أن يُلِمَّ الدُّعاة بفقه الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، فيقوموا بهذا الواجب على بصيرة وعلم.

محمد رافع 52
25-08-2013, 09:55 PM
http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg (http://www.google.com.sa/url?sa=i&rct=j&q=%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%88%D8%B9%D8%A9+%D8%A7%D9%8 4%D8%A7%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%82+%D8%A7%D9%84%D8%A7 %D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D8%A9&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=0CAUQjRw&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=zlwaUrTeLdDFtAatg4Ew&psig=AFQjCNGNJZ2p70RNaWAF4VHirw9BgguYAA&ust=1377545775178159)

الجبن
معنى الجبن لغةً واصطلاحًا


معنى الجبن لغةً:
الجبن ضِدُّ الشَّجاعَة، تقول: جَبَنَ يَجْبُن وجَبُنَ جُبْنًا وجُبُنًا وجَبانةً، وأَجْبَنَه وجده جَبانًا أو حَسِبه إياه، والجبان من الرِّجالِ هو ضعيف القلب، الهَيوب للأشياء لا يُقْدِم عليها .
معنى الجبن اصطلاحًا:
هي هيئة حاصلة للقوة الغضبية؛ بها يحجم عن مباشرة ما ينبغي وما لا ينبغي .
وقال ابن مسكويه هو: (الخوف مما لا ينبغي أن يخاف منه) .
وقيل: (هو الجزع (http://dorar.net/enc/akhlaq/1978) عند المخاوف، والإحجام عما تحذر عاقبته، أو لا تؤمن مغبته)

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:00 PM
ذم الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) في الكتاب والسنة
أولًا: في القرآن الكريم


لم يرد ذكر لفظ الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) صراحة في القرآن الكريم، ولكن كما قال ابن تيمية: (ما في القرآن من الحضِّ على الجهاد والترغيب فيه، وذمِّ الناكلين عنه والتاركين له كلُّه ذمٌّ للجبن) .
- قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 15-16]
قال الشوكاني: (نهى الله المؤمنين أن ينهزموا عن الكفار إذا لقوهم، وقد دبَّ بعضهم إلى بعض للقتال، فظاهر هذه الآية العموم لكل المؤمنين في كل زمن، وعلى كلِّ حال، إلا حالة التحرف والتحيز) .
- ووصف الله سبحانه المنافقين بأنهم جبناء وأنهم لا يصمدون أمام الحروب والمعارك فقال:أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا يَحْسَبُونَ الأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً [الأحزاب:19-20].
قوله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ (بأبدانهم عند القتال، وبأموالهم عند النفقة فيه، فلا يجاهدون بأموالهم وأنفسهم. فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نظر المغشي عليه مِنَ الْمَوْتِ من شدة الجبن، الذي خلع قلوبهم، والقلق الذي أذهلهم، وخوفًا من إجبارهم على ما يكرهون، من القتال.
فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ وصاروا في حال الأمن والطمأنينة، سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ أي: خاطبوكم، وتكلموا معكم، بكلام حديد، ودعاوى غير صحيحة.
وحين تسمعهم، تظنهم أهل الشَّجَاعَة والإقدام، أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ الذي يراد منهم، وهذا شرُّ ما في الإنسان، أن يكون شحيحًا بما أُمر به، شحيحًا بماله أن ينفقه في وجهه، شحيحًا في بدنه أن يجاهد أعداء الله، أو يدعو إلى سبيل الله) .
- ووصفهم أيضًا بقوله: وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا [الأحزاب:13].
ثم بيَّن الله سبحانه وتعالى بأنَّ ما يفرون منه سيأتيهم لا محالة، فقال: قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً[الأحزاب:16].
- وقال أيضًا في حقِّهم: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ [المنافقون:4].

وقال ابن تيمية: (قد بين الله في كتابه: أن ما يوجبه
الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال: 15-16].
فأخبر أنَّ الذين يخافون العدوَّ خوفًا منعهم من الجهاد منافقون فقال: وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ [التوبة:56-57]) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:07 PM
ثانيًا: في السنة النبوية


- عن جبير بن مطعم رضي الله عنه ((أنَّه بينما هو يسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الناس مقفله من حنين، فعلِقه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة ، فخطفت رداءه، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه نعمًا لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلًا، ولا كذوبًا، ولا جبانًا)) .
- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأبي طلحة: ((التمس لي غلامًا من غلمانكم يخدمني حتى أخرج إلى خيبر. فخرج بي أبو طلحة مردفي وأنا غلام راهقت الحلم، فكنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرًا يقول: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين...)) .
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((شرُّ ما في رجل شحٌّ هالع، وجبن خالع)) .
قال ابن القيم في شرحه للحديث: (هنا أمران: أمر لفظي، وأمر معنوي، فأما اللفظي: فإنَّه وصف الشحَّ بكونه هالعًا، والهالع صاحبه، وأكثر ما يسمى هلوعًا، ولا يقال: هالع له. فإنه لا يتعدى، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه على النسب، كقولهم: ليل نائم، وشرٌّ قائم، ونهار صائم، ويوم عاصف. كلُّه عند سيبويه على النسب أي ذو كذا.
والثاني: أنَّ اللفظة غيرت عن بابها؛ للازدواج مع خالع، وله نظائر.
وأما المعنوي: فإنَّ الشحَّ و الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) أردى صفتين في العبد، ولا سيما إذا كان شحُّه هالعًا، أي ملقٍ له في الهلع، وجبنه خالعًا أي: قد خلع قلبه من مكانه، فلا سماحة، ولا شجاعة، ولا نفع بماله، ولا ببدنه، كما يقال: لا طعنة ولا جفنة، ولا يطرد ولا يشرد، بل قد قمعه وصغره وحقره ودساه الشح والخوف والطمع والفزع) .
- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أنسابكم هذه ليست بسِبابٍ على أحد، وإنما أنتم ولد آدم، طَفُّ الصاع، لم تملؤوه، ليس لأحد فضل إلا بالدين أو عمل صالح، حَسْبُ الرجل أن يكون فاحشًا بذيًّا بخيلًا جبانًا)) .
قال المناوي: (أي: يكفيه من الشرِّ والحرمان من الخير، والبعد من منازل الأخيار، ومقامات الأبرار كونه متصفًا بذلك، أو ببعضه) .
- وعن يعلى العامري رضي الله عنه قال: ((جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فضمَّهما إليه، وقال: إنَّ الولد مبخلة مجبنة)) .
(أي: سبب لبخل الأب وجبنه، ويحمل أبويه على البخل، وكذلك على الجبن، فإنَّه يتقاعد من الغزوات والسرايا بسبب حبِّ الأولاد، ويمسك ماله لهم) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:12 PM
أقوال السلف والعلماء في الجبن

- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (كرم المؤمن تقواه، ودينه حسبه، ومروءته خلقه، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفرُّ عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله، وال*** حتف من الحتوف، والشهيد من احتسب نفسه على الله) .
- وقالت عائشة رضي الله عنها: (إنَّ لله خلقًا، قلوبهم كقلوب الطير، كلما خفقت الريح خفقت معها، فأفٍّ للجبناء، أفٍّ للجبناء) .
- وقال خالد بن الوليد: (حضرت كذا وكذا زحفًا في الجاهلية والإسلام، وما في جسدي موضع إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة بسيف، وها أنا ذا أموت على فراشي، فلا نامت أعين الجبناء) .
- وقال ابن تيمية: (فإنَّ الجميع يتمادحون بالشَّجاعَة والكرم، حتى إنَّ ذلك عامة ما يمدح به الشعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامُّون بالبخل والجبن) .
- وقال ابن القيم: (والجبن والبخل قرينان؛ لأنهما عدم النفع بالمال والبدن، وهما من أسباب الألم؛ لأنَّ الجبان تفوته محبوبات ومفرحات وملذوذات عظيمة، لا تنال إلا بالبذل والشَّجَاعَة، والبخل يحول بينه دونها أيضًا، فهذان الخلقان من أعظم أسباب الآلام) .
- وقال أيضًا: (فإنَّ الإحسان (http://dorar.net/enc/akhlaq/70) المتوقَّع من العبد إما بماله وإما ببدنه، فالبخيل مانع لنفع ماله، والجبان مانع لنفع بدنه، المشهور عند الناس أنَّ البخل (http://dorar.net/enc/akhlaq/1783) مستلزم الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) من غير عكس؛ لأنَّ من بخل بماله فهو بنفسه أبخل) .
- (وقيل كتب زياد إلى ابن عباس: أن صف لي الشَّجاعَة والجبن والجود والبخل، فكتب إليه: كتبت تسألني عن طبائع ركبت في الإنسان تركيب الجوارح، اعلم أنَّ الشجاع يقاتل عمَّن لا يعرفه، والجبان يفرُّ عن عرسه، وأنَّ الجواد يعطي من لا يلزمه، وأنَّ البخيل يمسك عن نفسه، وقال الشاعر:

يفر جبان القوم عن عرس نفسه *** ويحمي شجاع القوم من لا يناسبه


- وقالوا: (الجبن غريزة كالشَّجَاعَة يضعها الله فيمن شاء من خلقه) .
- وقال المتنبي:

يرى الجبناء أنَّ الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) حزم***وتلك خديعة الطبع اللئيم


- وقالوا: (حدُّ الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) الضنُّ بالحياة، والحرص على النجاة) .
- وقال هانئ الشيباني لقومه يوم ذي قار يحرضهم على القتال: (يا بني بكر، هالك معذور، خير من ناجٍ فرور، المنية ولا الدنية، استقبال الموت خير من استدباره، الثغر في ثغور النحور خير منه في الأعجاز والظهور، يا بني بكر، قاتلوا، فما من المنايا بدٌّ، الجبان مبغَض حتى لأمِّه، والشجاع محبَّب حتى لعدوه) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:16 PM
آثار الجبن

1- إهانة النفس، وسوء العيش، وطمع طبقات الأنذال وغيرهم.
2- قلة الثبات والصبر، في المواطن التي يجب فيها الثبات.
3- أنَّه سبب للكسل، ومحبة الراحة؛ اللذين هما سببا كلِّ رذيلة.
4 - الاستحذاء لكلِّ أحد، والرضى بكلِّ رذيلة وضيم.
5- الدخول تحت كلِّ فضيحة في النفس والأهل والمال.
6- سماع كلِّ قبيحة فاحشة من الشتم والقذف، واحتمال كلِّ ظلم من كلِّ معامل، وقلة الأنفة مما يأنف منه الناس .
7- الجبان يسيء الظنَّ بالله.
8- أن ما يوجبه الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) من الفرار في الجهاد في سبيل الله هو من الكبائر الموجبة للنار.

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:17 PM
علاج الجبن


الجبن له أسباب تؤدي إليه، ويلزم في علاجه إزالة هذه الأسباب، ونسوق فيما يلي بعض هذه الأسباب وكيفية علاجها:
هذه الأسباب (إما جهل فيزول بالتجربة، وإما ضعف فيزول بارتكاب الفعل المخوف مرة بعد أخرى، حتى يصير ذلك له عادة وطبعًا،... فالمبتدئ في المناظرة، والإمامة، والخطابة، والوعظ،... قد تجبن نفسه، ويخور طبعه، ويتلجلج لسانه، وما ذاك إلا لضعف قلبه، ومواجهة ما لم يتعوده، فإذا تكرر ذلك منه مرات، فارقه الضعف، وصار الإقدام على ذلك الفعل ضروريًّا، غير قابل للزوال،... واعلم أنَّ قوة النفس والعزم الجازم بالظفر سبب للظفر، كما قال علي رضي الله عنه لما قيل له: كيف كنت تصرع الأبطال؟ قال: كنت ألقي الرجل فأقدِّر أني أ***ه، ويقدِّر هو أيضًا أني أ***ه، فأكون أنا ونفسه عونًا عليه. ومن وصايا بعضهم: أشعروا قلوبكم في الحرب الجرأة؛ فإنها سبب الظفر. ومن كلام القدماء: من تهيب عدوه، فقد جهز إلى نفسه جيشًا) .
وقال ابن مسكويه في وسائل علاج الجبن: (وذلك بأن توقظ النفس التي تمرض هذا المرض –مرض الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) - بالهزِّ والتحريك. فإنَّ الإنسان لا يخلو من القوة الغضبية رأسًا؛ حتى تجلب إليه من مكان آخر، ولكنها تكون ناقصة عن الواجب، فهي بمنزلة النار الخامدة التي فيها بقية لقبول الترويح والنفخ، فهي تتحرَّك لا محالة إذا حُرِّكت بما يلائمها، وتبعث ما في طبيعتها من التوقُّد والتلهُّب.
وقد حُكي عن بعض المتفلسفين أنَّه كان يتعمَّد مواطن الخوف، فيقف فيها، ويحمل نفسه على المخاطرات العظيمة بالتعرُّض لها، ويركب البحر عند اضطرابه وهيجانه؛ ليعود نفسه الثبات في المخاوف، ويحرِّك منها القوة التي تسكن عند الحاجة إلى حركتها، ويخرجها عن رذيلة الكسل ولواحقه، ولا يكره لمثل صاحب هذا المرض بعض المراء، والتعرُّض للملاحاة وخصومة من يأمن غائلته؛ حتى يقرب من الفضيلة التي هي وسط بين الرذيلتين، أعني الشَّجَاعَة التي هي صحة النفس المطلوبة، فإذا وجدها وأحسَّ بها من نفسه كفَّ ووقف، ولم يتجاوزها حذرًا من الوقوع في الجانب الآخر) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:24 PM
من أخبار الجبناء وأقوالهم وأشعارهم


- قال أبو الفرج الأصفهاني: (كان أبو حية النميري، وهو الهيثم بن الربيع بن زرارة جبانًا بخيلًا كذَّابًا، قال ابن قتيبة: وكان له سيف يسميه لعاب المنية، ليس بينه وبين الخشبة فرق، قال: وكان أجبن الناس، قال: فحدَّثني جار له، قال: دخل ليلة إلى بيته كلب فظنَّه لصًّا، فأشرفت عليه، وقد انتضى سيفه، وهو واقف في وسط الدار يقول: أيها المغترُّ بنا، المجترئ علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خيرٌ قليل، وسيفٌ صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة ضربته، لا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك قبل أن أدخل بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسًا إليك لا تقم لها، وما قيس؟! تملأ والله الفضاء خيلًا ورجلًا، سبحان الله! ما أكثرها وأطيبها. فبينا هو كذلك، إذا الكلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبًا، وكفانا حربًا) .
وذكر النويري في كتابه ((نهاية الأرب)) نبذة من أخبارهم وأقوالهم وأشعارهم فقال:
- (لِيمَ بعض الجبناء على جبنه، فقال: أول الحرب شكوى، وأوسطها نجوى، وآخرها بلوى.
- وقال آخر: الحرب م***ة للعباد، مذهبة للطارف والتلاد.
- وقيل لجبان: لم لا تقاتل ؟ فقال: عند النطاح يغلب الكبش الأجم.
- وقالوا: الحياة أفضل من الموت، والفرار في وقته ظفر.
- وقالوا: الشجاع ملقى، والجبان موقى.
- قال البديع الهمداني:

ما ذاق همًّا كالشجاع ولا خلا *** بمسرةٍ كالعاجز المتواني


- وقالوا: الفرار في وقته، خير من الثبات في غير وقته.
- وقالوا: السلم أزكى للمال، وأبقى لأنفس الرجال.
- وقيل لأعرابي: ألا تعرف القتال ؟! فإنَّ الله قد أمرك به. فقال: والله إني لأبغض الموت على فراشي في عافية، فكيف أمضي إليه ركضًا، قال الشاعر:

تمشي المنايا إلى قومٍ فأبغضها *** فكيف أعدو إليها عاري الكفن)


- وقال الفرار السلمي:

وفوارس لبستها بفوارس*** حتى إذا التبست أملت بها يدي



وتركتهم نقض الرماح ظهورهم *** من بين مقتول وآخر مسند



هل ينفعنِّي أن تقول نساؤهم *** وقلت دون رجالهم لا تبعد


- وقال آخر:

قامت تشجعني هند فقلت لها *** إن الشَّجاعَة مقرون بها العطب



لا والذي منع الأبصار رؤيته *** ما يشتهي الموت عندي من له أرب



للحرب قوم أضلَّ الله سعيهم *** إذا دعتهم إلى نيرانها وثبوا


- وقيل لجبان في بعض الوقائع: تقدم. فقال:

وقالوا: تقدم قلت لست بفاعل *** أخاف على فخارتي أن تحطما



فلو كان لي رأسان أتلفت واحدًا *** ولكنه رأس إذا زال أعقما



وأوتم أولادًا وأرمل نسوة*** فكيف على هذا ترون التقدما


- (وقيل لأعرابي: ألا تغزو العدوَّ؟ قال: وكيف يكونون لي عدوًّا، وما أعرفهم ولا يعرفوني؟!) .
- وقال أبو دلامة: (كنت مع مروان أيام الضحاك الحروري، فخرج فارس منهم فدعا إلى البراز، فخرج إليه رجل ف***ه، ثم ثان ف***ه، ثم ثالث ف***ه، فانقبض الناس عنه، وجعل يدنو ويهدر كالفحل المغتلم. فقال مروان: من يخرج إليه وله عشرة آلاف؟ قال: فلما سمعت عشرة آلاف هانت عليَّ الدنيا، وسخوت بنفسي في سبيل عشرة آلاف، وبرزت إليه، فإذا عليه فرو قد أصابه المطر فارمعلَّ ، ثم أصابته الشمس فاقفعلَّ ، وله عينان تتقدان كأنهما جمرتان. فلما رآني فهم الذي أخرجني، فأقبل نحوي وهو يرتجز ويقول:

وخارج أخرجه حبُّ الطمع*** فرَّ من الموت وفي الموت وقع



من كان ينوي أهله فلا رجع


فلما رأيته قنَّعت رأسي، وولَّيت هاربًا، ومروان يقول: من هذا الفاضح؟ لا يفتكم، فدخلت في غمار الناس) .
- (وحُكي أنَّ عمرو بن معد يكرب مرَّ بحيٍّ من أحياء العرب، وإذا هو بفرس مشدود، ورمح مركوز، وإذا صاحبها في وهدة http://dorar.net/misc/tip.gifمن الأرض يقضي حاجته، فقال له عمرو: خذ حذرك؛ فإني قاتلك لا محالة. فالتفت إليه، وقال له: من أنت؟ قال: أبو ثور عمرو بن معد يكرب. قال: أنا أبو الحارث، ولكن ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك، وأنا في وهدة، فأعطني عهدك أن لا ت***ني حتى أركب فرسي، وآخذ حذري، فأعطاه عهدًا على ذلك، فخرج من الوهدة التي كان فيها، وجلس محتبيًا بحمائل سيفه، فقال له عمرو ما هذا الجلوس؟! قال: ما أنا براكب فرسي، ولا مقاتلك، فإن كنت نكثت العهد؛ فأنت أعلم ما يلقى الناكث، فتركه ومضى، وقال: هذا أجبن من رأيت) .
- ومن الفرارين: (أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد، فرَّ يوم مرداء هجر من أبي فديك، فسار من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام، فجلس يومًا بالبصرة، فقال: سرت على فرسي المهرجان من البحرين إلى البصرة في ثلاثة أيام. فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير، فلو ركبت النيروز لسرت إليها في يوم واحد. فلما دخل عليه أهل البصرة؛ لم يروا كيف يكلمونه، ولا ما يلقونه من القول، أيهنئونه أم يعزونه، حتى دخل عليه عبد الله بن الأهتم، فاستشرف الناس له، وقالوا: ما عسى أن يقال للمنهزم؟ فسلَّم ثم قال: مرحبًا بالصابر المخذول، الذي خذله قومه، الحمد لله الذي نظر لنا عليك، ولم ينظر لك علينا، فقد تعرضت للشهادة جهدك، ولكن علم الله تعالى حاجة أهل الإسلام إليك؛ فأبقاك لهم بخذلان من معك لك. فقال أمية بن عبد الله: ما وجدت أحدًا أخبرني عن نفسي غيرك) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:27 PM
الأمثال في الجبن

- من أمثالهم في الجبن: (إنَّ الجبان حتفه من فوقه.
أي: أنَّ حذره وجبنه ليس بدافع عنه المنية إذا نزل به قدر الله. قال أبو عبيد: وهذا شبيه المعنى بالذي يحدث به عن خالد بن الوليد، فإنه قال عند موته: لقد لقيت كذا وكذا زحفًا، وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية، ثم ها أنذا أموت حتف أنفي، كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء. قال أبو عبيد: يقول: فما لهم يجبنون عن القتال، ولم أمت أنا به، إنما أموت بأجلي. ومنه الشعر الذي تمثل به سعد بن معاذ يوم الخندق:

لبث قليلًا يلحق الهيجا حمل *** ما أحسن الموت إذا حان الأجل


وكذلك قول الأعشى:

أبالموت خشتني عباد وإنما *** رأيت منايا الناس يسعى دليلها)


- (في المثل: فلان أجْبَنُ من المنزوف ضَرِطًا، وأجبن من المنزوف خَضْفًا:
يقال: أن رجلًا فزع فضرط حتى مات.
وقال اللحياني: هو رجل كان يدعي الشَّجَاعَة، فلما رأى الخيل جعل يفعل حتى مات، هكذا قال يفعل يعني يضرط.
وقال ابن بري: هو رجل كان إذا نُبِّه لشرب الصبوح، قال: هلا نبهتني لخيل قد أغارت؟ فقيل له يومًا على جهة الاختبار: هذه نواصي الخيل. فما زال يقول: الخيل الخيل. ويضرط حتى مات) .
- (ومن أمثالهم في عيب الجبان قولهم: كلُّ أزب نفور.
المثل لزهير بن جذيمة العبسي، وذلك أنَّ خالد بن جعفر بن كلاب كان يطلبه بذحلٍ ، فكان زهير يومًا في إبل له يهنوها، ومعه أخوه أسيد بن جذيمة فرأى أسيد خالد بن جعفر قد أقبل ومعه أصحابه، فأخبر زهيرًا بمكانهم، فقال له زهير: كأنَّ أزب نفور، وإنما قال له هذا لأنَّ أسيدًا كان أشعر، فقال: إنما يكون نفار الأزب من الإبل لكثرة شعره، يكون ذلك على عينيه، فكلما رآه ظنَّ أنَّه شخص يطلبه، فينفر من أجله) .
- (وقولهم: عصا الجبان أطول.
قال أبو عبيد: وأحسبه إنما يفعل هذا؛ لأنَّه مِن فشله يرى أنَّ طولها أشد ترهيبًا لعدوه من قصرها) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:32 PM
ذم الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) في واحة الشعر

قال حسان بن ثابت يعيِّر الحارث ابن هشام بفراره يوم بدر:

إن كنتِ كاذبةَ الذي حدَّثتِني *** فنجوتُ منجَى الحارث بن هشامِ



تركَ الأحبةَ لم يقاتلْ دونَهم*** ونجا برأسِ طِمِرَّةٍ ولجامِ



ملأت به الفرجين فارمدَّت به *** وثوى أحبتُه بشرِّ مقامِ


قال النويري: ومن أبلغ ما قيل في الجبن (http://dorar.net/enc/akhlaq/1929) من الشعر القديم:
قول الشاعر:

ولو أنها عصفورةٌ لحسبتُها *** مسومةً تدعو عبيدًا وأزنما


ومثله قول عروة بن الورد:

وأشجعُ قد أدركتُهم فوجدتُهم *** يخافون خطفَ الطيرِ من كلِّ جانبِ


وقال آخر:

ما زلتَ تحسبُ كلَّ شيءٍ بعدَهم *** خيلًا تكرُّ عليهم ورِجالا


وقول أبي تمام:

مُوكَّلٌ بيفاعِ الأرضِ يشرفُه*** من خفةِ الخوفِ لا من خفةِ الطربِ


وقال ابن الرومي:

وفارسٌ أجبنُ من صِفْردٍ *** يحولُ أو يغورُ من صفره



لو صاح في الليلِ به صائحٌ*** لكانت الأرضُ له طفره



يرحمُه الرحمنُ من جبنِه*** فيرزقُ الجندُ به النصره


وقال المتنبي:

وإذا ما خلا الجبانُ بأرضٍ *** طلبَ الطعنَ وحدَه والنِّزالا


وقال آخر:

جهلًا علينا وجبنًا عن عدوِّكم*** لبئستِ الخلتان الجهلُ والجبنُ

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:41 PM
http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg

الجدل والمراء

معنى الجدل والمراء لغةً واصطلاحًا


معنى الجدل لغةً:
الجدل: اللدد في الخصومة والقدرة عليها، وجادله أي: خاصمه، مجادلة وجدالًا. والجدل: مقابلة الحجة بالحجة؛ والمجادلة: المناظرة والمخاصمة، والجدالُ: الخصومة؛ سمي بذلك لشدته .
معنى الجدل اصطلاحًا:
قال الراغب: (الجِدَال: المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة) .
وقال الجرجاني: (الجدل: دفع المرء خصمه عن إفساد قوله: بحجة، أو شبهة، أو يقصد به تصحيح كلامه) .
وقال أيضًا: (الجدال: هو عبارة عن مراء يتعلَّق بإظهار المذاهب وتقريرها) .
معنى المراء لغةً:
المراء: الجدال. والتماري والمماراة: المجادلة على مذهب الشكِّ والريبة، ويقال للمناظرة: مماراة، وماريته أماريه مماراة ومراء: جادلته .
معنى المراء اصطلاحًا:
المراء: هو كثرة الملاحاة للشخص لبيان غلطه وإفحامه، والباعث على ذلك الترفع .
وقال الجرجاني: (المراء: طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه، من غير أن يرتبط به غرض سوى تحقير الغير) .
وقال الهروي عن المراء: هو (أن يستخرج الرجل من مناظره كلامًا ومعاني الخصومة وغيرها) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:44 PM
الفرق بين الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء والحجاج


- الفرق بين الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والحجاج:
الفرق بينهما أن المطلوب بالحجاج: هو ظهور الحجة.
والمطلوب بالجدال: الرجوع عن المذهب .
- الفرق بين الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء:
قيل: هما بمعنى.
غير أن المراء مذموم، لأنه مخاصمة في الحقِّ بعد ظهوره، وليس كذلك الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) .
ولا يكون المراء إلا اعتراضًا، بخلاف الجدال، فإنَّه يكون ابتداء واعتراضًا .
- الفرق بين الجدل والمناظرة والمحاورة:
الجدل يُراد منه إلزام الخصم ومغالبته.
أما المناظرة: فهي تردد الكلام بين شخصين، يقصد كل واحد منهما تصحيح قوله، وإبطال قول صاحبه، مع رغبة كلٍّ منهما في ظهور الحق.
والمحاورة: هي المراجعة في الكلام، ومنه التحاور أي التجاوب، وهي ضرب من الأدب الرفيع، وأسلوب من أساليبه، وقد ورد لفظ الجدل والمحاورة في موضع واحد من سورة المجادلة في قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا [المجادلة: 1] وقريب من ذلك المناقشة والمباحثة .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:49 PM
ذم الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء والنهي عنهما

أولًا: في القرآن الكريم


- قال الله تعالى: فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة: 197].
وعن ابن مسعود في قوله: وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ قال: (أن تماري صاحبك حتى تغضبه) . وعن ابن عباس: (الجدال: المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله عن ذلك) . وعن ابن عمر: (الجدال المراء والسباب والخصومات) .
وقال السدي: (قد استقام أمر الحجِّ فلا تجادلوا فيه) .
وقال الطبري: (اختلف أهل التأويل في ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك: النهي عن أن يجادل المحرم أحدًا. ثم اختلف قائلو هذا القول، فقال بعضهم: نهى عن أن يجادل صاحبه حتى يغضبه) .
- وقال جلَّ شأنه: وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ [البقرة: 204].
قال العيني: (أي: شديد الجدال، والخصومة، والعداوة للمسلمين) .
قال مقاتل: (يقول جدلًا بالباطل) .
وقال الطبري: أي ذو جدال إذا كلمك وراجعك .
- وقال جلَّ في علاه: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4].
(قال سهل: في القرآن آيتان ما أشدَّهما على من يجادل في القرآن، وهما قوله تعالى: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [غافر: 4] أي: يماري في آيات الله، ويخاصم بهوى نفسه، وطبع جبلة عقله، قال تعالى: وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ[البقرة: 197]، أي: لا مراء في الحج. والثانية: قوله: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ [البقرة: 176]) .
- وقال سبحانه: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ [الحج: 8].
قال الزجاج: (فالمعنى ومن الناس من يجادل في الله بغير علم متكبرًا) .
وقال البيضاوي: (ومن الناس من يجادل في الله في توحيده وصفاته) .
وقال الشوكاني: (ومعنى اللفظ: ومن الناس فريق يجادل في الله، فيدخل في ذلك كلُّ مجادل في ذات الله، أو صفاته، أو شرائعه الواضحة) .
وقال السعدي: (ومن الناس طائفة وفرقة سلكوا طريق الضلال، وجعلوا يجادلون بالباطل الحقَّ، يريدون إحقاق الباطل وإبطال الحق، والحال أنهم في غاية الجهل، ما عندهم من العلم شيء) .
- وقال جل شأنه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46].
(قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لا ينبغي أن يجادل من آمن منهم، لعلهم أن يحدثوا شيئًا في كتاب الله لا تعلمه أنت، قال: لا تجادلوا، لا ينبغي أن تجادل منهم) .
وقال السعدي: (ينهى تعالى عن مجادلة أهل الكتاب، إذا كانت من غير بصيرة من المجادل، أو بغير قاعدة مرضية، وأن لا يجادلوا إلا بالتي هي أحسن، بحسن خلق ولطف ولين كلام، ودعوة إلى الحقِّ وتحسينه، وردٍّ عن الباطل وتهجينه، بأقرب طريق موصل لذلك، وأن لا يكون القصد منها مجرد المجادلة والمغالبة وحبِّ العلو، بل يكون القصد بيان الحقِّ وهداية الخلق، إلا من ظلم من أهل الكتاب، بأن ظهر من قصده وحاله، أنه لا إرادة له في الحق، وإنما يجادل على وجه المشاغبة والمغالبة، فهذا لا فائدة في جداله؛ لأن المقصود منها ضائع) .
- وقال تعالى: هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [آل عمران: 66].
قال الطبري: (يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ها أنتم: هؤلاء القوم الذين خاصمتم وجادلتم فيما لكم به علم من أمر دينكم الذي وجدتموه في كتبكم، وأتتكم به رسل الله من عنده، وفي غير ذلك مما أوتيتموه، وثبتت عندكم صحته، فلم تحاجُّون؟ يقول: فلم تجادلون وتخاصمون فيما ليس لكم به علم) .

قال الشوكاني: (وفي الآية دليل على منع
الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) بالباطل، بل ورد الترغيب في ترك الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) من المحقِّ) .
وقال السعدي: (وقد اشتملت هذه الآيات على النهي عن المحاجة والمجادلة بغير علم، وأنَّ من تكلَّم بذلك فهو متكلِّم في أمر لا يمكَّن منه، ولا يسمح له فيه) .

محمد رافع 52
25-08-2013, 10:53 PM
ثانيًا: في السنة النبوية


- فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: 58])) .
قال القاري: (والمعنى ما كان ضلالتهم ووقوعهم في الكفر إلا بسبب الجدال، وهو الخصومة بالباطل مع نبيهم، وطلب المعجزة منه عنادًا أو جحودًا، وقيل: مقابلة الحجة بالحجة، وقيل: المراد هنا العناد، والمراء في القرآن ضربُ بعضه ببعض؛ لترويج مذاهبهم، وآراء مشايخهم، من غير أن يكون لهم نصرة على ما هو الحق، وذلك محرم، لا المناظرة لغرض صحيح كإظهار الحقِّ فإنه فرض كفاية) .

وقال المناوي: (أي
الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) المؤدي إلى مراء ووقوع في شك، أما التنازع في الأحكام فجائز إجماعًا، إنما المحذور جدال لا يرجع إلى علم، ولا يقضى فيه بضرس قاطع، وليس فيه اتباع للبرهان، ولا تأول على النصفة، بل يخبط خبط عشواء غير فارق بين حقٍّ وباطل) .
وقال البيضاوي: (المراد بهذا الجدل العناد، والمراء، والتعصب) .
- وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إنَّ أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخصم)) .
قال الصنعاني: (أي: الشديد المراء، أي الذي يحجُّ صاحبه) .
وقال المهلب: (لما كان اللدد حاملًا على المطل بالحقوق، والتعريج بها عن وجوهها، والليِّ بها عن مستحقيها، وظلم أهلها؛ استحقَّ فاعل ذلك بغضة الله وأليم عقابه) .
وقال النووي: (والألدُّ: شديد الخصومة، مأخوذ من لديدي الوادي، وهما جانباه؛ لأنَّه كلما احتجَّ عليه بحجة أخذ في جانب آخر، وأما الخصم فهو الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حقٍّ، أو إثبات باطل) .
- وعن أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المراء في القرآن كفر)) .
قال البيضاوي: (المراد بالمراء فيه التدارؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن؛ ليدفع بعضه ببعض فيطرق إليه قدحًا وطعنًا) .
وقال المناوي: (المراد الخوض فيه بأنه محدث أو قديم، والمجادلة في الآي المتشابهة المؤدِّي ذلك إلى الجحود والفتن، وإراقة الدماء؛ فسمَّاه باسم ما يخاف عاقبته، وهو قريب من قول القاضي: أراد بالمراء التدارؤ، وهو أن يروم تكذيب القرآن بالقرآن؛ ليدفع بعضه ببعض، فيتطرَّق إليه قدح وطعن، ومن حقِّ الناظر في القرآن أن يجتهد في التوفيق بين الآيات، والجمع بين المختلفات ما أمكنه) .
- وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء، وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب، وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) .
قال السندي: (ومن ترك المراء: أي

الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) خوفًا من أن يقع صاحبه في اللجاج الموقع في الباطل) .
حكم وأمثال في الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء

- دع المراء لقلَّة خَيره .
- المراء لؤم .
- دع المراء، وإن كنت محقًّا .
- من ترك المراء سلمت له المروءة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1344)

مستر محمد سلام
26-08-2013, 12:52 AM
جزاااااااااااااااااااكم ربي خيراااااااااااااااااااا
استاذ محمد في انتظارك دائما

محمد رافع 52
29-08-2013, 10:28 AM
جزاااااااااااااااااااكم ربي خيراااااااااااااااااااا
استاذ محمد في انتظارك دائما















اشكرك اخى محمد
بارك الله فيكم ورضى عنكم

محمد رافع 52
30-08-2013, 02:32 AM
أقوال السلف والعلماء في الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء
- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:(لا تمارِ أخاك؛ فإنَّ المراء لا تفهم حكمته، ولا تُؤمَن غائلته ) .
- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (من استحقاق حقيقة الإيمان ترك المراء، والمرء صادق) .
- وقال أبو الدرداء: (كفى بك إثمًا أن لا تزال مماريًا) .
- وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (ولن يصيب رجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء، وهو يعلم أنَّه صادق، ويترك الكذب في المزاحة) .
- ورُوي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنَّه قال: (إذا أحببت أخًا فلا تماره) .
- وقال مالك بن أنس: (المراء يقسِّي القلوب، ويُورث الضغائن) .
- وقال أيضًا: (كلما جاء رجل أجدل من رجل، تركنا ما نزل به جبريل على محمد عليه السلام لجدله) .
- وقال أيضًا: (ليس هذا الجدل من الدين بشيء) .
- وقال ابن أبي ليلى: (لا تمار أخاك؛ فإنَّه لا يأتي بخير) .
- وقال أيضًا: (لا أُماري أخي إما أن أغضبه، وإما أكذبه) .
- وقال بلال بن سعد: (إذا رأيت الرجل لجوجًا مماريًا معجبًا برأيه فقد تمت خسارته) .
- وقال الشافعي: (المراء في العلم يقسي القلوب، ويورث الضغائن) .
- وقال مسلم بن يسار: (إيَّاكم والمراء، فإنها ساعة جهل العالم، وبها يبتغي الشيطان زلته) .
- وقال عبدوس بن مالك العطار: (سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه يقول: أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع- وكلُّ بدعة فهي ضلالة- وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال، والخصومات في الدين... إلى أن قال: لا تخاصم أحدًا ولا تناظره، ولا تتعلم الجدال؛ فإنَّ الكلام في القدر والرؤية والقرآن وغيرها من السنن مكروه منهي عنه، لا يكون صاحبه -إن أصاب بكلامه السنة- من أهل السنة حتى يدع الجدال) .
- وقال محمد بن الحسين: (من صفة الجاهل: الجدل، والمراء، والمغالبة) .
- وعن الحسن قال: (ما رأينا فقيهًا يماري) .
- وعنه أيضًا: (المؤمن يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قُبلت حمد الله، وإن رُدَّت حمد الله) .
- وعن زياد بن حدير قال: (قال لي عمر: هل تعرف ما يهدم الإسلام؟! قال: قلت: لا. قال: يهدمه زلَّة العالم، وجدال المنافق بالكتاب، وحكم الأئمة المضلين) .
- وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: (ما ماريت أخي أبدًا؛ لأني إن ماريته إمَّا أن أكذبه، وإمَّا أن أغضبه) .
- وقال عبد الله بن الحسن: (المراء رائد الغضب، فأخزى الله عقلًا يأتيك بالغضب) .
- وقال الأصمعي: (سمعت أعرابيًّا يقول: من لاحى الرجال وماراهم قلَّت كرامته، ومن أكثر من شيء عُرف به) .
- وقال عمر بن عبد العزيز: (قد أفلح من عُصم من المراء والغضب والطمع) .
- وقال الأوزاعي: (إذا أراد الله بقوم شرًّا ألزمهم الجدل، ومنعهم العمل) .


آثار الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء

1- الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء غير المحمود من فضول الكلام الذي يعاب عليه صاحبه.
2- قد يؤدي الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) الباطل إلى تكفير الآخرين أو تفسيقهم.
3- يدعو إلى التشفي من الآخرين.
4- يذكي العداوة، ويورث الشقاق بين أفراد المجتمع.
5- يقود صاحبه إلى الكذب.
6- يؤدي إلى التطاول والتراشق بالألسنة.
7- يؤدي بالمجادل إلى إنكار الحق ورده.


أقسام الجدال

ينقسم الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) إلى قسمين:
1- الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) المحمود:
وهو الذي يكون الغرض منه تقرير الحقِّ، وإظهاره بإقامة الأدلة والبراهين على صدقه، وقد جاءت نصوص تأمر بهذا النوع من الجدال، وقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بهذا الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) في قوله تعالى: ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125]. وقال جلَّ في علاه: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ [العنكبوت: 46].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم)) .



وقد حصل هذا النوع من

الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) بين عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وبين الخوارج زمن علي بن أبي طالب بأمر علي، فأقام عليهم الحجة وأفحمهم، فرجع عن هذه البدعة خلق كثير . وكذلك مجادلة أحمد بن حنبل للمعتزلة، ومجادلات ابن تيمية لأهل البدع.

2-الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) المذموم:

هو الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) الذي يكون غرضه تقرير الباطل بعد ظهور الحقِّ، وطلب المال والجاه، وقد جاءت الكثير من النصوص والآثار التي حذَّرت من هذا النوع من الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) ونهت عنه، ومن هذه النصوص:

قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ [الحج: 3].
وقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُّنِيرٍ [الحج: 8].
وقوله سبحانه: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ [غافر: 4].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((المراء في القرآن كفر)) .
وقال ابن عثيمين: (المجادلة والمناظرة نوعان:
النوع الأول: مجادلة مماراة: يماري بذلك السفهاء، ويجاري العلماء، ويريد أن ينتصر قوله؛ فهذه مذمومة.
النوع الثاني: مجادلة لإثبات الحق وإن كان عليه؛ فهذه محمودة مأمور بها) .
وقال الكرماني: (الجدال: هو الخصام، ومنه قبيح وحسن وأحسن؛ فما كان للفرائض فهو أحسن، وما كان للمستحبات فهو حسن، وما كان لغير ذلك فهو قبيح)


آداب الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) المحمود


هناك جملة من الآداب ينبغي لمن أراد الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) أن يتحلَّى بها، ومنها:
1- النية الصادقة في نصرة الحق، والدعوة إلى دين الله تعالى، وترك الرياء والسمعة، أو طلب الجاه والرفعة.
2- العلم الصحيح المستفاد من كتاب الله تعالى، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه سلف هذه الأمة الصالح.
3- رد الاختلاف إلى كتاب الله وسنة رسوله.
4- تقديم النقل ونصوصه على العقل وظنونه.
5- التحلي بالأخلاق الإسلامية العالية أثناء الجدال؛ من القول المهذب، واحترام الآخرين، وعدم الطعن في الأشخاص، أو لمزهم والاستهزاء بهم.
6- أن تكون غايتك إظهار الحق، وإقناع الناس به، مع الابتعاد عن الباطل أو تلبيسه على الناس.
7- تقديم الأهم فالأهم من الحجج، والبينات، والأدلة المفحمة للخصم، بقصد الإقناع وإظهار وجه الصواب.
8- مجانبة إطالة الكلام، وغرابة الألفاظ، أو خروجها عن صلب الموضوع.
9- عدم الالتزام في أثناء المناظرة بضدِّ الدعوى التي تحاول إثباتها وإلا فشلت.
10- عدم التعارض بين الأدلة، أو التناقض في البينات والحجج.
11- عدم الطعن في أدلة الخصم إلا ضمن الأمور المبنية على المنهج الصحيح.
12- إعلان التسليم بالقضايا المتفق عليها، وقبول نتائج المناظرة.
13- الامتناع عن المجادلة إذا كانت تؤدي إلى فتنة وفساد، أو ضرر يلحق بالدعوة.
14- أهمية مراعاة الظروف المحيطة بالمناظرة من حيث الأشخاص، والموضوع، والزمان، والمكان.

محمد رافع 52
30-08-2013, 02:45 AM
من أقوال الحكماء

- يقال: (لا تمارِ حكيمًا ولا سفيهًا؛ فإنَّ الحكيم يغلبك، والسفيه يؤذيك) .
- قال محمد بن الحسين: (وعند الحكماء: أنَّ المراء أكثره يغيِّر قلوب الإخوان، ويُورث التفرقة بعد الألفة، والوحشة بعد الأنس) .
وصايا ونصائح في التحذير من الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء:
- قال لقمان: (يا بنيَّ، من لا يملك لسانه يندم، ومن يكثر المراء يشتم، ومن يصاحب صاحب السوء لا يسلم، ومن يصاحب الصالح يغنم) .
- وقال أيضًا: (لا تمارينَّ حكيمًا، ولا تجادلنَّ لجوجًا ، ولا تعاشرنَّ ظلومًا، ولا تصاحبنَّ متَّهمًا) .
- وقال أيضًا: (يا بني، من قصر في الخصومة خصم، ومن بالغ فيها أثم، فقل الحق ولو على نفسك، فلا تبال من غضب) .
- وعن يونس قال: كتب إليَّ ميمون بن مهران: (إيَّاك والخصومة والجدال في الدين، ولا تجادلنَّ عالـمًا ولا جاهلًا. أما العالم فإنَّه يخزن عنك علمه، ولا يبالي ما صنعت، وأما الجاهل فإنه يخشن بصدرك ، ولا يطيعك) .
وقال مسعر بن كدام يُوصي ابنه كدامًا:


إني منحتك يا كدام نصيحتي *** فاسمع لقول أب عليك شفيقِ



أما المزاحة والمراء فدعهما *** خلقان لا أرضاهما لصديقِ



إني بلوتهما فلم أحمدهما *** لمجاور جارًا ولا لرفيقِ



والجهل يزري بالفتى في قومه *** وعروقه في الناس أي عروقِ؟!

ذم الجدال (http://dorar.net/enc/akhlaq/1949) والمراء في واحة الشعر

قال إسماعيل بن يسار:


فدعْ عنك المراءَ ولا تردِه *** لقلةِ خيرِ أسبابِ المراءِ



وأيقِنْ أنَّ مَن مارى أخاه *** تعرَّضَ من أخيه للِّحاءِ



ولا تبغِ الخلافَ فإنَّ فيه *** تفرُّقَ بَيْنِ ذاتِ الأصفياءِ



وإن أيقنتَ أنَّ الغيَّ فيم *** دعاك إليه إخوانُ الصفاءِ



فجاملْهم بحسنِ القولِ فيما *** أردتَ وقد عزمتَ على الإباءِ



وقال العرزمي:


نصحتُك فيما قلتَه وذكرتَه *** وذلك حقٌّ في المودةِ واجبُ



لا تركننَّ إلى المراءِ فإنَّه *** إلى الشرِّ دعَّاء وللغيِّ جالبُ



وقال زيد بن جندب الإيادي:


كنَّا أناسًا على دينٍ ففرَّقنا *** طولُ الجدالِ وخلطُ الجدِّ باللعبِ



ما كان أغنى رجالًا ضلَّ سعيهم *** عن الجدالِ وأغناهم عن الخطبِ



وقال ابن الرومي:


لذوي الجدالِ إذا غَدَوا لجدالِهم *** حججٌ تضلُّ عن الهدى وتجورُ



وُهُنٌ كآنيةِ الزجاجِ تصادمتْ *** فهوت، وكلُّ كاسرٍ مكسورُ



فالقاتلُ المقتولُ ثَمَّ لضعفِه *** ولوَهيه ، والآسرُ المأسورُ



وقال أبو محمد بن سنان الخفاجي:


فإيَّاك إيَّاك المراءَ فإنَّه *** سببٌ لكلِّ تنافرٍ وتشاوسِ



وافعلْ جميلًا لا يضيعُ صنيعُه *** واسمحْ بقوتِك للضعيفِ البائسِ



لا تفخرنَّ وإن فعلتَ فبالتُّقى *** ناضلْ وفي بذلِ المكارمِ نافسِ



وقال آخر:


لا تُفنِ عمرك في الجدالِ مخاصمًا *** إنَّ الجدالَ يخلُّ بالأديانِ



واحذرْ مجادلةَ الرجالِ فإنها *** تدعو إلى الشحناءِ والشنآنِ



وإذا اضطررتَ إلى الجدالِ ولم تجِدْ *** لك مهربًا وتلاقت الصفَّانِ



فاجعلْ كتابَ الله درعًا سابغًا *** والشرعَ سيفَك وابدُ في الميدانِ



والسنة البيضاء دونك جُنَّة *** واركب جواد العزم (http://dorar.net/enc/akhlaq/965) في الجولانِ



واثبتْ بصبرِك تحت ألويةِ الهدَى *** فالصبرُ أوثقُ عُدَّة الإنسانِ



واطعنْ برمحِ الحقِّ كلَّ معاندٍ *** لله درُّ الفارسِ الطعَّانِ



واحملْ بسيفِ الصدقِ حملة مخلصٍ *** متجرِّد لله غير جبانِ



وإذا غلبت الخصمَ لا تهزأْ به *** فالعجبُ يخمدُ جمرة الإنسانِ



وأحسنَ من قال:


وإيَّاك من حُلو المزاح (http://dorar.net/enc/akhlaq/1384) ومُرِّه *** ومن أن يراك الناس فيه مماريا



وإنَّ مراءَ المرءِ يخلقُ وجهَه *** وإنَّ مزاحَ المرءِ يبدي التشانيا



دعاه مزاحٌ أو مراءٌ إلى التي *** بها صار مقليَّ الإخاءِ وقاليا



وقال أبو الأخفش الكناني لابن له:


أبُنيَّ لا تكُ ما حييتَ مماريًا *** ودَعِ السفاهةَ إنها لا تنفعُ



لا تحملنَّ ضغينةً لقرابةٍ *** إنَّ الضغينةَ للقرابةِ تقطعُ



لا تحسبنَّ الحلمَ منك مذلةً *** إنَّ الحليمَ هو الأعزُّ الأمنعُ

محمد رافع 52
30-08-2013, 02:52 AM
الجَزَع

http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg
معنى الجَزَع لغةً واصطلاحًا
معنى الجَزَع لغةً:
الجَزَع، بالتَّحريك: نقيض الصَّبر. وقد جَزِع يَجْزَع جَزَعًا فهو جازِع، فإذا كَثُر منه الجَزَع، فهو جَزُوع. والجَزُوع: ضدُّ الصَّبور على الشَّرِّ. وأَجْزَعه غيره .
معنى الجَزَع اصطلاحًا:
قال أبو هلال: (الجَزَع: إظهار ما يلحق المصَاب مِن المضَض والغَمِّ) .
وقال الرَّاغب: (والجَزَع هو: حُزْن يَصْرِف الإنسان عمَّا هو بصدده، ويَقْطَعه عنه) .
وقال ابن فارس: (هو انقطاع المنَّة عن حَمْل ما نزل) .

محمد رافع 52
30-08-2013, 02:55 AM
الفرق بين الجَزَع وبعض الصِّفات
- الفرق بين الجَزَع والفَزَع:
قال الرَّاغب: (الفَزَع والجَزَع أخوان، لكن الفَزَع ما يعتري الإنسان مِن الشَّيء المخِيف، والجَزَع ممَّا يعتري مِن الشَّيء المؤلم، والفَزَع لفظ عام، سواء كان عارضًا عن أمارة ودلالة، أو حاصلًا لا عن ذلك) .
الفرق بين الجَزَع ورِقَّة القلب:
قال ابن القيِّم: (والفرق بين رِقَّة القلب والجَزَع: أنَّ الجَزَع ضعفٌ في النَّفس، وخوفٌ في القلب، يمدُّه شدَّة الطَّمع والحرص، ويتولَّد مِن ضعف الإيمان بالقَدَر... فمتى عَلِم أنَّ المقَدَّر كائنٌ- ولا بدَّ- كان الجَزَع عناءً محضًا ومصيبة ثانية. أمَّا رِقَّة القلب فإنَّها مِن الرَّحمة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرَقَّ النَّاس قلبًا، وأبعدهم مِن الجَزَع، فرِقَّة القلب رأفةٌ ورحمةٌ، وجَزَعُه مرضٌ وضعفٌ، فالجَزَع حال قلبٍ مريضٍ بالدُّنيا، قد غشيه دخان النَّفس الأمَّارة، فأخذ بأنفاسه، وضيَّق عليه مسالك الآخرة، وصار في سجن الهوى والنَّفس، وهو سجنٌ ضيِّق الأرجاء، مظلم المسلك، فانحصار القلب وضيقه يجعله يَجْزَع مِن أدنى ما يصيبه ولا يحتمله، فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد، وامتلأ مِن محبَّة الله وإجلاله، رَقَّ وصارت فيه الرَّأفة والرَّحمة، فتراه رحيمًا رقيق القلب بكلِّ ذي قُرْبَى ومسلم، يرحم النَّملة في جحرها، والطَّير في وَكْرِه، فضلًا عن بني ***ه، فهذا أقرب القلوب مِن الله تعالى) .

محمود حربي
03-09-2013, 12:21 AM
شكرررررررررررررررررررررررررررا وبارك الله فيك

محمد رافع 52
04-09-2013, 03:39 PM
شكرررررررررررررررررررررررررررا وبارك الله فيك
جزاكم الله عنا خيرا

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:17 PM
أولًا: في القرآن الكريم

قال تعالى: أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ [إبراهيم: 21.]
قال ابن عاشور: (وجملة أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مِن كلام الذين استكبروا. وهي مستأنفة تُبين عن سؤالٍ مِن الضُّعفاء، يستفتون المستكبرين: أيصبرون أم يجزعون، تطلُّبًا للخلاص مِن العذاب، فأرادوا تأييسهم مِن ذلك، يقولون: لا يفيدنا جَزَعٌ ولا صَبْرٌ، فلا نجاة مِن العذاب. فضمير المتكلِّم المشارك شامل للمتكلِّمين والمجابين، جمعوا أنفسهم إتمامًا للاعتذار عن توريطهم) .
- وقال تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلاَّ الْمُصَلِّينَ [المعارج: 19-22].
قال السعدي: (فيَجْزَع إن أصابه فقرٌ أو مرضٌ، أو ذهابُ محبوبٍ له، مِن مالٍ أو أهلٍ أو ولدٍ، ولا يستعمل في ذلك الصَّبر والرِّضا بما قضى الله) .
- وقال تعالى: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف: 18].
قال ابن القيِّم: (لا جَزَعَ فيه) .
- وقال تعالى: وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا [يونس: 12].
قال ابن كثير عند هذه الآية: (يخبر تعالى عن الإنسان وضجره وقلقه إذا مسَّه الضُرُّ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ [فصلت: 51] أي: كثير، وهما في معنى واحد، وذلك لأنَّه إذا أصابته شدَّةٌ قَلِقَ لها، وجَزِع منها، وأكثرَ الدُّعاء عند ذلك، فدعا الله في كَشْفِها ورَفْعِها عنه ...) .

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:19 PM
ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة

- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة رهطٍ سريَّة عينًا ... قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين. فتركوه، فركع ركعتين، ثمَّ قال: لولا أن تظنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لطوَّلتها، اللَّهمَّ أحصهم عددًا) .
- عن عمرو بن تغلب: ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بمال أو سبي، فقسَّمه، فأعطى رجالًا وترك رجالًا، فبلغه أنَّ الذين ترك عَتَبُوا، فحمد الله ثمَّ أثنى عليه، ثمَّ قال: أما بعد، فوالله إنِّي لأعطي الرَّجل، وأدع الرَّجل، والذي أدع أحبُّ إليَّ مِن الذي أعطي، ولكن أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم مِن الجَزَع والهلع، وأَكِلُ أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم مِن الغنى والخير، فيهم عمرو بن تغلب. فوالله ما أحبُّ أنَّ لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم حُمْر النَّعم )) .
(أي: من شدة الألم والضجر الذي يصيب نفوسهم لو لم يعطوا من الغنيمة، فأعطيهم تأليفًا لقلوبهم، وتطييبًا لنفوسهم) .
- عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان فيمن كان قبلكم رجلٌ به جُرْح، فجَزِعَ، فأخذ سكِّينًا، فحَزَّ بها يده، فمَا رَقَأ ، الدَّم حتى مات، قال الله تعالى: بَادَرَني عبدي بنفسه، حرَّمت عليه الجنَّة)) .
قال العيني: (قوله: ((فجَزِع))، أي: لم يصبر على الألم) .
- عن محمود بن لبيد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أحبَّ الله قومًا ابتلاهم، فمَن صبر فله الصَّبر، ومَن جَزِع فله الجَزَع)) .
ومعنى الحديث: (من يرد الله به خيرا أوصل إليه مصيبة؛ ليطهره به من الذنوب، وليرفع درجته) .

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:22 PM
أقوال السَّلف والعلماء في الجَزَع


- (قال محمد بن كعب القرظي: الجَزَع: القول السَّيِّئ، والظَّنُّ السَّيِّئ) .
- وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه للأشعث بن قيس: (إنَّك إن صبرت؛ جرى عليك القلم وأنت مأجورٌ، وإن جَزِعت؛ جرى عليك القلم وأنت مأزورٌ) .
- وعن الحسن، قال: (لما حضرت سلمان الوفاة، بكى، فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الله وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: ما أبكي جَزَعًا على الدُّنيا، ولكن عهد إلينا عهدًا فتركنا عهده، عهد إلينا أن يكون بلغة أحدنا مِن الدُّنيا كزاد الرَّاكب. فلمَّا مات نظر فيما ترك، فإذا قيمته ثلاثون درهمًا) .
- و(قال رجل مِن الحكماء: إنَّما الجَزَع والإشفاق قبل وقوع الأمر، فإذا وقع فالرِّضا والتَّسليم) .
- وقال عمرو بن دينار: قال عبيد بن عمير: (ليس الجَزَع أن تدمع العين، ويحزن القلب، ولكن الجَزَع: القول السَّيِّئ والظَّنُّ السَّيِّئ) .
- (وسئل القاسم بن محمد عن الجَزَع، فقال: القول السَّيِّئ والظَّنُّ السَّيِّئ) .
- و(قال بعض الحكماء: إن كنت تجزع على ما فات مِن يدك، فاجزع على ما لا يصل إليك) .
- و(قال ابن السَّماك: المصيبة واحدة، فإن جَزِع صاحبها فهما اثنتان. يعني فقد المصاب، وفقد الثَّواب) .
- و(قال منصور بن عمار: مَن جَزِع مِن مصائب الدُّنيا، تحوَّلت مصيبته في دينه) .
- وقال الماوردي: (إنَّ مَن خاف الله عزَّ وجلَّ صبر على طاعته، ومَن جزع مِن عقابه وقف عند أوامره) .
- وقال الجاحظ: (وهذا الخُلُق – أي الجَزَع - مُرَكَّب مِن الخُرْق والجُبْن، وهو مستقبح إذا لم يكن مجديًا ولا مفيدًا) .
- وقال ابن حزم: (إنَّ إظهار الجَزَع عند حلول المصائب مذمومٌ؛ لأنَّه عجَز مُظْهِرُه عن مِلك نفسه، فأظهر أمرًا لا فائدة فيه، بل هو مذموم في الشَّريعة، وقاطع عمَّا يلزم مِن الأعمال وعن التَّأهُّب لما يتوقَّع حلوله ممَّا لعلَّه أشنع مِن الأمر الواقع الذي عنه حدث الجَزَع .. فلمَّا كان إظهار الجَزَع مذمومًا، كان ضدُّه محمودًا، وهو إظهار الصَّبر؛ لأنَّه ملك النَّفس، واطِّراحٌ لما لا فائدة فيه، وإقبال على ما يَعُودُ ويُنْتَفَع به في الحال وفي المسْتَأنف. وأمَّا استبطان الصَّبر فمذمومٌ؛ لأنَّه ضعفٌ في الحسِّ، وقسوةٌ في النَّفس وقلَّةُ رحمة. وهذه أخلاق سوء، لا تكون إلَّا في أهل الشَّرِّ وخبث الطَّبيعة، وفي النُّفوس السَّبُعيَّة الرَّديئة. فلمَّا كان ذلك نتيجة ما ذكرنا، كان ضدُّه محمودًا، وهو استبطان الجَزَع؛ لما في ذلك مِن الرَّحمة والرِّقة والشَّفقة والفهم لقَدْر الرزيَّة. فصحَّ بهذا أنَّ الاعتدال هو أن يكون المرء جَزُوعَ النَّفس صَبُور الجسد، بمعنى أن لا يظهر في وجهه ولا في جوارحه شيء مِن دلائل الجَزَع) .

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:25 PM
آثار الجَزَع


1 - الدُّعاء على النَّفس .
2 - يورث الحسرة، وبقاء النَّدامة:
(قيل للأحنف: إنَّك لصبورٌ على الجَزَع! فقال: الجَزَع شرُّ الحالين؛ يباعد المطلوب، ويورث الحسرة، ويُبقي على صاحبه النَّدم) .
3 - ليس مع الجَزَع فائدة:
(كان أبو بكر الصِّدِّيق إذا عزَّى عن ميت، قال لوليه: ليس مع العزاء مصيبة، ولا مع الجَزَع فائدة) .
4 - فوات الأجر، وتضاعف المصيبة:
قال ابن القيِّم: (الجَزَع لا يفيد إلَّا فوات الأَجر وتضاعف المصيبة) .
5 - الجَزَع يورث السَّقم:
قال الفضيل بن عياض: (إنَّ الجَزَع يورث السَّقم، وبالسَّقم يكون الموت، وبالبُرْء تكون الحياة) .
6 - زيادة البلاء.
7 - سوء الظن (http://dorar.net/enc/akhlaq/2270) بالله، وعدم الثقة به سبحانه.
8- انتفاء كمال الإيمان.
9 -عدم الرضا بالمقدور، وعجزه عن فعل المأمور.
10- استحقاق العذاب في الآخرة.
11- قلق النفس واضطرابها.
12- الجَزِع يشقى به جلساؤه، ويمله أقرباؤه .

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:26 PM
أقسام الجَزَع

الجَزَع على قسمين:
1 - الجَزَع في الخطايا.
2 - الجَزَع في المصائب.
وفي ذلك يقول سعيد بن جبير عندما سئل عن الجَزَع: (الجَزَع على نحوين: أحدهما في الخطايا، أن يجزع الرَّجل إليها، والآخر في المصائب، فأمَّا جزع المصيبة: فهو ألَّا يحتسبها العبد عند الله، ولا يرجو ثوابها، ويرى أنَّه سوءٌ أصابه، فذلك الجَزَع، ويفعل ذلك وهو متجلِّدٌ لا يبين منه إلَّا الصَّبر)

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:28 PM
صور الجَزَع


1- تمنِّي الموت.
2- ضرب الخدود.
3- شقُّ الثَّياب.
4- نشر الشُّعور.
5- الدُّعاء بالويل والثُّبور.

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:37 PM
أسباب الوقوع في الجَزَع


1- تذكُّر المصَاب حتى لا يتناساه، وتصوُّره حتى لا يَعْزُب عنه ، ولا يجد مِن التِّذكار سَلْوَة، ولا يخلط مع التَّصور تعزية، وقد قال عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه: لا تستفزُّوا الدُّموع بالتَّذكُّر .
قال الشَّاعر:
ولا يبعث الأحزان مثل التَّذكُّر
2- الأسف وشدَّة الحسرة، فلا يرى مِن مصابه خلفًا، ولا يجد لمفقوده بدلًا؛ فيزداد بالأسف وَلَهًا، وبالحسرة هلعًا. ولذلك قال الله تعالى: لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ الحديد: 23[.]
وقال بعض الشِّعراء:

إذا بُلِيتَ فثِقْ بالله وارضَ به *** إنَّ الذي يكشف البلوى هو الله



إذا قضى الله فاستسلم لقدرته *** ما لامرئ حيلة فيما قضى الله



اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه *** لا تيأسنَّ فإنَّ الصَّانع الله .


3- كثرة الشَّكوى، وبثُّ الجَزَع، فقد قيل في قوله تعالى: فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً [المعارج: 5]. إنَّه الصَّبر الذي لا شكوى فيه، ولا بثٌّ .

4-
اليأس (http://dorar.net/enc/akhlaq/2874) مِن جبر مصابه، وطلابه، فيقترن بحزن الحادثة قنوط الإياس، فلا يبقى معهما صبرٌ، ولا يتَّسع لهما صدرٌ. وقد قيل: المصيبة بالصَّبر أعظم المصيبتين. وقال ابن الرُّومي:

اصبري أيتها النَّفــ*** ـس فإنَّ الصَّبر أحجى



ربَّما خاب رجاء *** وأتى ما ليس يُرجَى


وأنشد بعض أهل العلم:

أتحسب أنَّ البؤس للحُرِّ دائمٌ *** ولو دام شيء عدَّه النَّاس في العَجَب



لقد عرَّفتك الحادثات ببؤسها *** وقد أدبت إن كان ينفعك الأدب



ولو طلب الإنسان مِن صرف دهره *** دوام الذي يخشى لأعياه ما طلب .


5- أن يغرى بملاحظة مَن حِيطَت سلامته، وحرست نعمته، حتى الْتَحَف بالأمن والدَّعة ، واستمتع بالثَّروة والسَّعة، ويرى أنَّه قد خُصَّ مِن بينهم بالرَّزيَّة بعد أن كان مساويًا، وأفرد بالحادثة بعد أن كان مكافيًا، فلا يستطيع صبرًا على بلوى، ولا يلزم شكرًا على نعمى. ولو قابل بهذه النَّظرة ملاحظة مَن شاركه في الرَّزيَّة، وساواه في الحادثة لتكافأ الأمران، فهان عليه الصَّبر وحان منه الفرج .
6- ضعف الإيمان: قال القاسمي: (الجَزَع واليأس مِن الفرج عند مسِّ شرٍّ قُضِى عليه ... ممَّا ينافي عقد الإيمان) .
قال ابن القيِّم: (وإذا اطمأنَّ إلى حكمه الكوني: عَلِمَ أنَّه لن يصيبه إلَّا ما كتب الله له، وأنَّه ما يشاء كان، وما لم يشأ لم يكن. فلا وجه للجَزَع والقلق إلَّا ضعف اليقين والإيمان. فإنَّ المحذور والمخوف: إن لم يُقَدَّر فلا سبيل إلى وقوعه، وإن قُدِّر فلا سبيل إلى صرفه بعد أن أُبْرِم تقديره. فلا جَزَع حينئذ لا ممَّا قُدِّر ولا ممَّا لم يُقَدَّر) .
7- عدم الاستعانة بالله في المصيبة.
8- عدم النَّظر إلى مَن هم أشدُّ منه مصيبة وغمًّا وألـمًا.
9– العَجْز: قال ابن القيِّم: (الجَزَع قرين العَجْز وشقيقه... فلو سُئِل الجَزَع: مَن أبوك؟ لقال: العَجْز) .
10- ترك الرِّضا بما يوجب القضاء.
11- عدم توطين النَّفس على وقوع المكروه:
قال أبو حاتم: (السَّبب المؤدِّي إلى إظهار الجَزَع عند فِرَاق المتواخين هو: ترك الرِّضا بما يوجب القضاء، ثمَّ ورود الشَّيء على مُضْمَر الحشا بعدما انطوى عليه قديمًا، فمَن وطَّن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضدِّ الجميل عليها مِن صحبته، وتأمَّل ورود المكروه منه على غفلته، لا يُظْهِر الجَزَع عند الفراق، ولا يشكو الأسف والاحتراق إلَّا بمقدار ما يوجب العِلْمُ إظهاره) .
قال أحدهم لعبيد بن الأبرص: ما أشدَّ جزعك على الموت! فقال:

لا غَرْوَ مِن عيشة نافده *** وهل غير ما ميتةٍ واحدهْ



فأَبْلِغ بُنيَّ وأعمامهم *** بأنَّ المنايا هي الرَّاصدهْ



فلا تجزعوا لحِمِامٍ دنا *** فللموت ما تَلِد الوَالدهْ

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:40 PM
الوسائل المعينة على ترك الجَزَع

1- قوَّة الإيمان:
فعن صهيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرًا له)) .
2- ذكر الله:
فذِكْرُ الله يعين على الثَّبات في الشَّدائد، قال تعالى: وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ [الأنفال: 45].
ذكر القرطبيُّ أقوالًا للعلماء في معنى هذه الآية، منها: (اذكروا الله عند جَزَع قلوبكم، فإنَّ ذِكْرَه يعين على الثَّبات في الشَّدائد) .
3- الثبات والصبر على ما نزل به مِن مكروه:
قال ابن القيِّم: (وإذا صبر واحتسب أنضى شيطانه، وردَّه خاسئًا، وأرضى ربَّه، وسرَّ صديقه، وساء عدوَّه، وحمل عن إخوانه، وعزَّاهم هو قبل أن يعزُّوه، فهذا هو الثَّبات والكمال الأعظم، لا لَطْمُ الخدود، وشقُّ الجيوب ، والدُّعاء بالويل والثُّبور ، والسُّخط على المقدور) .
4- توقُّع حدوث المصَاب:
قال أبو حاتم: (... فمَن وطَّن نفسه في ابتداء المعاشرة على ورود ضدِّ الجميل عليها مِن صحبته، وتأمَّل ورود المكروه منه على غفلته، لا يُظْهِر الجَزَع عند الفراق، ولا يشكو الأسف والاحتراق إلَّا بمقدار ما يوجب العِلْم إظهاره) .
وحُكِي عن بعض الصَّالحين أنَّ ابنًا له مات، فلم يُرَ به جَزَعٌ، فقيل له في ذلك، فقال: (هذا أمرٌ كنَّا نتوقَّعه، فلمَّا وقع لم ننكره) .
5- معرفة أنَّ المقدور لا حيلة في دفعه:
قال ابن القيِّم: (أنَّ المقدور لا حيلة في دفعه، وما لم يُقَدَّر لا حيلة في تحصيله) .
6- العلم بأنَّ الجَزَع يُشمِتُ الأعداء.
7- العلم بأنَّ الجَزَع يَسُوء الأصدقاء.
8- العلم بأنَّ الجَزَع يُغْضِب الله.
9- العلم بأنَّ الجَزَع يَسرُّ الشَّيطان.
10- العلم بأنَّ الجَزَع يُحْبِط الأجر.
11- العلم بأنَّ الجَزَع يُضْعِف النَّفس .

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:42 PM
النَّهي عن تمنِّي الموت جزعًا


حين يعلم المؤمن أنَّ صبره على المصائب والآلام مكفِّرٌ لسيِّئاته، ورافعٌ لدرجاته، ويُسجَّل له مع كلِّ شعورٍ بألم أجرٌ عند الله تعالى، يناله ثواب عظيم وكرامة عنده في دار الجزاء، يرى أنَّه في خيرٍ عظيمٍ، وفضلٍ جسيمٍ مِن الله تعالى، ويرى أنَّ تمنِّيه الموت تخلُّصًا مِن المصائب هروبٌ مِن الحياة، وفرارٌ مِن مسؤوليَّة الابتلاء، وخروجٌ مِن سوق تجارة رابحة أضعافًا مضاعفة، لذلك فهو لا يتمنَّى الموت ليتخلَّص مِن مصائبه وآلامه، ويلاحظ المؤمن أنَّ طول أجله فرصةٌ له؛ ليزيد مِن حسناته إن كان مِن المحسنين، وليتوب ويصلح مِن حاله إن كان مِن المسيئين، لكلِّ ذلك نهى الرَّسول صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا عن تمنِّي الموت... روى البخاريُّ ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتمنَّى أحدكم الموت لضرٍّ أصابه، فإن كان لا بدَّ فاعلًا فليقل: اللَّهمَّ أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفَّني إذا كانت الوفاة خيرًا لي)) .
وهذا الحديث يدلُّ على أنَّ الأفضل للمؤمن أن لا يتدخَّل في طلب الموت مِن ربِّه مطلقًا، وأن يترك أمر الأجل لمقادير الله في خلقه، ولحكمته في عباده.
ولذلك لم يَدْعُ خبَّاب بن الأرَتِّ على نفسه بالموت، مع أنَّه وصل إلى حالة رأى فيها أنَّ الموت أحبُّ له مِن الحياة.
روى البخاريُّ عن قيس بن أبي حازم قال: دخلنا على خباب بن الأرت رضي الله عنه نعوده، وقد اكتوى سبع كيَّات، فقال: ((إنَّ أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدُّنيا، وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التُّراب. ثمَّ قال: ولولا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به)) .
وإنَّا أصبنا ما لا نجد له موضعًا إلَّا التُّراب: أي أصبنا مِن المال ما لا نجد له موضعًا نضعه فيه، أن نبني به ونعمِّر بيوتًا وبساتين.
وقد حدَّث خباب نفسه بالموت ولم يطلبه، مخافة أن تنقص الدُّنيا والأموال التي زادت عنده مِن منزلته عن أصحابه الذين سبقوا إلى ربِّهم، قبل أن تُفْتَح الدُّنيا على المسلمين.
وهذه التَّربية الإسلاميَّة مِن شأنها أن ترفع معنويَّات المسلمين في الحياة، وتشدُّ عزائمهم، وتنفي السَّأم والضَّجر عن نفوسهم وقلوبهم، وتضع بينهم وبين الطَّريق التي تنحدر بكثير مِن النَّاس إلى الانتحار سدًّا منيعًا.
أمَّا من ترك الإيمان بالله واليوم الآخر، وكفر بالمفاهيم الإسلاميَّة العظيمة، تولَّد في نفسه السَّأم والضَّجر مِن الحياة عند أوَّل ضرٍّ يمسُّه، ومع تتابع أحداث الضَّجر مرةً بعد مرةٍ، تتكثَّف في نفسه ضغوطٌ قاتلةٌ، لا تجد لها منفذًا تتنفَّس منه؛ لأنَّ المتَنَفَّس الوحيد لا يأتي إلَّا عن طريق الإيمان بالله، واليوم الآخر، والرِّضى عن الله فيما تجري به مقاديره، مراقبة الأجر العظيم الذي أعدَّه الله للصَّابرين. وبعد تكثُّف ضغوط الضَّجر والسَّأم مِن الحياة دون أن تجد متنفَّسًا سليمًا، تحَدْثُ حالة الانفجار النَّفسي، وهذا الانفجار ينتهي به إلى الانتحار أو إلى الجنون، أو إلى الجريمة البشعة، أو إلى إدمان المسكرات والمخدِّرات، وفي كلِّ ذلك شرٌّ مستطيرٌ، وبلاءٌ كبيرٌ.
أمَّا المؤمنون فهم مِن هذا البلاء بعافية والحمد لله، وبلاد المسلمين هي أسلم البلاد وأنقاها مِن جرثومة هذا الوباء، وذلك بسرِّ الوقاية العجيبة التي يصنعها الإيمان، وتغذيها عناصر التَّربية الإسلاميَّة.
وقد أصيب بعض أبناء المسلمين في هذا العصر بأمراض أهل الكفر، لـمَّا تسرَّب إليهم داء الكفر بالله وبمقاديره وحكمته، والكفر باليوم الآخر وما فيه مِن جزاء بالثَّواب أو بالعقاب.

محمد رافع 52
04-09-2013, 05:43 PM
الأمثال في الجَزَع


- هذا ولـمَّا تردَّى تهامة.
يُضْرَب مثلًا للرَّجل يجزع قبل أن يستحكم ما يجزع منه .
- مَن جَزِع اليوم مِن الشَّرِّ ظَلَم.
يُضْرَب عند صلاح الأمر بعد فساده، أي: لا شرَّ يُجْزَع منه اليوم .
- عَيْنٌ عرفت فذَرَفت
يُضْرَب فيمن عرف الشَّرَّ فجَزِع .

اسراء سمير00
04-09-2013, 06:04 PM
جزاك الله خيرااااا استاذ محمد
وربنا يجعله في ميزان حسنات حضرتك

تحياتي

محمد رافع 52
05-09-2013, 10:56 AM
جزاك الله خيرااااا استاذ محمد
وربنا يجعله في ميزان حسنات حضرتك

تحياتي
اشكرك اختى الكريمة
بارك الله فيك ورضى عنك

محمد رافع 52
05-09-2013, 11:07 AM
ذم الجَزَع في واحة الشِّعر

قال الشَّافعيُّ:

دَعِ الأيَّامَ تفعلُ ما تشاءُ *** وطِبْ نفسًا بما حكم القضاءُ



ولا تَجْزَعْ لحادثةِ اللَّيالي *** فما لحوادثِ الدُّنيا بقاءُ



ورزقُك ليس ينقصُه التَّأنِّي *** وليس يزيدُ في الرِّزق العناءُ



ولا حزنٌ يدومُ ولا سرور*** ولا بؤسٌ عليك ولا رخاءُ


وقالت الخنساء:

فإن تصبرِ النَّفسُ تلقَ السُّرورَ*** وإن تجزعِ النَّفسُ أشقَى لها


وقال الشَّاعر:

لا تجزعنَّ متى اتَّكلت على الذى *** ما زال مبتدئًا يجود ويفضلُ



ولقد يريحُ أخو التَّوكُّلِ نفسه *** إنَّ المريحَ لعمرك المتوكِّلُ


وقال الشَّاعر:

أتجزعُ ممَّا أحدثَ الدَّهرُ للفتى *** وأيُّ كريمٍ لم تُصبْه القوارعُ


وقال الشَّاعر:

أَمِنَ المنُونِ ورَيْبِه تتوجَّعُ *** والدَّهرُ ليس بمُعْتِبٍ مَن يَجْزَعُ



وتَجَلُّدِي للشَّامِتِين أُرِيهم *** أَنِّي لرَيْب الدَّهْرِ لا أتضَعْضعُ


وأنشد يونس بن إبراهيم بن محمد بن طلحة لمحمد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله:

ولا تجزعْ لريبِ الدَّهرِ واصبرْ *** فإنَّ الصَّبرَ في العقبى سليمُ



فما جزعٌ بمغنٍ عنك شيئًا *** ولا ما فات تُرْجِعه الهمومُ


وقال الشَّاعر:

لا تجزعنْ مِن كلِّ خطبٍ عرى *** ولا ترِ الأعداءَ ما يُشْمِتُ



واصبرْ فبالصَّبرِ تنالُ المنى *** إذا لقيتم فئةً فاثبتوا


وقال عمرو بن بكير:

صبرتُ فكان الصَّبرُ خيرَ مغبَّةٍ *** وهل جزعٌ يجدي عليَّ فأجزعُ



ملكتُ دموعَ العينِ حتى رددتُها *** إلى ناظري فالعينُ في القلبِ تدمعُ


وقال آخر:

لا تجزعنَّ على ما فات مطلبُه *** ها قد جزعت فماذا ينفعُ الجَزَعُ



إنَّ السَّعادةَ يأسٌ إن ظفرتَ به *** بعض المرار وإنَّ الشِّقوةَ الطَّمعُ

محمد رافع 52
05-09-2013, 11:13 AM
http://1.bp.blogspot.com/-5QNz0VwOpKA/ULGdOTc8p2I/AAAAAAAAIPM/4d5KEDPG8AA/s400/hl1-01_-_Copy_-_Copy_(2)_-_Copy.jpg

الجَفَاء

معنى الجَفَاء لغةً واصطلاحًا


معنى الجَفَاء لغةً:
الجفاء: خلاف البر (http://dorar.net/enc/akhlaq/171) ونقيض الصلة، وأيضًا غلظ الطبع، يقال: جفاه. إذا بعد عنه، وأجفاه: إذا أبعده، وجفوت الرجل أجفوه: أعرضت عنه أو طردته، وهو مأخوذ من جفاء السيل، وهو ما نفاه السيل، وقد يكون مع بغض، وجفا الثوب يجفو: إذا غلظ فهو جاف، ومنه جفاء البدو وهو غلظتهم .
معنى الجَفَاء اصطلاحًا:
الجَفاء: هو الغِلَظ في العِشْرَة، والخُرْق في المعاملة، وترك الرِّفق في الأمور .
قال المباركفوري: (الجَفَاء: غِلَظ الطَّبع) .
وقال العيني: (الجَفَاء هو: الغِلَظ في الطَّبع لقلَّة مخالطة النَّاس) .

محمد رافع 52
05-09-2013, 11:15 AM
ذَمُّ الجَفَاء والنَّهي عنه في السنة النبوية

- عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((الحياء مِن الإيمان، والإيمان في الجنَّة، والبَذَاء مِن الجَفَاء، والجَفَاء في النَّار)) .
ففي هذا الحديث بيَّن المصطفى صلى الله عليه وسلم أنَّ الإيمان والحياء مترابطان متلازمان، وهما معًا يقودان صاحبهما إلى الجنَّة، وفي المقابل فإنَّ البَذَاء - وهو فُحْش القول، والسَّيِّئ منه– متلازم مع الجَفَاء، فهو صِنْوَه الذي لا يفارقه، وهما يسوقان صاحبهما إلى النَّار.
قال ملا علي القاري: (... ((والبَذَاء)) -بفتح الباء- خلاف الحياء، والنَّاشئ منه الفُحْش في القول، والسُّوء في الخُلُق. مِن الجَفَاء: وهو خلاف البِرِّ الصَّادر منه الوفاء. ((والجَفَاء)). أي: أهله التَّاركون للوفاء، الثَّابتون على غلاظة الطَّبع وقساوة القلب. في النَّار. إمَّا مدَّة أو أبدًا؛ لأنَّه في مقابل الإيمان الكامل أو مطلقه، فصاحبه إمَّا مِن أهل الكفران أو الكفر) .
- وعن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن سكن البادية جَفَا، ومَن اتَّبع الصَّيد غفل، ومَن أتى السُّلطان افتُتِن)) .
في هذا الحديث يبيِّن رسول الله صلى الله عليه وسلم سببًا مِن أسباب الجَفَاء والغِلْظَة في الطَّبع والمعاملة، وهذا السَّبب هو السُّكنى في البادية والعيش فيها، لما في ذلك مِن بعدٍ عن النَّاس، والبعد عن معاشرتهم التي تولِّد الرِّقة في القلب، والعطف في المعاملة، وكذلك لأنها تؤدي إلى البعد عن مواطن العلم ومجالس الذِّكر.
فالإنسان يكتسب مِن أخلاق غيره بالمعاشرة، وتتروَّض نفسه بحسب مَن حولها، وكلَّما اقترب الإنسان مِن أهل الحاضرة، كلَّما كان أرقَّ أخلاقًا وألطف طبعًا، وأحسن معاملة لمن حوله، والعكس بالعكس، قال السيوطي: (... ((مَن سكن البادية جَفَا)). أي: غَلُظ طبعه، وصار جافيًا بعد لطف الأخلاق؛ لفقد مَن يروِّضه ويؤدِّبه) .
وقال المباركفوري: (وهو الغالب على سكَّان البوادي؛ لبعدهم عن أهل العلم، وقلَّة اختلاطهم بالنَّاس، فصارت طباعهم كطباع الوحوش ...) .
وقال المناوي: (قال ابن تيمية: فيه أنَّ سُكنى الحاضرة يقتضي مِن كمال الإنسان في رِقَّة القلب وغيرها ما لا تقتضيه سُكنى البادية، فهذا الأصل موجب كون *** الحاضرة أفضل مِن *** البادية، وقد يتخلَّف المقتضي لمانع) .
- وعن أبي مسعود: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ((الإيمان هاهنا- وأشار بيده إلى اليمن- والجَفاء وغِلَظ القلوب في الفدَّادين عند أصول أذناب الإبل، حيث يطلع قَرْن الشَّيطان في ربيعة ومضر)) .
وفي هذا الحديث يحدِّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجَفَاء وأين يكون، وهو في معنى الحديث الذي سبقه في أنَّ الجَفاء يَكْثُر في أهل البوادي، الذين يتَّبعون الإبل في مراعيها، فيبعدون عن مراكز المدن والحضر؛ فتقسو قلوبهم، وتجفو طباعهم.
قال ملا علي القاري: (... ((والجَفاء)) -بالمدِّ- ضدُّ الوفاء... والأظهر أنَّ المراد به هاهنا غِلَظ الألسنة، بقرينة قوله: ((وغِلَظ القلوب في الفدَّادين أهل الوبر)). بيان للفدَّادين، ويُرَاد بأهل الوبر: الأعراب أو سكَّان الصَّحاري، وإنَّما ذمَّهم؛ لبعدهم عن المدن والقرى، الموجب لقلَّة العلم الحاصل به حسن الأخلاق لهم، وسائر علوم الشَّريعة...) .
وقال المناوي: (ويحتمل أنَّ المراد بالجَفاء أنَّ القلب لا يميل لموعظة، ولا يخشع لتذكرة، والمراد بالغِلَظ: أنَّها لا تفهم المراد، ولا تعقل المعنى) .

محمد رافع 52
05-09-2013, 11:18 AM
أقوال السَّلف والعلماء في الجَفَاء

- قال مالك بن أنس: (ما قلَّت الآثار في قوم إلَّا كَثُرَت فيهم الأهواء، وإذا قلَّت العلماء ظهر في النَّاس الجَفَاء) .
- وقال سفيان الثوري: (إيَّاك ومجالسة أهل الجَفَاء، ولا تصحب إلَّا مؤمنًا، ولا يأكل طعامك إلَّا تقيٌّ، ولا تصاحب الفاجر ولا تجالسه) .
- عن طاوس قال: (مِن السُّنَّة أن يُوقَّر أربعة: العالم، وذو الشَّيبة، والسُّلطان، والوالد، ومِن الجَفَاء أن يدعو الرَّجل والده باسمه) .
- وعن سعيد بن جبير قال: (أربعة تُـعَدُّ مِن الجَفاء: دخول الرَّجل المسجد يصلِّي في مؤخَّره، ويدع أن يتقدَّم في مقدَّمه؛ ويمرُّ الرَّجل بين يدي الرَّجل وهو يصلِّي؛ ومسح الرَّجل جبهته قبل أن يقضي صلاته؛ ومؤاكلة الرَّجل مع غير أهل دينه) .
- وعن يحيى بن أيُّوب قال: (كنَّا عند شريك بن عبد الله يومًا فظهر مِن أصحاب الحديث جفاء، فانتهر بعضهم، فقال له رجل. يا أبا عبد الله، لو رفقت! فوضع شريك يده على ركبة الشَّيخ وقال: النُّبل عون على الدين) .
- وعن محمَّد بن إسحاق السَّرَّاج، قال: كتب إليَّ ابن أبي الدُّنيا مِن بغداد: يا أخي! عزيزٌ عليَّ جفاء مثلك، وما أنت إلَّا كما قيل:

أتجفو خليلًا لم يخنك مودَّةً *** عزيز علينا أن نراك كذالكا


- وقال يحيى بن معاذ: (حقيقة المحبَّة لا يزيدها البرُّ، ولا ينقصها الجَفاء) .

محمد رافع 52
05-09-2013, 11:19 AM
آثار الجَفاء

1- التَّنافر بين النَّاس.
2- تقطُّع أواصر المودَّة والمحبَّة، خاصَّة مع الأهل والأقرباء.
3- كثرة حدوث المشكلات.
4- الحرمان من معونة الناس عند نزول الشدائد
5- الجافي متوعَّد بالعقوبة الأخرويَّة بالعذاب في النَّار.
6- تفكك الأسر، وكثرة حدوث المشكلات الزوجية والطلاق.
7- فقدان الصَّديق.

محمد رافع 52
05-09-2013, 11:22 AM
صور الجَفَاء

1- جفاء الإنسان ربَّه: وهو مولاه والمطَّلع عليه، ويحدِّثنا ابن القيِّم عن هذا النَّوع مِن أنواع الجَفاء، فيقول: أمَّا قوله: (والصَّبر عن الله جَفَاء) فلا جَفَاء أعظم ممَّن صبر عن معبوده وإلهه ومولاه، الذي لا مولى له سواه، ولا حياة له ولا صلاح ولا نعيم إلَّا بمحبَّته والقرب منه، وإيثار مرضاته على كلِّ شيء، فأيُّ جفاء أعظم مِن الصَّبر عنه) .
وقال بعض الحكماء: لا تجف ربَّك... أما الجَفَاء بربِّك: فأن تشتغل بخدمة غيره مِن المخلوقين .
2- جفاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومِن ذلك: أنَّه لا يصلِّي عليه إذا ذُكِر عنده، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رَغِم أَنْف رَجُل ذُكِرْت عنده فلَمْ يُصَلِّ عليَّ) .
3- جفاء الوالدين، بالتَّأفُّف وغِلَظ القول لهما، أو قطعهما ونحوه: وهذا مِن أعظم الجَفَاء وأشدِّه، بل هو العقوق بعينه، إذ كيف يجفو المرء مَن كانا سببًا في وجوده، ومَن تعبا على تربيته، وبَذَلا جهدهما مِن أجل راحته.
بل عدَّ السَّلف مناداة الرَّجل لوالده باسمه مجردًا مِن الجَفَاء، قال طاوس: (مِن الجَفَاء أن يدعو الرَّجل والده باسمه) . فكيف بمن يعاملهما بما هو أشدُّ مِن ذلك سوءًا.
4- ومِن صور الجَفَاء المتفشِّية في المجتمع: جفاء الرَّجل زوجته وأبنائه، وذلك مِن أعظم أسباب الفراق وتفكُّك الأُسر، فتجده إذا دخل بيته تغيَّرت صورته، وعلا صوته، فنهر هذا، وضرب ذاك، وربَّما يكون ذلك بدون سبب أو مبرِّر، فيتحوَّل البيت مِن سكن إلى حجيم، ومِن طمأنينة إلى قلق وإزعاج، وكلُّ ذلك بسبب جفاء الرَّجل وقسوة طبعة. يقول ابن سعدي: (وكذلك رحمة الأطفال الصِّغار، والرِّقَّة عليهم، وإدخال السُّرور عليهم مِن الرَّحمة، وأمَّا عدم المبالاة بهم، وعدم الرِّقَّة عليهم، فمِن الجَفَاء والغِلْظَة والقسوة، كما قال بعض جُفاة الأعراب حين رأى النَّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقبِّلون أولادهم الصِّغار، فقال ذلك الأعرابي: إنَّ لي عشرة مِن الولد ما قبَّلت واحدًا منهم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((أَوَ أَمْلِك لك شيئًا أن نزع الله مِن قلبك الرَّحمة؟)) .) .
وقال ابن عثيمين: (أمَّا ما يفعله بعض النَّاس مِن الجَفَاء والغِلْظَة بالنِّسبة للصِّبيان، فتجده لا يمكِّن صبيَّه مِن أن يحضر على مجلسه، ولا أن يمكِّن صبيَّه مِن أن يطلب منه شيئًا، وإذا رآه عند الرِّجال انتهره، فهذا خلاف السُّنَّة، وخلاف الرَّحمة) .
5- ومِن الصُّور كذلك: جفاء الصَّديق لأي سببٍ كائن مِن الأسباب، فربَّما يجفو صديقه كِبْرًا وتيهًا، وربَّما يجفوه لمشكلة لا تحتمل الجَفاء، وربَّما لوِشَايَة سمعها عنه، أو خبر نَمَى إليه أو غير ذلك.
6- ومِن الجَفاء كذلك: الجَفاء الشَّديد مع النَّاس في معاملتهم والحديث معهم. فمِن النَّاس مَن يظنُّ أنَّه لا يُفْهِم حتى يعلي صوته، ويقطِّب جبينه فتراه غليظًا وقحًا فظًّا فجًّا، يخشاه النَّاس، ويتجنَّبونه مخافة لسانه السَّليط، وطبعه القاسي.
والأدهى مِن ذلك والأَمَرُّ: جفوة المنتسبين إلى الدِّين عمومًا، والدُّعاة إلى الله خصوصًا، فإنَّ بعضهم يظنُّ أنَّ هذه الجفوة مِن الدِّين، وأنَّها تكسو الدَّاعية وقارًا، وتعطيه هيبة، وقد أخطأ، بل إنَّ لها أثرًا سيئًا وتأتي بخلاف المقصود، فهي تنفِّر النَّاس عن دين الله، وتصدُّهم عن معرفته، وتباعدهم عن سبيله، ويكون هو ذاته سببًا في ذلك، لذا امتنَّ الله على رسوله صلى الله عليه وسلم أن جعله رقيق الطَّبع، طيِّب القلب، ولم يجعله فظًّا ولا غليظًا، قال تعالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159].

7 - ومِن صور الجَفاء: جفاء طلَّاب العلم، سواء كان
الجفاء (http://dorar.net/enc/akhlaq/2006) بين طلبة العلم أو جفاء المعلم أو الشيخ لهم، وهذا على خلاف الأخلاق المطلوبة مِن الشَّيخ والمعلِّم، والتي حكاها الآجريُّ بقوله: (فأمَّا أخلاقه مع مجالسيه: فصبورٌ على مَن كان ذهنه بطيئًا عن الفهم حتى يَفْهَم عنه، صبورٌ على جفاء مَن جهل عليه حتى يردَّه بحلمٍ، يؤدِّب جلساءه بأحسن ما يكون مِن الأدب، لا يدعهم يخوضون فيما لا يعنيهم، ويأمرهم بالإنصات مع الاستماع إلى ما ينطق به مِن العِلْم. فإن تخطَّى أحدهم إلى خُلقٍ لا يحسن بأهل العلم، لم يَجْبَهْهُ في وجهه على جِهة التَّبكيت له. ولكن يقول: لا يَحْسُن بأهل العلم والأدب كذا وكذا، وينبغي لأهل العلم أن يتجافوا عن كذا وكذا. فيكون الفاعل لخُلُقٍ لا يحسن، قد عَلِمَ أنَّه المراد بهذا، فيبادر برفقه به، إن سأله منهم سائلٌ عمَّا لا يعنيه ردَّه عنه، وأمره أن يسأل عمَّا يعنيه، فإذا علم أنَّهم فقراء إلى علمٍ قد غفلوا عنه أبداه إليهم، وأعلمهم شدَّة فقرهم إليه، لا يعنِّف السائل بالتَّوبيخ القبيح فيخجله، ولا يزجره فيضع مِن قدره، ولكن يبسطه في المسألة ليجبره فيها، قد علم بغيته عمَّا يعنيه، ويحثُّه على طلب علم الواجبات: مِن علم أداء فرائضه واجتناب محارمه. يقبل على مَن يَعْلَم أنَّه محتاجٌ إلى علم ما يسأل عنه، ويترك مَن يعلم أنه يريد الجدل والمراء، يقرِّب عليهم ما يخافون بُعْدَه بالحكمة والموعظة الحسنة. يسكت عن الجاهل حِلمًا، وينشر الحكمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/452) نُصحًا، فهذه أخلاقه لأهل مجلسه وما شاكل هذه الأخلاق) .
أمَّا الجفاء (http://dorar.net/enc/akhlaq/2006) بينهم فقد يحصل بين طلَّاب العلم مِن الجفوة ما يصل إلى حدٍّ لا يُحْمَد، وقد يكون سببه التَّنافس المذموم، الذي قد يصل بهم إلى درجة التَّقاطع والتَّهاجر، والحديث في بعضهم البعض، وقد يكون سببه حسد بعضهم لبعض، والله المستعان.
8 - جفاء مَن أحسنوا إليك، وأعانوك عند حاجتك.

محمد رافع 52
05-09-2013, 11:25 AM
أسباب الوقوع في الجَفَاء

1- ضعف الإيمان وقلَّة العلم، لذا كان أهل البداوة أكثر النَّاس جفاءً، وأغلظهم طبعًا وأقساهم قلوبًا، وأضعفهم إيمانًا.
2- تزيين الشَّيطان.
3- الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) قد يولِّد الجَفَاء بين المتحاسدين، ويوسِّع النُّفْرَة بينهما؛ لأنَّه (إذا شاع الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) بين النَّاس، وحسد بعضهم بعضًا زال الخير عنهم، وحلَّ الجَفَاء، واشتعلت نار الفتنة، وعمَّتهم المصيبة والمحنة) .
4- البعد عن المنهج الصَّحيح في معاملة الآخرين.
5- ترك النُّصح والتَّوجيه لمن اتَّصف بهذه الصِّفة، والمعاتبة بالحسنى حتى يرعوي، وقديمًا قال بعض الحكماء: العتاب علامة الوفاء، وسلاح الأكفاء، وحاصد الجَفَاء . وقال أبو حاتم البستي: (إنَّ مِن أعظم الجَفَاء ترك العتاب) .
5- أثر البيئة والتنشئة في الصغر على نمو هذه الصفة.
7- الكِبْر.
8- مقابلة الجَفَاء بالجَفَاء، فإنَّ بعض النَّاس قد يكون هيِّـنًا ليِّـنًا، رقيق الطَّبع غير جافٍ، إلَّا أنَّ جفاء الجفاة قد يحوِّله إلى جافٍ مِن باب المقابلة بالمثل، حاله في ذلك كحال القائل:


مِن البرِّ أن تلقى الجَفَاء بمثلهِ *** ليعطفَ مَن يجفو على وصل صاحبه



أو كقول الآخر:


أَصِلُ الكريم إذا أراد وِصَالَنَا *** وأَصُدُّ عنه صدوده أحيانًا



فإذا استمرَّ على الجَفَاء تركته *** ووجدت عنه مذهبًا ومكانًا

محمد رافع 52
05-09-2013, 11:29 AM
الوسائل المعينة على ترك الجَفَا

1- التَّزوُّد بالإيمان، والتَّضلُّع مِن العلم النَّافع، فإنَّهما كفيلان بترقيق الطَّبع، وتحسين الخُلُق.
2- الاقتداء بسيِّد الخَلْق أجمعين صلى الله عليه وسلم في كيفيَّة معاملته للنَّاس وحرصه عليهم، ورِفْقِه بهم.
3- الاختلاط بالنَّاس والصَّبر على أذاهم سببٌ آخر لترك هذا الخُلُق، وكلَّما بعد الإنسان عن النَّاس وتجمُّعاتهم، كلَّما غَلُظ طبعه، وقسى قلبه، وساء خُلُقه، لعدم وجود مَن يعاشره، ويتعلَّم منه ويصبر عليه، كما هو الحال في أهل البادية.
4- التَّناصح بين الإخوان، والعتاب بينهم بالحسنى؛ كفيلٌ بأن يهذِّب الطِّباع، ويُذْهِب الجَفَاء، وقد قال الشَّاعر:


لست ممَّن يُماذِقُ الصَّاحب الـ *** ودَّ إذا أظهر الجَفَاء الصَّريحا



أنا أنهاه ما استطعت فإن لجَّ *** أعرت الفؤاد يأسًا مريحا



غير أنِّي على القطيعة لا أظ *** هر هجرًا ولا أقول قبيحا



5- أن يعلم مَن ابتُلِي بهذا الخُلُق أنَّه قد يعرِّض نفسه للعقوبة والعذاب إن داوم على سوء الخُلُق، وقسوة القلب.
6- أن يعلم أنَّه قد يخسر كلَّ أصدقائه وأحبابه.
7- أن يعلم أنَّه متَّصف ببعض صفات الجبَّارين، الذين يبغضهم الله -تبارك وتعالى-.
8- أن يعلم أنَّه بقسوته وجفائه قد يظلم مَن حوله، فيأثم، وربَّما يدعو عليه المظلومون، فلا تُخْطِئُه تلك الدَّعوات، فيخسر دنياه وآخرته.
9- أن يصبر على جفاء الإخوان ولا يقابلهم بالمثل، فإنَّه مأجور مثاب على صبره، وقد يكون صبره هذا سببًا لتركهم الجَفَاء وبعدهم عنه، وهو مِن جانب آخر أسلم له، قال أبو حاتم البستي: (العاقل يتفقَّد ترك الجَفاء مع الإخوان، ويراعي محوها إن بدت منه، ولا يجب أن يستضعف الجفوة اليسيرة؛ لأنَّ مَن استصغر الصَّغير يوشك أن يجمع إليه صغيرًا، فإذا الصَّغير كبير، بل يبلغ مجهوده في محوها) . وقال -أيضًا-: (ولأن يصبر المرء على حرارة الجَفاء ومرارتها أولى مِن الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) ممَّا يستجلب عليه بما هو أحرُّ وأمرُّ ممَّا مضى؛ لأنَّ مِن الكلام ما هو أشدُّ مِن الحجر، وأنفذ مِن الإبر، وأمرُّ مِن الصَّبر، ولقد أحسن الذي يقول:


لقد أسمع القول الذي كاد كُلَّما *** تذكرنيه النَّفس قلبي تصدَّع



فأبدي لمن أبداه منِّي بشاشة *** كأنِّي مسرور بما منه أسمع



وما ذاك عن عجز به غير أنَّني *** أرى أن ترك الشَّرِّ للشَّرِّ أقطع )



وليعلم هذا الفاضل أنَّ أفضل طريقة يختبر فيها حسن خلقه؛ هي الصَّبر على جفاء الجفاة، واحتمال الأذى. قال الغزَّالي: (وأولى ما يُمْتَحن به حسن الخُلُق: الصَّبر على الأذى، واحتمال الجَفاء) .
وعليه أن يتَّهم نفسه إذا رأى جفاءً مِن إخوانه، فربَّما كان هذا الجَفاء بسبب ذنب ارتكبه، أو خطيئة أتى بها. قال بكر بن عبد الله المزنيُّ: (وإن رأيت إخوانك مِن المسلمين يكرمونك، ويعظِّمونك، ويصلونك، فقل أنت: هذا فضل أخذوا به، وإن رأيت منهم جفاءً وانقباضًا، فقل: هذا ذنب أحدثته) .

محمد رافع 52
06-09-2013, 02:21 PM
الصَّبر على الجَفَاء

قال ابن حزم الأندلسي: (الصَّبر على الجَفَاء ينقسم ثلاثة أقسام:
1- فصبر عمَّن يقدر عليك، ولا تقدر عليه.
2- وصبر عمَّن تقدر عليه، ولا يقدر عليك.
3- وصبر عمَّن لا تقدر عليه، ولا يقدر عليك.
فالأوَّل ذلٌّ ومهانة، وليس مِن الفضائل، والرأي لمن خشي ما هو أشدُّ ممَّا يصبر عليه المتاركة والمباعدة. والثَّاني فضلٌ وبِرٌّ، وهو الحِلْم على الحقيقة، وهو الذي يوصف به الفضلاء، والثَّالث ينقسم قسمين:
1- إمَّا أن يكون الجَفَاء ممَّن لم يقع منه إلَّا على سبيل الغلط، ويعلم قبح ما أتى به، ويندم عليه، فالصَّبر عليه فضل وفرض، وهو حِلْم على الحقيقة.
2- وأمَّا مَن كان لا يدري مقدار نفسه، ويظنُّ أنَّ لها حقًّا يستطيل به، فلا يندم على ما سلف منه، فالصَّبر عليه ذلٌّ للصَّابر، وإفساد للمصبور عليه؛ لأنَّه يزيد استشراءً، والمقارضة له سخف، والصَّواب إعلامه بأنَّه كان ممكنًا أن ينتصر منه، وإنَّه إنَّما ترك ذلك استرذالًا له فقط، وصيانة عن مراجعته، ولا يُزاد على ذلك، وأمَّا جفاء السِّفْلة فليس جزاؤه إلَّا النَّكال وحده) .

محمد رافع 52
06-09-2013, 02:23 PM
الجَفَاء في الأدب والأمثال

1- مَن جعل لنفسه مِن حُسن الظَّنِّ بإخوانه نصيبًا أراح قلبَه.
يعني أنَّ الرَّجل إذا رأى مِن أخيه إعراضًا وتغيُّـرًا، فَحَمَله منه على وجهٍ حَسَنٍ، وطلب له المخارج والحذر، خَفَّفَ ذلك عن قلبه، وقَلَّ منه غيظه، وهذا مِن قول أكثم بن صيفي. يُضْرَب في حسن الظَّنِّ بالأخ عند ظهور الجَفَاء منه .
2- وقالوا: مَن تحلَّى بالوفاء وتخلَّى عن الجَفاء، فذلك مِن إخوان الصَّفاء .
3- وقال آخر: ذكر أيام الجَفاء في أيام الصَّفاء جفاء .
4- وقال آخر: ظلُّ الجَفاء يكسف شمس الصَّفاء .
5- وقال بعض الحكماء: العتاب علامة الوفاء، وسلاح الأكفاء، وحاصد الجَفاء .
6- وقيل لبعض الحكماء: أوصني بشيء. قال: لا تجف ربَّك، ولا تجف الخَلْق، ولا تجف نفسك، أما الجَفَاء بربِّك: فأن تشتغل بخدمة غيره مِن المخلوقين، وأمَّا الجَفَاء مع الخَلْق فأن تذكرهم عند النَّاس بسوء، وأما الجَفاء مع النَّفس، فأن تتهاون بفرائض الله تعالى .
7- وقال أعرابيٌّ لصاحبٍ له: لست أقتضي الوفاء بكثرة الإلحاح فأُثْقِل عليك، ولا أقابل الجَفاء بترك العتاب، فأغتنم القطيعة منك .
8- مِن الجَفاء أن لا أواسيك في الحَفاء .

محمد رافع 52
06-09-2013, 02:30 PM
ذم الجَفَاء في واحة الشِّعر

قال أبو تمام:


إذا ما رأسُ أهلِ البيتِ وَلَّى *** بدا لهمُ مِن النَّاسِ الجَفاءُ



وقال أبو بكر بن داود الأصبهانيُّ:


أخوكَ الذي أمسى بحبِّك مغرمًا *** يتوبُ إليك اليومَ مما تقدَّما



فإن لم تصلْه رغبةً في إخائِه *** ولم تكُ مشتاقًا فصِلْه تكرُّمَا



فقد والذي عافاك ممَّا ابتلي به *** تندَّم لو يرضيك أن يتندَّما



وواللهِ ما كان الصدودُ الذي مضى *** دلالًا ولاَ كان الجَفَاءُ تبـرُّمَا



وقال هلال بن العلاء الرقِّي:


لـمَّا عفوتُ ولم أحقدْ على أحدٍ *** أرحتُ نفسي مِن غمِّ العداواتِ



إنِّي أحيِّي عدوِّي عند رؤيتِه *** لأدفعَ الشَّرَّ عنِّي بالتَّحيَّاتِ



وأُظهرُ البِشْر للإنسانِ أُبغضُه *** كأنَّه قد ملا قلبي محبَّاتِ



والنَّاسُ داءٌ وداءُ النَّاسِ قربُهمُ *** وفي الجَفَاءِ لهم قطعُ الأخوَّاتِ



فلستُ أسلمُ ممَّن لستُ أعرفُه *** فكيف أسلمُ مِن أهلِ المودَّاتِ



وقال دعبل:


أبعدَ الصَّفاءِ ومحضِ الإخاءِ *** يقيمُ الجَفاءُ بنا يخطبُ



وقد كان مشربُنا صافيا *** زمانًا فقد كدرَ المشربُ



وقال آخر:


إلى كم تستمرُّ على الجَفَاءِ *** ولا ترعَى حُقوقَ الأصدقاءِ



فمن لي أن أرَى لك مثلَ فعلي *** فنصبحُ في الوِدَادِ على استواءِ



وقال آخر:


يقولُ إذا أردتَ بنا جَفَاءً *** حوالينا الجَفَاءُ ولا علينا

http://t3.gstatic.com/images?q=tbn:ANd9GcT3wqyKmQ_gTH7jQLJAVCOilPWbOyU0p nK2GpLwPBmUxBgwO-4h (http://www.google.com.sa/url?sa=i&source=images&cd=&cad=rja&docid=2TcPGlQ4gzMAJM&tbnid=23Ub--QhChAvvM:&ved=&url=http%3A%2F%2Fahmadkelhy.blogspot.com%2F2012%2F 11%2Fblog-post_2420.html&ei=usopUpnUG4ja0QWO3YCgCA&psig=AFQjCNHpz9vgYfT80f_Xtq244xMd6n9tGw&ust=1378556986492447)

محمد رافع 52
06-09-2013, 02:32 PM
الحسد

معنى الحسد لغةً واصطلاحًا


معنى الحسد لغةً:
الحسد مصدره حسده يَحْسِدُه ويَحْسُدُه، حَسَدًا وحُسودًا وحَسادَةً، وحَسَّدَه: تمنى أن تتحول إليه نعمته وفضيلته، أو يسلبهما، وحَسَدَهُ الشيءَ وعليه
معنى الحسد اصطلاحًا:
وقال الجرجاني: (الحسد تمني زوال نعمة المحسود إلى الحاسد) .
وقال الكفوي: (الحسد: اختلاف القلب على الناس؛ لكثرة الأموال والأملاك) .
وعرفه الطاهر بن عاشور فقال: (الحسد: إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير، مع تمني زوالها عنه؛ لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة، أو على مشاركته الحاسد) .

محمد رافع 52
06-09-2013, 02:36 PM
الفرق بين الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) وبعض الصفات

- الفرق بين الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والغبطة:
قال ابن منظور: (الغبط أن يرى المغبوط في حال حسنة، فيتمنى لنفسه مثل تلك الحال الحسنة، من غير أن يتمنى زوالها عنه، وإذا سأل الله مثلها فقد انتهى إلى ما أمره به ورضيه له، وأما الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) فهو أن يشتهي أن يكون له ما للمحسود، وأن يزول عنه ما هو فيه) .
وقال الرازي: (إذا أنعم الله على أخيك بنعمة؛ فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد، وإن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة) .
وقد تسمى الغبطة حسدًا كما جاء في حديث عبد الله بن مسعود، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/452) فهو يقضي بها ويعلمها)) . وقد فسر النووي الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) في الحديث فقال: (هو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها) .
- الفرق بين الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والمنافسة والمسابقة:
قال ابن القيم: (للحسد حدٌّ، وهو المنافسة في طلب الكمال، والأنفة أن يتقدَّم عليه نظيره، فمتى تعدَّى ذلك صار بغيًا وظلمًا يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود، ويحرص على إيذائه) .
وقال الغزالي: (والمنافسة في اللغة مشتقة من النفاسة، والذي يدلُّ على إباحة المنافسة قوله تعالى: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين: 26]، وقال تعالى: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [الحديد: 21]، وإنما المسابقة عند خوف الفوت؛ وهو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما، إذ يجزع كلُّ واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها) .
وبيَّن الغزالي سبب المنافسة فأرجعها إلى: (إرادة مساواته، واللحوق به في النعمة، وليس فيها كراهة النعمة، وكان تحت هذه النعمة أمران: أحدهما: راحة المنعم عليه، والآخر: ظهور نقصانه عن غيره وتخلفه عنه، وهو يكره أحد الوجهين، وهو تخلُّف نفسه، ويحب مساواته له. ولا حرج على من يكره تخلف نفسه ونقصانها في المباحات) .
وقد تنافس الصحابة في الخير، وبذلوا أسباب الكمال؛ فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ((أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدق، فوافق ذلك مالًا عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكلِّ ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا)) .

ولكن المنافسة في أمور الدنيا تجر غالبًا إلى الوقوع في
الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والأخلاق الذميمة، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا فتحت عليكم فارس والروم أي قوم أنتم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: نقول كما أمرنا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو غير ذلك؛ تتنافسون، ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون)) . وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) .
وقد نبَّه على ذلك الرازي فقال: (لكن هاهنا دقيقة؛ وهي أن زوال النقصان عنه بالنسبة إلى الغير له طريقان: أحدهما: أن يحصل له مثل ما حصل للغير. والثاني: أن يزول عن الغير ما لم يحصل له. فإذا حصل

اليأس (http://dorar.net/enc/akhlaq/2874) عن أحد الطريقين فيكاد القلب لا ينفكُّ عن شهوة الطريق الآخر، فهاهنا إن وجد قلبه بحيث لو قدر على إزالة تلك الفضيلة عن ذلك الشخص لأزالها، فهو صاحب الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) المذموم، وإن كان يجد قلبه بحيث تردعه التقوى عن إزالة تلك النعمة عن الغير؛ فالمرجو من الله تعالى أن يعفو عن ذلك) .
- الفرق بين الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والعين:
العين نظر باستحسان قد يشوبه شيء من الحسد، ويكون الناظر خبيث الطبع .
(يشتركان في الأثر، ويختلفان في الوسيلة والمنطلق.
فالحاسد: قد يحسد ما لم يره، ويحسد في الأمر المتوقع قبل وقوعه، ومصدره تحرق القلب واستكثار النعمة على المحسود، وبتمني زوالها عنه أو عدم حصولها له وهو غاية في حطة النفس.
والعائن: لا يعين إلا ما يراه والموجود بالفعل، ومصدره انقداح نظرة العين، وقد يعين ما يكره أن يصاب بأذى منه كولده وماله) .
قال ابن القيم: (العاين والحاسد يشتركان في شيء، ويفترقان في شيء؛ فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من يريد أذاه؛ فالعائن تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته، والحاسد يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضًا، ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد، أو حيوان، أو زرع، أو مال) .
وقال أيضًا: ((العائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد...وأنه أعم فكل عائن حاسد ولا بد، وليس كل حاسد عائنًا)) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:20 AM
ذم الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والنهي عنه
أولًا: في القرآن الكريم

- قال تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [سورة الفلق].
قال الرازي: (كما أنَّ الشيطان هو النهاية في الأشخاص المذمومة، ولهذا السبب ختم الله مجامع الشرور الإنسانية بالحسد، وهو قوله: وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَكما ختم مجامع الخبائث الشيطانية بالوسوسة) .
وقال الحسين بن الفضل: (إنَّ الله جمع الشرور في هذه الآية وختمها بالحسد ليعلم أنه أخسُّ الطبائع) .
وقال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109].
قال ابن عثيمين: (والآية تدلُّ على تحريم الحسد؛ لأنَّ مشابهة الكفار بأخلاقهم محرمة ... والحاسد لا يزداد بحسده إلا نارًا تتلظى في جوفه؛ وكلما ازدادت نعمة الله على عباده ازداد حسرة؛ فهو مع كونه كارهًا لنعمة الله على هذا الغير مضاد لله في حكمه؛ لأنَّه يكره أن ينعم الله على هذا المحسود، ثم إنَّ الحاسد أو الحسود مهما أعطاه الله من نعمة لا يرى لله فضلًا فيها؛ لأنَّه لابدَّ أن يرى في غيره نعمة أكثر مما أنعم الله به عليه، فيحتقر النعمة) .
وقال الثعالبي: (وقيل: إنَّ هذه الآية تابعةٌ في المعنى لما تقدَّم من نَهْيِ اللهِ عزَّ وجلَّ عن متابعة أقوال اليهود في: رَاعِنَا [البقرة: 104] وغيره، وأنهم لا يودُّون أن ينزل على المؤمنين خيرٌ، ويودُّون أن يردوهم كفارًا من بعد ما تبيَّن لهم الحق، وهو نبوءة محمَّد صلَّى الله عليه وسلم) .
(وقال: حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم ليبين أنَّ حسدهم لم يكن عن شبهة دينية، أو غيرة على حقٍّ يعتقدونه، وإنما هو خبث النفوس، وفساد الأخلاق، والجمود على الباطل، وإن ظهر لصاحبه الحق) .
- وقال سبحانه: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا [النساء: 54].

قال القرطبي: (وهذا هو
الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) بعينه الذي ذمَّه الله تعالى) .
وقال أبو السعود: (مفيدة للانتقال من توبيخهم بما سبق إلى توبيخهم بالحسد الذي هو شرُّ الرذائل وأقبحها؛ لاسيما على ما هم بمعزل من استحقاقه) .
- وقال عزَّ مِن قائل: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [النساء: 32].
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: (والحسد مذموم، وصاحبه مغموم، وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ... ويقال:

الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) أول ذنب عصي الله به في السماء، وأول ذنب عصي به في الأرض، فأما في السماء فحسد إبليس لآدم، وأما في الأرض فحسد قابيل لهابيل) .
وقال الزجاج: (قيل: لا ينبغي أن يتمنى الرجل مال غيره ومنزل غيره، فإِن ذلك هو الحسد) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:23 AM
ثانيًا: السنة النبوية

- عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانًا)) .

قال ابن بطال: (وفيه: النهي عن
الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) على النعم، وقد نهى الله عباده المؤمنين عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض، وأمرهم أن يسألوه من فضله) .
وقال الباجي: (أن تنافس أخاك في الشيء حتى تحسده عليه، فيجر ذلك إلى الطعن والعداوة، فذلك الحسد) .
قال القاري: قال: (إياكم والحسد. أي: في مال أو جاه دنيوي؛ فإنَّه مذموم، بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي. فإن الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) أي: باعتبار ما ينتج في حقِّ المحسود من ارتكاب السيئات. يأكل الحسنات: أي يفني ويذهب طاعات الحاسد. كما تأكل النار الحطب. لأنَّ الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود ونحوه، فيذهب حسناته في عرض ذلك المحسود، فيزيد المحسود نعمة على نعمة، والحاسد حسرة على حسرة، فهو كما قال تعالى: خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ [الحج:11]) .
وقال المناوي: (فإنَّ

الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) يأكل الحسنات. أي: يذهبها، ويحرقها، ويمحو أثرها. كما تأكل النار الحطب. أي: اليابس؛ لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود، وشتمه، وقد يتلف ماله، أو يسعى في سفك دمه، وكل ذلك مظالم يقتصُّ منها في الآخرة، ويذهب في عوض ذلك حسنات، فلا حجة فيه للمعتزلة الزاعمين أنَّ المعاصي تحبط الطاعات) .
وقال العظيم آبادي: (إياكم والحسد. أي: احذروا الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) في مال أو جاه دنيوي؛ فإنَّه مذموم، بخلاف الغبطة في الأمر الأخروي.فإن الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) يأكل الحسنات. أي: يفني ويذهب طاعات الحاسد) .
- وعن قيس، قال: سمعت عبد الله بن مسعود، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا فسلط على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة (http://dorar.net/enc/akhlaq/452) فهو يقضي بها ويعلمها)) .
قال النووي: (قال العلماء

الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) قسمان: حقيقي ومجازي، فالحقيقي تمني زوال النعمة عن صاحبها، وهذا حرام بإجماع الأمة مع النصوص الصحيحة، وأما المجازي فهو الغبطة وهو أن يتمنى مثل النعمة التي على غيره من غير زوالها عن صاحبها، فإن كانت من أمور الدنيا كانت مباحة، وإن كانت طاعة فهي مستحبة، والمراد بالحديث لا غبطة محبوبة إلا في هاتين الخصلتين، وما في معناهما. قوله صلى الله عليه وسلم: آناء الليل والنهار. أي ساعاته) .
قال ابن الجوزي: (وقد ذم الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) على الإطلاق لما ينتجه ويوجبه... وأنَّ المراد بالحديث نفي الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) فحسب، فقوله: لا حسد. كلام تام، وهو نفي في معنى النهي. وقوله: إلا في اثنتين. استثناء ليس من ال***) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:26 AM
أقوال السلف والعلماء في الحسد

- قال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: (كلُّ الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها) .
- وقال ابن سيرين: (ما حسدت أحدًا على شيء من أمر الدنيا؛ لأنَّه إن كان من أهل الجنة، فكيف أحسده على الدنيا، وهي حقيرة في الجنة؟! وإن كان من أهل النار، فكيف أحسده على أمر الدنيا، وهو يصير إلى النار؟!) .
- وقال الحسن البصري: (ما رأيت ظالـمًا أشبه بمظلوم من حاسد، نفس دائم، وحزن لازم، وغمٌّ لا ينفد) .
- وقال أبو حاتم: (الواجب على العاقل مجانبة الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) على الأحوال كلِّها، فإنَّ أهون خصال الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) هو ترك الرضا بالقضاء، وإرادة ضد ما حكم الله جل وعلا لعباده، ثم انطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم، والحاسد لا تهدأ روحه، ولا يستريح بدنه إلا عند رؤية زوال النعمة عن أخيه، وهيهات أن يساعد القضاء ما للحساد في الأحشاء) . وقال كذلك: (الحسد من أخلاق اللئام، وتركه من أفعال الكرام، ولكلِّ حريق مطفئ، ونار الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) لا تطفأ) .
- وقال أبو الليث السمرقندي: (يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود: أولاها: غمٌّ لا ينقطع. الثانية: مصيبة لا يُؤجر عليها. الثالثة: مذمَّة لا يُحمد عليها. الرابعة: سخط الرب. الخامسة: يغلق عنه باب التوفيق) .
- وقال الجاحظ: (ومتى رأيت حاسدًا يصوب إليك رأيًا إن كنت مصيبًا، أو يرشدك إلى صواب إن كنت مخطئًا، أو أفصح لك بالخير في غيبته عنك، أو قصر من غيبته لك؟ فهو الكلب الكَلِب، والنمر النَّمِر، والسمُّ القَشِب، والفحل القَطِم ، والسيل العَرِم . إن ملك *** وسبى، وإن مُلِك عصى وبغى. حياتك موته، وموتك عرسه وسروره. يصدِّق عليك كلَّ شاهد زور، ويكذِّب فيك كلَّ عدل مرضي. لا يحب من الناس إلا من يبغضك، ولا يبغض إلا من يحبك. عدوك بطانة وصديقك علانية...أحسن ما تكون عنده حالًا أقل ما تكون مالًا، وأكثر ما تكون عيالًا، وأعظم ما تكون ضلالًا. وأفرح ما يكون بك أقرب ما تكون بالمصيبة عهدًا، وأبعد ما تكون من الناس حمدًا، فإذا كان الأمر على هذا فمجاورة الموتى، ومخالطة الزَّمنى ، والاجتنان بالجدران، ومصر المصران، وأكل القردان، أهون من معاشرته والاتصال بحبله) .
- وقال الجرجاني: (كم من فضيلة لو لم تستترها المحاسد لم تبرح في الصدور كامنة، ومنقبة لو لم تزعجها المنافسة لبقيت على حالها ساكنة! لكنها برزت فتناولتها ألسن الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) تجلوها، وهي تظن أنها تمحوها، وتشهرها وهي تحاول أن تسترها؛ حتى عثر بها من يعرف حقها، واهتدى إليها من هو أولى بها، فظهرت على لسانه في أحسن معرض، واكتست من فضله أزين ملبس؛ فعادت بعد الخمول نابهة، وبعد الذبول ناضرة، وتمكنت من برِّ والدها فنوَّهت بذكره، وقدرت على قضاء حقِّ صاحبها، فرفعت من قدره وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [البقرة: 216]) .
- وقال ابن المعتز: (الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له، ويبخل بما لا يملكه، ويطلب ما لا يجده) .
- وقال ابن حزم: (إنَّ ذوي التراكيب الخبيثة يبغضون لشدة الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) كلَّ من أحسن إليهم، إذا رأوه في أعلى من أحوالهم) .
- وقال الخطاب بن نمير السعدي: (الحاسد مجنون؛ لأنَّه يحسد الحسن والقبيح) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:28 AM
آثار الحسد

الحسد مذموم مرذول، أجمل الماوردي مذمته في قوله: (ولو لم يكن من ذمِّ الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) إلا أنَّه خلق دنيء، يتوجَّه نحو الأكفاء والأقارب، ويختصُّ بالمخالط والمصاحب، لكانت النزاهة (http://dorar.net/enc/akhlaq/1434) عنه كرمًا، والسلامة منه مغنمًا، فكيف وهو بالنفس مضرٌّ، وعلى الهمِّ مصرٌّ، حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدو، ولا إضرار بمحسود) ثم ذكر للحسد أربع مساوئ فقال:
1- حسرات الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) وسقام الجسد، ثم لا يجد لحسرته انتهاء، ولا يؤمل لسقامه شفاء، قال ابن المعتز: الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) داء الجسد.
2- انخفاض المنزلة وانحطاط المرتبة؛ لانحراف الناس عنه، ونفورهم منه، وقد قيل في منثور الحكم: الحسود لا يسود.
3- مقت الناس له، حتى لا يجد فيهم محبًّا، وعداوتهم له، حتى لا يرى فيهم وليًّا، فيصير بالعداوة مأثورًا، وبالمقت مزجورًا.
4- إسخاط الله تعالى في معارضته، واجتناء الأوزار في مخالفته، إذ ليس يرى قضاء الله عدلًا، ولا لنعمه من الناس أهلًا .
وقال الجاحظ: (الحسد -أبقاك الله- داء ينهك الجسد، ويفسد الودَّ، علاجه عسر، وصاحبه ضجر، وهو باب غامض، وأمر متعذر، فما ظهر منه فلا يداوى، وما بطن منه فمداويه في عناء) ثم قال: (ولو لم يدخل- رحمك الله- على الحاسد بعد تراكم الهموم على قلبه، واستمكان الحزن في جوفه، وكثرة مضضه ، ووسواس ضميره، وتنغيص عمره، وكدر نفسه، ونكد لذاذة معاشه، إلا استصغاره لنعمة الله عنده، وسخطه على سيده بما أفاد الله عبده، وتمنيه عليه أن يرجع في هبته إياه، وألا يرزق أحدًا سواه، لكان عند ذوي العقول مرحومًا، وكان عندهم في القياس مظلومًا) .
5- يؤدي إلى المقاطعة، والهجر، والبغضاء، والشحناء.
6- يؤدي إلى الغيبة، والنميمة.
7- يؤدي إلى الظلم، والعدوان.
8- يؤدي إلى السرقة، وال*** .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:31 AM
أقسام الحسد

قسم العلماء الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) إلى عدد من الأنواع، ومنهم ابن القيم الذي قسمه إلى ثلاثة أنواع:
1- حسد يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما؛ لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئًا من ذلك، ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله.
2- تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، بل يحب أن يبقى على حاله؛ من جهله، أو فقره، أو ضعفه، أو شتات قلبه عن الله، أو قلة دينه.
3- حسد الغبطة؛ وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود، من غير أن تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به ولا يعاب صاحبه، بل هذا قريب من المنافسة .
وقسمه الغزالي إلى أربعة أنواع:
1- أن يحب زوال النعمة عنه، وإن كان ذلك لا ينتقل إليه، وهذا غاية الخبث.
2- أن يحب زوال النعمة إليه لرغبته في تلك النعمة، مثل رغبته في دار حسنة، أو امرأة جميلة، أو ولاية نافذة، أو سعة نالها غيره، وهو يحبُّ أن تكون له، ومطلوبه تلك النعمة لا زوالها عنه.
3- أن لا يشتهي عينها لنفسه، بل يشتهي مثلها، فإن عجز عن مثلها أحب زوالها كيلا يظهر التفاوت بينهما.
4- أن يشتهي لنفسه مثلها، فإن لم تحصل فلا يحب زوالها عنه، وهذا هو المعفو عنه إن كان في الدنيا، والمندوب إليه إن كان في الدين .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:33 AM
أسباب الوقوع في الحسد

للحسد أسباب كثيرة تجعل النفس المريضة تقع في حبائل تلك الخصلة الذميمة، وقد أحسن الجرجاني إجمالها فقال: (التفاضل -أطال الله بقاءك- داعية التنافس؛ والتنافس سبب التحاسد؛ وأهل النقص رجلان: رجل أتاه التقصير من قبله، وقعد به عن الكمال اختياره، فهو يساهم الفضلاء بطبعه، ويحنو على الفضل بقدر سهمه. وآخر رأى النقص ممتزجًا بخلقته، ومؤثلًا في تركيب فطرته، فاستشعر اليأس (http://dorar.net/enc/akhlaq/2874) من زواله، وقصرت به الهمة عن انتقاله؛ فلجأ إلى حسد الأفاضل، واستغاث بانتقاص الأماثل؛ يرى أنَّ أبلغ الأمور في جبر نقيصته، وستر ما كشفه العجز عن عورته، اجتذابهم إلى مشاركته، ووسمهم بمثل سمته ) .
وفصل الغزالي أسباب التحاسد في سبعة أمور هي:
1– (العداوة والبغضاء: وهذا أشد أسباب الحسد، فإنَّ مَن آذاه شخص بسبب من الأسباب، وخالفه في غرض بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه، وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد. والحقد يقتضي التشفي والانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفَّى بنفسه أحبَّ أن يتشفَّى منه الزمان، وربما يحيل ذلك على كرامة نفسه عند الله تعالى، فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها، وظنَّها مكافأة له من جهة الله على بغضه وأنها لأجله، ومهما أصابته نعمة ساءه ذلك؛ لأنَّه ضدُّ مراده، وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند الله؛ حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه، بل أنعم عليه.
2- التعزز: وهو أن يثقل عليه أن يترفع عليه غيره، فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية، أو علمًا، أو مالًا خاف أن يتكبر عليه، وهو لا يطيق تكبره، ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه ، وتفاخره عليه، وليس من غرضه أن يتكبر، بل غرضه أن يدفع كبره، فإنَّه قد رضي بمساواته مثلًا، ولكن لا يرضى بالترفع عليه.
3- الكبر: وهو أن يكون في طبعه أن يتكبر عليه، ويستصغره، ويستخدمه، ويتوقَّع منه الانقياد له، والمتابعة في أغراضه، فإذا نال نعمة خاف ألا يحتمل تكبره ويترفع عن متابعته، أو ربما يتشوَّف إلى مساواته، أو إلى أن يرتفع عليه، فيعود متكبرًا بعد أن كان متكبرًا عليه.
4- التعجب: فيجزع الحاسد من أن يتفضل عليه من هو مثله في الخلقة، لا عن قصد تكبر، وطلب رياسة، وتقدم عداوة، أو سبب آخر من سائر الأسباب.
5- الخوف من فوت المقاصد: وذلك يختص بمتزاحمين على مقصود واحد، فإن كان واحد يحسد صاحبه في كلِّ نعمة تكون عونًا له في الانفراد بمقصوده، ومن هذا ال*** تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية، وتحاسد الإخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين؛ للتوصل به إلى مقاصد الكرامة والمال.
6- حب الرياسة وطلب الجاه: وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فنٍّ من الفنون، إذا غلب عليه حب الثناء، واستفزه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر، وفريد العصر في فنه، وأنه لا نظير له، فإنه لو سمع بنظير له في أقصى العالم لساءه ذلك، وأحبَّ موته، أو زوال النعمة عنه التي بها يشاركه المنزلة؛ من شجاعة، أو علم، أو عبادة، أو صناعة، أو جمال، أو ثروة، أو غير ذلك مما يتفرد هو به، ويفرح بسبب تفرده.
7- خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى: فإنك تجد من لا يشتغل برياسة وتكبر ولا طلب مال، إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى فيما أنعم الله به عليه؛ يشقُّ ذلك عليه، وإذا وصف له اضطراب أمور الناس، وإدبارهم، وفوات مقاصدهم، وتنغص عيشهم فرح به، فهو أبدًا يحبُّ الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ملكه وخزانته. وهذا السبب معالجته شديدة؛ لأنَّ الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) الثابت بسائر الأسباب أسبابه عارضة، يتصور زوالها فيطمع في إزالتها، وهذا خبث في الجبلة لا عن سبب عارض، فتعسر إزالته) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:36 AM
الوسائل المعينة على ترك الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027)

ذكر العلماء وسائل للحاسد الذي يريد النجاة من مغبة هذا الخلق الذميم، ويودُّ الخلاص من آفته التي أقضَّت مضجعه، ومن تلك الوسائل:
1- قطع النظر عن الناس، وتعليق قلبه بالله سبحانه وتعالى، وسؤاله من فضله.
2- المنافسة في الأعمال الصالحة لا في أمور الدنيا.
3-التربية منذ الطفولة على حب الخير للناس.
4- أن يدرب نفسه على قول: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، والدعاء بالبركة، إذا أعجبه شيء.
5- الدعاء للمحسود بالزيادة من فضل الله تعالى، إذا وجد في نفسه شيئًا من الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) المذموم.
6- الرضا بقضاء الله وقدره، والتسليم لحكمه، فهو الذي يعطي النعم ويسلبها، قال تعالى: نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ [الزخرف:32].
7- التفكر في نتائج الحسد، والنظر في عواقبه الوخيمة عليه وعلى من حوله؛ فهو يتألم بحسده ويتنغص في نفسه، فيبقى مغمومًا، محرومًا، متشعب القلب، ضيق الصدر، قد نزل به ما يشتهيه الأعداء له، ويشتهيه لأعدائه، قال تعالى: وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ [فاطر: 43].
8– أن يحذر نفور الناس منه، وبعدهم عنه، وبغضهم له؛ لأنَّ الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) يظهر في أعمال الجوارح، قال تعالى: بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران: 118]، فيخاف عداوتهم له وملامتهم إياه، فيتألفهم بمعالجة نفسه، وسلامة صدره.
9– أن يعمل بنقيض ما يأمره به الحسد؛ فإن حمله الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) على القدح في محسوده، كلَّف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع (http://dorar.net/enc/akhlaq/318) له، والاعتذار إليه، وإن بعثه على كفِّ الإنعام عليه، ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه.
10- أن يصرف شهوة قلبه في مرضاة الله تعالى: فقد جعل الله في الطاعة والحلال ما يملأ القلب بالخير، وما من صفة من الصفات إلا وجعل لها مصرفًا ومحلًّا ينفذها فيه، فجعل لصفة الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) مصرفًا وهو المنافسة في فعل الخير، والغبطة عليه، والمسابقة إليه، وجعل لصفة الكبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/2642) التي تؤدي للحسد مصرفًا، هو التكبر على أعداء الله تعالى وإهانتهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن رآه يختال بين الصفين في الحرب: ((إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن)) ، وجعل لقوة الحرص مصرفًا وهو الحرص على ما ينفع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((احرص على ما ينفعك)) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:40 AM
الوسائل المعينة على دفع شر الحاسد عن المحسود

ذكر ابن القيم عشرة أسباب تدفع شر الحاسد عن المحسود :
1- التعوذ بالله تعالى من شره، واللجوء والتحصن به، والله تعالى سميع لاستعاذته، عليم بما يستعيذ منه، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ [سورة الفلق].
2- تقوى الله، وحفظه عند أمره ونهيه؛ فمن اتَّقى الله تولى الله حفظه، ولم يكله إلى غيره، قال تعالى: وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا [آل عمران: 120]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك)) . فمن حفظ الله، حفظه الله ووجده أمامه أينما توجه، ومن كان الله حافظه وأمامه، فممن يخاف؟!
3- الصبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/784) على عدوه، وألا يقاتله، ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلًا، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر (http://dorar.net/enc/akhlaq/784) عليه والتوكل على الله، ولا يستطل تأخيره وبغيه، فإنه كلما بغى عليه، كان بغيه جندًا وقوة للمبغي عليه المحسود، يقاتل به الباغي نفسه وهو لا يشعر، فبغيه سهام يرميها من نفسه، وقد قال تعالى: وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ [الحج: 60]، فإذا كان الله قد ضمن له النصر مع أنه قد استوفى حقَّه أولًا، فكيف بمن لم يستوفِ شيئًا من حقِّه؟!
4- التوكل على الله: وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3] والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم، فإنَّ الله حسبه أي كافيه، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، ولا يضرُّه إلا أذى لا بد منه، كالحرِّ والبرد والجوع والعطش، وأما أن يضره بما يبلغ منه مراده فلا يكون أبدًا، وفرق بين الأذى الذي هو في الظاهر إيذاء له؛ وهو في الحقيقة إحسان إليه وإضرار بنفسه، وبين الضرر الذي يتشفى به منه.
5- فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه، ولا يملأ قلبه بالفكر فيه، ولا يجعل قلبه معمورًا بالفكر في حاسده، والباغي عليه، والطريق إلى الانتقام (http://dorar.net/enc/akhlaq/1759) منه، فهذا التفكير مما لا يتسع له إلا قلب خراب، لم تسكن فيه محبة الله، وإجلاله وطلب مرضاته، وهذا العلاج من أنفع الأدوية، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره.
6- الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، تدب فيها دبيب الخواطر شيئًا فشيئًا، حتى يقهرها، ويغمرها، ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره، وهواجسه، وأمانيه كلها في محابِّ الرب، والتقرب إليه، وتملقه، وترضيه، واستعطافه، وذكره.
7- تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فإنَّ الله تعالى يقول: وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ [الشورى: 30] وقال لصحابة نبيه صلى الله عليه وسلم: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران: 165] فما سلط على العبد من يؤذيه إلا بذنب يعلمه أو لا يعلمه، وما لا يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها، وما ينساه مما علمه وعمله أضعاف ما يذكره.
8- الصدقة والإحسان ما أمكنه، فإنَّ لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء، ودفع العين وشرِّ الحاسد، فما يكاد العين والحسد والأذى يتسلط على محسن متصدق، وإن أصابه شيء من ذلك كان معاملًا فيه باللطف والمعونة والتأييد، وكانت له فيه العاقبة الحميدة.
9- إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشرًّا وبغيًا وحسدًا، ازددت إليه إحسانًا، وله نصيحة، وعليه شفقة، وهذا من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله، قال تعالى: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ 34 وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت: 34 – 36] واعلم أنَّ لك ذنوبًا بينك وبين الله، تخاف عواقبها، وترجوه أن يعفو عنها، ويغفرها لك، ويهبها لك. ومع هذا ينعم الله عليك، ويكرمك، ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمِّله، فإذا كنت ترجو هذا من ربِّك أن يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه، وتقابل به إساءتهم؛ ليعاملك الله هذه المعاملة؛ فإنَّ الجزاء من *** العمل.
10- تجريد التوحيد والانتقال بالفكر إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأنَّ الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) لا يضرُّ ولا ينفع إلا بإذنه، فهو الذي يصرفها عنه وحده لا أحد سواه، قال تعالى: وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ [يونس: 107] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ((واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك، لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك، لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك)) .
وقال الجاحظ: (فإذا أحسست -رحمك الله- من صديقك بالحسد، فأقلل ما استطعت من مخالطته، فإنَّه أعون الأشياء لك على مسالمته، وحصن سرَّك منه تسلم من شرِّه وعوائق ضرِّه، وإياك والرغبة في مشاورته، ولا يغرنك خدع ملقه ، وبيان ذلقه ، فإنَّ ذلك من حبائل نفاقه) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:42 AM
حسد إبليس

خلق الله جل وعلا آدم عليه السلام وشرَّفه وكرَّمه، وأمر الملائكة بالسجود له، ولكن إبليس تكبر وبغى، وحسده على هذه المنزلة؛ قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [الأعراف: 11-12] قال قتادة: (حسد عدو الله إبليس آدم عليه السلام ما أعطاه من الكرامة، وقال: أنا ناريٌّ وهذا طينيٌّ) . وقال ابن عطية: (أول ما عصي الله بالحسد، وظهر ذلك من إبليس) .
ومن شدة حسد إبليس أنه لما تبين مقت الله له وغضبه عليه، أراد أن يغوي بني آدم ليشاركوه المقت والغضب، وقد ذكر الله حال إبليس هذا، قال تعالى: قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ [الأعراف: 16-17] قال ابن القيم: (الحاسد شبيه بإبليس، وهو في الحقيقة من أتباعه؛ لأنَّه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس، وزوال نعم الله عنهم، كما أنَّ إبليس حسد آدم لشرفه وفضله، وأبى أن يسجد له حسدًا، فالحاسد من جند إبليس) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:44 AM
حسد قابيل لأخيه هابيل

قال تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ [المائدة: 27- 30] (فإن آدم - عليه السلام - لما بعث إلى أولاده، كانوا مسلمين مطيعين، ولم يحدث بينهم اختلاف في الدين، إلى أن *** قابيل هابيل؛ بسبب الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) والبغي) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:46 AM
حسد إخوة يوسف

قال تعالى: لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ [يوسف: 7- 9] قال الماوردي: (كان يعقوب قد كلف بهما؛ لموت أمهما، وزاد في المراعاة لهما، فذلك سبب حسدهم لهما، وكان شديد الحبِّ ليوسف، فكان الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) له أكثر، ثم رأى الرؤيا فصار الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) له أشد) .

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:48 AM
حسد اليهود والنصارى

بيَّن الله تعالى أنَّ أهل الكتاب الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم حسدوه على ما آتاه الله من فضله، حتى إنهم زعموا أنَّ كفار مكة أهدى من المؤمنين برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا [النساء 51- 54] ومع كفرهم فإنهم يودون لو يرتد المسلمون عن دينهم حسدًا وحقدًا، قال تعالى: وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ [البقرة: 109] قال ابن كثير: (يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طرائق الكفار من أهل الكتاب، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر، وما هم مشتملون عليه من الحسد (http://dorar.net/enc/akhlaq/2027) للمؤمنين، مع علمهم بفضلهم، وفضل نبيهم)

محمد رافع 52
07-09-2013, 09:50 AM
حسد كفار قريش

أكرم الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ولكن كفار قريش حسدوه على هذا الفضل، وظنوا أنَّ النبوة مبنية على مقاييسهم الدنيوية المختلة، وقد ذكر الله تعالى ذلك عنهم ووبخهم على سوء فهمهم، قال تعالى: وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ [الزخرف: 31- 32] قال النسفي: (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ [القصص: 69] تضمر صُدُورُهُمْ [القصص: 69] من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسده، وما يعلنون من مطاعنهم فيه، وقولهم: هلا اختير عليه غيره في النبوة)